
اختلف أهل التفسير في نسبة عبارة "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء" (يوسف/53)، فمنهم من يرى أن قائلها نبي الله يوسف


تماثل هذه المقولة الجليلة الشأن، الجميلة المعنى والمبنى، ما قاله الأنبياء،







ما قاله يوسف قاله الأنبياء من قبله ومن بعده، عليهم الصلاة والسلام جميعاً. إذن، من حيث المبدأ، هذا القول جائز تماماً في حق سيدنا يوسف

ذلك، إذن، من حيث المبدأ، أما من حيث السياق، فإنّ امرأة العزيز لم تكن بريئة، ولم يبرئها أحدٌ أصلاً، بل أدانها النبي يوسف


يقرر سيدنا يوسف بقوله العظيم ذلك بديهةً من البدائه: نحن ضالون إن لم يهدنا الله، هالكون إن لم تسعفنا رحمته، غاوون من دون تثبيته. فإن اهتدينا لا يجوز لنا أن ننسب لأنفسنا أي فضل. ذلك لأن الهداية عطاء رباني وليست إنجازاً فرديا. فالنفوس جميعها فيها نوازع للشر، والشيطان كامن فيها، يجري من ابن آدم جري الدم في العروق، يزين له، ويعده ويمنيه، ويخوّفه، ويضع له خطة السير نحو الضلال، خطوةً خطوة. ولا عاصم إلا من عصمه الله، ولا منجاة من الشيطان إلا بالفرار منه إلى الله


بيد أن الهداية لا تأتي هديةً للقاعدين؛ بل شأنها شأن الرزق: فكما لا ينبغي لأحد أن يقعد ويطلب الرزق، فكذلك لا ينبغي لأحد أن يسدر في غيه وينتظر الهداية، فليس للإنسان إلا ما سعى. فإنْ أدركتَ الهداية أو حصلتَ على الزرق فلا تظنّن أنك أدركتها وحصلت عليه بقوتك أو بسعيك ذلك الذي سعيته؛ بل الله هو الذي هداك ورزقك، ويسر لك السعي إلى كليهما، وبارك لك في الرزق، وثبتك على الهداية.
يعكس الأسلوب القرآني سلطان الله على عباده. ففي القصص القرآني يعطي الله الكلمة لمن يشاء ومتى شاء، ويتناول هو الكلمة متى شاء. في الآية 51 تكلمت امرأة العزيزة فأقرت بذنبها وببراءة يوسف؛ وفي الآيتين بعدها أعطى الله الكلمة لسيدنا يوسف

ثم نقطة أخرى مهمة يجب الانتباه لها. عندما قال سيدنا يوسف

والطريف أن السورة نفسها تحمل مثالاً آخر للشهادة "الدنيوية" للنفس. عندما اختبر الملك علم يوسف

مما يؤسف له أن بعض الساعين إلى السلطة، والمتوسلين إليها شتى الوسائل، قد أخرجوا هذه الآية الكريمة من سياقها الواضح، واتخذوها حجة تسوغ لهم السعي إلى السلطة وطلب الحكم، حتى باللجوء إلى قلب الحكومات، أو بإثارة الناس على الحاكم القائم، متجاهلين قول الرسول الكريم "لا تؤتوا الحكم من طلبه". زعم هؤلاء أن سيدنا يوسف لما قال للملك: "اجعلني على خزائن الأرض" دلَّ ذلك على جواز طلب الحكم. ولكنهم لو انتبهوا للآية السابقة لعلموا أن الملك هو الذي عرض التوظيف على سيدنا يوسف عليه، عندما قال له "إنك اليوم لدينا مكين آمين"؛ وعندها آثر سيدنا يوسف،


ما أكثر طالبي الحكم، والحريصين عليه، وما أكثر حاسديهم على أمر لا محسد فيه، وما أكثر الساعين إلى اقتلاع الحاكمين اقتلاعاً والحلول محلهم.
شرٌّ يناطح شراً!
هؤلاء الذين فسروا كلام الله حسب هواهم لم يأخذوا الحكم بحقه وانشغلوا به عن أداء الذي عليهم فيه.
وما الساعون إلى اقتلاعهم اقتلاعاً ليحلوا محلهم بأفضل منهم في شيء.
نسأل الله لنا ولهم الهداية جميعاً. آمين.
تعليق