[align=justify]
عادة يقسم العلماء الغيب إلى غيب مطلق وغيب نسبي ، وفي هذا الموضوع أود أن ألفت النظر أن ثمة تقسيما آخر للغيب غير ذائع تقتضيه اللغة ويظهر بوضوح في القرآن الكريم ، ومعرفة أقسام الغيب لها فائدة كبيرة في تفسير الآيات المتعلقة بتلك الأمور المغيبة.
أولا: في اللغة:
قال ابنُ فارسﹴ: (الغين والياء والباء أصلﹲ صحيح يدلُّ على تستُّر الشيء عن العُيون ، ثم يُقاس).
(يقال غَابَ الشيءﹸ يَغِيبﹸ غَيْبــــاﹰ و غَيْبَةﹰ وغِيَابا خلافﹸ شهِد وحَضَر ومنه غَابَتْ الشَّمْس وَغَيرهَا: غربت واستترت عَن الْعين والْغَيْب: خلاف الشَّهَادَة ، وَيُقَال تكلم عَن ظهر الْغَيْب وَسمعت صَوتا من وَرَاء الْغَيْب أي من مَوضِع لَا أرَاهُ).
وقال ابن منظور : (الغيب : الشك، وجمعه غِياب وغُيوب. يقال غَابَ عنه الأمرﹸ غَيْباً، وغِياباً، وغَيْبَةً، وغَيْبُوبةً، وغُيُوباً، ومَغاباً، ومَغِيباً، وتَغَيَّب: بَطَنَ.) وخفي(الوسيط).
وقال الراغب الأصفهاني : (الغَيْبُ: مصدر غَابَتِ الشّمسُ وغيرها: إذا استترت عن العين، يقال: غَابَ عنّي كذا. قال تعالى:
مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ
(النمل: 20) ، واستعمل في كلّ غَائِبٍ عن الحاسّة، وعمّا يَغِيبُ عن علم الإنسان بمعنى الغَائِبِ ، قال تعالى:
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
(النمل : 75) ).
ونستخلص من ذلك أنه ثمة نوعان من الغيب (في اللغة) ، غيب بمعنى التواري عن العيون وهو خلاف الشهادة ويخص ما يدرك بالعيون والحس وغيب بمعنى الشك وهو خلاف الدراية ويخص أمورا تدرك بالعقول والفكر .
وسوف نصطلح على تسمية النوع الأول بغيب الشهادة ، وتسمية النوع الثاني بغيب الدراية.
ثانيا في القرآن الكريم:
1- غيب الشهادة
إذا استتر الشيء عن العيون والإدراك الحسي فلم يُشْهَد فهو غيب شهادة من غاب الشيء يغيب غيبا و غيبة وغيابا خلاف شَهِد ، ومن ذلك النوع الغيبﹸ المشار إليه في تلك الآيات :
ومن أمثلة ذلك النوع : الملائكةﹸ، والجنة ، والنار ، والصراط ، والحياة البرزخية ، والشياطين ، والسماوات العلى ، والعرش ، والرسل السابقون الذين آمنا بهم ولم نرهم ، وما حدث لآدم
من سجود الملائكة له ، ودخوله الجنة ، وخروجه منها ، والأحداث التاريخية التي اخبرنا بها القرآن ولم نشهدها الخ ، فكل تلك الأشياء هي أمور لم نشهدْها ولم نرها بأعيينا ولكن جاء الرسلﹸ فأخبرونا بها .
وكل غيب جاء في القرآن معطوفاً على الشهادة فهو من ذلك النوع ، هذه قاعدة ، كما في قوله تعالى :
وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(التوبة: 94) أي أن رسول الله لا يعلم من أفعالهم إلا ما فعلوه جِهَاراً ، أما رب العزة فيعلم ما شَهِدَه الناس من أفعالهم ويعلم ما أخفوه عن الناس فلم يشهدوه.
2- غيب الدراية
أما إذا خَفِيَ أمر عن العقول فصار الناس لا يدرون به فهو غيب دراية من غاب عنه الأمرﹸ بمعنى خَفِيَ وبطَن (خلافﹸ دُرِيَ) ، ومن أمثلة ذلك النوع في القرآن الغيبﹸ المشار إليه في تلك الآيات :
يلاحظ أن الغيب المقصود في تلك الآيات هو غيب الدراية ، فليس معنى كون الأمر المذكور من الغيب أنه لا يُرى أو لا يُشهد ولكن معناه أنه لا يُدرى , فمثلا نزول الغيث من غيب الدراية ، فلا يعني ذلك أننا لم نر الغيث ، ولم نشهده ، لكن يعني أننا غير قادرين على التنبؤ بموعد نزوله ، وكميته ، أو التحكم في نزوله بواسطة الطرق العلمية .

