تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (14) المقرئ عفيف الدين الشنيني (ت804هـ)

جمال ياسين

New member
إنضم
31 يوليو 2010
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
42
الإقامة
اليمن
الموقع الالكتروني
scholar.google.com


تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (14)
د. جمال نعمان ياسين




المقرئ عفيف الدين الصراري الشنيني (ت804هـ)

- من قراء مدينة إب -


اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

المقرئ عبد الله بن محمد بن علي بن عمر بن منصور، عفيف الدين، الصراري نسبًا، الشنيني بلدًا.

الصراري: محلة تابعة لقرية (راجم)، التابعة لعزلة (جبل عميقة) بمديرية (حبيش) إحدى مديريات مدينة إب اليمنية.

الشنيني: نسبة إلى قرية (شنين) من عزلة السحول، ناحية المخادر وأعمال إب. ابتناها عمر بن منصور بن حسن بن زياد الحبيشي، درَّس بها جماعة من أخيار الفقهاء والقراء.


نشأته وحياته العلمية

كانت قراءته بمواضع متفرقة في اليمن على أئمة العلماء أسانيدهم في الصحيح متفقة، أجلهم عنده المقرئ الإمام الحافظ رضي الدين أبو بكر بن علي بن نافع العمدي الحضرمي، قرأ عليه فأجاز له بجميع فنون العلم.

ثم سكن المقرئ بقرية شنين مدة يسيرة، دَرَّسَ فيها بمدرسة شنين، ثُمَّ انتقل منها إلى مدينة إب؛ فأضيف إليه إمامة الجامع الكبير في مدينة إب والتدريس فيه، وفي بعض المدارس هنالك، وانتهت إليه الرئاسة في علم القراءات السبع في بلده.

كما دَرَّسَ في المدرسة الأفضلية في مدينة تعز، وكذلك بالمدرسة المظفرية.

وكان لا يمر عليه وقت من النهار غالبًا إلا وهو يقرأ فيه أو يحصل شيئًا من كتب العلم أو ينسخ كتاب الله تعالى، وكان جماعة من الدَّرَسَة قراءتهم عليه ليلًا؛ لما لم يتسع لهم النهار، ولما أضيف إليه الإمامة بالجامع الكبير في مدينة إب كان يصرف ما حصل له من المشروط للدَّرَسَة ولا يأخذ منه شيئًا.

وكانت تحمل إليه الزكاة والصدقة فيأمر الذي يأتي بها أن يصرفها على الفقراء والأرامل والمحتاجين، وعلى اليتامى، ولا يأخذ منها شيئًا مع شدة فقره وحاجته، وكان قوته من أجرة نسخه، ومن غلة أرض قليلة كان يملكها، ويسكن بيتًا صغيرًا هو وأولاده.

وقد عرض عليه السكنى في الدور الكبار فأباها وقال: "القبر أضيق من ذلك".

وكان قد يشتهي من لذيذ الأطعمة، فإذا حضر شيء منها تركه وقال: "لا أعطي النفس هواها".

ثم إنه سافر إلى مكة المشرفة، فحج وزار مرارًا، واجتمع بالشيوخ الكبار هناك فأخذ عنهم، ومنهم من أخذ عنه.


مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

وصفه البريهي في طبقاته فقال: "المقرئ، الزاهد، العابد، المجاهد لنفسه، حامل راية الإسلام، غامر أندية أهل الفضائل، المضاهي بورعه الجلة من الأوائل، الموضح منهاج القراءة بنور مشكاة فهمه وذكائه، فوق لها سهام الطلب حتى أصاب الغرض، وتناول منها الجوهر وترك العرض، فأصبح منبسطًا للتدريس، مستنبطًا منها كل معنى نفيس".

وقال عنه الأكوع في هجر العلم: "عالمٌ محققٌ في علوم القراءات، والسنة، انتهت إليه الرئاسة في علم القراءات السبع".

وقال عنه الأهدل: "الفقيه، المقرئ، الصالح".

ومدحه صفي الدين أحمد البريهي بقصيدة أولها:

أَمِن بعد التَّباعد والتنائي
يجود الدهر يومًا باللقاء

وهل للوصل بعد البعد قرب
وهل للسخط يوما من رضاء

وهي طويلة وموجودة بكاملها في تاريخ البريهي الكبير.

