التفسير في ضوء العقيدة ،والشبهات التي أثيرت اتجاه التفسير بالرأي .

إنضم
26 نوفمبر 2023
المشاركات
2
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين واصلي على النبي محمد صل الله عليه وسلم ، أما بعد :
فلايخفي على كثير منكم ما أثير اتجاه القرآن الكريم وعلومه من الشبهات ودس السموم ضمن عقيدتهم الضالة ، ومن ضمنها الشبهات التي أثيرت اتجاه التفسير بالرأي وسوف نذكر بعض منها هنا والرد عليها ، وذلك بعد تعريف التفسير بالرأي ، وذكر أنواع التفسير بالرأي وادلة من يجيزه ومن يرفضه .
الرأي في اللغة : يطلق على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس ومنه أصحاب الرأي أي أصحاب القياس.[1]
أما الرأي في الاصطلاح : هو تفسير القرآن بالاجتهاد اعتمادا على الأدوات التي يحتاجها المفسر من النقل من حديث رسول الله -r - ومن أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - وبالأخذ بمطلق اللغة ومراعاة مقتضى الكلام .[2]
فمن أخذ بهذه الأمور مجتمعة كان تفسيره جائزا محمودا وإلا فتفسيره فمن
مذموم مردود على صاحبه .
والتعريف بالتفسير بالرأي : إن تفسير القرآن بالرأي هو عبارة عن تفسير القرآن الكريم بالنظر المجرد الذي يستعين بقواعد اللغة ، وأساليب البيان من غير أن يخالف تفسيرا ورد عن النبي - r- أو عن الصحابة ، أو دون أن يتنافى أسباب النزول التي صحت طرق إثباتها .
المطلب الثالث : حكم التفسير بالرأي : اختلف العلماء المسلمون من قديم في جواز تفسير القرآن بالرأي ؟ فقوم تشددوا ولم يبيحوا تفسير شيء من القرآن ما لم يرد فيه أثر من المرفوع أو الموقوف .
وقوم لم يروا بأسا من أن يفسروا القرآن باجتهادهم [3]وقد استدل كل من الفريقين بأدلة تدعم رأيهم .
فمن أدلة المجيزين :
1 - أن القرآن نفسه يأمر بالتدبر والاستنباط واستشهدوا بقوله تعالى : (و لَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ } . [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٨٣]
فهذة الآية دلت على الاجتهاد عند عدم النص لدى أولي الأمر من أهل العلم والفقه في الدين ، الذين يستخرجون المعاني بفطرتهم ، وما يؤدي إليه ذلك من العلم ، والتفسير بالرأي اجتهاد في فهم معاني القرآن ، فيدخل في عموم الآية .
وقوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) سورة محمد آية 24
حث الله في هذه الآية على تدبر القرآن والاعتبار به . والتدبر يقتضي التفكير والنظر في معانيه ، وهذا معنى التفسير بالرأى ، فتكون هذه الآية قد حثت على التفسير بالرأي .
2 - أن القرآن يحتوي على جميع علوم الدين ، بعضها بطريق العبارة ، وبعضها بطريق الإشارة ، والثاني يحتاج إلى التعمق في الفهم ولا يكفي الوقوف عند ظاهر الآيات والتوقف مع المأثور . فلابد من القول فيه بالعقل والتفكر لبيان معنى ، واستنباط حكم ، وتفسير لفظ ، وفهم مراد لم يقف عنده السابقون لعدم الحاجة إليه في عصرهم . فإن توقفنا مع المأثور من التفسير فقط تتعطل هذه الأحكام والمعاني وهذا لا يكون إلا بالتفسير بالرأي [4].
3 - فسر الصحابة القرآن ، واختلفوا في تفسيره على وجوه ولم يسمعوا كل شيء قالوه من النبي r على - بل هناك من الأقوال ما سمعوه منه وهناك ما اجتهدوا فيه ، واختلف المفسرون في بعض الآيات فقالوا فيها أقاويل متباينة لا يمكن الجمع بينهما وسماع جميعها من الرسول r محال .
ولو كان بعضها مسموع وبعضها غير مسموع لوجب رد غير المسموع ، إذا لابد أن كل مفسر قال بما هداه إليه استنباطه ، ومن أمثلة ذلك اختلاف المفسرين في تفسير فواتح السور .
