برنامج قصة آية للدكتور عبد الرحمن الشهري

قصة آية (17)
لا خيار للمؤمنين

(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) النور)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياكم الله أيها الإخوة الكرام في برنامجكم قصة آية هذا البرنامج الذي يأتيكم برعاية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وأن ينفعنا ويرفعنا وإياكم بالقرآن العظيم .
اليوم سوف نتوقف مع آية من آيات سورة النور تشير إلى موقف الصحابة الكرامة رضي الله عنهم من أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وكيف بلغ الصحابة الكرام والسلف الأوّلون هذه المنزلة الرفيعة الإسلام في استجابتهم وانقيادهم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وما ينبغي علينا نحن الأتباع من الاقتداء بهؤلاء السلف الكرام رضي الله عنهم.
الصحابة الكرام رضي الله عنهم تميزوا بصفة الانقياد التام للنبي صلى الله عليه وسل.م والمتأمل لآيات القرآن الكريم يجد هذا واضحاً جلياً من البقرة إلى سورة النور التي ذكرتها هنا ويجد على ضد من ذلك بنو إسرائيل كانوا يرفضون، كلما قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام طلب منهم طلباً أو أمرهم بأمر تلكأوا، حتى بعضها طلبات بسيطة يعني ليست طلبات لا جهاد ولا أشياء تحتاج إلى مشقة وبالرغم من ذلك تلكأوا. على سبيل المثال في سورة البقرة، قال الله سبحانه وتعالى عندما قتل أحد بني إسرائيل ولم يستطيعوا أنهم يتعرفوا عليه فأوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن اذبح بقرة واضربوا هذا الميت ببعض هذه البقرة وسوف يحييه الله، وهذا من فضل الله عليه. قال لهم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أول شيء فيهم قلة أدب مع أنبيائهم وسوء أدب، والأمر الثاني تلكؤ عن الاستجابة للأوامر، فلسفة! قال (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). تجاوزوا النقطة (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) يعني وسط لا هي كبيرة في السن فارِض ولا بكر حديثة الولادة (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لونهَا ) نريد أن تحدد اللون بدقة. (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) قالوا لا، نحتاج لمزيد إيضاح (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا) يعني ما بقي إلا أن يحددها لهم بنفسه، يقول هذه هي اذبحوا هذه! فهذا من علامات تلكؤ بني إسرائيل وعصيانهم لأنبيائهم. ولذلك سورة البقرة مائتان وستة وثمانون آية اختُصرت حكمتها في قصة البقرة، ما معناها؟ معناها اُنظروا يا أمة محمد إلى صنيع بني إسرائيل مع أنبيائهم كيف كانوا يفعلون، يتمرّدون على الأوامر، يتلكأون في التنفيذ، يسخرون، يستهزئون، وما المطلوب منا يا رب؟ قال اجتنبوا هذا الأسلوب، وأطيعوا، وانقادوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ) لأنه لا يخلو إنسان من تقصير (رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير) فالله سبحانه وتعالى إكراماً لهم قال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أبشِروا استجابتكم هذه وانقيادكم أنا لن أكلفكم إلا ما تستطيعون والذي لا تستطيعونه معفوٌ عنه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ) ثم ألهمهم هذا الدعاء الذي لم يلهمه أمة من الأمم في قوله سبحانه وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). ما أجمل الاستجابة والانقياد لأوامر الله، وترك الفلسفة، وكثرة التنطع، وكثرة التلكؤ! وكذلك في الآيات التي في سورة النور (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بنو إسرائيل في آيات أخرى قالوا سمعنا وعصينا. ولذلك هذا درس عظيم لنا نحن المسلمين وحتى اليوم والله إنك تجد الآن أحياناً أوامر الله ورسوله واضحة جداً في القرآن الكريم، وفي السُنة في البخاري ومسلم، ثم تجد من بيننا من يقول: لكن الحديث فيه كلام هو في نفسه هوى لا يريد أنه ينفِّذ، يقال له ما الحكم في قضية الحج؟ في الطواف؟ وفي السعي؟ فيقال له هذه الدليل وهذا صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا، لكن هناك قول لأحد العلماء، يحاول أنه يتملص ويتخلص من أوامر الله ورسوله، ويقول قال فلان وقال علّان، حتى تجرأ الناس على التملّص من أحكام الله ورسوله. وإلا الموقف الصحيح والسليم الذي أثنى الله عليه وعلى أهله هو الانقياد التام، ولذلك نعلّم طلابنا وأبناءنا في أولى ابتدائي المقصود بالإسلام، وما هو الإسلام أصلاً؟ الاستسلام .قالوا: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله. فتقول إنك مسلم وأنت لا تنقاد لأوامر الله؟! ما هو الإسلام إذن؟! تقول أنك مسلم وأنت لا تستسلم لأوامر الله وتطيعه؟! طبعاً ليست كل أوامر الله على هواك، الله سيأمرك بالجهاد، ما هو على هواك ولكنه الخير ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) واضحة الأوامر هذه. الله سبحانه وتعالى يأمرك بالزكاة، طبعاً قد يقول قائل الزكاة طبعاً نصابها اثنين ونصف في المئة لا يؤثر على المال القليل، لكن واحد عنده مليارات فإذا رأى أن الزكاة مائتين وخمسين مليون زكاة؟! قال والله مائتين وخمسين هذه كثير!! قال ما يجوز!! انظر كيف نظر إلى مائتين وخمسين مليون التي هي نصاب الزكاة، وغفل عن المليارات التي رزقه الله بها، فيُقنعه الشيطان أن مائتين وخمسين مليون لا، دعنا نطلع خمسين مليون، والمئتين أعمل بها مشروعات فيدخل عليه الشيطان من هذا الجانب، هذا لم يستسلم لأوامر الله ورسوله ولم ينقد .
وأذكر أحد كبار التجار حدثني يوماً يقول: غفر الله لي في يوم من الأيام رأيت نصاب الزكاة كبيرة، فقلت للعمال والموظفين، يعني لو تحاولون تغيرون في الحسابات بحيث أن مبلغ الزكاة يقلّ يصير بدل مائتين وخمسين مليون يصير يعني أربعين ثلاثين وأنا أتصرف في الباقي، قال سبحان الله العظيم عوقبت عقاباً عاجلاً، قال فاحترقت المخازن، عنده مخازن كبيرة جداً، قال أصيبت بحريق والله يقول ما أدري ما هو، هل كان التماس كهربائي، قال أنا أول ما سمعت قالوا لي حاصل حريق قلت خذ أخرج المائتين وخمسين مليوناً .قال أول قرار اتخذته أن أُخرج الزكاة هذه مباشر، واستغفرت الله سبحانه وتعالى، وقال وتم إطفاء الحريق، وعرفت مباشرة أن العبث في هذه الأشياء، أنت تتعامل مع رب ولا يمكن أن تضحك عليه! ما هو بهذا مصلحة الزكاة والدخل وأنت تتعامل بصدق، الله سبحانه وتعالى يقول رزقني ومبارك لي وأعطاني وأني أضعف في اللحظة الضعيفة هذه لأني تكابرت المبلغ وأحسست أن هناك فرصة أنني أعبث بها، وقس على ذلك، فلاستسلام والانقياد لأوامر الله ورسوله يجب أن يكون في نصف عيناك دائماً، وأن هذه هي صفة المؤمنون ولذلك قال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر الحصر يعني لم يقل لهم قول غيره أبداً وصدق الله ورسوله، أبشِر أطعنا سمعنا وأطعنا، يدعون إلى الجهاد، أبشِر بل ويتنافسون بالمال يدعون إلى البذل فيتنافسون، يدعون إلى الصدقة فيتنافسون ولما جاء المهاجرون إلى الأنصار يتنافسون في إيوائهم وهكذا، ويؤثر بعضهم على بعض، هذه صفة المؤمن الصادق الإيمان كامل الإيمان، أنه يقول سمعت وأطعت لأوامر الله ورسوله ولو خالَفَت هواك. ولذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا زينب تزوجي زيد بن حارثة، هي امرأة شريفة ونسيبة وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم .أتزوج مولى؟!! غير مقبولة في العرف الاجتماعي أبداً، فلما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تزوجت زيداً، أبشِر، سمعنا وأطعنا. فلما تزوجت زيد وقدّر الله وطُلِّقت من زيد زوّجها الله بالنبي صلى الله عليه وسلم مكافأة لاستجابتها لأمر الله ورسوله. ولذلك أم سلمة رضي الله عنها تقول في كلمة جميلة "مات أبو سلمة" والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بمصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها" يقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبدله الله خيراً منها. قالت: فأنا قلت هذا الدعاء وأنا أقول في نفسي ومن هو الذي يأتي خيراً من أبي سلمة؟ كانت تحب زوجها قالت: فأبدلني الله بالرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من أبي سلمة ففضل الله عظيم والانقياد لأوامر الله سبحانه وتعالى آثاره ستنعكس على حياة المسلم وعلى أخلاقه وعلى أولاده وعلى ماله وعلى علمه بشكل مبارك يلمسه في تفاصيل حياته. ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كان ثمن انقيادهم وتسليمهم لأوامر الله أن جعل الله درجاتهم عالية جداً عنده وجعل النبي صلى الله عليه وسلمفضلهم لا يمكن لأحد بعدهم أن يدركه، ولذلك قال يوماً لما بلغه أن بعضهم يسب بعض الصحابة، فقال: لا تسبوا أصحابي فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهب ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. مع أنه لا يمكن ويستحيل أن أحداً يستطيع أن ينفق مثل أُحد ذهباً!، من هو الذي يملك مثل أُحُد ذهباً أصلاً؟ مثل جبل أحد، جبل أحد جبل ضخم جداً ثم يكون ذهباً هذا مستحيل! لكن لو حصل أن أحد أنفق مثل هذا الإنفاق فهو لا يوازي نصف مُدّ أحد الصحابة رضي الله عنهم فليتوقف الذين يسبّون الصحابة الكرام فإنهم لن يستطيعوا أن يبلغوا مبلغهم. والعجيب أن هناك من الذين ينتسبون للإسلام وهم هؤلاء الرافضة الإثنا عشرية يتقربون إلى الله بسب أبي بكر وهو أفضل الصحابة، وبسب عثمان، وبسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،انظر إلى هذا الدين الباطل الذي ليس من الإسلام في شيء، يتقربون إلى الله بسب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم فهؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء! والرسول يقول لو أنفق أحدكم لن يبلغ مدّ أحدهم فكيف الذي يسبهم ويقع في أعراضهم، ويقيم دينه على سب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين وصفهم الله في هذه الآية وقال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). هذه الآية العظيمة في الحقيقة معناها متكرر في مواضع كثيرة في القرآن الكريم من الانقياد والسمع والطاعة، وتأمل أنت حتى في القصص السابقة الأنبياء السابقين كيف كان يتعامل هؤلاء الأقوام مع أنبيائهم؟ اُنظر مثلاً في قوم نوح وصنيعهم مع نوح، اُنظر إلى الأتباع دعك من الذين كذّبوا ولكن حتى الأتباع الصالحين، انظر مع موسى عندما خرج ببني إسرائيل من فرعون ومن مصر، ولما أنجاهم الله أخرجهم الله وأنجاهم بمعجزة عجيبة وهي أن الله شق لهم البحر، هم رأوا هذا بأنفسهم، ورأوا فرعون وهو يغرق وما أن خرجوا من البحر ما جفّت أقدامهم إذا بهم يقولون يا موسى، اجعل لنا إلهاً كما لهم آله، يطلبون الشرك بالله سبحانه وتعالى! يقول لهم موسى ادخلوا بيت المقدس، أراد بهم أن يدخل بهم إلى فلسطين ويحاربون أهلها ويتمكنون، قالوا اذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون! هذا الخذلان، ولذلك عاقبهم الله فبقوا في تلك الصحراء أربعين سنة، ومات موسى وجاء بعده تلميذه يوشع بن نون ودخل بهم. فالشاهد انظر إلى بني إسرائيل، انظر أيضاً إلى قصة أصحاب طالوت معاهم، عندما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ (247) البقرة) واليهود أصحاب فلوس وأصحاب اقتصاد دائماً هي الفلوس مقدمة عندهم والمال، فأيضاً خذلوا وتخاذلوا عنه وقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ (249) البقرة) هؤلاء الصفوة، شربوا أكثرهم والله يقول (قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) حتى الخذلان وعدم الطاعة والعصيان وعواقبها! الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا أهل انقياد، وأهل طاعة، وينبغي علينا نحن أن نكون كهذا، وينبغي أن يكون المؤمن أن يقدّم أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أمر وعلى هواه في الصلاة، وفي الزكاة، وفي الحج، وفي الصدقة، وفي البذل، وفي الجهاد، وفي الدعوة، دائماً قدِّم أمر الله على أمر نفسك، قدِّم حاجة الدين وحاجة الدعوة على حاجتك الشخصية، وستجد ثمرة ذلك بركةً في علمك وفي وقتك وفي مالك وفي أبنائك. بعض الناس يتردد أنه ينفق ألف ريال أو ألفين ريال ويقول هذا أدفعها قسط في كذا ولا يعلم أنه لو أنفقها في سبيل الله لأخلف الله عليه ولبارك الله له في أولاده، بعض الناس يمنع حق الله، فيبتلى في أمراض في زوجته وفي أولاده ينفق الآلاف وهو يعالج. ولذلك عندما يقال داووا مرضاكم بالصدقة، وأنفق في سبيل الله، يكفيك الله سبحانه وتعالى أموراً لو فتحها عليك لما وسعتها أموالك. والذي يتعامل مع الله سبحانه وتعالى بالإخلاص، والنية الطيبة والصادقة في الإنفاق، وفي البذل، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يكفيه الله سبحانه وتعالى ما أهمه، وفي إحدى الحلقات كنا تكلمنا عن قوله تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم التقوى، والإخلاص، والاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، والانقياد له في كل ما أمرنا به والانتهاء عن كل ما نهانا عنه، وأن يجعلنا مخلِصين له سبحانه وتعالى حتى نلقاه، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 10 (10حلقات)
الحلقة 12 و13 (حلقتان)
الحلقة 15 و16 و 17 (ثلاث حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
مجموع الحلقات المفرّغة: 19 حلقة
الحلقات المتبقية: 10 حلقة
 
