أركان القراءة المقبولة (2)

إنضم
2 أبريل 2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
تقدمت الحلقة الأولى من هذا البحث وتجدها على هذا الرابط :
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=186

الحلقة الثانية :

المبحث الأول : صحة السند

المطلب الأول :المراد بهذا الركن .
قال ابن الجزري :أن يروي القراءة العدل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي ، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أ و مما شذ به بعضهم .(!)
نفهم من هذا التعريف :أنه يضاف إلى صحة السند ما يلي :
1-الشهرة
2-أن لا تكون شاذه أو معدودة في الغلط
وقد قدمته على بقية الأركان لأنه ينبغي للبا حث أو القارئ أن ينظر إلى صحة السند فإن كان صحيحاً وإلا لا حاجة إلى النظر إلى بقية الأركان .
المطلب الثاني :هل يشترط التواتر في هذا الركن أم يكتفى فيه بصحة السند :
اختلف فيه على قولين :
القول الأول :يشترطون التواتر حيث نصوا على أن التواتر شرط في ثبوت القرآن ، وممن اشترط ذلك الغزالي وابن قدامة وابن الحاجب وصدر الشريعة والنويري ,وقالو :عدم اشتراط التواتر في ثبوت القرآن ، قول حادث لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم ولم يخالف من المتأخرين إلا مكي وتبعه بعض المتأخرين ،وقالوا لا يقدح في ثبوت التواتر اختلاف القراءة فقد تتواتر القراءة
عند قوم دون قوم .(2)
القول الثاني :أنه لايشترط التواتر وإنما يكتفي بصحة السند .
وإليه ذهب ابن الجزري وأشار إلى أنه مذهب أئمة السلف والخلف وقال راداً على القول الأول : أنه إذا أثبت التواتر لايحتاج فيه إلى الركنين ا لسابقين من الرسم وغيره إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أم خالفه وإذا أشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف أنتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم .(3)
وقال الطاهر بن عاشور :وهذه الشروط الثلاثة هي شروط قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن كانت صحيحة السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح واما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في
العربية ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف عليه (1).
قلت : وعند تأمل هذين القولين فإننا لانجد بينهما فرق في إفادة القراءة للعلم لأن من لم يشترط التواتر وإنما اشترط صحة السند لم يكتف به وإنما اشترط قرائن بمجموعها تفيد العلم وتقوم مقام التواتر ولذا قال مكي بن أبي طالب : فإذا اجتمعت هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على مغيبه وصحته و صدقه لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف وكفر من جحده(2).
وقال الزرقاني :إن هذه الأركان الثلاثة تكاد تكون مساوية للتواتر في إفادة العلم القاطع بالقراءات المقبولة بيان هذه المساواة أن ما بين دفتي المصحف متواتر ومجمع عليه من هذه الأمة في أفضل عهودها وهو عهد الصحابة فإذا صح سند القراءة ووافقت عليه قواعد اللغة ثم جاء ت موافقة لخط المصحف المتواتر كانت هذه الموافقة قرينة على إفادة هذه الرواية للعلم القاطع وإن كانت آحاداً.....فكأن التواتر كان يطلب تحصيله في الإسناد قبل أن يقوم المصحف وثيقة متواترة بالقرآن أما بعد وجودهذا المصحف المجمع عليه فيكفي في الرواية صحتها وشهرتها متى ماوافقت رسم هذا المصحف ولسان العرب ........وهذا التوجيه الذي وجهنا به الضابط السالف يجعل الخلاف كأنه لفظي ويسير بجماعات القراء جدد الطريق في تواترالقرآن (3) .
المطلب الثالث :تنبيهات تتعلق بهذا الضابط :
1- هل من رد شيئا ًمن القراءات المتواترة يعد كافراً
الجواب :أن ذلك لايقتضي التكفير لأن التكفير إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة ، والقراءات ليست كذلك ولذا وقع شئ من ذلك لبعض العلماء الأعلام
قاله الجزائري (4) .
2- قال بعض العلماء : إن القراءات السبع متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات
السبعة موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد .
والجواب : أن عدد التواتر موجود في كل طبقة إلا أنهم اقتصروا على ذكر بعضهم لتصديهم للاشتغال بالقراءة واشتهارهم بذلك (5) .
4-اشتراط التواتر في ثبوت القران إنما هو بالنظر لمجموع القران الكريم وإلا فلو اشترطنا التواتر في كل فرد من أحرف الخلاف انتفى كثير من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم (6) .
5-نقل عن محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي وكان بعد الثلاثمائه :أن ماوافق العربية ورسم المصحف ولم ينقل البتة أن القراءة به جائزة وقد ردّ عليه من جاء بعده قال أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان ..وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية بحرف من القران يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها فابتدع بدعة ضل بها قصد السبيل قلت : وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء وأجمعوا على منعه وأوقف للضرب ورجع وكتب عليه محضر بذلك كما ذكره الحافظ أبوبكر الخطيب في تاريخ بغداد وأشرنا إليه في الطبقات (1) .
 