  1. أن النبي r- - دعا لابن عباس - رضي الله عنه - قائلا : "اللهم فقهه الدين وعلمه التأويل " .
ولو كان التأويل مقصورا على السماع والنقل لما كان هناك فائدة في تخصيص ابن عباس بهذا الدعاء. فدل ذلك على أن التأويل الذي دعا به الرسول r لابن عباس أمر آخر سوى السماع والنقل وذلك هو التفسير بالرأي والاجتهاد .
ه - حث القرآن على التعمق بالفهم فقال تعالى : ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيراً ) سورة البقرة آية (269 ) .
قال المفسرون : إن الحكمة المقصودة في هذه الآية هي فهم القرآن الذي ينبغي أن يحرص على إدراكها القادر عليها ، لأن الآية اعتبرت فهم القرآن خيرا ينبغي الحرص على فهمه ". [5]
وما أحسن قول الإمام الراغب الأصفهاني ، حيث قال : " فمن اقتصر على المنقول إليه فقد ترك كثيرا مما يحتاج إليه ، ومن أجاز لكل أحد الخوض فيه فقد عرضه للتخليط ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى : ( و ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) سورة ص آية ( 29 ) .
فالتفسير بالرأي اجتهاد ، والاجتهاد جائز في الشريعة ، فإذاً التفسير بالرأي جائز . لأن التفسير بالرأي يقصد الاجتهاد في فهم القرآن وإدراك معانيه واستنباط الأحكام. كما أن الاجتهاد في الشريعة بضوابطه دلت عليه نصوص كثيرة ، والمجتهد مأجور أصاب أو أخطأ . وبهذا يكون الاجتهاد بفهم القرآن جائزا وهو التفسير بالرأي.
هذه الأدلة بمجموعها تدل على أن التفسير بالرأي الموافق لكلام العرب
وعلى موافقة الكتاب والسنة ولم يتعارض مع المأثور بشيء نوع جديد من التفسير. [6]
هذا كله يرد على تشكيكات المستشرقين في رد التفسير بالرأي . ويدل على جوازه وأن ما أثاره من أدلة ( جولد تسيير ) قد رددت عليها ووجهت أدلة المانعين ، وما أشرت له من أدلة المجيزين وتوجيه أدلة الماتعين يدل أن التفسير بالرأي قسمان : 1- تفسير بالرأي محمود : وهو ما كان متقيدا بشروط التفسير من استفراغ الجهد في البحث المأثور ، ثم بعد ذلك إعمال الفكر في الآية متقيداً بضوابط اللغة ومراعاة مقتضى الكلام [7]وغير ذلك من الأمور المهمة لهذا التفسير
  • فمن أخذ بكل ذلك كان تفسيره محموداً . أما من خرج عن هذه الضوابط
سائرا في تفسيره وراء هواه ، أو قال في القرآن بغير علم لأنه ليس له أهل أو حمل الآيات مالا تحتمله فتفسيره مذموم كتفاسير أصحاب الفرق الضالة . أما المانعون فقد استدلوا بعدة أدلة الأدلة التي استغلها و جولد تسيهر وزمرته من المستشرقين للطعن في هذا النوع من التفسير وذكروا عدم جوازه .

فمن هذه الأدلة والتي لم يتركها المجيزون من الرد والتوجيه :
۱ - استدلوا بحديث رسول الله r والذي فيه أنه يخشى على مستقبل أمته من ثلاث : منها : " رجال يتأولون القرآن على غير تأويله " [8]أو كما قال r .

وقد ذكر الأستاذ عبد الحليم النجار أن هذا مرسل من مراسيل أبي داود - رحمه الله - . فعلى هذا فالحديث ضعيف لا يحتج به .
2 - كما استدلوا بقول أبي بكر - رضي : " أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأي أو بما لا أعلم " [9].
هذا القول أرسله عن أبي بكر رضي الله عنه التابعي الثقة أبو معمر عبد الله ابن سبرة الأزدي والحديث لا يفيد المنع لتفسير القرآن بالرأي ، وإنما أراد به التفسير الذي لم يقم عليه دليل ، أو كان المنع تخوفا أن لا يصيب هذا التفسير مراد الله سبحانه ، ويؤيد هذا التخريج أن أبا بكر نفسه لما سئل عن الكلالة قال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله سبحانه ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد . ولما تولى الخلافة عمر رضي الله عنه قال : إني لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه . ووضح الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هذا المعنى بقوله : " فهذه الآثار الصحيحة وماشاكلها عن أئمة السلف محمولة على الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه ، فأما تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج من عليه " .
