التلمودان والجسد الملقى على كرسي سليمان

إنضم
1 فبراير 2016
المشاركات
671
مستوى التفاعل
18
النقاط
18
الإقامة
مصر
المصدر التلمودي لتفسير الآية 34 من سورة (ص) بروايتيه البابلية والأورشليمية

البحث منشور على موقع مداد

ملخص:
عند ربط آية "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب" بالقصة الإسرائيلية القائلة بتجسد شيطان في صورة النبي سليمان تباينت آراء المفسرين بين القبول والرفض والاعتراض على بعض جزئيات القصة. يعرض هذا البحث أبرز اعتراضاتهم، ويترجم القصة الأصلية الواردة في التلمود البابلي، ثم يكشف - لأول مرة للقارئ العربي على حد علم الباحث - روايتها البديلة الموجودة في التلمود الأورشليمي، ويعيد النظر في الاعتراضات في ضوء هذه الرواية الثانية.


اقتباسات منه:
[
عند النظر في تفاسير الآية 34 من سورة (ص) يجد المرء نفسه مضطرا للاختيار من بين ثلاثة أنواع من الأقوال، أحلاها مر:
- إما رواية إسرائيلية يثير قبولها إشكالات إسلامية
- أو ربط الآية بنصوص إسلامية مقبولة في ذاتها لكن تعلقها بالآية محل شك
- أو تخمين الواقعة التاريخية المبهمة في الآية

ولما ظهر لي أن للرواية - في مصادرها اليهودية الأصلية - صورتين لا صورة واحدة، وأن إحداهما تختلف كثيرا عن أختها، وأنها غير متاحة للقارئ العربي حتى اليوم، سألت:
هل تزول اعتراضات المعترضين لو أخذوا في الاعتبار هذه الرواية الثانية وتركوا أختها؟]

[(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) - ص 34
يحتار السامع للوهلة الأولى في هوية ذلك الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان، ولهذا راح بعض المفسرين يبحثون عن تفاصيل القصة في مصادر خارجية. وإذ لم تشر الأحاديث النبوية بصراحة لواقعة إلقاء الجسد على الكرسي، ولم ترد في أسفار التوراة الحالية إشارة لها، اتجه بحث المفسرين لما عند أحبار اليهود من كتابات أخرى، خصوصا ما عندهم من سير أنبيائهم المبثوثة في التلمود البابلي وفي التفاسير المعروفة بالمدراش، وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم في قصة تزعم زوال مُلك سليمان مؤقتا عندما تشبّه شيطان بصورته واستولى على ملكه. ولا يكاد يخلو كتاب تفسير من ذكر هذه القصة، سواء رأى المفسر صحتها أو رفضها]

[ما نجده في التفاسير - خصوصا ما رواه الطبري عن قتادة - من قصة تجسد شيطان في صورة سليمان، يعود في أصله لإحدى قصص التلمود البابلي، نجدها في قسم (جطين Gittin - عقود الطلاق) الورقة 68 (أ & ب)]

[الاعتراضات على القصة الإسرائيلية الواردة في كتب التفسير، برواياتها المختلفة:
- تمكن شيطان من زوجات نبي فيه هتك لستره بما لا يليق بمقام النبوة
- تسخير الشياطين لسليمان والاستعانة بهم في البناء كانا بعد فتنة إلقاء الجسد لا قبلها
- التسول لا يليق بمقام النبوة، وقد كان رسولنا لا يأكل الصدقة
- تمثل الشياطين بالأنبياء يشكك في صحة مصدر تلقي الوحي، وقد نفى رسولنا إمكانية تمثل الشيطان بصورته حتى ولو في المنام
- مُلك سليمان كان منحة ربانية، لا تزول بفقد خاتم
- ليس للشيطان سلطان على عباد الله الصالحين]

الرواية البديلة الموجودة في التلمود الآخر، التلمود الأورشليمي:
[نجد رواية التلمود الأورشليمي لقصة زوال مُلك سليمان في قسم (سنهدرين) فصل 2 فقرة 6
אָמַר הַקָּדוֹשׁ בָּרוּךְ הוּא לִשְׁלֹמֹה.
מָה עֲטָרָה זוֹ בְרֹאשְׁךָ.
רֵד מִכִּסְאִי.
רִבִּי יוֹסֵי בֶן חֲנִינִה אוֹמֵר.
בְּאוֹתָהּ שָׁעָה יָרַד מַלְאָךְ
וְנִדִמֶה כִדְמוּת שְׁלֹמֹה וְהֶעֱמִידוֹ
מִכְִּסְאוֹ וְיָשַׁב תַּחְתָּיו.

"نقحرة" النص، أي نقل حروفه لحروف اللغة العربية:
"امر هـ قدوش بروك هوا لـ شلومه: مه عطره ذو بـ راشك؟ رد م كساي! ربي يوسي بن حنينه اومر: بـ أوته شعه يرد ملاك وندمه كـ دموت شلومه وهعميدو م كساو ويشب تختيو"

الترجمة العربية:
"قال الرب القدوس المبارك لسليمان: ما هذا التاج على رأسك؟ قم من على كرسيي! الراباي يوسي بن حنينه قال: توا (بهذه الساعة) نزل ملاك - شبهه كشبه سليمان ومقاييسه - على كرسيه وجلس مكانه"
]

[عند مقارنة الرواية الأورشليمية بالبابلية نلاحظ:
- قصرها
- أن الحال محل سليمان مؤقتا على عرشه كان أحد الملائكة، لا أحد الشياطين
- الرواية لا تذكر الخاتم
- أنها تجعل سبب زوال السلطة هو توسع سليمان في مظاهر الجاه]

[لا تسمح الرواية باحتمالية تصور الشياطين بصورة الأنبياء بحيث يلتبس على الناس مصدر الوحي حتى يصعب التمييز بين الوحيين الرحماني والشيطاني. فقد زال هذا الاعتراض.

لكن هل يقوم الملَك في هذه الحال مقام النبي كمصدر وحي للأمة؟
معلوم أنه - فرضا - لو كان الله قد جعل الملائكة رسلا للبشر لكان سيجعلهم في صورة بشرية، كما جاء في سورة الأنعام (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) [الأنعام 9]، لكنه فرض غير متحقق، إذ يتعارض مع تخصيص الرسالة في البشر (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) [الأنبياء 7-8]، حيث أن الملائكة الذين ينزلون بالوحي هم رسل للرسل، لا للأمة ككل.
فربما جاز لملك متجسد بصورة نبي أن يقضي بين الناس لفترة مؤقتة، وكأنه بمرتبة قاضي مكلف أو نائب للنبي، لكنه لا يصبح نبيا للأمة.
لكن هل يجوز لهذا الملَك المتجسد أن يجتهد في ما يجد من أقضية، أم يتوقف عند ما سبق لسليمان أن حكم به بالفعل؟ الله أعلم.
وهل تقمصه لهذا الدور المزيف يعتبر من الكذب المحرم الذي لا يتصور صدوره عن الملائكة؟ لا، حيث نعلم من حديث الأبرص والأقرع والأعمى - لما أراد الله أن يبتليهم - أن أحد الملائكة ظهر للثلاثة متنكرا في صورة رجل وقال: "رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك"]
 

المرفقات

  • التلمودان وسليمان - 3 - سلامة.pdf
    197.3 KB · المشاهدات: 4
التعديل الأخير:
السلام عليكم ورحمة الله
هذ بعض النقاط حول مقالتك :
1 ) شيئ طبيعي أن تجد قصة النبي سليمان في التلمود ولا تجدها في التوراة وذلك لأن التوراة نزلت على سيدنا موسى عليه السلام أما سيدنا سليمان عليه السلام فكان بعده بزمن طويل .
2 ) التلمود هو كتاب مقدس عند اليهود، ويُعدّ النص المركزي لليهودية الحاخامية، وهو مصدر الشريعة الدينية اليهودية (الهلاخة) واللاهوت اليهودي. يتكون التلمود من قسمين رئيسيين:
* المشنا : وهي مجموعة من الشرائع والأحكام الدينية اليهودية، التي جمعها الحاخام يهوذا هاناسى في القرن الثالث الميلادي.
* الجمارا : وهي مجموعة من التعليقات والتفسيرات للشريعة اليهودية، التي كتبها الحاخامات في بابل وإسرائيل خلال القرنين الثاني والثالث الميلادي.
لذا الإعتماد على التلمود في التفسير يشبه الإعتماد على حديث مقطوع السند ضعيف المتن يرويه رجل معروف عنه الكذب ووضع الأحاديث ، فلا يمكن بحال من الأحوال الثقة بمصدر يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه .
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- لا يبحث البحث نقطة العلاقة بين التوراة والتلمود، بل موضوعه المصدر التلمودي للرواية الإسرائيلية الموجودة في التفاسير. لكن للفائدة العامة، وبعيدا عن الموضوع، فإن مصطلح توراة يأتي خاصا وعاما في نفس الوقت، فيشير للأسفار التوراتية الخمسة الأولى كما تفضلت، ويشير أيضا - في الاستخدام الشائع - للأسفار الكتابية اليهودية بشكل عام، والمعروفة باسم التاناخ: توراه + نبوئيم + كتوبيم، من قبيل إطلاق الجزء على الكل، أو مجاز مرسل علاقته الجزئية، إلخ. وطبعا قصة النبي سليمان موجودة باستفاضة في هذه الأسفار كما هو معروف، وينسبون له أيضا سِفر الجامعة.
- أما بخصوص الاعتماد على الإسرائيليات في التفسير فقد أشار البحث بوضوح لاعتماد بعض السلف على النص التلمودي في تفسير هذه الآية.. بل وقد صرح ابن عباس رضي الله عنه أنه لم يعرف معناها إلا بعد أن سأل كعب الأحبار عنها. ومجاهد أيضا روى القصة، وهي التفسير المعتمد عند ابن جرير الطبري. فمن التسرع العاطفي - غير المنضبط - أن نضرب بكلام هؤلاء العلماء عرض الحائط دون روية، لمجرد تحسسنا من كلمة "تلمود".
فلو اطلعت على مادة البحث كاملة - إما في رابط موقع مداد أو الملف الموجود هنا في المرفقات - لرأيت أن الرواية التلمودية التي رواها السلف عن اليهود وفسروا بها الآية القرآنية فيها إشكالات عدة، وهذه الإشكالات - لا مصدر القصة نفسه - هي سبب الاعتراضات عليها والتي أثارها المفسرون فيما بعد. لكن بتوفيق من الله عثرت على مصدر آخر للقصة يتحاشى هذه الإشكالات.
فنحن هنا والحمد لله نلتزم نفس طريقة السلف في التعامل مع تفسير هذه الآية، لكن بدلا من اضطرارهم للرجوع لرواية التلمود البابلي يمكننا نحن الآن أن نرجع لرواية التلمود الأورشليمي التي هي أفضل كثيرا من أختها.
 
أما بالنسبة للعلاقة بين القرآن والتوراة والتلمود، فلننظر مثلا لآية سورة المائدة:

(قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)

لاحظ أن النص القرآني أشار صراحةً إلى أن هذه المسألة كانت مكتوبة ومفروضة على بني إسرائيل.
هذا المعنى لن تجده في أسفار التوراة، لكن إن بحثت فستجده في التلمود! وهذا النص التلمودي مذكور في سياق أحكام القاتل وقصة قايين (قابيل) ابن آدم الذي قتل أخاه.. وهو نفس السياق الذي وردت فيه الآية القرآنية!
في قسم ( سنهدرين 37أ ) من التلمود البابلي:
"ولهذا السبب تم خلق الإنسان واحدا في البداية، ليعلّمكم أن من يدمّر روحا واحدة من شعب إسرائيل فسيتم عقابه كما لو كان دمر عالما بأكمله..
ومن يحفظ روحا واحدة من شعب إسرائيل فتقضي النصوص بأن يثاب كما لو كان حفظ العالم كله"

فلا يمكن أن ننكر وجود بقايا نصوص وحي داخل صفحات التلمود، أخفاها اليهود من التوراة ومن كلام أنبيائهم وسجلوها فيه، بعد التحريف والتغيير المعتاد منهم.
 
عودة
أعلى