ضيف الحلقة (130) يوم السبت 6 رمضان 1432هـ

إنضم
25 سبتمبر 2008
المشاركات
225
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
التفسير المباشر - الرياض
ضيف البرنامج في حلقته رقم (130) يوم السبت 6 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن صالح الفوزان الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بجامعة الملك سعود .
وموضوع الحلقة هو :
- علوم سورة يس .

1818alsh3er.gif

روابط التحميل

جودة عالية
http://www.archive.org/download/thexinxyway_177/tafsir060811.AVI

جودة متوسطة
http://www.archive.org/download/thexinxyway_177/tafsir060811.rmvb

جودة صوت
http://www.archive.org/download/thexinxyway_177/tafsir060811.mp3

موقع الملتقي علي اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=OY_GtnbWVA4

- الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
 
هل ممكن أن تكون مقصد سورة يس الدعوة والنذارة ؟؟ وبها أركان الدعوة فى محاجاة الرجل الذى جاء من أقصى المدينة؟؟؟
 
السلام عليكم
تمت إضافة روابط التحميل الي الحلقة الاولي
بارك الله فيكم
 
أعتذر للجميع لتأخر رفع هذه الحلقة لظروف خاصة وإن شاء الله الأخت الفاضلة طالبة الهدى ستعينني على استكمال التفريغ وأضعها بين أيديكم فور جهوزها.
 
هذا تفريغ الحلقة وعذراً على التأخير وشكر الله لأختي الفاضلة طالبة الهدى على المساعدة
_________________