والمقصود بالسند: ثبوت الوجــه من القراءة بالنـقل الصحيح عن الثقات([43])، وهو غير معدود عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم([44])، وقد اختلفت تعبيرات العلماء في ذلك اختلافا يوهم التناقض ، فمنهم من نص على الآحاد([45])، ومنهم من قيده بالشهرة والاستفاضة([46])، ومنهم من صرح بالتواتر وهم الأكثـرون([47]) ، وقد استبان بعد النظر في أقوالهم أن الخلاف صوري ، فمن نظر إلى أسانيد القراء من جهة نظرية على ما هو مذكـور في أسانيد مصنفاتهم وجد كثيرا من أوجه الاختلاف تشتـمل على أســـانيد آحادية أو مشهورة ، ومن نظر إليها من جهة الوقوع عدها متواترة وأجاب بأن انحصار الأسانيد ـ ولو كانت آحادية ـ في طائفة معينة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم إذ مع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها حد التواتر ، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد الجم الغفير طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل ، ولو انفرد أحد بوجه دون أهل تلك البلد لم يوافقه على ذلك أحد([48]) " ، ومما يدل على هذا ما قاله ابن مجاهد : قال لي قُنبل : قال لي القوّاس : ـ في سنة سبع وثلاثين ومائتين ـ الق هذا الرجل ـ يعني البَزِّي ـ فقل له : هذا الحرف ليس من قراءتنا ،يعني ) وما هو بميت (([49]) مخففاً ، وإنما يخفف من الميت من قد مات ، ومن لم يمت فهو مشدد ، فلقيت البَزِّي فأخبــرته فقال : قد رجعت عنه "([50]) .

وحيث إن القراءات العشر المقروء بها في هذا العصر على هذا النحو فإنها هي المتواترة ، وما عداها فهو الشاذّ ، إذ انقطاع الإسناد من جهة المشافهة لأي وجه من القراء مسقط له ، ولو تواتر الإسناد نظريا في الكتب ، وذلك أن في القراءات وجوها لا تحكمها إلا المشافهة، بله إذا صح إسناده ولم يتصل مشافهة.

والتواتر المذكور يختص بأوجه القراءات بصفة عامة ، وليس كل ما كان من قبيل الأداء متواتر ، بل منه الصحيح المستفاض المتلقى بالقبول ، كمقادير المد الزائدة على القدر المشترك بين أهل الأداء ، غير أنه ملحق بالمتواترة حكما لأنه من القرآن المقطوع به ، قال الحافظ ابن الجزري( ت833 هـ ) : " ونحن ما ندعي التواتر في كل فرْدٍ مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق ، لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر ؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين : متواتر ، وصحيــح مستفاض متلقى بالقبول ، والقطع حاصل بهما "([51]) .

وقال أيضا : " فإنه إذا ثبت أن شيئا من القراءات من قبيل الأداء لم يكن متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كتقسيم وقف حمزة وهشام وأنواع تسهيله ، فإنه وإن تواتر تخفيف الهمز في الوقف عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتواتر أنه وقف على موضع بخمسين وجها ولا بعشرين وجها ، ولا بنحو ذلك ، وإنما إن صح شيء منها فوجه ، والباقي لاشك أنه من قبيل الأداء "([52]).

ولعل هذا النوع من الأوجه المختلف فيها بين القراء هو الذي جعل بعض العلماء لا يشترط التواتر .
 
