الوَجْهُ الأسْلَمُ لِمَفْهُومِ المُتَشَابِهِ وَالمُحْكَمْ

إنضم
10 مايو 2012
المشاركات
1,355
مستوى التفاعل
37
النقاط
48
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
tafaser.com
بسم1

الوَجْهُ الأسْلَمُ لِمَفْهُومِ المُتَشَابِهِ وَالمُحْكَمْ
الحمدلله وحده وبعد
قال الحق جل جلاه :
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران:7]

توطئــة
استوقفتني هذه الآية الكريمة كما استوقفت غيري فأدركت أهمية تدبرها والبحث حتى الوصول لمفهومها فتتبعت أقوال علمائنا الأجلاء فيها فكان حولها الكثير من الإشكالات والتساؤلات والتعارضات ، فلم أقع على إجماع على المتشابه وتحديد دقيق للمحكم ، ولم أجد حديثاً نبوياً شريفاً بشأن التفريق بين المحكم والمتشابه بل أقوال منقولة يختلف بعضها عن بعض وتتلاقى في مواضع أخرى.وقد بحثت منطلقاً من لبنات الآية ومفرداتها حتى وصلت من خلال هذا البحث لنتيجة وجيهة استناداً للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وقد قسمت البحث إلى قسمين أتطرق في أولهما تلمس الفرق بين مفردات متكررة متعلقة بهذا المطلب وهي مفردات (القرآن ، الفرقان ، الكتاب ) ، إذ وجدت أن كلاً منها يختلف عن الآخر دلالياً ولم تستعمل في مواضعها في القرآن الكريم جزافاً بل لأن كلا منها يناسب الموضع الذي وضعت فيه ولا يناسبه سواها كما اعتدنا عليه في كتاب الله جل وعلا ، فسأتطرق لتعريف كل منها ومن ثم يسهل علي في المطلب الذي يليه أن أصلها بمفهوم الفرق بين المحكم والمشابه.وكل أملي من القارئ الكريم أن يقرأ ويتتبع ما كتبت بتأنٍ وروية ومراجعة ، وأن يدون ملاحظاته حتى ينتهي من قراءة البحث كاملاً فإن كان ما كتبته صدقاً وهدىً وفتحاً فالحمد لله ، وإن كان خطأً وسوء تقدير وفهم فاستغفر الله تعالى من الزلل وأرجو تصويب خطأي وستجدونني إن شاء الله من الصالحين.

المطلب الأول : مفهوم مفردة (القرآن)
بعد البحث والتقصي واستقراء الآيات تبين لي بأن تعريف القرآن هو:
هو : كَلاَمُ اللهِ تَعَالَى الّذِيْ نَزَّلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مِنَ الوَحْيِ المُحْكَمِ المُثْبَتِ رَسْمَاً وَنَصَّاً المُتَعَبَّدِ بِقِرَاءَتِهِ وَتَرْتِيِلِه.
وهو : كُلُّ مَابَيْنَ الدَّفَّتيْن مِنْ بَسْمَلَة الفَاتِحَةِ إلى آخِرِ سُوْرَةِ النَّاسْ.
وهنا نعلم أن الله جلت قدرته قد أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحييْن اثنين ، أحدهما القرآن الكريم والآخر هو الحديث الشريف الذي يحمل تفصيلاً للتشريع ، ولكن الحديث لا يتعبد المسلم بقراءته كالقرآن وقد يختلف لفظه من راوٍ لآخر مما يفرد ويميز القرآن عما يتوافر في السنة النبوية وعلى هذا الأساس كان القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع مكتسباً صفة قطعية الثبوت.
والله جل وعلا حين يورد مفردة القرآن فإنها ترد على سبيل تمييز الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم عن سواه حيث أن التوراة نزلت على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام ، وتأتي على سبيل التذكير بميزة القرآن المتعلقة باسمه وهي “القراءة” المتعبد بها ، ما يميزه عما سبقه من الوحي النازل على أنبياء الله ، وسنتتبع فيما يلي ذكر مفردة القرآن في التنزيل الحكيم باستعمالين فالمجموعة الأولى تصنف على أنها ذكر القرآن في إشارة للقراءة أو الإنصات كعبادة في حد ذاتها ، والثانية للإشارة تمييزاً للوحي المحكم المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن بقية الكتب السماوية النازلة على سواه من الأنبياء عليهم السلام.يقول تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185]
وهنا نلحظ بوضوح استعمال تسمية “القرآن” لارتباط شهر رمضان بقراءة القرآن تعبداً.
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف:204]
وهنا استعملت التسمية في سياق الحديث عن القراءة بصوت مسموع وما يتعلق بها من حكم وهو الإنصات والاستماع.{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل:98]
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } [الإسراء:45]
{وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } [الإسراء:46]
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء:78]
{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } [الإسراء:106]
فأشار تعالى للتنزيل الحكيم في المواضع السابقة باسم القرآن لأن المسلم يتعبد بقراءته أو الإنصات له فلم يسمِّه بالكتاب إلا أن القرآن الكريم يشتمل عليهما وسنأتي على ذلك لاحقا.وفيما يلي سنستعرض نماذج من الآيات التي يرد فيها اسم التنزيل الحكيم “القرآن” على سبيل التمييز كوحي اختص به محمد صلى الله عليه وسلم دون بقية الأنبياء والرسل عليهم السلام.
يقول تعالى :
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء:82]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُالْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [المائدة:101]
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة:111]
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } [طه:2]
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس:69]
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف:31]
وأختم بآية بينة تثبت بأن القرآن والكتاب ليسا بذات الشيء فيقول تعالى:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء:88[

فالتحدي في هذه الآية هو الإتيان بآية من القرآن وليس من الكتاب ذلك أن القرآن كله محكم ولكن الكتاب فيه المحكم والمتشابه والقرآن توقيفي في نصه بينما الكتاب تصنيف وليس اسم جنس والكتاب كتصنيف أوتي موسى قبل محمد صلى الله عليهما وسلم كما أنه يشتمل على ماهو دون ذلك وسيأتي توضيح ذلك في نتيجة هذا البحث .


المطلب الثاني : مفهوم مفردة (الكتاب)
نجد أن مفردة “الكتاب” وردت في وصف ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك ما نزل على موسى عليه السلام ، والحقيقة أني لاحظت خلطاً بين مفهوم الكتاب الذي نعرفه اليوم وهو الصحائف الورقية المكتوبة وبين المفهوم الحقيقي لمفردة “كتاب” في القرآن الكريم .

فقد وجدت ان معنى مفردة كتاب هو: كُلُّ مَا فَرَضَهُ اللهُ وَأوْجَبَهُ عَلى خَلْقِهِ مِنْ شَرَائِعَ وَفَرَائِضَ ومحرمات سَوَاءً وَرَدَتْ فِي التَّوْرَاةِ أوْ فِيْ القُرْآنِ أوْ فِي مَا سِوَاهُمَا مِن الوَحْيِ المُنزَّلِ عَلَى أنْبيَائهِ عَليْهِمُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمْ.
وهنا سأورد حول مفردة الكتاب عدة إضاءات أرجو أن تبين المراد وتوضح المقصد:

الإضاءة الأولى : ليست كل آيات القرآن الكريم كتاباً (أي شريعة وفرائض) بل يشتمل القرآن الكريم على الفرقان والذكر والبينات سوى الكتاب.
الإضاءة الثانية : أن الحديث الشريف يشتمل على الكتاب أيضاً ذلك أن الله يفصل شرائعه المكتوبة على خلقه وحياً إلى نبيه فيكون سنة عملية أو قولية يتبعها المسلمون يعتبرونها شريعة وواجباً ينبغي اتباعه ، فالكثير من الشرائع لم يرد تفصيلها في القرآن بل أتى من خلال الوحي الآخر المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فها هو صلى الله عليه وسلم يقول:عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه.فاشتمل الحديث على تشريع وواجب ومحظور وهذا من الكتاب في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم كثير.
الاضاءة الثالثة : أن نبي الله موسى عليه السلام أوتي كتاباً أي شريعة بعضها في التوراة وبعضها نزلت وحياً عليه في حينها ، واشتملت التوراة على الكتاب وعلى الفرقان (ما نزل على سبيل الاحتجاج على أهل الكفر والباطل) ، فأما الكتاب فقد أثبت منه ما أثبت وقد نسخ منه ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب ناسخاً لشريعة سابقة.وفيما يلي سنتتبع مفردة “الكتاب” في القرآن وفي الحديث الشريف لنجد أنها في كل مواضعها تدل على الشرائع والفرائض والواجبات .

