أنوار قرآنية

إنضم
7 مايو 2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
يستعرض الدكتور حسن أغبري وفقه الله في هذه الحلقة معاني كلمة النور في القرآن الكريم وذكر منها في هذه الحلقة النور بمعنى عكس الظلمات والنور بمعنى الإسلام والنور بمعنى الإيمان والنور بمعنى النبي صلى الله عليه وسلم. وسيستكمل شرح باقي المعاني في الحلقات القادمة فترقبوها او تابعوها على قناة دليل في اعادة للبرنامج الذي تم عرضه في شهر رمضان 1433هـ بعنوان (سبيل الفلاح). متابعة نافعة للجميع.
أسأل الله تعالى أن ييسر تفريغ هذه الحلقات لما فيها من وقفات قيمة لبعض معاني الكلمات في القرآن كالنور والرحمة والدنيا والمتقين والتوبة والدعوة واليسر والرفق والعدل والعفو والإيمان والعمل الصالح وأسباب الفلاح في القرآن الكريم.

أترككم مع الحلقة الأولى من أنوار قرآنية:
‫ط³ط¨ظٹظ„ ط§ظ„ظپظ„ط§ط­ ط§ظ„ط­ظ„ظ‚ط© ط§ظ„ط«ط§ظ†ظٹظ‡ ط§ظ†ظˆط§ط± ظ‚ط±ط§ظ†ظٹظ‡ ط±ظ…ط¶ط§ظ† 1433‬â€ژ - YouTube
 
ماشاءالله معاني رائعة د/سمر
وأتمنى عليك ألاتقومي بأي جهد الآن لتفريغ هذه البرامج القيمة
أسأل الله أن يعينك على نشر الخير
ويسدد على دروب الخير خطااك وينفع بك الإسلام والمسلمين
 
من معاني كلمة النور التي وردت في الحلقة الثانية:

النور بمعنى ضوء النهار كما في قوله تعالى في بداية سورة الأنعام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)
والنور بعنى الضوء الذي يمشي به المؤمنون يوم القيامة على الصراط كما في آيات سورة الحديد. (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) - (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)) (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)) والآية في سورة التحريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8))
والنور بمعنى البيان كما ذكر في القرآن أن التوراة والانجيل أنزلهما الله تعالى فيهما هدى ونور في آيات في سورة المائدة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) والآية (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)) والآية في سورة الأنعام (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91))
والنور بمعنى القرآن وردت في أربع آيات في القرآن والنور بمعنى العدل والنور في آية سورة النور (الله نور السموات والأرض) هي محور الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
 
من معاني كلمة النور التي وردت في الحلقة الثالثة:
النور بمعنى العدل
النور بمعنى القرآن
النور بمعنى الرسول صلى الله عليه وسلم

وتحدث الدكتور عن معنى النور في آية سورة النور وهذا نص ما جاء فيها:
وآخر المعاني هو ما سميته الآية الجوهرية وقد وردت فيها كلمة النور أربع مرات وورد بمعاني متعددة. أولى هذه المعاني هو النور والنور من أسماء الله الحسنى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هذه الآية في سورة النور وهي تتوسط القرآن (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) يضرب المثل (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ) نور على نور هنا ليس بمعنى النور الأول، الأولى الله هو النور سبحانه وهو المصدر الأول وجميع الأنوار التي ذكرنا مصدرها واحد هو الله (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لكن حين قال (نُّورٌ عَلَى نُورٍ) جاء النور بمعنى الأنبياء الذين يتتالون تتراً يتبع بعضهم بعضاً نور على نور، نبي بعد نبي (نُّورٌ عَلَى نُورٍ). (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) هنا معنى آخر وهو الإيمان الذي ذركناه سابقاً وهو الهدى نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا لنوره وأن يجعلنا من الذين أدخلهم في مشيئته لكي يكونوا من الذين يشاؤون لأنفسهم الإيمان. (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذه الأمثال هي التي ينبغي أن نفكر فيها وقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية عظيمة جداً كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها إذا أرق في الليل (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) يتفكرون في خلق الله وفي الآيات القرآنية والآيات الكونية وفي كل ما بعث الله به من آيات ومعجزات ومن بيانات تتفكر وتتدبر تحاول أن تعيش من هذه الأمور حتى تقترب من الله سبحانه وتعالى وقد أكثر الله تبارك وتعالى من ضرب الأمثال في القرآن الكريم لهذا الغرض لكي نستعمل الفكر ولكي نستعمل عقولنا بالذهاب قدماً نحو الهداية ونحو الإيمان ونحو التقوى.
 
