
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
لم يقتصر الإمام البخاري

بل ضمنه دررا كثيرة نفيسة من التفسير، يسوقها في أبواب أخرى متفرقة على نمط فريد مخترَع،
يجمع فيه بين الترجمة والآية القرآنية بوجه مبهم،
أو مناسبة خفية تشتمل على فائدة أو فوائد تفسيرية،
تستخرج بالتأمل والاستنباط.
ومما يميزها أنها خالصة التعلق بالتفسير، منتثرة في مواطن،
أخفى البخاري

فلا يسعف في الظفر بها سوى البحث وإدامة التتبع.
منها ما افتتح به صحيحه على نحو لافت،
تفرد به عن الأئمة أصحاب الصحاح والسنن وغيرهم،
حيث قال:
(كتاب بدء الوحي. باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله

وقول الله جل ذكره:


ثم استخرج الحافظ ابن حجر وجهين للمناسبة بين الآية والترجمة:
الأول: أن صفة الوحي إلى نبينا

الثاني: أن أول أحوال النبيين في الوحي: الرؤيا،
ثم استدل بحديث عبد الله بن مسعود

(إن أول ما يؤتى به الأنبياء: في المنام حتى تهدأ قلوبهم، ثم ينزل الوحي بعدُ في اليقظة).
أما الوجه الأول فهو عام في الإشارة إلى وجوه الشبه بين الصفتين المذكورتين،
وأما الثاني فقد اختص بوجه منها، وهو المراد من عقد الإمام البخاري لهذا الباب،
حيث ساق الآية مساق الجواب على سؤال الترجمة:
(كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله

مشيرا إلى أن كاف التشبيه من الآية مناطُ الجواب،
وأكد كل ذلك الحافظ بالاستشهاد بحديث عبد الله بن مسعود

فهذه فائدة تفسيرية لم تقع للمفسرين،
اقتضتها عبقرية الإمام البخاري في اختراع تراجم صحيحه،
ومنهجه الفريد في صناعة أبوابه، والتصرف بها تصرف الخبير المبدع.
والله ولي التوفيق.
تعليق