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في هذا اليوم السادس من شهر رمضان من عام 1432هـ وهذه هي الحلقة السادسة من حلقات برنامجكم التفسير المباشر، والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من الرياض، وسوف نتحدث بإذن الله تعالى حول سورة عظيمة من سور القرآن الكريم وهي سورة يس، باسمكم جمعيا أيها الأخوة أرحب بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود. حياكم الله دكتور محمد
د. محمد: حياكم الله وحي الله الأخوة المستمعون والمستمعات، ونسأل الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل.
د. الشهري: سورة يس دكتور محمد هي موضوعنا في هذه الحلقة إن شاء الله، وتعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة
د. محمد: بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه السورة اسمها يس وهو الاسم المشهور للسورة وهو الذي ذكره البخاري وغيره من أئمة السنة في كتبهم في كتاب التفسير، لكن وردت بعض الأسماء الأخرى كما ذكره البقاعي: حيث ذكر أسماء مثلا: سورة القلب وسماها الدافعة والقاضية والمُعمّة وهذه الأسماء الأربعة وردت فيها آثار ولكن كلها ضعيفة بل عدوها من الموضوعات، الأسماء الثلاثة غير القلب ورد فيها حديث عن عائشة رضي الله عنه، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأما القلب فورد فيها أثر كذلك وورد مرفوعاً: (إن لكل شيء قلب، وإن قلب القرآن يس) لكن هذا الأثر ضعيف، إذن الاسم المشهور هو يس، لكن الطاهر بن عاشور في التحرير ذكر قال: اطلع على مصحف طبع في حدود الألف ويظهر أنه في بلاد العجم، قال سموها سورة حبيب النجار، وحبيب النجار هو الرجل المؤمن الذي سيأتي ذكره في السورة، قال والعجيب في هذا المصحف جميع الأسماء كما هي المأثورة في المصاحف الأخرى إلا هذه السورة والتين سموها سورة الزيتون. وهذا هو ما يتعلق باسم السورة.
د. الشهري: لفت نظري إلى مسألة دكتور محمد في تسميات السور من المصادر التي يمكن أن يتعرف من خلالها الباحث على أسماء السور هي مخطوطات المصاحف القديمة، وأذكر للدكتورة منيرة الدوسري كتابها أسماء القرآن كان من مزايا بحثها أسماء سور القرآن وفضائله، من مزايا بحثها أنها رجعت إلى بعض المخطوطات في المصاحف القديمة، حتى تتأكد أن هذا الاسم موجود في مصاحف قديمة وليس فقط في الآثار. يمكن أن نقول أنه اسم توقيفي ما دام لم يعرف لها وما اشتهر لها إلا هذا الاسم فهو اسم توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، هل ورد في فضل سورة يس أحاديث؟ ولا سيما أن هنا سائل يسأل عن هذا الموضوع ويقول أومن الخلال الحديث عن فضائل السورة هل يمكن التنبيه على حديث ( اقرؤوا يس على موتاكم) يقول وهو منتشر بين العامة.
د. محمد: ذُكر هذا الحديث (اقرؤوا يس على موتاكم ") وفي حديث آخر في نفس المعنى: ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه) هذه الأحاديث وردت لكنها حقيقة ضعيفة، ضعفها العلماء وذكروا في سندها ضعفاً ولذلك فهي من الأحاديث الضعيفة التي لا يعتد بها، كذلك ورد أحاديث أخرى.
د. الشهري: كيف يمكن يا دكتور محمد عندما يقول قائل وهذا منتشر يقولون العلماء كانوا يتساهلون في رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل وفيما ليس من العبادات، فكيف يجاب عن مثل هذا؟؟
د. محمد: نجيب بأن هذه الشريعة كاملة تامة والمفروض الاقتصار على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انفتح هذا الباب قد ينفتح باب واسع وخطير ويلحق بالشريعة ما ليس منها، ونحن نعرب أن باب الوضع في الحديث باب دخل منه الزنادقة والمبغضين لهذا الدين وضعت الأحاديث، وربما جاءتنا أحاديث في ذكر فضائل الأمور لا تصح ولا تثبت، وربما تسلقت عليه بعض الفرق لذلك نقول الاقتصار على ما ثبت وصح سنده هو المنهج الصحيح وفيه الكفاية. بقي نشير من ناحية الفضائل في حديث آخر عن أبي هريرة: (من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله أصبح مغفورا له) والعجيب أن ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره ذكر الحديث وقال إسناده جيد، لكن من علق على التفسير ذكر في سنده من هو متهم بالوضع، ولذلك ابن كثير نفسه بعد قليل رجع وقال لم يثبت في فضائل هذه السورة شيء.
د. الشهري: تعليق على كلامك دكتور محمد قبل قليل: من أوسع الأبواب التي وضعت فيها الأحاديث أبواب فضائل السور، وأذكر ابن أبي مريم هو الذي وضع هذه الأحاديث التي انتشرت وللأسف في كتب التفسير، ( من قرأ كذا فله كذا) وعندما قيل له في ذلك، قال رأيت الناس قد أعرضوا عن التفسير والقرآن واشتغلوا بمغازي ابن إسحاق ونحوه، فأردت أن أضع لهم أحاديث في فضائل السور.
د. محمد: على ما قلت ينبغي على الإنسان أن ينتبه على هذا الموضوع خصوصا من علق على فضائل السور، فكثير من الفضائل التي تذكر في كتب التفسير هي من الموضوعات التي أشرت إليها.
د. الشهري: متى نزلت سورة يس؟
د. محمد: سورة يس نزلت في مكة، حتى قال المفسرون والقرطبي يكاد يكون هذا بالإجماع، ليس فيه خلاف إلا أنهم تكلموا عن آية، وهي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12} فقد ذكر بعضهم أنها نزلت في المدينة لماذا؟ قالوا لأنه ورد في الحديث الصحيح في مسلم وفي غيره أن بني سلمة لما أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (( يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم)) ولذلك بعد ذلك تراجعوا، يعني الزموا دياركم على الإغراء، ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فبعضهم قال أنها نزلت في المدينة، قال ابن كثير وغيره: الصحيح أنها جاءت من باب الاستشهاد والاستدلال، وليس أنها نزلت في ذلك الوقت، ولذلك يبقى أن السورة بكاملها مكية.
د. الشهري: وسوف يأتي من الموضوعات التي نتحدث عنها ما يؤيد هذا، القضايا التي اشتملت عليها سورة يس وقبل القضايا ليتك تسلط الضوء على محور السورة أو موضوعها الأساسي إن كان هناك.
د. محمد: محور السورة هو موضوع تقرير قضايا العقيدة وهي القضية الأساس في السور المكية، والأمور والقضايا التي تعرضت لها السورة هي ثلاث قضايا رئيسة وردت في ثنايا السورة في أولها وفي وسطها وفي آخرها، بل العجيب أن هذه المسائل الثلاث جاءت في آخرها تبعا ملخصة، هذه المسائل الثلاث:
المسألة الأولى: صدق الرسالة { يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.
الموضوع الثاني: هو موضع توحيد الألوهية والنهي عن الشرك، وقد جاء في مطلعها وفي وسطها وفي قصة أصاب القرية، فجاء كثيرا في هذه السورة.
الموضوع الثالث: موضوع إثبات البعث بعد الموت، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} ثم سوق الأدلة جاءت في عدة مواضع، ذكرت السورة مشاهد عظيمة من مشاهد القيامة وفي نهايتها ساقت ثلاث أدلة على إثبات البعث، خلف بعض من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ...}
د. الشهري: نأخذ السورة من أولها المقطع الأول من الآية الأولى {يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إلى الآية 12 {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12} ما هي الحكمة؟ هناك من يسأل : يس هل هو اسم للنبي صلى الله عليه وسلم أم هي حروف مقطعة مثل كهيعص؟
د. محمد: بالنسبة لـ(يس) افتتاح السورة، القول المشهور عند أهل العلم وهو الصحيح أنها من الحروف المقطعة يس، فهي من الحروف المقطعة التي ابتدأت بها عدد 29 من سور القرآن، السورة، وطبعاً الحروف المقطعة معروف أقوال العلماء فيها:
• من العلماء من يرى أنها من المتشابه وقال نكل علمها إلى الله ولا ندخل في تفسيرها.
• ومن العلماء من ذكر لها معنى وهذا هو الصحيح والله أعلم ثم اختلفوا إلى أقوال كثيرة جدا لكن من أشهر الأقوال وهو الذي يؤيده كثير من العلماء والمفسرين أنها جاءت للتحدي والإعجاز، أن هذا القرآن الذي جاءكم به محمد هو من جنس هذه الحروف التي تعرفونها فاتوا بمثله، وكذلك ممكن أن نضيف إليه قول آخر جميل ذكره بعض المؤلفين في علوم القرآن أن فيها نوع من الإثارة، إثارة أن العرب يؤثر فيهم الكلام الفصيح القوي، فلما يسمع هذا الترتيب فيثير انتباهه فيستمع إليه فيستمع لما بعده، فكأنها نوع من الإثارة، وهذه الإثارة حتى الآن بعض الفصحاء من الناس يستخدمها فيحاول في بداية حديثه أن يدخل بمدخل مثير ليثير انتباه السامع، ففيها نوع من الإثارة.
د. الشهري: قد تدخل تحت براعة الاستهلال بوجه من الوجوه
د. محمد: نعم براعة الاستهلال، طبعا يدخل تحت هذا القول أن الحروف المقطعة منهم من قال أنها: يس قسم ومنهم من قال أنها اسم للسورة، منهم من قال اسم للقرآن، فهذه الأقوال تشترك يس مع غيرها من السور لكن هناك أشياء خصت بها، منهم من قال يس اسم للنبي صلى الله عليه وسلم واستشهدوا ببيت من الشعر، لكن هذا البيت في الحقيقة رده العلماء ويقال أنه منسوب لأحد الرافضة وأنه ليس صحيحا أنها اسم للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أنها اسم للقرآن ومنهم من يقول يس بمعنى يا إنسان أو يا رجل وهذا طبعا على لغة من يرى بعض اللغات، بعضهم يقول بلغة الحبشة هذا المشهور في كلمة يس. بعد ذلك يأتي القسم { وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } يقسم الله تعالى بالقرآن ويصف هذا القرآن بأنه حكيم، والحكيم في الأصل هي صفة رجل، يقال هذا رجل حكيم، لكن وصف هذا القرآن بالحكيم لما فيه من الحكمة العظيمة في دلالاته وفي آياته وما جاء به من العلم العظيم، ثم يأتي جواب القسم الذي هو أحد مواضيع السورة الرئيسة {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3} هذا هو جواب القسم، ثم يبين منهج الرسول {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}على ماذا؟ {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {4} هذا بيان واستقامة وصحة منهج هذه الرسالة. ثم قال {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ {5} تنزيل منصوبة على المصدر، وفي قراءة تنزيلُ خبر للمبتدأ ( هو تنزيل) لماذا هذا؟ قال: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6} هذا الإنزال والإرسال {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6}الذين هم كفار قريش والعرب و ليس المقصود لم يبلغهم دينهم ولكن ما جاءتهم رسالة خاصة
د. الشهري وهذا لعله يكون جواب لسؤال أحد الإخوة هنا: {مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} هل هي نافية أو موصولة؟
د: محمد: هي نافية لم تأت الرسالة خاصة لكن لا تعني ليس لديهم علم بالرسالات،هو موجد وخاصة رسالة إبراهيم وموسى وعيسى لكن لم يأتهم رسالة خاصة. ثم الله يقول {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} يبين الله تعالى قضاؤه الذي قضاه على كثير منهم إنهم لا يؤمنون وهذا جزاء إعراضهم وبعدهم عن شرع الله وعن منهج الله، كما قال تعالى عن اليهود {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فالإنسان حينما يأتيه الهدى ويعرف أنه حق ثم يتنكر له يكون جزاؤه من الله أن يضله ويكتب عليه الشقاء ولذلك وصف حالهم فقال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ {8}جعل الله سبحانه وتعالى مثل حاله في صدهم عن الهدى فيمن جعل في عنقه غلا ، ويقول العلماء الغل ليس في العنق فقط وإنما في العنق واليد، ويقدرون (وأيديهم) مثل قوله تعالى { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } قالوا والتقدير والبرد لكن ليفهم هذا. هنا قال {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ} وفي أيديهم: {أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ} الأيدي مشدودة إلى الرقبة. {فَهُم مُّقْمَحُونَ} قال العلماء المقمح هو الذي رفع رأسه وشخص ببصره، رفع رأسه، فهم مقمحون من هذه الأغلال، وفي قوله تعالى {فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ}هي الظاهر أنها تعود إلى الأغلال، هذه الأغلال إلى الأذقان، ومن العلماء من قال هي تعود إلى الأيدي، فأيديهم إلى الأذقان، هذه الأغلال إلى الأذقان وأيديهم أيضاً مغلولة مع أيديهم. ثم شرح مزيداً من حالهم {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9} من بين أيديهم يعني من أمامهم ومن خلفهم سدا، هذا تصوير للحالة التي وصلوا إليها من الإعراض، وحقيقة هذه الحالة –سبحان الله- تجدها في واقع الحياة في حال كثير من الناس، يرى الحق أمامه و لكنه لا يتبعه ولا يستفيد منه، إعراضا منه فهو لا يتبع الحق ولا يستفيد منه فهذا تمثيل لحاله فالله تعالي يقول: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {10}إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11}
د. عبد الرحمن: هل يمكن أن نقول أن المقطع الأول من مقطع سورة يس يتحدث عن صدق القرآن الكريم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الموضوع الرئيسي له؟
د. محمد: الموضوع الرئيسي وفيه إشارة كذلك إلى قضية التوحيد {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ثم في إشارة في آخرة إلى قضية البعث في آخره {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12}. هنا في قضية البعث، في قوله {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} الصحيح أنها مكية وإنها وإن وردت في الاستشهاد على قصة بني سلمة فإنها عامة، والآية تشير إلى أن الله يكتب ما قدم الإنسان وآثاره، والعلماء قالوا ما قدم من خير أو شر وينطبق عليه الحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).
د. عبد الرحمن: المقطع الثاني يبدأ بقصة أصحاب القرية: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ {13} كثير من الناس من يولع ويحب مثل هذه المبهمات يسال الناس من هم أصحاب القرية وما هي هذه القرية؟
د. محمد: كما أشرت أصحاب القرية هنا لم يذكر ما هي القرية ولم يذكر المرسلون ولم يذكر اسم الرجل المؤمن، قال العلماء: وهذا دليل على أنه لا يترتب على ذكر الأسماء هنا فائدة، وهذا مثله مثل بقية المبهمات في القرآن الكريم، والغالب أنه لا يترتب على ذكرها فائدة، لكن ما ورد منها في أثر أو حديث صحيح فيمكن أن نقول به ويستفاد منه وقد يعين في تفسير الآية، وما لم يكن خلاف ذلك فالأولى الإعراض عنه كما أعرض الله تعالى عن ذكره.