الأخت سمر والأخت ام الحارث وفقكن الله
جهودكن مشكورة ونشاطكن ظاهر.
في قناة المجد العلمية عرض برنامج البيان القرآني مع الدكتور البلاغي محمد صافي المستغانمي وقد أجاد وأفاد،فليتكن تقمن مشكورات بتفريغ الحلقات مقروءة ؛حتى تعم الفائدة ويحصل النفع.
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل د. محمد على حسن ظنك هذا من فضل ربي فله الحمد.
الدكتور المستغانمي جزاه الله خيراً قدم حلقات ضمن برنامج لمسات بيانية منذ أعوام على قناة الشارقة وقد قمت بتفريغها بحمد لله وقد آتاه الله علماً نفعنا الله تعالى به وزاده وإياكم جميعاً علماً وفهماً وتدبراً لكتابه العزيز.
أرجو أن تذكر لي موعد عرض البرنامج وإعادته لعلي أتمكن من متابعته وتفريغ ما أمكن منه أو الطلب من الأخوات المساعدة إذا قدرن على ذلك.
وأنا بدوري أطلب من الأخت الفاضلة أم الحارث تسجيل حلقات البرنامج ورفعها على قناة الملتقى على اليوتيوب.
 
بعد أن رددت على تعقيبك أخي الفاضل أبشركم أن الحلقات مرفوعة على موقع فرسان الحق وهذا هو الرابط بحمد الله تعالى
۩۞۩ البيان القرآني ۞ لفضيلة الشيخ : محمد صافي المستغانمي ۞ الحلقة (18) ۩۞۩ رمضان 1433 ۩۞۩ - منتدى فرسان الحق :: فرسان السُـنة :: خير الناس أنفعهم للناس ::
إن شاء الله سأقوم بإضافة روابط الحلقات في مشاركة مستقلة قريباً ليطلع عليها الجميع.
ويبدو أن البرنامج عرض في رمضان هذا العام. لعل الله ييسر تفريغ حلقاته بإذن الله بحسب ما تسمح به ظروفي الصحية وهذه دعوة لمن يرغب من الأخوات في المشاركة في التفريغ.
 