أنوار قرآنية
العدل في القرآن
من معاني النور في القرآن العدل كما وردت في سورة الزمر (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ (69) الزمر) والنور هنا بمعنى العدل لأن الأرض التي تشرق بنور ربها هي الأرض التي يكون فيها الحساب ويجتمع الناس يوم الحشر (وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) الحساب الذي يحاسب الله به الناس (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴿١٣﴾ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾ الإسراء) فالأرض تشرق بالنور لأن العدل الذي يسود في ذلك اليوم عدل لا مثيل له وأنه عدل لا ينقصه شيء، لا ظلم فيه (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر) الظلم منفي ولا وجود له يوم القيامة لأن الذي يسود هو العدل المطلق فالله عز وجل أخذ على نفسه ألا يظلم أحداً (وما ربك بظلام للعبيد) وقال تعالى (إن الله لا يظلم الناس). الإنسان المسلم عليه أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تبارك وتعالى أنه لا يضره أبداً لأن الله تبارك وتعالى إذا أخذ على نفسه ألا يظلم الناس يوم القيامة فقد أخذ أيضاً على نفسه ألا يظلم الناس في الأرض فالظلم لا وجود له في سجل الله عز وجل سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة. من الناس من إذا وقعت له مصيبة في هذه الدنيا أو يقع في ورطة يتساءل ويظن أنه لا يستحقها وأنه مظلوم وهذا في حد ذاته ظلم للنفس، هذه من الكُفريات! قد يكون ملوماً لكن الذي ظلمه هو نفسه! الله تبارك وتعالى يقول في سورة آل عمران في سياق ذكر أحداث غزوة أحد (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ (165) آل عمران) وهذا مصداق قول الله تعالى في سورة النساء (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) إذا وقع لك شيء في هذه الدنيا انظر في سجل أعمالك ماذا فعلت حتى وقع لك هذا الأمر، قلّب لنفسك أين هو المشكل؟ وأين المكان والوقت الذي وقعت فيه بإشكال تجاوزت فيه حدود الله؟ لأنك عندما تتجاوز حدود الله يقع إشكال في النظام وإذا وقع إشكال في النظام تخلخل وإذا تخلخل وقعت المصيبة، أنت المُفسِد أما الله سبحانه وتعالى لا ياتي إلا بالخير. البعض قد يسأل أين نحن من قول الله تبارك وتعالى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء) أليست هذه الآية دليل على أن الله تبارك وتعالى يأتي بالخير والشر؟ نعم، كيف نرد على هذا السؤال؟ في سورة آل عمران يصف سبحانه وتعالى نفسه ويعلّم الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يصف الله للمشركين وللكفار وللأعداء وكذلك للمسلمين حتى يعرفوا من هو الله؟ الله سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم، الله سبحانه وتعالى تقدست اسماؤه وتعالت صفاته، هو الخير كله، هو نور السموات والأرض، إذا غاب الله سبحانه وتعالى وتعالى سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيرا لا يغيب أبداً (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ (255) البقرة) لو أخذه نوم قصير جداً ولو هنيهة واحدة لاندثر الكون. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿٤﴾ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿٥﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿٦﴾ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴿٩﴾ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿١٠﴾ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴿١١﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿١٢﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿١٣﴾ التكوير) الله سبحانه وتعالى ينزع التدبير الحالي فتكور الشمس وتصبح ذات ظلام حين ينزع الله تعالى منها نورها، هنالك (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴿١٤﴾) أي قامت الساعة وسنعلم حينها ما أحضرنا ونمضي إلى ما قدّمنا وكل واحد تقوم ساعته عند وفاته. الله سبحانه وتعالى لا يعرف الظلم وحرّمه على نفسه وحرّم على نفسه الشرّ. نرد على السؤال بقوله تعالى في سورة آل عمران (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ (26)) لم يقل بيدك الخير والشر، (بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)) سبحانك لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. الله سبحانه وتعالى حين يرفع الخير يحلّ محله الشر ولا ينزل هو تعالى بالشر، إذا ارتفع الخير حلّ مكانه الشر وإذا ارتفعت الملائكة حلّت الشياطين، إذا وضعت في البيت صوراً تغضب الله تعالى تخرج الملائكة وتحضر الشياطين. في غزوة أُحد ارتفع الخير بموجب عدم طاعة الرسول رغم أنه موجود صلى الله عليه وسلم، رغم ذلك حين وقع العصيان ارتفع الخير فنزل الشرّ. فالله سبحانه وتعالى عادل، الله سبحانه وتعالى حكم عدل لا يتسرب إليه الظلم أبداً سواء الآن أو يوم القيامة لهذا قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) يونس) (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت). الله سبحانه وتعالى يعلم ما في نفسك فلا يأتيك إلا بما تستحقه، وهكذا هو العدل وهكذا يريدنا الله سبحانه وتعالى أن نكون، نحن المسلمون مطالبون أن نكون في قمة العدل مهما كانت الظروف ولو عاد علينا بشيء من الوبال أو بشيء نكرهه (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ (216) البقرة) فالله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكون في قمة العدل ولذلك في القرآن إضارت وأنوار قرآنية تدلنا على هذا العدل وتبين لنا يكون ينبغي أن نكون وكيف لا نزيغ عنه أبداً.
أول هذه الأنوار الآية 135 في سورة النساء وهي من الآيات العظيمة التي يتفضل الله تعالى فيها بنداء المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) قمة العدل التي ينبغي أن تتجسد في المسلم المؤمن وإلا كان غيمانه ناقصاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) القسط هو العدل (كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) ولو أنك تعلم أنك إذا عدلت في أمر من الأمور سوف تصاب بمشكلة من نوع خاص فعليك أن تعدل، قل الحق ولو كان مراً. (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) قد يراود الشيطان أحدنا فيغير شهادته فيكون الحكم لصالح الظالم لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث عجيب: "إنكم تختصمونَ إليّ ولعلّ بعضكُم أن يكونَ ألحنَ بحجتهِ من بعضٍ . فأقْضِي له على نحو مما أسْمَعُ منهُ . فمن قَطعتُ له من حقِّ أخيهِ شيئا ، فلا يأخذهُ . فإنما أقطعُ لهُ بهِ قطعةً من النارِ". الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1713، خلاصة حكم المحدث: صحيح. قد يكون الظالم لديه قدرة في الكلام فيقضي له القاضي ويقضي على الآخر، يأخذ حق المظلوم ويعطيه للظالم بموجب كلام الظالم الذي عرف كيف يقدم سلعته أمام القاضي. فإذا قضى لك القاضي وأنت تعلم بأنك ظالم الإسلام يعلمك ألا تأخذ بما قضى به القاضي. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) وإذا غالبت نفسك ربما لا تستطيع أن تغلب عاطفتك في والديك وفي أقربائك لهذا أكّد سبحانه وتعالى على هذا الأمر (أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا) ربما تأخذك العاطفة وتقول هو فقير ربما لو حكم القاضي له بالقضية يتيسر له أمره ويصبح في يسر من أمره فألحن في الشهادة، لا، لا تستطيع! ولهذا قال تعالى (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) إياك أن تتبع الهوى فتحيد عن العدل (وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) وهو سبحانه الخبير بما نفعل والمطلع على ما في خلدك.
