تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (2) المقرئ محمد بن أحمد زايد (ت 1339هـ)

جمال ياسين

New member
إنضم
31 يوليو 2010
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
42
الإقامة
اليمن
الموقع الالكتروني
scholar.google.com
رابطة قراء اليمن


تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (2)
د. جمال نعمان ياسين​

المقرئ محمد بن أحمد زايد (ت 1339هـ)

- من قراء مدينة صنعاء -​

اسمه ونسبه

المقرئ الفقيه محمد بن أحمد بن حسن بن الفقيه أحمد بن سعيد بن هادي بن زايد الصنعاني.
يرجع نسبه إلى بني زايد بن جابر بن سعيد بن وجيه. سكنوا في هجرة (العِر) بالحيمة الداخلية. وما زال بها بقية باقية، وترجع أصولهم إلى خولان الطيال (العالية).


ولادته ونشأته ورحلاته العلمية

ولد المقرئ محمد بن أحمد زايد بصنعاء سنة 1272هـ، ونشأ بها، وأخذ عن علمائها في فنون العلم من النحو، والصرف، والتفسير، والحديث، والأصول، والفروع، وعلى رأسها علم القراءات. حتى أصبح عالمـًا مقرئًا، يقصده طلبة العلم من كل مكان.

كما ارتحل لتدريس ما تلقاه من العلوم في عدة مناطق يمنية، كالروضة، وعمران، وحراز، وغيرها. كما عمل مدرسًا بدار المعلمين التي أنشأها الأتراك سنة 1895م.

وطلبه الإمام المتوكل على الله لتهذيب بعض أولاده، فسار إلى (قفلة عذر) من بلاد حاشد، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى صنعاء، وقد وثق ذلك في إجازته لأحد طلابه، وهو السيد أحمد بن عبد الرحمن الشامي، بقوله:
"فلما نبت بي الديار وترامت بي الأسفار، وساقني القضاء والقدر إلى الإقامة في قفلة عذر لتعليم أولاد إمام الزمان ...".


مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

وصفه شيخه في القراءات العشر العلامة المقرئ علي بن أحمد السدمي (ت 1364هـ) في إجازته له، بقوله:
"الأريب اللوذعي النجيب، من انقادت لهمته أعناق الأتراب، وفاق عليهم بما علمه حتى ارتفع فوق السحاب، همة يا لها من همة، ورفعة يا لها من رفعة".

وأضاف:
"لقد استفدت على المشار إليه قبل التفوه بذكره أكثر مما استفاد علي، وأفادني ما لا يخطر لي على بال، مع المذاكرة في ذلك في جميع الأحوال، في البُكَر والآصال، فمع علو همته السامية ومرتبته العالية، طلب مني، وما أحق بأن أطلب منه، بأن أجيز له ما تلقنته وتفهمته حرفًا حرفًا من شيخي ...".


ووصفه تلميذه العلامة المقرئ يحيى بن محمد الكبسي (1410هـ) في رسالة كتبها إليه، بقوله شعرًا:

وأعني به تاج الهداة مُكَلَّلٌ ... هو الفذ والنجم المضيء ذوي العصرِ

محمد الشيخ بن أحمد زايد ... هو الصدر في القراء ويا لك من صدرِ

هو العالم النحرير والحبر الذي ... نلوذ به في المبهمات على الفكر

سمي التقى من ذاع في الأفق فضله ... وضاع به حتى غدا سيد الغر​


كما وصفه أيضًا تلميذه العلامة المقرئ علي بن عبد الله الطائفي (ت1390هـ) - في رسالة كتبها إليه - بقوله:
"قدوة العلماء المحققين، عمدة البلغاء المدققين، وافتخار العلماء الراسخين، ومفيد المحصلين والطالبين، العلامة الأفضل، والفهامة الأمثل، وحید الدهر، وفريد العصر، عز الإسلام، والبدر الساري في حنادس الظلام".

شيوخه وتلاميذه

تلقى المقرئ محمد بن أحمد زايد القراءات، والعلوم الأخرى على عدد من شيوخ الجامع الكبير بصنعاء، كان من بينهم:
المقرئ علي بن أحمد السدمي، والمقرئ علي بن أحمد الشرفي، والعلامة القاسم بن الحسن المنصور، والقاضي الحسين بن علي العمري، والقاضي محمد بن أحمد العراسي.


