المبدأ
حدّثني أحدُ الأصدقاء أنه انخرط في لجنة من اللجان، وحُدد لها وقتٌ دوريٌ تجتمع فيه، وكان رئيس اللجنة يحدد الاجتماع بوقت معيّن، فيقول صاحبي: كنت أحرص على الحضور في الوقت، ولكنني ضقت ذرعاً بأكثر أعضاء اللجنة الذين يتأخرون من عشر إلى عشرين دقيقة عن الوقت المحدد! فقررتُ أن أتأخر مثلَهم، وصارحتُ رئيسَ اللجنة بذلك، إذْ التأخر ـ بحساب الزمن التراكمي ـ سأخسر معه ساعةً من الزمن خلال شهر، ونصف يوم في سنة، فقال لي رئيس اللجنة: لا تترك مبدأك لأن غيرك لا يلتزم به، فانتفعتُ بكلمته هذه في حياتي.
هذا الموقف يتكرر في حياتنا بصور كثيرة، وعلى أصعدة مختلفة، فتجد كثيراً من الناس يضحّي بمبادئه لأن الآخرين أخَلّوا به معه!
والمتأمل في السُنّة النبوية يجد أن هذه القضية كانت واضحةً تمام الوضوح في سيرته

وفي سبيل ترسيخ الثبات على المبدأ، وعدم التنازل عنه لأن الشخص المقابل قصّر فيه؛ تأتي تربية الله لنبيه

وكان النبي

ويقول حذيفة بن اليمان ـ




وفي حياتنا اليومية قد يُبتلى بعضُنا بأناس كما ابتُلي ذلك الصحابيُّ الذي وجد الجفاء من قرابته، وكما ابتلي صديقي الذي أشرتُ إليه بموقف لو أراد أن يعامِل بالمثل لساغ له ذلك، لكن هذا ليس من شأن النبلاء والكُمّلِ من الناس؛ لأن العاقل يصون مبادئه كما يصون سُمْعتَه وعِرضه.
ومن النماذج المشرقة من حياة الدعاة المعاصرين، ما ذكره الدكتور تقي الدين الهلالي عن نفسه، في كتابه الماتع "الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة"، حيث التزم مبدأ الصدق في جميع الأحوال والظروف الصعبة التي مرّ بها، واختار لنفسه عدم الأخذ بالمعاريض ـ ولو مع الأعداء ـ لأنه يرى أن الداعية يَسقط إذا لم يَصدُق، وأن تاج دعوته ورأس ماله فيها هو الصدق!
وما من شكٍ أن التربية على هذا المبدأ ينبغي أن تبقى أصلاً لا يتنازل عنه الإنسان، ويبقى تقديرُ الشخص للمواقف الفردية، وما ينبغي تجاهها خاضعاً للظروف المحيطة بكل موقف، والموفَّق من رُزِق الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
([1]) صحيح مسلم ح(2558).
([2]) صحيح مسلم ح(1787).
* المقال على الموقع: الموقع الرسمي للدكتور عمر بن عبدالله المقبل