


الشرح الممتع على زاد المستقنع
العلامة ابن عثيمين






1- قوله تعالى:








¨ قيل: إِنه قد يأتي الخبر بمعنى الطَّلب، بل إِن الخبر المراد به الطَّلب أقوى من الطَّلب المجرَّد، لأنه يُصوِّر الشيءَ كأنه مفروغ منه، ومنه قوله تعالى:


2- ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل اليمن وفيه: « ... ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر ... » (3) .



3- من النَّظر الصَّحيح: أنَّه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أَوْجَبَ الله الطَّهارة للطَّواف في بيته، فالطَّهارة لِتِلاوَةِ كتابه الذي تَكَلَّم به من باب أولى، لأننا نَنْطق بكلام الله خارجاً من أفواهنا، فَمُمَاسَّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهِرِين؛ كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيماً واحتراماً لكتاب الله يجب أن نكون على طهارة.


¨ واستدلُّوا: بأن الأصل براءة الذِّمة، فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص.
¨ وأجابوا عن أدلَّة الجمهور:
◄ أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضَّمير في قوله: «لا يمسُّه» يعود إلى «الكتاب المكنون» ، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي الملائكة. فإن الله تعالى قال:






◄ وقوله:




◄ والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضاً، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: «لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون» بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وفرق بين «المطهَّر» اسم مفعول، وبين «المتطهِّر» اسم فاعل، كما قال الله تعالى:


















¨ وجَوَابُه: أن التَّعبير الكثير مِنْ قوله صلّى الله عليه وسلّم أن يُعَلِّقَ الشَّيء بالإيمان، وما الذي يَمْنَعُهُ مِنْ أن يقول: لا يَمَسُّ القرآنَ إِلا مُؤْمِنٌ، مع أنَّ هذا واضح بَيِّن.






¨ وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَمَسَّ القرآنَ إِلا طَاهِرٌ».





¨ الصَّحيح عند الشَّافعية: أنه لا يلزمه الوُضُوء، ولا يَلزم وليَّه أن يُلزِمه به (9) ؛


¨ والمشهور عند الحنابلة: أنه لا يجوز للصَّغير أن يَمَسَّ القرآن بلا وُضُوء، على وليِّه أن يُلزِمه به كما يلزمه بالوُضُوء للصَّلاة (10) ، لأنه فعل تُشترط لحِلِّه الطَّهارة، فلا بُدَّ من إِلزام وليِّه به.واستثنوا اللوح، فيجوز للصَّغير أن يَمَسَّه ما لَمْ تقع يدهُ على الحروف (11) . وعَلَّلَ بعضُهم ذلك بالمشقَّة (12) ، وعَلَّلَ آخرون بأنَّ هذه الكتابة ليست كالتي في المصحف (585) ، لأن التي في المصحف تُكْتَبُ للثُّبوت والاستمرار، أمَّا هذه فلا ولو كَتَبْتَ قرآناً معكوساً ووضعتَه أمام المرآة، فإنه يكون قرآناً غير معكوس، ولا يَحْرُم مس المرآة، لأن القرآن لم يُكتبْ فيها.



¨ ويُسْتَدَلُ لهذا بكتابة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الكُتُبَ للكُفَّارِ، وفيها آيات من القرآن ، فدلَّ هذا على أن الحُكْمَ للأغلب والأكثر.
¨ أما إِذا تساوى التَّفسير والقُرآن، فإِنَّه إِذا اجتمع مبيحٌ وحاظرٌ ولم يتميَّز أحدُهما بِرُجْحَانٍ، فإِنه يُغلَّب جانب الحظر فيُعْطى الحُكْمُ للقرآن.
¨ وإن كان التَّفسير أكثر ولو بقليل أُعْطِيَ حُكْمَ التَّفسير.








1 ] انظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (17/217 ـ 218) .
2 ] رواه البخاري، كتاب البيوع: باب لا يبيع على بيع أخيه، رقم (2140) ، ومسلم، كتاب النكاح: باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، رقم (1413) ، من حديث أبي هريرة.
3 ] رواه الطبراني في «الكبير» (12/رقم 13217) ، والدارقطني (1/121) ، والبيهقي (1/88) عن ابن عمر، قال ابن حجر: «إِسناده لا بأس به» .وروي أيضاً من حديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص.
وصحَّحه: إِسحاق بن راهويه، والشافعي، وابن عبد البر. واحتجَّ به أحمد بن حنبل.
انظر: «التلخيص الحبير» رقم (175) ، «نصب الراية» (1/196) .
وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ; - أَنَّ فِي اَلْكِتَابِ اَلَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اَللَّهِ -

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 99 رقم1)، والدارقطني في السنن (1/ 121 - 122) رقم (5، 4, 2، 1)، (3) وابن حبان في صحيحه (الإحسان) (14/ 501 رقم 6559) وقد ذكره الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 227 - 228) و (4/ 177 - 178) وقال: وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن عبد البر: هذا الكتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة). انظر نصب الراية (1/ 196)
الكتاب: كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ
المؤلف: محمد بن إبراهيم بن إسحاق السلمي المُنَاوِي ثم القاهري، الشافعيّ، صدر الدين، أبو المعالي (المتوفى: 803هـ)
4 ] انظر: «المغني» (1/202) ، «مجموع الفتاوى» (21/266) .
5 ] انظر: «المحلَّى» (1/77) .
6 ] انظر: «المجموع شرح المهذَّب» (2/67) .
7 ] انظر: «الإِقناع» (1/61) .
8 ] انظر: «الإِنصاف» (2/73) ، «المجموع شرح المهذب» (2/69) .
9 ] انظر: «الإِنصاف» (2/73) .
10 ] انظر: «الإِنصاف» (2/73) .
11 ] انظر: «الإِنصاف» (2/73) .
12 ] انظر: «المغني» (1/204) ، «المجموع شرح المهذب» (2/70) .
13 ] السُّبُّورة: لوح كبير يُعلَّق أمام جمهور من الناس، يُكتب عليه ويُمحى. «المعجم العربي الأساسي» ص (604) .






د.هشام محمد طاهر
الكتاب الاسلامي الالكتروني
http://180170.com/17v