كيف نقرأ القرآن في كل شهر مرة

إنضم
22 نوفمبر 2023
المشاركات
3
مستوى التفاعل
2
النقاط
3
العمر
56
الإقامة
المملكة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم


إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أمّا بعد:

فهذه ثلاثة أحاديث ، قد فهمها الأئمة من السلف على وجه أحبب أن أبينه لمن خفي عليه من أخواني المسلمين، وهذه الأحاديث في الجامع الصحيح للإمام البخاري ، وهي:

الحديث الأول:

عن أبي هريره رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد ، فإنْ استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإنْ توضّأ انحلت عقدة ، فإنْ صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطاً طيّب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) (حديث رقم 1142)

  • المقصود بالصلاة في هذا الحديث صلاة الليل .
الحديث الثاني:

عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه) (حديث رقم 4008).

  • المقصود قراءة هاتين الآيتين في صلاة، ووقتها من بعد صلاة العشاء
الحديث الثالث:

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واقرؤوا القرآن في كل شهر) (حديث رقم 5052).

  • القراءة المقصودة في هذا الحديث هي القراءة في صلاة الليل
وبيان ذلك فيما يلي:

الحديث الأول:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان ... ).

  • رواه الإمام البخاري-رحمه الله- في كتاب التهجد ، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلّ بالليل (19/12).
  • ورواه أيضاً أبو داود - رحمه الله - في السنن في كتاب الصلاة ، باب: قيام الليل (حديث رقم 1306).
  • ورواه الإمام النسائي-رحمه الله- في السنن الصغرى في كتاب قيام الليل ، باب: الترغيب في قيام الليل (حديث رقم ١٦٠٧).
  • ورواه كذلك في السنن الكبرى (حديث رقم ١٣٩٤ تأصيل).
  • ورواه الإمام ابن خزيمة - رحمه الله - في المسند الصحيح في أبواب صلاة التطوع بالليل ، باب: استحباب قيام الليل ليحل عقد الشيطان التي يعقدها على النائم فيصبح نشيطاً طيب النفس بحل عقد الشيطان عن نفسه (حديث رقم 1131 ميمان).
  • ورواه الإمام ابن حبان - رحمه الله - في التقاسيم والأنواع ، باب: ذكر استحباب حل عقد الشيطان التي على قافية المرء المسلم عند نومه بانتباهه لصلاة الليل (حديث رقم 190).
فهؤلاء الأئمة قد جعلوا هذا الحديث في أبواب قيام الليل ، وقد بيّن ذلك أيضا شرّاح الحديث، منهم: ابن الملقن في كتاب التوضيح (9/91) فقال - رحمه الله -: ظاهر هذا الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة ، وهي: الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان ، قال المهلّب: قد فسّر الشارع معنى العقد ، وهو عليك ليل طويل فارقد، فكأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ إلى حزبه، فينعقد في نفسه أنه بقى من الليل بقيّة طويلة حتى يروم بذلك إتلاف ساعات ليله وتفويت حزبه ، فإذا ذكر الله انحلت عقدة ، أي: علم أنّه قد مرّ من الليل طويل وأنه لم يبق فيه طويل ، فإذا قام وتوضأ استبان له ذلك أيضاً وانحل ما كان عقد في نفسه من الغرور والاستدراج ، فإذا صلى واستقبل القبلة انحلت الثالثة ، لأنه لم يصغ إلى قوله ويئس الشيطان منه - ولما كان مؤخر الرأس فيه العقل والفهم فعقده فيه إثباته في فهمه أنه بقى عليه ليل طويل - فيصبح نشيطاً طيب النفس لأنّه مسرور بما قدم ، مستبشر بما وعده ربه من الثواب والغفران ، وإلا أصبح مهموماً بجواز كيد الشيطان عليه وكسلان بتثبيط الشيطان له عمّا كان إعتاده من فعل الخير.