أولا: في اللغة:
قال ابنُ فارسﹴ: (الغين والياء والباء أصلﹲ صحيح يدلُّ على تستُّر الشيء عن العُيون ، ثم يُقاس).
(يقال غَابَ الشيءﹸ يَغِيبﹸ غَيْبــــاﹰ و غَيْبَةﹰ وغِيَابا خلافﹸ شهِد وحَضَر ومنه غَابَتْ الشَّمْس وَغَيرهَا: غربت واستترت عَن الْعين والْغَيْب: خلاف الشَّهَادَة ، وَيُقَال تكلم عَن ظهر الْغَيْب وَسمعت صَوتا من وَرَاء الْغَيْب أي من مَوضِع لَا أرَاهُ).
وقال ابن منظور : (الغيب : الشك، وجمعه غِياب وغُيوب. يقال غَابَ عنه الأمرﹸ غَيْباً، وغِياباً، وغَيْبَةً، وغَيْبُوبةً، وغُيُوباً، ومَغاباً، ومَغِيباً، وتَغَيَّب: بَطَنَ.) وخفي(الوسيط).
وقال الراغب الأصفهاني : (الغَيْبُ: مصدر غَابَتِ الشّمسُ وغيرها: إذا استترت عن العين، يقال: غَابَ عنّي كذا. قال تعالى:




ونستخلص من ذلك أنه ثمة نوعان من الغيب (في اللغة) ، غيب بمعنى التواري عن العيون وهو خلاف الشهادة ويخص ما يدرك بالعيون والحس وغيب بمعنى الشك وهو خلاف الدراية ويخص أمورا تدرك بالعقول والفكر .
وسوف نصطلح على تسمية النوع الأول بغيب الشهادة ، وتسمية النوع الثاني بغيب الدراية.
ثانيا في القرآن الكريم:
1- غيب الشهادة
إذا استتر الشيء عن العيون والإدراك الحسي فلم يُشْهَد فهو غيب شهادة من غاب الشيء يغيب غيبا و غيبة وغيابا خلاف شَهِد ، ومن ذلك النوع الغيبﹸ المشار إليه في تلك الآيات :
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
(البقرة: 133) , فهذا الحدث هو غيب شهادة لمن لم يشهده .
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
(آل عمران: 44) أي ما كنت لديهم شهيدا أو حاضرا .
-
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
(يوسف: 102)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
(الكهف: 51)
-
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
(الزخرف: 19)
ومن أمثلة ذلك النوع : الملائكةﹸ، والجنة ، والنار ، والصراط ، والحياة البرزخية ، والشياطين ، والسماوات العلى ، والعرش ، والرسل السابقون الذين آمنا بهم ولم نرهم ، وما حدث لآدم

وكل غيب جاء في القرآن معطوفاً على الشهادة فهو من ذلك النوع ، هذه قاعدة ، كما في قوله تعالى :


2- غيب الدراية
أما إذا خَفِيَ أمر عن العقول فصار الناس لا يدرون به فهو غيب دراية من غاب عنه الأمرﹸ بمعنى خَفِيَ وبطَن (خلافﹸ دُرِيَ) ، ومن أمثلة ذلك النوع في القرآن الغيبﹸ المشار إليه في تلك الآيات :
-
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا
(الجن: 25،26)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا
(الأحزاب: 63)
-
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى
(عبس: 3)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ
(الأنبياء: 109)
-
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
(الأنبياء: 111)
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
(الجن: 10)
يلاحظ أن الغيب المقصود في تلك الآيات هو غيب الدراية ، فليس معنى كون الأمر المذكور من الغيب أنه لا يُرى أو لا يُشهد ولكن معناه أنه لا يُدرى , فمثلا نزول الغيث من غيب الدراية ، فلا يعني ذلك أننا لم نر الغيث ، ولم نشهده ، لكن يعني أننا غير قادرين على التنبؤ بموعد نزوله ، وكميته ، أو التحكم في نزوله بواسطة الطرق العلمية .
والله أعلم
[/align]
تعليق