إخْوانِي فِي اللهِ ،
السَّلام عليكم وَرَحْمَةُ اللهِ وبرَكاتُه ، وبعدُ :
فقَدْ أَشَارَ عليَّ أخُونا فِي اللهِ أبُو مَالكٍ الْعَوَضِي ـ وَفَّقَهُ اللهُ إِلَى مَا فيهِ الْخيْرُـ أَنْ أنقلَ إلَى هذا المُلْتقَى الْمُبارَكِ مَا كُنْتُ شَارَكْتُ بِهِ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَجْلسِ الْعِلْمِيِّ مِنْ : ضَبْطِ مَنْظُومةِ سُلَّمِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الأصُولِ ، لِلشَّيخِ الْعَالمِ الْعلَّامةِ حَافظِ بنِ أحْمَدَ الحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى ـ ، فوَافقَتِ الفكرَةُ قبُولًا عِنْدِي وَترْحِيبًا ؛ لأسْبَابٍ أهمُّها :
أ ـ الامْتِثالُ لِلْأَمرِ لاسيَّمَا أنَّ أبَا مَالكٍ الْعَوَضِي هُوَ الَّذي اقْترَحَ عَليْنا هنالِكَ أنْ نضْبطَ تلْكَ المنظومَةَ ؛ لمَا لهَا منْ قيمَةٍ علْمِيَّةٍ فِي بابِها ، وَلكثْرةِ مَا فِي طبَعَاتِهَِا المُختلفةِ ـ كَمَا لاحَظَ ـ منْ أخطاءٍ وتصحيفاتٍ ،
ب ـ ثُمَّ الرَّغبةُ فِي نشْرِ المنظومةِ صَحِيحةً خَاليةً مِنَ الأخْطاءِ ،
ج ـ ثُمَّ لَعَلِّي أَجِدُ بَيْنَ أهلِ هَذا الملتقى الكرامِ ـ أعْضاءً وزوَّارًا ـ مَنْ يقوِّم لِي خَطأً لمْ يُقَوَّمْ هنالك ؛ لهذا رحَّبْتُ بإعَادةِ هذه الْمُشاركاتِ ،
هذا ، وَسَوفَ أنتَهِجُ هنا نفسَ النَّهجِ الَّذِي انتهجْتُه هُنالِكَ ؛ حيثُ أقومُ بوضْعِ جُزْءٍ مِنَ الأبياتِ مَضْبُوطًا ضَبْطًا تامًّا ، ثمَّ أُشْفِعُهُ بمجْموعةٍ مِنَ التنبيهاتِ الَّتي أُضمِّنُها الوُجُوهَ المُخْتارَةَ عِندِي فِي الضَّبْطِ والرواياتِ ؛ مبينا أسبابَ التَّرْجيحِ وَ الاخْتِيَارِ ، ثُمَّ أدَعُ أوْ أُتِيحُ الفرْصَةَ لإخْوَانِي ؛ لعرضِ مَا يرَوْنَهُ مِنْ آراءٍ ومُقترَحَاتٍ ، أو إجابةٍ عنْ تسَاؤُلاتٍ .
واللهَ أدْعُو أَنْ يوفِّقنا إلَى إِخْرَاجِ نُسْخَةٍ صَحِيحةٍ تلِيقُ بهَذِهِ المَنْظُومَةِ الطَّيبةِ الشَّائقةِ الرَّائقةِ الداعيةِ إلى توْحِيدِ اللهِ وَاتِّباعِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ
وَهَذا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَوْضُوعِ ، وَاللهُ المستعانُ ، وعليهِ التكْلَان
منظومةُ :
( سُلَّم الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ )
لِلْعَلاَّمَةِ الشَّيْخِ :
حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ
1 ـ أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا ... رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا
2 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا
3 ـ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
4 ـ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
7 ـ وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا ... مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
8 ـ رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ... بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
9 ـ صَلَّى عَلَيهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا
10 ـ وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ فِي الْأُصُولِ ... لِمَنْ أَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ
11 ـ سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لَا بُدَّ لِي ... مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
مُقَدِّمَةٌ :
تُعَرِّفُ الْعَبْدَ بِمَا خُلِقَ لَهُ ، وَبِأَوَّلِ مَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ،وَبِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَبِمَا هُو صَائِرٌ إِلَيْهِ .