أما القرية أكثر المفسرين قالوا: أنها أنطاكية هي من تركيا الآن، ثم اختلفوا الرسل الذين أرسلوا إليهم قال بعضهم هؤلاء الرسل من الله ابتداء، أرسلهم الله إليهم، { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } كما أرسل إلى غيرهم، ومنهم من قال هؤلاء الرسل من عند عيسى، فعيسى أرسلهم ليدعو إلى الله، قال ابن كثير: ( والصحيح أنهم ليسوا من عيسى وأنها ليس من أنطاكية المشهورة ) وبين سبب ذلك، قال: "أولا: نفس نص الآيات { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } واضح نص أنها رسالة من الله سبحانه وتعالى هذه نقطة، والنقطة الثانية أن أصحاب عيسى الذين أرسلوا إلى أنطاكية آمنوا، مذكورة في الإنجيل ومثنى عليهم فيها يعتبروها من المقدسة لأنها استجابت لدعوة عيسى، قال بل كما ثبت عند سعيد من جبير وعن عدد من السلف: بعد نزول التوراة لم يهلك قرية كاملة في بني إسرائيل، قال وهذا دليل على أنها غير أنطاكية، وأن الرسل من عند الله، وإن كان اسمها أنطاكية فهي قرية غير أنطاكية المشهورة، فهو رجح هذا. الجانب الآخر في هذا الموضع { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} اضرب لمن؟ اضرب لكفار قريش بين بهم مثلاً في صدودهم وإعراضهم مثل ما حصل من أصحاب هذه القرية، وفي ذلك تحذير لهم أن يكون مصيرهم مثل مصير أصحاب القرية. { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} هذا مفعولين للفعل اضرب لهم {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} عززنا يعني قويناهم بثالث، ما الحكمة؟ ردوا اثنين فما فائدة الثالث؟ قال العلماء هذا فيه دليل على أن الاجتماع قوة وأنه كلما كان العدد أكبر كلما كان أدعى للقبول، لذا قالوا ينبغي على أهل الدعوة أن يجتمعوا، وأن يعضد بعضهم بعضا، فهذا يكون أدعى للاستجابة وأدعى للقبول، فالله سبحانه وتعالى بين لما كذبوا الاثنين عزز بثالث، هؤلاء الرسل قالوا لهم إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14} وكان الجواب {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} وهذه علة دائما تكرر { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً} وهذه علة دائماً كيف يكون بشر، يقول العلماء أن العلة التي أرادها الله أن يكون النبي بشر، حكمة عظيمة جدا، يمكن الاقتداء به وإتباعه هي العلة التي أرادها الله هي العلة التي جعلتهم يرفضون. ثم هذه القضية دائما طبيعة الناس يريدون قداسة معينة وأحيانا قداسة لا أصل لها على الأشخاص، وهذه في الأمم الكافرة قبل وحتى في الطوائف الإسلامية تأثرت بهذا، ولذلك تجد الفرق بين من يستقيم على السنة ومن لا يستقيم على السنة، أن من يستقيم على السنة يُعظّم في الرسول منهجه ودعوته { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } مع مكانته -صلى الله عليه وسلم-، وتقديره في حياتنا الخاصة، بينما من يبتدع يتجه إلى النظر في القضية الشخصية و يقدسها حتى بما يخالف منهج الرسول، وهذا الحقيقة فيه جزء من إتباع منهج الكفار والمشركين الذين ردوا دعوة الرسل.
د.الشهري: توقفنا عند قصة أصحاب القرية. {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ {15}
د. محمد: هم لما ردوا على الرسل أنهم بشر ردوا طبعا ما جاؤوا به ورموهم بالكذب، الرسل ردوا عليهم {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ {16} ثم قالوا: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } قضية الرسول دائما هي البلاغ، أن يبلغ رسالة الله لكنه { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } فهو لا يملك لهم الهداية بعد أن يقيم لهم الدليل على صدقه وما جاء به، فأمر الهداية بيد الله . ثم تأتي قضية أهل الجاهلية أهل الشرك {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ {18} تطيرنا: يعني تشاءمنا، هذا الذي يسمى الطيرة التشاؤم، ما أصابهم من شر وبلاء قد يكون وقع ابتلاء من الله و بسبب معاصيهم ينسبونه لهؤلاء، قيل أنه انقطع عنهم القطر ثلاث سنوات فهم تشاءموا قالوا هذا بسببكم، فجاء الرد عليهم من الله أو من الرسل {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عني تشاؤمكم منكم، بعملكم الشر وبعملكم المعاصي فيصيبكم ما يصيبكم طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ {19}. ثم يأتي بعد ذلك المقطع وهو تابع للقصة، قوله تعالى {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20} ذكروا أن اسمه حبيب النجار وبعضهم قال نجار على كلل هذا لا يدخل ولا علاقة له بدلالات الآية، هذا الرجل آمن بالرسل ثم جاء يسعى مؤيدا وداعيا قومه، ماذا قال لهم؟ {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20}ثم انظر كيف حاول أن يدخل إليهم {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ {21} هذه قضية مهمة جدا، هل هؤلاء يطلبون فائدة لهم، هل فيه نفع لهم؟ لا، إذن تجرد لم يأتوا إلا لفائدتكم ونصحكم، ليس لهم فائدة ثم هم مهتدون، ظاهر في منهجهم وفي سيرهم الصلاح، ثم {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {22} هذا تذكير لهم يريدونكم أن تعبدوا الله الذي خلقكم الذي أوجدكم من العدم، ثم جاءت قضية توحيد الألوهية: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ {23} يحاول أن يدعوهم ويبين لهم ويبين فساد معتقداتهم، ولما رأى الإصرار أعلنها صريحة: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ {25} ثم انظر بعدها ماذا قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ثم ماذا حصل بعد ذلك؟ الآية لم تذكر، واضح أنهم اعتدوا عليه بالقتل بل ذكر بعض المفسرين في طريقة قتلة شنيعة لكن الله تعالى لم يبين، بين الجزاء {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}.
د. الشهري: وهذا يا دكتور أسلوب من أساليب القصص القرآني وهو طيّ المراحل. هنا انتقل لمشهد تماما أنه قال: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} ثم انتقل مباشرة إلى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} و لم يذكر ما بينها من قتلهم له وتعذيبهم له.
د: محمد: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ {27} وما فائدة أن يعلموا؟ لماذا؟ بعض المفسرين قال تبكيت لهم، يعلموا كيف أكرمه الله جزاء ما حل به أن الله سبحانه وتعالى جزاه بدخول الجنة، وقال آخرون لا هذا من نصحه لقومه حتى بعد موته، ولهذا ورد عن ابن عباس: "نصح لقومه في حياته فدعاهم، ونصح لهم بعد موته فدعا الله أن يبلغهم بما وصل إليه لعل ذلك يكون سببا في هدايتهم"، وهذا الحقيقة منه تأخذ أن المؤمن ينبغي ألا يقدم التشفي على حب الهداية، يكون عنده حلم وأناة لا يقدم التشفي على حب الهداية، وإنما تكون الهداية أحب إليه، وهذا دائما في باب الدعوة تواجه صدا وتواجه أذى وتواجه تعنتا، فإن كانت حب الهداية أحب إليك تحملت ما تحملت، وإلا إذا لم يكن ذلك كذلك فربما واجهت هذا التعنت بموقف قد يكون سببا في صدود هذا، فهذا المؤمن الذي دعا قومه انظر كيف تحمل من قومه ما تحمل حتى بعد وفاته على هذا القول أنه .
د. الشهري: هنا سؤال طريف يرد دائما عند هذه القصة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وفي قصة فرعون {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}
د:محمد: ذكر العلماء بعض العلة، {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}
قالوا إن العلة هنا أنه قد لا يكون أصلا هو من أقصى المدينة، المقصود الرجل، ومن أقصى المدينة صفة للرجل، قد تكون حالة مرت عليه، بينما هنا جاءت الصفة هي المقصودة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}رجل مقيم هناك ومع هذا جاء وانبعث ليقوم بالدعوة قالوا هذا سر. { مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ }هناك جاءت حال من جاء أو صفة لجاء، بينما هنا للرجل
د. الشهري: يا دكتور كلامك رائع جدا وتأكيد لكلام عبد القاهر الجرجاني –رحمه الله- في قضية التقديم والتأخير وفائدتها، فيعني هنا: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} فيها إشارة أن الاهتمام هنا بموضع المجيء، أنه جاء من أقصى المدينة، ما جاء من مشوار قريب، جاء من مكان بعيد من أقصى المدينة من أجل نصحهم، الأمر الثاني فيه إشارة إلى انتشار دعوة هؤلاء الرسل وأنها قد بلغت أرجاء المدينة، لأن هذا جاء من أقصاها، والأمر الثاني أن فيها صفة لحاله وأنه لم يأتي وهو يمشي الهوينه وإنما جاء يسعى وهذه إشارة إلى نصحه لهم و حرصه عليهم. وهناك {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} الاهتمام كان بالرجل والثناء عليه ومدحه.
د: محمد: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ {28} بين الله سبحانه وتعالى بعد أن قامت الحجة وقتلوا واعتدوا على هذا الرجل وقع عليهم العذاب {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ {29} ما احتاج الله أن ينزل جند من السماء، وإنما كانت صيحة بهذه السرعة وكأنهم انتهوا بهذه السرعة، ثم الله يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} قيل يا حسرة على العباد على أنفسهم، يتحسرون على أنفسهم حينما يرون ماذا تركوا من الجنان وما واجهوا من النيران، وقيل {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} الملائكة تتحسر على العباد، وقيل أن الأنبياء تتحسر على الكفار لماذا لم يؤمنوا وقيل هي من كلام الرجل المؤمن قال {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}وليس بينها تضاد، ويمكن أن يكون كل هذا حدث
د. الشهري: أن الملائكة قالت ذلك وأن الناصح قال ذلك، تأتي الآيات التي بعدها يا دكتور نقلة أخرى جديدة، {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ {35} كأن فيها حديث عن بعض الآيات وخلق الله سبحانه وتعالى.
د. محمد: هذا المقطع فيه آيات عجيبة سيقت لبيان قدرة الله، والغرض من سوق هذه الآيات هو لتأكيد هذه الأمور التي جاءت في السورة في صدق الرسالة وفي وقوع البعث وفي وحدانية الله تعالى، فالله تعالى ساق الأدلة كما هو منهج القرآن في مواضع كثيرة في أن تساق الأدلة على بيان قدرة الله واستحقاقه للعبادة. يقول تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} هذه الأرض ميتة لا اثر فيها فينزل الله عليها الماء فتخرج من أنواع الثمار المتنوعة التي منها يأكلون ثم يعطف عليها {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} طبعا النباتات كثيرة لكن ذكر النخيل والأعناب لأنها هي المعروفة المشهورة لهم، ولفضلها ومكانتها. ثم قال {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ} من ثمرة ما أخرجه الله تعالى من الأرض {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} – من زراعتها وصيانتها والعناية بها- يحتمل وجهين أن تكون (ما) موصولة يعني ليأكلوا من ثمر ما أنبته الله ومن ثمر الذي عملته أيديهم الذي هم يزرعوه، يزرعون على هذه العيون أنواع من الزروع التي يحتاجونها ويأكلون، ويحتمل أن تكون (ما) نافية ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم هذا، الله سبحانه وتعالى أنبته.
د. ع ويمكن أن نستدل على هذا المعنى بقوله {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، وهذا من الفوائد: من الوسائل التي يستخدمها الشنقيطي في كتاب أضواء البيان وغيره عندما يفسر آية بآية أخرى، أنه يقول: وهذا المعنى يشهد له آية أخرى، فيكون هذا من أوجه ترجيح هذا المعنى.
د. محمد: وهذا المسلك حتى ابن كثير معروف، وابن كثير لا يسوق فقط الآيات التي تفسر بل النظائر، يسوق الآيات التي تفسر الآية أو التي هي من نظائرها. يقول الله سبحانه وتعالى {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {36} انظر خلق الأزواج كلها وهذا إشارة إلى أن كل شيء كما قال الله تعالى زوجين { مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وهنا (وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} ولا يزال العلم ولن يزال يؤكد هذه الحقيقة، فيكتشفون حتى في دقائق العلم الآن أن كل شيء موجود فيه نظرية الزوجية التي ذكرها الله. ثم يستمر الله تعالى في عرض آياته {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} وهذه فيها عجب،- حتى في التعبير في كلمة نسلخ، ما الحكمة في نسلخ؟ حينما نعرف أنه بإرادة الله تعالى هذه الأرض، الأصل في هذا الكون الظلام ثم يأتي النور بهذه الشمس التي خلقها الله تعالى، فهذه الشمس تتجه إلى وجه الأرض، وجه الأرض التي هي متجهه إليها فتضيء، ثم تذهب عن هذا الوجه لوجه آخر فيأتيها الظلام، فكأن هذا النور سلخ من هذا الظلام، يعني مثل أن الظلام مغطى بهذا النور، الأصل الظلام مثل ما يسلخ الجلد عن الذبيحة، كأن الظلام مغطى بهذا النهار بهذا الضوء فإذا زال سُلخ منه فعاد الظلام. { وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} ثم قال {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}
د. الشهري: هذه الآية من الآيات التي يستدل بها من يقول بحركة الشمس ودوران الشمس.
د: محمد: أولا ما معنى لمستقر لها؟ حتى ابن كثير قال فيها قولان: قال المستقر المكاني، مكان استقرارها، ثم أورد الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره بل في الصحيحين، أن النبي قال: (أترون أين تذهب هذه؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: تذهب تحت العرش ثم تسجد ثم تطلب أن يؤذن لها بالعودة فتعود فإذا أراد الله لها في يوم القيامة لا يؤذن لها فتعود من مغربها). وهذا حديث صحيح في الصحيحين فهذا قال مستقر لها
أيضا من المستقر المكاني ما ذكر من تقلب الشمس، الشمس تتقلب في الصيف والشتاء، في مخارج و في مطالع، تصل إلى نقطة، الآن لو لاحظنا في الصيف تميل إلى جهة الغرب وترجع في الشتاء إلى جهة الجنوب، كذلك في مطلعها، قالوا هذا نوع من استقرارها.
