(آيات مظلومة في كتاب الله) عنوان كتاب ، هل وفق صاحبه في عنوانه أم لا ؟

إنضم
26 أبريل 2003
المشاركات
112
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً يفيض به اللسان ، وتنطق به الجوارح والأركان ، أحمده على تواتر آلائه ، وتكاثر نعمائه ، كما أحمده على صفات كماله وجلاله.
البركة بيده ، والتوفيق بأمره ، عطاياه جسام ، وخيراته عظام.
أشهد أن لا إله إلا هو شهادة تنفعني في رمسي ، وتمحو ما اقترفت يدي في أمسي، وتبيض وجهي يوم دنو الشمس.
وأشهد أن الرسول إلينا محمد ، وأنه بالصدق أسعد ، وأنه بلغ وأشهد.
صلى عليه ربه في الأحزاب ، وأمر بذلك في الكتاب ، فصلاة ربي عليه ، عدد كل عدد ، وفوق كل مدد ، عدد ما قام كل أحد وقعد ، وركع وسجد ، وفقد ووجد ، صلوات متتاليات متتابعات غدقات طيبات ، مصحوبة بالسلام ، مقرونة بالحب والإكرام ، اللهم صل عليه ما هبت الرياح وانفلق الصباح ، وعلى آله المطهرين بنص الآية ، والبالغين من القرب أعلىغاية.
وعلى الصحابة الراكبين الصهوات ، القادحين بالموريات ، المغيرين على متون المغيرات.
عليهم رضوان الله ، ما اهتز غصن ، وما هطل جفن ، وما قيل :( من؟)
أما بعد:
فجزى الله من أقام هذا البناء ، وشكر له سعيه في السماء ، فقد كان أهل التفسير مضيعين في الشبكات ، مستحيين عند الأيقونات ، قد أقفرت منهم العرصات.
فأوقدت في غيبتهم نيران الجهالة ، واستب أهل الزيغ والضلالة ، فخفت صوت الأئمة ، وعظمت بفقد أرباب التأويل الغمة ، فعز على أبي عبدالله أن يرى القوم بضيعة ، ليست له راية ولا في أعناقهم بيعة ، فهب لحشد الأعلام ، وجمع الجحاجح العظام ، فانتظم عقد التفسير ، وقام سوق ابن جرير، وتوافد إلى الملتقى أولو الفهم والنهي، وتباشر الأخيار وتناقلوا الأخبار.
فلله دره ! ما أوقعه على المكرمات ، وما أسرعه إلى الأبكار المخدرات.
لو كان في الناس سباقون بعدهم** فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
فأحسن الله إليك ، ومتع بسعادة الدنيا والآخرة قلبك وناظريك.