قصة آية (18)
وفاء المؤمنين

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿٢١﴾ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿٢٢﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾ الأحزاب)
الآية التي سنتوقف معها في هذه الحلقة هي متعلّقة بأحد الشهداء من الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين استشهدوا في معركة أُحُد وكانت له قصة روتها كتب التراجم وكتب السيرة ونزلت هذه الآية في هذه القصة.
هذه الآيات من سورة الأحزاب وسورة الأحزاب نزلت في المدينة في حادثة الأحزاب وهي يسمونها في بعض كتب السير معركة الأحزاب وبعضهم يسميها يوم الأحزاب وبعضهم يسميها معركة الخندق أو غزوة الخندق وكلها مسميات لشيء واحد عندما تجمعت قريش وبنو قريظة والأحزاب من حول المدينة لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. وهذه الآية تقف بنا عند مشهد من مشاهد هذه الأحداث التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة تتحدث عن الثبات في الفتن وفي المواقف. والدين منذ كان من عهد آدم عليه الصلاة والسلام إلى اليوم لا يقوم إلا على جماجم الصادقين المخلصين وعلى أكتافهم ولاعلى دمائهم والنصر لا يُجنى بالأماني ولا يجنى بالكسل ولا يجنى بالأوهام وإنما يُجنى بالصبر التضحية والبذل والجهاد وكم من دماء سالت على الأرض في سبيل الله، في سبيل الدفاع عن الدين في سبيل الدفاع عن الأراضي وعن المقدّسات وعن الحُرُمات في تاريخ المسلمين منذ كان آدم إلى اليوم ولذلك الله سبحانه وتعالى يذكر لنا في هذه السورة فيقول (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) لاحظ كيف يقول (من المؤمنين) الحديث عن الصفوة من المؤمنين لأن المؤمنين هم صفوة الناس وهؤلاء صفوة الصفوة ومعنى الآية أن ليس كل المؤمنين فيهم هذه الصفة والله سبحانه وتعالى يذكر صفة الرجولة في مواضع في القرآن الكريم بالمدح عندما يقول الله سبحانه وتعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ (37) النور) فيسميهم رجالاً هنا على وجه المدح والثناء وهنا أيضاً يقول (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ) يستحقون وصف الرجولة بكل معنى الكلمة، ماذا فعلوا يا رب؟ قال (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) وقد سبق معنا قضية الصدق وأنها مبدأ من مبادئ الدين لا يتنازل عنه، المؤمن لا يكذب، لا يكذب في حديث ولا يكذب في وعوده ولا يكذب في عهوده ولذلك الله سبحانه وتعالى وثّق العهود والمواثيق وأكثر من ذكرها في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (1) المائدة) (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً (91) النحل) هذه أساسيات في دين المسلم. فالله سبحانه وتعالى يصف هؤلاء الرجال المخلصين مع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) عاهدوا الله على ماذا؟ عاهدوا الله على الثبات وعاهدوا الله على الصبر وعاهدوا الله على حماية النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وفعلاً وفوا بذلك. هذه الآية نزلت في أنس بن النضر وهو عمّ أنس بن مالك من عمومته فيقول أن عمه أنس بن النضر فاتته معركة بدر لأنها لم يكن مخططاً لها أن تكون معركة ولكنها في بدايتها كانت خروجاً لاعتراض قافلة قريش أشبه ما يكون بحرب اقتصادية كان يريدون أن يستولوا على القافلة ويضرون بقريش باعتبار أنها محارِبة لكن الذي حصل أن نجت القافلة وقريش جاءت فوجدت أن القافلة نجت فقالوا ما دام أننا جئنا لن نرجع حتى نحارب محمداً ومن معه. وكان عددهم ألف والذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمئة وأربعة عشر، عدد قليل والمشكل في الموضوع أن عدداً من الصحابة لو كانوا يعلمون أن هناك حرباً ما تخلفوا في المدينة وكان منهم أنس بن النضر. فلما فاتته ندم وقال لو كتب الله معركة أخرى ليرينّ الله ما أصنع ولم يقل غير ذلك. فلما جاءت معركة أُحد وفى بوعده. ولما جاءت معركة أحد وجاء المشركون ووقع من الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا على جبل الرماة مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فالتفّ خالد بن الوليد بمن كان معه من جيش المشركين وقتلوا من المسلمين فكان ممن قُتِل وثبت أنس بن النضر وحمزة بن عبد المطلب وسعد بن معاذ أيضاً أصيب في تلك المعركة إصابة قتلته بعد ذلك. يقول أنس رضي الله عنه أنه لما انتهت معركة أحد وأخذوا يبحثون عن الجرحى والقتلى ما وجدوا أنس بن النضر ولم يستطيعوا أن يتعرفوا على جثته لأنهم وجدوا فيه بضع وثمانون ضربة بالسيف والرمح والسهام قال أنس فما عرفه إلا أخته الربيّع بنت النضر عرفته ببنانه أي بأحد أصابعه عرفت أن هذا أخاها أنس بن النضر فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) وهذا فيه إشارة أن الله سبحانه وتعالى يحبّ الوفاء بالعهد ولو كان في ذلك إزهاق الروح في سبيله وإلا الله سبحانه وتعالى في غنى عن أن يسيل أحدٌ دمه من أجل الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينتصر بأن يقول كن فيكون ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ (4) محمد) وهذه حقيقة يجب أن ندركها: الهدف من الجهاد والعمل والدعوة الابتلاء يبلو الله سبحانه وتعالى بعضنا ببعض. نحن نتحدث العربية ونتحدث عن التفسير والقرآن ونتحدث في هذا البرنامج ولا ندري أين يبلغ هذا الصوت، يبلغ شرق الأرض وغربها، مسؤولية عظيمة جداً مسؤولية إبلاغ هذا العلم وهذا الدين إلى الأمم كلها بكل طوائفها وبكل ألسنتها والدول الإسلامية ولله الحمد مليئة بالدعاة الذين أرجو أن يتحقق فيهم هذا المعنى الذي ذكره الله هنا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) يدعون الله في شرقها وغربها وزارات الشؤون الإسلامية تبذل جهوداً رائعة بهذا الصدد ولا يمكن أن ينتشر هذا الدين ويبلغ ما بلغ الليل والنهار إلا بواسطة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. الصحابة رضي الله عنهم لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حملوا هذا الدين وبلغوا به ما بلغوا وجاء من بعدهم فأوصل الرسالة. ولا أنسى يوماً كنت في مدينة اسمها سكوبيا تقع في دولة مقدونيا محاذية لكوسوفا ومناطق شرق أوروبا منطقة وعرة ما وصلت إليها إلا بشق الأنفس فلما وصلت كانت عندي سيارة فلما وصلت إلى رأس جبل هناك وقفت بالسيارة فإذا بي اسمع في منطقة نائية جداً أسمع أذان العصر وإذا به يقول: أشهد أن محمداً رسول الله فوالله ما تمالكت دمعي أن بكيت وقلت في نفسي: اين محمد صلى الله عليه وسلم؟ أين قبره وأين وصلت دعوته في هذه المناطق الوعرة الصعبة واحد ينادي ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وغيري رأى في أدغال افريقيا وفي أقصى الهند وأقصى السند وفي كل مكان بلغته هذه الدعوة. ولا يمكن أن يتحقق هذا أبداً إلا بفض الله سبحانه وتعالى بالتأكيد لكن لا بد أن يكون هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قاموا ويقومون ولا زالوا يقومون بواجب الدعوة إلى الله ويبلغونها إلى هؤلاء وهذه أمانة ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) منهم من قضى نحبه أي منهم من أدركه الموت مثل أنس بن النضر وعد الله سبحانه وتعالى قال لأرينّ الله ما أصنع في الدفاع عن النبي وعن الدين وفعلاً بذل كل ما عنده حتى قُتل ومثله حمزة ومثله سعد والصحاب رضي الله عنهم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وعد الله سبحانه وتعالى ويسأل الله الثبات ونحن نقول نسأل الله أن يرزقنا الصدق فيما عاهدنا الله عليه ويجعل ما علّمنا حجة لنا حنى نبلّغ ولذلك الله سبحانه وتعالى عندما قال في سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)) هذه مسؤولية القرآن الكريم شرف للعرب وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم وشرف لقريش أنه نزل بلغتنا وبلغة قريش، كيف نفعل؟ (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) كيف نصنع بها؟ هذا تكليف، هذه أمانة عظيمة. ماذا صنعت بهذا الدين؟ ولذلك كثير من يسلم الآن بعضهم يسلم وعمره خمسيت وستين سنة وقد قرأت كثيراً من هذه القصص ورأيت بعضها في التلفزيون يسلم أحدهم وعمره سبعين فيقول أين كنتم عنا من سنوات؟! ماذا نفعل؟ أين أنتم؟ لماذا لم تذكروا هذه الدعوة؟ لماذا لم تذكروا هذه الحقائق؟ وإذا به هو يتحمس للدين أكثر من حماسنا نحن. نحن مقصرون في واجب الدعوة إلى الله وإبلاغها وهذه تحتاج إلى رجال. وأذكر أول ما بدأنا في حلقات هذا البرنامج تحدثنا عن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)) وقلنا أن الله سبحانه وتعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم قُم وفهم النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة وبقي قائماً بأعباء الرسالة حتى مات صلى الله عليه وسلم وينبغي على أتباعه ونسأل الله أن نكون منهم أن نقوم بأعباء هذه الدعوة وأن نصدق فيما عاهدنا الله عليه حتى نلقى الله سبحانه وتعالى ونحن على ذلك.
أيضاً نلاحظ في سورة الأحزاب أن الله ذكر المنافقين يقول في أول السورة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (3)) السورة حديثها عن المنافقين كثير لكنها جاءت في هذه الآية فعادلت الكفّة المنافقون يبطنون ما لا يظهرون ويمكرون لكن يقابلهم فئة وإن كنت أحياناً تكون قليلة لكنها مؤثرة ومباركة وهم الصادقون المخلصون فقال الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) هؤلاء هم صمام الأمان في مجتمعات المسلمين هم الذين حملوا رايات الجهاد هم الذين نصر الله بهم الأمم ولو رجعنا إلى تاريخ الإسلام هل نجد معركة من معارك المسلمين كان المسلمون فيها أكثر عدداً وعدة من المشركين؟ لا يوجد. وأحياناً أتأمل في قصة حنين في معركة حنين كان عدد المسلمين كثير 12 ألفاً لكن هل كانوا أكثر من المشركين أو موازين لهم؟ لا أذكر لكن قال بعض المسلمين لن نغلب اليوم من قلة فوقعت فيهم الهزيمة وكادوا يهربون لولا أن ثبت الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه فالمسلمون دائماً ينتصرون بفئة قليلة مخلصة وهذا يشير إلى أن الإخلاص مع القلّة أبلغ أثراً وأعمق أثراً في واقع الناس وعند الله سبحانه وتعالى من الكثرة التي تفتقد لهذه الصفات وهذا من فوائد هذه الاية في قوله سبحانه وتعالى (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) فالثبات على المنهج والدفاع عنه حتى يسقط الإنسان كما قال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر) ونسأل الله أن يثبتنا لأن الثبات على طريق الدعوة والاستمرار عليها توفيق من رب العالمين من الناس من يوفق إليه ومنهم من ينقطع عنه نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأن يتوفانا جميعاً ونحن على ذلك غير مبدّلين ولا مفرّطين.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 10 (10حلقات)
الحلقة 12 و13 (حلقتان)
الحلقة 15 و16 و 17 و18 (أربع حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
مجموع الحلقات المفرّغة: 20 حلقة
الحلقات المتبقية: 9 حلقات
 