القول الثاني: أنه مستقرها يوم القيامة، تجري دائما لا تنقطع إلى مستقرها يوم القيامة، وفي هذا ورد عن ابن عباس قال: " لا مستقر لها". وقالوا قراءة أخرى ولكن ردها العلماء وتكلموا عليها وقالوا لا يمكن أن ابن عباس يذكر قراءة تخالف ما أجمع عليه العلماء ولذلك تحمل والله أعلم أنها تفسيره رضي الله عنه للآية والشمس تجري لا مستقر لها وهذا يفسر أن الشمس لا تنقطع أبدا. وطبعا معروف أن النظرية التي جاءوا بها الذين يقولون أن الشمس ثابتة وما حولها تدور، لكن هذا مردود بنص القرآن، ولذلك كما قال أهل الهيئة من المسلمين أن الصحيح أن الشمس والقمر والنجوم تجري حول الشمس، وهي والشمس تجري في هذا الفضاء الواسع......
د. الشهري: هم يقولون الشمس تدور والأرض تدور ماذا تريد أن ترد منها؟
د.محمد الأرض والله اعلم أنها تتحرك حول الشمس وتتحرك الأفلاك كذلك كل في مساره، ثم الشمس والأرض والأفلاك التابعة لها تتحرك في مسار { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
د. الشهري: هذه الآية {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} هذه الآيات دكتور محمد تناولها الذين يكتبون اليوم في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، في مؤلفاتهم وقد تكاد هذه الآيات تدور عليها معظم الأبحاث التي تتحدث عن الشمس والقمر ودوران الشمس ودوران الأرض ودوران القمر وما يتعلق بهذه المسائل، يا ليت توضح لنا هذه النقطة، والرأي الذي تراه.
د.محمد: لا شك فيها إشارة إلى جريان الشمس وحركتها، والقرآن لا شك أنه لا يخالف صحيح وثابت العلم لا شك في هذا، فلو حصل تصادم فما قيل في الأمور العلمية يحتاج لإعادة نظر. ولذلك نحن نقول من باب الإعجاز العلمي ما وافق صريح القرآن ولم يخالف تفسير سلف الأمة لهذه الآيات فهذا مقبول، وما خالف وما كان فيه تقحم أو تحميل للآيات غير ما تحمله، ولا تدل عليه اللغة؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن أن يفسر إلا بما جاء في لغة العرب وبما ثبت عن سلف هذه الأمة، هذا ممكن أن يستفاد منه، ولا يمنع أن القرآن يشير إلى بعض هذه الأمور.
د. الشهري: في قوله: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ما معنى العرجون؟
د.محمد: العرجون هو عذق النخل، العذق الذي فيه التمر، وقيل القديم الذي بقي في النخلة حتى يبس وانحنى.
نعود لأول الآية {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ذكر هذا مع القمر دون الشمس، مع أن الشمس لها منازل تنتقل، لكن المنازل التي تعين الناس على الحساب هي منازل القمر، الشمس هي قرص كامل يظهر لنا من المشرق إلى المغرب، لكن القمر يظهر لنا في اليوم الأول غير الثاني غير الثالث، و لذلك نضبط عليه الحساب فالله قدّر هذه المنازل لنعلم عدد السنين والحساب، وربط العبادات بها مثل رمضان. ولذلك هنا حكمة {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}، يبدأ منزلة أول الشهر ويزيد ويزيد حتى يكون بدرا ثم ينقص ينقص حتى يعود هلال، {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} طيب وأول الشهر أليس شكله أول الشهر مثل آخر الشهر قالوا لا، شكل الهلال في أول الشهر غير شكل القمر في آخره، مع أنه نفسه لكن بالعكس، في آخر الشهر يبدو كالقديم، جلس هذه المدة يزيد حتى نقص فأصبح شكله مثل ما أشار الله كالعرجون القديم، حينما ترى الهلال في أول الشهر ربما لا نستطيع أن نراه في اليوم الأول والثاني لما تراه كيف بهجته ورونقه هذا في قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}. ثم يقول الله: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} الشمس لا يمكن أن تدرك القمر، قد يظن البشر أن الشمس تجري والقمر ربما تقترب من القمر أحيانا، وتصطدم به بين الله تعالى أن لكل واحد مجرى لكل واحد مسار بعيد عن الآخر، طبعا هذه في نظرة الناظر، أما في العلم الآن فأثبت أن بينهما المسافات الهائلة التي قد لا يتصورها عقل بشر، كل واحد في مساره، { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} يعني لا الليل يمكن أن يسبق النهار، أو النهار يمكن أن يسبق الليل، بل يأتي الليل ثم يأتي النهار ثم أعطى الحقيقة: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} كل هذه الأفلاك وغيرها في فلك سابحة، وهذه الحقيقة يمكن أصحاب الإعجاز أضافوها للأعجاز يسبحون، الآن في العلم الحديث في علم الفلك شبهوا حركة الأفلاك في الكون بمثل سباحة السفن في البحر، سابحة في الفضاء، والله تعالى ذكر هذا في كتابه العزيز: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
د. الشهري: والعجيب الآن يا دكتور محمد الناس من كثرة ما يشاهدون الشمس يوميا تشرق وتغرب وكذلك يرون القمر، يعني يمكن أن صح التعبير تبلدت أحاسيسهم ولم يعودوا يستشعروا هذه الآية وعظمتها، وربما الآن يساعد على التأمل والتفكر الأفلام الوثائقية التي تصور الشمس وتصور القمر وتصور هذه الأجرام السماوية وهي تتحرك وهي كثيرة الآن، الذي يشاهد الآن بعض القنوات المتخصصة في الأشياء الجغرافية و الفلكية ينبهر بهذه العظمة ودقة خلق الله لهذه الأجرام، فماذا تقول للناس وكيف يتأملون في هذه الآيات وهم يرونها كل يوم.
د.محمد: ما ذكرته يصدق عليه المثل: "كثرة المساس تقلل الإحساس" ولذلك من حكمة الله ومن عظمة هذا القرآن أن التذكير بآيات الله يتكرر، يتكرر في القرآن لماذا؟ حتى لا تقع هذه الآفة، وإلا لو الإنسان جلس جلسة تأمل في هذه الشمس العظيمة، ثم نظر في بعض ما جاء في النظريات عن هذه الشمس، آية مذهلة في ضخامتها وكبر حجمها، حتى بعض العلماء يقول أنها ضعف الأرض مليون مرة ثم ارتفاع اللهب فيها ثم هذا القمر والارتقاء والتدرج في المنازل كل هذه آيات، والسموات والأرض،آيات عظيمة، على الإنسان دائماً أن يجلس جلسة تأمل، يتأمل آيات الله، وهذا هو منهج القرآن لماذا الله ذكر هذه الآيات؟ للعظة والعبرة والتأمل وليعرف الإنسان عظمة الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: الآية التي بعده {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41} هذه الآية دائما يسأل عنها كيف يقول الله {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41} مع أن الذين حملوا هم أجدادهم وليسوا ذريتهم؟
د.محمد: هذا على العموم معلوم أن البشرية التي انتشرت في الأرض هم ذرية نوح ومن ركب معه في السفينة، ولذلك الله سبحانه وتعالى عبر بقوله ذريتهم أي ذرية هؤلاء الذين حملناهم في السفينة، وطبعا الآية تشير لهم إلى حكمة الله في إيجاد الفلك لينفع الناس وأول فائدة في هذه الفلك بدأت من نوح عليه السلام حينما صنع الفلك وحمل من آمن معه ونجا بهم من الغرق ولذلك قال الله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} استمر هذا، كيف يعتبر الآن انتقال الإنسان عن طريق الفلك، آية لأعظم الوسائل التي ينتقل بها، {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} تشير إلى الفلك والسفن، لكن قال المفسرون ولا مانع من أن تشير إلى غيرها مما يمكن أن ينتقل به الإنسان حتى الجمل وهو سفينة الصحراء.
د. الشهري: هل يمكن يا دكتور الآن وما يحصل من خلال قصة نوح لما تقرأ في تاريخ السفن ونشأة السفن لا يذكرون أن نوح هو أول من اخترع السفينة إن صح التعبير، مع انه واضح في الآيات انه صنع السفينة بوحي من الله، فيدل هذا على أن صناعة السفن كانت في أصلها وحياً أوحاه الله إلى نوح، وابتدأت صناعة السفن من وقته
د. محمد: وهذا صحيح، المفترض أن يشار إليه وأنه نوح عليه السلام أول من صنع السفن.
د: عبد الرحمن: المقطع السادس يبدأ {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} فيه الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ {70} في هذه الآية دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟ كما أنت ذكرت في أولها فيها تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم.
د. محمد: هذه تأكيد لما جاء في صدر السورة من إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} ما جاء به ما هو إلا ذكر يذكر بالقلب وقرآن يتلى باللسان يتعبد به ويتبع. {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} الله نفى عن رسوله تعلم الشعر، قال {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} كما بين عن رسوله أنه: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} كل هذا للرد وبيان أن ما جاء به القرآن من عند الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كاتبا فيكون كتب ولا قارئا فيكون قرأ، ولا شاعرا فيكون قال الشعر، بل هو من عند الله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقول الشعر وما كان يقول بيتا بل ذكروا أنه كان يذكر بعض الأبيات ويقلب فيها بعض الكلمات، ذكر بعض المفسرين بعض الأبيات.
د. الشهري: مع أنه كان يتذوق الشعر و يحبه ويسمعه.
د. محمد: بل قال بعض الكلام الذي يشبه الشعر، قالوا حتى لو وافق لا يعتبر من قول الشعر: هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب. فهذا لا يخرجه من كونه لا يعلم الشعر، وهذا كله لبيان أن ما جاء به من عند الله، لكن لا يعني هذا ذم الشعر بعمومه، وأنت يا شيخ عبد الرحمن لك في هذا باع، بل قد يكون في الشعر فائدة كما حصل من بعض شعراء الإسلام الذين ذبوا عن الدين، فالشعر فيه حق وفيه باطل إذا استخدم في غير طاعة الله، وهذا يذكرني بقصة حصلت للمأمون مع أبي علي المنقري، يقال أن المأمون قال لأبي علي: بلغني عنك أنك تلحن وأنك تكسر الشعر وأنك أمي، قال: يا أمير المؤمنين أما اللحن فقد يقع في كلامي، -لا يكاد يسلم منه أحد-، أما أني أكسر الشعر أو أمي فأنا لي قدوة رسول الله كان كذلك، قال: أنا سألتك عن ثلاث خصال فيك، فتبين لي الخصلة الرابعة فيك أنك جاهل، قال: كيف؟ قال: إن هذه في رسول الله فضيلة وفيك منقصة، نفي الشعر عن رسول الله فضيلة ونفيه عنك أنت منقصة. إذن الشعر ليس مذموما
د. عبد الرحمن: سؤال: شاع بين الناس قول وهو أنهم يقرؤون قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9}قال إذا فعلوا فعلا أو أخطئوا بخطأ لا يريدون إطلاع الناس عليه ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ، وأضيف سألني أحدهم وقال أنا أقرأ هذه الآية عند نقطة تفتيش مرور أو تفتيش المطار فأقرأ هذه الآية.
د. محمد: لعله من المناسب دكتور عبد الرحمن، أنا أذكر في رواية وردت في السيرة ذكره المفسرين حول الآية وذلك لما تآمر بعض كفار قريش ليؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم، جلسوا عند بابه يطلبونه حتى يخرج، فالنبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله خرج وأخذ حفنة من تراب ووضعها على رؤوسهم، ومضى ولم يشعروا به، قيل وتلا هذه الآية {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ}وقيل إن الآية نزلت في هذه الحادثة، أنا لا أعرف أصلا أن هذه الآية تتلى في مثل هذا الموضع، لكن إن كانت تذكر من باب الاستشهاد والأخذ بالقرآن يمكن أن يأتي هذا، أما أن يعتقد اعتقادا أنها تقال أو أنها مثل الرقية تقي الإنسان فلا أعلم له أصل.
د: عبد الرحمن: سؤال: يقول ابن كثير في تفسيره {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ {51} قال هذه النفخة الثالثة وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور، فكم عدد النفخات لأنه لم يرد في سورة يس إلا نفختين؟
د: محمد: هذا الذي أعرف، وأستغرب من كلام ابن كثير وأحتاج أن أتأكد من عبارة ابن كثير، والذي أعرفه إما ابن كثير أو غيره نص قال: "و لم يذكر في السورة إلا نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث التي ذكرت في هذه السورة
د. الشهري: المقطع الأخير من هذه السورة في الآية 77 {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78}، لو تذكرنا يا شيخ سبب نزول هذه الآية؟
د: محمد هذه الآيات جاءت في قضية البعث وإثبات البعث، ويمكن هذا من المواضع الوحيدة في القرآن، القرآن ساق الأدلة على البعث في مواضع كثيرة من القرآن، لكنه في هذا الموضع ساق ثلاثة أدلة متتالية على إثبات البعث، هذه الآية ذكر في سببها أن أبي أو أمية بن خلف أو غيره من كفار قريش وبعضهم قال عبد الله بن أبي بن سلول لكن ردت لأن الآية مكية، فجاء بعظم بال إلى النبي وفته قال: "يا محمد أتزعم أن هذا يعود بعد أن أرم:، قال: نعم يعود كما ذكر الله تعالى وفي رواية يعود ويبعثك الله ويدخلك النار،
د: عبد الرحمن: كأنه العاص بن وائل؟
د. محمد: ذكر عدة روايات، توجد يمكن ثلاث، حتى أظن أبي وربما عتبة، أذكر ثلاثة غير عبد الله بن أبي بن سلول
يقول الله تعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} هذا الكافر { وَنَسِيَ خَلْقَهُ} هنا لمسة مباشرة الدليل: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} انظر البلاغة والإعجاز، مباشرة رد مباشر {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} كيف ينسى خلقه؟ تأمل في خلقك أنت، ولذلك جاء الدليل الأول: {قُلْ يُحْيِيهَا} من الذي يحييها؟ {الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79} أنشأها أول مرة أي أوجد هذا الإنسان من ماء مهين، فالذي أنشأ أول مرة قادر على الإعادة بل والإعادة أهون عليه من الخلق ابتداء وكله على الله تعالى هيّن.
د. عبد الرحمن: الوقت أدركنا يا دكتور انتهى الوقت المخصص لنا بقي يا دكتور وأستأذنك في أن تتفضل في اختيار الفائز في سؤال الأمس، لو تكرمت، وكنا سئلنا سؤال بالأمس وقلنا وردت آية في الجزء الخامس
د. محمد: نسأل الله تعالى أن يوفق من يستحق الفوز.
د. عبد الرحمن:آمين... كلهم ما شاء الله يستحقون
د. محمد: هو الذي أراد الله أن يكون نصيبه.
د. عبد الرحمن: كنا سئلنا: آية وردت في الجزء الخامس تبين خطورة الشرك بالله، وأن الله لا يغفر من مات عليه، وهي الآية 116 من سورة النساء { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا {116}
الفائز: الأخ فهد الحربي
ونسأل الله لكم أيها الأخوة الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وأشكرك شكرا جزيلا دكتور محمد على ما تفضلت به، وباسمكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام نشكر ضيفنا مرة أخرى الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود على ما تفضل به، وأشكركم أيضا على المتابعة، وأركم غدا وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤال الحلقة:
ذكر الله الحكمة من تشريع التيمم للصلاة من الجزء السادس في القرآن فما الآية؟
 
