لنبتعد عن اللغو
يقول سبحانه

آية من آيات الله التي من تمثلها حاز على خصلة من خصال عباد الرحمان إنها خصلة الاعراض عن اللغو .
والحديث عن اللغو يجعلنا – من أجل فهمه جيدا - نبحث عن تحديد مفهومه ، وأقسامه ، ولماذا حذرت الشريعة منه ؟.
فاللغو في القرآن الكريم ورد دائما في معرض النهي عنه ، أو في معرض الذم ، أو مدح من تركه وأعرض عنه ، ورد أحد عشر مرة .
-في معرض مدح من تركه : قال تعالى : " والذين هم عن اللغو معرضون ". وقال : " والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ".الفرقان/72. وقال : " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ".القصص /65.
-ولأنه أسلوب الكفار : لقوله تعالى : " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ". فصلت/26.
-ولأنه ليس من نعم الجنة : لقوله تعالى : " يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيه ولا تاثيم " الطور/23."وقوله : " لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ".مريم/62 ، وقوله تعالى : " لا يسمعون فيها لغوا إلا قيلا سلاما سلاما " . الواقعة/25.وقوله : " لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ".النبأ/ وقوله تعالى : " في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ". الغاشية /11.
-عدم المؤاخذة عليه إذا كان في اليمين : لقوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ". البقرة/225.والمائدة/89. وأخرج البخاري عن عائشة قالت : نزل قوله تعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " في قوله الرجل والله ، وبلى والله ".[1]



وباقي أغلبها مرتبط بالنهي عنه يوم الجمعة كما في موطأ مالك أن رسول الله

- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص


-وقد أخرج البيهقي في شعبه عن بكر بن عبد الله المزني قال : أتيت المدينة فأمرت أصحابنا بشيء من أمرهم ، ثم أتيت المسجد فجلست فجاء صاحبي الذي أوصيت ، فجعل يحدثني كيف صنع وأنا ساكت ، ثم قلت له اسكت ، فلما انصرفنا أتيت عبد الله بن عمر فذكرت ذلك له ، فقال : أما أنت أنت فلا جمعة لك ، وأما صاحبك فحمار ". قال البيهقي : " ويشبه أن يكون ابن عمر إنما أخذ هذا من الحديث الثابت عن النبي


وذكر البيهقي كلاما شاملا عن مفهوم اللغو فقال : " هو الباطل الذي لا يتصل بقيد صحيح ، ولا يكون لقائله فيه فائدة وربما يكون وبالا عليه ، ينقسم فيكون منه : أن يتكلم الرجل بما لا يعنيه من أمور الناس فيفشي سرائرهم ويهتك أستارهم ويذكر أموالهم وأحوالهم من غير حاجة به إلى شيء من ذلك ، عادة سوء ألفها فلا يريد النزوح عنها ، ويكون منه الخوض فيما لا يحل من ذكر الفجار والفجور والملاهي ، ويكون منه الافتخار بالآباء الجاهلين والتمدح بهم والذكر للمعاملات المبنية على الاستطالة ، ويكون فيه خوض المبطلين في القصائد فيما عندهم وتفضيلهم إياه على ما عند غيرهم بالدعاوي ، والتوسع في المقال في غير حجة ، ويكون منه إنشاد الأشعار المقولة في ضروب الأكاذيب ، [...] وكل ما كان لغوا فينبغي أن لا يشتغل به ".[11]
والاعراض عن اللغو خصلة تكرر ذكرها في كتاب الله ، حيث جعل سبحانه من ابتعد عنها من عباده المومنين المفلحين ، فقال تعالى : " والذين هم عن اللغو معرضون"." سورة المومنون/. ".
فرأس مالهم أوقاتهم ، فكيف ينفقونها في اللغو ؟ لا يقبلون أن يضيعوا أوقاتهم في مثل هذا ، لأن نبيهم علمهم قيمة الوقت وقيمة الدقيقة والثانية في هذه الحياة ، فإذا كان أهل الجنة سيندمون على ساعة ضاعت في غير ذكر الله ، كما قال الحبيب