وهذا ما وجدناه من بعض الصحابة رضوان عليهم بيان ما علموه من معنى كتاب الله سبحانه ، والسكوت فيما ليس لهم به علم تورعا وحيطة لأنفسهم حتى يقولوا في كتاب بغير علم .
فمن هنا وجدنا مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم قد اشتهروا في تفسير القرآن كابن عباس ، علي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وغيرهم . كما قد ورد تفاسير لكثير من تلاميذهم وهم من خيار التابعين كسعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، وغيرهم .
فلولا جواز مثل هذا النوع من التفسير لما وجدنا لهم هذا الكم من الأقوال في تفسير كتاب الله سبحانه ، ومن أقوالهم المأثور وغير المأثور . أما من قال في كتاب الله سبحانه دون أهلية، وبلا علم فإن أصاب برأيه فقد أخطأ بفعله وتجرئه على كتاب الله سبحانه . فيتناول من يعرف الحق لكنه يميل إلى رأي من طبعه وهواه فيتأول القرآن وفق هواه حتى لو لم يلح له ذلك المعنى في القرآن الكريم ، ومثل هذا إن صادف الحق والصواب في الواقع ونفس الأمر فإنما هو اتفاق من غير قصد ورمية من غير رام. أو يكون ممن أضله الله على علم ناصرا لبدعة ، أو متبعا لهوى كأصحاب الفرق الضالة والمنحرفة …
وخير قدوة له ما ذكرنا من موقف الصحابة - رضوان الله عليهم . ومجموع أدلة المجيزين وتوجيه أدلة المانعين والرد على شبهات هؤلاء المستشرقين الذين وجدوا في أقوال المانعين وأحوالهم فرصة لنسف هذا النوع من التفسير والتشكيك فيه .
أما الان فنأتي إلى ذكر حكم التفسير بالرأي والاجتهاد وأنه ينقسم إلى نوعان :
1-النوع الأول : التفسير بالرأي الممدوح المقبول وهذا ما أجازه المجوزون من جمهور السلف
والخلف واستدلوا بجوازه بالأدلة النقلية والعقلية .
وهذا النوع من التفسير مبني على المعرفة الكافية بعلوم العربية ، والقواعد الشرعية والأصولية ، وبالسنة النبوية بحيث لا يعارض نقلا صحيحا ولا عقلا سليما، ولا علما يقينيا ثابتا مستقراً مع بذل غاية الوسع والجهد في البحث والاجتهاد ، والمبالغة في تحري الحق والصواب، مع التريث وعدم العجلة ، وتجريد النفس عن الهوى والاستحسان بغير دليل مع مراقبة الله سبحانه في كل الأحوال.
2-لنوع الثاني التفسير بالرأي المذموم المردود : وهذا النوع من التفسير هو الذي منعه المانعون وهو تفسير من قال في القرآن وهو ليس لذلك أهل، ولم يملك أدوات المفسر وشروطه الصحيحة فيغلب على تفسيره الجهل، وتحميل الآيات فوق ما تحتمل ، أو تفسير القرآن بالهوى والاستحسان قاصدا بذلك نصرة مذهب باطل، أو مبدأ فاسد كأصحاب الفرق الباطلة الذين يلوون أعناق الآيات لتخدم مذاهبهم وأغراضهم ، أو تفسير للمتشابه من القرآن الذي لا يعلمه إلا منزله سبحانه، وأكثر ما يشتمل هذا النوع من التفسير على الأقوال الواهية والضعيفة والإسرائيلية[1] والموضوعة مما لا يليق بمقام کتاب رب العالمين سبحانه وقد وضع العلماء ضوابط وشروطا لهذا النوع من التفسير ليكون من النوع الأول يرجع لها في مواطنها …
الشبة التي أثيرت اتجاه هذا النوع ، والرد على هذه الشبة .
الشبه التي أثيرت حول هذا النوع من التفسير من الشبه التي أثارها ( جولد تسيهر ، على هذا النوع من التفسير بالراي .