هذا تفريغ الحلقة وعذراً على التأخير وشكر الله لأختي الفاضلة طالبة الهدى على المساعدة
_________________

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في هذا اليوم السادس من شهر رمضان من عام 1432هـ وهذه هي الحلقة السادسة من حلقات برنامجكم التفسير المباشر، والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من الرياض، وسوف نتحدث بإذن الله تعالى حول سورة عظيمة من سور القرآن الكريم وهي سورة يس، باسمكم جمعيا أيها الأخوة أرحب بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود. حياكم الله دكتور محمد
د. محمد: حياكم الله وحي الله الأخوة المستمعون والمستمعات، ونسأل الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل.
د. الشهري: سورة يس دكتور محمد هي موضوعنا في هذه الحلقة إن شاء الله، وتعودنا أن نبدأ بالحديث عن اسم السورة
د. محمد: بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه السورة اسمها يس وهو الاسم المشهور للسورة وهو الذي ذكره البخاري وغيره من أئمة السنة في كتبهم في كتاب التفسير، لكن وردت بعض الأسماء الأخرى كما ذكره البقاعي: حيث ذكر أسماء مثلا: سورة القلب وسماها الدافعة والقاضية والمُعمّة وهذه الأسماء الأربعة وردت فيها آثار ولكن كلها ضعيفة بل عدوها من الموضوعات، الأسماء الثلاثة غير القلب ورد فيها حديث عن عائشة رضي الله عنه، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وأما القلب فورد فيها أثر كذلك وورد مرفوعاً: (إن لكل شيء قلب، وإن قلب القرآن يس) لكن هذا الأثر ضعيف، إذن الاسم المشهور هو يس، لكن الطاهر بن عاشور في التحرير ذكر قال: اطلع على مصحف طبع في حدود الألف ويظهر أنه في بلاد العجم، قال سموها سورة حبيب النجار، وحبيب النجار هو الرجل المؤمن الذي سيأتي ذكره في السورة، قال والعجيب في هذا المصحف جميع الأسماء كما هي المأثورة في المصاحف الأخرى إلا هذه السورة والتين سموها سورة الزيتون. وهذا هو ما يتعلق باسم السورة.
د. الشهري: لفت نظري إلى مسألة دكتور محمد في تسميات السور من المصادر التي يمكن أن يتعرف من خلالها الباحث على أسماء السور هي مخطوطات المصاحف القديمة، وأذكر للدكتورة منيرة الدوسري كتابها أسماء القرآن كان من مزايا بحثها أسماء سور القرآن وفضائله، من مزايا بحثها أنها رجعت إلى بعض المخطوطات في المصاحف القديمة، حتى تتأكد أن هذا الاسم موجود في مصاحف قديمة وليس فقط في الآثار. يمكن أن نقول أنه اسم توقيفي ما دام لم يعرف لها وما اشتهر لها إلا هذا الاسم فهو اسم توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، هل ورد في فضل سورة يس أحاديث؟ ولا سيما أن هنا سائل يسأل عن هذا الموضوع ويقول أومن الخلال الحديث عن فضائل السورة هل يمكن التنبيه على حديث ( اقرؤوا يس على موتاكم) يقول وهو منتشر بين العامة.
د. محمد: ذُكر هذا الحديث (اقرؤوا يس على موتاكم ") وفي حديث آخر في نفس المعنى: ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه) هذه الأحاديث وردت لكنها حقيقة ضعيفة، ضعفها العلماء وذكروا في سندها ضعفاً ولذلك فهي من الأحاديث الضعيفة التي لا يعتد بها، كذلك ورد أحاديث أخرى.
د. الشهري: كيف يمكن يا دكتور محمد عندما يقول قائل وهذا منتشر يقولون العلماء كانوا يتساهلون في رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل وفيما ليس من العبادات، فكيف يجاب عن مثل هذا؟؟
د. محمد: نجيب بأن هذه الشريعة كاملة تامة والمفروض الاقتصار على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انفتح هذا الباب قد ينفتح باب واسع وخطير ويلحق بالشريعة ما ليس منها، ونحن نعرب أن باب الوضع في الحديث باب دخل منه الزنادقة والمبغضين لهذا الدين وضعت الأحاديث، وربما جاءتنا أحاديث في ذكر فضائل الأمور لا تصح ولا تثبت، وربما تسلقت عليه بعض الفرق لذلك نقول الاقتصار على ما ثبت وصح سنده هو المنهج الصحيح وفيه الكفاية. بقي نشير من ناحية الفضائل في حديث آخر عن أبي هريرة: (من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله أصبح مغفورا له) والعجيب أن ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره ذكر الحديث وقال إسناده جيد، لكن من علق على التفسير ذكر في سنده من هو متهم بالوضع، ولذلك ابن كثير نفسه بعد قليل رجع وقال لم يثبت في فضائل هذه السورة شيء.
د. الشهري: تعليق على كلامك دكتور محمد قبل قليل: من أوسع الأبواب التي وضعت فيها الأحاديث أبواب فضائل السور، وأذكر ابن أبي مريم هو الذي وضع هذه الأحاديث التي انتشرت وللأسف في كتب التفسير، ( من قرأ كذا فله كذا) وعندما قيل له في ذلك، قال رأيت الناس قد أعرضوا عن التفسير والقرآن واشتغلوا بمغازي ابن إسحاق ونحوه، فأردت أن أضع لهم أحاديث في فضائل السور.
د. محمد: على ما قلت ينبغي على الإنسان أن ينتبه على هذا الموضوع خصوصا من علق على فضائل السور، فكثير من الفضائل التي تذكر في كتب التفسير هي من الموضوعات التي أشرت إليها.
د. الشهري: متى نزلت سورة يس؟
د. محمد: سورة يس نزلت في مكة، حتى قال المفسرون والقرطبي يكاد يكون هذا بالإجماع، ليس فيه خلاف إلا أنهم تكلموا عن آية، وهي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12} فقد ذكر بعضهم أنها نزلت في المدينة لماذا؟ قالوا لأنه ورد في الحديث الصحيح في مسلم وفي غيره أن بني سلمة لما أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (( يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم)) ولذلك بعد ذلك تراجعوا، يعني الزموا دياركم على الإغراء، ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فبعضهم قال أنها نزلت في المدينة، قال ابن كثير وغيره: الصحيح أنها جاءت من باب الاستشهاد والاستدلال، وليس أنها نزلت في ذلك الوقت، ولذلك يبقى أن السورة بكاملها مكية.
د. الشهري: وسوف يأتي من الموضوعات التي نتحدث عنها ما يؤيد هذا، القضايا التي اشتملت عليها سورة يس وقبل القضايا ليتك تسلط الضوء على محور السورة أو موضوعها الأساسي إن كان هناك.
د. محمد: محور السورة هو موضوع تقرير قضايا العقيدة وهي القضية الأساس في السور المكية، والأمور والقضايا التي تعرضت لها السورة هي ثلاث قضايا رئيسة وردت في ثنايا السورة في أولها وفي وسطها وفي آخرها، بل العجيب أن هذه المسائل الثلاث جاءت في آخرها تبعا ملخصة، هذه المسائل الثلاث:
المسألة الأولى: صدق الرسالة { يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.
الموضوع الثاني: هو موضع توحيد الألوهية والنهي عن الشرك، وقد جاء في مطلعها وفي وسطها وفي قصة أصاب القرية، فجاء كثيرا في هذه السورة.
الموضوع الثالث: موضوع إثبات البعث بعد الموت، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} ثم سوق الأدلة جاءت في عدة مواضع، ذكرت السورة مشاهد عظيمة من مشاهد القيامة وفي نهايتها ساقت ثلاث أدلة على إثبات البعث، خلف بعض من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ...}
د. الشهري: نأخذ السورة من أولها المقطع الأول من الآية الأولى {يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إلى الآية 12 {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12} ما هي الحكمة؟ هناك من يسأل : يس هل هو اسم للنبي صلى الله عليه وسلم أم هي حروف مقطعة مثل كهيعص؟
د. محمد: بالنسبة لـ(يس) افتتاح السورة، القول المشهور عند أهل العلم وهو الصحيح أنها من الحروف المقطعة يس، فهي من الحروف المقطعة التي ابتدأت بها عدد 29 من سور القرآن، السورة، وطبعاً الحروف المقطعة معروف أقوال العلماء فيها:
• من العلماء من يرى أنها من المتشابه وقال نكل علمها إلى الله ولا ندخل في تفسيرها.
• ومن العلماء من ذكر لها معنى وهذا هو الصحيح والله أعلم ثم اختلفوا إلى أقوال كثيرة جدا لكن من أشهر الأقوال وهو الذي يؤيده كثير من العلماء والمفسرين أنها جاءت للتحدي والإعجاز، أن هذا القرآن الذي جاءكم به محمد هو من جنس هذه الحروف التي تعرفونها فاتوا بمثله، وكذلك ممكن أن نضيف إليه قول آخر جميل ذكره بعض المؤلفين في علوم القرآن أن فيها نوع من الإثارة، إثارة أن العرب يؤثر فيهم الكلام الفصيح القوي، فلما يسمع هذا الترتيب فيثير انتباهه فيستمع إليه فيستمع لما بعده، فكأنها نوع من الإثارة، وهذه الإثارة حتى الآن بعض الفصحاء من الناس يستخدمها فيحاول في بداية حديثه أن يدخل بمدخل مثير ليثير انتباه السامع، ففيها نوع من الإثارة.
د. الشهري: قد تدخل تحت براعة الاستهلال بوجه من الوجوه
د. محمد: نعم براعة الاستهلال، طبعا يدخل تحت هذا القول أن الحروف المقطعة منهم من قال أنها: يس قسم ومنهم من قال أنها اسم للسورة، منهم من قال اسم للقرآن، فهذه الأقوال تشترك يس مع غيرها من السور لكن هناك أشياء خصت بها، منهم من قال يس اسم للنبي صلى الله عليه وسلم واستشهدوا ببيت من الشعر، لكن هذا البيت في الحقيقة رده العلماء ويقال أنه منسوب لأحد الرافضة وأنه ليس صحيحا أنها اسم للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أنها اسم للقرآن ومنهم من يقول يس بمعنى يا إنسان أو يا رجل وهذا طبعا على لغة من يرى بعض اللغات، بعضهم يقول بلغة الحبشة هذا المشهور في كلمة يس. بعد ذلك يأتي القسم { وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } يقسم الله تعالى بالقرآن ويصف هذا القرآن بأنه حكيم، والحكيم في الأصل هي صفة رجل، يقال هذا رجل حكيم، لكن وصف هذا القرآن بالحكيم لما فيه من الحكمة العظيمة في دلالاته وفي آياته وما جاء به من العلم العظيم، ثم يأتي جواب القسم الذي هو أحد مواضيع السورة الرئيسة {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3} هذا هو جواب القسم، ثم يبين منهج الرسول {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}على ماذا؟ {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {4} هذا بيان واستقامة وصحة منهج هذه الرسالة. ثم قال {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ {5} تنزيل منصوبة على المصدر، وفي قراءة تنزيلُ خبر للمبتدأ ( هو تنزيل) لماذا هذا؟ قال: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6} هذا الإنزال والإرسال {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6}الذين هم كفار قريش والعرب و ليس المقصود لم يبلغهم دينهم ولكن ما جاءتهم رسالة خاصة
د. الشهري وهذا لعله يكون جواب لسؤال أحد الإخوة هنا: {مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} هل هي نافية أو موصولة؟