[FONT=&quot]قصة آية (11)[/FONT]
[FONT=&quot]الثلاثة الذي خُلِّفوا[/FONT]
[FONT=&quot](لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة)[/FONT]
[FONT=&quot]قصة آيتنا في هذا اللقاء هي قصة التوبة وقصة الصدق مع الله سبحانه وتعالى عندما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فجاءه الناس يعتذرون إليه فهذا يقول انشغلت بأهلي وهذا يقول بأولادي وهذا يقول بأموالي يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم كلٌ يعتذر بعذر والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت إلا ثلاثة من الأنصار رضي الله عنهم لم يكن لهم عذر واعترفوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن ليس لديهم عذر وصدقوا في ذلك فكانت هذه الآيات. [/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات هي من أواخر سورة التوبة وسورة التوبة فيها هذا الجو جو التوبة وجو الصدق وفيها الكثير من الحديث عن المنافقين بالعكس تماماً الذي هو الكذب والنفاق وإخفاء الحقيقة لكن في آخر السورة عندما يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111) التوبة) ما الثمن؟ قال (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة). نلاحظ في الآيات التي معنا (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) ساعة شدة، متى كان ذلك؟ كان في غزوة تبوك. جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة رضي الله عنهم والنبي صلى الله عليه وسلم من عادته إذا أراد أن يغزو غزوة حول المدينة قريبة غير بعيدة يورّي بغيرها فمثلاً ما يقول أنا ذاهب إلى ينبع يقول أنا ذاهب أبحُر أو جدّة لا يصرّح حتى يباغت إلا في تبوك. تبوك منطقة بعيدة عن المدينة ومشوار ويحتاج تزوّد فالنبي صلى الله عليه وسلم صرّح وقال أنا أقصد الروم. وكان الحرّ شديداً وسط الصيف والمدينة ومنطقة تبوك في أيام الصيف تصل الحرارة إلى خمسين درجة والمسافة بعيدة والعدو شديد وقوي والظروف صعبة. فأمر الناس أن يتأهّبوا فتأهّب الناس للخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم وتخلّف كعب بن مالك ومعه اثنان من الأنصار رضي الله عنهم هلال بن أمية ومَرارة بن الربيع. هلال بن أمية ومرارة من الربيع أكبر من كعب بن مالك كبار في السن وهم أيضاً نفس قضيته ما كان عندهم عذر. يقول كعب بن مالك ما كنت أوفر حالاً ومالاً مني في ذلك الوقت، يعني كانت ظروفي مناسبة جداً ومهيأة أن أسافر معهم لكني ما سافرت. ويقول كنت أحاول اليوم الثاني الثالث الرابع أني ألحق بهم لكن الشيطان كسّله وبقي. مرّت الفكرة وذهب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج بالجيش إلى تبوك. طبعاً في الحديث الذي جاء عند البخاري مفصلاً يقول كعب بن مالك: فقال رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عني أين كعب بن مالك؟ يقول كعب وهو يروي القصة فيما بعد: فقال رجل يا رسول الله حبسه بُرداه ونَظَرُه في عِطْفِه- يعني ما التمس له العذر، يقول أنه جالس ينظر في المرآة ما عنده عذر!!- فقال معاذ رضي الله عنه: بئس ما قلت والله - يدافع عن كعب- بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمت عنه إلا خيراً. ولذلك أين هم الذين يدافعون عن أعراض المؤمنين؟ عندما تذبّ عن عرض أخيك، مثل معاذ رضي الله عنه عندما سمع الكلمة أن كعب بن مالك جلس في المدينة ما عنده عذر ينظر في عِطفه في المرآة ويتهندم فقال معاذ: والله يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيراً لعله حَبَسه عذر، ولذلك حفظها كعب بن مالك لمعاذ رضي الله عنه. يقول كعب بن مالك: فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع المدينة من غزوة تبوك ركبه الهمّ ماذا أقول للنبي صلى الله عليه وسلم؟!! ما عذري؟! قال فجاء الناس للنبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه هذا يقول شغلني مالي وهذا يقول أنا مريض وهذا يقول أنا كبير في السن قال كعب: فعلمت أنني لا أخرج بعذر ألتمسه إلا ويكشفني الله فيفضحني. وسورة التوبة تسمى الفاضحة (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ (75) التوبة) (ومنهم) (ومنهم) كما قال ابن عباس: فَضَحَتْ المنافقين حتى لم تَدَع أحداً. فكعب رضي الله عنه كان عاقلاً وعرف أنه لا ينجو أحد من الله سبحانه وتعالى إلا بالصدق، تكذب على من؟!! فيقول: حضرني همّي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سَخَطِه غداً؟! يعني كيف أخرج من سخط النبي صلى الله عليه وسلم؟! فلما قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم حلّ بالمدينة قادماً زاح عني الباطل وعلمت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب فأجمعت على أن أصْدُقَه في الحديث. فيقول جاء المخلّفون وكانوا بضعاً وثمانين فطفقوا يعتذرون ويحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويَكِلُ سرائرهم إلى الله مع أنه يعلم أنهم كذابين، كيف نقول ذلك؟ لأنه لما جاء كعب بن مالك قال له: ما منعك يا كعب؟ قال والله يا رسول الله ما عندي عذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صَدَق. معنى هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن أولئك كاذبين لكن لم يجابههم عليه الصلاة والسلام وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ ظواهر الناس ولا يدخل في السرائر وهذا منهج نبوي. قال: فلما جئته تبسَم تبسُّم المُغضَب فلما جلست بين يديه قال لي: ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ أما عندك راحلة تركب عليها؟ قلت: بلى والله لئن حدثتك بحديث كذب ترضى به عليّ ليوشكنّ الله أن يُسخِطك عليّ ولئن حدّثتك حديث صِدْق تجد عليّ فيه (تزعل عليّ يا رسول الله وتغضب) إني لأرجو أن يعفو الله عني ويقبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صَدَق، فقُم حتى يقضي الله فيك. يقول كعب: فلما قمت لامني الناس، لماذا تقول هذا الكلام؟! لماذا لم تعتذر كما اعتذر الناس؟! سبحان الله أحياناً المخذّلون كثير! نحن نؤمن أن الصدق منجاة وأحياناً الصدق يوديك في داهية قد تخسر وظيفتك بسبب الصدق وقد تخسر صديقك وقد تخسر مالك ولكنه منجاة بالرغم من ذلك، والكذب مَهْلَكة وإن ظننت أن فيه ربحاً عاجلاً. قال كعب: فلما قمت لامني الناس وقالوا لي يسعك ما وسع غيرك ويكفيك استغفار النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: هل قال قولي أحد؟ يعني هل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صدقوا وقال مثل كلامي؟ قالوا نعم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع فقال الحمد لله. لاحظ الذين كذبوا بضعاً وثمانين والعياذ بالله وفقط ثلاثة الذين صدقوا وهذا دليل على أن أولاً الصدق قليل ونادر قديماً وحديثاً والأمر الثاني أنه صعب ليس أيّ واحد يستطيعه لكنه هو الصواب وهو المنجى. والحديث طويل[FONT=&quot][1][/FONT] قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لا تكلّموه، اُهجُروه. طبعاً هو يقول مرارة بن الربيع وهلال بن أمية كبار في السن وجالسين في بيوتهم بينما أنا كنت شاباً أذهب وآتي فشدّ عليه هجران الناس له هذا يسلم عليه لا يرد عليه أحد السلام، ولد عمه لا يرد عليه السلام يأتي للصلاة يسلم على النبي السلام عليك يا رسول الله ولا يردّ فيقول ما أدري هل حرّك شفتيه بالرد أم لا، ولا شك أن هذه شديدة على نفس كعب رضي الله عنه. لكن قال فلما مضى أربعون أو نحوها جاء رسول النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا تقربوا زوجاتكم. قال هل نفارقهن يا رسول الله، نطلقهنّ؟ قال لا، وهذا أيضاً حصار آخر وأشد! أما هلال ومرارة كانوا كباراً في السنّ، أما كعب!. فلما مضت خمسون وصدق فيّ ما قاله الله سبحانه وتعالى (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) الأرض واسعة لكنها ضيقة مع هجران الناس كل الناس يتنكرون لك والعجيب سبحان الله قال (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ) وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه يظن البعض أن معناها ظنّوا من الظنّ وهو الشك وهذا غير صحيح ولكن ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه يعني تيقنوا لأن الله لا يمدح أحد أنه يشك في قدرته وإنما يمدحك باليقين به. يقول كعب بن مالك وأنا جالس أتمشى في أزقة المدينة جاء رسول من الروم يسأل أين كعب بن مالك؟ وكعب شاعر معروف مشهور- قال أنا كعب بن مالك، قال: تعال أنا عندي لك رسالة فلما فتحها فإذا هي رسالة من ملك الروم: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قلاك وهجرك وأنت ما جعلك الله في دار هوان ومضيعة، إلحق بنا نواسك. فقال كعب فقلت هذا من البلاء وأخذتها وسجرتها في التنور حتى لا تراوده نفسه فيتراجع. قال فلما مضت خمسون ليلة وهو في هذا الحصار النفسي سمع البشير ينادي: يا كعب بن مالك، يا كعب بن مالك، يسمعه وهو في بيته، أبشر بتوبة الله عليه فخلعت له ثوبي الذي عليّ ووالله ما أملك غيره – ومن عادتهم أن يُهدوا للبشير- فأخذت ثوبين وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فأول ما دخلت قام طلحة بن عبيد الله يحتضني ويهنئني قال فما نسيتها لطلحة وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. قال فجلست النبي صلهم ووجهه يتهلل من السرور فقال أبشر يا كعب بخير يوم منذ ولدتك أمك. فقال يا رسول الله منك أو من الله؟ قال من الله. قال يا رسول الله إن من تمام توبتي ومن كمال توبتي ألا أحدِّث إلا صِدقاً ما حييت لأن الله ما نجّاني ولا تاب عليّ إلا بسبب الصدق وإلا كان بإمكاني أن أكذب كما كذب المنافقون وتمشي الأمور. لكن خمسين يوماً من العناء النفسي والحصار النفسي والهجران وجاءت التوبة بعد ذلك. ولذلك قال الله (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ) وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع. خُلّفوا يفهمها الناس أنهم تخلّفوا عن غزوة تبوك وهذا خطأ والصحيح أنها وعلى الثلاثة الذي خلفوا أي أُرجئ أمر الله فيهم وتوبة الله عليهم حتى هذا اليوم بعد خمسين يوماً (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)) ثم يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) نحن عنونّا لهذه الآيات أنها آية الصدق، التوبة مع الصدق أن الصدق منجاة. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن فوائد هذه الآيات العظيمة لزوم الصدق مهما كانت الظروف، تقول والله هذا الصدق يوديني في داهية سأخسر وظيفتي! هذه قصة كعب بن مالك هي النبراس النبي صلى الله عليه وسلم بقي غاضباً عليه وهاجراً خمسين يوماً ولكن الله تاب عليه ووفى بوعده. هذه الآيات مليئة بالفوائد ومليئة بالعبر ومليئة بالحكم ولكن لو لم نخرج منها إلا بجزاء الصدق مع الله سبحانه وتعالى والصدق مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله سبحانه وتعالى قد قبل توبة كعب بن مالك وهلال ومرارة بسبب صدقهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم مما تعرضوا له من جراء هذا الموقف وهو لزوم الصدق أسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن يجعلنا لسان صدق في الآخرين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[/FONT]

[FONT=&quot][1][/FONT] [FONT=&quot]أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوة غزاها الإ في غزوة تبوك، غير أني كنتُ تخلفت في بدر، ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟يلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري : أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عِندَي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان . قال كعب : فما رجلٌ يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟لك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضى شيئا، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقُلْت أتجهز بعده بيومَ أو يومَين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنتُ إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بلغ تبوك، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك : ( ما فعل كعب ) . فقال رجلٌ من بني سلمة : يا رسولَ اللهِ، حبسه برداه، ونظره في عطفيه . فقال مُعاذٍ بن جبل : بئس ما قُلْت، والله يا رسولَ اللهِ ما علمنا عليه الإ خيرا . فسكت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . قال كعب بن مالك : فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل : إن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، قُلْما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال[/FONT][FONT=&quot] : ( [/FONT][FONT=&quot]تعال ) . فجئت أمشي حتى جلست يديه، فقال لي : ( ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك [/FONT][FONT=&quot]) . [/FONT][FONT=&quot]فقُلْت : بلى، إني والله - يا رسولَ اللهِ - لو جلست عِندَ غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليومَ حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك[/FONT][FONT=&quot] . [/FONT][FONT=&quot]فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك ) . فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي : والله ما علمناك كنتُ أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ك . فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قُلْت لهم : هل لقي هذا معي أُحُدٍ ؟ قالوا : نعم، رجلان قالا مثل ما قُلْت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقُلْت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلٌين صالحين، قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنتُ أشب القوم وأجلدهم، فكنتُ أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أُحُدٍ، وآتي رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقُلْت : يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال : الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار . قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشأم، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول : من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه[/FONT][FONT=&quot] : [/FONT][FONT=&quot]أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك . فقُلْت لما قرأتها : وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأتيني فقال : إن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقُلْت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال[/FONT][FONT=&quot] : [/FONT][FONT=&quot]لا، بل اعتزلها ولا تقربها . وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقُلْت لامرأتي[/FONT][FONT=&quot] : [/FONT][FONT=&quot]الحقي بأهلك، فتكوني عِندَهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال كعب : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالتْ : يا رسولَ اللهِ، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال[/FONT][FONT=&quot] : ( [/FONT][FONT=&quot]لا، ولكن لا يقربك ) . قالتْ : إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومَه هذا . فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في امرأتك، كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه ؟ فقُلْت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا استأذنته فيها، وأنا رجلٌ شاب ؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع، بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر، قال : فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتوبة الله علينا حين صلَّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجلٌ فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومَئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتلقاني الناس فوجا فوجا، يهونني بالتوبة يقولون : لتهنك توبة الله عليك، قال كعب[/FONT][FONT=&quot] : [/FONT][FONT=&quot]حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟الس حوله الناس، فقام إلى طلحةَ بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجلٌ من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحةَ، قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو يبرق وجهه من السرور : ( أبشر بخير يومَ مر عليك منذ ولدتك أمك [/FONT][FONT=&quot]) . [/FONT][FONT=&quot]قال : قُلْت : أمن عِندَك يا رسولَ اللهِ، أم من عِندَ الله ؟ قال[/FONT][FONT=&quot] : ( [/FONT][FONT=&quot]لا، بل من عِندَ الله ) . وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قُلْت : يا رسولَ اللهِ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ) . قُلْت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقُلْت : يا رسولَ اللهِ، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أُحُدٍث إلا صدقا مالقيت . فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يومَي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت . وأنزل الله على رسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار - إلى قوله[/FONT][FONT=&quot] - [/FONT][FONT=&quot]وكونوا مع الصادقين } . فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شر ما قال لأُحُدٍ، فقال تبارك وتعالى : { سيحلفون بالله لكم إذا انقُلْبتم - إلى قوله - فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } . قال كعب : وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله[/FONT][FONT=&quot] : { [/FONT][FONT=&quot]وعلى الثلاثة الذين خلفوا } . وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]
[FONT=&quot]الراوي[/FONT][FONT=&quot]: [/FONT][FONT=&quot]كعب بن مالك المحدث[/FONT][FONT=&quot]: البخاري - [/FONT][FONT=&quot]المصدر[/FONT][FONT=&quot]: صحيح البخاري - [/FONT][FONT=&quot]الصفحة أو الرقم[/FONT][FONT=&quot]: 4418[/FONT][FONT=&quot] خلاصة حكم المحدث[/FONT][FONT=&quot]: [[/FONT][FONT=&quot]صحيح[/FONT][FONT=&quot]] [/FONT]​
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 13 (13حلقة)
الحلقة 15 و16 و 17 و18 (أربع حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 21 حلقة
الحلقات المتبقية: 8 حلقات
 
