إِسْمُ اللَّهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
الحَمْدُ لَهُ و المُلْكُ لَهُ
الحَمْدُ لَهُ و المُلْكُ لَهُ
"وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"
حَاوَلْنَا تَفْسِيرَ جُزْءٍ مِنْ قَوْلِهِ وَ هُوَ" إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ "
وَ كَانَ سُؤُالُنَا كَيْفَ عَرَفَ الفِتْيَةُ أَنَّ يُوسُفَ مُحْسِنٌ ؟ و مَا مَعْنَى مُحْسِنٌ ؟
عِنْدَمَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمْ إِلَى السِّجْنِ يَجِدُ مَسْجُونِينَ و هَؤُلَاءِ يَنْقَسِمُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ إِلَى صِنْفَيْنِ:
صِنْفٌ هُمْ أُولَئِكَ الذِّينَ تَجِدُهُمْ يَلْهُونَ و يَلْعَبُونَ و الذِّينَ يَتَخَاصَمُونَ
و يَتَقَاتَلُونَ و تَجِدُ أُولَئِكَ الذِّينَ يَسْتَهْزِئُونَ و يَضْحَكُونَ و أُولَئِكَ الذِّينَ يُقَضُّونَ يَوْمَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ و يَتَخَابَرُونَ.
وَ صِنْفٌ تَكُونُ أَعْمَالُهُمْ صَلَاةٌ وَ صِيَامٌ وَ ذِكْرٌ و غَيْرُهُ و مِنْهُمْ المُكْثِرُونَ.
يُصَلُّونَ خُمُسَهُمْ و يَزِيدُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ, يَصُومُونَ يَومًا و يُفْطِرُونَ يَوْمًا يُقُومُونَ لَيْلًا طَوِيلًا يُسَبِّحُونَ آنَاءَ اللَّيْلِ و أَطْرَافَ النَّهَارِ قَلِيلُو النَّوْمِ قَلِيلُو الأَكْلِ قَلِيلُوَ التَبَرُّزِ قَلِيلُو الكَلَامِ لَا يَشْتَكُونَ,كَثِيرُو الصَّلَاةِ و الذِّكْرِ و التَّسْبِيحِ و الحَمْدِ.
هَلْ عَرَفْتُمْ إِلَى مَنْ يُشْبِهُونَ ؟ إِلَى الأَنْبِيَاءِ.(فِي كَثْرَةِ الأَعْمَالِ)
و هَؤُلَاءِ يُسَمُّونَ المُحْسِنِينَ فَالإِحْسَانُ هُوَ أَنْ يَأْمُرَكَ اللَّهُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَتَزِيدَ
مَا شَاءَ اللَّهُ تَطَوُّعًا و أَنْ يَأْمُرَكَ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ فَتُطْعِمَ خَمْسَةً و يَأْمُرَكَ بِصِيَامِ شَهْرٍ فَتَصُومَ مَا إِسْتَطَعْتَ و يَأْمُرَكَ بِقِيَامِ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَتَقُومَ نِصْفَهُ و ذَاكَ هُوَ الإِحْسَانُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةُ.
إذًا إِنَّ الفِتْيَانِ الذَّانِ صَحِبَا يُوسُفَ فِي السِّجْنِ وَجَدَاهُ كَثِيرَ السُّجُودِ تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ
و ذَاكَ حَالُ الأَنْبِيَاءَ يَعْمَلُونَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ اللَّهُ و َيَزِيدُونَ, وَجَدَاهُ كَثِيرَ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ تَسْبِيحٍ و تَكْبِيرٍ و إِسْتِغْفَارٍ و تَمْجِيدٍ وَجَدَاهُ قَلِيلَ الكَلَامِ كَثِيرَ الصَّمْتِ مُنْعَدِمَ الضَّحِكِ قَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِحَالِهِ بَعْدَ المَوْتِ مُنْقَطِعٌ عَنِ الدُّنْيَا طَاوٍ عَلَى نَفْسِهِ قَلِيلُ الأَكْلِ لَيْسَ سَمِينًا لَيْسَ لَهُ مَعِدَتَانِ لَا يَأْكُلُ شَاةً وَ نِصْفَ فِي اليَوْمِ بَلْ و إِنِّي أَظُنُّهُ يَأْكُلُ إِلَّا بَعْضَ الطَّعَامِ و يُعْطِي بَقِيَّتَهُ عَفِيفٌ قَنُوعٌ شَكُورٌ يُؤْثِرُ عَلى نَفْسِهِ وَ أَزِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ ثِيَابٍ مِنْ حَرِيرٍ و لَا كَثِيرَ القُمْصَانِ و كَانَ ينَامُ عَلَى الأَرْضِ أَوْ عَلى حَصِيرٍ.
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَنْ أَرْجُمَ بِالغَيْبِ و إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا أَخْبَرَنَا عَنْهَا خَاتِمُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و المَلَاِئِكَةُ و المُؤْمِنُونَ و سَلَّمَ, و تِلْكَ أَخْلَاقُهُمْ و تِلْكَ خَشُونَةُ عَيْشِهِمْ و شِدَّتُهَا و إِنْصِرَافُهُمْ عَنِ الدُّنْيَا كَمَا رَأَيْنَاهَا فِي عَيْشِهِ هُوَ.
كَلِمَةُ نَرَاكَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بَمْعَنَى النَّظَرُ بٍالعَيْنِ,هِي التِّي أَلْهَمَتْنَا و كَذَلِكَ المُحْسِنِينَ.
وَ هَكَذَا عَرَفَ الفَتَيَانِ إِحْسَانَ يُوسُفَ بِرُؤْيَةِ أَعْمَالِهِ فِي السِّجْنِ.
"قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"
إِذَا فَهِمْتَ تَفْسِيرَ المُحْسِنِ في الأُولَى فَسَتَفْهَمُهَا بِيُسْرٍ في الثَّانِيَةِ
فهِيَ نَفْسُ الصِّيغَةِ و الكَلِمَاتِ وَ نَفْسُ المُحْسِنِ لكِنْ إِخْتَلَفَ النَّاظِرُونَ.
نَقُولُ أَنَّ المُحْسِنَ مَع اللَّهِ و مَع نَفْسِهُ مُحْسِنٌ بِطَبْعِهِ و مَعَ غَيْرِهِ.
فيُوسُفُ كَانَ يَكِيلُ للنَّاسِ وَ يَزِنُ لَهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السِّجْنِ.
إنْ كُنْتَ كَيَّالًا للنَّاسِ فَأَنْتَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تُعْطِي النَّاسَ مِيزَانَهُمْ و تَسْتَوْفِيهِ فَأَنْتَ عَادِلٌ مُقْسِطٌ, أَوْ تَبْخَسَ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ و تُنْقِصُ مِنْهُ فَأَنْتَ ظَالِمٌ بَخِيلٌ قَتُورٌ سَارقٌ و إِمَّا تَزِيدُ للنَّاسِ فِي مِيزَانِهِمْ فَأَنْتَ كَرِيمٌ و مُحْسِنٌ و ذَاكَ مَا كَانَ يَفْعَلُ يُوسُفُ مَعَ كُلِّ النَّاسِ و مِنْهُمْ إِخْوَتُهُ " أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ "
و هَكَذَا رأَى و عَرَفَ إِخْوَةُ يُوسُفَ إِحْسَانَهُ.
تعليق