تتبع مفردة الكتابفي القرآن الكريم
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة:44]
هنا يخاطب الله أهل الكتاب فقرن مفردة الكتاب بالأمر والنهي وذلك مقتضى مفردة “الكتاب” ولم يقل التوراة لأن المراد هنا اتباع واجبات الشريعة وفرائضها ، ولو عدنا للآية السابقة لمراعاة السياق لرأيناها تتحدث عن الشرائع والفرائض (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِين). {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البقرة:53]
وهما وجهان من وجوه التنزيل على موسى ، الأول الشرائع والواجبات وهو (الكتاب) والثاني هو (الفرقان) وهو كل ما نزل على سبيل الاحتجاج والتفريق بين الحق والباطل و كلا التصنيفين ينطبق على ما نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم.{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَالْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (79البقرة)
أي يفرضون شرعاً ويوجبون أمراً مدعين أنه من الله ليجمعوا المال من الناس بالباطل (الثمن القليل) وهو ليس من الكتاب بل كتبوه بأيديهم فأدخلوا في الوحي ما ليس منه.{ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِوَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة:85]
فأتت مفردة الكتاب في معرض الحديث عن الأمر والنهي والفرض والواجب والترك فناسب الإتيان بمفردة الكتاب للاشارة لما يناسبها وهو الأمر والنهي.{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } [الأحقاف:30]
وهنا يحسن بنا التأكيد على وجود التفريق بين الكتاب كأوراق مصففة بين غلافين والكتاب بمعنى (الشرع والفرض) وما كُتب على الناس من واجبات ومنهيات ، وهنا نذكر بأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أتت ناسخة لشريعة موسى لأن عيسى ما أتى إلا متبعاً لموسى عليهما السلام وللكتاب الذي تضمنته التوراة (الشريعة) وليس مجدداً بشريعة أخرى سوى بعض التخفيف عن بني اسرائيل :{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْبَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [آل عمران:50]
فهو عليه السلام في الأصل متبع للتوراة ولشريعة موسى عليه السلام وإذا نزل آخر الزمان أتى متبعاً أيضاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.قال صاحب التحرير والتنوير رحمه الله:
ووصْف الكتاب بأنه { أنزل من بعد موسى } دون : أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأن «التوراة» آخر كتاب من كتب الشرائع نزل قبل القرآن ، وأما ما جاء بعده فكتب مكملة للتوراة ومبينة لها مثل «زبور داود» و«إنجيل عيسى» ، فكأنه لم ينزل شيء جديد بعد «التوراة» فلما نَزل القرآن جاء بهدي مستقل غير مقصود منه بيان التوراة ولكنه مصدق للتوراة وهادٍ إلى أزيد مما هدت إليه «التوراة» إ هـ .{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِوَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيالْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} ( البقرة 176).
فأتت مفردة الكتاب متلازمة مع الشرائع والفرائض فنراها قد سُبقت بأحكام الذبائح وتلاها تفاصيل لشرائع وفرائض الوصية وأحكامها كالتالي:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183البقرة )
ما فُرض فهو فريضة وما أوجِب فهو واجب وما شرع فهو شريعة وبالتالي فإن ما كتبفهو كتاب.
وقد ترافقت مفردتي (الحكم) و(الكتاب) ليتحقق جلياً مفهوم التشريع في هذه المفردة فيقول تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّلِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة:213]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [آل عمران:23]
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران:79]
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [النساء:105]
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة:48]
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [الأنعام:114]
{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1]
وفي الآيتين السابقتين نجد أن (التفصيل) يتلازم مع الكتاب (التشريع).
{يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } [مريم:12]
{وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } [الجاثية:16]
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} (القلم 38)
ونجد هنا أيضاً التلازم بين الحكم والكتاب.
{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } [فاطر:29]
فتلاوة كتاب الله هنا لا تعني قراءة القرآن بل اتباع شرائعه، فقوله تعالى (يتلون) أي يتبعون فالتالي هو المتبع ، وكتاب الله بمعنى فرائضه ونلحظ كيف أتت الفرائض المقصودة بعد ذلك في قوله (وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم) فأنت بصيغة الماضي بينما تلاوة كتاب الله التي سبقتها ورجاء التجارة التي لن تبور أتت بصيغة المضارع ليستقر المعنى التالي :إن الذين يتبعون شرائع الله وفرائضه فيصومون وينفقون رجاء تجارة لن تبور.{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [البقرة:121]
وهنا يكون اتساق المعنى فالذين يتلون الكتاب حق تلاوته أي يتبعون الشرع حق الاتباع أولئك باتباعهم هذا يثبتون إيمانهم بشريعة الله ، ولو كان المراد بتلاوة الكتاب قراءة القرآن فإن ذلك لن يكون كافياً لإثبات الإيمان ما لم يرافقه اتباع لما افترض الله على عباده من واجبات وشرائع فنجده تعالى يقول (أولئك يؤمنون به) فأثبت صفة الإيمان لمتبعي الشرع الذي آتاهم الله وأما القراءة وحدها فلا تكفي لإثبات الإيمان.قبل ان ننظر فيما ورد مختلفاً عما سلف وددت ان أوضح الوجه الآخر من التلاوة ، فقد تحدثنا عن تلاوة الكتاب وقلنا أنها اتباع الشرع والواجب وترك المنهيات والمحرمات ، ولكن ماذا عن تلاوة الآيات ؟إن (تلاوة الآيات) و(تلاوة القرآن) كما سياتي تعني قراءة اتباع وخضوع وإذعان ، وقد سبق في بحث سابق تبيان مفهوم التلاوة إجمالاً على أنها قراءة أوامر من سلطة عليا قراءة خضوع وإذعان واتباع فالقارئ لا يقرأها مجردة بل يتبع ما جاء فيها ويأتمر بما فيها من أوامر ، فعموم المعنى لمفردة التلاوة هو الاتباع والخضوع والاذعان وليس القراءة المجردة.

مَوَاضِعُ الاخْتِلاَفِ عَمَّا ذُكِر
هناك موضعين في القرآن الكريم ربطت فيه القراءة بالكتاب والتلاوة بالقرآن خلاف المواضع الأخرى التي مررنا عليها وتوجيهها هو كما يلي:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (94) يونس .
والمراد (اليهود والنصارى) وكتابهم فيه نبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كتاب (فرض وأمر) ولكنهم لا (يتلونه) أي لا يتبعونه (في هذا الأمر) بل يقرأونه لأنهم لو اتبعوه لاتبعوا دعوتك المكتوبة في الكتاب المفروض عليهم ، ولكنهم يتلون الكتاب (يتبعون الشريعة) في فرائض اخرى ولكن تحديداً كانت الآية تعني الجزء الخاص بالإخبار بمجيئه صلى الله عليه وسلم وفرض اتباعه على الأمم كافة ، وتقدير الآية (فاسأل يا محمد الذين يقرأون ما أنزل إليهم من الكتاب ويجدون البشارة بمجيئك){ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (92) النمل .وقد قلنا بأن القرآن اشتمل على كتاب وذكر وحكمة وموعظة ، وتلاوة القرآن لا تتعارض مع قراءته ، فالتلاوة تعبد باتباع ما فيه من الكتاب وقراءة القرآن تعبد بالقراءة ، والكافر المخالف إذا قرأ القرآن لا يصح القول (يَتلوَ القرآن) لأنه غير متبع فهو يقرأ ولكنه لا يتلو ، والتلاوة متلازمة مع القراءة فليس قارئ تالٍ ولكن كل تالٍ قاريء بالضرورة ، وهنا نجد أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافر المخالف أنني أمرت باتباع ما يوحى إلي (القرآن) وأفرده دون الوحي الآخر لأنه وجه الإعجاز الذي كان الحجة والبينة الرئيسية التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثالث: مفهوم المحكم والمتشابه
والآن وقبل أن نعرض ما توصلنا إليه سنلخص ما سبق فنقول وبالله التوفيق:أولاً: إن مفردة الكتاب في القرآن الكريم تعني الفرائض والشرائع ولا يقصد بها ما بين دفتي القرآن من أوراق مكتوبة.ثانياً: إن الكتاب (الشرع والواجبات) ليست حصراً ضمن القرآن الكريم فقد نزلت على النبي ضمن سنته القولية والفعلية وتواترت إلينا.ثالثاً: وبالتالي فإن (القرآن) لا يقصد به (الكتاب) فالقرآن يشتمل على جزء من الكتاب وكما يشتمل على الفرقان وهو ما نزل في القرآن على سبيل الاحتجاج على أهل الكفر والباطل.رابعاً: إن تلاوة الكتاب لا تعني قراءة القرآن ، فقراءة القرآن أتت بهذا التعبير مباشرة أما تلاوة الكتاب فكانت تشير إلى اتباع الشرائع المكتوبة (المفروضة).

