قصة صبيرة طومسون
ذكر عمر فروخ ومحمود الخالدي في " التبشير والاستعمار" . ص34 قصة أحد (الأجانب) واسمه: طومسون، قدَّم له أحد الصبية اللبنانيين ثمرة شجر الصبار (صبيرة).
وكما تعلمون، فإن هذه الثمرة شوكية القشرة الخارجية، وفي داخلها بذور كثيرة..
فما كان من طومسون إلا أن أخذ ينزع البذور بذرة بذرة.. ولكم أن تتخيلوا ماذا بقي منها ؟!
يقول المستشرق الشهير (جب) : " حين " ننقي " الإسلام من شوائبه، لن يبق منه شيء.. حاله كحال صبيرة طومسون ".
ويعود الفضل لهذا الاستنباط ، إلى الكاتب الأردني المبدع " خيري منصور " في كتابه: " الاستشراق والوعي السالب ". الذي جمَعَ فيها شذرات من نظرة المستشرقين إلى المسلمين.. بمختلف أصنافهم: أدباء وتاريخيين ورسامين ومنصرين وتجار ورحالة... ولا يخلو الكتاب من قصص مضحكة لهم " ولاجتهاداتهم " (شر البلية ما يضحك).. في مقابل " وعي سالبٍ " مِن أكثرنا.. يعني: لو كانوا بلا وعي به فذلك أفضل!! .. لا يفوتنكم الكتاب.
-----------------------------------------------------------------
ماذا يريد المستشرقون وتلاميذهم أن ننتزع من الإسلام، حتى يقبَلوه ويرضون عنه ؟!!
الجواب: هذه الحقائق بأسلوب قصصي..
===========================
اتصل بي رئيس البلدية... : عندي لك مفاجأة... هل تتذكر طومسون؟
- طومسون الذي مات من سنين؟
- بلى، سآتي وأخبرك المفاجأة..
- بشرط: الغداء منك..
عادت بي الذاكرة ...
ذات يوم، اقتربت من نهاية قراءة فَرضي اليومي من القرآن، إذ بآية تلفت الانتباه بأسلوبها، وإعجاز نظمها .. هي الآية الخامسة والخمسون من السورة التي شيَّعتها الملائكة: " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ".
قلت: هذه الآية تعنيني، الله شرَّفني بمخاطبتي.. سأستجيب فوراً .. هذا واجبي بصفتي مسلماً.. والله لا يأمر إلا بخير.
لماذا لا أستبين سبيل المجرمين.. فكرت ، وإذ بي أتذكر طومسون الذي كان وراء بناء محطة تنقية المياه العادمة بين مسجدَي البلدة.
فذهبت إليه.. وتذكرت ـ وأنا أقرع جرس بوابتها ـ.. رئيسَ بلديتنا يدافع عن نفسه: " محطة تنقية داخل البلدة وبين مسجدين، عجيب.. هل لمحطة التنقية أهمية تستوجب أن يأتي الأمر بإنشائها من (فوق) !! ".
أهل البلدة يتساءلون: " أين أم أولاد طومسون الذين يتزايدون ؟ ولماذا يسكنون معه في محطة التنقية التي تزكم الأنوف ؟؟ ولماذا أسماء أبنائه عربية ؟؟؟ ولماذا يصر على تسميتهم أطفال، مع كأنهم كالخُشُب المسندة؟؟!! "...
فجأة انقطع حبل أفكاري
- هاللو، شكراً لك.. ليش تعذب نفسك (خبيبي) ؟!
- أهلا طومسون، هذه بعض ثمار الصبار لك وللأولاد.. منظَّفة.. ضعها في الثلاجة، وعند المساء ستكون رائعة.
- لمعت عيناه مكراً (كأفلام الكرتون اليابانية) : أنا متأكد أنك تريد أن ترشيني.. قل لي لماذا جئت ؟
- سأدخل لب الموضوع مباشرة: لماذا تهتمون بنا وتدفعون الملايين لإنشاء محطة تنقية، ولماذا لا تدعونا نحن نشرف عليها ؟
- تعال أعرِّفك على أطفالي (قال مغيِّراً الموضوع).
دخلت الغرفة المجهزة بكل الألعاب... والكتب ... والهواتف!!