13 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلَا
14 ـ بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ... وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ
15 ـ أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16 ـ وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19 ـ كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ ... لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّْ
20 ـ فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ ... فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21 ـ وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ... وَذلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
22 ـ وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا ... وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا
23 ـ فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ ... مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
كُنْتُ أمِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الرَّوِيُّ فِي الْبَيْتِ مُقيَّدًا لَا مُطْلقًا ؛ لِظَنِّي أَنَّ (أَنْ )عَاملةٌ النَّصْبَ ، وَلَوْ أننا أطلقْنا الرَّويَّ لاخْتَلَفَ الْمَجْرَى ، وَجَمَعْنا بينَ الضَّمِّ وَالفَتْحِ ، وَهَذا عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الْقافِيةِ ، وَهُو الْمُسمَّى إصْرافًا ؛ لهذا كنتُ أفضِّلُ التقييد ولا أجيزُ الإطلاقَ إلا على لغةِ بعضِ العربِ الذين يهملون ( أنْ ) العاملة على حدِّ قولِ ابنِ مالكٍ :
وبعْضُهم أهْملَ أنْ حَمْلًا عَلَى
مَا أخْتِها حَيثُ استحقَّتْ عمَلَا
هذا مَا كنتُ أميلُ إليهِ إلى أَنْ نبَّهَنِي أَخُونا فِي اللهِ أَبُو مَالكٍ إِلَى أَنَّ ( أنْ ) هُنا غيرُ عاملةٍ ؛ لأنَّها مُخفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ـ كمَا رأى الشَّيخُ صَاحبُ المنظُومةِ في شرْحِهِ المُسَمَّى ( معارج القبول ) ، وقدْ أكَّدَ هذا عِندي وقُوعُها في حَيزِِ الشَّهَادِةِ ، وَلا تكُونُ الشَّهادةُ إلَّا عَنْ عَلْمٍ وَيقِينٍ ؛ وعليهِ فالفِعلُ : ( يعبد ) مَرْفوعٌ لا إشكالَ في ذلكَ ، والتقديرُ : أشهدُ أنَّه لا يُعبدُ ؛ وعَلَيْهِ صِرْتُ أُفضِّلُ إِطْلاقَ الرَّويِّ ، وَإنْ جَازَ التَّقْيِيدُ .
ب ـ قَوْلُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
لا يَخْفَى أَنَّ الشيخَ وقعَ هنا فِي عَيْبِ التَّضْمِينِ ، وَالتَّضْمِينُ هُو :
تضْمِينُهُمْ تَعْلِيقُهُمْ رَوِيَّا
بِمِا يكُونُ بَعْدَهُ مَرْوِيَّا
واعْلَمُوا ـ يَا إخْواني ـ أَنَّ التَّضْمِينَ صِنفَانِ :
صِنْفٌ بِهِ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَتمّْ
إِلَّا بِهِ وَذَا بِقُبْحٍ قَدْ وُصِمْ
كَأَنْ تَرَى الرَّوِيَّ جَاءَ مُبْتَدَا
خَبَرُهُ فِيمَا يَلِي قَدْ وَرَدَا
وَالثَّانِ تَعْلِيقٌ أتَى تَوْضِيحَا
مُتمِّمًا فلَا يُرَى قبِيحَا
وَالسُّؤَالُ : مِنْ أَيِّ النوعينِ جَاءَ تَضْمِينُ الشَّيْخِ ؟
إنَّ كَلِمَةَ : ( مألوه ) تُعْرَبُ نائِبَ فَاعِلٍ ، فالتَّضْمِينُ مِنَ النَّوْعِ الأوَّلِ ، وَهُو مَعَ قُبْحِهِ جَائزٌ لِلْمُوَلدِين .
ج ـ كلمَةُ : ( مع ) فِي قَوْلِهِ :
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
بسُكُونِ الْعَيْنِ ، وَقدِ اختُلِفَ في نَوْعِهَا ، يقولُ ابْنُ مُعْطٍ :
وفِي مَعَ الْخُلْفُ فقِيلَ : ظَرْفُ
وَقِيلَ إِنْ أُسْكِنَ فَهْوَ حَرْفُ
د ـ كَلِمَةُ : ( رُسله ) في قولِهِ :
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
تُنْطقُ بِسُكُونِ السِّينِ لا ضَرُورةً بَلْ لُغَةً ؛ فَإِنَّ جَمْعَ : رسُولٍ : رُسُلٌ بِضَمَّتَيْنِ ، وَالإِسْكَانُ لُغَةٌ .
ه ـ قولُه :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
رغْمَ أنَّ الأصْلَ فِي ميمِ الْجمْعِ أَنْ تُحرَّكَ وَتُشبَعَ ـ كمَا يقولُ علماءُ القراءاتِ ـ إلا أنَّني أفضِّلُ تقْيِيدَ الرَّوِيِّ ؛ ذلِكَ لأنَّ التَّسْكِينَ هُوَ الأكْثَرُ عندَنا اسْتِعْمَالًا ، وَمَعَ هَذا لَا أمْنَعُ إِطْلَاقَ الرَّوِيِّ ، فنقُولُ :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمُ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمُ
لكِنِ الميمُ في : ( يُنذرُوهُمْ ) لَا تكُونُ إلَّا سَاكنةً .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ .
السَّلام عليكم وَرَحْمَةُ اللهِ وبرَكاتُه ، وبعدُ :
فقَدْ أَشَارَ عليَّ أخُونا فِي اللهِ أبُو مَالكٍ الْعَوَضِي ـ وَفَّقَهُ اللهُ إِلَى مَا فيهِ الْخيْرُـ أَنْ أنقلَ إلَى هذا المُلْتقَى الْمُبارَكِ مَا كُنْتُ شَارَكْتُ بِهِ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَجْلسِ الْعِلْمِيِّ مِنْ : ضَبْطِ مَنْظُومةِ سُلَّمِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الأصُولِ ، لِلشَّيخِ الْعَالمِ الْعلَّامةِ حَافظِ بنِ أحْمَدَ الحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى ـ ، فوَافقَتِ الفكرَةُ قبُولًا عِنْدِي وَترْحِيبًا ؛ لأسْبَابٍ أهمُّها :
أ ـ الامْتِثالُ لِلْأَمرِ لاسيَّمَا أنَّ أبَا مَالكٍ الْعَوَضِي هُوَ الَّذي اقْترَحَ عَليْنا هنالِكَ أنْ نضْبطَ تلْكَ المنظومَةَ ؛ لمَا لهَا منْ قيمَةٍ علْمِيَّةٍ فِي بابِها ، وَلكثْرةِ مَا فِي طبَعَاتِهَِا المُختلفةِ ـ كَمَا لاحَظَ ـ منْ أخطاءٍ وتصحيفاتٍ ،
ب ـ ثُمَّ الرَّغبةُ فِي نشْرِ المنظومةِ صَحِيحةً خَاليةً مِنَ الأخْطاءِ ،
ج ـ ثُمَّ لَعَلِّي أَجِدُ بَيْنَ أهلِ هَذا الملتقى الكرامِ ـ أعْضاءً وزوَّارًا ـ مَنْ يقوِّم لِي خَطأً لمْ يُقَوَّمْ هنالك ؛ لهذا رحَّبْتُ بإعَادةِ هذه الْمُشاركاتِ ،
هذا ، وَسَوفَ أنتَهِجُ هنا نفسَ النَّهجِ الَّذِي انتهجْتُه هُنالِكَ ؛ حيثُ أقومُ بوضْعِ جُزْءٍ مِنَ الأبياتِ مَضْبُوطًا ضَبْطًا تامًّا ، ثمَّ أُشْفِعُهُ بمجْموعةٍ مِنَ التنبيهاتِ الَّتي أُضمِّنُها الوُجُوهَ المُخْتارَةَ عِندِي فِي الضَّبْطِ والرواياتِ ؛ مبينا أسبابَ التَّرْجيحِ وَ الاخْتِيَارِ ، ثُمَّ أدَعُ أوْ أُتِيحُ الفرْصَةَ لإخْوَانِي ؛ لعرضِ مَا يرَوْنَهُ مِنْ آراءٍ ومُقترَحَاتٍ ، أو إجابةٍ عنْ تسَاؤُلاتٍ .
واللهَ أدْعُو أَنْ يوفِّقنا إلَى إِخْرَاجِ نُسْخَةٍ صَحِيحةٍ تلِيقُ بهَذِهِ المَنْظُومَةِ الطَّيبةِ الشَّائقةِ الرَّائقةِ الداعيةِ إلى توْحِيدِ اللهِ وَاتِّباعِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ
وَهَذا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَوْضُوعِ ، وَاللهُ المستعانُ ، وعليهِ التكْلَان
منظومةُ :
( سُلَّم الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ )
لِلْعَلاَّمَةِ الشَّيْخِ :
حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ
1 ـ أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا ... رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا
2 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا
3 ـ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
4 ـ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
7 ـ وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا ... مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
8 ـ رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ... بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
9 ـ صَلَّى عَلَيهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا
10 ـ وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ فِي الْأُصُولِ ... لِمَنْ أَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ
11 ـ سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لَا بُدَّ لِي ... مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
مُقَدِّمَةٌ :
تُعَرِّفُ الْعَبْدَ بِمَا خُلِقَ لَهُ ، وَبِأَوَّلِ مَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ،وَبِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَبِمَا هُو صَائِرٌ إِلَيْهِ .
