حكم تقبيل المصحف الشريف

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته....

لا أصل له و غير مشروع، و أرى الله أعلم من ظن أن تقبيل القرآن الكريم دون العمل به سينجيهم من النار فهو في ضلال فكذلك يفعلون بعض الناس، لأن المشروع هو تدبر آيات الله و العمل بها، حيث قال الله تعالى : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ {سورة ص:29}
 
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
إن أهل العلم كالألباني وابن باز وابن عثيمين والفوزان -رحم الله الأموات وحفظ الأحياء - لا يرون مشروعية التقيبل..، أما ابن باز فيرى أنْ لا حرج في ذلك ولكنه غير مشروع وليس بعبادة والأولى تركه.
ولكن هنا يتبادر استشكال: ما وجه المنع من هذا العمل؛ هل لأنه بدعة. ولكن قد يقول قائل: إن الـمُقبِّل لا يقصد التعبد والتقرب إلى الله عز وجل وإنما فعل ذلك من باب محبة كلام ربِّه لا غير، كما أنه لو فعل ذلك أحيانا ولم يعتقد أنه أمر مَسْنون مُتَّبع دائما، دلَّ بطريق آخر على عدم قصد التّعبد في المسألة .
وهنا يرد سؤال آخر: ما حكم تقيبل كتب العلم ، هل ينسحب عليها الحكم نفسه أم يختلف، ولماذا ؟
 
أرى من الافضل و الله أعلم ترك تقبيل المصحف حتى و لو لم يقصد به التعبد، خصوصا إذا المرء يقبل القرآن و هو لا يتدبره و لا يعرف مافيه لأن قد يراه شخص جاهل بدينه أو الأطفال فيظنون أن تقبيل المصحف هو من التعظيم و ذلك هو المطلوب و الكافي حتى و لو بدون تدبر و عمل. فلهذا أظن الترك أفضل، و هذا موجود في يومنا، ترى أقواما يقبلون المصحف و يخافون عليه من الغبار و من أي شيء و لكنه لا يفتح الكتاب و لا يدرس ما فيه.... و الآخر مثله جاهل يتبعه و يظن أن يحسن صنعا و هو فرح يظن أن حجز له موضع من الجنة.. و هكذا...

هل تقصد من سؤالك بكتب العلم، ككتب الرياضيات أو كتب تفسير القرآن مثلا ؟

​​​​​​
 
صحيح إن تقبيل المصحف الشريف مجرّدا عن الإيمان به والعمل بما فيه لا ينفع صاحبه و لا يغني عنه من الله شيئا ولو قبَّله بعَدَد أنْفاس الخلائق كلها، لأن الأمن من الضلال في الدنيا والشقاء في الآخرة؛ لا يحصل للعبد بتقبيله للقرآن العزيز وادِّعاء محبته زَيْفا وخِداعا، ولكن بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره والتحاكم إليه. فعنوان الإيمان بالقرآن: الاتباع؛ والاتباع فقط..، والدليل: قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)} [سورة البقرة: 121]. جاء عن ابن عباس في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} قال: " يتَّبِعونه حقَّ اتِّباعه ". [تفسير ابن كثير:282/1].
أما سؤالك عن القصد بكتب العلم، فأنا أقصد كتب العلم الشرعي: التفسير والحديث والفقه... والله المستعان
 
القرآن الكريم هو أعظم و أشرف كتاب الله و لو كان تعظيم القرآن يكون بالتقبيل، لكان الرسول صلى الله عليه و سلم أول من قام بتقبيل ما كان يكتب في زمانه و من بعده الصحابة، و مادام لم يقبلونه فإن تقبيل المصحف ليس علامة التعظيم و لا التقدير، بل التعظيم يكون بتلاوته و العمل به، فلهذا لا أرى أي فائدة من تقبيل المصحف و لا تقبيل كتب التفسير، قال الله" قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ۝٣١

كتب العلم هي للعلم و العمل و ليس للتقبيل.

