إِسْمُكَ الأَعْلَى
الحَمْدُ لَكُ و الشُّكْرُ لَكَ
الحَمْدُ لَكُ و الشُّكْرُ لَكَ
يا رَبِّ رَبَّ البَيْتِ وَ المُشَرَّقِ
وَالمُرقِلاتِ كُلَّ سَهْبٍ سَملَقِ
إِيّاكَ أَدْعُو فَتَقَبَّل مَلَقِي
فَاِغْفِر خَطَايَايَ وَثَمِّرْ وَرَقِي
العَجَّاجُ
وَالمُرقِلاتِ كُلَّ سَهْبٍ سَملَقِ
إِيّاكَ أَدْعُو فَتَقَبَّل مَلَقِي
فَاِغْفِر خَطَايَايَ وَثَمِّرْ وَرَقِي
العَجَّاجُ
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ-وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ-وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ-وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ-إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ"
الآيَةُ التِّي نُرِيدُ فِي كِتَابِنَا هَذَا هِيَ قَوْلُهُ "وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ".
قِيلَ إِلْتَفَّتْ شِدَّةُ أَمْرِ الدُّنْيَا بِأَمْرِ الآخِرَةِ.
قُلْنَا مَاذَا لَوْ كَانَ أَمْرُ الدُّنْيَا لَيِّنًا سَهْلًا ؟
قِيلَ سَاقُ الدُّنْيَا و سَاقُ الآخِرَةِ, قُلْنَا أَعْطُونُا آيَةً كَنَّى فِيهَا اللَّهُ تَعَالَى الدُّنْيَا أَوْ الآخِرَةَ بِالسَّاقِ أَوْ حَدِيثًا أَوْ حَتَّى بَيْتَ شِعْرٍ أَوْ حَتَّى مَثَلًا أَوْ حَتَّى قَوْلًا أَوْ تَشْبِيهَا و أَخْبِرُوَنَا بِوَجْهِ الشَّبَهِ ! لَا أَعْلَمُ آيةً أَوْ حَدِيثًا شُبِّهَتْ فِيهِ الدُّنْيَا بِالسَّاقِ.
قِيلَ الشِّدَّةُ بِالشِدّةِ.
قُلْنَا هَلْ كُلُّ خُرُوجٍ لِلّْرُّوحِ شَدِيدٌ ؟
هَلْ كُلُّ مَوْتٍ عَسِيرٌ ؟
هَلْ كُلُّ مَوْتٍ عَسِيرٌ ؟
قَالَ الطَّبَرِي"وَ أَوْلَى الأَقْوَالِ عِنْدِي بالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالْتَفَّتِ سُاقُ الدُّنْيَا بِسَاقِ الآخِرَةِ ، وذَلِكَ شِدَّةُ كَرْبِ المَوْتِ بِشِدَّةِ هَوْلِ المَطْلَعِ ، والذِّي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْويلُهُ ، قوله : ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ ) والعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ أَمْرٍ اشْتَدَّ : قَدْ شَمَّرَ عَنْ سَاقِهِ ، وكَشَفَ عَنْ سَاقِهِ ، ومِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
إِذَا شَمَّرْتَ لَكَ عَنْ سَاقِهَا فرنها رَبِيعٍ ولَا تَسْأَمْ
عُنِيَ بِقَوْلِهِ : ( الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) الْتَصَقَتْ إِحْدَى الشِّدَتَيْنِ بِالأُخْرَى ، كَمَا يُقَال لِلْمَرْأَةِ إَذَا الْتَصَقَتْ إِحْدَى فَخِذَيْهَا بِالأُخْرَى: لفَاءَ.(جَامِعُ البَيَانِ ص80جزء24).
أَوَّلًا لَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إإَذَا الْتَصَقَ أحَدَ أَفْخَاذِهَا بِالآخَرِ لَفَاءَ
إِنَّمَا هُوَ وَصْفُ المَرْأَةِ الثَّقِيَلَةِ و أَصْلُهُ تَأْنِيثٌ لِوَصْفِ الرَّجُلِ الثَّقِيلِ فَيُقَالُ أَلَفٌّ
و المَرْأَةُ لَفَّاءُ مِثْلُ أَبْيَضٍ و بَيْضَاءَ.
و اللَّفَفُ هُوَ كَثْرَةُ لَحْمِ الفَخِذَيْنِ و إِذَا تَكَاثَرَ لَحْمُ الفَخِذَيْنِ إِلْتَصَقَتْ السِّيقَانُ
و تَغَطَّى و إِخْتَفَى الفَرْجُ, و الفَرَجُ هُنَا هُو الفَتْحَةُ بَيْنَ السَّاقَيْنِ.
و لا رَابِطَ بَيْنَ الِإلْتِفَافِ و بَيْنَ الشِدَّةِ و لَا رَاَبِطَ بَيْنَ إِلْتِصَاقِ السَّاقَيْنِ بِالشِّدَّةِ فَقْطْ إِذَا نَتَجَ عَنْ كَثْرَةِ اللَّحْمِ مَشَقَّةٌ فِي الحَرَكَةِ.
