
وبقطع النظر عن الدوافع والمقاصد فإن الدعوة إلى التخلق بأخلاق الله تعالى لها محملان : -
أحدهما : محمل صحيح ؛ وهو اتصاف العبد بما يناسبه من صفات الله تعالى ؛ كالعلم والرحمة والحكمة ونظائرها ؛ كما في حديث:(إن الله طيب لايقبل إلى طيبا) وحديث:(إن الله جميل يحب الجمال).
وتقييد الصفات بمايناسب العبد يخرج الصفات التي لا يجوز للعبد الاتصاف بها ؛ كالألوهية والكبر والجبروت! فإن هذه خاصة بالرب لايجوز أن يشاركه فيها أحد ادعاءً كما أنه لاشريك له فيها حقيقة!
والثاني : محمل فاسد ؛ وهو محاولة الاتصاف بكل صفات الله تعالى ؛ بناء على القاعدة الفلسفية الشهيرة غاية الحكمة ونهاية الكمال الانساني التشبه بالإله على قدر الطاقة!! وهذه المحاولة تعم حتى الصفات المختصة بالله تعالى؛ كالتأله مثلا ؛ بل إنني أكاد أجزم أنهم إنما يقصدون هذا الضرب من الصفات؛ لأنهم من أكبر أهل التعطيل؛ فغاية أحدهم أن يكون نداً لله تعالى لا عبداً له! وهذا سر الفلسفة الحقيقي ؛ ولهذا تجد مقصد أحدهم بعد الموت أن يكون من جنس العقول العشرة التي تخيلوها؛ بريئا من المادة وعلائقها! وهذا هو المعاد الروحاني الذي دانت به الفلاسفة خلافا لجميع المسلمين !
والغريب - ولا غريب من المتكلمين - أن صاحب الدعوة إلى التخلق بأخلاق الإله هو نفسه الذي كَفَّرَ الفلاسفة بالقول بالمعاد الروحاني ! وهذا يحقق ما قاله عنه ابن طفيل من أنه يربط في موضع ويحل في آخر ويكفر بأشياء ثم ينتحلها !
تعليق