تصحيح خطأ تاريخي: النص للشذائي لا للخزاعي ولا للداني

الجكني

مشارك نشيط
إنضم
2 أبريل 2006
المشاركات
1,286
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
تصحيح خطأ تاريخي، وعزو العِلم لصاحبه
بين الإمام أبي الفضل الخزاعي وشيخه الإمام أبي بكر الشذائي:
هناك نصّ مشهور متداول في كتب التجويد؛ بعض ألفاظه ينسبها كثير من الناس إلى ابن الجزري رحمه الله؛ وبعضهم ممن تمرس في البحث والتنقيب ينسبها للإمام الداني رحمه الله، ومنهم ممن زاد في البحث قليلاً ينسبها للإمام أبي الفضل الخزاعي؛ بل إن الإمام الروذباري رحمه الله في كتابه " الجامع" نسبه مسنداً منه عن الخزاعي رحمه الله؛ ومعلوم أن الخزاعي قبل الداني نوعاً مّا! فهل يصح أن يقال إن الإمام الداني رحمه الله تأثر بأبي الفضل الخزاعي وأخذ عنه هذا النص وغيره ولم ينسبه إليه!
الجواب:
كلا وألف كلا؛ لاحتمالٍ آخر وهو أن يكون مصدر الإثنين إمامٌ آخر، وهو الصواب والحق، كما سيأتي بعد قليل.
أما هذا النص فهو :
" اعلم أن التجويد حِلية التلاوة، وزينة القراءة وهو: إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبُها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله........وليس بين التجويد وتركه؛ إلا رياضةُ من تدبّره بِفكره......
والترتيل صفة من صفات التحقيق و( لسن ) وليس وهو مصدرُ رَتَّلَ فُلان كَلامه؛ إذا أتبع بعضه بعضاً على تمكث وتؤدة.والعرب تقول: ثغر رتل؛ إذا كان مفرقاً" والنص طويل جداً ، وسيأتي بعد قليل بنصه كاملاً .
وأقول:
هذا الكلام موجود بنصه عند الداني في " التحديد:57 وما بعدها، وعند ابن الجزري في النشر( 212/1) طبعة الشيخ الضباع).
والسؤال الآن :
هل هذا الكلام الطويل، وهو في حدود 3-4 صفحات، هو للخزاعي ؟ أو للداني؟ أو لابن الجزري؟
أمّا الثالث؛ ابن الجزري، فقطعاً ليس هو أبا عذرة هذا النص.
أما الأولان فأقول أيضاً ليس هما أبوي عذرة هذا النص.
إذن من هو صاحب هذا النص المهم في التجويد، والذي لا يخلو منه كتاب من الكتب الأمهات كالمصباح والنشر وغيرهما؟
الجواب:
إن هذا النص هو فاتحة كتاب:
" "معرفة الوصول إلى العلم بتجويد ألفاظ القرآن"
للإمام : أحمد بن نصر بن منصور بن عبد المجيد، أبو بكر الشذائي البصري( ت 373هـ )
وحسب علمي القاصر أن هذا الكتاب هو الآن في عداد الكتب التي لا أعرف عن وجودها من عدمه شيئاً.
لكن الفضل لله تعالى أن أوصل لنا هذا النص مع عزوه باسم الكتاب ومؤلفه عن طريق الإمام أبي بكر محمد بن أبي قاسم الحمزي من علماء القرن الرابع الهجري( كان حياً سنة ( 389هـ ) وذلك في كتابه القيّم :" المُجزِي فِي مَعْرِفَةِ القُرَّاءِ السَّبعةِ وقِرَاءَاتِهِم" وهو قد خصّه بما قرأ به على شيخه الإمام أبي الطيب طاهر ابن غلبون رحمه الله( ت389هـ ) حيث قال الحمزي رحمه الله:
" بــــــــــاب : التنبيه على الحرص على التجويد وتسهيل طريقتِه
اعلم أرشدك الله أن الشذائي البصري ألف كتاباً ترجمه بكتاب "معرفة الوصول إلى العلم بتجويد ألفاظ [3/أ] القرآن"، ذكر في أوله:
(( أما بعد: فإن فرض النصيحة لإخواننا المتوسمين بتقويم الألفاظ، متعلمي القرآن، ألزمني تعريفهم ووصفَ علم التجويد بالدلائل والتحديد، فاستمعْ أيها الوارد عليه كتابي هذا بحضور قلبكَ وخفض جناحكَ؛ تكتسب بذلك فهم الخطاب.