الشبهة الأولى :
حاول ( جولد تسيهر ) تصوير التفسير بالرأي انشقاقا عن التفسير بالمأثور ، وحربا عليه واعتبر الدافع لهذا اللون من التفسير الورع والتقوى ، وتنزيه الله - سبحانه – في صفاته التي دخلها التجسيم من التصورات الدينية السائدة عن طريق النقل وقد حاول ( جولد تسيهر ) أن يبرر قيام مذهب الاعتزال ، بأنه كان امتدادا لخط مجاهد بن جبر التابعي الجليل في التفسير[1] ورد فعل للتصورات التجسيمية في صفات الله سبحانه وتعالى .
  • الرد على هذه الشبهة :
بدأ علم التفسير كما ذكر بكتب علوم القرآن من ذكر التفسير بالمأثور ، ثم ذُكر بعد ذلك ليكون تفسيرا عقليا وهو التفسير بالرأي بنوعيه المحمود منه والمذموم فالتفسير بالرأي المحمود ما كان منضبطا بقواعد التفسير التي حددها العلماء .
وهذا النوع من التفسير صنو للتفسير بالمأثور ومكمل لمهمة التفسير بالمأثور من ا لبيان كتاب الله سبحانه للناس .
لذا فلا حرب ولا مخاصمة بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المحمود . أما المذموم منه فكما ذكرنا سابقاً هو الذي خالف قواعد علم التفسير الجائز لنصرة مذهب فاسد ، أو مبدأ باطل حيث يفسر أصحابه الآيات حسب أهوائهم ويؤولون الآيات التي تخالف معتقداتهم وتصوراتهم ، فلا شك أن هذا النوع من التفسير لا يقبل لأنه يخالف التفسير بالمأثور وتفسير الرأي المحمود .
وعلى رأس هذا النوع من التفسير تفسير المعتزلة الذي جاء لخدمة أصولهم العقدية الخمسة التي خالفوا بها عقيدة أهل السنة والجماعة .
وقد سخر المعتزلة لتفسيرهم كل ملكاتهم وقدراتهم العقلية والعلمية والذي ساعدهم على ذلك تمكنهم من اللغة العربية وأساليبها وغيرها من العلوم ، ورد ذلك للعقل حتى ولو خالف الشرع وذلك لاعتقادهم أن العقل حجة على الشرع .
والذي ينظر في تفسير المعتزلة يجده ينطلق من أصولهم كما ذكرنا سابقاً فمثلا : انطلق من مبدأ العدل عندهم مسألة هل الأنسان مخيرا أم مسيرا ؟
أما أصل التوحيد فبحثوا تحته مسألة رؤية البشر الله سبحانه فنفوها وأولوا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي جاءت صريحة فيها .
وليس غريبا أن يكيل ( جولد تسيهر ) خاصة والمستشرقون عامة الكثير من الثناء لتفسير المعتزلة لما فيه من خدمة لأغراضهم وهي محاربة أهل السنة والجماعة وتفاسيرهم المعتبرة وعلى رأسها ( التفسير بالمأثور ) .
  • كما أن هناك دافعا آخر لهؤلاء المستشرقين وهو أن هذا المذهب يلائم ما عليه الغرب اليوم من تقديس للعقل وإعطائه حرية أكثر مما يستحق . والغربيون اليوم يعيشون بفسحة من الحرية العقلية جعلتهم يشجعون مثل هذا النوع من التفسير ويصفون أهله بأهل التقى والورع وأنهم الأحرار .. إلخ .
  • فلا أدري أين هذه التقوى وأين الورع ، وقد خرجوا في تفسيرهم عن جادة الصواب ، ولم يلتزموا به الشرع ولا ظاهر النصوص ولا روح الشريعة السمحاء ، زيادة على تأويلهم كل نص يخالف مذهبهم وقسرهم الايات على نصرته بشكل غير مقبول .
جولد تسيهر ، وبعض كتب أهل الرأي المذموم :
أثنى جولد تسيهر ، على مجموعة من كتب المعتزلة ترويجا لها ودفاعا عن باطلها . وهذا ديدن سار عليه المستشرقون أن يظهروا من كتب الخصوم لأهل السنة ككتب الفرق الباطنية الضالة أو الجاهلة من المتصوفة . فمن هذه الكتب :
1- - تفسير أبي علي الجبائي الزعيم القديم لمدرسة الاعتزال [2]. ذكره جولد تسيهر من تفاسير المعتزلة التي اعتنت بالنواحي اللغوية وصاحبه من قرية جبى .