وبالتالي وعلى ضوء ما تقدم من مفاهيم فإن

المحكم من الكتاب هو:
مَا أنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالإتْيَانِ والتَّرْكِ ضِمْن القُرْآنِ الكَرِيْم وَ آيَاتِهِ وَ سُوَرِهِ.

والمتشابه من الكتاب هو:مَا أنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرَائِعِ وَالفَرَائِضِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالإتْيَانِ والتَّرْكِ ضِمْن سُنّةِ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القَوْلِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ المُتَوَاتِرَةِ والصَّحِيْحَة.

ولعل فهم مسمى (المتشابه) يقودنا لتأكيد التعريف الذي وصلنا إليه ونلحظ أن تصنيف مواضع من القرآن على أنه متشابه ليس لثبوت كونه من المتشابه بنص شرعي بل لأن من نسب إليه التشابه خفي عليه معناه أو جهل توجيهه فلجأ لتصنيفه من ضمن المتشابه.ولذلك فإن المتشابه الذي يصنف من القرآن الكريم ليس من الثابت نسبة التشابه إليه فالأمر متعلق بالقارئ وليس بحقيقة النص.إن مفردة (المتشابه) تدل في أصلها على وجود مشبه ومشبه به بينما نجد المنسوب إليه التشابه لا يعلم مشبه بماذا ؟؟.قراءة في أحد الأقوال
جاء في كتاب (الواضح في علوم القرآن) الفصل الثالث نماذج من الآيات المنسوب إليها التشابه ، وقبل أن أقتبس النص المشتمل على تلك الآيات فإني أدعو القاريء الكريم الى تحديد ماهية التشابه ومع ماذا تتشابه ؟ وسيغلق على كل قارئ فلن يجد أية صورة من صور التشابه يقول الكاتب معدداً نماذج من المتشابه (على حد قوله) :” قال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ} [المجادلة: 7].
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85].
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا} [الطور: 48].
وقال سبحانه: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5]
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ} [الزخرف: 84]
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3].
وقال جل جلاله: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210].
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً} [الأنعام: 158].
وقال سبحانه: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]
{وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54- 55].


تلك آيات من المتشابه من جهة المعاني في القرآن الكريم، ولا سبيل إلى معرفة حقيقة المراد بها”.
انتهى كلامه.
فما هو السبيل للإقرار بأن الآيات الآنفة من المتشابه؟ وأين المشبه والمشبه به في تلك الآيات؟ وإذا كان المتشابه قد ذكر في القرآن فتحديد ماهيته وموضعه يجب أن يكون من القرآن وما نراه هو رأي بشري ليس له سند من وحي قرآني أو حديث نبوي.إن الآيات الآنف عرضها في كتاب الواضح في علوم القرآن لها توجيه وفهم متفق مع مثيلاتها وأوجه متعددة من التفسير وليست مبهمة فالله جل وعلا أنزله قرآنا عربياً ليفهمه الناس ويعوا حروفه وكلماته.لو قيل إنها (مشتبهة) لكان الأمر مفهوماً ، فالاشتباه في مفاهيم الآيات واقع وممكن ولكن أن يقال (متشابه) وجب حينذاك أن يوضح المشبه والمشبه به وهذا ما لا يتوافر في الآيات المذكورة.


شَوَاهِدٌ قُرْآنِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى التَّشَابُه
إن معنى التشابه في القرآن الكريم واستعمال هذه المفردة لم يأتِ إلا بتوضيح المشبه والمشبه به وسأعرض بعض أمثلة على ذلك:

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة:25]

وهنا يفهم التشابه بوجود مقارنة بما رزقهم الله في الدنيا مع ما رزقهم به في الجنة فكانت المقارنة بين صنفين .

{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة:70]
وهذه صورة أخرى يوضح فيها أن التشابه حدث بين البقر وبين الوصف الذي تلقوه للبقرة المقصودة.
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [الزمر:23]

والتشابه هنا ليس المراد به ما يتبعه أهل الزيع (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) بل تشابه آياته في حسن نظمها وكمال سبكها وتشابه أحكامه وتكاملها بين القرآن الكريم وبين السنة النبوية المطهرة.

وجْهُ نِسْبَةُ التَّشَابُه لِلسُّنَّة

نحن توصلنا إلى أن القرآن الكريم محكم كله وأن السنة المطهرة هي المقصودة بالتشابه ووجه نسبة التشابه للسنة هو أن الحديث النبوي يشابه قول البشر ولكن القرآن لا يتشابه مع قول البشر وقول البشر لا يشبه القرآن الكريم فالكتاب المضمن في القرآن من الفرائض والواجبات واضح بيّن لا يمكن لأحد أن يدخل فيها ما ليس منها ولكن الحديث النبوي وصف للوحي النازل على نبيه صلى الله عليه وسلم بلسانه فكان متشابهاً مع كلام البشر ولذلك تعرضت السنة للطعن والتشكيك والإنكار من أهل الزيغ والانحراف.ومن آثار التشابه على السنة النبوية هو الوضع فيها ونسبة الحديث المكذوب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان علم مصطلح الحديث سبيلاً لتنقية الحديث من الكذب ، بينما لم يحدث ذلك مع القرآن الكريم لأنه محفوظ بالتواتر ولا يشابه كلام البشر حتى يضاف إليه ما يحرف معناه أو محتواه.ومن صور (التشابه) في الإرث النبوي الشريف هو تشابه أقواله البشرية صلى الله عليه وسلم التي لم يكن لها علاقة بإتيان الوحي والتشريع مع أحاديث التشريع النازلة عليه من ربه يعلم بها أصحابه التي نعدها حسب مؤدى هذا البحث من “الكتاب”ومن امثلة ذلك ما ورد في صحيح مسلم :
” عن موسى بن طلحة عن أبيه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال ما يصنع هؤلاء ” فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” [ ما أظن ] يغني ذلك شيئا ” . قال فأُخبروا بذلك فتركوه فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال ” إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني [ إنما ظننت ظنا ] فلا تؤاخذوني [ بالظن ] ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل ” )وفيما قرأنا يتبين لنا كيف يكون المتشابه ، فهو من جهة تشابه كلام النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعته البشرية مع كلامه الذي يحكيه عن ربه غير القرآن وهذا الفهم للمحكم والمتشابه متسق مع الواقع وتتحقق من خلاله مصالح عظيمة للدين ولمصادر التشريع في ظل الهجمات الشرسة الموجهة للإسلام ولكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نذكر منها:



  • [*=right]تثبيت قلوب المؤمنين تجاه سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ودفع الإيهام والاضطراب الذي يحدثه الطاعنون في الحديث الشريف من أبناء الإسلام ومن أعدائه تجاه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسنته القولية والفعلية.
    [*=right]تحقيق القول بالإحكام للقرآن الكريم كله وعدم نسبة التشابه إليه مع أي من اقوال البشر.
    [*=right]تحقق قاعدة رد المتشابه إلى المحكم فالنص المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم المتعارض مع القرآن الكريم لا شك أنه مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم وهنا تتحقق فائدة رد المتشابه إلى المحكم.
وختاماً فأرجو من الله جل وعلا أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وييسرنا جميعاً لاتباع كتاب الله على الوجه الذي يرضيه عنا وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
رابط المقال في المدونة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ الفاضل عدنان الغامدي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أول إشكال يتبادر الى الذهن هو ان الله سبحانه سمى التشابه ب(وأخر متشابهات) بمعنى سماهن آيات فهل رسول الله اللهم صل عليه وآله.. سمى حديثه آيات او آية...؟ وجزاكم الله تعالى خيرا.. على جهدكم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي البيهجي أبهج الله قلبك في الدنيا والآخرة

أود في سبيل التعقيب على ما تفضلت أن أوضح يلي :

أولا: لم يرد في كتاب الله تسمية (الآيات) حصراً على كلام الله وآيات القرآن ، بل شملت الآيات كل ما أنزل الله من معجزات بل وحتى الليل والنهار ، فمسمى "آية" يعني علامة ذات دلالة على قدرة الله وعظمته كالليل والنهار وغيرهما كشرائع الله ومعجزات أنبياءه الحسية والنصية وأمثلة ذلك أكثر من أن تعد نذكر منها :

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } [آل عمران:41]
{وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران:49]
{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [المائدة:114]
{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف:203]
{ وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ } [يونس:20]
{ وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } [هود:64]​

وبالتالي فلا يلزم ورود مفردة آية أن المراد هو القرآن سيما وأنا أثبتنا أن الكتاب (الذي ورد في الآية) لا يقصد به القرآن الكريم حصراً.

ثانيا : فلا يلزم تسمية كلام الله آيات فقد أسميت آيات القرآن الكريم (كلاماً) يقول تعالى :
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:75]
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } [التوبة:6]
{ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَـفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا } [الفتح:15].