وأستهل تطفلي على مجالس المفسرين، بسؤال واستفهام ؟
حيث انتشر في المكتبات كتاب اسمه ( آيات مظلومة في كتاب الله) ومع أن الكتاب طيب المضمون ، نافع المحتوى ، غير أني أخشى أن يكون المؤلف قد جانبه الصواب ، في عنوان الكتاب.
فإن القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته ، والله تعالى يقول:( وما ظلمونا)
فكيف يقع الظلم على الآيات؟ بينوا لنا ذلك معاشر الملتقين في الروضات!
وصلى وسلم على نبينا محمد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إنا نحمدك على ما سهلت من العسير ، ويسرت من قيام ملتقى أهل التفسير ، وأصلي وأسلم على البشير النذير ، والسراج المنير ، الذي عارضه المشركون وجادلوه بالأمثال كثيرا ، فنصره الله بـ(ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).
أخي الكريم أبا محمد وفقه الله ، وغفر له ذنوبه وخطاياه ، فقد سعدت كثيراً بمشاركتك لنا في هذا المنتدى ، وهذا من علامات نجاحه إن شاء الله.
وأما أنا يا أخي العزيز فما كنت من أصحاب المقامات ، وما اعتدت على صب السحر في العبارات ، حتى أستلب به الألباب ، أو أستميل به ذات الحجاب ، ولا سيما في هذا الزمن الذي ركدت فيه سوق الأدب ، ولم يعد يذكر إلا في بطون الكتب ، وقد استثرتني للتطفل عليه ، على حد قوله:(إلا ما اضطررتم إليه) ، وقد أثقلت كاهلي –حفظك الله -بثنائك ، وإن كنا دون ذلك ، وما كنت ممن يخدعه طولُ ظله ، ولا ثناء خله ، ونستكفي بالله من الافتتان بإطراء المادح ، وإغضاء المسامح ، كما نستكفي به الانتصاب لإزراء القادح ، وهتك الفاضح.
ويعلم الله أنني ما تكلفت إنشاء ملتقى أهل التفسير على الانترنت ، إلا لما ذكرت ، فقد رأيت طلاب العلم يحجمون عن المنتديات ، لما يرون فيها من السفاهات ، فيتحرجون من الكتابة ، ويتهربون من الإجابة ، حتى راج الباطل ، وطال لسان المُجادل ، وأصبحت ترى من يتصدى لتفسير الآيات المشكلات ، بالآراء والتخمينات ، وراء أسماء مستعارة ، وألقاب فيها غرابة ونكارة ، فذاك سمى نفسه بالبحر الهادر ، والآخر تسمى بالطائر المهاجر!! ولو تصدى أهل العلم للجواب لاستفاد الجاهل ، وزهق الباطل.
وأرجو أن لا أكون بهذا الملتقى الذي تكلفته ، كالباحث عن حتفه بظلفه ، أو الجادع مارن أنفه بكفه .
وإنني لأؤمل يا أبا محمد في عونك لنا في هذا الملتقى بعلمك الغزير ، فأنت من أهل البحث والتحرير ، قد صحبت ابن جرير في تفسيره ، وباحثت ابن عاشور في تحريره وتنويره ، فحق فيك ، قول محبيك :

[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/5.gif" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
حتَّامَ تسعى يا ابن بلقاسم = وأنت في التفسير كالقاسمي
بالغت في التحرير حتى غدا= في كفك التفسيرُ كالخـاتمِ
وجُلتَ في الفقه وفي غيره = بمنهجٍ مستوسقٍ صــارمِ
وقد خدمت العلم فاهنأ به!=قد انجلى المخـدومُ للخادمِ[/poem]

وما كان لمثلي أن يتصدى للإجابة على سؤالك ، إلا انتظاراً للتقويم منك ومن أمثالك ، فرحم الله أخاً رأى خللاً فسده ، وبصر بعيبٍ فأوقفه عند حده ، وإنني لأومل في ملتقى أهل التفسير ، الخير الكثير ، والنفع الكبير ، ولا سيما أنه لا يزال في بدايته ، وقد شمله كل محب بعنايته ، حتى قال أحد الأحباب : إنني قد جعلته صفحة البدء في متصفحي ، ولا أمل من النظر فيه في ممساي ومصبحي ، فرفع من المعنويات ، ودفع بالعزائم إلى النهايات.