وأجاب عن القصيدة الفقيه عفيف الدين صالح الدمتي نيابة عن المقرئ عفيف الدين الشنيني بقصيدة أولها:

شكا ألم التباعد والتنائي
لنا شيخ صدوقٌ في الإخاءِ

فحرك كامنًا من حَرِّ شوقٍ
ووُجْدًا ساكنًا وَسْطَ الحَشَاءِ

وهي طويلة وموجودة بكاملها في تاريخ البريهي الكبير.


سنده في القراءات

قرأ المقرئ عفيف الدين الشنيني القراءات السبع على المقرئ أبي بكر بن نافع العمدي الحضرمي، وهو عن المقرئ أبي الحسن علي بن أبي بكر بن شداد، وهو عن المقرئ سالم بن حاتم الجبي، وهو على المقرئ أحمد بن يوسف الريمي، وهو على والده المقرئ يوسف بن محمد الريمي، وهو على المقرئ علي بن عمر بن سويد بن أسعد القاسمي، وهو على المقرئ علي بن محمد المعجلي، وهو على المقرئ سعيد بن أسعد بن حمير التباعي، وهو على المقرئ محمد بن إبراهيم بن أبي مشيرح الحضرمي، وهو على المقرئ عمر بن عبد الله بن عمر القيرواني، وهو على والده المقرئ عبد الله بن عمر القيرواني، وهو على المقرئ أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري رحمة الله عليهم أجمعين، وإسناده غير خاف؛ إذ هو إمام أهل هذه الصناعة، معروف بها في الأمصار كلها.


شيوخه وتلاميذه

تتلمَذ المقرئ عفيف الدين الشنيني على يد كبار علماء عصره، تلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، وما وقفنا عليه منهم:

1. المقرئ أبو بكر بن نافع العمدي الحضرمي.
2. المقرئ شهاب الدين بن عباس.
3. المقرئ أحمد بن محمد بن عياش الدمشقي. أخذ كلٌ منهما عن الآخر.


وقد اشتغل المقرئ الفقيه عفيف الدين الشنيني التدريس في عدة مدارس في مدينتي إب وتعز، وله تلاميذ كثر، من أجلهم:

1. الفقيه صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي.
2. القاضي صفي الدين أحمد بن محمد التباعي.
3. المقرئ بدر الدين حسن بن محمد اليافعي.
4. العلامة إبراهيم بن أحمد بن البرهان الخنجدي.
5. المقرئ الصالح تقي الدين عمر بن أبي بكر الكلالي.


كراماته

ظهرت للمقرئ الفقيه عفيف الدين الشنيني كرامات عديدة.

فمن كراماته
ما ذكره القاضي صفي الدين أحمد بن بكر البريهي قال: أخبرني شيخي الصالح المقرئ عفيف الدين عبد الله بن محمد الشنيني نفع الله به قال أخبرني رجل من بني الأسد يقال له أحمد بن حسن أنه حضر في مجلس مطهر الشريف المشهور - وكان صديقًا له - فقال له: ما حملك على سَبِّ الشيخين أبي بكر وعمر، فقال: لأجل فاطمة رضي الله عنها، لكن أُعْلِمُكَ أني تائب من ذلك، فقلت له: ما سبب التوبة، فقال: اعلم أني حين صنفت كتابًا في سبهما كنت بومًا بين النائم واليقظان، إذ دخل علي شيخ صبيح الوجه، فسلَّم عليَّ ووقف أمامي، ففزعت منه، ثمَّ دخل بعده شيخ فسلَّم عليَّ بكلام فظ غليظ كاد فؤادي أن يطير من هيبته، ثمَّ وقف خلفي فقال: ما حملك على سبنا يا ملعون، وأخذ بحلقي فخنقني خنقًا، ثمَّ أرسل يديه، ثمَّ قال: تُبْ إلى الله من سبنا، ثمَّ خنقني ثانية أعظم من الأولى، حتى كادت روحي تخرج، ثمَّ أرسلني، فعل ذلك مرارًا كثيرة، حتى قلت له: أنا من التائبين لا أعود إلى سبكما، فأطلقني، فانتبهت مرعوبًا وتبت إلى الله تعالى من سبهما.

