
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة [ ] الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله محمداً


أمّا بعد فيا أيّها المؤمنون الكرام، إن الله جلّ وعلا اختار لهذا النبي [ ] الكريم صلّى الله عليه وسلّم، أنصاراً عدولاً وصحابةً كراماً؛ عزّروه ونصروه وأيّدوه عليه الصلاة والسلام، وبذلوا مهجهم وأنفاسهم وأموالهَم في سبيل نصرته ونصرة دينه

وفي أيامنا هذه أساء بعض النّاس فهم الحرية ، وظنّوا أنّ حرّيةَ الصغير تجعله في صفّ الكبير... وأنّ الثورةَ على الحكّام المستبدين معناها التعدّي على مقام العظماء، ولذلك جعلوا نصوصَ القرآن التي ترفعُ من شأن الصحابة [ ] وتثمّن بلاءهم من أجل نُصرة الدين، جعلوها وراءهم ظهريا، وراحوا يتطاولون على عظماء الإسلام من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخاصة ، سيّدي أهل الجنة [ ] إطلاقاً بعد النبيين والمرسلين، أبي بكر وعمر ويتهمونهما بأنهما قدّما مصالحهما الشخصيةَ على مصالح عموم المسلمين لحرصهما على الخلافة وحسمِ أمرها قبل أن يُدفن الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وهما اللذان دبّرا بإضمار مسبق، وبتخطيط محكم تقاسمَ السلطة بينهما، بمبادرة عمرَ بمبايعة أبي بكر ليستخلفه هذا الأخير فيما بعدُ ولذلك سيكون الحديث في حلقتنا هذه عن الخليفتين مجتمعين.
فهل صحيح أنّهما استعجلا أمرَ الخلافة فهرعا إلى سقيفة بني ساعدة لحسمها والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُدفن بعدُ؟ وهل يُعتبر إسراعهُما إلى السقيفة أمرا مَعِيبا يؤاخذان عليه؟ وهل ثمّتَ في القرآن ما دفع أبا بكر وعمرَ للتعجيل بحفظ مؤسّسة الدولة وضمانِ استمرارها ودون انتظار دفن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؟ وهل بالإمكان القولُ بأنّ ما سلّمه عمرُ لأبي بكر بيد يوم وثب فأخذ بيده، فتواثب الجميعُ من عَليَة الصّحابةِ يبتدرون البيعةَ، أخذه منه بيد أخرى يوم استخلف أبو بكر عمرَ، فيكون عهدُ الصديق للفاروق بالخلافة هو من باب ردّ جميله يوم بادر بمبايعته في السقيفة؟
أيها المؤمنون الكرام، اضطربت حال المسلمين بالإعلان عن وفاة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم .. فكان موتُه قاصمةَ الظهر، ومصيبةَ العمر، فأمَّا عليٌّ فاستخفى في بيت فاطمة، وأما عثمانُ فسكت، وأما عمرُ فقال: ما مات رسولُ الله وإنما واعده ربُّه كما واعد موسى، وليَرْجِعَنَّ رسولُ الله، فليقطعن أيديَ رجال وأرجلَهم. ولما سمع أبو بكر الخبرَ، أقبل فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس، حتى دخل على عائشة [ ] فتيمّم رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مُغشّى بثوب ، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبَّلَه وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لايَجمعُ الله عليك موتتين، أما الموتةُ التي عليك فقد متّها. وخرج أبو بكر وعمرُ يتكلم فقال: اجلس يا عمر، وهو ماض في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حَمِدَ الله وأثنى عليه:
أما بعد: فإن من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾(آل عمران144). فجعل الناس يبكون قال عمر: فوالله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فهويت إلى الأرض ماتحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مات. نسيَ عمر الآيةَ فذكّره بها أبو بكر

إنّ المبادرة بحسم الخلافة لم يكن من باب الاستعجال كما يدّعي البعض، وإنّما من باب المصلحة، والمصلحة هي الحفاظ على استمرار مؤسسة الدولة لوظيفتها، ودرء فتنة الانقسام والانفلات والعودة إلى حالة الجاهليّة.
فهل خطّط عمر وأبو بكر لتقسيم السلطة بينهما، ونجحا في مخطّطِهما وحقّقا مآرِبَهُما وهما من هما في القيمة والشأن عند الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهما القدوة للمسلمين من بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصريح حديثه ؟ نتعرف إلى الإجابة في الخطبة [ ] الثانية بإذن الله تعالى.وأقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كلّ ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله
قراءة المقال كاملاً