وأما سؤالك يا أخي الكريم عن كتاب (آيات مظلومة بين جهل المسلمين وحقد المستشرقين) لمؤلفه الدكتور عمر بن عبدالعزيز قريشي ، والذي قدم له الشيخ الكريم الدكتور عائض بن عبدالله القرني حفظه الله ووفقه ، والذي ذكرت أنه ربما جانبه الصواب ، في عنوان الكتاب ، حيث إن القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته ، والله تعالى يقول :(وما ظلمونا) فكيف يقع الظلم على الآيات ؟
فسأذكر لك رأيي ، وليس جواباً للسؤال ، فما لمثلي أن يجيب على سؤال مثلك. والذي يبدو لي أن المؤلف وضح مقصده فقال أنه ( قد قصد بكونها مظلومة ، أنها ظلمت – من قبل المسلمين أو غير المسلمين ، من المستشرقين والمستغربين – فغير معناها ، ووضعت في غير موضعها ، أو فسرت على غير وجهها ... فهي آيات مظلومة ومقلوبة ، مع أن القرآن كله حق ، ولكن كم من حق أريد به باطل ، فهذا الذي نعنيه بالآيات المظلومة ، (الآيات حق) لكن أريد بها باطل) ممن فسرها على ذلك الوجه.
وقد مثل لذلك بقوله :( فهذا قوله تعالى :(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) يفهم بمعنى تحريم الجهاد والاستشهاد . وهذا قوله سبحانه :(لا إكراه في الدين) يراد به الخروج عن الدين ، وترك طاعة رب العالمين).
وأما المعنى الذي استشكلته في التسمية ، فهذا يدل على بعد غورك ، ودقة منزعك ، في اقتناص المسائل ، والحرص على الحجج والدلائل ، غير أنني أظن أن الأمر فيه سعة ، وأنه عنى بالظلم معناه اللغوي ، وهو وضع الشيء في غير موضعه ، من حيث فهم المفسرين لها ، لا من حيث قائلها سبحانه وتعالى. فالظلم هنا في فهم معنى الآية ، ولا أظنه خطر على خاطر المؤلف هذا المعنى الذي وقعت عليه.
ولعل هذا على حد قول العلماء : الآيات المشكلة ، والآيات المبهمة ، ونحو ذلك ، وكل هذا من جهة فهم المفسِّر لها ، لا من جهتها هي ، فهي ليست مشكلة في ذاتها ، ولكنها مشكلة بحسب فهم الناظر فيها ، وأنت أدرى بباب التعارض والترجيح بين الأدلة ، وتفاصيل كلام العلماء فيه.
وأما قوله تعالى :(وما ظلمونا) فأنت تعلم أن العلماء قد قسموا الظلم إلى أنواع ثلاثة:
الأول : ظلم بين الإنسان وبين الله ، وأعظمه الشرك والكفر والنفاق ، ولذلك قال تعالى :(إن الشرك لظلم عظيم).
الثاني: ظلم بينه وبين غيره من الناس ، ومنه قوله تعالى :(إنما السبيل على الذين يظلمون الناس). وبقوله :(ومن قتل مظلوماً).
الثالث : ظلم بينه وبين نفسه ، وإياه قصد بقوله :(فمنهم ظالم لنفسه) ، وقوله :(ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه).
وعندما تتأمل في هذه الأنواع الثلاثة تجدها في حقيقتها ظلم للنفس ؛ فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه ، فالظالم أبداً مبتدئ في الظلم بنفسه ، ولذلك قال تعالى في غير موضع من القرآن :(وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقال :(وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). أي ما ضرنا ظلمهم لأنفسهم شيئاً ، بل هم الخاسرون بظلمهم لأنفسهم.
وإلى هنا يجب أن أقف ، وأدع المجال لك للتعقيب ، أو للإخوان للإفادة بما عندهم من العلم حول هذا الأمر. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد على جسيم النعمة ، وكريم المنة، وصلى الله على رسول محمد نبي الملحمة والرحمة أما بعد
أما بعد
فضيلة الشيخ عبدالرحمن
هضم النفس صفة لكم قديمة ، وإخفاء القرب خلة للصالحين عظيمة،
وروح المسك لا يحبسها العفاص، ورغم التخفي وسم الصالحون بالخواص ،
فما أحراك بقول القائل،
لا ذنب لي كم رمت كتم فضائلي فكأنما برقعت وجه نهار
وسترتها بتواضعي فتطلعت أعناقها تعلو على الأستار

أبا عبدالله،
لقد اطلعت على الجواب، وفهمت الخطاب،وشكرت لك حسن الظن بالمؤلف ، فهي شنشنة الأخيار، وديدن الأبرار، مادام لحسن الظن محملا، وإني أعتقد ما قلت من أنه لم تخطر الإساءة بباله، ولا يعقل هذا في مثل حاله،
لكن الإشكال طرأ علي من العنوان فحسب، وقد تأملت ما تفضلتم به، وقرأته مرارا، فما زال إشكالي ولا هدأ بلبالي، وما أدري من أوتيت، أمن وهن ذراعي، أو قصر باعي ،
وربما عجز الطبيب عن الدواء ، لعي المريض عن إيضاح الداء، ولذا فإني أعيد الكرة، وأبسط هذه المرة،
وأحدد مرادي في نقاط