د: محمد: هي نافية لم تأت الرسالة خاصة لكن لا تعني ليس لديهم علم بالرسالات،هو موجد وخاصة رسالة إبراهيم وموسى وعيسى لكن لم يأتهم رسالة خاصة. ثم الله يقول {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} يبين الله تعالى قضاؤه الذي قضاه على كثير منهم إنهم لا يؤمنون وهذا جزاء إعراضهم وبعدهم عن شرع الله وعن منهج الله، كما قال تعالى عن اليهود {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فالإنسان حينما يأتيه الهدى ويعرف أنه حق ثم يتنكر له يكون جزاؤه من الله أن يضله ويكتب عليه الشقاء ولذلك وصف حالهم فقال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ {8}جعل الله سبحانه وتعالى مثل حاله في صدهم عن الهدى فيمن جعل في عنقه غلا ، ويقول العلماء الغل ليس في العنق فقط وإنما في العنق واليد، ويقدرون (وأيديهم) مثل قوله تعالى { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } قالوا والتقدير والبرد لكن ليفهم هذا. هنا قال {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ} وفي أيديهم: {أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ} الأيدي مشدودة إلى الرقبة. {فَهُم مُّقْمَحُونَ} قال العلماء المقمح هو الذي رفع رأسه وشخص ببصره، رفع رأسه، فهم مقمحون من هذه الأغلال، وفي قوله تعالى {فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ}هي الظاهر أنها تعود إلى الأغلال، هذه الأغلال إلى الأذقان، ومن العلماء من قال هي تعود إلى الأيدي، فأيديهم إلى الأذقان، هذه الأغلال إلى الأذقان وأيديهم أيضاً مغلولة مع أيديهم. ثم شرح مزيداً من حالهم {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9} من بين أيديهم يعني من أمامهم ومن خلفهم سدا، هذا تصوير للحالة التي وصلوا إليها من الإعراض، وحقيقة هذه الحالة –سبحان الله- تجدها في واقع الحياة في حال كثير من الناس، يرى الحق أمامه و لكنه لا يتبعه ولا يستفيد منه، إعراضا منه فهو لا يتبع الحق ولا يستفيد منه فهذا تمثيل لحاله فالله تعالي يقول: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {10}إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11}
د. عبد الرحمن: هل يمكن أن نقول أن المقطع الأول من مقطع سورة يس يتحدث عن صدق القرآن الكريم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الموضوع الرئيسي له؟
د. محمد: الموضوع الرئيسي وفيه إشارة كذلك إلى قضية التوحيد {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ثم في إشارة في آخرة إلى قضية البعث في آخره {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {12}. هنا في قضية البعث، في قوله {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} الصحيح أنها مكية وإنها وإن وردت في الاستشهاد على قصة بني سلمة فإنها عامة، والآية تشير إلى أن الله يكتب ما قدم الإنسان وآثاره، والعلماء قالوا ما قدم من خير أو شر وينطبق عليه الحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).
د. عبد الرحمن: المقطع الثاني يبدأ بقصة أصحاب القرية: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ {13} كثير من الناس من يولع ويحب مثل هذه المبهمات يسال الناس من هم أصحاب القرية وما هي هذه القرية؟
د. محمد: كما أشرت أصحاب القرية هنا لم يذكر ما هي القرية ولم يذكر المرسلون ولم يذكر اسم الرجل المؤمن، قال العلماء: وهذا دليل على أنه لا يترتب على ذكر الأسماء هنا فائدة، وهذا مثله مثل بقية المبهمات في القرآن الكريم، والغالب أنه لا يترتب على ذكرها فائدة، لكن ما ورد منها في أثر أو حديث صحيح فيمكن أن نقول به ويستفاد منه وقد يعين في تفسير الآية، وما لم يكن خلاف ذلك فالأولى الإعراض عنه كما أعرض الله تعالى عن ذكره.
أما القرية أكثر المفسرين قالوا: أنها أنطاكية هي من تركيا الآن، ثم اختلفوا الرسل الذين أرسلوا إليهم قال بعضهم هؤلاء الرسل من الله ابتداء، أرسلهم الله إليهم، { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } كما أرسل إلى غيرهم، ومنهم من قال هؤلاء الرسل من عند عيسى، فعيسى أرسلهم ليدعو إلى الله، قال ابن كثير: ( والصحيح أنهم ليسوا من عيسى وأنها ليس من أنطاكية المشهورة ) وبين سبب ذلك، قال: "أولا: نفس نص الآيات { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ } واضح نص أنها رسالة من الله سبحانه وتعالى هذه نقطة، والنقطة الثانية أن أصحاب عيسى الذين أرسلوا إلى أنطاكية آمنوا، مذكورة في الإنجيل ومثنى عليهم فيها يعتبروها من المقدسة لأنها استجابت لدعوة عيسى، قال بل كما ثبت عند سعيد من جبير وعن عدد من السلف: بعد نزول التوراة لم يهلك قرية كاملة في بني إسرائيل، قال وهذا دليل على أنها غير أنطاكية، وأن الرسل من عند الله، وإن كان اسمها أنطاكية فهي قرية غير أنطاكية المشهورة، فهو رجح هذا. الجانب الآخر في هذا الموضع { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} اضرب لمن؟ اضرب لكفار قريش بين بهم مثلاً في صدودهم وإعراضهم مثل ما حصل من أصحاب هذه القرية، وفي ذلك تحذير لهم أن يكون مصيرهم مثل مصير أصحاب القرية. { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} هذا مفعولين للفعل اضرب لهم {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} عززنا يعني قويناهم بثالث، ما الحكمة؟ ردوا اثنين فما فائدة الثالث؟ قال العلماء هذا فيه دليل على أن الاجتماع قوة وأنه كلما كان العدد أكبر كلما كان أدعى للقبول، لذا قالوا ينبغي على أهل الدعوة أن يجتمعوا، وأن يعضد بعضهم بعضا، فهذا يكون أدعى للاستجابة وأدعى للقبول، فالله سبحانه وتعالى بين لما كذبوا الاثنين عزز بثالث، هؤلاء الرسل قالوا لهم إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14} وكان الجواب {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} وهذه علة دائما تكرر { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً} وهذه علة دائماً كيف يكون بشر، يقول العلماء أن العلة التي أرادها الله أن يكون النبي بشر، حكمة عظيمة جدا، يمكن الاقتداء به وإتباعه هي العلة التي أرادها الله هي العلة التي جعلتهم يرفضون. ثم هذه القضية دائما طبيعة الناس يريدون قداسة معينة وأحيانا قداسة لا أصل لها على الأشخاص، وهذه في الأمم الكافرة قبل وحتى في الطوائف الإسلامية تأثرت بهذا، ولذلك تجد الفرق بين من يستقيم على السنة ومن لا يستقيم على السنة، أن من يستقيم على السنة يُعظّم في الرسول منهجه ودعوته { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } مع مكانته -صلى الله عليه وسلم-، وتقديره في حياتنا الخاصة، بينما من يبتدع يتجه إلى النظر في القضية الشخصية و يقدسها حتى بما يخالف منهج الرسول، وهذا الحقيقة فيه جزء من إتباع منهج الكفار والمشركين الذين ردوا دعوة الرسل.
د.الشهري: توقفنا عند قصة أصحاب القرية. {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ {15}
د. محمد: هم لما ردوا على الرسل أنهم بشر ردوا طبعا ما جاؤوا به ورموهم بالكذب، الرسل ردوا عليهم {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ {16} ثم قالوا: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } قضية الرسول دائما هي البلاغ، أن يبلغ رسالة الله لكنه { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } فهو لا يملك لهم الهداية بعد أن يقيم لهم الدليل على صدقه وما جاء به، فأمر الهداية بيد الله . ثم تأتي قضية أهل الجاهلية أهل الشرك {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ {18} تطيرنا: يعني تشاءمنا، هذا الذي يسمى الطيرة التشاؤم، ما أصابهم من شر وبلاء قد يكون وقع ابتلاء من الله و بسبب معاصيهم ينسبونه لهؤلاء، قيل أنه انقطع عنهم القطر ثلاث سنوات فهم تشاءموا قالوا هذا بسببكم، فجاء الرد عليهم من الله أو من الرسل {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عني تشاؤمكم منكم، بعملكم الشر وبعملكم المعاصي فيصيبكم ما يصيبكم طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ {19}. ثم يأتي بعد ذلك المقطع وهو تابع للقصة، قوله تعالى {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20} ذكروا أن اسمه حبيب النجار وبعضهم قال نجار على كلل هذا لا يدخل ولا علاقة له بدلالات الآية، هذا الرجل آمن بالرسل ثم جاء يسعى مؤيدا وداعيا قومه، ماذا قال لهم؟ {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20}ثم انظر كيف حاول أن يدخل إليهم {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ {21} هذه قضية مهمة جدا، هل هؤلاء يطلبون فائدة لهم، هل فيه نفع لهم؟ لا، إذن تجرد لم يأتوا إلا لفائدتكم ونصحكم، ليس لهم فائدة ثم هم مهتدون، ظاهر في منهجهم وفي سيرهم الصلاح، ثم {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {22} هذا تذكير لهم يريدونكم أن تعبدوا الله الذي خلقكم الذي أوجدكم من العدم، ثم جاءت قضية توحيد الألوهية: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ {23} يحاول أن يدعوهم ويبين لهم ويبين فساد معتقداتهم، ولما رأى الإصرار أعلنها صريحة: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ {25} ثم انظر بعدها ماذا قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ثم ماذا حصل بعد ذلك؟ الآية لم تذكر، واضح أنهم اعتدوا عليه بالقتل بل ذكر بعض المفسرين في طريقة قتلة شنيعة لكن الله تعالى لم يبين، بين الجزاء {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}.
د. الشهري: وهذا يا دكتور أسلوب من أساليب القصص القرآني وهو طيّ المراحل. هنا انتقل لمشهد تماما أنه قال: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} ثم انتقل مباشرة إلى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} و لم يذكر ما بينها من قتلهم له وتعذيبهم له.
د: محمد: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ {27} وما فائدة أن يعلموا؟ لماذا؟ بعض المفسرين قال تبكيت لهم، يعلموا كيف أكرمه الله جزاء ما حل به أن الله سبحانه وتعالى جزاه بدخول الجنة، وقال آخرون لا هذا من نصحه لقومه حتى بعد موته، ولهذا ورد عن ابن عباس: "نصح لقومه في حياته فدعاهم، ونصح لهم بعد موته فدعا الله أن يبلغهم بما وصل إليه لعل ذلك يكون سببا في هدايتهم"، وهذا الحقيقة منه تأخذ أن المؤمن ينبغي ألا يقدم التشفي على حب الهداية، يكون عنده حلم وأناة لا يقدم التشفي على حب الهداية، وإنما تكون الهداية أحب إليه، وهذا دائما في باب الدعوة تواجه صدا وتواجه أذى وتواجه تعنتا، فإن كانت حب الهداية أحب إليك تحملت ما تحملت، وإلا إذا لم يكن ذلك كذلك فربما واجهت هذا التعنت بموقف قد يكون سببا في صدود هذا، فهذا المؤمن الذي دعا قومه انظر كيف تحمل من قومه ما تحمل حتى بعد وفاته على هذا القول أنه .