وقال العراقي - رحمه الله- في طرح التثريب (3/84) فيه الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح ، منها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ( من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال: اللهم اغفر لي - أو دعا - استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته([1]))، ولا يتعين لتحصيل هذا المقصود ذِكْر ، لكن الأذكار المأثورة فيه أفضل.

وقال - رحمه الله – أيضاً (3/85): فيه فضيلة الصلاة بالليل وإنْ قَلَّتْ ، لكن هل يحصل انحلال عقدة الشيطان الأخيرة بمجرد الشروع في الصلاة أو بتمامها؟ الظاهر الثاني ، فإنه لو أفسدها قبل تمامها لم يحصل بذلك غرض ، ورأيت والدي - رحمه الله - لمّا سُئل عن الحكمة في افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ، أجاب عن ذلك بأنّ الحكمة فيه استعجال حل عقد الشيطان ، وهو معنى بديع ، ومقتضاه ما رجّحْتُه من أنّه لا يحصل ذلك إلا بتمام الصلاة ، ولا يخدش في هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم مُنَزّهٌ عن عقد الشيطان على قافيته لأنّا نقول إنّه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك تشريعاً لأمّتِهِ ليقتدوا به فيحصل لهم هذا المقصود([2])والله وأعلم.

الحديث الثاني:

عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الآيتان من آخر سورة البقرة ...) الحديث رواه الإمام البخاري-رحمه الله- في كتاب فضائل القرآن ، باب: في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه). (66/34).

ورواه أيضاً أبو داود - رحمه الله - في السنن في كتاب الصلاة باب: تحزيب القرآن (حديث رقم 1397).

ورواه ابن ماجة - رحمه الله- في السنن في كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيما يُرجَى أن يكفي من قيام الليل. (حديث رقم 1368).

ورواه ابن خزيمة - رحمه الله - في المسند الصحيح في جماع أبواب صلاة التطوع بالليل باب: ذكر أقلّ ما يجزئ من القراءة في قيام الليل. (حديث رقم 1141).

ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب قيام الليل باب ما يكفي من القرآن بالليل صفحة 159

ورواه ابن حبّان - رحمه الله - في التقاسيم والأنواع، باب: ذكر الاكتفاء لقائم الليل بقراءة آخر سورة البقرة إذا عجز عن غيره (حديث رقم ٢١٢).

ورواه الإمام البيهقي – رحمه الله - في السنن الكبير، كتاب الصلاة، باب: كم يكفي الرجل من قراءة القرآن في ليلة (حديث رقم 4823).

فهؤلاء الأئمة ترجموا لهذا الحديث بما يدل على أنه مقصود به: كفتاه من قيام الليل، وقد بين ذلك شراح الحديث ، منهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، فقال - رحمه الله -: قوله: (كفتاه) أي: أجزأتا عنه عن قيام الليل، وقيل أجزأتا عن... والوجه الأول ورد صريحاً من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه: (من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة([3])).

ومما يؤكد هذا المعنى فعل الصحابة رضي الله عنه، فقد روى عبدالرزاق الصنعاني –رحمه الله- عن الثوري عن إبراهيم عن عبدالرحمن بن يزيد([4]) أنه قال: كانوا يستحبون أن يركعوا بعد المغرب بـ " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " ، وبعد العشاء في ركعتين بآخر سورة البقرة " آمن الرسول ... " و بـ " قل هو الله أحد " ، وقبل الفجر بـ " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد "([5]).



[1] رواه البخاري (حديث رقم 1154).
[2] روى ذلك الإمام مسلم - رحمه الله - عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلى افتتح صلاته بركعتين خفيفتين). (حديث رقم 767).
وروى - رحمه الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركتين خفيفتين). (حديث رقم 768).
[3] رواه ابن الضُّرَيس في كتاب فضائل القران فقال –رحمه الله-: أخبرنا موسى حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن علقمة بن قيس أنّ أبا مسعود البدري قال: (من قرأ خاتمة سورة البقرة في ليلة أجزأت عنه قيام ليلة) (حديث رقم 173).
[4] هو عبدالرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، أبو بكر الكوفي، تابعي ثقة، توفي سنة 83 من الهجرة رحمه الله.
[5] (المصنف لعبدالرازق رقم 4834)، ورواه أيضا المروزي في قيام الليل صفحة 91.
 