جزاكم الله خيراً يا دكتورة سمر على هذا الجهد وأسأل الله لكم القبول .
البرنامج لقي قبولاً طيبا عند كثير ممن لقيتهم ، ووردتني الكثير من رسائل الشكر التي تذكر استفادتها منه ، ولعل سبب ذلك انتشاره في عدد من القنوات في رمضان ، وهو يلقي الضوء على أسباب نزول الآيات وعلاقتها بمعنى الآية بسهولة . كما انتفعنا بتفريغه هنا في بعض المقالات والمشاركات الأخرى فجزاكم الله خيراً .
نسأل الله العلم النافع ، والإخلاص في العمل .
 
جزاكم الله خيراً دكتور على التشجيع المستمر والحمد لله الذي أنعم عليكم وعلينا بهذا البرنامج فكرته طيبة وعرضه سهل ميسر والناس تحتاج لمثل هذه البرامج لفهم آيات كتاب الله والناس بطبيعتها تحب القصص والتعرف على أسباب النزول. ولو أمكن تسجيل مزيد من الحلقات لرمضان القادم أو لعرضها بشكل مستمر لانتفع به الناس أيضاً.
وأقترح تحضير برنامج يوضح فيه آيات الأحكام فهي إن عرضت بشكل ميسر على غرار هذا البرنامج لأحدث تغييراً في فهمنا للأحكام وتطبيقها على الطريقة الصحيحة. أسأل الله تعالى أن يتقبل منكم هذه الأعمال وأن يمد في عمري وصحتي حتى أتابع توثيق مثل هذا المادة العلمية القيمة لآخر يوم في عمري فهذه نعمة وفضل من الله سبحانه وتعالى عليّ لا أستطيع أن أشكره عليها حق شكرها.
بعد أن أنتهي من باقي الحلقات سأرسل لكم الملف كاملاً بصيغة وورد وpdf بإذن الله تعالى.
 
قصة آية (14)
آفاق الحج
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج)
اليوم سوف نتوقف إن شاء الله مع آية تتعلق بفريضة الحج ونرجع بالذاكرة إلى ابراهيم عليه الصلاة والسلام عندما كان يبني البيت ثم طلب الله منه أن يؤذِّن وينادي الناس لكي يأتوا لحجّ بيت الله الحرام. ابراهيم عليه الصلاة والسلام وقصة ابراهيم عليه الصلاة والسلام وآثار ابراهيم عليه الصلاة والسلام مرتبطة بتوحيد الله عز وجل ولذلك هو سيد الموحدين عليه الصلاة والسلام. شعائر ابراهيم عليه الصلاة والسلام ومواقفه تذكرك بالتوحيد وقال بعدها سبحانه وتعالى (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (31)) ولذلك هذه الآيات عندما تعود بنا إلى قصة الحج وإلى بناء الكعبة وهذه الملايين التي تأتي سنوياً إلى مكة وهذه الجموع وهذا الازدحام وهذه الملايين التي تأتي من كل فجّ عميق كما ذكرها الله، قصتها في هذه الآية أن ابراهيم عليه الصلاة والسلام جاءه الوحي أُمر بأن يبني البيت ولهذا قال تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ (26) الحج) أي حدّدناه له وبيّنا له معالم البيت (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) استجاب ابراهيم عليه الصلاة لهذا الأمر وأعانه في ذلك ابنه اسماعيل جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم وبنى البيت هو واسماعيل (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة). بعدما بنى البيت أمره الله سبحانه وتعالى أن ينادي لأن الأذان في اللغة هو النداء، ينادي الناس في أصقاع الدنيا أن يحجوا إلى البيت: أن الله قد كتب عليكم الحج فحجّوا وهذه الرواية ذكرها ابن حجر في "المطالب العالية" بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لما فرغ ابراهيم من بناء البيت قيل له أذّن في الناس بالحج قال يا ربي وما يبلغ صوتي؟ قال الله سبحانه وتعالى أذّن وعليّ البلاغ. يقال كيف؟ أقول والله ما أدري، لا توجد مكبرات صوت ولا انترنت! فنادى ابراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحُجوا قيل فسمعه ما بين السماء والأرض ولذلك قال أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون؟ كلهم يجيئون يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك يعني استجبنا لك، كيف بلغكم النداء؟ بلغنا النداء. وقد قيل لما نادى الخليل عليه السلام بالحج أسمع من في الأرحام وأجابه كل شيء. الآن هذه قصة الحج كثير من الناس لا يعرفها وكيف أن ابراهيم عليه الصلاة والسلام بنى البيت ثم نادى في الناس بأمر الله سبحانه وتعالى كما في القرآن (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) يمشون على أرجلهم (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) يأتون راكبين جمالاً ضُمّر قد أصابها الهزال من طول المسرى ولذلك الآن يأتون من حيث نعرف ومن حيث لا نعرف! جنسيات ربما لا نعرفها ونسمع بها لأول مرة ونشاهد مشاهد عجيبة ولا تكاد تصدق القصص التي تسمعها أناس يأتون أعمارهم فوق السبعين وتجد امرأة عجوز أو رجل كبير في السنّ لمجرد أنه يأتي إلى مكة يقال له بينك وبين مكة ساعة من الزمن لا يستطيع أن يعبّر إلا بدمعته وبعضهم يسجد في مدرّج المطار. وبعض الحجاج يموتون قبل أن يؤدّوا فريضة الحج يصلون إلى مطار جدة فيموتوا وبعضهم يتمنى أن يموت في الحَرَم (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ (100) النساء). نحن نحج هنا وما بيننا وبين الحرم سوى أمتار! هذه الجنسيات التي تأتي ولا زالت تأتي وستستمر تأتي وكلها استجابة لنداء ابراهيم عليه الصلاة والسلام. وسيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام قال (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (37) ابراهيم) حبٌ وغرام لهذا البيت. هل كان ابراهيم عليه الصلاة والسلام ومعه ابنه اسماعيل في هذه المنطقة المقفرة هل كان يتوقع أن يأتي كل هؤلاء الناس ليحجوا البيت؟! عندما نتوقف عند هذه الآية وتمر علينا ربما كثرة مرور الآيات القرآنية على مسامع الإنسان تفقده التوقف عندها والتدبر فيها والتأمل أن هذه الآية كانت هي بداية لأحداث عظيمة جداً ما زالت هي أعظم أحداث التاريخ إلى اليوم ولذلك موسم الحج سنوياً من أعظم الأحداث السنوية في العالم لا يشبهه لا أولمبياد كرة قدم ولا مسابقات دولية يجتمع الناس مليونان أو ثلاثة ملايين في مكة في مكان محدد في زمن محدد يلبسون ثياباً محددة ويتجهون إلى مكان محدد ويدعون بدعاء محدد، هذا أمر رباني لا يمكن أبداً للبشر أن يتصوروه! ولذلك الآن بعد أن انفتحت الفضائيات وأصبحت وزارة الشؤون الاسلامية الآن تبثّ هذه الشعائر على القنوات الفضائية أصبح العالم الآن يتجه ويتابع هذه الأحداث وأحداث هؤلاء الملايين الذين يأتون من كل فج عميق كما ذكر الله سبحانه وتعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ). الحج يُطلق في العربية على القصد مطلقاً فيقال حجّ فلان إلى مكة بمعنى أنه قصدها ثم يقولون قبل الإسلام أصبح يطلق الحج على القصد المُعظّم فيقولون حجّ إلى الخليفة بمعنى قصد عظيماً ثم لما جاء الإسلام أصبح الحجّ يُطلق على قصد بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة في وقت محدد في السنة يسمى حجاً. وفائدة في القرآن الكريم ينبغي أن نركز عليها أن القرآن الكريم جاء بألفاظ شرعية ومعاني إسلامية جديدة، الحج معروف عند العرب أنه القصد إلى معظّم لكن هل العرب يعرفون أن الحج هو القصد إلى مكة لأداء شعيرة؟ كلا، إذن جاء القرآن بهذا المعنى الجديد للحج كما جاء به للصيام كما جاء به للصلاة وهكذا. هذه معاني جديدة حملتها هذه الألفاظ ولذلك نحن عندما نجد الحج في القرآن الكريم أول ما يتبادر إلى الذهن أن المقصود بالحج هو المعنى الشرعي لأن القرآن الكريم جاء لبيان الشرع فالله سبحانه وتعالى يقول هنا (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) أي بفريضة الحج والقصد إلى بيته الحرام لأداء هذه النُسُك قال (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) والله سبحانه وتعالى قدّم الحج للراجلين الذين يأتون على أقدامهم لحِكَم منها أولاً بيان فضلهم وعظم أجرهم وكثرتهم والأمر الثاني أنه قال (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أنه يأتي أيضاً للحج من يركب المراكب واليوم يأتون بالبحر وبالجو وبالسيارات وكانوا إلى عهد قريب يذهبون على أقدامهم. وأذكر أبي وبعض عمومتي يأتون من الجنوب من النماص إلى مكة والمسافة طويلة ربما خمسمائة كيلومتر ويأتون مشياً على الأقدام وأذكر أحد كبار السنّ في القرية رحمه الله كان اسمه عثمان يقول أنه حجّ أكثر من ستين مرة على قدميه! طبعاً أنت لما تقيسها بمن يأتي من الصين ومن الهند ومن الشام تعتبر خمسمائة كيلومتر مسافة قليلة لكن في مقاييسنا اليوم تعتبر مشقة كبيرة! فقصة الحج هي قصة عظيمة ينبغي علينا أن نتأملها ونتدبرها وخاصة مع هذه الآيات التي هي تبين الشرارة الأولى التي انطلقت منها هذه الشعيرة عندما نبين هذا لأبنائنا ولبناتنا الصغار وللأجيال وللعالم في كل مكان وللملسمين وخاصة مثل هذه البرامج التي يشاهدها كل الناس وإلى الآن الناس في مصر يتشوقون للحج ولا يصلون إليه إلا بمشقة، الناس في المغرب يتشوقون لبيت الله الحرام، الناس في أوروبا، الناس في الصين، الناس في الهند، يتحرّقون شوقاً إلى بيت الله الحرام. بعضهم يقول مجرد أن ينظر الواحد إلى الكعبة عبر شاشة التلفزيون لا يملك نفسه من أن يبكي! هو شعور ليس بسهل! تقف في حضرة الرب الكريم وفي بيته الحرام وأمام الكعبة وهذا منظر مهيب ومشهد مهيب لكن الذي تعوّد عليه وهو قريب منه لا يشعر بمثل هذا إلا الذي يتكلف ذلك ويستحضر هذه العظمة. لكن الذي يأتي من مكان بعيد مثل إخواننا المسلمين من كل مكان لا يلامون على هذه الدموع وعلى هذه المشاعر وهنا تسكب العبرات شوقاً إلى بيت الله وشوقاً إلى هذا الأجر العظيم، الصلاة الواحدة بمئة ألف صلاة، أين تجد مثل هذا الأجر؟ لا يمكن أن تجده إلا في الحرم. والعجيب وهذا من المفارقات هو أن بعض أهل الحرم يزهدون في الحرم، وربما ليس بعضهم فقط بل أصبحوا كثرة للأسف، هو يدور حول الحرم طيلة السنة وربما لا يكلِّف نفسه عناء أن يدخل أو يصلي أو يتعبد أو يطوف وهذا من الحرمان! في حين يأتيك هذا المسلم من أقصى الدنيا ويموت على أعتاب الحرم شوقاً ومحبة وأنس اً بلقاء الله. والأدهى من ذاك من يتجرأ على الله عز وجل في حرم الله فإذا كنا نُهينا عن تنفير الطير ونُهينا عن قطع الشجر فما بالك بالذي يحصل في حرم الله؟! هذه أمور نسأل الله أن يعافينا ويسلّمنا قد يفقد الإنسان بقربه من بيت الله عز وجل الحرام تعظيمه وكان بعض السلف كان يهاب سُكنى مكة يخشى من أن يقع في ذنب (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج) وكما يقال الغُنم بالغُرم، على هذا الفضل العظيم إلا أن المخالفة فيه عظيمة.
قال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ) لم يقل في المؤمنين وآيات سورة الحج النداء فيها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) يدل على أنها شعيرة عالمية المخاطب بها العالم كلها. ومن دلالة هذه الكلمة أيضاً أنه ينبغي أن نعولم شعيرة الحج وهذا الذي يحدث الآن والحمد لله عندما تنقل شعائر الحج للعالم كله ليرى حقيقة الحج وأنه توجه إلى بيت واحد وقبلة واحدة وتعظيم لشعائر الله سبحانه وتعالى كما أمر الله سبحانه وتعالى من عهد ابراهيم عليه الصلاة والسلام إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إظهاراً للتوحيد، عرفة، حتى يقول قائل أنا تأملت في عرفة، الناس يخرجون من الحج ويتركون الحرم والمطاف والمقام ويذهبون إلى عرفة أرض لا يوجد فيها أي مَعْلَم مقدّس، جرداء، إنما يقولون لا إله إلا الله، قال إشارة إلى التوحيد الخالص لأن الحج لُبُه هو التوحيد. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الموحدين وأن يرزقنا اتّباع سيد المرسلين.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 18 (18حلقة)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 22 حلقة
الحلقات المتبقية: 7 حلقات
 
