ما البحران في الآية:
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)
أهما : بحر مالح وبحر عذب (نهر)؟
أم بحر مالح وآخر مالح؟
أم نهر يلتقي بنهر؟
لقد نظرتُ في أكثر من ثلاثين تفسيرا فوجدتها جميعها أجمعت على أن البحرين المقصودين في الآية هما : التقاء بحر مالح ببحر عذب (النهر).
فهل هذا صحيح؟
لقد اعتمد العلماء المفسرون في تأويلهم آية الرحمن السابقة على ما جاء في آية الفرقان:
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا)[سورة الفرقان 53]
فهل يصح ذلك؟
وهل بحرا آية الرحمن هما بحرا آية الفرقان؟
جواب هذا السؤال نجده في آيات سورة الرحمن التالية التي جاءت تصف هذين البحرين تأمل:
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)[سورة الرحمن 19 - 22]
إن (اللؤلؤ) يعيش في البحرين: المالح والعذب.
أما (المرجان) فلا يعيش إلا في البحر المالح ، فلا يوجد في الأنهار.
وعلى هذا فالبحران الملتقيان المقصودان في الآية هما: بحر مالح يلتقي ببحر مالح آخر.
أما قوله تعالى عن هذين البحرين : (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)
إنما يعنى أن مياه البحار المالحة وإن اشتركت في الملوحة إلا أنها لا تختلط بعضها ببعض عند التقاء بحر بآخر ، إذ جعل الله بينهما حاجز وحجاب يمنع اختلاط ماء البحرين.
مثل التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي، أو التقاء البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي ؛حيث يفصل بين كل بحرين (برزخ) أي حاجز يمنع اختلاط ماء هذا بذاك.
هذا الحاجز غير مرئي للعين وهذا الحاجز كأنه هلامي رقيق مرن.
فحين يلتقي الماءان يتحرك ويتماوج مع حركة الماءين دون أن يختلطا.
وقد ثبت علميا أن كثافة مياه البحار مختلفة متفاوتة في كل الصفات تقريبا.
وتأمل معي آية الفرقان:
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [سورة الفرقان 53]
إن الفاصل بين البحرين هنا ليس حاجزا وحجابا رقيقا
بل إنها منطقة ومساحة (حجرا محجورا) فاصلة بين ماء النهر وماء البحر.
هذه المنطقة لها خصائصها وكائناتها الحية التي تختلف كليا عن خصائص وكائنات كل من البحر والنهر.
ولا يمكن لكائنات البحر أو النهر أن تدخل منطقة الحجر ، فإن دخلت ماتت ، ولا يمكن لكائنات منطقة الحجر أن تخرج منها وتدخل البحر أو النهر ، وإن فعلت ماتت ، وذلك معنى (حجرا محجورا) أي منطقة محظورة لا يدخلها شيء ولا يخرج منها شيء.
سمعتُ هذه اللفتة العلمية الرائعة من الدكتور طارق السويدان منذ أكثر من عشر سنوات من بعض تسجيلاته في مجموعة إعجاز القرآن الكريم.
ودفعني إلى البحث والنظر فيها اليوم أحد الإخوة الزملاء الماليزيين الذي جاءني بالآية وتأويلها في تفسير ابن كثير ، فتذكرتُ قول السويدان فبحثتُ ونظرتُ وتأكدتُ من صحته.
والله أعلم
أخوكم د. محمد الجبالي
تعليق