اعلم أن التجويد: حِلية التلاوة، وزينة القراءة وهو: إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبُها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقهُ بنظيره، وإشباع لفظه، ولطف النطق به؛ لأنه متى كان غير ما حكيت من وصفه زال عن تأليفه ورصفه، وليس بين التجويد وتركه؛ إلا رياضةُ من تدبّره بِفكره، ومن أبين شاهد ذلك ما جاء في نص التنزيل قوله تعالى -مؤدباً لنبيهِe، وحاثاً لأمته على الاقتداء به-: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4]، يعني قطِّعه تقطيعاً، وفرقه تفريقاً، والعرب تقول: ثغر رتل؛ إذا كان مفرقاً، ولم يقتصر تعالى على الأمر بالفعل حتى أكده بمصدرهِ تعظيماً لشأنه وترغيباً في ثوابه.
والترتيل صفة من صفات التحقيق، وليسن به، وهو مصدرُ رَتَّلَ فُلان كَلامه؛ إذا أتبع بعضه بعضاً على تمكث وتؤدة. والاسم منه الرتل، وعن مجاهدٍ في معنى قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} قال: أي ترسل فيه ترسيلاً، وعن ابن عباس: بينهُ تبيينا.
والترتيل: التدبر والتفكر والاستنباط.
والتحقيق لرياضة الألسن، وتحقيق الألفاظ، وإقامة القراءة، وإعطاء كل حرف حقه من المد، والهمز، والتمكين للهمز، ويؤمن معه تحريك ساكنٍ، واختلاسُ حركة متحرك.
وهو مصدر (حققت) والاسم منه: الحَقَّ؛ ومعناه: أن يؤتى بالحرف
على حقه في النطق لا زيادة فيه ولا نقصان؛ لأن لا يدخل الزائدُ والناقصُ فيه
في لعْن الرسول؛ لأن الرسول لعَن الزائد في كتاب الله، والناقص منه، وذلك موجود في إخراج المدة في النطق بها عن حقها، والقصر عن البلوغ بها حقها، كل ذلك زيادة ونقصان.
فإذا لقي الحرف غيره من حروف المعجم فهناك يُضطر القارئ بالإدغام إلى أن يعلم مخارج الحروف ومواضعها من الحلق، والصدر، واللسان، والفم، والشفتين، والخياشيم، فيدغم بعد معرفته بأصول الإدغام فيقُرب عليه من ذلك ما بَعُد إن شاء الله.