قال عنه أبو الحسن الأشعري : ورأيت : الجبائي ألف في تفسير القرآن ، كتابا أوله على خلاف ما أنزل الله عز وجل ، وعلى لغة أهل قريته المعروفة بجبي ، وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن. وما روى في كتابه حرفا عن أحد من المفسرين وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه ، ولولا أنه استغوى بكتابه كثيرا من العوام واستنزل به عن الحق كثيرا من العوام ، لم يكن لتشاغلي به وجه " .
  1. - التفسير الثاني : ( غرر الفوائد ودرر القلائد ) حيث اثنى عليه جولد تسيهر كثيرا واعتبره من أصحاب التنزيه للذات الإلهية والمدافعين عن عصمة الأنبياء حيث عرف به قائلا : من هذا العصر المبكر للاعتزال بقي لنا كتاب وإن كان أصغر حجما ، يربط التفسير العقدي ببحوث لغوية وتاريخية أدبية أقصد بهذا محاضرات الشريف العلوي النابه الذكر في الأوساط العلمية والاجتماعية ببغداد ، الملقب بلقب التشريف : علم الهدى المرتضى ، أبي القاسم علي بن طاهر ( ٩٦٦ هـ - ) تفسير " غرر الفوائد ودرر القلائد " المنزهين للذات الإلهية والمدافعين عن عصمة الأنبياء وأبو القاسم علي بن طاهر الشريف المرتضى شيعي معتزلي تبحر في فنون العلم، وعرف بالإمامة في الكلام والأدب والشعر ، روى الحديث عن سهل الديباجي ( الكذاب ) ، له تصانيف عدة منها هذا الكتاب في التفسير الاعتزالي وهو عبارة عن محاضرات ألقاها المؤلف حول آيات عقدية محاولا أن يجمع فيه بين آرائه الاعتزالية وآيات القرآن التي تتصادم معها مستخدما كغيرة من المعتزلة نبوغه الأدبي ، ومعرفة بفنون اللغة وأساليبها فيأتي ببعض الألفاظ لتخدم الغرض ، ويخالف ظاهر النص القرآن صراحة فمثلا : حمل قولة تعالى : ({ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ } [سُورَةُ القِيَامَةِ: ٢٣] إلى نعمة ربها ، لأن الإلي النعم .
وفي واحدها أربع لغات : إلى مثل قفا ، ومثل رمي وإلى مثل يعي .
فأراد( بإلى ربها ) نعمة ربها وأسقط التنوين للإضافة نافيا الرؤية رادا نصوصها الصريحة والآثار التي وردت فيها الصحيحة .

عنده أن تأويل هذه الآية أن الله استخرج من ظهر آدم جميع ذريته وهم في خلق الذر ، فقررهم بمعرفته وأشهدهم على أنفسهم ، وهذا التأويل مع أن العقل يبطله ويحيله ، مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه وقد حملها على من كان له آباء مشركون حاملا الآية على اختصاصها لبعض ولد آدم
3 – التفسير الثالث : ( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ) لـ ( محمود ابن عمر الزمخشري المولود سنة ( ٤٦٧ هـ - ١٠٧٤ م ) والمتوفي سنة ( 538 / 1143م ) . وقد أثنى عليه جولد تسيهر بقولة : إنه نموذج للتفسير الاعتزالي وإنه نال الاعتراف بالتقدير من الصديق والعدو بأنه أحد الكتب الأساسية في التفسير[3]
التعليق:
من هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحا ويدس البدع في كلامه وأكثر الناس لا يعلمون ، كصاحب الكشاف ونحوه ، حتى أنه يروج على خلق كثير ممن لا يعتقد الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله وقد راي الباحث من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه و كلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يُعلم أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك[4] وقد انتقد الشيخ حيدر الهروي الكشاف بعد ذكر قيمته العلمية ، وما حوى من فوائد بقوله : فالتزم في كتابه أمور أذهبت رونقه وماءه وأبطلت منظره ورداءه ، فتكدرت مشاربه منها : أنها كلما شرع في تفسير آية من الآي القرآنية مضمونها لا يساعد هواه ، ومدلولها لا يُطاوع مشتهاه ، صرفها عن ظاهرها بتكلفات باردة وتعسفات جامدة ، وصرف الآية بلا نكتة بلاغية لغير ضرورة عن الظاهر وفيه تحريف الكلام الله سبحانه وتعالى ، وليته يكتفي بقدر الضرورة بل يبالغ في الإطناب والتكثير لئلا يوهم بالعجز والتقصير فتراه مشحونا بالاعتزاليات الظاهرة التي تتبادر إلى الأفهام .