قصة آية (19)
وجوب طاعة الله ورسوله

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الأحزاب)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم قصة آية، هذا البرنامج الذي يأتيكم من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية. الوقوف مع آيات القرآن الكريم نعمة عظيمة لا يعرفها حق المعرفة إلا من وفّقه الله إليها وذاقها وتدبرها وعاش في ظلالها ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم أيها الإخوة المشاهدون وجميع من معنا أن يجعلنا من هؤلاء فهذا محضُ فضلٍ وتوفيق من الله سبحانه وتعالى. سنتوقف اليوم مع آية من آيات سورة الأحزاب، وهي قصة طريفة وقعت لزينت بنت جحش رضي الله عنها، وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم .عندما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وظنّت زينب أنه يخطبها لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثه رفضت. كيف أقنعها النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الآيات التي نزلت فيها؟
النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وهو رجل معروف بأمانته، ومعروف بنَسَبِه عليه الصلاة والسلام .وهذا الشاب الصغير زيد بن حارثة قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء إلى مكة فتبنّاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح يقال له زيد بن محمد وهو أهل الطائف تقريباً .فلما بلغ والده وعمه أنه موجود في مكة، وأنه عنده محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون ابنهم زيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم نادى زيد وقال هل تعرف هؤلاء؟ قال نعم هذا والدي وهذا عمي، ففرحوا وقالوا سيقبلنا .لأنهم جاءوا الي النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ما نعطيك ما تشاء من المال نريد ابننا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم تذهب مع أبيك ومع عمك، أو تبقى معي؟ طبعاً هم ما شكّوا أنه سيختارهم .فقال لا، أبقى معك. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال طبعاً بعد هذه الحادثة قال لقريش وقال للناس أشهدكم أن زيد ابني يرثني وأرثه، وأصبح يعرف بزيد بن محمد .وهذا كان معروفاً قبل الإسلام مسألة التبني، أن يتبنى الرجل الابن فيصبح ابنه يرثه ويرثه. فزيد بن حارثة رضي الله عنه أصبح يُنسَب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعاش سنين طويلة وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم. أراد الله سبحانه وتعالى أن يُبطِل هذه العادة الاجتماعية، عادة متأصلة عند العرب، وهي التبني .عادة قديمة وهذه العادة متأصلة، والناس يتبنون الأطفال ثم يعيشون بينهم، وهم ليسوا من أبنائهم، وليسوا من أصلابهم، ويختلطون ببناتهم. كيف يُبطِل الله هذه العادة؟ انظر سبحان الله العظيم! كيف المنهج التشريعي كيف أنه يـأتي فيُبطل التشريع المخالِف بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ويصبح هو يكون هو القدوة في إبطال هذه العادة الجاهلية .ولذلك حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس هذا عندما قال في الحجّ "ألا إن كل ربا موضوع، إلا أن ربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضعه ربا عمي العباس" يبدأ بنفسه. وعندما قال "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ما في مجاملات .فالله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يزّوج زينب بنت جحش الأسدية بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة وشريفة ونسيبة، أن يزوجها بزيد مولاه. فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد امتنعت، قالت كيف أتزوجه وأنا أرفع منه حسباً ونسباً؟! فأنزل الله هذه الآية (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) لو نظرنا في القصة نفسها بظاهرها، الحقيقة فيها نوع من الإهانة لزينب رضي الله عنها وأرضاها، كيف أتزوج مولى؟! وليس من رؤوس العرب، وليس نسبه من نسبها؟! ولكن العاقبة عظيمة وحميدة. الله سبحانه وتعالى أراد أن يبطل هذه العادة الجاهلية، فاستخدم فيها زينب وزيد والنبي صلى الله عليه وسلم .فلما تزوجت زينب، لما نزلت هذه الآية رضخت لأمر الله، وهذه فائدة الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينقادون لأمر الله وقّافين عند حدود الله، وإلا هذه أن تقبل امرأة أسدية نسيبة شريفة، بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أنها تتزوج مولى، ما هي سهلة والله! لا هي عليها ولا على أهلها وسبحان الله! الناس اليوم يرفضون أنهم يزوجون من قبيلة أخرى أو في كذا، أو في كذا .
النبي صلى الله عليه وسلم مستجيب لأمر الله، لما نزلت الآية سمعتها زينب قالت سمعاً وطاعة رضي الله عنها وأرضاها وتزوجت زيداً. فلما تزوجت زيد وبقيت معه مدة شعر زيد أنها تتعالى عليه وساءت العشرة بينهما، فكان زيد يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم فهو بمثابة والده، وأسرّ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبقَ له رغبة في الاستمرار مع زينب بنت جحش، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له اتق الله وأمسك عليك زوجك، ولذلك الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) الحقيقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبره جبريل أنه سوف يُطلق زيد زينب، وسوف يزوّجه بها، سوف يتزوج صلى الله عليه وسلم بزينب بنت عمته بأمر من الله سبحانه وتعالى. طبعاً النبي صلى الله عليه وسلم يعني سيكون لهذا الفعل ردة فعل عنيفة في المجتمع لأسباب، ليس لأنه تزوج زينب بنت عمته فهذا شيء طبيعي، لكن أنه يتزوج زوجة مولاه وهو أصبح يُعرف عند الناس بأنه زيد بن محمد، كيف تتزوج زوجة ابنك؟!
أولاً هذا ليس ابن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو متبنيه تبنياً والله يريد أن يُبطِل عادة التبني تماماً، ويقول للناس ابنك هذا من التبني هذا أجنبيٌ عنك، يحلّ لك أن تتزوج زوجته إذا طلّقها .طبعاً الحقيقة كان هذا فيه شدة على النبي صلى الله عليه وسلم وشعر أنه سيكون لها ردّة فعل في المجتمع. فهذا معنى قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) متخوف النبي صلى الله عليه وسلم من ردة الفعل هذه وإلا ما زال بعض الذين يذهبون مذهباً خاطئاً في فهم هذه الآية يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب زينب بنت جحش، وأنه كان يتمنى أن تتطلق من زيد ويتزوجها، أبداً، فهو الذي خطبها لزيد ابتداءً عليه الصلاة والسلام ولو شاء لخطبها ابتداءً وهي بِكر. لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدها كان يريدها لزيد، فلما طلقها زيد فعلاً، ولاحظ سبحان الله العظيم، القرآن الكريم عجيب، يعني لم يُذكر أحدٌ من الصحابة الكرام باسمه في القرآن الكريم، إلا زيد رضي الله عنه وأرضاه إكراماً له في هذه الآية (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا). فلِأن زيد شعر بنوع من الإهانة من تصرفات زينب وأنه هو أقل منها نسباً، فالله سبحانه وتعالى إكراماً له ماذا صنع؟ ذكره في القرآن الكريم، وذكره باسمه، لم يذكر في القرآن أبا بكر، ولم يذكر عمر، ولم يذكر عثمان، ولم يذكر عليّ، أبداً، كل هؤلاء لم يذكروا وذكر زيداً رضي الله عنه وأرضاه لأن الله سبحانه وتعالى إبتلاه في هذه القصة، لكي يبطل هذه العادة الجاهلية، وإلا زيد تزوج بعد ذلك. فلما طلقها زيد وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله ولذلك نصّ الآية (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا) ماذا فعلنا؟ (زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)، هذا الهدف. ولذلك حتى من مقاصد نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لزوجات أكثر من زوجة، لها مقاصد تشريعية، يعني مثلاً نكاحه لزينب كان لهذا المقصد العظيم، أولاً جبر الله فيه خاطر زينب رضي الله عنها أنها بعد أن تزوجت زيداً من هو الذي تزوجها بعده؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس أكرم على الله منه لا نسباً ولا مكانة. ولذلك هي كانت تفخر على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوّجكن أهاليكنّ وأنا زوّجني الله. الأمر الثاني أن الله جبر خاطر زيد أيضاً عندما ذكره وصرّح باسمه في القرآن. الأمر الثالث أن الله سبحانه وتعالى أبطل عادة التبني هذه تماماً، تسامع الناس ونزل القرآن بشأنها فبطلت تلك العادة بطلاناً وما أجمل أنك تبطل العادة بواسطة القدوة التي يقتدي الناس به. يعني لو كان الله ذكر هذا تشريعاً فقط مجرداً، وجاءت آية وقالت ما ينبغي لكم أنكم تتبنون، ويجوز لكم أن تنكحوا أزواجهم، آية في القرآن، ولكنه لم يفعل ذلك وإنما ابتلى النبي صلى الله عليه وسلم وابتلى زينب بنت عمته، ومولاه زيد، وكانت هذه القصة بهذه الطريقة فرسخت .
قد يسأل أحدهم سؤالاً في هذا الجانب بالنسبة يعني زينب رضي الله تعالى عنها وابتليت وكون الأمر يأتيها من الله سبحانه وتعالى بأن تقبل بزيد، لكنها يعني ترددت أو كانت في معاشرتها لزيد كان فيها نوع من قسوة ما قد يأتي إنسان يدخل من هذا المدخل والعياذ بالله، فيقول حتى زينت صحيح رضيت به زوجاً، لكنها ما أحسنت معه العشرة! فهنا ممكن نقول أن هذا طبع النساء، فبالعكس استوصوا بهن خيراً، لهن الحق ذلك رضي الله عنهم يعني سبحان الله العظيم تعامل النبي صلى الله عليه وسلم هو مدرسة أولاً يعني حال المرأة وغيرة المرأة وتصرفات المرأة، وسلوك المرأة، يعني يكاد يكون متطابق، ولذلك كان يعاني النبي صلى الله عليه وسلم من غيرتهن، ومن أحياناً نزاعات تقع بينهن، وذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة التحريم. زينب أيضاً عندما كانت تتعامل مع زيد مثل هذا التعامل لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى وإلا زينب رضي الله عنها، من خيرة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لكن لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ساءت العشرة بينها وبين زيد لهذه الحكمة التي أرادها الله وذكرها في القرآن الكريم .
ما هي ذريعة أن النساء يسئن العشرة لا قدّر الله مع أزواجهن .والمرأة دائماً تمدح بحسن عشرتها، وتبعلها لزوجها، وطاعتها لزوجها، ويكفي زينب يعين شرفاً، أنها استجابت لأمر الله عندما رأت أمراً. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى نعود للآية (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
أولاً عندما يذكر الله سبحانه وتعالى بالوصف هنا، ما قال "وما كان لإنسان مؤمن" وإنما قال ( وما كان لمؤمن ) فدل هذا على أن كمال الإيمان يقاس بمدى انقيادك لأوامر الله فكلما كنت أيها الإنسان أكثير إنقياداً لأوامر الله كنت أكثر اتصافاً بصفة الإيمان .وهذه المقصود به هنا تحديداً في الآية زينب رضي الله عنها كونها سمعت وانقادت لأمر الله سبحانه وتعالى واستجابت لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .وتزوجت بزيد ورضيت بهذا أنها تتزوج مولى، وهي امرأة حسيبة شريفة، استجابة ً لأمر الله سبحانه وتعالى، وقد تكرر هذا في حياة الصحابة رضي الله عنهم، عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الأسر الشريفة، إما من قريش أو من غيرهم فزوجوا بلالاً أيضاً .وجليبيب رضي الله عنهم فانكسرت هذه العادات الجاهلية، والتمايز الطبقي، بناءاً على اللون أو على الجنس، لا، الله سبحانه وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات)
ولذلك الآن الطبقية الموجودة في المجتمعات الإسلامية هي من الجاهلية، وليست من الإسلام في شيء .وهذا المنهج الذي أرساه الدين هو المنهج الصحيح في التعامل وأنه يقاس الإنسان بدينه وبتقواه وباستقامته، ولا يقاس لا بحسبه ولا بنسبه ولا بماله. أذكر في هذا بيت شعر : -
الناس من جهة التكوين أكفاءُ أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم شرفٌ يتفاخرون به فالطين والماء
والحقيقة نحن أحوج ما نكون إلى الوقوف مع هذه الآيات وجعلها قواعد، وما أجملها كيف ترسخ أكثر عندما نطبقها واقعاً في حياتنا، ولذلك عائشة رضي الله عنه عندما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل هل تقرأ القرآن؟ قال نعم، قالت كان خُلُقُه القرآن .يعني لو تأتي الآن عند هذه الآية وتذكرها للنساء الآن وأنها تتزوج من رجل ترى أنه أقل منها نسباً ولكنه رجل صاحب طاعة وصاحب ودين، فترضى بذلك، تطبِّق هذا واقعاً عملياً .
الحمد لله المجتمع ما شاء الله فيه بصراحة نماذج رائعة ومشرفة، ولكن أيضاً عندنا صور أخرى بخلاف ذلك، تدل على أن ما زال هناك بقايا من الجاهلية في نفوس بعض الناس، ولكن نسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا وإخواننا المسلمين الانقياد بأوامر الله والاستجابة والاستسلام لأوامر الله سبحانه وتعالى، إذا سمعناه سمعنا وأطعنا، ولذلك قال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) النور) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المفلحين وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته في الدنيا والآخرة .
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 19 (19حلقة)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 23 حلقة
الحلقات المتبقية: 6 حلقات
 
أحسن الله لك يا دكتوره سمر.. وشكر لك سعيك، وبارك في علمك وعملك، وجعل عاقبتك من خير لخير.
 