د. الشهري: هنا سؤال طريف يرد دائما عند هذه القصة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وفي قصة فرعون {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}
د:محمد: ذكر العلماء بعض العلة، {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}
قالوا إن العلة هنا أنه قد لا يكون أصلا هو من أقصى المدينة، المقصود الرجل، ومن أقصى المدينة صفة للرجل، قد تكون حالة مرت عليه، بينما هنا جاءت الصفة هي المقصودة {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}رجل مقيم هناك ومع هذا جاء وانبعث ليقوم بالدعوة قالوا هذا سر. { مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ }هناك جاءت حال من جاء أو صفة لجاء، بينما هنا للرجل
د. الشهري: يا دكتور كلامك رائع جدا وتأكيد لكلام عبد القاهر الجرجاني –رحمه الله- في قضية التقديم والتأخير وفائدتها، فيعني هنا: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} فيها إشارة أن الاهتمام هنا بموضع المجيء، أنه جاء من أقصى المدينة، ما جاء من مشوار قريب، جاء من مكان بعيد من أقصى المدينة من أجل نصحهم، الأمر الثاني فيه إشارة إلى انتشار دعوة هؤلاء الرسل وأنها قد بلغت أرجاء المدينة، لأن هذا جاء من أقصاها، والأمر الثاني أن فيها صفة لحاله وأنه لم يأتي وهو يمشي الهوينه وإنما جاء يسعى وهذه إشارة إلى نصحه لهم و حرصه عليهم. وهناك {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} الاهتمام كان بالرجل والثناء عليه ومدحه.
د: محمد: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ {28} بين الله سبحانه وتعالى بعد أن قامت الحجة وقتلوا واعتدوا على هذا الرجل وقع عليهم العذاب {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ {29} ما احتاج الله أن ينزل جند من السماء، وإنما كانت صيحة بهذه السرعة وكأنهم انتهوا بهذه السرعة، ثم الله يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} قيل يا حسرة على العباد على أنفسهم، يتحسرون على أنفسهم حينما يرون ماذا تركوا من الجنان وما واجهوا من النيران، وقيل {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} الملائكة تتحسر على العباد، وقيل أن الأنبياء تتحسر على الكفار لماذا لم يؤمنوا وقيل هي من كلام الرجل المؤمن قال {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}وليس بينها تضاد، ويمكن أن يكون كل هذا حدث
د. الشهري: أن الملائكة قالت ذلك وأن الناصح قال ذلك، تأتي الآيات التي بعدها يا دكتور نقلة أخرى جديدة، {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ {35} كأن فيها حديث عن بعض الآيات وخلق الله سبحانه وتعالى.
د. محمد: هذا المقطع فيه آيات عجيبة سيقت لبيان قدرة الله، والغرض من سوق هذه الآيات هو لتأكيد هذه الأمور التي جاءت في السورة في صدق الرسالة وفي وقوع البعث وفي وحدانية الله تعالى، فالله تعالى ساق الأدلة كما هو منهج القرآن في مواضع كثيرة في أن تساق الأدلة على بيان قدرة الله واستحقاقه للعبادة. يقول تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} هذه الأرض ميتة لا اثر فيها فينزل الله عليها الماء فتخرج من أنواع الثمار المتنوعة التي منها يأكلون ثم يعطف عليها {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ {34} طبعا النباتات كثيرة لكن ذكر النخيل والأعناب لأنها هي المعروفة المشهورة لهم، ولفضلها ومكانتها. ثم قال {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ} من ثمرة ما أخرجه الله تعالى من الأرض {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} – من زراعتها وصيانتها والعناية بها- يحتمل وجهين أن تكون (ما) موصولة يعني ليأكلوا من ثمر ما أنبته الله ومن ثمر الذي عملته أيديهم الذي هم يزرعوه، يزرعون على هذه العيون أنواع من الزروع التي يحتاجونها ويأكلون، ويحتمل أن تكون (ما) نافية ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم هذا، الله سبحانه وتعالى أنبته.
د. ع ويمكن أن نستدل على هذا المعنى بقوله {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، وهذا من الفوائد: من الوسائل التي يستخدمها الشنقيطي في كتاب أضواء البيان وغيره عندما يفسر آية بآية أخرى، أنه يقول: وهذا المعنى يشهد له آية أخرى، فيكون هذا من أوجه ترجيح هذا المعنى.
د. محمد: وهذا المسلك حتى ابن كثير معروف، وابن كثير لا يسوق فقط الآيات التي تفسر بل النظائر، يسوق الآيات التي تفسر الآية أو التي هي من نظائرها. يقول الله سبحانه وتعالى {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {36} انظر خلق الأزواج كلها وهذا إشارة إلى أن كل شيء كما قال الله تعالى زوجين { مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وهنا (وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} ولا يزال العلم ولن يزال يؤكد هذه الحقيقة، فيكتشفون حتى في دقائق العلم الآن أن كل شيء موجود فيه نظرية الزوجية التي ذكرها الله. ثم يستمر الله تعالى في عرض آياته {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} وهذه فيها عجب،- حتى في التعبير في كلمة نسلخ، ما الحكمة في نسلخ؟ حينما نعرف أنه بإرادة الله تعالى هذه الأرض، الأصل في هذا الكون الظلام ثم يأتي النور بهذه الشمس التي خلقها الله تعالى، فهذه الشمس تتجه إلى وجه الأرض، وجه الأرض التي هي متجهه إليها فتضيء، ثم تذهب عن هذا الوجه لوجه آخر فيأتيها الظلام، فكأن هذا النور سلخ من هذا الظلام، يعني مثل أن الظلام مغطى بهذا النور، الأصل الظلام مثل ما يسلخ الجلد عن الذبيحة، كأن الظلام مغطى بهذا النهار بهذا الضوء فإذا زال سُلخ منه فعاد الظلام. { وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37} ثم قال {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}
د. الشهري: هذه الآية من الآيات التي يستدل بها من يقول بحركة الشمس ودوران الشمس.
د: محمد: أولا ما معنى لمستقر لها؟ حتى ابن كثير قال فيها قولان: قال المستقر المكاني، مكان استقرارها، ثم أورد الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره بل في الصحيحين، أن النبي قال: (أترون أين تذهب هذه؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: تذهب تحت العرش ثم تسجد ثم تطلب أن يؤذن لها بالعودة فتعود فإذا أراد الله لها في يوم القيامة لا يؤذن لها فتعود من مغربها). وهذا حديث صحيح في الصحيحين فهذا قال مستقر لها
أيضا من المستقر المكاني ما ذكر من تقلب الشمس، الشمس تتقلب في الصيف والشتاء، في مخارج و في مطالع، تصل إلى نقطة، الآن لو لاحظنا في الصيف تميل إلى جهة الغرب وترجع في الشتاء إلى جهة الجنوب، كذلك في مطلعها، قالوا هذا نوع من استقرارها.
القول الثاني: أنه مستقرها يوم القيامة، تجري دائما لا تنقطع إلى مستقرها يوم القيامة، وفي هذا ورد عن ابن عباس قال: " لا مستقر لها". وقالوا قراءة أخرى ولكن ردها العلماء وتكلموا عليها وقالوا لا يمكن أن ابن عباس يذكر قراءة تخالف ما أجمع عليه العلماء ولذلك تحمل والله أعلم أنها تفسيره رضي الله عنه للآية والشمس تجري لا مستقر لها وهذا يفسر أن الشمس لا تنقطع أبدا. وطبعا معروف أن النظرية التي جاءوا بها الذين يقولون أن الشمس ثابتة وما حولها تدور، لكن هذا مردود بنص القرآن، ولذلك كما قال أهل الهيئة من المسلمين أن الصحيح أن الشمس والقمر والنجوم تجري حول الشمس، وهي والشمس تجري في هذا الفضاء الواسع......
د. الشهري: هم يقولون الشمس تدور والأرض تدور ماذا تريد أن ترد منها؟
د.محمد الأرض والله اعلم أنها تتحرك حول الشمس وتتحرك الأفلاك كذلك كل في مساره، ثم الشمس والأرض والأفلاك التابعة لها تتحرك في مسار { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
د. الشهري: هذه الآية {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} هذه الآيات دكتور محمد تناولها الذين يكتبون اليوم في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، في مؤلفاتهم وقد تكاد هذه الآيات تدور عليها معظم الأبحاث التي تتحدث عن الشمس والقمر ودوران الشمس ودوران الأرض ودوران القمر وما يتعلق بهذه المسائل، يا ليت توضح لنا هذه النقطة، والرأي الذي تراه.
د.محمد: لا شك فيها إشارة إلى جريان الشمس وحركتها، والقرآن لا شك أنه لا يخالف صحيح وثابت العلم لا شك في هذا، فلو حصل تصادم فما قيل في الأمور العلمية يحتاج لإعادة نظر. ولذلك نحن نقول من باب الإعجاز العلمي ما وافق صريح القرآن ولم يخالف تفسير سلف الأمة لهذه الآيات فهذا مقبول، وما خالف وما كان فيه تقحم أو تحميل للآيات غير ما تحمله، ولا تدل عليه اللغة؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن أن يفسر إلا بما جاء في لغة العرب وبما ثبت عن سلف هذه الأمة، هذا ممكن أن يستفاد منه، ولا يمنع أن القرآن يشير إلى بعض هذه الأمور.
د. الشهري: في قوله: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ما معنى العرجون؟
د.محمد: العرجون هو عذق النخل، العذق الذي فيه التمر، وقيل القديم الذي بقي في النخلة حتى يبس وانحنى.
نعود لأول الآية {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ذكر هذا مع القمر دون الشمس، مع أن الشمس لها منازل تنتقل، لكن المنازل التي تعين الناس على الحساب هي منازل القمر، الشمس هي قرص كامل يظهر لنا من المشرق إلى المغرب، لكن القمر يظهر لنا في اليوم الأول غير الثاني غير الثالث، و لذلك نضبط عليه الحساب فالله قدّر هذه المنازل لنعلم عدد السنين والحساب، وربط العبادات بها مثل رمضان. ولذلك هنا حكمة {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}، يبدأ منزلة أول الشهر ويزيد ويزيد حتى يكون بدرا ثم ينقص ينقص حتى يعود هلال، {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} طيب وأول الشهر أليس شكله أول الشهر مثل آخر الشهر قالوا لا، شكل الهلال في أول الشهر غير شكل القمر في آخره، مع أنه نفسه لكن بالعكس، في آخر الشهر يبدو كالقديم، جلس هذه المدة يزيد حتى نقص فأصبح شكله مثل ما أشار الله كالعرجون القديم، حينما ترى الهلال في أول الشهر ربما لا نستطيع أن نراه في اليوم الأول والثاني لما تراه كيف بهجته ورونقه هذا في قوله: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}. ثم يقول الله: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40} الشمس لا يمكن أن تدرك القمر، قد يظن البشر أن الشمس تجري والقمر ربما تقترب من القمر أحيانا، وتصطدم به بين الله تعالى أن لكل واحد مجرى لكل واحد مسار بعيد عن الآخر، طبعا هذه في نظرة الناظر، أما في العلم الآن فأثبت أن بينهما المسافات الهائلة التي قد لا يتصورها عقل بشر، كل واحد في مساره، { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} يعني لا الليل يمكن أن يسبق النهار، أو النهار يمكن أن يسبق الليل، بل يأتي الليل ثم يأتي النهار ثم أعطى الحقيقة: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} كل هذه الأفلاك وغيرها في فلك سابحة، وهذه الحقيقة يمكن أصحاب الإعجاز أضافوها للأعجاز يسبحون، الآن في العلم الحديث في علم الفلك شبهوا حركة الأفلاك في الكون بمثل سباحة السفن في البحر، سابحة في الفضاء، والله تعالى ذكر هذا في كتابه العزيز: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