ثالثاً: يقول تعالى (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) والضمير يعود على الكتاب الذي اسلفنا بأنه لا يلزم ان يكون القرآن فقط ، ولكن عندما نعود لهذا الجزء من الآية الكريمة نجد أن المحكم من الكتاب وصفه (بآيات) والمتشابهات لم يسمها بهذه التسمية ، وحتى لو سميت فلا شك ان الكتاب (التشريع والحكم والفرائض) آية من الله بلا شك ولا ينزع عنها ذلك الوصف حتى لو اضمر ولم يذكر مباشرة خاصة إذا اقررنا ان الآيات تعدت (آيات الوحي والتنزيل في القرآن الكريم) إلى ماهو أبعد منها كما قلنا.

والله أعلم
 
جزاك الله خيرا على اجتهادك،
وجدتُ في المقالة ما يتطلب توضيحا او تصحيحاً.
الكتاب اسم من أسماء القرآن الكريم.
والسنة النبوية هي مثله وليست منه فالآيات الأُخر المتشابهات هي من الكتاب الذي هو القرآن.
وفي الحديث:
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا).
رواه أحمد والنسائي والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ذكرت التوراة في موضع الأحكام في قوله "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها" في تحريم الطعام.
فالتلاوة ههنا ليست اتباعا بل قراءة فحسب ولم يُذكر الكتاب بل ذُكر التوراة التي فيها هدى ونور يحكم بها...
وإن شاء الله سأذكر اشياء اخرى إن شئتَ المدارسة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الأخ الغامدي على دراسته المثيرة للاهتمام و أسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا.
في حالة كانت مفردة المتشابه تعني الآيات الغير واضحة و التي تحتاج إلى تفسير من الراسخين و التي يضل بها أصحاب الأهواء
فما هي الحكمة من أن يحتوي القرآن الكريم على آيات متشابهة ؟ و لماذا لا يكون القرآن الكريم كله من المحكم؟ ألم ينزل القرآن الكريم لهداية العالمين.
 
أخي الأمين الهلالي وفقه الله وسدده

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سابدأ من مسألة التلاوة والتي تفضلت بأنها تعني القراءة "فحسب" وسأكرر ما سبق ودونته أعلاه :

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:121]

فإن تمت تلاوته حق التلاوة فقد حق أن يكونون مؤمنين به مشهود لهم بالإيمان
فهل القراءة السليمة كافية للشهادة بالإيمان دون اتباع ؟؟؟

و التلاوة التي تفضلت بها ليست "تلاوة الكتاب" بل تلاوة التوراة وهي أيضاً تعني القراءة باتباع وخضوع وإذعان وليس القراءة فحسب وفق ما وصلنا إليه في البحث.

و لا يخفى على جليل علمكم أن الاستشهاد بالآية يجب أن يشمل كامل نص الآية بالإضافة للسياق فلا ينبغي أن يغفل السياق حتى يتحقق الفهم السليم للآية ، يقول تعالى:

{ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران:93]​

فلو لاحظت أخي أن السياق يدور حول أحكام الأطعمة قبل أن تنزل التوراة وهنا لا يصح ان نقول من قبل أن ينزل الكتاب لأنها نازلة في كتاب قبل التوراة فاورد التوراة ليميز العصر النبوي الذي نزل فيه الحكم الشرعي ، ولكن هذا الحكم سواء قبل التوراة أو بعد التوراة أو بعد القرآن كله من "الكتاب" وبالتالي فالآية تثبت مقتضى البحث ولا تنفيه.

ثم أنه اتبع تلك الآية (93) بالآية التي تؤكد أن معنى التلاوة هو الاتباع فقال جل شأنه:

{قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(95)
فكانت الآيات الكريمة تستخدم مسمى التنزيل كما اسلفنا لتمييز أي الشرائع المعنية.

وفيما يتعلق بما اثر عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه فالالفاظ هنا ليست قطعية الثبوت كما هو الحال في الحديث الشريف ، فلا يخفى عليكم بأن الحديث النبوي نفسه يأتي بأكثر من لفظ بينما مفردات القرآن ثابتة لا تتغير وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بالمتغير على الثابت.

أما تماثل السنة مع القرآن فاترك لك مراجعة نفسك في ذلك بأن القرآن لا يماثل الحديث فهذا قول الله تعالى وذلك قول نبي الله صلى الله عليه وسلم ، والسنة ليست بقطعية القرآن الكريم ، ولكن لو قلنا الكتاب فعندها نعم فحجية ودرجة التشريع الوارد في القرآن والتشريع الثابت عن نبيه واحدة.

نقطة أود إضافتها ، ففي قول الله تعالى :


{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1) هود​
فالشريعة نزلت محكمة في آيات القرآن الكريم ثم (على التراخي) فصلت فنزلت الشرائع محكمة ضمن آيات الكتاب ثم فصلت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .

فالصوم نزل مجملا محكما ثم وقع التفصيل ضمن السنة
والحج نزل مجملا محكما ثم وقع التفصيل ضمن السنة
والزكاة نزلت شرعاً مجملا محكما ثم وقع التفصيل ضمن السنة.

وارحب بكل مدارساتكم أخي الحبيب فما نشرت الدراسة إلا لأجل تلك المدارسة وفقنا الله وإياكم لما فيه الحق والصواب
 
{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [الأنعام:114]

ولكن مهلا....

نعلم أن تفصيل الكتاب (الشرائع) كان ضمن السنة النبوية القولية منها والفعلية ، فنقول نعم فهذا دليل على أن السنة تشتمل على الكتاب ولا يقتصر الكتاب على القرآن الكريم فقط كما يعتقد ولا يسعنا إلا أن نقول : آمنا به كل من عند ربنا.

فنلحظ ارتباط الحكم بالكتاب ونلحظ أن الكتاب مشتملا في القرآن وفي السنة إذ يقول ربنا جل وعلا

{
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
} [النساء:65]

فكان تصديقا قرآنيا بينا جليا مؤكدا على حجية السنة كتنزيل رباني بلغه نبينا صلى الله عليه وسلم كما بلغ القرآن الكريم تفصيلا وحكما نافذا لا يناوءه ويرفضه إلا كافر .
 
بسم1
{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء:103]​

تقبل الله منا ومنكم صالح القول والعمل وغفر لنا وإياكم ما علمنا ومالم نعلم:
يتسق تسمية الصلاة (كتابا) مع مؤدى هذا البحث، إن الصلاة كانت على المؤمنين فريضة واجبة موقوتة ولا يقصد بها حبرا على ورق
 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين أما بعد.. الاستاذ الكريم.. عدنان الغامدي.. ان لفظ(كتابا) في الآية السابقة ليس له علاقة بموضوع البحث..فقد راجعت كتب التفسير وكلها تفسرها (انها-اي الصلاة-أمرا مفروضا او مرتبطا بوقت معين) او قريبا من ذلك فالآية لا تسمي الصلاة بأنها كتاب بالمعنى المعروف عن الكتاب..والله تعالى أعلم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اصبت وفقك الله وهذا مقتضى موضوع البحث اصلا ، أن مفردة الكتاب في القرآن الكريم لا يقصد بها "القرآن" فقط ولا يقصد بها الكتاب بمفهومنا اليوم (الحبر على ورق) بل يعني الفرائض والشرائع فهذه الصلاة أسميت كتاباً اي فريضة.
وتؤيد الآية الكريمة نتيجة البحث من وجهين:
أولها : ان مفردة الكتاب تشير إلى الشرائع والفرائض المنزلة ليتبعها الناس ويتقيدوا بمقتضاها
ثانيها : أن الكتاب ليس في القرآن فحسب بل نزل ضمن سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية
ذلك أن الصلاة "على سبيل المثال" نزلت مجملة في "المحكم" وهو القرآن الكريم، ثم فصلت في "المتشابه" أي في السنة النبوية فنجد المسلمين متفقين على الصلاة بعمومها وقد تختلف بعض الطوائف والفرق في بعض كيفيتها ، والصلاة كتاب ، وطالما نزلت في القرآن وفصلت في السنة فيقاس ذلك على بقية الأحكام والفرائض.
 
فما هو معنى التأويل في الآيات إذا؟
وما وجه اعتبار السنة غير معلومة التأويل ؟!
 
الكتاب هو اسم من اسماء القرآن واصله الاشتقاقي لا يُحجّر سعة مُسمّاه، فالرحمن اسم من اسماء الله مشتق من الرحمة ويدلّ عليها ولكنه اسم يدلّ على الذات، فليس الله تعالى اجزاءً احدها اسمه الرحمن والآخر اسمه الرزاق ومثل ذلك الكتاب فليس اجزاء لكل جزء اسمه فالكتاب اسم للقرآن ذاته ودلالة الكتاب الاشتقاقية لا تحجّر سعة مسمّى الكتاب الذي هو آيات القرآن. ولكن في بعض المواضع يراد بالكتاب معاني أخر وهذا من باب الوجوه للكلمة الواحدة والآيات في آل عمران هي في إنزال الكتب القرآن والتوراة والانجيل ثم ذكرت ان في الكتاب آيات محمكمات وآيات أخر متشبهات فلفظ الكتاب هو اسم للقرآن ولفظ الآيات هي قرينة على القرآن فلدينا الكتاب ولدينا آياته فكيف نؤوّل لفظي الكتاب وآياته من دلالتهما الظاهرة الراجحة إلى دلالة غير مستعملة او مرجوحة؟.
 