ومن كراماته
ومن كراماته أنَّ المقرئ الفقيه صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي نسخ له تفسير الإمام البغوي – وكان المقرئ الشنيني في مدينة تعز والمقرئ صفي الدين البريهي في مدينة إب- فكان الفقيه صفي الدين واقفًا بمنزله بإب، فسمع صوت المقرئ عفيف الدين وهو يقول: مالك يا أحمد ما لك يا أحمد، قال الفقيه صفي الدين: فدخل ذلك الصوت بمسامعي وأعضائي ولزمني شبه الرعدة، وقلت: هذا صوت المقرئ لا شك فيه، وأظنه جاء من تعز، وقام الفقيه من ساعته فنظر عند بابه وحوالي بيته فلم ير أحدًا، فرجع إلى بيته، فلما استقر مكانه سمع صوت المقرئ كالصوت الأول، فقال الفقيه لأولاده ومن حضره: هذا صوت المقرئ وقد سمعته مرتين قوموا بنا حتى ننظره، فاجتهدوا في البحث والسؤال عن المقرئ فلم يروه ،فرجع الفقيه إلى بيته فسمع صوت المقرئ مرة ثالثة، فأنعم النظر في البحث عنه ولم يجده، فأرخ ذلك وكتب به إلى المقرئ، فرجع الجواب منه يذكر فيه: أني لا أزال أذكرك وأدعو لك، وإني طالعت في الكتاب الذي نسخت لي فوجدت فيه ثلاثة أماكن تحتاج إلى إصلاح، فكنت أمر عليه وأقول في موضع الغلط: ما لك يا أحمد ما لك يا أحمد، كان ذلك مني في وقت واحد، فكان ذلك ما سمعت منِّي.


ومن كراماته
ومن كراماته أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، فوقف عنده ساعة، فأقبل الفقيه عفيف الدين عبد الله بن محمد الكاهلي – وهو من مدينة إب - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال المقرئ عفيف الدين الشنيني: هذا الفقيه الكاهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أريد أن أسمع من علمه، المقرئ عفيف الدين الشنيني: عنك أخذنا يا رسول الله، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن كراماته
وكان للمقرئ عفيف الدين صاحب من أكابر البلد، وكان تحته زوجة تقهره، فاقترحت عليه شيئًا من الفواكه في الشتاء عجز عن تحصيلها، فلم يقدر أن يدخل عليها بغير ذلك الشيء، فجاء إلى المقرئ وشكا إليه، وهو يعلم أن المقرئ ليس معه شيء منه، وأنه لا يوجد تلك الساعة بتلك البلد، فدخل المقرئ بيته وأخرج له ذلك الشيء من الفواكه وأعطاه ذلك، فخرج به إلى زوجته فرضيت.


وفاته - رحمـه الله -

انتقل المقرئ الفقيه عفيف الدين الشنيني إلى جوار ربه في يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين الحادي عشر من شهر صفر سنة أربع وثمانمئة، وقبر بالأجيناد، في مدينة تعز.

ورأى المقرئ أحمد بن محمد بن عياش الدمشقي في منامه المقرئ عفيف الدين عبد الله الشنيني - بعد أن توفي- فقال له: أنه قد تهيأ له قصر عظيم عنده، وأنه في انتظاره. وبعد أن استيقظ المقرئ أحمد بن محمد بن عياش الدمشقي زار قبر المقرئ عفيف الدين الشنيني بتعز، ومرض ستة أيام ثم توفي وقبر بالأجيناد جوار قبر المقرئ عفيف الدين الشنيني.

رحمة الله تعالى عليهم وعلينا وعلى المؤمنين..
اللهم آمين.


من مصادر الترجمة

1. طبقات صلحاء اليمن، البريهي (ص 194-191).
2. المدارس الإسلامية في اليمن، الأكوع (ص 192).
3. هجر العلم ومعاقله في اليمن، الأكوع (1054/2).


معجم قراء اليمن
من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر
د. جمال نعمان ياسين
 
عودة
أعلى