أَمَّا مَعْنَى اللَّفِّ فَهْوَ الجَمْعُ.
لَفَّ وَ إِلْتَفَّ أَصْلُهُ لَفَفَ مِنْ لَفَّ الشَّيْءَ أَيْ جَمَعَهُ و إِلْتَفَّ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ إِجْتَمَعَا وَ هُوَ شَيْءٌ مُلْتَفٌّ وَ لَفِيفٌ و مَلْفُوفٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ "جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا"
يُمْكِنُ أَنْ تُقْرَأَ "جِئْنَا بِكُمْ مَلْفُوفِينَ أَوْ مُلْتَفِّينَ"
ثَانِيًا تَشْمِيرُ السَّاقِ أَصْلُهُ لِلْجِدِّ ثُمَّ أُسْتُعْمِلَ لِلْشِدَّةِ.
لَكِنْ هَلْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآيةِ تَشْمِيرَ السَّاقِ ؟
لَا, ذَكَر إِلْتَفَافَهُمَا فَقَطْ, لَكِنَّنَا نَرَى أنَّهُمْ جَعَلُوا كُلَّ كَشْفِ سَاقٍ يَعْنِي شِدَّةً, فَلْنَنْظُرْ إِذًا إِلَى تَفْسِيرِ الطَّبَرِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى"فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا"
تُرَى هَلْ كَنَّى الطَّبَرِيُّ و فَسَّرَ كَشْفَ مَلِكَةِ سَبَأَ لِسَاقِهَا بأَنَّهُ تَشْمِيرٌ لِلْشِدَّةِ أَوْ لِلْحَرْبِ كَمَا إِدَّعَى هُنَا أَمْ قَال شَيْئًا آخَرَ ؟
لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ أُنْظُرُوا إِلَى تَفْسِيِرِهِ (ص473جزء19)
ثَالٍثًا و هَذَا الأَكْبَرُ و هُوَ الآيَةُ نَفْسُهَا.
لِمَاذَا هَذَا التَّشْدِيدِ الذِّي قَادَ إِلَى الإِبْتِعَادِ عَنِ المَعْنَى الظَّاهِرِ و اليَسِيِرِ للْآيَةِ ؟
صَحيحٌ أَنَّ هُنَاكَ آياتٍ مُبَطَّنَةً و كِنَايَاتٍ و تَشَابِيهَ و يَجِبُ الغَوْصُ تَحْتَ الآيَةِ
و عَصْرُهَا لَكِنَّ الأَصْلَ هُوَ المَعْنَى الظّاهِرُ لِلْآيَةِ.
مَاهُو السِّيَاقُ الذِّي أَتَتْ فِيهِ الآيَةُ ؟
البَعْثُ ؟ الخَلْقُ ؟
البَعْثُ ؟ الخَلْقُ ؟
أَتَتْ فِي سِيَاَقِ الكَلَامِ عَنِ المَوْتِ.
و المَوْتُ مَرَاحِلُ أَخْبَرَنَا بِهَا اللَّهُ و رَسُولُهُ.
السَّكَرَاتُ و هِي الإِغْمَاءُ و غِيَابُ الإِدْرَاكِ و ضَبَابَةٌ عَلَى البَصَرِ و وَهَنُ العَظْمِ
و فِقْدَانُ التَحَكُّمِ بِالأَطْرَافِ و المَشَقَّةُ فِي الكَلَامِ و التَّنَفُّسِ و الحَرَكَةِ.
ثُمَّ خُرُوجُ الرُّوحِ.
وَدَاعًا لِقُوَّتِكَ و جَبَرُوتِكَ و مَالِكَ و أَهْلِكَ.
تِلْكَ النَّفْخَةُ التِّي كُنْتَ تَظْلِمُ بِهَا و تَطْغَى بِهَا و تَجْمَعُ بِهَا الأَمْوَالَ و تَبْطِشُ بِهَا
و تَتَفَاخَرُ بِهَا و و... ذَهَبَتْ و مَاهِي إِلَّا نَفْخَةُ رِيحٍ.
والرُّوحُ مِنْكَ وَدِيعَةٌ أُوْدِعْتَهَــــــا ـــــــــــــ سَتَرُدُّهَا بِالرَّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ
وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التِّي تَسْعَى لَهَا ــــــــــــ دَارٌ حَقِيقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَـبُ
وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التِّي تَسْعَى لَهَا ــــــــــــ دَارٌ حَقِيقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَـبُ
الآنَ فِرَاقُ الجَسَدِ و الرُّوحِ.
و هَاهُوَ العَظِيمُ الغَنِيُّ الجَبَّارُ القَوِيُّ العَالِمُ المَشْهُورُ مَمْدُودًا.