وكان للمقرئ محمد بن أحمد زايد عدد كبير من التلاميذ، أنشد فيهم أبياتًا، فقال:

وقد سار باسمي في الورى كل مهتد ... وكل إمام في القراءة مرشد

رواتي من الحفاظ في كل بلدة ... لهم زجل بالذكر في كل مسجد

وسل عنهم صنعا وعمران والذي ... بسفح ذمار ثم روضة أحمد​


كان من أبرز تلاميذه:

المقرئ يحيى بن محمد الكبسي، والمقرئ علي بن عبد الله الطائفي، والمقرئ أحمد ناصر الخولاني، والفقيه أحمد بن حسين الطرماح، والعلامة محمد بن حسين العمري، والأمير الحسن بن الإمام يحيى حميد الدين، والأمير الحسين بن الإمام يحيى حميد الدين، والعلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي، والقاضي عبد الله بن أحمد الرقيحي.

سنده في القراءات العشر

قرأ الإمام المقرئ محمد بن أحمد زايد القراءات العشر على المقرئ جمال الهدى علي بن أحمد السدمي، وهو على المقرئ علي بن أحمد الشرفي، وهو على المقرئ عماد الدين يحيى بن هادي الشرفي، وهو على المقرئ یاقوت بن عبد الله الحبشي، وهو على المقرئ هادي بن الحسين القارني، وهو على المقرئ علي بن عثمان العجمي، وهو على المقرئ عبد الله بن محمد بن يوسف، وهو على المقرئ محمد المسمى أفندي، وهو على المقرئ أحمد المسيري المصري، وهو على المقرئ ناصر الدين بن عبد الله الطبلاوي، وهو على المقرئ القاضي زکریا بن محمد الأنصاري، وهو على المقرئ صفي الدين أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن يوسف الشهاب، وهو على شيخ شيوخ الإقراء الإمام الحجة الحافظ أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري، وهو بأسانيده المعروفة للقراء العشرة. رحمـهم الله جميعًا.

وقد نظم المقرئ محمد بن أحمد زايد سنده هذا في قصيدة جعلها في (43) بيتًا، قال في أوائلها:

لك الشكر يا من يسر الذكر للذكرِ ... ويا من تولى حفظه دائم الدهرِ

وبعد صلاة الله ثم سلامه ... على خيرِ مختارٍ من الـمُجَّدِ الغُرِ

محمدٌ الهادي البشيرِ وآلهِ ... وأصحابهِ أهلِ الفضائلِ والفَخرِ

وبعدُ فخذ نظمًا مفيدًا مسلسلًا ... به سَنَدُ القُرَّا إلى الطاهرِ الطُهرِ

قرأت على الشيخ المحققِ شيخنا ... جمال الهدى نجلِ البدورِ أولي البرِ

عليُّ بنُ أحمدَ مَنْ سَمَا بذكائهِ ... على كلِّ تالٍ للكتابِ ومَنْ يُقْرِي

عنِ الحافظِ المشهورِ بالفضلِ والتقى ... رئيس المشايخِ في القراءةِ في عصري

أميرُ سرايا العلمِ والفاضل الذي ... غدا راويًا للسبعِ بل راوي العشرِ

عليُّ بنُ أحمدَ شَرَّفَ الله ذاتهُ ... وجازاهُ عَنَّا بالأَدَا أفضل الأجرِ

فوائدهُ في وقفِ حمزةَ قد جَلَتْ ... فمنْ روضِها فاجْنِ الثمارِ معَ الزَّهرِ

ومنْ بحرهِ فانهلْ فَيَا لكَ مَوردًا ... يفوقُ على قَطْرِ الغمامةِ والنهرِ​


إلى أن قال:
عنِ الأزرقِ القاري لورشٍ ومَنْ رَوَى ... لهُ المدُّ والتوسيطُ مَعْ ذلكَ القَصرِ