الأولى:
أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو صفة من صفاته ،وهو متقرر لديكم ولدى المؤلف بحمد الله تعالى، كما هو معتقد أهل السنة،
الثانية:
أن وقوع الظلم منفي بنص القرآن عن الله عز وجل والكلام عن الذات أصل الكلام عن الصفات، أو الكلام عن الصفات فرع الكلام عن الذات كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير ما موضع من كتبه،
ونفي الظلم هذا نفي مطلق عام بلا قيد ولا تخصيص، فكما إنه لا يجوز أن يقال للمشرك والكافر إنه ظلم اللهَ تعالى ، فكذلك القول في الصفات ومنها القرآن، سواء بسواء
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وما ظلمونا قال نحن أعز من أن نظلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون قال يضرون 0(الدر المنثور)
الثالثة:
قولنا هذا رجل مظلوم،
يعني وقوع الظلم عليه ،
لأن أهل اللغة يقولون إن اسم المفعول صيغة تدل على ما وقع عليه الفعل
ولا مراء فيما ذكرتم من أصل معنى الظلم اللغوي وهو وضع الشيء في غير موضعه،غير أنه لا يستقيم عذرا للواصف الآيات بالمظلومات،لأن أصل الظلم كما قال ابن منظور : هو الجور ومجاوزة الحد،والقرآن معصوم من وقوع هذا عليه،
وقوع الظلم على المخلوق علامة ضعفه ، وعجزه عند الدفع
ولذا يقول الأول
ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد
فهو صفة نقص والله منزه عنها،
ومن قواعد التنزيه في الصفات:
تنزيه الرب عن النقص في صفات الكمال ومن صفات كماله كلامه وآيات كتابه،فكما لا يجوز القول عن رحمته إنها مظلومة أو قدرته أو لطفه أو علمه، أنه مظلوم فكذا هنا فلا فرق،


الرابعة:
أنه قد جاءت نصوص خاصة، بحفظ الكتاب، وعدم تطرق الباطل إليه،
قال عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
وقال عز وجل: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،
الخامسة:
أن ظهر لي فرق بين آيات مشكلة، مبهمة، ومظلومة من وجهين:
الوجه الأول:
ان الإشكال والإبهام معروف في كلام العلماء جار على ألسنتهم، دون الظلم فلا أعلم هل جاء في كلامهم أم لا
الوجه الثاني:
أن الإشكال والإبهام منسوب للقارئ، وهو مستقيم على سنن اللغة،
فكون القرآن يكون مشكلا ليس هذا محل نقص
كما قال قال تعالى:
وهو عليهم عمى
ولا يزيد الظالمين إلا خسارا
وكذلك الإبهام،
وقد قال الأول
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
أما الظلم ، فلا يتصور أن يقال مثلا، دولة مظلومة، أن ينصرف الذهن إلى أن من ظلمها هو المظلوم فتأمل ،

السادسة:
قوله تعالى: إن الشرك لظلم عظيم،
جاء التعبير هنا بالمصدر، وهذا واضح، فيصرف الظلم إلى ظلم العبد لنفسه للنصوص العامة الدالة على نفي وقوع الظلم على الرب تعالى وتقدس
لكن استعمال صيغة المفعول في قول المؤلف (مظلومة)، تمنع الاحتمال، وتجعل التأويل بعيدا،
السابعة :
أن عبارات السلف تفسر الظلم بإيقاع الضرر غالبا، ونفيه نفي وقوعه
قال ابن جرير رحمه الله تعالى:
ويعني بقوله وما ظلمونا وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها كما حدثت عن المنجاب قال ثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون قال يضرون وقد دللنا فيما مضى على أن أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه بما فيه الكفاية فأغنى ذلك عن إعادته وكذلك ربنا جل ذكره لا تضره معصية عاص ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ولا تنفعه طاعة مطيع ولا يزيد في ملكه عدل عادل بل نفسه يظلم الظالم وحظها يبخس العاصي وإياها ينفع المطيع وحظها يصيب العادل
الثامنة:
أن كتابا هذا موضوعه يعنون بمشكل، مشكل،
التاسعة:
تأمل قول الله تعالى:
ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها
كيف قال وظلموا بها ولم يقل وظلموها ولم يعد الفعل إلى الآيات بل بالباء ليضمن معنى الكفر والجحود ،
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
فظلموا بها أي جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا كقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
وكذا روي عن ابن عباس ، ولم يذكر ابن الجوزي غيرهما في زاده، أي كفروا أو جحدوا، وبمثله قال البغوي والشوكاني والنسفي وغيرهم من أئمة التفسير
وبمثله قالوا عند قوله تعالى، فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (الأعراف)
 
بسم الله

هنيئاً لملتقانا هذا بك وبأمثالك من طلبة العلم أصحاب النظرات الدقيقة ، والوقفات البديعة أمام ما يقرأون ويسمعون . وأبدي إعجابي بك وبرأيك ....