نظرت وإذ بمجموعة من الأشخاص يلعبون معاً بألعاب الليغو (التفكيك والتركيب) وهم منسجمون باللعب يتهامسون.. يتنازعون.. يصرخون.. يتفقون.... تماماً كالأطفال.
اقتربت منهم، قال لي أسمنهم منزعجاً:
- أف ما هذه الرائحة !!
- معذورون فلم تتعودوا إلا على رائحة محطة التنقية و..
- أنت مسلم.. صح ؟
- أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
" ها ها ها " ضحك (حسن) ثم قال:
- " لا يُشترط التلفظ بالشهادتين.. أو كتابتهما في الإسلام.. المهم أن تشاهِدَ الوجود على حقيقته " [1] هذا هو المعنى (المُركَّب) للشهادتين.
- طيب: أنا والحمد لله أصلي.
تصلي ؟ صاحوا مستغربين ثم قال (الصادق) :
- " الصلاة مسألة شخصية، ولو علمَ فقهاؤك فوائد رياضة اليوغا لاتخذوها بديلاً عن الصلاة ".[2]
- والزكاة ؟
سمعت صوتاً من بعيد، وإذ به (عابد)
- " الزكاة اختيارية.. وهي مشروع فاشل.. لا يقلل الفقر بل يزيده ".[3]
جاء طومسون بالشاي..
- أنسيت، نحن في شهر رمضان ؟!!
وقف (مجيد) لينجد أباه:
- الصوم ليس فرضاً بل اختيارياً [4] ألم تسمع قول الحبيب: الصوم يقلل من الإنتاج؟
وأخذ يوزع الشاي على إخوانه.
- ما هذا لم يبقَ إلا الحج!!!
ضجت الغرفة بالضحك، ونظر طومسون إلى أبنائه بحنان وغمز ابنه (الطيب) الذي قال:
- الحج طقوس وثنية تعبِّر عن الحنين إلى عبادة الأصنام [5]
تنفس طومسون متنهدا وقال (الابن سر أبيه) همهم: " That's my boy " ثم خرج ليستنشق عبق المنشأة.. حاملاً صحن ثمار الصبار وأخذ ينقي بذورها ويرميها ذات اليمين وذات الشمال..
- يا طومسون، ماذا تبقي من ثمرة الصبار إن رميت ببذورها ؟
- أنتم العرب أجهل الناس، ألا تعلم أنني (فنلندي) [*] لذا فأنا أعلم منك بالصبار !!
وأخذ يتمتم (باسخفاف) : " عرب ستبقون عرب ... ".
ثم سار مبتعداً..
التفتُّ إلى الناس المنهمكين بالفك والتركيب، قائلاً:
- وأركان الإيمان ، هل بقيت بحالها أم تفككت أيضاً
غرد الشحرور قائلاً:
- كل أركان الإيمان أساطير عدا ركنين: التوحيد والإيمان باليوم الآخر.[6]
- شكراً لكم لقد تفضلتم علينا ... لكن، أأنتم متأكدين أنكم مع التوحيد ؟
التفت (حسن) متأففاً
- ما أغباك يا رحيم، الله يرحمك يا ابن عربي، التوحيد هو توحيد الإنسان في بوتقة العالم، فالإنسان والعالم والإله شيء واحد.. بل صفات الكمال للإله هي ذاتها صفات (السوبرمان) البشري. الإله الحقيقي (الله الجديد) وأعني به: " الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب ".[7]
صاح (أركون) إلهي الواحد هو: " الأمل، الحرية، المساواة، العدالة ".[8]
- طيب، الإيمان باليوم الآخر لم تمسوه بسوء ؟
صاحوا جميعاً: رد يا (أبو زيد) لماذا تصمت ؟ فأجاب:
- " اسمع.. مع إنك قليل العلم سأعلمك.. أنا أسمح لك بالإيمان باليوم الآخر عدا: العرش / الكرسي / الملائكة / الجن / الشياطين / الصراط / السجلات / ... وغير ذلك من الأساطير " [9]
وأضاف (الصادق) :
- " مكان الحساب على الأرض ليس في السماء.. والعالم المتحضر هو الذي سيربح الجنة (الرفاهية) ".[10]
- لكن أهوال القيامة.. نعيم الجنة عذاب النار.. !!! قل يا (حسن) أنت أحسنهم...