شكر الله لك يا شيخ إبراهيم هذه الدرر وأسأل الله ان يجعلها في موازين حسناتك
وهنا استفسار : هل مفهوم التواتر عند القراء هو مفهوم التواتر عند المحدثين وهل قال أحد بالفرق بينهما
 
الحمد لله وبعد

فأشكر أخي الشيخ / أحمد البريدي على هذا الاختيار لمثل هذه المسائل الدقيقة ، وهنا تظهر فائدة مثل هذه المنتديات في مذاكرة العلم ، في حسن تصور المسائل المشكلة التي يكون استشكالها أحيانا ناجما عن خلل في تصور المسألة ، ومن ثم تجاذب الآراء في إزاحة الإشكال بأقوم سبيل وأوضح دليل .

ولقد ترددت في الكتابة على هذه المقالة – بعد الشيخين الفاضلين - متمثلا بقول العـرب : لاعطر بعد عروس .
ولكن من باب المشاركة وإحياء الموضوع أقول :

يجب أن نستحضر في هذه المسألة مايلي :

1-أن القراءن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن هو الوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والقراءات : هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور .

2-لاإشكال ولانزاع بين المسلمين في تواتر القرآن أما القراءات فوقع فيها النزاع والمشهور أنها متواترة .

3-أن بعض من يقرر تواتر القراءات يستدل بما يفيد تواتر القرآن وهو أن القرآن قد انتشر في كل بلد وتلقاه من كل طبقة العدد الكثير عمن فوقهم وهكذا مما يتحقق به شرط التواتر ، وفي هذا نظر لايخفى .

4-أن تواتر القراءات عن الائمة السبعة مسلم ، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء السبعة فمحل نظر لأن أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم نقل آحاد كما هو موثق مدون في كتب القراءات ، ولقد كان هذا مما تتوافر الدواعي على نقله وإثباته ، فإذا كان النقلة يدونون الطرق الكثيرة في حديث أو أثر في مسألة ليست من أصول العلم وكباره ، فما الظن في نقل كلام الله تعالى؟!

ومما يشكل على القول بتواتر جميع مافي القراءات السبع مانقله الشيخ أحمد عن ابن الجزري بقوله : وإذا أشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم .أ.هـ
فمواضع الاختلاف بين القراء السبعة يعد من المشهور لاالمتواتر .

5-من الأدلة على عدم تواتر القراءات في زمنه صلى الله عليه وسلم القصة المشهورة في مخاصمة عمر مع هشام بن حكيم رضي الله عنهما ، ووجه الاستدلال واضح منها .

فهذه بعض المعالم حول هذه المسألة ، ووراء ذلك أمر أحق بالتحقيق وهو – فيما يظهر لي – سبب الإشكال ومنبعه وهو : تنزيل المصطلحات الحادثة وتحكيمها في العلوم الشرعية ، وأعني بذلك هنا مصطلح ( التواتر ) فإنه مصطلح كلامي لم يستعمله السلف المتقدمون لكنه صار أصلا لايكاد يخلو منه كتاب في مصطلح الحديث ، ومايتبع ذلك من إفادة المتواتر والآحاد والتفريق بين العلم النظري والضروري ..إلخ .

وهذه مسألة طويلة لعل بعض إخواننا هنا يطرقها بالعرض والنقد .
والله أعلم

انظر : الإتقان – شرح مختصر الروضة – شرح الكوكب المنير – إرشاد الفحول
 
القراءة المتواترة

القراءة المتواترة

شكر ياشيخ أحمد على هذه الموضوعات القيمة .
القراءات المتواترة :
ما اجتمعت فيها أركان صحة القراءة ، وهي موافقة اللغة العربية ولو بوجه ، وموافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وثبوت سندها .
ويلحق بالقراءات المتواترة ( القراءات المشهورة ) و ( القراءات الصحيحة ) ، وهي ما صح سندها بنقل العدل الضابط كذا إلى منتهاه ، ولا يقرأ إلا بما استفاض نقله وتلقته الأئمة بالقبول ، كمقادير المد الزائدة على القدر المشترك بين أهل الأداء ، غير أنه ملحق بالمتواتر حكما لأنه من القرآن المقطوع
به .
والقراءات التي توفّر لها التواتر هي القراءات العشر التي عليها عمل القراء إلى وقتنا الحاضر .
 
شكر الله للجميع هذه المناقشة العلمية الهادئة .
وأقترح على أخي الكريم الشيخ أحمد البريدي جمع هذه الحلقة مع بقية الحلقات في ملف واحد لوضع الموضوع كاملاً في مكتبة الشبكة للاستفادة منه بشكل أوسع.
 
جزاك الله خيراً يا شيخ عبد الرحمن على حسن ظنك : وسأفعل ما طلبت ان شاء الله .
 
عودة
أعلى