وثانياً - أعتقد أننا جميعاً متفقون على أن هذه التسمية فيها إشكال وخروج عما ينبغي مراعاته عند تسمية كتاب أو مؤلف باسم ما ، وخاصة إذا كان متعلقاً بكتاب الله .
ثالثاً - لقد أفدت من مشاركتك وتنبيهاتك الدقيقة التي أشرت إليها في جوابك السابق .

رابعاً - يبدو لي أن الدافع الأول لحصول الإشكال عندك حول وصف الآيات بأنها مظلومة هو ما أشرت إليه بقولك : إن القول في الصفات كالقول في الذات ، وبنيت على هذه المقدمة ما أشرت إليه في سؤالك وجوابك .

وأود تذكير نفسي وإياك بأن قول شيخ الإسلام إن القول في الصفات كالقول في الذات ليس قاعدة مطردة ؛ بل تفهم هذه القاعدة بناء على السياق الذي وردت فيه .
والذي أظن أن شيخ الإسلام لا يفهم من هذا الكلام العموم ، فمن المعلوم أن الصفة وإن كانت فرعاً عن الذات إلا أنه قد يخبر عنها بما لا يخبر به عن الذات ، وقد توصف كذلك بما لا يوصف به الذات ، فلا تعطى جميع أحكام الذات .

فكلام الله تعالى صفة من صفاته ، وأنت تقول : كلام الله منزل غير مخلوق ، ولا تقول إن الله منزل ، وأنت كذلك تقول هذه آية قصيرة ، ولا يمكن أن تصف الله بهذا الوصف .وهكذا ...
وقد جاء في الحديث :‏خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب قال فقال لهم : (مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم قال فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده‏)‏‏.‏
فأنت ترى الرسول صلى الله عليه وسلم قال : تضربون كتاب الله بعضه ببعض ، وهذا لا يقال في حق الله تعالى ومعلوم أن كتاب الله ، وآيات الله يراد بهما القرآن الذي هو كلام الله ، وصفة من صفاته .

....

والمقصود : أن وصف الآيات بأنها مظلومة وصف كان الأولى تجنبه ، ولكن أرى أن في الأمر سعة كما قال الأخ عبد الرحمن .