الحديث الثالث

  • حديث عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (واقرأ القرآن في كل شهر ...).
  • رواه الإمام البخاري - رحمه الله - في كتاب فضائل القرآن، باب: في كم يقرأ القرآن، وقول الله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه...) (66/34).
  • و سوف أذكر هذا الباب وما فيه من الحديث، وفي أثناء ذلك سوف أذكر ما يحتاج إلى البيان من شرح الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري.
  • قال البخاري - رحمه الله – باب: في كم يقرأ القرآن، وقول الله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه([1])...) كأنه أشار إلى الردّ على من قال: أقل ما يجزئ من القرآن في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءاً من القرآن، وهو منقول عن إسحاق بن راهويه والحنابلة، لأن عموم قوله: (فاقرؤوا ما تيسر منه ...) يشمل أقل من ذلك، فمن ادّعى التحديد فعليه البيان.
  • (حدثنا علي حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قال لي ابن شبرمة) هو عبدالله بن شبرمة قاضى الكوفة (نظرت كم يكفي الرجل من القرآن) أي: في الصلاة ، (فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات فقلت: لا ينبغي لأحد أنْ يقرأ أقلّ من ثلاث آيات ، قال سفيان: أخبرنا منصور عن ابراهيم عن عبدالرحمن بن يزيد أخبره علقمة عن أبي مسعود - ولقيته وهو يطوف بالبيت - فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) تقدّم بيان المراد بقوله: (كفتاه) ، وما استدل به ابن عيينة إنّما يجيء على أحد ما قيل في تأويل كفتاه ، أي: في القيام في الصلاة بالليل ، وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على ابن كثير، والذي يظهر أنها من جهة أنّ الآية المترجم بها تناسب ما استدل به ابن عيينة من حديث أبي مسعود ، والجامع بينهما أن كلاًّ من الآية والحديث يدلان على الاكتفاء {بما تيسّر} بخلاف ما قاله ابن شبرمة.
(حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة عن مغيرة) هو ابن مقسم (عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو قال: انكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشاً ، ولم يفتش لنا كنفاً مذ أتيناه) أرادت بذلك الكناية عن عدم جماعه لها (فلما طال ذلك عليه) أي على عمرو (ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: القِني به ، فلقيته بعد ، فقال: كيف تصوم؟ قال: كل يوم ، قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة ، قال: صم في كل شهر ثلاثة ، واقرأ القرآن في كل شهر ، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك ، قال: صم ثلاثة أيام في الجمعة ، قلت: أطيق أكثر من ذلك ، قال: أفطر يومين وصم يوماً ، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم أفضل الصوم صوم داوود ، صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرة، فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك أني كبرت وضعفت فكان يقرأ) هو كلام مجاهد يصف صنيع عبدالله بن عمرو لما كبُر(على بعض أهله السُبُعُ من القرآن بالنهار ، والذي يقرؤه يعرضه من النهار فيكون أخفّ عليه بالليل) وإنما كان يصنع ذلك بالنهار ليتذكر ما يقرأ به في قيام الليل خشية أنْ يكون خفى عليه شيء منه بالنسيان( وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياماً وأحصى ، و صام مثلهن، كراهية أن يترك شيئاً فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه، قال أبوعبد الله) هو البخاري (وقال بعضهم: في ثلاث وفي خمس وأكثرهم) أي: أكثر الرواة عن عبدالله بن عمرو (على سبع ، حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن عبدالرحمن عن أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في كم تقرأ القرآن. حدثني إسحاق أخبرنا عبيدالله عن شیبان عن يحيى عن محمد بن عبدالرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة قال: وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة) قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير( عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في شهر ، قلت: إني أجد قوة حتى قال: فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك).