- " أهوال القيامة معنوية غير حسية، فالجبال لن تهتز.. ولكننا سنراها كذلك لاضطراب قلوبنا [11] أما الجنة والنار فهما شعوريان: راحة الضمير، أو القلق " [12].
- لكن كيف تكون الحور العين معنوية لا حسية ؟؟!!!
سمعت قرقرة كصوت الديك التركي.. ميَّزت منها:
- " الحور العين ....... [همهمات وكلام غير مفهوم] ..... ااهغفاته.... إنها .. مباتهخ.... إنها ......... ما تراه من (((( فنون)))) على شاشة التلفاز[13] ".
أذن المؤذن لصلاة المغرب، خرجت كأني لا أعرفهم ... نظرت وإذا طومسون مشغولاً بنزع بذور ثمرة الصبار بشغف ولذة .. صاح كصياح أطفال مبتهجاً:
- " إنَّ نزعَ بذورها والرمي بها في كل اتجاه خير وأمتع من أكلها .. فلا يمكن لمعدتي أن تهضمها ".
- " سأذهب إلى الصلاة، وعندي إحساس بأن ثمرة الصبار ستقودك إلى الحق.. الحق الذي ما سواه باطل ".
استمر طومسون بنزع البذور... غابت اللذة .. وأخذ ينتزع البذور ويرميها بعصبية غير مبررة
" إما أنا أو أنتِ يا صبيرة ".. ولم ينتبه أن قدمه صارت فوق المياه العادمة...
تعالوا يا أبنائي .. أنقذوني..
هرع الأبناء لإنقاذه .. ولكن أحسُّوا بما يشبه الحبل يجذبهم حيث والدهم..
- ما هذا ما هذا.. أنتم تزيدون من أوزاري... ليتني لم آتِ بكم .. لا أم لكم ... لا أم لكم......
استرعى انتباهه صوتين نديَّين قريبين جداً.. وكانا آخر ما سمعته أذناه
سمع إمام المسجد الأول يقرأ آيات تتحدث عن فرعون: " ... فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ .....".
متداخلا مع صوت إمام المسجد الآخر، وآياته تتحدث عن فرعون أيضاً: " .... يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ... ".
-------
بعد الغداء، قلت لرئيس البلدية: لماذا تذكرت طومسون بعد هلاكه بزمن ؟ !!
- ألم تعلم ، قرروا إغلاق محطة التنقية.
- هل تشاءموا بطومسون ؟ .. أم عجزت الأمهات أن يلدن مثله؟
- لا يا أخي.. فقد أعيتهم كثرة نباتات الصبار التي ملأت المكان وسدت المنافذ.. نباتات (عينها قوية) استعصت على كل استئصال أو إبادة بالمبيدات.. ولا يريدون أن يصرفوا على استئصالها نقوداً إضافية. لذا أخذوا يفحصون سبب انتشارها السريع وكونها عصيَّة على كل استئصال وأن الزمان يزيد جذورها تشبثاً .. والأعجب: كيف تتسبب بنضارة الوجه ؟ [14] .. لغاية الآن لم تظهر النتيجة ـ أو لا يريدون إخبارنا ـ
نظرت إلى وجهه ـ وارتحت ـ ثم سألت متعجِّباً :
- لكن من أين أتت ؟
- يقولون: أحد الأغبياء أخذ يرمي بذور الصبار في كل مكان.. (و أخذ يبحث عن شيء في وجهي).
- " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ". صدق الله العظيم.
- غمزني رئيس البلدية مداعباً: لو لم تذهب لصلاة الجماعة ذلك اليوم، أكنت ستساعد طومسون.. نخوةً وشهامةً.
- ضحكت قائلاً: الحمد لله، ألم أقل لك: جماعة المسلمين هي الوقاية وهي النجاة.. حتى لو لم تلمس ذلك بيديك!!!
فأنا ـ كما تعلم ـ أعاني من حساسية الجيوب الأنفية، وأخشى أن يجذبني حبله.. ويبدو أن طومسون فرح أيضاً، لأن ثقل جسمي سيزيد من أوزاره.. وهو (مش ناقصه).
لقد مات طومسون.. أما ثمار الصبار فقد انتشرت.. وزادت شموخاً أفقياً وعامودياً..