هذا رأيي ، فإن كان صواباً فالحمد لله ، وإن كان غير ذلك فأستغفر الله ، وأعلن أني راجع عنه إن ثبت بطلانه أو مخالفته للصواب .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مستحق المحامد، مستوجب الشكر من كل راكع وساجد وجاحد،
والصلاة والسلام على على المبعوث بالتنزيل، المأمور بالترتيل،
وعلى آله وأصحابه مابهم عن حياض الموت تهليل،
أخي الكريم فضيلة الشيخ محمد القحطاني سدد الله قلبه ولسانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
فإن من النعم التي لا تكفر، والآلاء التي ينبغي أن تذكر فتشكر، ما من الله به علينا من في هذا الملتقى من معرفة الأخيار، ومدارسة الأبرار، والإفادة من علومهم، والاقتباس من زند فهومهم،
فما أسعدنا بمجالس طلاب العلم، وأولي الحلم والفهم، حين يكون الحق أحب إلى الطالب من نفسه، ويقبله ولو جاء ممن لا يسومه بفلسه،
انشرحت صدورهم لمطارحة الأخوان، ومراجعة الأدلة وعرضها على ثواقب الأذهان،
لا يغضبون إن خولفوا في مسارح الاجتهاد،ولا ينفرون من عدم قبول قولهم ما دام قد اتسع الواد،
فضيلة الشيخ الكريم والنجيب الحليم،
لقد تجاذبني قبل ردي دوافع الإقدام وكوابح الإحجام،
فبين هاتف يقول : ناقش إخوانك، ودارس خلانك، فالربانيون يدرسون، والأخيار يتناظرون، والنفوس الطيبات تفرق بين الخلاف في المسائل،والإبقاء على المحبة والوصائل، فلا اضطراد ولا انعكاس، والعالم مهما ارتفع، وأقر له القرين وخضع، يقبل المناظرة، والرد بالمجاهرة، لأنه طالب حق، وصاحب صدق،
فإذا عزمت على الكتابة، وهممت بالأجابة،
صاح بي صائح التخذيل، والتعويق والتعطيل،
إلا أين يا مناظر، ومن تريد أن تحاور
أما علمت كم هدم الخلاف من شوامخ الائتلاف، وما أورث التناظر من معمامع التناحر،
كل يقول: اختلاف الرأي لا يقسد للود قضية، والحق أنه لم يبق للألفة بقية،
فتقلل من المناوئين، وتخفف من المعادين،
وحين بان لي الصباح، وصاح منادي الفلاح ،
شمرت عن ساعد الجد، وعزمت على الاستمرار والرد
محسنا ظني بأخواني، داعيا ربي أن لا أوذيهم بقلمي أو بلساني،
لأن الحق الذي تعتقده ينبغي أن تصدع به ،
إقامة للحجة، وبيانا للمحجة والله الهادي،
فضيلة الشيخ أبا مجاهد، ( رفع الله ذكرك ، وشرح صدرك)
قرأت تعقيبكم ، فشكر الله لكم حسن ظنكم وتنويهكم،
ولي مداخلة تتلخص في نقاط:
1- أنني لم أقل إن الذات هي الصفة ولا غير الصفة،فهذا مبحث يحتاج إلى تفصيل، وإنما قلت القول في الصفات فرع عن القول في الذات، ومحل الكلام التنزيه عن النقص أي أنه كما ينبغي تنزيه الذات عن النقص ينبغي تنزيه الصفات، وهذا محل اضطراد عندكم بلا ريب
2- قولكم ( أقام الله بكم منائر الحق)
، فمن المعلوم أن الصفة غير الذات ، ولا تعطى جميع أحكام الذات .
قلت ليس هذا بمعلوم وإنما المعلوم ماذكره
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى من التفصيل:
بغية المرتاد ج: 1 ص: 426
فإن للناس في لفظ الغير إصطلاحين مشهورين أحدهما اصطلاح المعتزلة والكرامية ونحوهم ممن يقول الصفة غير الموصوف وهؤلاء فيهم من ينفي الصفات كالمعتزلة ومنهم من يثبتها كالكرامية وهم يقولون إن الغيرين هما الشيئان أو هما ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر والثاني اصطلاح أكثر الصفاتية من الأشعرية وغيرهم إن الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بوجود زمان أو مكان ومن هؤلاء من يقول ما جاز مفارقة أحدهما الآخر ولهذا يقولون إن الصفات لا هي الموصوف ولا هي غيره وكذلك جزء الجملة كالواحد من العشرة واليد من الإنسان قد يقولون فيها ذلك والأولون يقولون الصفة غير الموصوف وأما حذاق الصفاتية من الكلابية وغيرهم فهم على منهاج الأئمة كما ذكر الإمام أحمد في الرد على الجهمية لما سألوه عن القرآن أهو الله أم غير الله لا يقولون الصفة لا هي الموصوف ولا هي غيره بل لا يقولون الصفة هي الموصوف ولا يقولون هي غيره فيمتنعون عن الإطلاقين ولا ينفون الإطلاقين وهذا سديد فإن لفظ الغير لما كان فيه إجمال لم يطلق نفيه حتى يتبين المراد فإن أريد بأنه غير مباين له فليس هو غيره وإن أريد أنه ليس هو إياه أو أنه يمكن العلم به دونه فنعم هو غيره وإذا فصل المقال زال الأشكال
3- قولكم ( فقهكم الله في الدين وعلمكم التفسير والتأويل)
ورحمة الله التي هي صفة من صفاته تتجزأ ، فهي مائة جزء ، وذات الله لا تتجزأ ، وهكذا
وهذا مخالف لما قرره ابن تيمية رحمه الله في مواضع وابن القيم قال في (بدائع الفوائد ج: 2 ص: 409)
اعلم أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان أحدهما مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله والثاني مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها فمن الأول قوله في الحديث الصحيح احتجت الجنة والنار فذكر الحديث وفيه فقال للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء رواه مسلم وأحمد فهذه رحمة
مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى وسماها رحمة لأنها خلقت بالرحمة وللرحمة وخص بها أهل الرحمة وإنما يدخلها الرحماء ومنه قوله خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض رواه مسلم والحاكم وروى البخاري نحوه ومنه قوله تعالى ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة هود 9 ومنه تسميته تعالى للمطر رحمة بقوله وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته الأعراف 57
وقبله قرره هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع كثيرة من الفتاوى ودرء التعارض والمنهاج وغيرها،