وقد وصف سبحانه أيضا عباده المومنين بالابتعاد عن اللغو حيث كان فقال : " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نبتغي الجاهلين ". القصص/55.
فهذا تكميل لما بدأ به سبحانه من أوصاف عباد الرحمان في قوله :" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ". وقوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما " ، إنهم منشغلون بآخرتهم عن دنياهم ، منشغلون بما يصلح النفس عن مجاراة الناس ، منشغلون بالحق عن الباطل ، منشغلون بالجد عن الهزل ، بالبناء عن الهدم ،
-روي عن الضحاك في قوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما ". قال : لم يكن اللغو من حالهم ولا بالهم ".[14]
*لا يقيمون معارك جانبية تافهة من أجل أمور لا تسمن ولا تغني من جوع، منشغلون بهموم أمتهم ، وبآمال دينهم ، وبمآسي المسلمين في كل مكان ، " فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ".[15]
*وقد يُشتمون ويُسبون ويُساء إليهم ، ولكنهم متسامحون في حق أنفسهم حيث روي عن مجاهد قال في قوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما ". قال : إذا أوذوا صفحوا ".[16]
*غير متسامحين في حق دينهم ، يغارون على حرمات الله أن تنتهك ، ويغضبون لله ولكتابه ولرسوله .
هذا هو شأن عباد الرحمان ، لا يشغلون أنفسهم بالباطل والخوض فيه، لا ينشغلون بما لا فائدة فيه في دنياهم وآخرتهم .
-قال عطاء بن أبي رباح : " إن من قبلكم " يعني الصحابة " كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها ، أتذكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفة التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته…".[17] .
لهذا جعل الله سبحانه الصيام منه لا من غيره ، حيث قال رسول الله


فليحرص المسلم الباحث عن الغرفة في جنان الرحمان على هذا الخلق النبيل " الاعراض عن اللغو "، وليتخلق بأخلاق عباد الرحمان ، مع الحرص على الايجابية في الأقوال والأفعال ؛ بتنزيه النفس عما يفعله الجاهلون العابثون من الناس ، مع قول الحق وشهود الحق والشهادة بالحق ، وعدم حضور مجالس اللهو واللغو أيا كان اسمها وعنوانها ….
د/ أحمد العمراني
الجديدة المغرب.
الجديدة المغرب.
[1]- صحيح البخاري :4/1686/4337.
[2]- سنن أبي داود :2/262/3326.قال الشيخ الألباني : صحيح
[3]- الموطأ - رواية يحيى الليثي:1/103/232.وصحيح البخاري :1/316/892.
[4]-سنن ابي داود:1/149/347.وحسنه الألباني ، صحيح الترغيب والترهيب:1/176/721.وحسنه الألباني في الترغيب والترهيب.
[5]- شعب الإيمان:3/100/2998..
[6] - فتح الباري :2/414.وذكره ايضا الشوكاني في نيل الاوطار :3/334، وابن عبد البر في التمهيد:19/32.
[7]-فتح الباري :2/414.
[8]-فتح الباري :2/414.
[9]-فتح الباري :2/414.
[10]-انظر كتاب آفات اللسان في كتاب الاحياء .
[11]- شعب الإيمان :7/415.
[12]-المعجم الكبير للطبراني :20/93/182/ الجامع الصغير وزيادته :1/958/9577. قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 5446 في صحيح الجامع وما بين قوسين ضعيف عند الألباني انظر ضعيف الجامع رقم : 4944.
[13]- سنن الترمذي:4/612/2417. قال هذا حديث حسن صحيح وقال الألباني : صحيح.
[14]- مصنف ابن أبي شيبة:7/220/35495.
[15]-المستدرك :4/356/7902. والنص بلفظه عن ابن مسعود
: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء و من لم يهتم للمسلمين فليس منهم ".تعليق الذهبي قي التلخيص : إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين.

[16]- شعب الإيمان :6/263/8089.
[17]-شعب الايمان للبيهقي :4/274/5080.
[18]- صحيح ابن خزيمة :3/242/1996. قال الأعظمي : إسناده صحيح.
[19]- سنن أبي داود:1/505/1609. قال الشيخ الألباني : حسن.
تعليق