شكراً طومسون!!
هوامش:
================
[1] من العقيدة إلى الثورة، حسن حنفي 1/17
[2] الإسلام في الأسر، الصادق النيهوم، ص127.
[3] وجهة نظر، محمد عابد الجابري، ص150-151.
[4] الإسلام، عبد المجيد الشرفي، ص63.
[5] النص القرآني، طيب تيزيني، ص154.
[6] نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، محمد شحرور، ص31
[7] حوار المشرق والمغرب، حسن حنفي، ص72
[8] قضايا نقد العقل الديني، محمد أركون، ص282.
[9] النص، السلطة، نصر حامد أبو زيد، ص135.
[10] الإسلام في الأسر، الصادق النيهوم، ص 82.
[11] من العقيدة إلى الثورة، حسن حنفي 4/508.
[12] السابق، 4/605.
[13] العنف المقدس والجنس، تركي الربيعو، ص140.
[14] لمعرفة الإعجاز العلمي في السنة النبوية حول تأثير زيت الصبار على البشرة انظر حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ:
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=556
[*] طومسون الحقيقي أمريكي. وهنا تذكرت ما كتب الشاعر النصراني " رشيد خوري " سنة 1947م منتقداً حملات (التبشير) المسيحي الغربية التي أثرت في النصارى الشرقيين أكثر من المسلمين !!!!!!!!
" إن إقامتي الدليل على عدم نزاهة المبشرين الأمريكيين لا يقتضي أن أكون بارعاً في الجدل، أو عالماً شهيراً بالتاريخ، وكم أنفق الأمريكيون كي يُعرِّفوننا بمواطِننا المسيح وبدينه، كأننا أشد افتقاراً إلى فضائل المسيحية من الأمريكيين أنفسهم ".
قلت: هذا الاستغراب من نصراني لما ينفقه من وقت وجهد ومال إخوة في الدين ليحول ملة نصارى المشرق إلى المغرب..
ما معنى أن يقطع إنسان ما الفيافي والقفار ويدفع المليارات كي يُخبِرَك بما أنت أعلمُ به منه !!!
إنها والله لإحدى عجائب الدنيا !!!
ذكر عمر فروخ ومحمود الخالدي في " التبشير والاستعمار" . ص34 قصة أحد (الأجانب) واسمه: طومسون، قدَّم له أحد الصبية اللبنانيين ثمرة شجر الصبار (صبيرة).
وكما تعلمون، فإن هذه الثمرة شوكية القشرة الخارجية، وفي داخلها بذور كثيرة..
فما كان من طومسون إلا أن أخذ ينزع البذور بذرة بذرة.. ولكم أن تتخيلوا ماذا بقي منها ؟!
يقول المستشرق الشهير (جب) : " حين " ننقي " الإسلام من شوائبه، لن يبق منه شيء.. حاله كحال صبيرة طومسون ".
ويعود الفضل لهذا الاستنباط ، إلى الكاتب الأردني المبدع " خيري منصور " في كتابه: " الاستشراق والوعي السالب ". الذي جمَعَ فيها شذرات من نظرة المستشرقين إلى المسلمين.. بمختلف أصنافهم: أدباء وتاريخيين ورسامين ومنصرين وتجار ورحالة... ولا يخلو الكتاب من قصص مضحكة لهم " ولاجتهاداتهم " (شر البلية ما يضحك).. في مقابل " وعي سالبٍ " مِن أكثرنا.. يعني: لو كانوا بلا وعي به فذلك أفضل!! .. لا يفوتنكم الكتاب.
-----------------------------------------------------------------
ماذا يريد المستشرقون وتلاميذهم أن ننتزع من الإسلام، حتى يقبَلوه ويرضون عنه ؟!!
الجواب: هذه الحقائق بأسلوب قصصي..
===========================
اتصل بي رئيس البلدية... : عندي لك مفاجأة... هل تتذكر طومسون؟
- طومسون الذي مات من سنين؟
- بلى، سآتي وأخبرك المفاجأة..
- بشرط: الغداء منك..
عادت بي الذاكرة ...
ذات يوم، اقتربت من نهاية قراءة فَرضي اليومي من القرآن، إذ بآية تلفت الانتباه بأسلوبها، وإعجاز نظمها .. هي الآية الخامسة والخمسون من السورة التي شيَّعتها الملائكة: " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ".