وورشٌ وقالون لنافع والذي ... روى ليزيدٍ وهْوَ للعالمِ الحَبرِ

وَذَاكَ ابنُ عباس الذي ذاعَ علمهُ ... روى لأُبَيّ وهو عَنْ خَاتَمِ الرسلِ

عليهِ صلاةُ الله مَا هَبَّتِ الصَّبَا ... وتسليمُهُ مَا شَنَّتِ الـمُزْنُ بالقَطْرِ

فتلكَ طريقٌ في الأداءِ لنافعٍ ... وإن شِئْتَ تُحصِي العَدَّ فانظُرْ إلى النَّشْرِ

وخُذْ سَنَدَ الباقينَ عَذبًا مُسَلُسَلاً ... مِنَ النشْرِ والتَّيسِيرِ بِلا عُسْرِ​

مؤلفاته في القراءات

ألف المقرئ محمد بن أحمد زايد في علم القراءات عددًا من الكتب بين منظوم ومنثور، من أبرزها:

1 ) الكوكب الدري شرح ناظمة الزهر.

وهو شرح جليل على المنظومة المسماة بـ (ناظمة الزهر في عد الآي) للإمام الشاطبي (ت 590هـ)، قال المؤلف في مقدمته:
"وقد وصَلَتْ إليَّ هذه المنظومة، المشتملة على عد الآي مختومة، ولم أسمع بشرح لها مذكور، ولا كتاب يحل دقائقها مسطور، غير أنّها محتاجة إلى فتح بابها، وكشف نقابها، ومعرفة رموزها وخطابها، وكلما هممت أن أعلق عليها شرحًا ثبطني قل البضاعة عن الإقدام، ومنعني عن الانتصاب في هذا المقام، وكنت كما قيل:
عذرًا فباعي في الصناعة قاصر ... وجيدي عن عقد البلاغة عاطلُ
حتى سنح لي بعد الاستخارة، ومراجعة بعض الفضلاء، ما صمم به عزمي على الشروع في ما أردته، والإتيان على ما قصدته، وعلى المرء أن يسعى في الخير جهده، جعله الله سعيًا مقربًا إليه، وفعلَا مزلفًا لديه، وأسأله التوفيق في الأقوال والأفعال، وأن يعود على زللي بتجاوزه وغفرانه، وعلى خطلي بتلافيه وحنانه، وأن يجعلني ممن سعد بكتابه، وحظي فيه بجزيل ثوابه".

وفي خاتمة شرحه هذا كتب أبياتًا مدح فيها ناظمة الزهر وناظمها الإمام الشاطبي، فقال فيها:
وتمت وقد فاقت بألفاظها التبرا ... وقد جمعت في سلكها الدر والشذرا

وقد كشفت آيات خلف وأبرزت ... فواصل آي باتفاقٍ علت قدرا

بستة آلاف مع مائتين قل ... وعشرون مع ثنتين فاصدق بها الفكرا

فلله در الشاطبي لقد حوى ... علومًا سرت في الغرب يا حبذا المسرى

أحاط بعلم الذكر حرفًا وآية ... ورسمًا فطالِعها إذا شئت أن تقرا

وخذ درسها وِردًا تنالُ به العُلى ... ودع ذكر سُعْدَى والتواصُلِ والهجرا

ومن كان بالعلم الشريف اشتغالهُ ... فقد فاز في الدارين دنياه والأخرى​

وقد قام بتقريظ كتابه الكوكب الدري عدد من كبار الشيوخ والقراء، منهم الشيخ علي بن أحمد الشرفي، أثنى على الشرح، ووصف المؤلف بأنه:
"إمام علوم زاهد من ذوي القدر".

كما أثنى على الشرح الشيخ العلامة محمد بن حسن دلال، في أبيات قال فيها:
أضأت بشرح الزهر ناظمة الزهرِ ... كذا خص بالتعريف بالكوكب الدري

به شرحت أنوار كل منور ... بطالعه المنعوت في منهج الذكرِ

جزى الله من أملاه خيرات فضله ... ونال من الإيمان نورًا على نورِ​


ومن مؤلفاته:

2 ) منظومة الحاج في بيان ما اختلف فيه راويا نافع، وشرحها:

تتكون المنظومة من (136) بيتًا. قال المؤلف في مطلعها:
بدأت بمن أغنى وأقنى بعدله ... وأعطى ولم يمنن وأولى وأفضلا​
وأوزعني شكرًا لفضل عطاياه ... وحمدًا عليه مجملًا ومفصلًا

وعممنا بالجود من كل وجهه ... وفعم حوض البر بالبر فامتلا

وصلى إلهي في الصباح وفي المسا ... على من رق شأوًا بعيدًا من العلا

كذاك على الآل الكرام وصحبه ... مصابيح الدجى داجي ما أهم وأشكلا​


كما دمج المؤلف بعض أبيات منظومته هذه بأبيات من منظومة الشاطبية، من ذلك قوله:
إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ ... جهارا من الشيطان بالله مسجلا

على ما أتى في النحل يسرا وإن تزد ... لربك تنزيها فلست مجهلا

وقالون بين السورتين مبسملا ... وورش بلا نص على قول من تلا

وصل واسكتن من غير نص لورشهم ... وبعضهم في الأربع الزهر بسملا

ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسيف لست مبسملا

ولا بد منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خير من تلا

وصل ضم ميم الجمع قبل محرك ... وسكن لقالون بتخييره جلا​


وختم المنظومة بقوله:
جمعت بحمد الله في خلف نافع ... من الحرز بعض ثم بعض مكملا

فجاءت مائة تلت ثلاثون بعدها ... وست بلا ريب لمن قد تأملا

وتم صلاة الله يتلو سلامه ... على أحمد والآل مني توسلا​

ومن مؤلفاته:
3 ) تحفة الأحباب شرح منظومة هداية المرتاب.

4 ) استدراكات على كتاب العقد الفريد والدر النضيد للإمام جمال الدين الملحاني (ت938هـ).



وفاته رحمــه اللهرحمه الله

انتقل المقرئ محمد بن أحمد زايد إلى جوار الله في يوم الجمعة غرة ذي الحجة الحرام سنة 1339هـ بصنعاء. ووري جثمانه الطاهر بمقبرة مَاجِل الدِّمَّة بصنعاء.

وأرخ وفاته المؤرخ محمد زبارة في أبيات، منها:
وغرة الحجة الشهر الحرام بصنعاء ... مات مفخرة القراءِ عن كَمَلِ

محمد زاید شيخُ الشيوخِ حليف الـ ... ذكر والعلم في صبح وفي أصل

عن سبعة بعد ستين لمولد شيخنا ... أجاب دعاء الدائم الأزلي

ورثاه القاضي أحمد السكري بقصيدة، قال فيها:
لَـهَفِي على العَلَمِ الإمام الأمجدِ ... بحر العلومِ ونور دينِ محمدِ

عِزُّ الأنامِ وغًوثُ كلِّ مؤمِلٍ ... بَدرُ الهُدى وشمسُ كلِّ مُوَحِّدِ

غيثٌ مغيثٌ أو عُبَابٌ زاخرٌ ... أو طَودُ حِلْمٍ قُدوة للمُقتَدِي

عَلَّامَ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَغَرِيبَةٍ ... ومُبِينُ مُشْكِلِهِ بِنَصٍّ مُسْنِدِ

وَرَعٌ سَحِيحٌ وَاحتِمَادٌ کَامِلٌ ... بِعِبَادَةٍ وَزَهَادَةٍ وَتَهجُّدِ

لَولَا التَأَسِّي بِالنَّبِيِّ محمدٍ ... لَبَكَيْتُهُ أبَدًا بِدَمْعٍ سَرْمَدِيّ

فَاللُه يَجْزِيهِ الثَّوَابَ بِمَنِّهِ ... فَي جَنَّةِ المَأْوَىَ بِأَعلَى مَقْعَدِ​

من مصادر الترجمة

تحفة الإخوان، الجرافي (ص 109)، لامية نبلاء اليمن، زبارة (ص 80، 79)، نزهة النظر، زبارة (ص 544)، مصادر الفكر، الحبشي: (ص 42)، مخطوطات للمؤلف أفاد عنها حفيده أ. إبراهيم زايد، مخطوطات للمؤلف في حوزتي مصورات عنها.

معجم قراء اليمن
من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر

د. جمال ياسين​
 
عودة
أعلى