و الله أعلم
​​​​​
 
حكـم تـقبـيل المصـحف*
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن تقبيل المصحف مستحب.(1)
قال الزركشي: "ويستحب تقبيل المصحف؛ لأن عكرمة بن أبى جهل كان يقبله، وبالقياس على تقبيل الحجر الأسود، ولأنه هدية لعباده فيشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير..."(2)
وأدلتهم كما ذكرها الزركشي وغيره، ما يلي:
1- ما رُوي عن عكرمة بن أبي جهل t أنه كان يضع المصحف على وجهه ويقول: "كتاب ربي، كتاب ربي"(3).
ونوقش: بأنه ضعيف، وليس فيه ذكر للتقبيل.
2- القياس على استحباب تقبيل الحجر الأسود([4]).
ونوقش: بأن تقبيل المصحف عبادة، والعبادات توقيفية لا يدخل فيها القياس.([5])
3- ولأنه هدية من الله لعباده فيشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير.
ونوقش: بأن هذه دعوى لا دليل عليها فلا تقبل([6])
القول الثاني: أن تقبيل المصحف مباح.([7])
واستدلوا على ذلك بالأثر السابق عن عكرمة بن أبي جهلt، فظاهر الأثر: أن عكرمة tكان يضع المصحف على وجهه، ويقبِّله، مما يدل على إباحته.
ونوقش: بأنه غير ظاهر الدلالة، فكل ما فيه أنه كان يضع المصحف على وجهه، وهذا لا يلزم منه تقبيله له.([8])
وقد سئل الشيخ ابن باز عن ذلك، فأجاب: "لا نعلم دليلا على شرعية تقبيله، ولكن لو قبله الإنسان فلا بأس؛ لأنه يروى عن عكرمة بن أبي جهل الصحابي الجليل -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقبل المصحف ويقول هذا كلام ربي ، وبكل حال التقبيل لا حرج فيه ولكن ليس بمشروع وليس هناك دليل على شرعيته ، ولكن لو قبله الإنسان تعظيما واحتراما عند سقوطه من يده أو من مكان مرتفع فلا حرج في ذلك ولا بأس إن شاء الله" ([9]) .
القول الثالث: أن تقبيل المصحف بدعة مكروهة.
وتقدم في المسألة السابقة قول ابن الحاج: "فتعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه، لا تقبيله ... ".
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- أنه لم يرد عن النبي r ولا عن صحابته y ، إلا ما روي عن عكرمة بن أبي جهل t، وهو ضعيف، وليس في التصريح بأنه كان يقبله([10]).
2- ما ورد عن عمر بن الخطاب t حينما قبل الحجر الأسود أنه قال:"إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع , فلولا أني رأيت رسول الله r يُقبلك ما قبلتُك([11])، حيث لم يقدم t على تقبيل الحجر مع فضله وشرفه وكونه من شعائر الله إلا بسنة ثابتة([12])
القول الرابع: التوقف في تقبيل المصحف.([13])
واستدلوا على ذلك بأن تقبيل المصحف وإن كان فيه رفعة وإكرام له إلا أنه لم يدل دليل على مشروعيته، وما طريقه القُرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله -وإن كان فيه تعظيم – إلا بدليل([14]).
وتقدم قول ابن تيمية في المسألة السابقة: " القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئاً مأثوراً عن السلف ... "
قال ابن مفلح : " ويجوز تقبيل المصحف ، قدمه في الرعاية وغيرها ، وعنه – أي عن الإمام أحمد - يستحب؛لأن عكرمة بن أبي جهل كان يفعل ذلك ، رواه جماعة منهم الدارمي وأبو بكر بن عبد العزيز ، وعنه التوقف فيه، وفي جعله على عينيه، قال القاضي في الجامع الكبير : إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام ، لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ، ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال : لا تضر ولا تنفع ، ولولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك ، وكذلك معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس ، فقال : ليس في البيت شيءٌ مهجور ، فقال : إنما هي السنة([15])، فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم."([16]).
والراجح – والله أعلم – القول الثاني ، وهو أن تقبيل المصحف مباح؛ لعدم وجود دليل صحيح صريح في الندب إليه أو المنع منه، فيبقى على الأصل وهو الإباحة، والقول بأنه بدعة غير وجيه في رأيي؛ لأن هذا العمل نوعُ تقدير واحترام للمصحف وهو مأمور به في الجملة، ما لم يقيد بوقت أو هيئة معينة أو يرتب عليه أجر معين، ولا يقاس على الأحجار والآثار الأخرى وإن كانت كريمةً كالحجر الأسود؛ لأنه يجب للمصحف من الاحترام والتعظيم ما لا يجب لها.

* انظر كتابي (جمال القراء) ص 197.
([1])
وهو رواية عن الإمام أحمد. انظر الآداب الشرعية 2/173.

([2]) البرهان 1/561، وانظر الإتقان 2/ 446، المقدمات الأساسية في علوم القرآن لعبد الله الجديع ص 565.
([3]) أخرجه الدارمي 2/532 ح 3350 ، والحاكم 3/243، والبيهقي في شعب الإيمان 3/512، وقال النووي في التبيان ص 174: "بإسناد صحيح". وضعفه بعضهم لانقطاعه، قال ابن حجر: "فيه انقطاع شديد فإن عكرمة لما قتل ما كان ابن أبي مليكة ولد" اتحاف المهرة 1/283.
([4]) انظر البرهان (1/478)، والإتقان (2/220).
([5]) انظر البرهان 1/561، و الإتقان ص2/ 446،و الآداب الشرعية 2/173
([6]) الأحكام الخاصة بالقرآن ص 559.
([7]) وهو رواية عن الإمام أحمد انظر الآداب الشرعية 2/173،
([8]) الأحكام الخاصة بالقرآن ص 58.
([9]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 9/289.
([10]) الأحكام الخاصة بالقرآن ص 557
([11]) أخرجه البخاري 3/583 ح 1597 ومسلم 2/925 ح 1270
([12]) انظر كلام ابن الحاج في المسألة السابقة،و انظر الآداب الشرعية 2/173 ، و كيف يجب علينا أن نفسر القرآن للألباني ص 28.
([13]) وهو رواية عن الإمام أحمد انظر الآداب الشرعية 2/173،
([14]) انظر البرهان 1/561، و الإتقان 2/ 446،و الآداب الشرعية 2/173.
([15]) أثر معاوية أخرجه البخاري3/597 ح 1608.
([16]) الآداب الشرعية 2/173.
 
عودة
أعلى