شهادة العقل والإنجيل على بطلان عقيدة التثليث
إعداد: بوودن دحمان حذيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:إعداد: بوودن دحمان حذيفة
لقد لاقى النصارى بعد ذهاب المسيح

وعلى ضوء هذا القانون عرّف علماء اللاهوت التثليث بأنّه عقيدة قائمة على الإيمان بوجود ثلاثة أشخاص -أو أقانيم-يُشكِّلون شخص الله -تعالى الله عن ذلك-وأنّ هذا الثالوث أزلي أبدي، وأنّ هؤلاء الثلاثة إله واحد لا آلهة ثلاث، وأنهم متساوون في القدرة والمجد، وهذه الأقانيم هي: الأب "أقنوم الذات" والابن "أقنوم العلم" والروح القدس "أقنوم الحياة"، وأن كُلًّا منهم مُتَميز عن الآخر بأعمال ووظائف ليست من مميزات الآخـر، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير.
وهكذا فجماهير النصارى من الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت وعامة الكنائس الشرقية والغربية يؤمنون بإله واحد مثلث الأقانيم، إلاّ أنّهم يختلفون في تأصيله من ناحية الصدور أو الانبثاق، فعلى سبيل المثال يؤمن الأرثوذكس بأنّ روح القدس صادر عن الآب فقط، في حين يؤمن الكاثوليك بأنّه صادر من الآب والابن معا، ولا يمكن القول بأنّ هذه فروق اعتبارية أو ذهنية، بل هي فروق حقيقية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ فكرة التثليث فكرة قديمة، فقد كانت موجودة في الديانات الوثنية التي سبقت مجيء النصرانية، فالعقيدة المصرية القديمة على سبيل المثال كانت قائمة على تقديس ثالوث مكون من: أوزيرس "الأب" وحورس "الابن" وإيزيس "الأم"، ويعتقدون أنّ الجميع يرجع إلى واحد. وعليه فلا غرابة أن نقول بأنّ التثليث كان ثمرة الاحتكاك بالعقائد الوثنية التي كانت عند الرومان واليونانيين والمصريين وغيرهم، وذلك بغية أن تكون الدعوة النصرانية دعوة عالمية، حيث حاول أصحابها التأكيد على ما جاء في تلك العقائد الوثنية لئلا يحدث اصطدام بينها وبين النصرانية.
ومن الطبيعي ونحن نتحدث عن التثليث الذي يعتبر أهم عقائد النصرانية، أن نجد ما يؤصله في عشرات النصوص الواردة على لسان المسيح

ونفس الشيء يقال في مثل ما استدلوا به بما جاء في سفر التكوين -1/26-: "وقال الله: نعمل الإنسان" فهذا لا يعني أكثر من أنها وردت على صيغة التعظيم، كما أنّ مئات الأقوال واردة في العهد القديم على لفظ الإفراد، فكيف تترك تلك المئات، ويؤخذ بهذه اللفظة الواحدة؟
وقد استدل النصارى على التثليث من العهد الجديد بما ورد في رسالة يوحنا الأولى -7/5 -: "فإنّ الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم الواحد" والحق أنّ هذا النص مختلق غير موجود في سائر المخطوطات القديمة للكتاب المقدس، فقد أضيف لاحقا باعتراف علماء النصارى أنفسهم.
كما استدلوا أيضا بما جاء في خاتمة إنجيل متى-28 /19-من أنّ المسيح قبيل صعوده إلى السماء كلّم تلاميذه قائلاً: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس" والتعميد هو غسل الطفل أو الداخل في النصرانية بالماء مع بعض الطقوس. وأوّل نقد يوجه لهذا النص أنّه لم يرد في الأناجيل الثلاثة الأخرى التي اتفقت على إيراد نفس القصة، ومن المعلوم ما طرأ على الأناجيل من الاختلاف والتحريف بل وفقدان الأصل، حيث أنّ "متى" كتب إنجيله بالآرامية وهو مفقود والمتوفر لدينا مكتوب باليونانية وذلك باعتراف النصارى، ومع افتراض صحة هذا النص فهو لا يعني أكثر من طلب الإيمان بهؤلاء الثلاثة: الله تعالى، ورسوله المسيح