النور الثاني من هذه الأنوار في سورة النساء. قصة اليهودي الذي قيل عنه أنه سرق بهتاناً وظلماً والرسول صلى الله عليه وسلم كاد أن يحكم عليه بقطع اليد أو بحكم السارق الذي في التوراة وهو قطع اليد أيضاً. السارق الحقيقي ركّب التهمة على اليهودية وهو مسلم من بني سلمة كانوا في غزوة (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (161) آل عمران) وأحد المسلمين غلّ أي سرق درعاً من الغنيمة أعجبته فسرقها وخاف أن يفتضح أمره فألصق التهمة باليهودي وحتى يقتنع الناس بأن اليهودي سرق وضعها في متاعه ريثما تهدأ القضية ثم بعد ذلك يأخذه. لكن وجهت أصابع الاتهام لذلك الرجل المسلم فجاءت قبيلته يستنجدون برسول الله فقالوا كيف يسرق المسلم، السارق هو اليهودي اذهبوا وانظروا في متاعه فإن الدرع في متاعه فوجودها في متاع اليهودي وكاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدّق الكاذب فيأتي القرآن من فوق سبع سموات ويقول له (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٦﴾ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿١٠٧﴾ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴿١٠٨﴾ النساء) ففضح القرآن الكريم المسلم لصالح اليهودي، وهذا عدل مطلق في الدنيا قبل الآخرة. ثم تبين الأمر بعد ذلك فقال تعالى داعياً المسلم إلى التوبة (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١١٠﴾ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١١١﴾ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿١١٢﴾). ولهذا الله سبحانه وتعالى تدارك رسول الله بلطفه حتى لا يقع في الظلم وحتى يكون عادلاً في جميع قراراته صلى الله عليه وسلم وقال له بعدها (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣﴾ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١١٤﴾).
التعرف على منزلة العدل في ميزان الله سبحانه وتعالى
الميزان هو برهان العدل وهو عنوان العدل. القضاء يُعرف بالميزان. منزلة هذا العدل الذي نتكلم عنه منزلة عظيمة جداً لعل منزلة العدل في الإسلام وفي ميزان الله عز وجل لا تصل إليها أي منزلة أخرى، أعلى المنازل منزلة العدل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة) حتى مع الذي ظلمك (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (2) المائدة) فالعدل شيء عظيم والدليل على ذلك هو آيات عظيمة جداً في سورة الرحمن. صدر سورة الرحمن قال تعالى (الرَّحْمَنُ) الرحمن هو الله، اسم عظيم. هذه السورة نزلت للرد على المشركين الذين قالوا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) الفرقان) فأجابهم الله تبارك وتعالى بإنزال سورة الرحمن وعنونها الرحمن. ماذا فعل الرحمن؟ (عَلَّمَ الْقُرْآَنَ) وكل ما يفعله الله عز وجل عظيم ولكن أعظم شيء في هذا الكون الذي خلقه تعالى أن علّم القرآن وهو كلام الله أزلي غير مخلوق. (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾) المنطق لنا أن يقال الرحمن خلق الإنسان علمه القرآن ولكنه قال (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾) ذكر الرحمن مرة وذكر القرآن مرة وذكر الإنسان مرة وذكر البيان مرة وذكر الشمس مرة وذكر النجم مرة وذكر الشجر مرة وذكر الأرض مرة وذكر السماء مرة (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿٥﴾ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴿٦﴾ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿٧﴾) كل شيء ذكره مرة واحدة ثم قال (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿٧﴾ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿٨﴾ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾) ثم قال (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾) وذكر الأرض مرة واحدة (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١﴾ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿١٢﴾ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿١٣﴾) الشيء الوحيد الذي ذُكر خمس مرات هو العدل لأنه سبحانه وتعالى أقام هذه السماء ورفعها سبحانه وتعالى بالعدل ورفع واقام الأرض بالعدل بل أقام الكون كله بالعدل فإذا اختل العدل اختل الكون وهذا شيء ظاهر بيّن وعلى الإنسان أن يلتزم العدل في حياته مهما كانت الظروف وإلا يكون مخطئاً وكل ما نراه من ظلم في هذه الدنيا الآن ناتج عن اختلال العدل في الإنسان وكل ما نراه من مصائب تقع للمسلمين في هذا الزمان فهو عائد لتركهم العدل في حياتهم ولتركهم القسط في حياتهم ولتركهم تعاليم القرآن التي جاءت بالدعوة إلى العدل مهما كانت الظروف حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية: إن الله تعالى لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. ولاحظوا أن الإصابة بالمشاكل وما يقع للناس في هذا الكون إنما يقع بميزان العدل وليس بميزان الإيمان. حكم الله لا يحابي أحداً وساء كان مسلماً أو غير مسلم ولو أن هذه الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء كما قال صلى الله عليه وسلم ولكن عدله سبحانه وتعالى أبى إلا أن يعطي للكافر والفاجر والمسلم والطالح والصالح. بل أكثر من ذلك إذا قام المسلم بخطأ بسيط قليل يقع عليه من الابتلاء ما لم يكن يتصوره والكافر يمكن أن يموج في المشاكل والذنوب والإثم ولا يقع له شي وهذا من عدل الله عز وجل، كيف ذلك؟ ربما ننظر إلى هذا الأمر كأنه ليس عدلاً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. فكيف يبتلى الأنبياء أكثر من غيرهم؟ هذا الابتلاء يتعامل مع الأفعال فإذا خرقت أنت المسلم قانون الناموس الذي يسير به الكون فبمجرد أن تخرقه ولو بشيء قليل فإن الله يؤاخذك عليه لأنه يحبك ولا يريد منك أن تُخل بالقانون الذي سنّه سبحانه وتعالى أما الكافر فليفعل ما يشاء (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٨٢﴾ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴿١٨٣﴾ الأعراف) الحساب يوم القيامة أما الدنيا يقع فيها ما يقع وهذا مصداق قوله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) هود) الأمر بيّن فلا تشمئز ولا يصبك شيء من الإحباط، أنت مسلم وإذا أصابك البلاء فلتصبر ولتحتسب وكن ممن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون كلما أُصبت بشيء ولو كان صغيراً ولو كان ضئيلاً قل إنا لله وإنا إليه راجعون.
 