ثم إن القراء متفاضلون بالعلم بالتجويد؛ فمنهم من يعلمُه قياساً وتميزاً فذلك الحاذق الفطن ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً فهو العي الوهن، والعلم فطنة ودراية آكد منهُ سماعاً وروايةً، فليُمعن الناظرون من أهل القرآن في معرفة التجويد النظر، وليحسنوا فيه الأثر، فإنه أفضل من الجوهر، وأعز عند العالم به من الكبريت الأحمر؛ لِأنَّا في عصرٍ قد قَلَّ فيه المفيدون، وعدُم فيه المجودون، فالطالب له فيه معيب، وذاكره فيه كالمريب، وكل يعمل على شاكلته، ويمشي مكباً على وجهه، لا يعرف القبيل من الدبير، ولا الفتيل من النقير من مجاورة القطمير إلا عند الرجوع إلى الصحف فإنه عليها يعول، فهو قليل السلامة من الزلل، غيرُ دربٍ بحفظ العلل قد رضي لنفسه بالتسويل، ومن رأيه بالتضليل، وأن فلاناً مقرئ بلده وفقيه مصره، لاسيما إذا كان جاهلاً أبله لم يتلق العلم من أفواه الرجال، ولم يتعب نفسه في طلب الجواب والسؤال، فتصدره للإقراء بغير استحقاق؛ لأنه خالٍ من محاسن الأخلاق، قليلٌ ورعه، مُطرَح دينه، فاسدٌ مذهبه، لبئس ما سولت له نفسه، يحب كثرة الكلام بغير إتقان ولا إبرام، ولا أثرٍ عن إمام، كلامه في القرآن بغير أصل، واحتجاجه بغير نقل وحق لمثله أن يُعادِيَ ما جهل، ويُخيل ما عُلم، والله بمنّه يُعيذنا من اِتباع الهوى، ومن استيطان العجب والرياء.
وروى ابن أبي مُليكة أن عمر بن الخطاب t أمر أن لا يُقرأ القرآن إلا على عارفٍ باللغة، وقال إدريس الأودي، ((قال قوم للحسن: إن لنا إماماً يَلحن، فقال: أخّروه)).
واعلم أن يسير اللحن في القرآن كَثير، وقال ابن مجاهد : اللحن في القرآن لحنان: جلي وخفي، فالجلي: لحن الإعراب البيّن، والخفي: ترك إعطاء الحروف حقها من التجويد.
واعلم أن ما ذكرته لك من التنبيه على طلب التجويد، وعلم الإدغام، وغيره من معرفة المخارج مفتقراً إلى المشافهة به لغموضه، وصعوبة تحصيله، وتعذر تلخيصه إلا بنطق متكلف مأثور عن الأئمة، وقد كان الناس فيما مضى يأخذون بالقراءة ملافظة تعظيماً لشأنها، وأن الرواية من غير أداء لا تستوعب اللفظ ولا تعربُ عنه حتى نشأ قوم جهلهٌ سهلوا من ذلك على اتباعهم ما كان صعباً، ورخصوا لهم منه ما عكفوا عليه وقنعوا به.
وقد رودت الرواية بالنهي عن أخذ العلم من الصحف، والله يعيذنا وإياكم من القُنوع في العلم بالتقصي، والرضا بترك الحذقةِ والتشمير، مبلغاً لنا بذلك مراتب الفهماء، ومُنزلنا منازل من يُشار إليه ويحتج بقوله من العلماء وهو حسبنا ونعم الوكيل)).
وهذا نصّ تاريخي مهم جداً؛ تُرجع فيه نسبة المعلومة إلى صاحبها الأساس وهو الإمام الشذائي، وإن كان ابن الجزري يُعذر فالخزاعي والداني لا يُعذران، رحمهما الله.
أيضاً : وقفت على نص آخر في النشر هو بحروفه نقله الحمزي عن الشذائي في كتابه، والله أعلم.
ختاماً :
كان الفضل بعد الله في معرفة هذا النص للشذائي رحمه الله، هو للدكتورة : أفنان قبوري، حفظها الله× فقد أكرمها الله تعالى بتحقيق هذا الكتاب؛ أعني " المجزي للحمزي" وشرفني الله بأن أكون أحد أعضاء لجنة المناقشة، وكان من بركات الكتاب والمناقشة العثور على هذا النص.
اللهم ارحم أئمتنا الشذائي والخزاعي والداني وابن الجزري ، وانفعنا بعلمهم يارب.
ليلة الجمعة: 5/رمضان/1440
المدينة المنورة.
 
بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء.
هل من سبيل للوصول إلى رسالة التخرج هذه شيخنا؟
 
عودة
أعلى