3-قولكم:فكلام الله تعالى صفة من صفاته ، وأنت تسمع كلامه ، ولا تسمع ذاته
قلت : لم أقل (رفع الله درجتكم ) إن الكلام هو الذات ولا هو غيره ولم يكن الكلام قريبا من هذا فضلا عن أن يكون عينه، وإنما يفهم من مما قلت: أنه كما لا يجوز تجويز النقص في الذات فكذا في الصفات،
وقولكم وأنت تسمع كلامه ولا تسمع ذاته
إطلاق عجيب !!! ،
فإن الكلام : لفظ وملفوظ
واللفظ (الذي هو الصوت لأن بعض السلف بدعوا قول من قال لفظي بالقرآن مخلوق لكن في كلام العلماء ذكر ذلك مع التفصيل) صوت القارئ
والملفوظ كلام الله فأنا أسمع كلام الله (ذاته) سبحانه وتعالى،
فأي فرق عندكم بين تسمع كلامه ولا تسمع ذاته،
وهذا عبارات السلف لا تحصى كثرة،
بدائع الفوائد ج: 3 ص: 613
ن أبي موسى قال قلت لعمران لي كاتب نصراني فقال ما لك قاتلك الله ما سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وذكر الحديث
زاد المعاد ج: 1 ص: 340
وقال عبدالله أيضا إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه
مجموع الفتاوى ج: 25 ص: 280
وكذلك روى حديث عمرو بن العاص لما اصابته الجنابة فى غزوة ذات السلاسل وكانت ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه بالتيمم ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو اصليت بأصحابك وانت جنب فقال يا رسول الله انى سمعت الله يقول ولا تقتلوا انفسكم فضحك
وقولك بارك الله فيك
وأنت تقول هذه آية قصيرة ، ولا يمكن أن تصف الله بهذا الوصف .
قلت وصف آية من كلام الله بالقصيرة ليس صفة نقص
بل صفة مدح معلوم عند الناس أن قصر الكلام وكثرة المعنى من البيان وهو صفة كمال،
فكيف تقاس صفة الكمال على صفة النقص
نعم إن كان مرادك معاني الصفات،
فنعم فمعنى الرحمة،ليس هو معنى القوة والجبروت، فلكل منهما معنى، وليس هذا محل النزاع البتة،


شيخنا الكريم
دفعني للرد حسن الظن بكم، ورغبة في مطارحة الرأي معكم، ولكم في القلب مع الشيخ عبدالرحمن المودة والإكرام، والمحبة والاحترام،
فإن رأيتم ذنبا من الذنوب، فأهريقوا عليها من التسامح الذنوب،
اللهم صلى على محمد
 
بسم الله

أخي الكريم

لا يسع وقتي الآن للمناقشة

وأحب أن أنبه أن الكلام الذي ناقشتني فيه قد حررته قبل مناقشتك هذه ، ولعلك ترى بعض الفقرات التي ذكرتها ورددت عليها منسوبة إلي - وأنت صادق فيما ذكرت - وهي ليست موجودة في تعليقي السابق لأني قد غيرت فيه وحذفت قبل اطلاعي على كلامك هذا .

وكثير من المسائل التي ذكرتها هي محل اتفاق بيننا ؛ غير أن تحديد موضع الخلاف لا بد منه حتى لا نخرج عن الموضوع .

ولعل النقاش يكتمل في وقت لاحق ، والله المستعان .
 
عودة
أعلى