الوحدة الموضوعية عند الشيخ حميد الدين الفراهي الهندي مفهومها وأسسها وأقسامها

إنضم
6 نوفمبر 2020
المشاركات
46
مستوى التفاعل
3
النقاط
8
الإقامة
مصر
في هذه المقالة سوف نسلط الضوء على موضوع أفرده الشيخ بالبحث والدراسة في عدد من مصنفاته وهو مفهوم الوحدة الموضوعية أو ما يطلق عليه( نظام القرآن ) على مستوى السورة والقرآن الكريم جميعاً.
وهاهي إطلالة موجزة نعرف فيها بالشيخ الفراهي ومفهوم النظام( الوحدة الموضوعية ) لغة واصطلاحاً فنقول وبالله التوفيق:
هو الشيخ الفراهي هو حميد الدين أبو أحمد عبد الحميد الأنصاري الفراهي ، ولد – رحمه الله – سنة 128. هـ ، في قرية ( فريها ) ، من قرى مديرية ( أعظم كره ) في الولايات المتحدة بالهند .
وقد بدأ الشيخ حياته في طلب العلم بحفظ القرآن الكريم ، وقرأ اللغة الفارسية وبرع فيها ، واشتغل بعد ذلك بطلب العربية ، وقد تتلمذ فيها على يد الشيخ شبلي النعماني ، فأخذ عنه العلوم العربية كلها من نحو وصرف ولغة وأدب ، وأخذ عنه أيضاً المنطق والفلسفة .
ثم سافر إلى ( لكنؤو ) عاصمة العلم في الهند وجلس في حلقات المحدث الفقيه أبى الحسنات عبد الحي اللكنوي ، ثم ارتحل إلى ( لاهور) وأخذ الأدب العربي من إمام اللغة وشاعرها في ذلك العصر الشيخ الأديب فيض الحسن السهارنفوري ، وبرع في العربية وفاق أقرانه في الشعر والإنشاء ، وقرأ دواوين الجاهلية كلها، وحل معضلاتها، ثم درس اللغة الإنجليزية ودخل كلية عليكرة الإسلامية ، وامتاز في الفلسفة الحديثة.
وبعد أن حصل من العلوم الكثير، وصار مؤهلاً للتعليم ، عين معلماً للعلوم العربية بمدرسة الإسلام ( بكراتشى ) فدرس فيها سنين، وكتب وألف ، وقرض وأنشد.
ثم انقطع إلى تدبر القرآن ودراسته، وقضى فيه أكثر عمره.
هذا والمطالع لسيرة الشيخ الفراهي يدرك أنه كان أنموذجاً مشرفاً للعالم المسلم الجامع بين التبحر في العلوم العربية والدينية، والاطلاع الواسع على العلوم العصرية والطبيعية، ويظهر أثر هذه الثقافة المتوازنة العميقة فيما كتب من مصنفات قاربت الخمسين عدداً، أهمها وأعظمها ما كتبه حول القرآن المجيد، وتأويله، وما سماه ( النظام )- وهو ما سأعرض له في الفقرة التالية- وكذلك ما كتبه حول الحديث الشريف والأدب العربي والفلسفة الأخلاقية والمنطق، بالإضافة إلى الكثير من الشعر الراقي في كل من اللسانين: العربي والفارسي.
وفي ذلك يقول السيد أبو الحسن الندوي (ت:1420هـ ـ 1999م ) ـ رحمة الله عليه ـ : « .... ولا يتأتى ذلك إلا لمن جمع بين التدبر في القرآن والاشتغال به، وبين التذوق الصحيح لفن البلاغة والمعاني والبيان في اللغة العربية، والتشبع من دراسة بعض اللغات الأجنبية والصحف السماوية القديمة، وبين سلامة الفكر ورجاحة العقل والتعمق .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ».
وبالجملة .. يقول عنه أحد تلامذته: « كان غاية ـ بل آية ـ في حدة الذكاء، ووفور العقل، ونفاذ البصيرة، وشدة الورع، وحسن العبادة، وغنى النفس، ولئن تأخر به زمانه، لقد تقدم به علمه وفضله ».