قلت: هذه الآية تعنيني، الله شرَّفني بمخاطبتي.. سأستجيب فوراً .. هذا واجبي بصفتي مسلماً.. والله لا يأمر إلا بخير.
لماذا لا أستبين سبيل المجرمين.. فكرت ، وإذ بي أتذكر طومسون الذي كان وراء بناء محطة تنقية المياه العادمة بين مسجدَي البلدة.
فذهبت إليه.. وتذكرت ـ وأنا أقرع جرس بوابتها ـ.. رئيسَ بلديتنا يدافع عن نفسه: " محطة تنقية داخل البلدة وبين مسجدين، عجيب.. هل لمحطة التنقية أهمية تستوجب أن يأتي الأمر بإنشائها من (فوق) !! ".
أهل البلدة يتساءلون: " أين أم أولاد طومسون الذين يتزايدون ؟ ولماذا يسكنون معه في محطة التنقية التي تزكم الأنوف ؟؟ ولماذا أسماء أبنائه عربية ؟؟؟ ولماذا يصر على تسميتهم أطفال، مع كأنهم كالخُشُب المسندة؟؟!! "...
فجأة انقطع حبل أفكاري
- هاللو، شكراً لك.. ليش تعذب نفسك (خبيبي) ؟!
- أهلا طومسون، هذه بعض ثمار الصبار لك وللأولاد.. منظَّفة.. ضعها في الثلاجة، وعند المساء ستكون رائعة.
- لمعت عيناه مكراً (كأفلام الكرتون اليابانية) : أنا متأكد أنك تريد أن ترشيني.. قل لي لماذا جئت ؟
- سأدخل لب الموضوع مباشرة: لماذا تهتمون بنا وتدفعون الملايين لإنشاء محطة تنقية، ولماذا لا تدعونا نحن نشرف عليها ؟
- تعال أعرِّفك على أطفالي (قال مغيِّراً الموضوع).
دخلت الغرفة المجهزة بكل الألعاب... والكتب ... والهواتف!!
نظرت وإذ بمجموعة من الأشخاص يلعبون معاً بألعاب الليغو (التفكيك والتركيب) وهم منسجمون باللعب يتهامسون.. يتنازعون.. يصرخون.. يتفقون.... تماماً كالأطفال.
اقتربت منهم، قال لي أسمنهم منزعجاً:
- أف ما هذه الرائحة !!
- معذورون فلم تتعودوا إلا على رائحة محطة التنقية و..
- أنت مسلم.. صح ؟
- أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
" ها ها ها " ضحك (حسن) ثم قال:
- " لا يُشترط التلفظ بالشهادتين.. أو كتابتهما في الإسلام.. المهم أن تشاهِدَ الوجود على حقيقته " [1] هذا هو المعنى (المُركَّب) للشهادتين.
- طيب: أنا والحمد لله أصلي.
تصلي ؟ صاحوا مستغربين ثم قال (الصادق) :
- " الصلاة مسألة شخصية، ولو علمَ فقهاؤك فوائد رياضة اليوغا لاتخذوها بديلاً عن الصلاة ".[2]
- والزكاة ؟
سمعت صوتاً من بعيد، وإذ به (عابد)
- " الزكاة اختيارية.. وهي مشروع فاشل.. لا يقلل الفقر بل يزيده ".[3]
جاء طومسون بالشاي..
- أنسيت، نحن في شهر رمضان ؟!!
وقف (مجيد) لينجد أباه:
- الصوم ليس فرضاً بل اختيارياً [4] ألم تسمع قول الحبيب: الصوم يقلل من الإنتاج؟
وأخذ يوزع الشاي على إخوانه.
- ما هذا لم يبقَ إلا الحج!!!
ضجت الغرفة بالضحك، ونظر طومسون إلى أبنائه بحنان وغمز ابنه (الطيب) الذي قال:
- الحج طقوس وثنية تعبِّر عن الحنين إلى عبادة الأصنام [5]
تنفس طومسون متنهدا وقال (الابن سر أبيه) همهم: " That's my boy " ثم خرج ليستنشق عبق المنشأة.. حاملاً صحن ثمار الصبار وأخذ ينقي بذورها ويرميها ذات اليمين وذات الشمال..