أَيْنَ قُوَّتُكَ ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُحَرِّكَ إِصْبَعَكَ الصَّغِيرَ ؟ لَا
أَيْنَ عِلْمُكَ ؟ أَيْنَ أَمْوَالُكَ ؟ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُرْجِعَ رُوحَكَ إِلَيْكَ حَتَّى لَحْظَةً ؟ لَا
أَيْنَ أَبْنَاءُكَ و أَهْلُكَ و أَصْحَابُكَ ؟ هَلْ يَقْدِرُونَ أَنْ يُرْجِعُوكَ حَتَّى سَاعَةً ؟ لَا
أَيْنَ أَبْنَاءُكَ و أَهْلُكَ و أَصْحَابُكَ ؟ هَلْ يَقْدِرُونَ أَنْ يُرْجِعُوكَ حَتَّى سَاعَةً ؟ لَا
أَيْنَ المُلُوكُ و السَّلَاطِينُ الأُلَى ــــــــــــ و أَيْنَ مَنْ رَامُوا الغُصُونَ لِلْعُلَى
أَيْنَ الذِّينَ لِلْقُصُورِ شَيَّدُوا ــــــــــــ أَيْنَ الذِّينَ فِي الحَيَاةِ مُجِّدُوا
لَقَدْ فَنَوْا و مَا بَقَى مِنْهُمْ خَبَرْ ــــــــــ أَلَيْسَ فِي فَنَاءِهِمْ مِنْ مُعْتَبِرْ
و حِينَهَا إِلْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ.
فَمَا مَعْنَى إِلْتِفَافُ السَّاقِ ؟
أَ لَمْ يُشَارِكْ أَحَدٌ فِي غُسْلِ مَيِّتٍ ؟ تَكْفِينِهِ ؟
تَقْبِيلِهِ قَبْلَ الخُرُوجِ بِهِ ؟ إِنْزَالِهِ فِي القَبْرِ ؟
أَ لَمْ يُشَارِكْ أَحَدٌ فِي غُسْلِ مَيِّتٍ ؟ تَكْفِينِهِ ؟
تَقْبِيلِهِ قَبْلَ الخُرُوجِ بِهِ ؟ إِنْزَالِهِ فِي القَبْرِ ؟
التَّكْفِينُ هُو سَتْرُ البَدَنِ و تَغْطِيَتُهُ.
كَيْفَ يُكَفَّنُ المَيِّتُ ؟
يُوضَعُ الثَّوْبُ عَلَيْهِ وَضْعًا ؟ يُرْمَى عَلَيْهِ رَمْيًا ؟
يُوضَعُ الثَّوْبُ عَلَيْهِ وَضْعًا ؟ يُرْمَى عَلَيْهِ رَمْيًا ؟
بَلْ يُجْمَعُ البَدَنُ و يُلَفُّ فِي الكَفَنِ أَيْ يُشَدُّ عَلَيْهِ و يُرْبَطُ مِثْلَمَا تَشُدُّ المَرْأَةُ خِمَارَهَا و تُكَوِّرُ رَأْسَهَا بِهِ لِكَيْ لَا يَسْقُطَ أَوْ تَطَيِّرُهُ الرِّيح.
يَبْدَأُ تَكْفِينُ المَيِّتِ مِنَ الأَسْفَلِ إِلَى الأَعْلَى و يُتْرَكُ وَجْهُهُ آخِرَ شَيْءٍ.
مَا حَالُ سَاقَيْهِ ؟ هَلْ رَأَيْتُمْ مَثَلًا مَيِّتًا مُكَفَّنًا و سَاقَاهُ مُنْفَصِلَتَانِ ؟
مَفْتُوحَتَانِ ؟ بَيْنَهُمَا فَرْجَةٌ ؟ قَائِمَتَانِ ؟ مَثْنِيَّتَانِ ؟
مَفْتُوحَتَانِ ؟ بَيْنَهُمَا فَرْجَةٌ ؟ قَائِمَتَانِ ؟ مَثْنِيَّتَانِ ؟
لَا فَالسَّاقَانِ عِنْدَ التَّكْفِينِ تُجْمَعَانِ تَلْتَصِقَانِ الوَاحِدَةُ بِالأُخْرَى كَمَا تُضَمُّ اليَدُ إِلَى الجَنبِ.
و هَذَا هُو مَعْنَى إِلْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أَيْ عِنْدَ تَكْفِينِ المَيَّتِ.
ثُمَّ تُسَاقُ رُوحُهُ و تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ و كُلُّنَا نَعْرِفُ حَدِيثَ الرُّوحِ الطَّيِّبَةِ و الرُّوحِ الخَبِيثَةِ و يُسَاقُ جَسَدُهُ إٍلَى القَبْرِ.
لُكِلِّ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجَلٍ
مَنَ المَنِيَّةِ آمَالٌ تُقَوِّيهَا
المَرْءُ يَبْسُطُهَا والدَّهْرُ يَقْبِضُهَا
والنَّفْسُ تَنْشُرُهَا والمَوْتُ يَطْوِيهَا
عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالٍبَ
مَنَ المَنِيَّةِ آمَالٌ تُقَوِّيهَا
المَرْءُ يَبْسُطُهَا والدَّهْرُ يَقْبِضُهَا
والنَّفْسُ تَنْشُرُهَا والمَوْتُ يَطْوِيهَا
عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالٍبَ