نص نفيس للإمام الذهبي في بيان أن القراءة قد تتواتر عند قوم دون غيرهم.

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​
السبت 27 شعبان 1434
[align=justify]
الحمد لله الذي حفظ القرآن الكريم بفضله ورحمته، ومَنَّ علينا بخير رسله، وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فهذه أحرف كُتبت بمداد العلم، وخُطَّت بحبر التوفيق، وصيغت بواضح الألفاظ، تجلِّي الإشكالات بالدلائل الساطعة، وتعرض البراهين بالمحكَمات القاطعة، في موضوع طال فيه النزاع، واختلفت فيه الأنظار، وكثرت فيه المناقشات.
هذه الأحرف سطَّرها الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهَبيّ (ت748) -رحمه الله-، في كتابه العظيم: سير أعلام النبلاء، المجلَّد العاشر صــــ170،171،172ــــــ.
يقول -رحمه الله- في ترجمة الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي -رحمه الله-:​
"وكان يقرئ الناس علانية بحرفه بالبصرة في أيام ابن عيينة، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، والقاضي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، ويحيى اليزيدي، وسُليم، والشافعي، ويزيد بن هارون، وعدد كثير من أئمة الدين، فما بلغنا بعد الفحص والتنقيب أن أحدًامن القراء ولا الفقهاء ولا الصلحاء ولا النحاة ولا الخلفاء كالرشيد والأمين والمأمون أنكروا قراءته، ولا منعوه منها أصلا، ولو أنكر أحد عليه لنقل ولاشتهر، بل مدحها غير واحد، وأقرأ بها أصحابه بالعراق، واستمر إمام جامع البصرة بقراءتها في المحراب سنين متطاولة، فما أنكر عليه مسلم، بل تلقاها الناس بالقبول.

ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار، ولم يجرِ مثل ذلك للحضرمي أبدا، حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها، ولا عرفوها، فأنكروها، ومن جهل شيئا عاداه، قالوا: لم تتصل بنا متواترة، قلنا: اتصلت بخلق كثير متواترة، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء، أو أفادتهم ظنا فقط، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون، وليس من جهل علما حجة على من علمه، وإنما يقال للجاهل: تَعَلَّم، وسَلْ أهل العلم إن كنتَ لا تعلم، لا يقال للعالِم: اجهل ما تَعْلَم، رزقنا الله وإياكم الإنصاف، فكثير من القراءات تدَّعون تواترها، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلو بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد، لكونها تُلقِّيت بالقبول، فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة، وقراءات عديدة، ومن ادَّعى تواترَها فقد كابر الحس، أما القرآن العظيم، سوره وآياته = فمتواترٌ، ولله الحمد، محفوظ من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يبدِّله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة، ولو فعل ذلك أحد عمدا لانسلخ من الدين، قال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

وأول من ادَّعى أن حرف يعقوب من الشاذ = أبو عمرو الداني، وخالفه في ذلك أئمة، وصار في الجملة في المسألة خلافٌ حادثٌ، والله أعلم".
[/align]​
 
نفيسٌ.
وقد شرح هذا في مواضع من "معرفة القراء الكبار"، كما أكد ذلك المتأخرون والمتقدمون من المحققين.
وهو مجدد للدعوة بترك اصطلاح "التواتر" في القراءات، فهو مجرد تشويش على العالم والجاهل، وأنما العبرة بـ"القبول" عند أهل الفن، فهم أدرى بما تحقق فيه شرطه.
جزاكم الله خيرا.​
 
هذا نص عجيب فهل يراد منه فتح الباب للاقراء بالشاذ من القراءات ؟ واذا كان الامر كذلك فكيف نفرق بين ما هو قران نتعبد به و يكفر منكره وبين ما ليس بقران ؟ ارجو من اصحاب القراءات الادلاء بدلائهم في هذه المسالة
 
هل يراد بالتواتر عند أهل العلم بالقراءات الاشتهار والاستفاظة في بعض سياقات كلامهم ؟
وجزاكم الله خيرا.
 
ذكر الدكتور مساعد الطيار في شرحه لمنظومة الزمزمي أن الشروط المعتبرة في صحة القراءة:
"شهرتها واستفاضتها.
تلقي العلماء لها بالقبول.
صحة السند.
ومنهج القراء المتقدمين كانوا يذكرون الاستفاضة والشهرة في قراءة العامة ولم يكونوا يقولوا متواتر ..
وموافقة العربية وموافقة الخط يدخل في الضوابط ..
فقضية القراءات ليست قضية جمع عن جمع وإنما قضية الاستفاضة والشهرة."
 
لكل أهل صناعة مصطلحهم الذي قد لا يشترك في الإشعار عند أهل الصناعات الأخرى وإن اشترك في اللفظ.
ومقدار الاشتراك في الاشعار بمصطلح التواتر ومصطلح الاشتهار ومصطلح الاستفاضة عند أهل العلم بالقراءات وأهل العلم بالحديث وأهل العلم بالفقه وأصوله هو ما يحصل به العلم بصدق المنقول ضرورة.
كما أن لكل مصطلح عند أهل كل صناعة معناه العام ومعناه الخاص، كما قد يكون الواحد من أهل العلم صاحب أكثر من صناعة فيستعمل مصطلحا في صناعة يريد به الإشعار بما يريده أهل صناعة أخرى.
والله أعلم.
 
فالمتواتر عند أهل صنعة الحديث يقبل الفجوات والفترات وليس كذلك عند القراء.
والذي أفهمه: فإن الاشتهار والاستفاضة عند القراء أقوى في الإشعار بصدق المنقول من المتواتر عند أهل الحديث، وذلك لأن التواتر محدود و معلوم العدد في رواة الخبر، أما الاستفاضة في نقل القراءة فلا حد ولا عد لحملة المنقول.
والله أعلم.
 
الذي أقصده :
صورة التلقي ليست رواة عددهم ثلاثة يروي عنهم اثنان، يروي عنهم أربعة، يروي عنهم ثلاثة، يروي عنهم ثلاثة، ..
في حين الاستفاضة عند القراء صورة التلقي فيها أمة عن أمة عبر قرون ..
 
جاء في منجد المقرئين ومرشد الطالبين
الفصل الثاني": "في أن القراءات العشر متواترة"
"فرشا وأصولا حال اجتماعهم وافتراقهم وحل مشكل ذلك"
اعلم أن العلماء بالغوا في ذلك نفيا وإثباتا وأنا أذكر أقوال كلٍ ثم أبين الحق من ذلك. أما من قال بتواتر الفرش دون الأصول فابن الحاجب قال في مختصر الأصول: القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوه. فزعم أن المد والإمالة وما أشبه ذلك من الأصول كالإدغام وترقيق الراءات وتفخيم اللامات ونقل الحركة وتسهيل الهمزة من قبيل الأداء وأنه غير متواتر، وهذا قول غير صحيح كما سنبينه. أما المد فأطلقه وتحته ما يسكب العبرات فإنه إما أن يكون طبيعيا أو عرضيا، والطبيعي هو الذي لا تقوم ذات حروف والمد بدونه كالألف من "قال" والواو من "يقول" والياء من "قيل" وهذا لا يقول مسلم بعدم تواتره إذ لا تمكن القراءة بدونه. والمد العرضي هو الذي يعرض زيادة على الطبيعي لموجب إما سكون أو همز، فأما السكون فقد يكون لازما كما في فواتح السور، وقد يكون مشددا نحو "آلم" "ق" "ن" "ولا الضالين" ونحوه فهذا يلحق بالطبيعي لا يجوز فيه القصر لأن المد قام مقام حرف توصلا للنطق بالساكن، وقد أجمع المحققون من الناس على مده قدرا سواء.
وأما الهمز فعلى قسمين:
الأول: إما أن يكون حرف المد في كلمة والهمز في أخرى وهذا تسميه القراء منفصلا. واختلفوا في مده وقصره وأكثرهم على المد، فادعاؤه عدم تواتر المد فيه ترجيح من غير مرجح ولو قال العكس لكان أظهر لشبهته لأن أكثر القراء على المد.
الثاني: أن يكون الحرف المد والهمز في كلمة واحدة وهو الذي يسمى متصلا، وقد أجمع القراء سلفا وخلفا من كبير وصغير وشريف وحقير على مده لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن بعض ممن لا يعول عليه بطريق شاذه فلا تجوز القراءة به حتى إن إمام الرواية أبا القاسم الهذلي الذي دخل المشرق والمغرب وأخذ القراءة عن ثلاثمائة وخمسة وستين شيخا وقال: رحلت من آخر الغرب إلى فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا وألف كتابه "الكامل" الذي جمع فيه بين الذرة وأذن الجرة من صحيح وشاذ ومشهور ومنكر فقال في باب المد في فصل المتصل: لم يختلف في هذا الفصل أنه ممدود على وتيرة واحدة فالقراء فيه على نمط واحد وقد رواه بثلاث ألفات إلى أن قال: وذكر العراقي أن الاختلاف في مد كلمة واحدة كالاختلاف في مد كلمتين ولم أسمع هذا لغيره، وطالما مارست الكتب والعلماء فلم أجد من يجعل مد الكلمة الواحدة كمد الكلمتين إلا العراقي.
قلت: والعراقي هذا هو منصور بن أحمد المقرئ كان بخراسان ولقد أخطأ في ذلك، وشيوخه الذين قرأ عليهم نعرفهم الإمام أبو بكر بن مهران وأبو الفرج الشنبوذي وإبراهيم بن أحمد المروزي لم يرو عنهم شيء من ذلك في طريق من الطرق، فإذا كان كذلك يجسر ابن الحاجب أو من هو أكبر منه على أن يقدم على ما أجمع عليه فيقول: هو غير متواتر. فهذه أقسام المد العرضي أيضا متواترة لا يشك في ذلك إلا جاهل، وكيف يكون المد غير متواتر وأجمع الناس عليه خلفا عن السلف؟ فإن قيل: وقد وجدنا القراء في بعض الكتب كالتيسير للحافظ الداني وغيره جعل لهم فيما مد للهمز مراتب في المد إشباعا وتوسطا وفوقه ودونه وهذا لا ينضبط إذ المد لا حد له وما لا ينضبط كيف يكون متواترا؟ قلت نحن لا ندعي أن مراتبهم متواترة وإن كان قد ادعاه طائفة من القراء والأصوليين بل نقول: إن المد العرضي من حيث هو متواتر مقطوع به قرأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنزله الله تعالى عليه وأنه ليس من قبيل الأداء فلا أقل من أن نقول: القدر المشترك متواتر، وأما ما زاد على القدر المشترك كعاصم وحمزة وورش فهو إن لم يكن متواترا فصحيح مستفيض متلقى بالقبول ومن ادعى تواتر الزائد على القدر المشترك فليبين. وأما الإمالة على نوعيها فهي وضدها لغتان فاشيتان من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن مكتوبتان في المصاحف متواترتان، وهل يقول أحد في لغة أجمع الصحابة والمسلمون على كتابتها في المصاحف أنها من قبيل الأداء؟ وقد نقل الحافظ الحجة أبو عمرو الداني في كتابه "إيجاز البيان" الإجماع على أن الإمالة لغة لقبائل العرب دعاهم إلى الذهاب إليها التماس الخفة. وقال الإمام أبو القاسم الهذلي في كتاب "الكامل": إن الإمالة والتفخيم لغتان ليست إحداهما أقدم من الأخرى بل نزل القرآن بهما جميعا، إلى أن قال: والجملة بعد التطويل أن من قال إن الله تعالى لم ينزل القرآن بالإمالة أخطأ وأعظم الفرية على الله تعالى وظن بالصحابة خلاف ما هم عليه من الورع والتقى. قلت: كأنه يشير إلى كونهم كتبوا بالإمالة في المصاحف نحو يحيى وموسى وهدى ويسعى والهدى ويغشيها وسويها وجليها وآسى وآتيكم وما أشبه ذلك مما كتبوه بالياء على لغة الإمالة وكتبوا مواضع تشبه هذا بالألف على لغة الفتح منها قوله عز وجل في سورة إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الآية: 36] حتى إنهم كتبوا {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [الآية: 273] في البقرة بالياء و {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الآية: 29] في الفتح بالألف. وأي دليل أعظم من ذلك؟ قال الهذلي: وقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا على الأخذ والقراءة والإقراء بالإمالة والتفخيم. وذكر أشياء ثم قال: وما أحد من القراء إلا رويت عنه إمالة قلت أو كثرت. إلى أن قال: وهي -يعني الإمالة- لغة هوازن وبكر بن وائل وسعد بن بكر.
وأما تخفيف الهمز ونحوه من النقل والإدغام وترقيق الراءات وتفخيم اللامات فمتواتر قطعا معلوم أنه منزل من الأحرف السبعة ومن لغات العرب الذين لا يحسنون غيره، وكيف يكون ذلك غير متواتر أو من قبيل الأداء وقد أجمع القراء في مواضع على الإدغام كـ {مُدَّكِرٍ} و {أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ} [الأعراف: 189] و {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 11] وفي مواضع على تخفيف الهمز نحو {آلْآنَ} [يونس: 91] {آللَّهُ} [النمل: 59] {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: 143] وفي الاستفهام وفي مواضع على النقل نحو {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] و"يرى" و"نرى" وعلى ترقيق الراءات في مواضع نحو "فرعون" و"مرية" وعلى تفخيم اللامات في مواضع نحو اسم الجلالة بعد الضمة والفتحة. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم في كتابة الهمزة الثانية من قوله في آل عمران {أَؤُنَبِّئُكُمْ} [الآية: 15] بواو. قال الحافظ أبو عمرو الداني وغيره: إنما كتبوا ذلك على إرادة تسهيل الهمزة بين بين. وكيف يكون ما أجمع عليه القراء أمما عن أمم غير متواتر؟ وإذا كان المد وتخفيف الهمز والإدغام غير متواتر على الإطلاق، فما الذي يكون متواترا؟ أقصر "آلم" و"دابة" و"أولئك" الذي لم يقرأ به أحد من الناس أم تخفيف همزة "آلذكرين" "الله" الذي أجمع الناس على أنه لا يجوز وأنه لحن؟ إظهار "مدكر" الذي أجمع الصحابة والمسلمون على كتابته وتلاوته بالإدغام؟ فليت شعري من الذي تقدمه قبل بهذا القول فقفي أثره، والظاهر أنه لما سمع قول الناس إن التواتر فيما ليس من قبيل الأداء ظن أن المد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه من قبيل الأداء فقال غير مفكر فيه، وإلا فالشيخ أبو عمرو لو فكر فيه لما أقدم عليه أو لو وقف على كلام إمام الأصوليين من غير مدافعة القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني في كتاب الانتصار حيث قال: جميع ما قرأ به قراء الأمصار مما اشتهر عنهم حيث قال: استفاض نقله ولم يدخل في حكم الشذوذ بل رآه سائغا جائزا من همز وإدغام ومد وتشديد وحذف وإمالة أو ترك ذلك كله أو شيء منه أو تقديم أو تأخير فإنه كله منزل من عند الله تعالى ومما وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على صحته وخير بينه وبين غيره وصوب الجميع القراءة به. قال: ولو سوغنا لبعض القراء إمالة ما لم يمله الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة أو غير ذلك لسوغنا لهم مخالفة جميع قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم أطال رحمه الله الكلام على تقدير ذلك وجوز أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرأ واحدا بعض القرآن بحرف وبعضه بحرف آخر على ما قد يراه أيسر على القارئ.
قلت: وظهر من هذا أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع قد أخذه الصحابي كذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقرأه كذلك إلى أن اتصل بالقراءة نحو قراءة حفص {مَجْرَاهَا} [هود: 41] بالإمالة فقط ولم يمل في القرآن غيره، وقراءة ابن عامر "إبراهام" في مواضع محصورة، وقراءة أبي جعفر "يُحزِن" [الأحزان: 51] بضم الياء وكسر الزاي في الأنبياء فقط وفتح الياء وضم الزاي في باقي القرآن، وقراءة نافع عكسه في جميع القرآن بضم الياء وكسر الزاي إلا في الأنبياء فإنه فتح الياء وضم الزاي وشبه ذلك مما يقول القراء عنه أجمع بين اللغتين. وليت الإمام ابن الحاجب أخلى كتابه من ذكر القراءات وتواترها كما أخلى غيره كتبهم منها، وإذ قد ذكرها فليته لم يتعرض إلى ما كان من قبيل الأداء، وإذ قد تعرض فليته سكت عن التمثيل فإنه إذا ثبت أن شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يتواتر أنه وقف على موضع خمسين وجها ولا بعشرين ولا بنحو ذلك وإنما إن صح شيء منها فوجه والباقي لا شك أنه من قبيل الأداء. ولما قال ابن السبكي في كتابه "جمع الجوامع" و"السبع متواترة" قيل: فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه سئل عن زيادته على ابن الحاجب قيل: المقتضية لاختياره أن ما هو من قبيل الأداء كالمد والإمالة إلى آخره متواتر. فأجاب رحمه الله في كتابه "منع الموانع"؛ اعلم أن السبع متواترة والمد متواتر والإمالة متواترة، كل هذا بين لا شك فيه، وقول ابن الحاجب فيما ليس من قبيل الأداء صحيح لو تجرد عن قوله كالمد والإمالة، لكن تمثيله بهما أوجب فساده كما سنوضحه من بعد فلذلك قلنا "قيل" ليتبين أن القول بأن المد والإمالة والتخفيف غير متواترة ضعيف عندنا بل هي متواترة، ثم أخذ بذكر المد والإمالة
والتخفيف إلى أن قال: فإذا عرفت ذلك فكلامنا قاض بتواتر السبع، ومن السبع مطلق المد والإمالة وتخفيف الهمز بلا شك.
أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتمع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز في الباب الخامس منه: فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم، فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة وغيرهم الجمع بين الساكنين في تاءات البزي وإدغام أبي عمرو وقراءة حمزة "فما اسطاعوا" [الكهف: 97] وتسكين من أسكن "بارئكم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيء" وإشباع الياء في " يرتقي" و"يتقي" و"يبصر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ملائكة" بفتح الهمزة وهمز "سوقه" وخفض "والأرحام" في أول النساء ونصب "كن فيكون" والفصل بين المتضايفين في "الأنعام" وغير ذلك إلى أن قال: فكل ذلك محمول على قلة ضبط الرواة فيه ثم قال: وإن صح النقل فيه فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة المباحة عليه على ما هو جائز في العربية فصيحا كان أو بدون ذلك. وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- والسادة من أصحابه على ما هو اللائق فإنهم إنما كتبوه على لغة قريش فكذا قراءتهم به. قال: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي في كل فرد فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله تعالى واجب. قال: ونحن بهذا نقول لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فانظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله تعالى أبا محمد محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة وأنه طعن في الدين. قلت: ونحن -يشهد الله- أنا لا نقصد إسقاط الإمام أبي شامة -إذ الجواد قد يعثر، ولا نجهل قدره بل الحق أحق أن يتبع- ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المزلة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة. أما قوله: "فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة إلخ" فغير لائق بمثله أن يجعل ما ذكره منكرا عند أهل اللغة وعلماء اللغة والإعراب الذي عليهم الاعتماد سلفا وخلفا يوجهونها ويستدلون بها وأنى يسعهم إنكار قراءات تواترت أو استفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنويس لا اعتبار بهم لا معرفة لهم بالقراءات ولا بالآثار جمدوا على ما علموا من القياسات وظنوا أنهم أحاطوا بجميع لغات العرب أفصحها وفصيحها حتى لو قيل لأحدهم شيء من القرآن على غير النحو الذي أنزله الله يوافق قياسا ظاهرا عنده لم يقرأ بذلك أحد لقطع له بالصحة كما أنه لو سئل عن قراءة متواترة لا يعرف لها قياسا لأنكرها ولقطع بشذوذها حتى إن بعضهم قطع في قوله عز وجل: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] بأن الإدغام الذي أجمع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- والمسلمون لحن وأنه لا يجوز عند العرب لأن الفعل الذي هو "تأمن" مرفوع فلا وجه لسكونه حتى أدغم في النون التي تليه، فانظر يا أخي إلى قلة حياء هؤلاء من الله تعالى يجعلون ما عرفوه من القياس أصلا والقرآن العظيم فرعا حاشا العلماء المقتدى بهم من أئمة اللغة والإعراب من ذلك، بل يجيئون إلى كل حرف مما تقدم ونحوه يبالغون في توجيهه والإنكار على من أنكره حتى إن إمام اللغة والنحو أبا عبد الله محمد بن مالك قال في منظومته الكافية الشافية في الفصل بين المتضايفين:
وعمدتي قراءة ابن عامر ... فكم لها من عاضد وناصر، ولولا خوف الطول وخروج الكتاب عن مقصوده لأوردت ما زعم أن أهل اللغة أنكروه وذكرت أقوالهم فيها ولكن إن مد الله في الأجل لأضعن كتابا مستقلا في ذلك يشفي القلب ويشرح الصدر أذكر فيه جميع ما أنكره من لا معرفة له بقراءة السبعة والعشرة ولله در الإمام أبي نصر الشيرازي حيث حكى في تفسيره عند قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] كلام الزجاجي في تضعيف قراءة الخفض ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محظور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان أفصح منه فإنا لا ندعي أن كل ما في القراءات على أرفع الدرجات من الفصحاة. وقال الإمام الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان" عند ذكره إسكان "بارئكم" و"يأمركم" لأبي عمرو بن العلاء وأئمة القراء: لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل
والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة فلزم قبولها والمصير إليها.
قلت: ثم لم يكف الإمام أبا شامة حتى قال: فكل ذلك -يعني ما تقدم- محمول على قلة ضبط الرواة. لا والله بل كله محمول على كثرة الجهل ممن لا يعرف لها أوجها وشواهد صحيحة تخرج عليها كما سنبينه إن شاء الله تعالى في الكتاب الذي وعدنا به آنفا إذ هي ثابتة مستفاضة ورواتها أئمة ثقات، وإن كان ذلك محمولا على قلة ضبطهم فليت شعري أكان الدين قد هان أهله حتى يجيء شخص في ذلك الصدر يدخل في القراءة بقلة ضبطه ما ليس منها فيسمع منه ويؤخذ عنه ويقرأ به في الصلوات وغيرها ويذكره الأئمة في كتبهم ويقرءون به ويستفيض ولم يزل كذلك إلى زماننا هذا لا يمنع أحد من أئمة الدين القراءة به مع أن الإجماع منعقد على أن من زاد حركة أو حرفا في القرآن أو نقص من تلقاء نفسه مصرا على ذلك يكفر، والله جل وعلا تولى حفظه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وأعظم من ذلك تنزله إذ قال: وعلى تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة لا ينبغي قراءتها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على ما هو اللائق بهم. فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم لم يقرءوا بها مع تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة فمن أوصلها إلى هؤلاء الذين قرءوا بها؟ ثم يقول: فلا أقل من اشتراط يعني من اشتراط الشهرة والاستفاضة. قلت: ألا تنظرون إلى هذا القول؟ ثم أحد في الدنيا يقول إن قراءة ابن عامر وحمزة وأبي عمرو ومن اجتمع عليه أهل الحرمين والشام أبي جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وفي قراءة البزي وقنبل وهشام إن تلك غير مشهورة ولا مستفاضة إن لم تكن متواترة؟ هذا كلام من لم يدر ما يقول حاشا الإمام أبا شامة منه وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء.
ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه إنما ألف هذا الكتاب أول مرة كما يقع لكثير من المصنفين وإلا فهو في غيره من مصنفاته كشرحه للشاطبية بالغ في الانتصار والتوجيه لقراءة حمزة و"الأرحام" بالخفض والفصل بين المتضايفين ثم قال في الفصل: ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت، والإثبات مرجح على النفي بالإجماع. قال: ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله، فما باله ما يكتفي بناقلي القراءة من التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم ثم أخذ في تقرير ذلك، قلت: هذا الكلام مباين لما تقدم وليس منه في شيء وهو الأليق بمثله رحمه الله.
ثم قال أبو شامة في المرشد بعد ذلك القول: فالحاصل أنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها قلت: ونحن كذلك لكن في القليل منها كما تقدم في الباب الثاني. قال: وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل فرد فرد من ذلك وهنالك تسكب العبرات فإنها من ثم لم ينقلها إلا آحاد إلا اليسير منها. قلت: هذا من جنس ذلك الكلام المتقدم أوقفت عليه شيخنا الإمام واحد زمانه شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب بيبرود الشافعي فقال لي: معذور أبو شامة حيث إن القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية وخفي عليه أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا وإلا فكل أهل بلدة كانوا يقرؤنها أخذوها أمما عن أمم، ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها.
قلت: صدق ومما يدل على هذا ما قال ابن مجاهد قال لي قنبل قال لي القواس في سنة سبع وثلاثين ومائتين: الق هذا الرجل -يعني البزي- فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا يعني "وما هو بميت" [إبراهيم: 17] مخففا وإنما يخفف من الميت من قد مات ومن لم يمت فهو مشدد, فلقيت البزي فأخبرته فقال لي: قد رجعت عنه. وقال محمد بن صالح؛ سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: كيف تقرأ {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 26] فقال: لا يعذب بالكسر. فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا يعذب" بالفتح؟ فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أخذته عنه، وتدري ما ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قال الشيخ أبو الحسن السخاوي: وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر. قلت: صدق لأنها قراءة الكسائي. قال السخاوي: وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.
