
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد:
فقد انتشر بين النّاس الحديث في بعض المسائل المسمات بمسائل ما وراء الطبيعة، ومن هذه المسائل مسألة: هل يوجد كائنات فضائيّة عاقلة؟
وهذه محالة للإجابة على هذا السؤال:
قال تعالى:


فإن قيل فماذا لو كانوا ولكن على الكفر، ولذلك لا تستغفر لهم الملائكة؟
لو كان وجود عاقل كافر من غير الأرض لجاز حصول الفتنة به ولأمرنا الله عزّ وجل بالتعوّذ منه ولما حصر الأمم التي تدخل النار في الإنس والجن، قال تعالى:


وفي تحدّي الله للإنس والجنّ بأنّ يأتوا بمثل هذا القرآن لبيان عجز غير الله عن الإتيان بمثله دون ذكر غيرهما ممن يصلح منهم التحدّي بيان لعدم وجود غيرهما ولو كان موجودا لتحداه الله مع من تحداهم، وإلا عُدّ التحدّي ناقصًا فلا يأتي بمُراده فيُقال بوجود من هو أهل لذلك، ولم يذكر سبحانه الملائكة لأنّ الملائكة لا يصلح منها تحدٍ لأنّها لا تفعل شيءًا إلا بأمر الله وخُلقت ليستحيل منها وقوع العداوة لله.
قال تعالى:


وحصر الله عزّ وجل أعداء الأنبياء في الإنس والجنّ لأنّه لا يُتصوّر عداوة من غيرهما إمّا لإيمانه كالملائكة أو لكونه غير عاقل كالحيوان والجماد، قال تعالى:


وهذا كافٍ لنعلم إنتفاء وجود مخلوق عاقل ساكن للسماوات من غير الملائكة، فكيف إذا علمنا مقدار المباينة بين مدّة خلق الله للأرض وتجهيزها وبين مدّة خلقه سبحانه للسماوات، قال جلّ في عُلاه:


والله عزّ وجلّ قد خصّ في ملك الناس بما هو في الأرض دون السماء :

السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)

بل وجعل الله الأرض مستقرا ومتاعا للإنس والجن دون غيرها كما في قوله عزّ وجلّ:




بل إنّ التمييز بين السماوات والأرض عند التكوين دليل إخصاص الأرض بأوصاف قد خلت في السماوات،


وقد منّ الله عزّ وجلّ النّاس بأن جعل لهم الأرض فراشا وجعل السماء بناءً


وحصر الله التكليف بالعبادة في الثقلين دون غيرهما:


وأرسل سُبحانه خير خلقه عليه الصلاة والسلام ليكون رحمة للعالمين، فنال من رحمته الإنس والجن دون غيرهما ممن يَحسُن منه تفكير، فلم يُعلم عنه عليه الصلاة والسلام دعوة لغير هذين الجنسين.
فإذا إتضح أنّ في الأمر مُباينة في التكوين والخلق بين المواطن، وحصر للاستقرار والاستمتاع والدعوة والإنذار وحصرٌ للغاية من الخلق والتكليف، وحصر لموطن الإستغفار والرسالة، تبيّن عدم وجود ما يسمى بالمخلوقات الفضائية العاقلة.
أما استدلال البعض بما جاء عن ابن عباس



بل هو مخالف لظاهر القرآن، قال عزّ وجلّ:


وأما استدلالهم بوجود سبعة أراضين، فلا يعني أيضا وجود كائنات عاقلة في باقي الأراضين، على أنّ القول بأنّ الأراضين السبع مشابهة لأرضنا فيه خلاف، والظاهر والله أعلم أنّه ليس المقصود بـ"وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ" وجود سبع أراض مثل الأرض عامة، بل وجود سبع أراض تنتمي إلى الأرض، فـ "من" هي للتبعيض لا غير، ولذلك لم يقل "وسبع أراضين"، فغاير الأسلوب للدلالة على مغايرة المقصود، فالأولى سبع في العدد والثانية سبع في القسائم، فكل أرض قسيمة ستة أخرى لتشكلّ في مجموعها أرضنا.
أما الاستشهاد بورود آلاف المشاهدات والشهادات فلا دليل فيه، فقد خلت الأزمان من غير زماننا من مثل هذه المشاهدات، وكمثال على ذلك فمع عظم تراثنا الإسلامي فلا أعلم أحدا أثبت رؤيةً أوشهادةً كتلك.
والقول بوجود هذه الكائنات تأصيل ماسوني، لما يسمى بأسطورة الأنوناكي، ونظريّة التطوّر، ولعلي أتحدّث عن هذا في غير هذا
الموضع.
والله أعلم.