وروى هذا الحديث الإمام أحمد - رحمه الله - في المسند (2/158) فقال: حدثنا هُشيم عن حصين بن عبدالرحمن ومغيرة الضبي عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو قال: زوجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها مما بي من قوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته حتى دخل عليها فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال -أو كخير البعولة- من رجل ، لم يفتش لنا كنفاً ولم يعرف لنا فراشاً ، فأقبل عليّ فعذمني وعضّني بلسانه ، فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني ، فأرسل إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال لي: أتصوم النهار؟ قلت نعم ، قال: وتقوم الليل؟ قلت نعم ، قال: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام و أمس النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس مني، قال: اقرأ القرآن في كل شهر ، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك ، قال: فاقرأه في كل عشرة أيام ، قلت : إني أجدني أقوى من ذلك - قال أحدهما: إما حصين وإما مغيرة قال: فاقرأه في كل ثلاث([2])- قال: ثم قال: صم في كل شهر ثلاثة أيام ، قلت إني أقوى من ذلك ، قال: فلم يزل يرفعني حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً فإنه أفضل الصيام ، وهو صيام أخي داود صلى الله عليه وسلم، قال حصين في حديثه: ثم قال صلى الله عليه وسلم : فإن لكل عابد شِرّة([3]) ، ولكل شِرّة فترة ، فإمّا إلى سنّة وإمّا إلى بدعة ، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.

قال مجاهد: فكان عبدالله بن عمرو حيث ضعف وكبر يصوم الأيام ، كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ، ثم يفطر بعَدِّ تلك الأيام ، قال: وكان يقرأ في كل حزبه كذلك ، يزيد أحياناً وينقص أحياناً ، غير أنه يوفي العدد ، إمّا في سبع وإمّا في ثلاث ، قال: ثم كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ مما عُدِلَ به أو عَدَلَ، لكني فارقته على أمرٍ أكره أنْ أخالفه إلى غيره (حديث رقم 6588 المنهاج).

وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فقال في فصل تحزيب القرآن، وفي كم يقرأ، وفي مقدار الصيام والقيام المشروع (مجموع الفتاوى 13\405)...فالصحيح عندهم في حديث عبدالله بن عمرو أنه انتهى به النبي صلى الله عليه وسلم إلى سبع، كما أنه أمره ابتداءً بقراءته في الشهر، فجعل الحد ما بين الشهر إلى الأسبوع ... ولهذا لم يُعلم في الصحابة على عهده من داوم على ذلك أعني على قراءته دائما فيما دون السبع، ولهذا كان الإمام أحمد-رحمه الله- يقرؤه في كل سبع، والمقصود بهذا الفصل أنه إذا كان التحزيب المستحب ما بين أسبوع إلى شهر، وإن كان قد روى ما بين ثلاث إلى أربعين، فالصحابة إنما كانوا يحزبونه سورا تامة، لا يحزبون السورة الواحدة، كما روى أوس بن حذيفة... قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد. رواه أبو داود([4])وهذا لفظه وأحمد([5])وابن ماجه([6])...

وهذا الحديث يوافق معنى حديث عبدالله بن عمرو، في أن المسنون كان عندهم قراءته في سبع([7])؛ ولهذا جعلوه سبعة أحزاب، ولم يجعلوه ثلاثة ولا خمسة، وفيه أنهم حزبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر، فإنه قد علم أن أول ما جزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية وعشرين، وثلاثين، وستين، هذه التي تكون رؤوس الأجزاء و الأحزاب في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك، كان في زمن الحجاج وما بعده. ثم استفاض –رحمه الله- في بيان الأسباب الموجبة لرد هذه التجزئة، ثم قال: ومن المعلوم أن طول العبادة وقصرها يتنوع بتنوع المصالح، فتستحب إطالة القيام تارة وتخفيفه أخرى في الفرض والنفل بحسب الوجوه الشرعية، من غير أن يكون المشروع هو التسوية بين مقادير ذلك في جميع الأيام، فعُلم أن التسوية في مقادير العبادات البدنية في الظاهر لا اعتبار به إذا قارنه مصلحة معتبرة، ولا يلزم من التساوي في القدر التساوي في الفضل؛ بل قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، وثبت في الصحيح أن فاتحة الكتاب لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، وثبت في الصحيح أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وأمثال ذلك.