معاني العدل في القرآن - الحلقة الثالثة
النور - القسط - الميزان - الحق

العدل في القرآن ورد في كثير من الآيات القرآنية وكثير من السور، منها ما يصف منزلة العدل أي القسط كما قال الله تعالى (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7) الرحمن) والميزان هنا بمعنى العدل لأن الميزان عنوان العدل، كرر معنى العدل في هذه الأية خمس مرات.
والكون لم يقم إلا بالعدل لأن الله تبارك وتعالى قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ(3) النحل) أي العدل فلا يمكن لهذا الكون أن يسير بدون عدل فلو اختل العدل ولو قليلاً لاندثر هذا الكون والدليل على ذلك (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ(2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)) إلى قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ(14) التكوير) متى تقوم القيامة؟ حين يختل الميزان.
آية أخرى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ(135) النساء) الإنسان مطالب بالعدل في حياته حتى يتماشى مع صيرورة الكون فإذا طلق هذه الصيرورة كان من الخاسرين لأنه لم يندمج في النظام الذي خلق الله عليه هذا الكون فاصبح من الخاسرين، ولذلك الله يتوعد الظالمين في كثير من الآيات، من هم الظالمون؟ هم الذين لا يطبقون العدل في حياتهم كل من تجاوز حداً من حدود الله كان ظالماً ومن كان ظالماً كان خاسراً
العدل قوام الحياة وليس المال فقد يكون لديك مال كثير ولكن لا حياة لك لأنك لا تقيم العدل في حياتك، وهو تتسع جوانبه إلى كافة مناحي الحياة ولا تكاد تجد منحى واحداً في هذه الحياة الدنيا لا يحتاج إلى العدل.

في سورة الإسراء آيات متتالية فيها معنى العدل:
الآية الأولى
(وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)) أين يتجلى العدل في هذه الآية؟ كأننا للوهلة الأولى لا نجد للعدل علاقة بها ولكن حين نتمعن فيها نجد العدل ساطعاً مهيمناً على هذه الآية. الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالعدل في الإنفاق، تنفق على نفسك ولكن لا تستأثر وحدك بما تملك، التبذير المنهي عنه هنا التبذير على النفس وليس على الغير.

الآية الثانية
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)) أين العدل هنا؟ هذا درس ثاني قد تكون للإنسان علاقات مع الناس وتأتيه المظالم فيظلمه الناس ويقرر مع نفسه أن يعتزل الجميع ويقاطعهم جميعاً، هل يجوز ذلك؟! لا يمكن أن يجوز، ديننا دين التعارف والمحبة والمودة فلا يمكن للإنسان أن يعتزل الناس لأنهم يظلمونه، فالله عز وجل هنا يحذر نبيه الكريم هنا (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا) أي بنية صالحة أنت تريد أن تعتزل الناس لكي تتعبد هل يجوز لك ذلك؟ لا، اِفعل إن شئت ولكن مقابل ذلك لا تعتزل بالمرّة اِرجع إلى الناس وكلمهم (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) أرأيتم العدل كيف يتجلى في الآية؟.

الآية الثالثة
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)) أين مظهر العدل هنا؟ ظاهر وواضح للعيان في موضعين اثنين: الأول يتعلق بالإنسان والثاني يتعلق بالله عز وجل وعدله العظيم. قال (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) بعد أن نهانا عن التبذير يقول لنا هكذا يكون الإنفاق أي لا تكن بخيلاً.. أينما ذهبت وجدت العدل الكون كله قائم على العدل ولا يمكنك أن تخرج عن هذا النطاق لأنك إذا خرجت هلكت.
• العدل في الآية الأولى بالنسبة للإنسان هو في الإنفاق الإنسان إذا أراد أن ينفق فهذا شيء عظيم ولكن احذر أن تبسط يدك فتصبح خالي الوفاض. والعدل هنا بمعنى الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا(143) البقرة) فالمؤمن المسلم مثال للوسطية في كل شيء وفي الإنفاق بصفة خاصة.
• أما الآية التي تذكر الله سبحانه وتعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(30)) فالعدل فيها في التوسط، فالله يرزق من يشاء ويقبض الرزق عن من يشاء قال الله سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(71) النحل) الله يفضل بعضنا على بعض في الرزق ولكن الرزق ليس في المال فقط فالرزق قد يكون مالاً أو جمالاً أو عافية، فيعطي لكل واحد ما يستحق ولهذا قال (ويقدر). والعدل يظهر هنا في هذه الكلمة (ويقدر)
• هناك سؤال لماذا ختم الآية بـ(إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) ولم يختمها بـ(عليما حكيم)؟ لأن البصيرة والخبرة هنا جاءتا في مكانهما اللائق بهما لأنه ببصيرته سبحانه وتعالى يعرف حاجة كل واحد منا فيعطي كل واحد بقدر حاجته والخبرة بمعنى البصيرة.
الآية الرابعة
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(31)) العدل مرة أخرى في الإنفاق في المعاملة مع الأبناء وعدم قتلهم خشية الإملاق، هناك من يقتل أبناءه قبل ولادته وهو جنين أو بعد ولادته، والله يقول (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ) والعدل يتمثل هنا في الرزق للآباء وللأولاد يمكن لك أن تحيا في رزق من تتصدق عليه من أبنائك فكيف تقتلهم؟!!
الآية الخامسة
(وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32)) العدل في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى لم ينه الناس عن الزنا فقط وإنما من عدله أن أوجد لهم مصارف حلال يقضون فيها شهواتهم وحاجاتهم فأباح لهم الزواج وأباح لهم التعدد في حالات وبشروط وهذا من العدل.
الآية السادسة
(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا(33)) العدل هنا في مكانين وموضعين اثنين
• الموضع الأول في قوله (إلا بالحق) أي إلا بالعدل لا يجوز لك أن تقتل ولكن إذا تعين ذلك فينبغي أن تجتمع لديك بعض العوامل التي تبيح لك القتل وإلا تكون ممن قال فيهم تعالى حين توعدهم بوعيد ليس هناك أشد منه في القرآن قال الله تعالى في سورة النساء (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93) النساء) لأن القتل العمد هو أقرب فعل إلى الشرك أي هو أقرب ذنب إلى الخلود في النار (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) الفرقان) فوضع هذه الثلاثة في مرتبة واحدة (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70) الفرقان) إن تبت من الشرك ومن القتل ومن الزنا غفر لله لك (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70) الفرقان)
• أما المظهر الثاني من مظاهر العدل في هذه الآية (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) أنت تريد أن تنتقم من قاتل ابنك أو والدك أو أخيك لك الحق في ذلك ولكن لا تسرف، كانوا في السابق إذا قتل أحدهم قتلوا أكثر من واحد إنتقاماً، العدل هو أن تقتل القاتل فقط أما غير القاتل فلماذا تقتله ؟! هذا ليس عدلاً. كان اليهود يقتلون القاتل والنصارى يعفون عن القاتل فجاء القصاص بين بين والتوسط عدل. القصاص من حقك وأخذ الدية من حقك والأكمل العفو.
هناك مظاهر أخرى للعدل
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34)) هذه الآية مظهر العدل فيها واضح، الله تعالى يقول (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي إذا كان تحت يديك يتيم تكفله فعليك ألا تتصرف في ماله مادام لم يبلغ سن الرشد إلا بإحسان بالغ فلا تأخذ منه إلا ما تحتاجه للنفقة عليه وإذا أخذت لنفسك فلا تبذر ولا تأخذ أكثر مما يليق وإن كنت مستغنياً عن مال اليتيم فعليك أن تستغني (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) الوفاء من العدل والعهد من العدل أوفوا بالعهد الذي أخذتموه على عاتقكم أن تكونوا أولياء لليتامى (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)
تأتي بعد ذلك الآية غاية في العدل (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(35)) ثم قال الله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36)) فلا تسرف في استعمال جوارحك في الحرام والحلال لأن كل شيء ستسأل عنه، استخدم كل هذا الجوارح بعدل لا إفراط ولا تفريط!
ثم ختم المقطع (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا(39)) ختم المقطع بأن القرآن هو الحكمة وبما أن القرآن فيه هذه المظاهر من مظاهر العدل فالقرآن عدلٌ كله.
 
العدل في القرآن – الحلقة 2

العدل نسميه القسط أو الميزان، هذا العدل هو قوام الحياة فلا تستقيم حياة في هذا الكون بدون عدل ولا يمكن أن نتصور أن تمشي الأمور في الطريق الصحيح بدون عدل لأن العدل هو الذي قامت به السموات والأرض فمتى اختل ميزان العدل ولو قليلاً في الكون اندثر الكون والدليل على ذلك وأن الله سبحانه وتعالى أوقف قيام الساعة المجهول، نحن لا نعرف مت ستقوم الساعة ولا أحد يستطيع أن يعرف متى تقوم الساعة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (34) لقمان) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) الأعراف) وقال تعالى عنها (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ (63) الأحزاب). الله سبحانه وتعالى أوقف قيام الساعة على اختلال العدل في الكون، إذا اختل العدل في الكون قامت الساعة ومعنى هذا الكلام هو العدل الذي بنى الله تبارك وتعالى عليه الكون حيث قال – وهذا مثال من بين أمثلة كثيرة يمكن أن نجد في القرآن – قال (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿٣٨﴾ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿٣٩﴾ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٤٠﴾ يس) ما هو القانون الذي يمنع الشمس من أن تدرك القمر ويمنع القمر من أن يدرك الشمس ويمنعهما معاً من أن يلتقيا في فلكيهما؟ وهذا مثال الشمس العظيمة ومثال القمر الصغير فما بالك بملايين الأفلاك وملايين الكواكب وملايين الشموس والنجوم؟! ولا واحدة يمكن لها أن تلتقي بالأخرى وهذه نتيجة العدل في تكوين الكون وفي خل هذا الكون وإنشائه من أول مرة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) وهذه الزيادة تكون وفق قانون عدلي مُحكم، لأن الله تبارك وتعالى ربط تكوين هذا الكون وخلقه بحكمته وبإحكامه والإحكام لا يُنبئ إلا عن العزة وعن القوة وعن العلم. ولهذا حين ذكر ربنا عز وجل فضية الشمس والقمر (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) قال قبلها (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فقوته وعلمه جعلتاه سبحانه وتعالى يُحكم خلق الكون ويوم القيامة سيأمر هذا الميزان هذا العدل هذا الإحكام سيأمره أن يختل وحينئذ سيندثر الكون.
العدل رديفه القيومية قال الله سبحانه وتعالى عن نفسه (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (255) البقرة) لو أنه مات تعالى عن ذلك علواً كبيراً لاختل الكون لأن حياته تتيح له قيومية على الكون (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ) لا ينام ولا طرفة عين ولا أقل من ذلك لأنه لو نام لغاب العدل ولاختل الكون بكامله. مسألة الخلق قائمة على العدل وذكرنا دليلاً على ذلك تلك الآيات التي افتتحت بها سورة الرحمن حين ذكر الله تبارك وتعالى حين ذكر الرحمن مرة واحدة وذكر القرآن مرة واحدة وذكر الإنسان مرة واحدة وذكر البيان مرة واحدة وذكر الشمس والقمر مرة واحدة وذكر النجم والشجر مرة واحدة وذكر السماء مرة واحدة وذكر العدل خمس مرات فقال (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿٧﴾ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿٨﴾ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾ الرحمن) تتبين لنا أهمية العدل هنا في إقامة الكون بكامله وهذه الأهمية تسري كذلك في تسيير مجتمعات البشرية فإذا اختل العدل في تلك المجتمعات اندثرت المجتمعات وغابت عن قافلة المتقدمين من المجتمعات. فالعدل قوام الحكم وإذا اختل العدل في أمة ما تراجعت تلك الأمة بل غابت وهذا الذي وقع حين قال الله تبارك وتعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا (16) الإسراء) فسقوا اي ظلموا والظلم ضد العدل (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) لا يستساغ أن تدمر قرية أو دولة أو بلاد والعدل قائم فيه، لا يمكن، لأن الله تبارك وتعالى لا يظلم وبالتالي لا تُهلك الأقوام إلا إذا ظهر فيها الظلم وغاب عنها العدل وهذه سنة الله في الكون وجعل هذه السنة سارية المفعول في جميع جزئيات الخلق سواء كان ذلك في الإنسان أو في الحيوان أو في النباتات أو في الجمادات.
القيامة لا تقوم إلا إذا اختل ميزان الكون اي عدل الكون والدليل في القرآن الكريم قال تعالى حين أراد أن ينبئنا بقيام الساعة ويدلنا على أماراتها وعلاماتها الكبرى والصغرى قال (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿٤﴾ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿٥﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿٦﴾ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴿٩﴾ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿١٠﴾ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴿١١﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿١٢﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿١٣﴾ التكوير) عندما يقع كل هذا ستقوم الساعة (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)). وساعة كل واحد منا تقوم عند موته لا ننتظر قيام الساعة لكن هنا سيكون العلم مضاعفاً ويقف الإنسان عند الحساب لأن الساعة قد قامت ويكون قد علم عند الموت طبيعة مصيره ولكن رغم ذلك ينتظر أن تقوم الساعة ويوقف للحساب. (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) اي إذا اختل نظام الشمس، الشمس الصفراء المضيئة تصبح مكورة أي مسودة ليس فيها ضياء، تكوير الشمس هو غياب ضياؤها وكذلك انكدار النجوم هو اختلال الناموس الذي يسيرها أي اختلال العدل التي كانت قائمة عليه من أول الزمن. إذن القيامة لا تقوم إلا إذا اختل العدل في الكون، اختل الميزان الذي وضعه الله سبحانه وتعالى حين رفع السماء (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿٧﴾ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿٨﴾ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾ الرحمن).
هذا الميزان نجده متراكباً لا خلل فيه حين تتساوى فيه كفّتاه تكون الإبرة فيه تشير إلى الوسط وهذا الوسط يدل على العدل والقسط ويدل على أن العدل والقسط هو الوسط وما كانت أمة الإسلام من الأمم المفلحة إلا لما كانت أمة وسطاً اي أمة يسود فيها العدل (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ (143) البقرة). الإنسان إذا أراد أن يكون عادلاً ينبغي له أن يبتغي الوسطية في كل شيء يقترفه في هذا الكون، في كل شيء يقوم به في الكون يتحرى دائماً الوسط، لا ضرر ولا ضرار، لا إفراط ولا تفريط، نبحث دائماً على الوسطية لأنه إذا اختلت الوسطية اختل العدل وإذا اختل العدل اختل كل شيء ولم يعد بالإمكان أن نحيا في الظروف التي أرادها الله للخلق.
تحدثنا سابقاً عن العدل الذي يتبادر إلى الأذهان وهو العدل في الحكم فالآن نتحدث عن أنواع من العدل أخرى لأن العدل إذا ذكرناه أول ما يتبادر إلى أذهاننا العدل عند القاضي، العدل في الحكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135) النساء). الآن نتحدث عن اشياء أخرى في العدل حتى يتبين أن العدل يدخل في كل منحى من مناحي الحياة كل جزئية من الجزئيات التي نتخبط فيها في هذه الدنيا إلا وهي قائمة على العدل وإذا اختل فيها العدل ذهبت واندثرت (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴿١﴾ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ﴿٢﴾ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴿٣﴾ فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ﴿٤﴾ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ﴿٥﴾ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴿٦﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴿٧﴾ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴿٨﴾ المرسلات) هذا غياب العدل، هذا قيام الساعة (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴿٨﴾ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ﴿٩﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴿١٠﴾ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴿١١﴾ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴿١٢﴾ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴿١٣﴾) العدل يتدخل في كل شيء. فإذا كان يتدخل في الحكم بموجب هذه الآية فهناك آيات أخرى تدلنا على هذا الأمر أيضاً فقد قال تبارك وتعالى في سورة النساء آية أوضح من هذه ولكن أقل تفصيلاً منها، هذه تدلنا على أن العدل ينبغي أن يكون في جميع صفوف المحبين والمحبوبين قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) النساء) وفي الآية الأخرى قال ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء).
وهناك آية أخرى في سورة المائدة تشبه الأولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ (8) المائدة) قال بعدها (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) تحروا العدل، حين قال سبحانه وتعالى اعدلوا هو يعلم أن نزعة الظلم في الإنسان منتشرة فيأمرنا بالعدل أي بتحري العدل في كل شؤوننا ونبذل كل الجهد لكي نصل إلى درجة العدل غير المثالي لأننا لن نستطيع أن نصل إلى درجة العدل المطلق وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129) النساء) ولكنه من واجبنا أن نتحرى العدل في كل شيء نقوم به.
فإذا خرجنا عن نطاق الحكم وجدنا العدل منتشراً في كل شيء وواجباً ارقاره في كل جزئيات الحياة. نذكر مثالين:
المثال الأول العدل في الكلام: الله سبحانه وتعالى أراد منا أن نتحرى العدل في كل ما نقوله فجعل ذلك من الوصايا المهمة العظيمة التي أوصانا بها في القرآن الكريم ضمن الوصايا العشر التي وردت في خواتيم سورة الأنعام وهذه الوصايا هي منهاج حياة وشعار المسلم في حياته (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿١٥٢﴾) ثم ختمها بالعاشرة (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٥٣﴾). من بين هذه الوصايا التي أوصانا بها سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) ما معنى العدل في الكلام؟ وما معنى العدل في القول؟ العدل في القول هو ابتغاء الوسطية في الكلام والوسطية في الكلام هي الصدق ونبذ الكذب. المسلم لا يستطيع أن يكذب والذي يكذب من المسلمين في إسلامه دخن واعوجاج في قلبه مرض، المسلم لا يكذب. المسلم الذي يبيح لنفسه أن يكذب لا يشعر بعظمة الله عز وجل الذي يراقبه من فوق سبع سموات وقال في القرآن الكريم (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق). قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (وإيَّاكم والكذِبَ فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا) والعكس بالعكس صحيح قال صلى الله عليه وسلم (إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقًا. الراوي: عبدالله بن مسعود - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6094 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح]) اللهم اجعلنا من الصادقين إن لم تجعلنا من الصدّيقين لأن الصديقية فوق الشهادة (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) الصديقية هي الدرجة الثانية بعد النبوة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما خطت رجلان على هذه الأرض خير من رجلي أبي بكر بعد الأنبياء) لأنه كان صديقاً وصادقاً (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر) الذي صدق به أبو بكر نجح بصدقه نجح بعدله بوسطيته في الكلام. يقول صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو فليصمت. وإياك أن تتلفظ بكلمة شر أو بكلمة كذب أو بكلمة بهتان أو بكلمة باطل، فكِّر قبل أن تتكلم وقد جعل الله لك لساناً واحداً وأذنين حتى تسمع ضعفي ما تتكلم به. لكن للأسف الناس تتكلم أكثر مما تسمع والأصل أن تسمع أكثر مما تتكلم! العدل في الكلام هو الصدق (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) معنى هذه الآية الشهادة أي أن الإنسان إذا أراد أن يشهد لأحد يتحرى بذلك العدل بألا يكذب وأن يتحرى الصدق في شهادته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) البقرة) لا ينقص لأن النقصان مظنة الظلم (وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ) (وَإِن تَفْعَلُواْ) إذا خرجتم عن هذه الأمور في الشهادة والعدل والكتابة والدين (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الشاهد أن الإنسان حين يريد أن يتلفظ بكلمة يريد أن يشهد لأحد أو يشهد على أحد يتحرى العدل أي يتحرى الصدق.
المثال الثاني هو العدل في غير الحكم وفي غير الكلام أي في المعاملات الأخرى اليومية التي تدور بيننا وهو في مجموعة من الآيات وفي كل كلمة منها وهي آيات في سورة الإسراء. الله تعالى ذكر العدل خمس مرات في مفتتح سورة الرحمن لأن له أهمية عظيمة جداً فالعدل لا يكاد يخلو منه شيء. كل الآيات التي استشهدنا بها هي آيات مدنية سوى آيات الرحمن فهي مكية على الأرجح ولكن هنالك خلاف على أن آيات سورة الرحمن مدنية إلا في المصاحف الشرقية فقط ستجدون أنها مكية وهذا يدل على أن فيها اختلاف، والأصح والأرجح أن سورة الرحمن مكية. هذه الآيات من سورة الإسراء وهي سورة مكية لا خلاف فيها. لو قلنا أن العدل في الأحكام فسوف لن نجد العدل إلا في السور المدنية مثل سورة المائدة والنساء والبقرة (آية الدين) وغيرها من السور لكن العدل مذكور ايضاً في القرآن المكي وسورة الإسراء مثال لذلك. يقول تعالى إشارة منه للعدل في الانفاق (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء) العدل في الانفاق. الإنفاق من العمل الصالح المرغوب فيه (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (219) البقرة) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر ٍفَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة) تتكرر دعوات الإنفاق في القرآن لكن في آية سورة الإسراء يعطينا قاعدة هامة وأصلية في القرآن المكي قبل أن ينزل الأمر بالإنفاق (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) لا تكن بخيلاً، أنفِق ولكن لا تنسى أن تترك لنفسك شيئاً وهذه هي الوسطية في الإنفاق (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)) حين تريد أن تنفق ضع نصب عينيك الآية التي تأتي بعدها (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ) حتى تعلم أنك لست أنت الذي تنفق على غيرك وإنما الذي ينفق هو الله (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ) أعطاك فأنفق ولكن بمقدار لأنك لن تستطيع أن تبسط يدك بالرزق كما سيبسط الله تبارك وتعالى يده بالرزق.
يقول تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا (31)) ظلماً كبيراً والظلم ضد العدل. لا يمكن أن تقتل ولدك أو بنتك ولا زالوا في رحم أمهم لأن القتل الآن أباح قتلاً مستوراً من خلال الإجهاض وقد أفتى من أفتى أن الإجهاض حرام إلا أن يكون في ظروف جد خاصة يقوّمها الأطباء بمعرفتهم وعلمهم وكفاءتهم ولكن هذه الظروف لا بد أن تكون مُحكمة عادلة لا تذهب ضد التيار العادل الذي خلق الله سبحانه وتعالى عليه الكون. الإجهاض هو تعدي على صيرورة إلا في الظروف التي ذكرنا. العدل هو أن تنفي عن نفسك قتل النفس وقتل الولد (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا)
 
معاني التقوى في القرآن الكريم

التقوى

من معاني النور في القرآن التقوى، لأنها أهم ما في هذا الدين فإذا كان هناك هدف لإنزال القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لن نجد أسمى وأفضل من إرساء التقوى في قلوب الناس وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء ولهذا سنجدها تتكرر في القرآن الكريم فلا تكاد سورة تخلو من معنى من معاني التقوى ولكن ليس دائماً بلفظ التقوى ولكن بألفاظ أخرى كـ (اتقِ الله أو المتقين) أما لفظ (التقوى) فلا يتكرر كثيراً في القرآن، وقد ذُكر في القرآن الكريم ذكر خمسة عشر مرة فقط.
1- الآية الأولى آية الحج وكما نعلم أن الحج من أعظم الطرق المؤدية إلى التقوى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (127) البقرة)، من أراد السفر في الدنيا فعليه أن يتزود بالأغراض الشخصية التي يحتاج إليه في سفره ولكنه يحتاج إلى المال الذي هو خير زاد في السفر قد يغنيك عن غيره من الأغراض ولكن الأحسن من ذلك وعلاوة على المال أن تتزود بالتقوى لأن التقوى بركة وتيسر لك الطريق والسفر ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى) والعمل الذي يرضاه الله عز وجل حتماً يوصلك إلى التقوى، فكل شيء في هذا الدين يدور على التقوى فهي أهم شيء وكما أن العدل أهم شيء في الكون فالتقوى أهم شيء في الدين.
2- يقول الله تعالى (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (237) البقرة) دل ذلك على أن من معاني التقوى ومن الطرق التي تؤدي إلى التقوى العفو.
3- يقول تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (2) المائدة) من معاني التقوى أنها ضد العدوان، والعدوان هو الظلم وهو تجاوز الحدود وكل أمر تتعدى فيه الحدود تكون ظالماً غير تقي.
4- من معاني التقوى أيضا العدل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) المائدة) فالعدل يوصلك إلى التقوى وهو من الطرق المؤدية إلى التقوى.
5- (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف) المؤمن يلبس لباسين اللباس الذي يستر به عورته ولباس آخر يستر به عيوبه وذنوبه ألا وهو لباس التقوى.
6- (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة) الشاهد هنا أن النية الأولى التي يتأسس عليها كل عمل يقوم به الإنسان في هذه الدنيا ينبغي أن تكون ابتغاء التقوى تبتغي وجه الله، فالمقصود في الآية أن كل عمل يقوم به الإنسان ينبغي أن يؤسس على التقوى وإذا خُيّر بين عملين أحدهما مؤسس على التقوى والآخر غير ذلك عليه أن يختار العمل المؤسس على التقوى ولهذا جاء في الآية التالية (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة).
7- (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه) التقوى هنا بمعنى الطريق إلى الفلاح، فإذا أردت أن تكون من المفلحين فعليك أن تكون من المصطبرين على الصلاة. والمصطبرين أكثر من الصبر أي يحملون أنفسهم إقامة الصلاة ولا يقتصرون على أدائها في أوقاتها فقط وإنما يحرصون كل الحرص على إقامتها حق الإقامة وهنالك تصبح من المتقين والعاقبة تعود إليك والعاقبة هنا كسب رضا الله عز وجل ودخول الجنة.
8- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج) تعظيم الشعائر هو سبيل من السبل التي توصلك إلى التقوى فإذا سمعت أمراً من الله عز وجل أو من قبل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فما عليك إلا أن تقول سمعت وأطعت تعظيماً منك لتلك الشعائر التي أمرت بها، فأمر الله يُعظَّم ولا يُستهان به وكذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء).
9- (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37) الحج) أن الله تبارك وتعالى كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم لكن ينظر إلى القلوب هل فيها تقوى وخشية وإيمان أم لا؟ وبيّن لنا الله المعيار الذي يميز به بين الناس فقال (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) الحجرات)، فمن أراد أن يصل إلى رضى الله عز وجل فعليه أن يغسل قلبه بالتقوى.
10- (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا (26) الفتح) وهذا إقرار من قبل الله عز وجل بأن المؤمنين الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهلاً للتقوى وهو خاتم ختم به الله سبحانه وتعالى المؤمنين الذين كانوا يصحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
11- (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) الحجرات) من معاني التقوى اِحترام النبي صلى الله عليه وسلم، سواء أمامه أو في غيابه صلى الله عليه وسلم أو عند سماع أحاديثه أو ترديد اسمه لا ترفع صوتك على صوت الرسول.
12- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى (9) المجادلة) المعنى الظاهر هنا هو أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم مع أحد فلا يتكلم إلا بالبر ولا يُبطن في نفسه غير التقوى.
13- (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) المدثر) هنا ظهرت التقوى كصفة من صفات الله عز وجل.
14- (أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) العلق) من براهين هدى الإنسان وإقباله على الله أن يأمر الناس بالتقوى وألا يقتصر على نفسه بأمرها بالتقوى وهذا إعلان من الله عز وجل بأن الإنسان التقي حريص على نشر معاني التقوى في محيطه المباشر والبعيد كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.
 
عودة
أعلى