فما هو معنى التأويل في الآيات إذا؟
وما وجه اعتبار السنة غير معلومة التأويل ؟!
ذُكر التأويل في الآية مرتين وأودّ أن أعلم لِمَ فسر "المختصر في التفسير" والتفسير الميسر الكلمتين بتفسيرين غير متطابقين؟ فالأصل انهما نظيرتان وفي موضع واحد.
﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ﴾
[آل عمران: ٧]
هو الذي أنزل عليك - أيها النبي - القرآن، منه آيات واضحة الدلالة، لا لبس فيها، هي أصل الكتاب ومعظمه، وهي المرجع عند الاختلاف، ومنه آيات أُخر محتملة لأكثر من معنى، يلتبس معناها على أكثر الناس، فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق فيتركون المُحْكم، ويأخذون بالمتشابه المُحْتمل؛ يبتغون بذلك إثارة الشبهة وإضلال الناس، ويبتغون بذلك تأويلها بأهوائهم على ما يوافق مذاهبهم الفاسدة، ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات وعاقبتها التي تؤول إليها إلا الله. والراسخون في العلم المتمكنون منه يقولون: آمنا بالقرآن كله؛ لأنه كله من عند ربنا، ويفسرون المتشابه بما أُحْكِم منه. وما يتذكر ويتعظ إلا أصحاب العقول السليمة.
- المختصر في التفسير.
يصبح تفسير الآية (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بأهوائهم، وما يعلم تأويله بأهوائهم إلا الله)؟ ما رأيكم؟
 
بسم1
فما هو معنى التأويل في الآيات إذا؟
وما وجه اعتبار السنة غير معلومة التأويل ؟!

أخي الحبيب ، بداية أرجو التكرم بالقراءة بتأنٍ وهدوء لما سأورده:

أولاً : فينبغي قبل الإجابة أن نبين ماهية التأويل ودلالته مقارنة بالتفسير ودلالته مدعمة بالدليل القرآني كما تفضلت في سؤالك فنقول وبالله التوفيق:

التّأويْل : مَآلُ الأَمرِ الغَامِضْ وَ مَقْصِدُهُ وَمُنْتَهَاهْ.
وما هو على مراد الله تعالى من القول على وجه الدقة ، وسمي تأويلاٍ لأنه يحمل على (أول) معنى مقصود من القول ، وهو منتهى حقيقة الشيء حسب مراد الله.
أما التَّفْسِيْر : رَأيُ القَاَرِئِ فِيْ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى قَرَائِنَ وَدَلالاتٍ وَاسْتِنْبَاط .
وقد يصيب التفسير تأويلاً وقد لا يصيب ، والتفسير يحمل أوجه عدة قد تصح وقد لا تصح فهي اجتهاد يعمل المفسر فيه عقله أما التأويل فهو لا يحتمل الخطأ ، وقد يحتمل النص تفسيرات مختلفة باختلاف العصور والأزمان والظروف وقد تصيب كلٌ في وقته والظرف المحيط به ولكن التأويل واحدٌ لا يتغير ، ويمكن الاجتهاد و القول بتفسيرات متعددة كما اسلفنا ولكن لا يجوز الجزم بتأويلٍ إلا ما أوَّلهُ الله لنا في كتابه.

لننظر في كتاب الله ونتتبع مفردة التأويل :
وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [يوسف:6]​
ففي الوقت الذي يحتمل التفسير معانٍ عدة فيها الصواب وفيها الخطأ فإن التأويل لا يحتمل الخطأ لذلك كانت معرفة يوسف عليه السلام بقراءة الرؤى وتعبيرها تأويلاً لا يحتمل الخطأ وليس تفسيراً لأن الله جل وعلا من علمه هذا العلم ، وتعبير الرؤى يسمى تفسيراً فإن وقع مثل ما عبره المعبر كان تأويلاً لموافقته لحقيقة الرمز.

{ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:78]

فما أخبر به الخضر إنما كان من خبر الله له فكان تاويلا على مراد الله أما لو كان اجتهاداً يتلمس المراد مما لم يستطع عليه صبراً لسمي ذلك تفسيراً

وعندما دعى الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما ففي المستدرك على الصحيحين للحاكم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءا فقالت له ميمونة: وضع لك عبدالله بن العباس وضوءا، فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي والعراقي والبوصيري والألباني.
فلا شك ان الدعاء بالتاويل هو ابلغ فالتأويل معرفة مراد الله على وجه الدقة وإلا فالتفسير يقول فيه كل أحد ولكن لا يوافق قول التأويل إلا من فتح الله عليه أو أكرمه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس رضي الله عنه وأرضاه (بغض النظر عن صحة الروايات المنسوبة إليه في زماننا هذا).

وناتي للآية موضع البحث:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران:7]

وهنا فقد قلنا بأن المراد من المحكم هو القرآن الكريم فهو كله محكم ، وأما المتشابه فهو (بعض السنة والحديث) وليس كله والتبعيض أتى في الآية الكريمة لا يدل على أن كل السنة متشابه بل أن المتشابه لا يخرج من الفرائض (الكتاب) الوارد في السنة النبوية المطهرة.
ولكن كيف يكون ابتغاء التأويل:
عندما يبتغي من في قلوبهم زيغ تأويل تفصيل الكتاب ولِمَ كانت الركعات في الصلوات كذا ، أو أحكام النسك المختلفة من أحرام ورجم وميقات وعدد اشواط طواف وغيرها من الأحكام الواردة مجملة في القرآن وفصلت في السنة كالزكوات والصدقات وتفصيل الشرائع النازلة في ضمن الحديث الشريف فيستخدمون تلك الاسئلة في الطعن في الشريعة كما نرى اليوم من طعن في الاحكام والحدود والحجاب بل وحتى الصلاة فهذا الأمر واقع منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. والله تعالى أعلم


 
ولكن كيف يكون ابتغاء التأويل:
عندما يبتغي من في قلوبهم زيغ تأويل تفصيل الكتاب ولِمَ كانت الركعات في الصلوات كذا ، أو أحكام النسك المختلفة من أحرام ورجم وميقات وعدد اشواط طواف وغيرها من الأحكام الواردة مجملة في القرآن وفصلت في السنة كالزكوات والصدقات وتفصيل الشرائع النازلة في ضمن الحديث الشريف فيستخدمون تلك الاسئلة في الطعن في الشريعة كما نرى اليوم من طعن في الاحكام والحدود والحجاب بل وحتى الصلاة فهذا الأمر واقع منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. والله تعالى أعلم



السؤال بـ (لما) هو سؤال عن الغاية التشريعية وهذا لا يقتصر على السنة بل يمكننا أن نسأل عن الغاية التشريعية لما جاء في القرآن والسنة على حد سواء ، فلما التمييز؟

وهل يعني ذلك أن كل ما جاء في القرآن (الايات المحكمات بحسب قولك) لا يقع تحت طائلة الطعن والتشكيك ممن في قلوبهم زيغ ؟! بينما الواقع لا يثبت ذلك.