قلت: وهذا كان من شأنهم على أن تعيين هؤلاء القراء ليس بلازم ولو عين غير هؤلاء لجاز، وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم ومن ثم كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد، روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخغي قال: كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان.
قلت: وذلك خوفا مما توهمه أبو شامة من أن القراءة إذا نسبت إلى شخص تكون آحادية ولم يدر أن كل قراءة نسبت إلى قارئ من هؤلاء كان قراؤها زمن قارئها وقبله أكثر من قرائها في هذا الزمان وأضعافهم، ولو لم يكن انفراد القراء متواترا لكان بعض القرآن غير متواتر لأنا نجد في القرآن أحرفا تختلف القراء فيها وكل واحد منهم على قراءة لا توافق الآخر كـ {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111، الشعراء: 36] وغيرها فلا يكون شيء منها متواترا. وأيضا قراءة من قرأ "مالك" و"يخادعون" فكثير من القرآن غير متواتر لأن التواتر لا يثبت باثنين ولا بثلاثة. قال الإمام الجعبري في رسالته: وكل وجه من وجوه قراءته كذلك يعني متواترا إلا أنها أبعاضه، ثم قال: فظهر من هذا فساد قول من قال هو متواتر دونها إذ هو عبارة عن مجموعها، فإذا قرأ نحو الصراط فلا أعني عن واحد منهما. قال: فلزم من عدم تواترها عدم تواتره والكلام منتفٍ. قلت: أشار بها إلى قول أبي شامة والله أعلم. ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الإمام الشافعي رضي الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضي عدم كونها من القرآن لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين ويعدونها من أول الفاتحة آية وهو قرأ قراءة ابن كثير على إسماعيل القسط عن ابن كثير فلم يعتمد على روايته عن مالك في عدم البسملة لأنها آحاد واعتمد على قراءة ابن كثير لأنها متواترة، وهذا لطيف فتأمله فإنني كنت أجد في كتب أصحابنا يقولون: إن الشافعي رضي الله عنه روى حديث عدم البسملة عن مالك ولم يعول عليه. فدل على أنه ظهرت له عله فيه وإلا لما ترك العمل به.
قلت: ولم أر أحدا من أصحابنا بيَّن العلة، فبينا أنا ليلة مفكر إذ فتح الله تعالى بما تقدم -والله تعالى أعلم- أنها هي العلة مع أني قرأت القرآن برواية إمامنا الشافعي عن ابن كثير كالبزي وقنبل، ولما علم ذلك بعض أصحابنا من كبار الأئمة الشافعية قال لي: أريد أن أقرأ عليك القرآن بها. ومما يزيدك تحقيقا ما قاله أبو حاتم السجستاني قال: أول من تتبع بالبصرة وجوه القراءة وألفها وتتبع الشاذ منها هارون بن موسى الأهور قال: وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء حين ألفها وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة ولا يلتفت منها إلى ما جاء من راوٍ عن راوٍ. قلت: يعني أحادا عن آحاد.
وقال الحافظ العلامة أبو سعيد خليل كيكلدي العلائي في كتابه "المجموع المذهب": وللشيخ شهاب الدين أبي شامة في كتابه "المرشد الوجيز" وغيره كلام في الفرق بين القراءات السبع والشاذ منها وفي كلام غيره من متقدمي القراء ما يوهم أن القراءات السبع ليست متواترة كلها وأن أعلاها ما اجتمع فيه صحة السند وموافقة خط المصحف الإمام والفصيح من لغة العرب وأنه يكفي فيها الاستفاضة وليس الأمر كما ذكر هؤلاء، والشبهة دخلت عليهم من انحصار أسانيدها في رجال معروفين وظنوها كأخبار الآحاد. قلت: وقد سألت شيخنا إمام الأئمة أبا المعالي رحمه الله تعالى عن هذا الموضع فقال: انحصار الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم فلقد كان يتلقاه أهل كل بلد يقرؤه منهم الجم الغفير عن مثلهم وكذلك دائما، والتواتر حاصل لهم، ولكن الأئمة الذين تصدوا لضبط الحروف وحفظوا شيوخهم منها وجاء السند من جهتهم..
وهذه الأخبار الواردة في حجة الوداع ونحوها أجلى، ولم تزل حجة الوداع منقولة عمن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في كل عصر فهذه كذلك، وقال: هذا موضع ينبغي التنبه له. انتهى. والله أعلم.
 
عودة
أعلى