ولعل من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن للفراهي ـ رحمه الله ـ نحواً من خمسة وعشرين كتاباً لم تطبع بعد، وكثير منها في غاية الأهمية ، كما يظهر من عناوينها ، وكما عرفنا، ومنها: - فيما يتعلق بالقرآن المجيد- بقية تفسيره « تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان »، وأساليب القرآن، وأسباب النزول، وتاريخ القرآن، وأوصاف القرآن، وفقه القرآن، وحجج القرآن، والرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ ... بالإضافة إلى نفائس أخرى في الأدب العربي، والفلسفة، والمنطق، والاجتماع، مما يعد ثروة جديرة بالاهتمام والرعاية، والعمل على إخراجها لينتفع بها أهل العلم في كل مكان([1]).
وقد جادت قريحة الشيخ بعدد من المصنفات في الدراسات القرآنية واللغوية هذه بعض أسمائها:
1 – نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان.
2 – دلائل النظام ( وهو موضوع بحثنا ) وقد عني فيه وفي نظام القرآن بالوحدة الموضوعية لسور القرآن، والتي أطلق عليها ( النظام في القرآن ).
3 – فاتحة نظام القرآن، وهو مقدمة كتابه نظام القرآن.
4 – التكميل في أصول التأويل، والذى أفرده لأسس التأويل التي ينبغي اعتمادها لتفسير القرآن الكريم.
5 – مفردات القرآن، والذى خصصه لشرح وتفسير مفردات القرآن الكريم .
6 – إمعان في أقسام القرآن، وقد تناول فيه الأقسام الواردة في القرآن الكريم.
7 – جمهرة البلاغة، وقد أصل فيها الأصول ليهدي الناس إلى فهم إعجاز القرآن الكريم.
8 – كتاب الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ.
9 – الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح، خصصه لتناول قضية الذبيح وهل هو إسماعيل أم إسحاق عليهما السلام ؟، ورَدَّ فيه بالدليل القاطع والبرهان الساطع على من يقول بأن الذبيح هو إسحاق.
وبعد أن قضى – رحمه الله تعالى – حياة حافلة بالتعليم والتأليف توفي ـ رحمة الله عليه ـ في التاسع عشر من جمادى الثانية من سنة 1349هـ ( الحادي عشر من نوفمبر 1930م )، في مدينة متهورا ، حيث كان يتطبب من مرض ألم به.
مفهوم الوحدة الموضوعية عند الفراهي:
إن الباحث عن مفهوم الوحدة الموضوعية عند العلامة الفراهي يجد أن الشيخ قد استخدم مصطلحاً أعم وأشمل وهو ما أطلق عليه النظام، وهو يعني النظام الذي قامت عليه الوحدة بين الكلمات والجمل والآيات والسور في القرآن الكريم، ومن هنا لابد لنا من التعريف بهذا المصطلح لغة واصطلاحا فنقول وبالله التوفيق:
تعريف النظام لغة واصطلاحاً:
النظام لغة : مأخوذ من الفعل ( نظم ) والذى تدور مادته حول : تأليف الشيئ واتساقه ، واجتماع أمره ، واستقامته ، وجمع بعضه إلى بعض ، وقوام الأمر وعماده .
جاء في لسان العرب: « النظم: التأليف ... وكل شئ قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته ... والنظام الخيط الذى ينظم به اللؤلؤ ، والنظام : العقد من الجوهر والخرز ونحوهما... والنظام : الهدية والسيرة ، وليس لأمرهم نظام : أي ليس له هدى ولا متعلق ولا استقامة ، وتناظمت الصخور : تلاصقت ... ونظم الحبل: شكه وعقده ... » اهـ مختصراً([1]) .
وقال صاحب تاج العروس: « النظم: التأليف وضم شيء إلى شيء آخر) ، وكل شيء قرنته بآخر فقد نظمته ، (و) النظم: (المنظوم) باللؤلؤ والخرز وصف بالمصدر، يقال: نظم من لؤلؤ ، (و) النظم: (الجماعة من الجراد) ، يقال: جاءنا نظم من الجراد، وهو الكثير كما في الصحاح، وهو مجاز » ([2]) .
مما تقدم يتضح أن النظام يقوم على الاتساق والجمع والضم ووجود علاقة رابطة بين الأمور التي يضمها نظام واحد.
واصطلاحاً : عرفه العلامة الفراهي بـ « أن تكون السورة كلاماً واحداً ، ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة، أو بالتي قبلها أو بعدها على بعدٍ ما ، فكما أن الآيات ربما تكون معترضة، كذلك ربما تكون السورة معترضة، وعلى هذا الأصل ترى القرآن كله كلاما واحداً، ذا مناسبة وترتيب في أجزائه من الأول إلى الآخر » ([3]) .
أسس الوحدة الموضوعية عند الفراهي:
إن الباحث فيما كتبه الإمام الفراهي وأفرزته قريحته يتبين له أنه بنى منهجه في نظام القرآن على عدة أسس يمكن إجمالها فيما يلى:
1 ـ القول بتوقيف ترتيب آيات وسور القرآن الكريم .
2 ـ تمهيده بأمور بين يدى منهجه في النظام .
3 ـ الربط بين محاور وموضوعات السورة وبين محورها الرئيس وهو ما يسميه ( معالم السورة ).
4 ـ الربط بين آيات وسور القرآن الكريم تحت نظام واحد، وهو ما يعرف عند غيره بالوحدة الموضوعية.

وهذه بعض النتائج التوصيات التي توصل إليها البحث:
1- تميز العلامة الفراهي ـ رحمه الله تعالى ـ في هذا المجال تميزاً قائما على الشمول والعمق، والموسوعية المبنية على التحليل والنقد الهادف، والجدة في التناول والطرح، والأصالة في البناء، فهو لم يهمل جهود السابقين ولم يغمطهم حقهم ، ولكنه بنى على ما أسسوه وشيد على ما بدأوه، وفى الوقت ذاته لم يقلد تقليد القانع بما وجده أمامه، ولكنه نقدهم نقد العالم البصير، المتمكن الذى يعرف موضع خطوه قبل أن يتحرك، ولم يكن نقده حباً في النقد شأن الكثيرين من الناس، ولكنه يقدم البديل، ويؤصل ويعلل له في تمكن واقتدار، وموهبة فذة منقطعة النظير، مذكراً لنا بمن سبقه من العلماء الأفذاذ، الذين جادت بهم هذه الأمة على العالم أجمع، ليثبت أن الخير ما يزال موجوداً في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فجزاه الله خيرا ًعلى ما بذل وقدم من بيان وجوه إعجاز القرآن الكريم والدفاع عنه ، ونظمنا معه في سلك من يدافعون عن كتابه وينافحون عنه، وجمعنا به في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وصل اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
1- النظام والوحدة الموضوعية وجهان لعملة واحدة ، فهما يظهران في الوقت نفسه الترابط والانسجام التام بين آيات وسور ومقاصد وموضوعات القرآن الكريم .
2- يحتل علم التناسب والنظام مكانة بارزة بين علوم القرآن ويضرب بجذوره في عمق التاريخ للعلوم الإسلامية التي تخدم القرآن الكريم، بداية من عهد الصحابة ومروراً بابن جرير الطبري والرازي وابن القيم والشاطبي والفراهي والغماري وسعيد حوى وشلتوت وسيد قطب والدكتور محمد عبد الله دراز - رحمهم الله جميعاً - .
ويوصى البحث بضرورة إجراء المزيد من الدراسات حول إسهامات علماء المسلمين من غير العرب، وإبراز جهودهم وإلقاء المزيد من الضوء عليهم والتعريف بهم، فهاهو الفراهي ـ مثلاً ـ لا يعرف الكثيرون منا عنه الشئ الكثير .
كما يوصى البحث بالدعوة إلى طبع كتب العلامة الفراهي ـ وأمثاله ـ وتداولها لتميزها بالأصالة والعمق، وإدخال مضمونها في مقرراتنا الدراسية كما فعلت بعض الدول في بعض كلياتها ، (كدولة الإمارات حيث أدخلت بعض كتبه في مقرراتها الدراسية).
كما يوصى البحث بضرورة التجديد في البحوث العلمية والدراسات القرآنية عن طريق التجديد في الطرح والتناول وربط القديم بالحديث بأسلوب سهل ومبسط.
وفي الختام نسأل الله أن يرحم العلامة الفراهي وأن يرزقنا الإخلاص والقبول
 
عودة
أعلى