مع فائق التقدير والاحترام
 
ما قصدته رعاك الله سؤال التشكيك والطعن وليس السؤال من الغاية التشريعية فربما خانني التعبير ولكن المقصود ما درج عليه المشككون من زمرة النفاق الأولى وحتى يومنا هذا من استهداف للشرائع القادمة من طريق السنة على وجه الخصوص استهدافا للدين وطعنا في الشريعة.
ولا شك أن القرآن لا يخرج أيضاً من دائرة الاستهداف ولكن أهل النفاق الذين يقرّون القرآن (وقلوبهم تحمل منه ماتحمل) درجوا على الطعن في صحة السنة والتشكيك في الحدود واستخدام روايات بصورة توحي بأنها مكذوبة بينما تجدها شرائع متواترة مستغلين تشابه الفاظه مع كلام البشر في حين يتعذر عليهم التشكيك في النص القرآني.
بل لا يخفى عليكم بروز من يسمون بالقرآنيين الذين يجحدون السنة بالكلية وليس ذلك مقتصراً عليهم بل تعدى إلى أناس ممن ينتسبون إلى اهل السنة فلما رأوا أن الطعن في القرآن متعذر لإحكام مفرداته وتفرد آياته عمدوا للاتجاه للسنة النبوية والحديث للطعن في رواته ومتونه وعلومه ومحتواه جاهدين في إلغاء السنة واعتبارها وضعت على النبي وان السبيل لاثباتها متعذر.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ عدنان جزيت خيرا علي ما قدمت الحقيقة مجهود رائع ولكن لي سؤال في الاية موضع البحث الضمير في منه عائد لامحاله علي القرآن{منه آيات محكمات هن أم الكتاب}فماذا عن باقي آيات القرآن؟
 
بعض من صور الطعن في السنة النبوية الشريفة وكتب الصحاح

بعض من صور الطعن في السنة النبوية الشريفة وكتب الصحاح

بعض من مقالات حول الطعن في السنة النبوية الشريفة وكتب الصحاح

الطعن في السنة النبوية.. للتشكيك في المصدر الثاني للتشريع

الإعلام المشبوه والتشكيك في السنة النبوية ودواوينها



المستشرق:جولدتسيهر ، أغناطيوس_شبهة التشكيك فى الحديث النبوي


والشبكة تعج بتاويل احاديث الفرائض والشرائع وتكذيبها والطعن فيها ما بين المعتزلة والرافضة والفرق المختلفة وحتى من أهل السنة والجماعة من أنكر أن معنى قطع يد السارق هو بترها وقيل بل تاويل ذلك منعه من السرقة مرة اخرى وهكذا من محاولات النيل من حجية السنة الشريفة وصدقيتها
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ عدنان جزيت خيرا علي ما قدمت الحقيقة مجهود رائع ولكن لي سؤال في الاية موضع البحث الضمير في منه عائد لامحاله علي القرآن{منه آيات محكمات هن أم الكتاب}فماذا عن باقي آيات القرآن؟

حياكم الله اخي الحبيب علي /
مقتضى البحث ان السياق لا يتحدث عن القرآن الكريم ، بل عن الكتاب ، والكتاب هو الشرائع ، والشرائع موجودة في القرآن وجزء منها في السنة والمتشابه ضمن الشرائع الواردة في السنة.
بقية آيات القرآن الكريم التي لا تحتوي على الشرائع (الأمثال ، والمواعظ ، القصص ، والذكر اي ما نزل على وجه التنزيه والتعظيم لله جل وعلا ، الحكمة ) ليست من الكتاب ولكنها من القرآن .
الحرف (منه)والضمير للتبعيض أي (جزء من الكتاب) فلم تات الآية على ذكر القرآن :

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ : والمراد بالكتاب الشرائع والفرائض


مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ : وهي ما ذكر في القرآن من الشرائع والفرائض دون بقية آيات القرآن من المواعظ الامثال والقصص والذكر والتنزيه والتعظيم ، يقول تعالى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود:1] واسميت (ام الكتاب) لأنها أتت مجملة تفرض الحكم الكلي ثم تفصيل الكتاب يبين ذلك المجمل.

وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ : هي ضمن الجزء الآخر من الكتاب (الفرائض والشرائع) تشابهت مع قول البشر ولكنها نزلت على النبي من الله وليست من بنات افكاره ولكنها نطقت بلفظه صلى الله عليه وسلم وليست من القرآن ، ونجد فيها تفصيل للمحكم وتبيان للأحكام .

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْــه : منه أي من الكتاب فإن المنافقين والمرجفين يقعون في الشرائع التي نزلت ضمن السنة النبوية فيطعنون فيها ويشككون في صحتها ويدعون تأويلها على غير حقيقة.

ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ : ليفتنون الناس ويصرفونهم عن الكتاب (الشريعة) ويتهيأ بذلك الطعن في القرآن وصرف معانيه إلى غير ما بينته السنة حيث انهم "على حد زعمهم" اسقطوا السنة وشككوا فيها.

وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ : الضمير في تأويله يعود على (الكتاب ) أي الشرائع والفرائض بتتبع مراد الله من تلك الشرائع وصرفها عن حقيقتها إلى ما يوافق اهوائهم كصرف حكم القطع عن معناه الصحيح ، والجلد وأحكام الشريعة عامة .

وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ : فالمراد من الكتاب الاتباع بلا نقاش ولا رد ، بل قبول للشرائع وتنفيذ لها كما نزلت وكما أمر بها الله في الكتاب (القرآن ، السنة) فهو وحده يعلم تاويله وحقيقة منتهاه ومآله.

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا : جملة منقطعة ، تعني أن الراسخين في العلم يؤمنون (بالكتاب) محكمه ومتشابهه ، ما نزل ضمن القرآن الكريم مجملا محكما وما نزل ضمن السنة النبوية متشابهاً

وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ : فمن كان من اصحاب العقول السليمة والفطرة النقية الخالية من الزيغ فإن الذكرى بهذا الأمر تتحقق لهم فكل ما تعرضوا لمحاولة صرفهم وفتنتهم عن الكتاب (قرآنا و سنة) تذكروا فعادوا إلى الحق وثابوا إلى الرشد والصواب.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي عدنان علي حد علمى الشرائع جاءت واضحة الدلالة في القران مفصله في السنه .فى اي موضع منها احتاج الراسخون في العلم الي قول (امنا به كل من عند ربنا) ؟ .
 
بسم1​
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي عدنان علي حد علمى الشرائع جاءت واضحة الدلالة في القران مفصله في السنه .فى اي موضع منها احتاج الراسخون في العلم الي قول (امنا به كل من عند ربنا) ؟ .


حفظكم الله وسدد أمركم
لا شك في أن الشرائع ككل واضحة الدلالة كما تفضلت إلا ان من في قلبه زيغ يبحث عن مدَّخل يوضِع منه في الشرع الحنيف فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن تقبيل الحجر الأسود من السنن المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم تأويل هذه السنة إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به بلا نقاش ولا تاويل.
ولكن من في قلبه زيغ يقول أن هذه من العبادات الوثنية التي صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً على بقاءها (حاشا لله أن يكون ذلك) ويشغبون كذباً وزوراً عليها وعلى الكثير من العبادات المشابهة التي لا يعلم المسلم تاويلها ولا المراد منها ولكنه يؤمن به بلا تردد ولا ريبه.
والكثير من العبادات والشرائع والفرائض المكتوبة على المسلمين والواردة في السنة النبوية الكريمة استخدمت من أهل الزيغ الفسق والضلال وجرى خلط للروايات الموضوعة مع الصحيحة في العديد من الدراسات والكتب التي نشرت سعياً للطعن والتشكيك في الشرع الحنيف.
ومن صور الطعن في المتشابه هو التشكيك في المعراج ، ففي حين أثبت الإسراء في المحكم فقد فصل المعراج في المتشابه (السنة النبوية) فتجد من يشكك في وقوع العراج مستدلا بعدم ذكره في القرآن الكريم (المحكم) والهدف الحقيقي هو الطعن والايقاع بالكتاب (الشرائع) ذلك ان الصلاة فرض تفصيلها في المعراج فإن اسقط المعراج فإن أهل الزيغ يصبحون قاب قوسين او أدنى من إسقاط الصلاة خيبهم الله.

لا يخفى على كل غيور على دين الله أن الوقوع في الشريعة غاية مقدسة عند اعداء الإسلام في سبيل عزل الدين وفصله عن الحياة العامة وتطبيق ما تم على المسيحية في القرن الثامن عشر بحيث يصبح الإسلام مجرد طقوس منفصلة عن حياة المسلم العامة وذلك ما لجاوا إليه عندما أيقنوا بأن التخلص من الاسلام كدين هدف مستحيل التحقق ، ويتفق في هذه الغاية من اهل الزيغ والفسق من أبناء الإسلام نفسه مع اعداءه من الديانات الأخرى بل ويعملون جاهدين لتحقيق هذا المفهوم وتطبيقه على أرض الواقع ولن يتمكنون إلا من خلال هجمة منسقة على الشرائع لتحقيق أغراضهم ولكن يابى الله إلا ان يتم نوره ويقيم شرعه ولو كره الكافرون.
 