فإذا قرأ القارئ في اليوم الأول البقرة وآل عمران والنساء بكمالها، وفي اليوم الثاني إلى آخر براءة، وفي اليوم الثالث إلى آخر النحل: كان ذلك أفضل من أن يقرأ في اليوم الأول إلى قوله (بليغاً) وفي اليوم الثاني إلى قوله:(إنا لا نضيع أجر المصلحين)، فعلى هذا إذا قرأه كل شهر كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو، أولا عملاً على قياس تحزيب الصحابة؛ فالسورة التي تكون بنحو جزء أو أكثر بنحو نصف أو أقل بيسير يجعلها حزبا، كآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف.

وأما البقرة فقد يقال: يجعلها حزبا وإن كانت بقدر حزبين وثلث؛ لكن الأشبه أنه يقسمها حزبين؛ لأن التحزيب لابد أن يكون متقاربا...

ثم أتم رحمه الله تحزيب القرآن فجعله تسعة وعشرين حزباً بيانها في الجدول التالي.





[1] روى مسلم عن سعد ين هشام أنه سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال:( قلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ {يا أيها المزمل}؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل من أوّل هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. (حديث رقم 746).
[2] في رواية شعبة عن حصين وحده انتهى إلى قوله: اقرأ في كل ثلاث، رواها الإمام أحمد في المسند (2\188 حديث رقم6880)، وفي رواية سفيان عن مغيرة وحده انتهى إلى قوله: واقرأ في كل سبع ليال مرة، وهي رواية الإمام البخاري لهذا الحديث والتي تقدم ذكرها آنفا.
[3] قوة ونشاطاً
[4]حديث رقم (1393).
[5] المسند (4\9) ح 16417.
[6] حديث رقم (1345).
[7] ذكر المروزي في قيام الليل (ص155) عن القاسم كان عثمان بن عفان رضى الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وبالأنعام إلى هود، ويوسف إلى مريم، وطه إلى طسم موسى وفرعون، والعنكبوت إلى ص، وتنزيل إلى الرحمن ثم يختم. يفتتح ليلة الجمعة ويختم ليلة الخميس.
 
اليوم
السورة
الأول والثاني
البقرة
الثالث
آل عمران
الرابع
النساء
الخامس
المائدة
السادس
الأنعام
السابع
الأعراف
الثامن
الأنفال
التاسع
التوبة
العاشر
يونس
الحادي عشر
هود
الثاني عشر
يوسف و الرعد
الثالث عشر
إبراهيم و الحجر
الرابع عشر
النحل و الإسراء
الخامس عشر
الكهف و مريم
السادس عشر
طه و الأنبياء
السابع عشر
الحج و المؤمنون
الثامن عشر
النور و الفرقان
التاسع عشر
الشعراء و النمل و القصص
العشرون
العنكبوت و الروم و لقمان و السجدة
الحادي والعشرون
الأحزاب و سبأ و فاطر
الثاني والعشرون
يس و الصافات و ص
الثالث والعشرون
الزمر و غافر و فصلت
الرابع والعشرون
الشورى و الزخرف و الدخان و الجاثية و الاحقاف
الخامس والعشرون
محمد و الفتح و الحجرات و ق و الذاريات
السادس والعشرون
الطور إلى آخر الحديد
السابع والعشرون
جزء المجادلة
الثامن والعشرون
جزء تبارك
التاسع والعشرون
جزء عم


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى أزواجه وذريته، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم عليهم سلاماً طيباً زاكياً مباركاً فيه.
 
عودة
أعلى