د. الشهري: والعجيب الآن يا دكتور محمد الناس من كثرة ما يشاهدون الشمس يوميا تشرق وتغرب وكذلك يرون القمر، يعني يمكن أن صح التعبير تبلدت أحاسيسهم ولم يعودوا يستشعروا هذه الآية وعظمتها، وربما الآن يساعد على التأمل والتفكر الأفلام الوثائقية التي تصور الشمس وتصور القمر وتصور هذه الأجرام السماوية وهي تتحرك وهي كثيرة الآن، الذي يشاهد الآن بعض القنوات المتخصصة في الأشياء الجغرافية و الفلكية ينبهر بهذه العظمة ودقة خلق الله لهذه الأجرام، فماذا تقول للناس وكيف يتأملون في هذه الآيات وهم يرونها كل يوم.
د.محمد: ما ذكرته يصدق عليه المثل: "كثرة المساس تقلل الإحساس" ولذلك من حكمة الله ومن عظمة هذا القرآن أن التذكير بآيات الله يتكرر، يتكرر في القرآن لماذا؟ حتى لا تقع هذه الآفة، وإلا لو الإنسان جلس جلسة تأمل في هذه الشمس العظيمة، ثم نظر في بعض ما جاء في النظريات عن هذه الشمس، آية مذهلة في ضخامتها وكبر حجمها، حتى بعض العلماء يقول أنها ضعف الأرض مليون مرة ثم ارتفاع اللهب فيها ثم هذا القمر والارتقاء والتدرج في المنازل كل هذه آيات، والسموات والأرض،آيات عظيمة، على الإنسان دائماً أن يجلس جلسة تأمل، يتأمل آيات الله، وهذا هو منهج القرآن لماذا الله ذكر هذه الآيات؟ للعظة والعبرة والتأمل وليعرف الإنسان عظمة الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: الآية التي بعده {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41} هذه الآية دائما يسأل عنها كيف يقول الله {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41} مع أن الذين حملوا هم أجدادهم وليسوا ذريتهم؟
د.محمد: هذا على العموم معلوم أن البشرية التي انتشرت في الأرض هم ذرية نوح ومن ركب معه في السفينة، ولذلك الله سبحانه وتعالى عبر بقوله ذريتهم أي ذرية هؤلاء الذين حملناهم في السفينة، وطبعا الآية تشير لهم إلى حكمة الله في إيجاد الفلك لينفع الناس وأول فائدة في هذه الفلك بدأت من نوح عليه السلام حينما صنع الفلك وحمل من آمن معه ونجا بهم من الغرق ولذلك قال الله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} استمر هذا، كيف يعتبر الآن انتقال الإنسان عن طريق الفلك، آية لأعظم الوسائل التي ينتقل بها، {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} تشير إلى الفلك والسفن، لكن قال المفسرون ولا مانع من أن تشير إلى غيرها مما يمكن أن ينتقل به الإنسان حتى الجمل وهو سفينة الصحراء.
د. الشهري: هل يمكن يا دكتور الآن وما يحصل من خلال قصة نوح لما تقرأ في تاريخ السفن ونشأة السفن لا يذكرون أن نوح هو أول من اخترع السفينة إن صح التعبير، مع انه واضح في الآيات انه صنع السفينة بوحي من الله، فيدل هذا على أن صناعة السفن كانت في أصلها وحياً أوحاه الله إلى نوح، وابتدأت صناعة السفن من وقته
د. محمد: وهذا صحيح، المفترض أن يشار إليه وأنه نوح عليه السلام أول من صنع السفن.
د: عبد الرحمن: المقطع السادس يبدأ {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} فيه الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ {70} في هذه الآية دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟ كما أنت ذكرت في أولها فيها تصديق للنبي صلى الله عليه وسلم.
د. محمد: هذه تأكيد لما جاء في صدر السورة من إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} ما جاء به ما هو إلا ذكر يذكر بالقلب وقرآن يتلى باللسان يتعبد به ويتبع. {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} الله نفى عن رسوله تعلم الشعر، قال {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} كما بين عن رسوله أنه: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} كل هذا للرد وبيان أن ما جاء به القرآن من عند الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كاتبا فيكون كتب ولا قارئا فيكون قرأ، ولا شاعرا فيكون قال الشعر، بل هو من عند الله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقول الشعر وما كان يقول بيتا بل ذكروا أنه كان يذكر بعض الأبيات ويقلب فيها بعض الكلمات، ذكر بعض المفسرين بعض الأبيات.
د. الشهري: مع أنه كان يتذوق الشعر و يحبه ويسمعه.
د. محمد: بل قال بعض الكلام الذي يشبه الشعر، قالوا حتى لو وافق لا يعتبر من قول الشعر: هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب. فهذا لا يخرجه من كونه لا يعلم الشعر، وهذا كله لبيان أن ما جاء به من عند الله، لكن لا يعني هذا ذم الشعر بعمومه، وأنت يا شيخ عبد الرحمن لك في هذا باع، بل قد يكون في الشعر فائدة كما حصل من بعض شعراء الإسلام الذين ذبوا عن الدين، فالشعر فيه حق وفيه باطل إذا استخدم في غير طاعة الله، وهذا يذكرني بقصة حصلت للمأمون مع أبي علي المنقري، يقال أن المأمون قال لأبي علي: بلغني عنك أنك تلحن وأنك تكسر الشعر وأنك أمي، قال: يا أمير المؤمنين أما اللحن فقد يقع في كلامي، -لا يكاد يسلم منه أحد-، أما أني أكسر الشعر أو أمي فأنا لي قدوة رسول الله كان كذلك، قال: أنا سألتك عن ثلاث خصال فيك، فتبين لي الخصلة الرابعة فيك أنك جاهل، قال: كيف؟ قال: إن هذه في رسول الله فضيلة وفيك منقصة، نفي الشعر عن رسول الله فضيلة ونفيه عنك أنت منقصة. إذن الشعر ليس مذموما
د. عبد الرحمن: سؤال: شاع بين الناس قول وهو أنهم يقرؤون قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9}قال إذا فعلوا فعلا أو أخطئوا بخطأ لا يريدون إطلاع الناس عليه ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ، وأضيف سألني أحدهم وقال أنا أقرأ هذه الآية عند نقطة تفتيش مرور أو تفتيش المطار فأقرأ هذه الآية.
د. محمد: لعله من المناسب دكتور عبد الرحمن، أنا أذكر في رواية وردت في السيرة ذكره المفسرين حول الآية وذلك لما تآمر بعض كفار قريش ليؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم، جلسوا عند بابه يطلبونه حتى يخرج، فالنبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله خرج وأخذ حفنة من تراب ووضعها على رؤوسهم، ومضى ولم يشعروا به، قيل وتلا هذه الآية {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ}وقيل إن الآية نزلت في هذه الحادثة، أنا لا أعرف أصلا أن هذه الآية تتلى في مثل هذا الموضع، لكن إن كانت تذكر من باب الاستشهاد والأخذ بالقرآن يمكن أن يأتي هذا، أما أن يعتقد اعتقادا أنها تقال أو أنها مثل الرقية تقي الإنسان فلا أعلم له أصل.
د: عبد الرحمن: سؤال: يقول ابن كثير في تفسيره {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ {51} قال هذه النفخة الثالثة وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور، فكم عدد النفخات لأنه لم يرد في سورة يس إلا نفختين؟
د: محمد: هذا الذي أعرف، وأستغرب من كلام ابن كثير وأحتاج أن أتأكد من عبارة ابن كثير، والذي أعرفه إما ابن كثير أو غيره نص قال: "و لم يذكر في السورة إلا نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث التي ذكرت في هذه السورة
د. الشهري: المقطع الأخير من هذه السورة في الآية 77 {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78}، لو تذكرنا يا شيخ سبب نزول هذه الآية؟
د: محمد هذه الآيات جاءت في قضية البعث وإثبات البعث، ويمكن هذا من المواضع الوحيدة في القرآن، القرآن ساق الأدلة على البعث في مواضع كثيرة من القرآن، لكنه في هذا الموضع ساق ثلاثة أدلة متتالية على إثبات البعث، هذه الآية ذكر في سببها أن أبي أو أمية بن خلف أو غيره من كفار قريش وبعضهم قال عبد الله بن أبي بن سلول لكن ردت لأن الآية مكية، فجاء بعظم بال إلى النبي وفته قال: "يا محمد أتزعم أن هذا يعود بعد أن أرم:، قال: نعم يعود كما ذكر الله تعالى وفي رواية يعود ويبعثك الله ويدخلك النار،
د: عبد الرحمن: كأنه العاص بن وائل؟
د. محمد: ذكر عدة روايات، توجد يمكن ثلاث، حتى أظن أبي وربما عتبة، أذكر ثلاثة غير عبد الله بن أبي بن سلول
يقول الله تعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} هذا الكافر { وَنَسِيَ خَلْقَهُ} هنا لمسة مباشرة الدليل: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} انظر البلاغة والإعجاز، مباشرة رد مباشر {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} كيف ينسى خلقه؟ تأمل في خلقك أنت، ولذلك جاء الدليل الأول: {قُلْ يُحْيِيهَا} من الذي يحييها؟ {الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79} أنشأها أول مرة أي أوجد هذا الإنسان من ماء مهين، فالذي أنشأ أول مرة قادر على الإعادة بل والإعادة أهون عليه من الخلق ابتداء وكله على الله تعالى هيّن.
د. عبد الرحمن: الوقت أدركنا يا دكتور انتهى الوقت المخصص لنا بقي يا دكتور وأستأذنك في أن تتفضل في اختيار الفائز في سؤال الأمس، لو تكرمت، وكنا سئلنا سؤال بالأمس وقلنا وردت آية في الجزء الخامس
د. محمد: نسأل الله تعالى أن يوفق من يستحق الفوز.
د. عبد الرحمن:آمين... كلهم ما شاء الله يستحقون
د. محمد: هو الذي أراد الله أن يكون نصيبه.
د. عبد الرحمن: كنا سئلنا: آية وردت في الجزء الخامس تبين خطورة الشرك بالله، وأن الله لا يغفر من مات عليه، وهي الآية 116 من سورة النساء { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا {116}
الفائز: الأخ فهد الحربي
ونسأل الله لكم أيها الأخوة الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وأشكرك شكرا جزيلا دكتور محمد على ما تفضلت به، وباسمكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام نشكر ضيفنا مرة أخرى الدكتور محمد بن صالح الفوزان أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود على ما تفضل به، وأشكركم أيضا على المتابعة، وأركم غدا وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤال الحلقة:
ذكر الله الحكمة من تشريع التيمم للصلاة من الجزء السادس في القرآن فما الآية؟
 
عودة
أعلى