- يا طومسون، ماذا تبقي من ثمرة الصبار إن رميت ببذورها ؟
- أنتم العرب أجهل الناس، ألا تعلم أنني (فنلندي) [*] لذا فأنا أعلم منك بالصبار !!
وأخذ يتمتم (باسخفاف) : " عرب ستبقون عرب ... ".
ثم سار مبتعداً..
التفتُّ إلى الناس المنهمكين بالفك والتركيب، قائلاً:
- وأركان الإيمان ، هل بقيت بحالها أم تفككت أيضاً
غرد الشحرور قائلاً:
- كل أركان الإيمان أساطير عدا ركنين: التوحيد والإيمان باليوم الآخر.[6]
- شكراً لكم لقد تفضلتم علينا ... لكن، أأنتم متأكدين أنكم مع التوحيد ؟
التفت (حسن) متأففاً
- ما أغباك يا رحيم، الله يرحمك يا ابن عربي، التوحيد هو توحيد الإنسان في بوتقة العالم، فالإنسان والعالم والإله شيء واحد.. بل صفات الكمال للإله هي ذاتها صفات (السوبرمان) البشري. الإله الحقيقي (الله الجديد) وأعني به: " الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب ".[7]
صاح (أركون) إلهي الواحد هو: " الأمل، الحرية، المساواة، العدالة ".[8]
- طيب، الإيمان باليوم الآخر لم تمسوه بسوء ؟
صاحوا جميعاً: رد يا (أبو زيد) لماذا تصمت ؟ فأجاب:
- " اسمع.. مع إنك قليل العلم سأعلمك.. أنا أسمح لك بالإيمان باليوم الآخر عدا: العرش / الكرسي / الملائكة / الجن / الشياطين / الصراط / السجلات / ... وغير ذلك من الأساطير " [9]
وأضاف (الصادق) :
- " مكان الحساب على الأرض ليس في السماء.. والعالم المتحضر هو الذي سيربح الجنة (الرفاهية) ".[10]
- لكن أهوال القيامة.. نعيم الجنة عذاب النار.. !!! قل يا (حسن) أنت أحسنهم...
- " أهوال القيامة معنوية غير حسية، فالجبال لن تهتز.. ولكننا سنراها كذلك لاضطراب قلوبنا [11] أما الجنة والنار فهما شعوريان: راحة الضمير، أو القلق " [12].
- لكن كيف تكون الحور العين معنوية لا حسية ؟؟!!!
سمعت قرقرة كصوت الديك التركي.. ميَّزت منها:
- " الحور العين ....... [همهمات وكلام غير مفهوم] ..... ااهغفاته.... إنها .. مباتهخ.... إنها ......... ما تراه من (((( فنون)))) على شاشة التلفاز[13] ".
أذن المؤذن لصلاة المغرب، خرجت كأني لا أعرفهم ... نظرت وإذا طومسون مشغولاً بنزع بذور ثمرة الصبار بشغف ولذة .. صاح كصياح أطفال مبتهجاً:
- " إنَّ نزعَ بذورها والرمي بها في كل اتجاه خير وأمتع من أكلها .. فلا يمكن لمعدتي أن تهضمها ".
- " سأذهب إلى الصلاة، وعندي إحساس بأن ثمرة الصبار ستقودك إلى الحق.. الحق الذي ما سواه باطل ".
استمر طومسون بنزع البذور... غابت اللذة .. وأخذ ينتزع البذور ويرميها بعصبية غير مبررة
" إما أنا أو أنتِ يا صبيرة ".. ولم ينتبه أن قدمه صارت فوق المياه العادمة...
تعالوا يا أبنائي .. أنقذوني..
هرع الأبناء لإنقاذه .. ولكن أحسُّوا بما يشبه الحبل يجذبهم حيث والدهم..
- ما هذا ما هذا.. أنتم تزيدون من أوزاري... ليتني لم آتِ بكم .. لا أم لكم ... لا أم لكم......
استرعى انتباهه صوتين نديَّين قريبين جداً.. وكانا آخر ما سمعته أذناه
سمع إمام المسجد الأول يقرأ آيات تتحدث عن فرعون: " ... فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ .....".
متداخلا مع صوت إمام المسجد الآخر، وآياته تتحدث عن فرعون أيضاً: " .... يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ... ".
