1- قال ابن عبدالبر (التقليد عند جماعة العلماء غير الإتباع، لأن الإتباع: هو أن تتبع القائل على مابان لك من فضل قوله وصحة مذهبه. والتقليد: أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه) (جامع بيان العلم) 2/37
2- وقال ابن عبدالبر أيضا (قال أبو عبدالله بن خويز منداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلي قول لاحجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة. والإتباع: ما ثبت عليه حجة. وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مُقلّده، والتقليد في دين الله غير صحيح. وكل من أوجب عليك الدليل إتباع قوله فأنت متبعه. والإتباع في الدين مسوّغ والتقليد ممنوع)(جامع بيان العلم) 2/117
3- وقال أبو حامد الغزالي (التقليد هو قبول قول ٍ بلا حجة، وليس ذلك طريقا إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع) (المستصفى) جـ 2 صـ 387.
وقد وردت عدة آيات تحث على الإتباع، لأن الإتباع يعتمد على الحجة والبرهان لا مجرد تقليد أعمى،
قال تعالى (اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء) الأعراف 3
وقال تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام 155 .
وقال تعالى (اتبع ماأوحي إليـــك من ربـــك) الأنعام 106، وقال تعالى (قل إنما اتبع مايوحى إلي من ربي) الأعراف 203 .
فالعمل بالوحي من الكتاب والسنة هو الاتباع كما دلت عليه هذه الآيات .
فهذه قصيدة للإمام ابن عبد البر في ذم التقليد، قال

يا سائلــي عــن موضــع التقليـــد
خذ عني الجواب بفهم لب حاظــر
و اصغ إلى قولي و خذ بنصيحتي
و احفظ علي بـوادري ونــوادري
لا فــرق بيــن مقــلــد و بهـيـمــة
تــنقـــاد مـــن جنــادل و دعائـــر
تبـا لقـــاض أومــفـــت لا يـــرى
عللا و معنــــى للمــقـال السائـــر
فإذا اقـتـديـــت فبالكتــاب وسنـــة
المبعوث بالدين الحنيف الطاهـــر
ثم الصحابة عند عــدمـــك سنــــة
فأولئك أهل نهـى و أهـــل بصــائر
وكذاك إجمـاع الذيــن يلــونـــــهم
مـن تابعيــهم كابـرا عـــن كــابــر
إجـــمــاع أمتـــنا وقـــول نــبيـــنا
مثل النصوص لذي الكتاب الزاهر
وكــذا المدينــة حجــة إن أجمعـوا
متــتــابــعيــن أوائــلا بــأواخــــر
وإذا الخــلاف فدونــك فاجـتـهــــد
ر ومع الدليــل فمــل بفــهم وافـــر
وعلى الأصول فقس فروعك لا تقس
فرعــا بفـــرع كالجــهــول الحـــائر
والشر ما فيــــه ـ فديتـــك ـ أســـوة
فانظـــر ولا تحفـــل بزلـــة ماهــــر
(من كتاب جامع بيان العلم وفضله ص 990 طبعة دار)
وبما أننا لا نقبل القول إلا بحجّة ،يمكننا أن نسأل ما الجحّة:
تعريف الحجّة
الحُجَّة: هي ما يحتجّ به المرء على صحة قوله ومذهبه، وتسمّى أيضا بالبرهان والسلطان. والمقصود بها هنا الدليل الشرعي على صحة قول المفتي .
وكل هذه الأسماء ورد ذكرها في كتاب الله:
فالحجة: وردت في قوله تعالى (قل فلله الحجة البالغة) الأنعام 149، وقوله تعالى (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) الأنعام 83، وقوله تعالى (فلم تحاجّون فيم ليس لكم به علم) آل عمران 66.وكثيرة هي الأيات التي وردت فيهاهذه الكلمة
والبرهان: ورد في قوله تعالى (ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) النساء 174، وقوله تعالى (تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة 111.
والسلطان: ورد في قوله تعالى (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) الروم 35، وقوله تعالى (أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) الصافات 156.
فالبرهان والسلطان في هذه الآيات كلها بمعنى الحجة
فالإسلام كما بنى شخصية المسلم بأن يكون حرًا ، وألاّ يكون تابعا لأعداء الأمة ، ولا يواليهم ،ولا يكونوا له المثل الأعلى ،ولا يبهر بما عندهم، بل الإسلام يبنيه من أجل أن يتفوق على كل الشعوب ،في كل المجالات، يجب على الأمم الأخرى أن تبهر به وبمجتمعه، فتقليد الأعداء يهدم البناء الذي بناه الإسلام في داخله ، وبذلك يكون قد عطل أهداف الرسالة المحمدية في الأرض ، فالرسالة لا يمكن أن تلعب دورها الفعلي وتحقق جلّ أهدافها إلا ببناء الجيد للمسلم .
فالمسلم سيد نفسه ، أفعاله تصدر من داخله بكل حرية ، فهو الوحيد من يتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام مجتمعه، فالله الذي خلقه وجعله خليفته في الأرض لا يرضى أن يكون إمّعه، يسير من حيث سار القوم وإن كانوا على خطأ، والمسلم الحر حقا لا يقلّد حتى في الخير ، بل يقتدي بمن سبقوا في الخير، لأن فعل الإقتداء صادر عن فهم ووعي وحرية، أما فعل التقليد فهو محاولة نسخ فعل الآخرين بدون فهم ولا وعي ولا حرية ، لذا يقول تعالى:
(تِلْكَ أُمَّةٌۭ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ )﴿ البقرة 134﴾
ولقد أظهر الشيخ العلامة ابن العثيمين فوائد من هذه الآية في معرض تفسيرها:
1ــــ منها: أن الاعتماد على أعمال الآباء لا يجدي شيئاً؛ لقوله تعالى:



2ــــ ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نسكت عما جرى بين الصحابة؛ لأنا نقول كما قال الله لهؤلاء:





3ــــ ومن فوائد الآية: أن الإنسان وعملَه؛ لقوله تعالى:




4ــــ ومنها: أن الآخِر لا يُسأل عن عمل الأول؛ ولكن الأول قد يُسأل عن عمل الآخر، كما قال تعالى:



5ــــ ومن فوائد الآية: إثبات عدل الله



6 ــــ ومنها: إثبات السؤال، وأن الإنسان سيُسأل؛ لقوله تعالى:


وبما أن الإنسان يولد وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ، ويحاسب وحده ، ويجاز خيرا أم شرا وحده ، فكيف لا يكون إعمال عقله وحده ، والأفكار والعقائد التي يتبناها ويؤمن بها يكون من نتاجه وتمثله وتميزه عن غيره ، فأي فضل له إذا كان يسير على خطى غيره ، إن مرّ فلا أثر يبقى بعده ، لذا يحثنا الإسلام أن تكون إعتقداتنا وأعمالنا من صميم شخصيتنا ، وأثر من آثار قناعتنا ، فلا نكون مقلدين لكفار ولا لمسلم ، بل المسلم نقتدي بأعماله ونأخذ العبرة منه ، فأعمال المسلم هي نتيجة فهم وتربية والزمان والمكان عنصران في تحديد بعض الأعمال والتصرفات، فكل هذه العناصر ليس بالضرورة تتكرر في حياتنا حتى تنتج نفس الأعمال و التصرفات.
وللشيخ ابن باز –







فالتقليد ليس علماً لأنه قبولا لقول بلا حجة ، والعلم لا يُقْبل إلا بالحجة والدليل القاطع ، فالعلم هو السلطان ،لأنه لا أرفع ولا أجل ولا أثبت من العلم ،لذا يصف الله القول بالعلم والحجة والبرهان أنه " سلطان" يقول تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون) يونس 68 إذن العلم هو الحجة والسلطان