13 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلَا
14 ـ بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ... وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ
15 ـ أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16 ـ وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19 ـ كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ ... لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّْ
20 ـ فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ ... فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21 ـ وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ... وَذلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
22 ـ وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا ... وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا
23 ـ فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ ... مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
كُنْتُ أمِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الرَّوِيُّ فِي الْبَيْتِ مُقيَّدًا لَا مُطْلقًا ؛ لِظَنِّي أَنَّ (أَنْ )عَاملةٌ النَّصْبَ ، وَلَوْ أننا أطلقْنا الرَّويَّ لاخْتَلَفَ الْمَجْرَى ، وَجَمَعْنا بينَ الضَّمِّ وَالفَتْحِ ، وَهَذا عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الْقافِيةِ ، وَهُو الْمُسمَّى إصْرافًا ؛ لهذا كنتُ أفضِّلُ التقييد ولا أجيزُ الإطلاقَ إلا على لغةِ بعضِ العربِ الذين يهملون ( أنْ ) العاملة على حدِّ قولِ ابنِ مالكٍ :
وبعْضُهم أهْملَ أنْ حَمْلًا عَلَى

هذا مَا كنتُ أميلُ إليهِ إلى أَنْ نبَّهَنِي أَخُونا فِي اللهِ أَبُو مَالكٍ إِلَى أَنَّ ( أنْ ) هُنا غيرُ عاملةٍ ؛ لأنَّها مُخفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ـ كمَا رأى الشَّيخُ صَاحبُ المنظُومةِ في شرْحِهِ المُسَمَّى ( معارج القبول ) ، وقدْ أكَّدَ هذا عِندي وقُوعُها في حَيزِِ الشَّهَادِةِ ، وَلا تكُونُ الشَّهادةُ إلَّا عَنْ عَلْمٍ وَيقِينٍ ؛ وعليهِ فالفِعلُ : ( يعبد ) مَرْفوعٌ لا إشكالَ في ذلكَ ، والتقديرُ : أشهدُ أنَّه لا يُعبدُ ؛ وعَلَيْهِ صِرْتُ أُفضِّلُ إِطْلاقَ الرَّويِّ ، وَإنْ جَازَ التَّقْيِيدُ .
ب ـ قَوْلُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
لا يَخْفَى أَنَّ الشيخَ وقعَ هنا فِي عَيْبِ التَّضْمِينِ ، وَالتَّضْمِينُ هُو :
تضْمِينُهُمْ تَعْلِيقُهُمْ رَوِيَّا

واعْلَمُوا ـ يَا إخْواني ـ أَنَّ التَّضْمِينَ صِنفَانِ :
صِنْفٌ بِهِ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَتمّْ

كَأَنْ تَرَى الرَّوِيَّ جَاءَ مُبْتَدَا

وَالثَّانِ تَعْلِيقٌ أتَى تَوْضِيحَا

وَالسُّؤَالُ : مِنْ أَيِّ النوعينِ جَاءَ تَضْمِينُ الشَّيْخِ ؟
إنَّ كَلِمَةَ : ( مألوه ) تُعْرَبُ نائِبَ فَاعِلٍ ، فالتَّضْمِينُ مِنَ النَّوْعِ الأوَّلِ ، وَهُو مَعَ قُبْحِهِ جَائزٌ لِلْمُوَلدِين .
ج ـ كلمَةُ : ( مع ) فِي قَوْلِهِ :
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
بسُكُونِ الْعَيْنِ ، وَقدِ اختُلِفَ في نَوْعِهَا ، يقولُ ابْنُ مُعْطٍ :
وفِي مَعَ الْخُلْفُ فقِيلَ : ظَرْفُ

د ـ كَلِمَةُ : ( رُسله ) في قولِهِ :
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
تُنْطقُ بِسُكُونِ السِّينِ لا ضَرُورةً بَلْ لُغَةً ؛ فَإِنَّ جَمْعَ : رسُولٍ : رُسُلٌ بِضَمَّتَيْنِ ، وَالإِسْكَانُ لُغَةٌ .
ه ـ قولُه :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
رغْمَ أنَّ الأصْلَ فِي ميمِ الْجمْعِ أَنْ تُحرَّكَ وَتُشبَعَ ـ كمَا يقولُ علماءُ القراءاتِ ـ إلا أنَّني أفضِّلُ تقْيِيدَ الرَّوِيِّ ؛ ذلِكَ لأنَّ التَّسْكِينَ هُوَ الأكْثَرُ عندَنا اسْتِعْمَالًا ، وَمَعَ هَذا لَا أمْنَعُ إِطْلَاقَ الرَّوِيِّ ، فنقُولُ :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمُ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمُ
لكِنِ الميمُ في : ( يُنذرُوهُمْ ) لَا تكُونُ إلَّا سَاكنةً .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ .
تعليق