-------
بعد الغداء، قلت لرئيس البلدية: لماذا تذكرت طومسون بعد هلاكه بزمن ؟ !!
- ألم تعلم ، قرروا إغلاق محطة التنقية.
- هل تشاءموا بطومسون ؟ .. أم عجزت الأمهات أن يلدن مثله؟
- لا يا أخي.. فقد أعيتهم كثرة نباتات الصبار التي ملأت المكان وسدت المنافذ.. نباتات (عينها قوية) استعصت على كل استئصال أو إبادة بالمبيدات.. ولا يريدون أن يصرفوا على استئصالها نقوداً إضافية. لذا أخذوا يفحصون سبب انتشارها السريع وكونها عصيَّة على كل استئصال وأن الزمان يزيد جذورها تشبثاً .. والأعجب: كيف تتسبب بنضارة الوجه ؟ [14] .. لغاية الآن لم تظهر النتيجة ـ أو لا يريدون إخبارنا ـ
نظرت إلى وجهه ـ وارتحت ـ ثم سألت متعجِّباً :
- لكن من أين أتت ؟
- يقولون: أحد الأغبياء أخذ يرمي بذور الصبار في كل مكان.. (و أخذ يبحث عن شيء في وجهي).
- " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ". صدق الله العظيم.
- غمزني رئيس البلدية مداعباً: لو لم تذهب لصلاة الجماعة ذلك اليوم، أكنت ستساعد طومسون.. نخوةً وشهامةً.
- ضحكت قائلاً: الحمد لله، ألم أقل لك: جماعة المسلمين هي الوقاية وهي النجاة.. حتى لو لم تلمس ذلك بيديك!!!
فأنا ـ كما تعلم ـ أعاني من حساسية الجيوب الأنفية، وأخشى أن يجذبني حبله.. ويبدو أن طومسون فرح أيضاً، لأن ثقل جسمي سيزيد من أوزاره.. وهو (مش ناقصه).
لقد مات طومسون.. أما ثمار الصبار فقد انتشرت.. وزادت شموخاً أفقياً وعامودياً..
شكراً طومسون!!
هوامش:
================
[1] من العقيدة إلى الثورة، حسن حنفي 1/17
[2] الإسلام في الأسر، الصادق النيهوم، ص127.
[3] وجهة نظر، محمد عابد الجابري، ص150-151.
[4] الإسلام، عبد المجيد الشرفي، ص63.
[5] النص القرآني، طيب تيزيني، ص154.
[6] نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، محمد شحرور، ص31
[7] حوار المشرق والمغرب، حسن حنفي، ص72
[8] قضايا نقد العقل الديني، محمد أركون، ص282.
[9] النص، السلطة، نصر حامد أبو زيد، ص135.
[10] الإسلام في الأسر، الصادق النيهوم، ص 82.
[11] من العقيدة إلى الثورة، حسن حنفي 4/508.
[12] السابق، 4/605.
[13] العنف المقدس والجنس، تركي الربيعو، ص140.
[14] لمعرفة الإعجاز العلمي في السنة النبوية حول تأثير زيت الصبار على البشرة انظر حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ:
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=556
[*] طومسون الحقيقي أمريكي. وهنا تذكرت ما كتب الشاعر النصراني " رشيد خوري " سنة 1947م منتقداً حملات (التبشير) المسيحي الغربية التي أثرت في النصارى الشرقيين أكثر من المسلمين !!!!!!!!
" إن إقامتي الدليل على عدم نزاهة المبشرين الأمريكيين لا يقتضي أن أكون بارعاً في الجدل، أو عالماً شهيراً بالتاريخ، وكم أنفق الأمريكيون كي يُعرِّفوننا بمواطِننا المسيح وبدينه، كأننا أشد افتقاراً إلى فضائل المسيحية من الأمريكيين أنفسهم ".
قلت: هذا الاستغراب من نصراني لما ينفقه من وقت وجهد ومال إخوة في الدين ليحول ملة نصارى المشرق إلى المغرب..
ما معنى أن يقطع إنسان ما الفيافي والقفار ويدفع المليارات كي يُخبِرَك بما أنت أعلمُ به منه !!!
إنها والله لإحدى عجائب الدنيا !!!