ايذن لي أن اذكر أمرين نقلاً من تفسير ابن عاشور، احدهما ان الكتاب في هذا الموضع هو القرآن لا محالة والثاني قوله هنّ أمّ كتاب يدلّ على ان المتشابه ليس من أم الكتاب.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالي {وما يعلم تأويله الا الله}قال ابن تيمة الضمير عائد علي الكتاب وحسب مفهومك ياأخ عدنان ان الكتاب هو الشرائع والاوامر والنواهي قال تعالي {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أَزْكَى لهم. ان الله خبير بما يصنعون}قال تعالي {ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب }. ألم يكن مراد الله معلوما والحكمة من التشريع معروفه وهذا يتناقد مع اختصاص الله بالعلم والتأويل دون غيره. وفي حالة عود الضمير علي المتشابه حسب مفهومك يكن حصرك لعلم الله علي ماهو معلوم التأويل بالفعل في السنة وهذا اشكال عقدي فلا معني للوقف ولا للاستثناء. قال أهل السلف السنة تأويل الأمراي وقوعه علي الحقيقة. قال تعالي {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم } قال ابن كثير الكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة . قال تعالي {أفلايتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافا كثيرا}.قال تعالي {كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته }والسنه فيها اختلاف وهذا يؤكد علي أن الكتاب هو القرآن والله أعلم.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
بسم1​
حياكم الله وبارك فيكم اخي الحبيب
لم يكن مراد الله معلوما والحكمة من التشريع معروفه وهذا يتناقد مع اختصاص الله بالعلم والتأويل دون غيره. وفي حالة عود الضمير علي المتشابه حسب مفهومك يكن حصرك لعلم الله علي ماهو معلوم التأويل بالفعل في السنة وهذا اشكال عقدي فلا معني للوقف ولا للاستثناء.

ما تفضلت به من الآيات من المحكم وما نتحدث عنه هو المتشابه ، بل إن ما تفضلت به يثبت مقتضى البحث وهو أن المحكم من الكتاب (الشرائع المذكورة في القرآن) واضحة وليست هي المقصودة بابتغاء التأويل في الآية لأن الآية تشير للمتشابه وليس المحكم ونحن قلنا ان القرآن الكريم بما فيه من كتاب (كتاب أحكمت آياته) وأن التشابه في بعض السنة وهذا لا يحصر علم الله بشئ دون آخر معاذ الله فهذا لم اقله ولم أشر إليه من قبل ولا بعد فالله جل وعلا يشير لتأويل المتشابه
وقد سقت أمثلة على المتشابه من الشرائع الواردة في السنة كتقبيل الحجر الأسود ومسائل الحدود والصلاة وعدد ركعاتها وغيرها من الاحكام.
فإن كان الكتاب هو القرآن كما تفضلت فهل عبثاً يذكر مفردة الكتاب ومفردة القرآن بدون داعٍ لذلك الاستعمال ؟؟
يقول تعالى:

{ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ } [النمل:1]


فلو كان القرآن هو نفسه الكتاب فأي بلاغة في تكرار المعنى ذاته ؟؟؟ بل إن ما اقول أن القرآن ليس هو الكتاب ولكنه مشتمل على المجمل والمحكم منه وأما السنة فتشتمل على المفصل والمتشابه وهذا ما يصدقه الواقع ومعنى وسياق الآيات التي تأتي بمفردة الكتاب وتلك التي تأتي بمفردة القرآن.

وما أقوله اخي الحبيب اجتهاد وما يقوله علمائنا رحمهم الله وغفر لهم اجتهاد أيضاً فلم ينزل وحي يبين ذلك فيلتزم به الجميع وحتى في أوساط القائلين بأن القرآن فيه محكم ومتشابه بينهم خلافات كبيرة في ماهية الآيات المحكمة والمتشابهة ونسبة التشابه للسنة ونسبة الاحكام للقرآن حل تام لهذه الاشكالات والله أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي عدنان أنت قلت أنك توصلت الي ان القرآ ن كله محكم وأن المتشابه في السنه . للآن أنت لم ترد علي وقد قمت بتوجيه الضمائر في ضوء مطلبك وأنت لن تفعل. أما بخصوص قوله تعالي {طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين}فقد وصف الكتاب بأنه مبين وتم عطفه علي القرآن وليس معني هذا أن القرآن شيئ والكتاب شيئ قال تعالي {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}وهنا تم العكس وهما شيئ واحد قاله الشعراوي من باب عطف الشيئ علي نفسه لزيادة الوصف فالقرآن يقرأ ويكتب والعكس فلم يخلو الامر من البلاغه . وقبل أن أنهي كلامي أنا معك في أن لفظة كتاب جاء ذكرها كثيرا مع التشريع وتمنياتي لك بالتوفيق .
 
المرفق يمثل بالرسم كيف أن مصطلح الكتاب لا يعني القرآن وفي ذلك تحقيق لتنزيه القرآن الكريم عن الحشو الترادف وتنزيها لكلام الله عن الغموض وإخفاء المعاني عن العباد كما يحب الكثيرين أن يصموا التنزيل الحكيم به من صفات ولي بإذن الله عودة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ عدنان من اين لك بهذه المخطوطه كنت اظنها اثرية ولكني ارها من محض خيالك فهي ليست من القرآن أو السنه أو الكتاب حسب قولك.وأري أنك لجأت الي أشكال فن في علم الرياضيات وهذا هو تخصصي فمن خلال الرسم المقترح .فانك جعلت المجموعة الشاملة هي الوحي من الله عز وجل والمجموعات الجزئية منها القرآ ن والكتاب والسنه ومن خلال الرسم تجد تقاطع بين القرآن والكتاب في مجموعة الحدود والشرائع والعبادات فهذه المجموعة يصح أن تطلق عليها قرآن أو كتاب وهذا يؤكد ماذهب اليه أهل العلم من خلال رسمك وسبحان الله من خلال نظرية المجموعات.
 
أحاول أن أوصل الفكرة بشتى الطرق ولكن يبدو أني لم أفلح فهل العيب في عرض الفكرة أم في التلقي ؟؟
 
بسم1​
لماذا جمع اليهود والنصارى تحت إسم (أهل الكتاب)؟
فلو كان القرآن كتاب والإنجيل كتاب والتوراة كتاب لأسمى الله اليهود والنصارى أهل الكتابين بصيغة المثنى ولكن لما كان المعنى من مفردة الكتاب (الشريعة) وما كتب الله عليهم من الفرائض ولما كان عيسى عليه السلام أتى متبعا لشريعة موسى عليه السلام ولم يأت بشريعة جديدة فقد نسب أهل الديانتين(اليهود والنصارى) إلى كتاب واحد أي شريعة واحدة.
وهي كما في الدين الإسلامي نزلت ضمن التوراة وفصلت وحيا آخرا ضمن سنن موسى عليه السلام القولية والفعلية.

إن علمائنا الإجلاء رحمهم الله اختلفوا على خمسة أقوال مشهورة أو أكثر في المحكم والمتشابه ولو فرضنا أنها أربعة وأتى القول الخامس في هذا المثال لشنع المشنعون على القائل ، ولو كان قولي هذا قد سبق به أحد قبل ثلاثمائة سنة لربما ضم للأقوال الخمسة .

شهدنا في الأقوال السابقة الشذوذ والغرابة بل والتعارض مع المعلوم من الدين بالضرورة وجرى احترام الاختلاف ويحضرني مثل على ذلك وهو قول أن أصحاب الأعراف هم أبناء الزنى واترك لكم الحكم على القول ، وغيره كثير من الأمثلة التي لم يجرؤ أحد على ردها لمجرد وراثتها.

كل الشواهد القرآنية تؤيد وتدعم ما نقول وبرغم ذلك فإني لا أحتكر الحق وأدعي العصمة والصواب ولم اسفه رأي أحد وكل ما أطلبه أن يهديء بعض الإخوة من روعهم ويعملوا عقولهم وأن يردوا على ما أقول بالحجة والبرهان أما سرد أقوال أهل العلم فلا حاجة لي بذلك فالموسوعة الشاملة تحتوي على كل ذلك.

إن الاختلاف مع المفاهيم الموروثة التي تناقلتها الاجيال بالتسليم ليس اختلافا مع وحي رباني ولا مع قول نبوي وليس فيه خروجا عن الدين والعقيدة كما (يحاول البعض الإيحاء به) بل أراه حلا لرفع مكانة السنة النبوية وتفسير سبب استهدافها وضم ما ورد فيها للوحي استنادا للتنزيل الحكيم وليس إلى استنباط العلماء فحسب.

إن الإتيان بتلك الأقوال على سبيل الاحتجاج لا محل له هنا لأن الإختلاف يعود لأصل المسألة وهو اعتبار الكتاب هو مرادف للقرآن والكتاب هو القرآن وهذا مفترق الطرق فإن أراد أحد أن يرد القول بالحجة فعليه أولا أن يثبت خطأ القول بأن مفهوم مفردة الكتاب تعني الشريعة الموحى بها من الله وماكتبه على خلقه وليس مابين الدفتين من أوراق مدونة مكتوبة هنا تكون قضيت على الفكرة في مهدها.

إن مفهوم الأوراق المكتوبة بالحبر والمجموعة بين دفتين وتسميتها(كتاب) إنما هو تحور في المفهوم حدث بمرور الزمن وإلا فإن القرآن الكريم اسمى تلك الأوراق(قراطيس) يقول تعالى :

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام:91

ويقول جل شأنه :

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } [الأنعام:7]

فلو كان الكتاب هو الورق المجموع بين الدفتين لما دعى الأمر أن يؤتى بمفردة (قرطاس ، قراطيس) فالمراد من (كتاب في قرطاس) أي شريعة مدونة على ورق فهذا تبيان آخر لمفهوم الكتاب بين استعمالنا اليوم وبين المفهوم القرآني المفردة.