  • ومنها : الله يطعن في أولياء الله المرتضيين من عباده ، ويغفل عن هذا التصنيع لفرط عناده .
  • ومنها : أنه يذكر أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية بعبارات فاحشة ، فتارة يعبر عنهم بالمجبرة ، وتارة ينسبهم على سبيل التعريض إلى الكفر والإلحاد ..
  • أما أبو حيان فقد انتقده بقوله : وهذا الرجل وإن كان أوتي من علم القرآن أوفر حظ وجمع بين اختراع المعنى وبراعة اللفظ ففي كتابه في التفسير أشياء متقدة .
  • مع كل ما ذكرت من ملاحظات على تفسير الكشاف فلا أحد ينكر قيمة هذا التفسير العلمية ، وأنه سلطان الطريقة اللغوية بلا منازع وأن هذا التفسير كشف الكثير من وجوه الإعجاز .
  • وهذا ما جعله يشتهر وينتشر في الآفاق، ويكون له قبول عند أهل السنة مع سلبياته ، وكان عمدة من جاء بعده من المفسرين في هذا المجال . وحتى يستفاد منه فقد تتبعه أكثر من عالم من علماء أهل السنة فبينوا عوار اعتزاليه أمثال : شرف الدين الحسن بن محمد الطيبي ( ت ٧٤٣ هـ ) في كتابه " فتوح الغيب في الكف عن قناع الريب " وفخر الدين الرازي في كتابه " التفسير الكبير " وغيرهم .
  • وبعد هذا الكتاب صدر كتاب للسيد مرتضى الزبيدي صاحب " تاج العروس " بعنوان " الإنصاف في المحاكمة بين البيضاوي والكشاف " والكتاب كما يبدو يتناول مسائل الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة في التفسير[5].
  • بعد هذا العرض ظهر لنا جليا موقف المعتزلة من عقيدة أهل السنة وطريقتهم اللغوية في التفسير ، وجرأتهم في صرف اللفظ عن ظاهره دون ضرورة ، وتأويل آیات الصفات ومقام النبوة في بعض الآيات، كما ظهر تعطيلهم للأحاديث النبوية الشريفة .
  • وهذا يظهر جليا سوء نية ( جولد تسيهر ) في عقده الفصل ( التفسير في ضوء العقيدة مذهب أهل الرأي ( الذي شكك فيه في التفسير بالمأثور ، وإظهار التفسير المحمود من التفسير بالرأي أنه منشق عن التفسير بالمأثور ومخالف له ، كما أنه دافع بحرارة عن التفسير المذموم واعتبره التفسير الأمثل لأنه صادر – في زعمه - عن أصحاب العقل الحر ويقصد بذلك تفسير المعتزلة .
  • فمن هذا يظهر خطورة تبني المستشرقين مثل هذه التفاسير للفرق الباطنية الضالة ، وبث اراءهم وسمومهم اتجاه القرآن الكريم وعلومه .
هذا والله أعلم واجل .
تم بحمد الله .


[1] مذاهب التفسير الإسلامي صـ121 .
[2] مذهب التفسير الإسلامي صـ 85-86 .
[3] مذهب التفسير الإسلامي صـ 141-140 .
[4] مقدمة في أصول التفسير صـ 86 -85 .
[5] مذاهب التفسير الإسلامي صـ 147-146 .


[1] الإسرائيليات والموضوعات صـ 82 .


[1] لمحات في علوم القرآن – الصباغ صـ 195 .
[2] مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 519- 520 .
[3] محاضرات في علوم القرآن صـ 152 .
[4] الجامع لأحكام القرآن – القرطبي 1/ 37 .
[5] دراسات في التفسير ورجاله صـ45 .
[6] لمحات في علوم القرآن صـ196 .
[7] مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 519 – 520 .
[8] انظر المراسيل لابي دواد السجستاني صـ باب البدع – مؤسسة الرسالة .
[9] تفسير الطبري 1/ 78 .
10 ينظر كتاب أراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقد _ عمر رضوان .

 
عودة
أعلى