ومن جهة أخرى فإنّ نص المعمودية لا يدل على التثليث بحال من الأحوال، لأنّه يتحدث عن ثلاث ذوات منفصلة، قرن بينها بواو العطف المفيدة للمغايرة، فكأنّ المعنى الصحيح له: اذهبوا باسم الله ورسوله عيسى والوحي المنزل عليه بتعاليم الله تعالى، أضف إلى ذلك فإنّه يجب أن يفسر كلام المسيح إن صحّ بلغة كلامه في الإنجيل، والكلام المتشابه يرد إلى المحكم الذي يدعو فيه إلى عبادة الله وحده لا شريك له. فجميع أسفار العهد القديم والجديد نصت على وحدانية الله، كما جاء في سفر التثنية -6/4-:"اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد". ونقرأ في إنجيل متى -4/7-: "قال له يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" فيلزم من القول بالتثليث أنّ الأنبياء والرسل ضلوا عن معرفة إلههم واهتدى إليه النصارى في القرن الرابع ميلادي وهذا محال.
ولو نظرنا إلى عقيدة التثليث من الناحية العقلية لوجدنا أنها جمعت بين المتناقضات والأضداد، فكيف يعقل أن يكون الثلاثة واحدا أو الواحد ثلاثة! هل من المعقول أن نقول: هذا شخص وهذا شخص وهذا شخص، وهؤلاء الثلاثة ليسوا ثلاثة أشخاص ولكنهم شخص واحد؟! وأمام هذا التناقض لم يجد النصارى للتخلص من ذلك إلا أن قالوا: إنّ التثليث سر من الأسرار التي لا يمكن للعقل أن يقف على كنهها. وبعضهم حاول تأجيل النظر العقلي في هذه القضية التي يرفضها العقل ابتداء. في حين قال آخرون منهم إنّ التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب منهم، إذْ لا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية بشرط ألا يحكم العقل باستحالتها، وإذا كان النصارى يقولون إنّ التثليث يصعب تصوره على العقل فإننا نقول: بل يستحيل تصوره لدى العقل.
ولنا أن نسأل النصارى: إن كان الابن والأب والروح من جوهر واحدٍ وهم متساوون في الجوهر والقدرة والأزلية، فلمَ كان الأب أباً والابن ابناً ولم يكن الابن أباً، ولمَ كان الروح روحاً ولم يكن أباً أو ابناً؟!
ويسوِّغ بعض اللاهوتيين هذا التناقض بقولهم: إنّ هذا كالصفات الإلهية عند المسلمين، فصفات الله عند المسلمين كثيرة ومع ذلك فالله عندهم واحد، فكذلك هنا. لكن نقول لهم: نحن لا نقول بانفصال الذات عن الصفات كما تقولون أنتم أيها المثلِّثونَ، فتشبيه التثليث بذلك قياس باطل مع الفارق الكبير.
فإن قيل: والإسلام أيضا فيه من أمور الغيب مما لا يدركه العقل، والجواب عن هذا أن نقول: لا يوجد في الإسلام حكم واحد يحكم العقل باستحالته، فالشريعة لا يمكن أن تخالف العقل أبدا. لكن قد تأتي الشريعة الإسلامية بما يحار العقل في إدراكه، وفرق كبير بين ما يحار فيه العقل، وبن ما يحكم العقل باستحالته، فالشريعة قد تأتي بالأول، ولكنها لا تأتي بالثاني أبدًا.
ويحاول النصارى أن يجعلوا التثليث مقبولاً لدى العامة وذلك بضرب أمثلة حسية له: فمرّة يشبهون الخالق بالشمس التي تتكون من ثلاثة عناصر: الجرم والشعاع والحرارة، ومرّة يشبهونه بالإنسان المركب من دم وروح وجسد... ضاربين بعرض الحائط قول الرب في سفر إشعيا -46/5-: "بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُعَادِلُونَنِي وَتُقَارِنُونَنِي حَتَّى نَكُونَ مُتَمَاثِلَيْنِ؟" ومع هذا فجميع تشبيهاتهم ليس فيها واحد يمكن أن يكون مطابقاً للتثليث، فعندما يشبهون الأقانيم الثلاثة بالشمس التي تتكون من الجرم والشعاع والحرارة والكل شمس واحده نقول لهم: إنّ التمثيل بين الشمس والتثليث ليس صحيحاً، ذلك لأن الحرارة والشعاع ليسا بمستقلين عن الجرم بخلاف الأقانيم فإنها ذوات مستقلة، ونفس الرد يقال عندما يشبهون الثالوث بالإنسان المكون من دم وروح وجسد، أضف إلى ذلك أنّ الدم ليس الروح والروح ليس الجسد، والجسد ليس هو الروح، بخلاف التثليث الذي تقولون فيه إن كل واحد من الثلاثة هو الآخرين.
ومهما مثَّل النصارى للإيمان بالثالوث بأمثلة حسِّية تظهر ثلاثة مكونات في شيء واحدٍ فإنها ثلاث حقائق منفصلة مجتمعة في جسدٍ واحد، لأنّ جميع الأشياء التي يريدون أن يشبهوا التثليث بها، إما أن تكون ذاتاً واحدة لها أجزاء وأبعاض، أو صفات وآثار، بخلاف التثليث الذي هو ثلاثة متميزين حقيقيون ذوو أعمال مختلفة، إلاّ أنهم في نفس الوقت واحد حقيقي!
ومن خلال ما سبق يتضح لنا وضوحاً بيناً وجود ثلاثة أشخاص في عقيدة النصارى، وذلك لأنهم نصوا على تميز كل واحد بمميزات خاصة، وعليه فإنّ النصارى يعبدون ثلاثة آلهة، أمّا الوحدانية فهي مجرد دعوى تُدعى، وهي من باب ذر للرماد في العيون؛ حتى لا يقال عنهم أنهم مشركون يعبدون آلهة مع الله. وقد حكم الله تعالى في القرآن الكريم على كفر من قال بقولهم، قال سبحانه: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المائدة: 73].
نعوذ بالله من قول النصارى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.