إننا يجب أن نقر بأن استعمال المفردات اعتراه الكثير من التحوير والتغيير في الاستخدام كمفردة (الإنسان) التي ما وردت في كتاب الله ابدا إلا على سبيل التحقير والوضاعة في مادة الخلق وفي سوء الخلق ولكن استعمالنا لها اليوم أصبح للتكريم والتبجيل فصارت الإنسانية مرادف للعطف وحسن الخلق (وسبق نشر بحث بذلك) ، هل نحتج الآن بسوء استعمالنا للمفردة على القرآن ؟ أم أن القرآن الكريم هو الحجة ؟؟.
وهكذا مفهوم مفردة الكتاب يجب ردها لسياقها القرآني ومفهومها الحقيقي فيكون هو الحجة وليس ما درج عليه الآباء والأجداد هو الحجة على التنزيل الحكيم.

ثم إني أذكر نفسي وإياكم بأهمية الطرح الهادف للوصول إلى الحق ولو كان مع رأي المخالف وليس السعي لإفساد رأيه باجتزاء الأدلة وتوجيه الفكرة في غير وجهتها أو نسبة فكر أو عقيدة منحرفة للمخالف تلميحا ولمزا أو تصريحا سعيا لاستهداف شخصه وبالتالي إسقاط فكرته الأمر الذي أنزه إخوتي الكرام عن إتيانه
اللهم ربنا أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وأسأله تعالى أن يصلح ظاهرنا وباطننا ويغفر لنا وإياكم إنه هو الغفور الرحيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي عدنان من خلال الرسم التوضيحي ومن خلال ما قدمت يعتبر الكتاب جزء من القرآن قال تعالي { ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الي معاد} الم يكن بهذا القرآن كله من فروض الكتاب ؟ ويصبح القرآن جزء من الكتاب وحسب نظرية المجموعات يتحقق التساوي وهو مايقابله في قواعد التفسير عطف الشيئ علي نفسه.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
سأجيبك جواب شافي إن شاء الله تعالى ولكن ينبغي أولا معرفة موقفك من مفردتي الكتاب والقرآن هل هما مترادفتان في نظرك ؟ لأن هذه الإجابة ستحدد مسار النقاش لنصل لنتيجة بإذن الله تعالى.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وهل الرد الشافي يتوقف علي موقفي؟.وهل مشاركاتي معك لم توضح ذلك؟.المسألة ليست شخصيةولاهي مباراة وعلي العموم موقفي من مسألة المحكم والمتشابه والترادف بين القرآن والكتاب يكفيني فيه حديث رسول الله صل الله عليه وسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال[ كان الكتاب الاول ينزل من باب واحد علي حرف واحد ونزل القرآن من سبعة ابواب علي سبعة أحرف :زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه .........]رواه أحمد والنسائي وحسنه الالباني.واتفق مع اهل العلم في ان الكتاب هو القرآن والحكمه هي السنه قاله ابن كثير وعند مقابلة قوله تعالي {طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين}بالمشابه له بقوله تعالي {الر تلك آيات الكتاب وقرأن مبين}ان العطف
في الحالتين من باب عطف الشيئ علي نفسه قاله القرطبي والشعراوي.ومع ذلك أؤيد اختلاف الدلاله من مناسبه لاخري ولست معك في مطلبك الثالث نهائيا ليس لاختلافك مع أهل العلم جميعا دون مبرر مقنع ولكن لتخطيك ايضا لحديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي اورده الاخ امين الهلالي وكان كافي لانهاء المسأله.أود توجيه نظرك أن الاية التي تصدرت بها بحثك رقم 7 من سورة آل عمران هي مشكله اصلا مع أجل أهل العلم باتفاقهم علي مفهوم المحكم والمتشابه وقد ذاد الامر اشكالا بعد طرحك وبالاخص مع توجيه الضمائر في الايه في قوله تعالي { ومايعلم تأويله } في حالةعود الضمير علي الكتاب وهو في مفهومك يحمل المحكم والمتشابه يكمن اشكال عقدي .وانصحك بالعدول عن هذا المطلب أوتفسر الايات التي ذكرت لك في مشاركاتي السابقة في ضوء مطلبك .اللهم اهدنا صراطك المسقيم
 
بسم1
أولاً . أخي الكريم : ضع في حسبانك حفظك الله أنني لم أتلق إجابة على سؤالي بشأن رأيك في ترادف مفردة الكتاب والقرآن وعوضاً عن ذلك تطرقت إلى جزئيات أخرى.
ثانياً . لم تبين لي الإشكال العقدي الذي تراه في مفهومي للمحكم والمتشابه .
ثالثاً. بالرغم من ذلك فسأجيبك على ما تفضلت به فأقول وبالله التوفيق:
ينبغي عند إيراد أي آية كريمة أن تعرض كاملة غير مجتزأة فإن كان النظر في السياق لازم لفهم الآية فكيف بالآية نفسها لذلك فسأضع الآية كاملة :
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [القصص:85]
وقلت رحمك الله :
الم يكن بهذا القرآن كله من فروض الكتاب ؟ ويصبح القرآن جزء من الكتاب وحسب نظرية المجموعات يتحقق التساوي وهو مايقابله في قواعد التفسير عطف الشيئ علي نفسه
وأحيلك إلى أقوال المفسرين رحمهم الله الذين أجمعوا على ان معنى "فرض" عليك القرآن يعني أنزل عليك القرآن ونستعرض من تلك الأقوال قول الطبري رحمه الله لأنه دائما ما يورد أقوال متعددة ضمن تفسيره:
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85)
يقول تعالى ذكره: إن الذي أنـزل عليك يا محمد القرآن.
كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ) قال: الذي أعطاك القرآن.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ) قال: الذي أعطاكه.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) فقال بعضهم: معناه: لمصيرك إلى الجنة. أ.هـ.
وقال في ذلك ابن عاشور رحمه الله:
ومعنى { فرض عليك القرآن } اختاره لك من قولهم : فرض له كذا ، إذا عيَّن له فرضاً ، أي نصيباً . ولما ضمن { فرض } معنى ( أنزل ) لأن فرض القرآن هو إنزاله ، عُدِّي فرض بحرف ( على ) . ا.هـ.

وبذلك فإن الله تعالى يكلم نبيه عن القرآن الكريم الذي بين الدفَّتين بفرائضه وبزواجره وذكره وقصصه وهو والكتاب جزء منه في القرآن وباقيهِ ومفصله في السنة الشريفة وهذا واقعي لا يشكل عليه شيء ، فنحن نعلم أن الصلاة من الكتاب ولكن هل كل تفصيل هذه الفريضة في القرآن ؟ لا جزء كبير منها أتت في السنة النبوية وقس عليها بقية الفرائض ، فبالتالي يكون الكتاب (كما أوضحت في الرسم) مكتملاً بالقرآن والسنة وليس بأحدهما دون الآخر .

وبذلك نكون قدرنا السنة النبوية الشريفة قدرها وجعلنا ما فيها من الكتاب ملزم لكل من في قلبه زيغ ويرفض السنة أو يشكك في صحتها ليعلم أن الله جل وعلا فصل فيها ما أجمله في القرآن الكريم.

ورايي أن استعمال القول "عطف الشيء على نفسه" يحل الاشكال ظاهرياً ولكن لو بحثت عن مسار العطف لو كان على غيره لوجدت ما يستحق التفكير والبحث.
والله جل وعلا أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم​
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الزجاج معني فرض عليك انزله عليك والزمك وفرض عليك العمل بما يوجبه القرآن انتهي .فالفرض تابع للانزال وليس مرادف له .قال الشعراوي فرض ألزم وأوجب قال تعالي {سورة أنزلنها وفرضنها} فالفرض هنا علي ظاهره وهو في علم الاصول أولي و اذا كان هذا وجه آ خر فأنت مطالب بتفسير ذلك في ضوء مطالبك.[وبالنسبه لردك السابق قلت وبذلك نكون قدرنا السنه النبوية الشريفه قدرها وجعلنا مافيها من كتاب ملزم لكل من في قلبه زيغ ويرفض السنه أويشكك في صحتها] لماذا لم تأخذ بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ابن مسعود في مسألة المحكم والمتشابه ؟.ثم تقول لنا رأي أن مسألة عطف الشيئ علي نفسه تحل الاشكال ظاهريا وتدعونا للبحث والتفكير والعمل بالرأي أذا كنت تتحمل مسؤلية ماتدعو اليه حل أنت الاشكال جوهريا في ضوء مطلبك وارجوك ان تتوقف .
 
عودة
أعلى