حول قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ

Amara

New member
إنضم
3 فبراير 2009
المشاركات
576
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما

استوقفني أحد المسيحيين في سؤال سألنيه: هل نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعود إلى إسحاق أم إلى اسماعيل، فأجبته: بل هو من ولد اسماعيل. قال فلعلك تفسر لي الآية 27 من سورة العنكبوت، يريد قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. قال: لماذا ذكر اسحاق ويعقوب ههنا وقد ذكر النبوة ولم يذكر اسماعيل ؟
قلت: لعلك تظن أن تجري النبوة في ذرية اسحاق ويعقوب، ولا تكون في اسماعيل ؟
قال: هذا ما قرأته وما ينطق به المنطق فبين لي.
قلت: إنما لم يذكر اسماعيل ههنا، لأمور، منها:
الأول أن الله تعالى قال: ووهبنا. فكان الكلام على الهبة هنا على وجه التقرير لأن المخبر عنها هو الله سبحانه. فلما علم أن سيدنا ابراهيم عليه السلام تزوج زوجته الأولى ولم ينجب الولد حتى تقدم في العمر لبأس كان بزوجته الأولى، وأنه تزوج الثانية فأنجبت له اسماعيل.. ثم بعدها على كبر زوجته الأولى أصلحها الله تعالى فأنجبت له اسحاق ويعقوب. حصل من ذلك أن الهبة تقررت في اسحاق ويعقوب، ولم تتقرر في اسماعيل. لأن أمر اسماعيل لم يكن فيه ما يخالف الطبيعة. لذلك لا تجد في موضع من القرآن يقول فيه تعالى: ووهبنا له اسماعيل.. إنما ذكر في مواضع ثلاثة: ووهبنا له اسحاق ويعقوب. وهذه من الدقة في معاني القرآن.

والثاني، أنه لما ذكر النبوة بعد ذكر اسحاق ويعقوب، قال تعالى: وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب. ولو أراد تخصيص ذرية اسحاق ويعقوب بالنبوة لقال: وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب. فلما ألحق النبوة بذريته شمل من ذكره منهم ومن لم يذكره.

والثالث، أن الله تعالى لما تحدث عن النبوة في ذرية اسماعيل عليه السلام، قال على لسان ابراهيم واسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .:. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فلما اجتمع الاثنان في الدعاء دعيا الله بأن يبعث في ذريتهما رسولا واحدا.. وما دام اجتمع الاثنان فضرورة يكون هذا الرسول من ذرية اسماعيل لإشتراك أبيه في الذرية معه وعدم اشتراكه في جميعها مع أبيه. وكذلك كان أن أرسل الله تعالى محمدا رسولا واحدا من ولد اسماعيل، لكنه لذرية ابراهيم أيضا في الرسالة. فافهم
هذا والله تعالى أعلم
يغفر االله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول (طالب مرحلة دكتوراه فقه بجامعة الزيتونة)
 
سبحان الله أخي عمارة

الليلة كنت أقرأ في سورة إبراهيم فمرت هذه الآية
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}

فإسماعيل عليه السلام هبة من الله كما في دعاء والده عليه السلام, وقد جاءه على كبر.

ثم تتبعتُ هبات الله لأنبيائه الآخرين عليهم السلام فكانت هذه الآيات لنلم بشواهد الموضوع وندقق الحكم:

{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}

{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}

{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم

أخي الحبيب يوسف، باركك الله وبورك فيك ورحمنا وإياك.
أما قولك
سبحان الله أخي عمارة

الليلة كنت أقرأ في سورة إبراهيم فمرت هذه الآية
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}

فإسماعيل عليه السلام هبة من الله كما في دعاء والده عليه السلام, وقد جاءه على كبر.

فإنها من أوفق الملاحظات. ولعلي أبين لك شيئا:
فأما قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ. فمحله الحمد. ونعمة الولد في أصلها هبة من الله، كما هو قوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يهَب لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيهَب لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ .:. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ. فكل من أوتي الولد إنما وهبه الله ذلك. غير أن الهبات من الله تعالى، عامة وخاصة، وقد يتمايز اثنان فلا يستوي بينهما العطاء في المعين.
وهبة الولد الذي يأتي طبيعيا يستوي فيها كل من أوتي الولد. وكذلك الأمر مع سيدنا ابراهيم في ولده اسماعيل عليهما السلام.
وهناك هبات لا يستوي فيها البشر، فيكون فيها تمايز وزيادة عطاء من الله تعالى. كما هو الحال في اسحاق ويعقوب ولدي سيدنا ابراهيم عليهم السلام. وهذه يستوي فيها ابراهيم مع زكريا عليهما السلام، كما هو قوله تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى. ومع داود عليه السلام، كما في قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
غير أنه لا يعدم أن يسأل أحد: كيف يستوي ابراهيم مع زكرياء أو داود في الهبة، وقد كان له الولد خلافا لهما. فنقول: إنما كان الاستواء في هبة الولد على الكبر. أما في العطاء فإن لابراهيم زيادة، كما هو قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافلة وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. ومن معاني النافلة الزيادة.
ولعلك ترى جلال النعمة في الخطاب بنون الجمع في قوله تعالى: وَوَهَبْنَا.
وقد تميز النبي موسى عليه السلام في عطاء النبوة عن الأنبياء، أن جعل الله له أخاه هارون نبيا يكون له عونا ووزيرا رحمة منه سبحانه وتعالى، كما هو قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا.
ثم تبين جلال الله تعالى ونعمته على أيوب بعد أن يئس من أهله، فوهبهم له، وهي نعمة خصه بها، كما هو قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ.
والله تعالى أعلم.
يغفر االله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول
(طالب مرحلة دكتوراه فقه بجامعة الزيتونة)
 
عودة
أعلى