قصة آية (20)
البعث والنشور

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴿٧٧﴾ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿٧٩﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴿٨٠﴾ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴿٨١﴾ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٨٢﴾ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾ يس)
سنتوقف إن شاء الله في هذه الحلقة مع قصة آية من الآيات التي تتحدث عن اليوم الآخر. سوف نعود لكم بالذاكرة إلى قصة أحد صناديد قريش الكبار أول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف سخِر أن الله سبحانه وتعالى سوف يبعث الناس من قبورهم وسوف يحاسبهم وسوف يدخلهم إما إلى جنة وإما إلى نار أنزل الله في هذا الرجل آية أو قرآناً ما زلنا نتلوه حتى اليوم.
هذه الآيات من أواخر سورة يس هذه السورة العظيمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة. الإنسان إذا لم يهتدي بنور الله يعيش في ضلال ويعيش في تيه وكثير من الناس ومن الخلق في زماننا هذا يعيشون في هذا التيه، نحن عندما نقول اليوم هذه الآية نزلت في العاص بن وائل السهمي أو نزلت في أُبيّ بن خلف كثير العاص بن وائل وكثير أبي بن خلف أمثالهم كثير ينكرون هذه الحقيقة. هذه الآية لها قصة جاء العاص بن وائل كما تذكر بعض الروايات وفي بعض الروايات أنه أُبيّ بن خلف وكلاهما من صناديد قريش ومن كبارهم الذين عارضوا النبي صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة. والعاص بن وائل هو والد عمرو بن العاص رضي الله عنه وهم للإنصاف والتاريخ كانوا من كبار العرب عقلاً ورجاحة ولكن الهداية بيد الله، الهداية ليست بالعلم ليست بالنسب ليست بالجاه ليست بالمال، أبداً، وإنما هي محض اصطفاء واختيار. ولذلك لو تأملنا فيها أبو لهب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم حال الله بينهم وبين لا إله إلا الله مع أن الذي جاء بها ولد أخوهم الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم كانوا هم أولى الناس أن يستفيدوا من ابنهم ويؤمنوا به ويدخلون الجنة ولكن الله سبحانه وتعالى قال أنت يا العباس، أنت يا أبا طالب، أبو طالب يقف مع النبي صلى الله عليه وسلم ويدافع عنه ولكنه يُحرم من الإسلام، أبو لهب يعادي النبي صلى الله عليه وسلم! يُذكر أبو لهب باللعنة والخسران في القرآن إلى يوم القيامة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) المسد)، أبو طالب إلى آخر لحظة والنبي صلى الله عليه وسلم يحاول معه بلا فائدة، يقول له يا عمّ قُل كلمة أحاجج بها أمام الله! لكن لا فائدة! العباس وحمزة استجابوا، فانظر إلى اختيار الله وإلى الهداية كيف أن الله سبحانه وتعالى يوفِّق إليها من يشاء، صهيب الرومي وفقه الله، سلمان الفارسي وفّقه الله، بلال الحبشي وفّقه الله، أبو طالب القرشي لم يوفقه الله، هذا يدل على أن أحدنا يسأل الله سبحانه وتعالى الثبات لأنه لا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
يقول العلماء أن المشهور في سبب نزول الآيات التي معنا أن أبيّ بن خلف جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا في أول الإسلام وفي يده عظم رميم، عظم تفتّت وهو يفتّه ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟! كأنه يقول له أين عقلك؟ تزعم أن الله يعيد هذا العظم ويبعثه بعد الموت؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار والعياذ بالله! وفي بعض الروايات أن العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففتّه في يده ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أن ربك يحييى هذا بعد أن كان رميماً؟! فقال صلى الله عليه وسلم نعم ويُدخلك النار والعياذ بالله! وسواء نزلت في أُبيّ بن خلف أو في العاص بن وائل فهي عامّة في كل من أنكر البعث والنشور على مر الأزمان وما أكثرهم! ولذلك أنبّه نفسي وإخواني إلى أن نعمة الإيمان بالله سبحانه وتعالى والإيمان باليوم الآخر نحن ما رأينا اليوم الآخر ولا رأينا فيلماً وثائقياً عن اليوم الآخر ولا نعرف إلا من خبر الله وخبر الرسول ولذلك نحن نؤمن به كما نؤمن بالشمس في رابعة النهار تصديقاً لله سبحانه وتعالى وتصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم وإلا ما شاهدناه، ولذلك جعلها الله من أول صفات المؤمنين المتقين في أوائل سورة البقرة (الم ﴿١﴾ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) اللهم اجعلنا منهم. فإنكار الغيب وإنكار اليوم الآخر انكار القيامة، والبعث والنشور كما أنكره العاص بن وائل وأنكره أُبيّ بن خلف وأنكره أبو جهل وأنكره أبو لهب وماتوا ومهم مكذبون معاندون ما زال ينكره فئام كثيرة من الناس. الإلحاد منتشر في العالم بشكل لا يُتصور! ومقولة "لا إله والحياة مادة" تجتاح الناس والموفّق الذي هداه الله ولذلك أنت عندما ترى نفسك وترى الناس تظن أن هؤلاء اختارهم الله الصفوة، هؤلاء الملايين الذين تراهم من الذين هداهم الله للإسلام هؤلاء الصفوة وإلا فالغالبية العظمى لا يؤمنون لا بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون لله دين الحق. عندما كذبوا بالبعث وكذبوا بالبعث بعد اليوم الآخر وما يترتب عليه نلاحظ في القرآن الكريم الحديث عن اليوم الآخر والحدث عنالبعث حديث طويل وكأنه هو المحور الرئيسي للحياة، بل حتى أنه يدخل ذلك في القضايا الاجتماعية مثلاً عندما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المطففين (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾) ما علاقة التطفيف في المكاييل والميزان باليوم الآخر؟! قال الله سبحانه وتعالى العلاقة بينها وثيقة جداً لأن هذا الذي يطفف في المكيال والميزان لو كان استقر الإيمان باليوم الآخر في قلبه ما يفعل هذا لأنه سوف يخاف من الحساب ولذلك المؤمن الذي يؤرِّقه دائماً ضميره ويخاف القيامة لا يُقدِم. عمر بن الخطاب له مقالة كان يقول لبعض أصحابه: "والله لولا القيامة لرأيتم مني ما يسوؤكم" لأنه خائف من القيامة. ولذلك حتى سلوكياً الإيمان باليوم الآخر يردّ الإنسان عن أشياء كثيرة، فإنه يخاف، تخاف من الحساب فتتوقف عن المعصية تخاف من الحساب فتتوقف عن أكل المال الباطل، تتذكر يوم القيامة فتكف عن ظلم اليتيم، تتذكر يوم القيامة فتتوقف عن أكل الربا ولذلك يذكرها الله سبحانه وتعالى ويكررها (يؤمنون بالله واليوم الآخر) كأن الإيمان باليوم الآخر قسيم للإيمان بالله سبحانه وتعالى مع أنه من لوازمه.
ففي هذه الآيات التي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها قصة العاص بن وائل وإنكاره للبعث بعد الموت ثم يقول الله سبحانه وتعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا) بهذا العظم الذي في يده (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) نسي أن الله سبحانه وتعالى خلقه من طين وخلقه من ماء مهين (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ) فإذا به بعد أن كبر (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ) يخاصم بنا. ثم يقول الله سبحانه وتعالى (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) رميم مفتتة والرميم أشبه ما يكون بالشيء المفتّت مثل التراب. قال (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) نحن مقصرون في التأمل في الدلالات العقلية في القرآن الكريم، بعض الناس يظن أن القرآن الكريم مجرد أدلة نقلية في حينأن معظم الأدلة التي استدل الله بها على المخالفين أدلة عقلية يستوي في الاستدلال بها المؤمن والكافر فالله سبحانه وتعالى يقول أنت الآن تنكر أني أبعث هذا العظم بعد موتك؟! من هو الذي خلقه أول مرة؟ هم يؤمنون بأنه الله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان) وفي آية أخرى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الزخرف). (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ثم جاءت الآية بعدها (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ) الشجر الأخضر في العادة ليس هو مظنة الاحتراق وإنما الحطب اليابس لكن الله سبحانه وتعالى يجعل النار تشتعل في الشجر الأخضر فالله على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء. لذلك أشير إلى مسألة مهم يجب أن نستحضرها نحن المسلمين، نحن مع هذا القرآن العظيم في نعمة لا يعلمها إلا الله، نحن في طمأنينة نفسية لا يعلمها إلا الله واستقرار نفسي لا يتصوره ولا يعرف قيمته إلا من لا يعرفه من هؤلاء الكفاروالملحدين عندما يعيش الواحد منهم في تيه فكري وضلال والإلحاد انحراف فكري فظيع. الإلحاد والكفر تيه وخسران وضِيق لكن عندنا يستقر في نفسك الإيمان بالله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم يأتي بالحقائق أولاً حقائق الخلق كيف خلق الله الخلق ومتى خلقهم ومِمَّ خلقهم وأصل الخلق. قضية أصل الخلق قضية مشكلة عند الأمم والشعوب، ما هو أصل الإنسان؟ ولذلك نظرية اليهودي داروين عندما قال أن أصل الانسان هو تطور كان أصله حيواناً وحيد الخلية ثم ثنائي الخلية ثم إلى أن وصل إلى القرد ثم إلى أنوصل إلى إنسان وشاعت هذه النظرية! وفسدت كثير من العقول بسبب هذه النظرية. الله سبحانه وتعالى في أول سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾) يعطينا القصة من أولها وذكر لنا أنه خلق آدم من صلصال ومن تراب ثم نفخ فيه الروح ثم أسجد له الملائكة ثم خلق له حواء، المسألة بالنسبة لنا ليس فيها شك. أليس هذا طمأنينة؟! أليس هذا يقيناً؟! ولهذا نحن عندما نؤمن باليوم الآخر ونؤمن بالبعث ونؤمن بالنشور ونؤمن بكل الأنبياء السابقين ونؤمن ببدء الخلق ونعرف كيف تطور الخلق وقصص الأنبياء في القرآن الكريم ما أكثرها! تاريخ! ثم تلاحظ التيه الذي كان فيه العاص بن وائل وأمثال العاص بن وائل اليوم فالإلحاد يضرب بأطنابه والذين يسخرون من الأدينان ويسخرون من الأنبياء لا يزالون بين الناس ولكن هذا ليس بجديد! (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) لذلك أكرر آيات القرآن الكريم ليست مجرد حوادث ماضية وإنما هي قوانين جارية تتكرر حتى نرجع دائماً للقرآن. وهذا من أسرار إعجاز القرآن الكريم أنه ليس كتاباً في التاريخ وإنما هو كتاب للزمن والفهم له، كتاب حيّ كأنه نزل أمس، دائماً نشعر كأنه نزل أمس. لكن الموفق من يوفقه الله سبحانه وتعالى للوصول إلى تدبره وفهمه وإلا الذي يتأمل فيه كأنه يحكي واقع الناس. المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والمنافقون اليوم (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (30) محمد) نفس الصفات ولذلك لو تأملنا القرآن الكريم لم يُذكر في القرآن الكريم اسم واحد من المنافقين، عبد الله بن أبيّ لم يذكر في القرآن بالرغم أنه كرر القرآن التحذير منهم لكنه لم يذكر أحداً باسمه لأن المسألة ليست أسماء ليس عبد الله بن أبيّ وغيره إنما هي صفات موجودة وتتجدد وتتكرر فلذلك نحن لا ننظر إلى أشخاص وإنما ننظر إلى صفات فحيث وجِدت فاحذر. وكذلك صفات المؤمنين أبو بكر لم يذكر في القرآن الكريم ولا عمر وتقدّم معنا أنه لم يذكر من الصحابة إلا زيد بن حارثة رضي الله عنه وهذه من أعظم العبر ومن أعظم الدلالات على أن هذا القرآن الكريم كتاب للأمم حتى تقوم الساعة. يقول شوقي الشاعر يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بكتاب غير منصرم
آياته كلما طال المدى جُدُدٌ يزينهُنّ جمال العتق والقِدَم
أين هي عصا موسى؟ لم نرها ولم نرى صورتها، لم يحفظها التاريخ لنا. احتفظت المتاحف المصرية بجثة فرعون ولكن عصا موسى غير موجودة. فلذلك عصا موسى ما رأيناها ولولا أنها ذُكرت في القرآن ما عرفناها لكن القرآن الكريم الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي نحفظه اليوم ونحفّظه للطلاب وهو نفسه الذي نتحدث عنه وهذا من أعظم النعم، نسأل الله أن يرزقنا الإيمان به والعمل به.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 20 (20حلقة)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 24 حلقة
الحلقات المتبقية: 5 حلقات
 
الحلقة 21 بعنوان (خبر الفاسق) المرفوعة على قناة الرسالة هي نفس الرباط للحلقة 20 بعنوان (البعث والنشور) لذا لم أتمكن من تفريغها وسأنتظر إعادة رفعها حتى يتم تفريغها.
وهذا تفريغ الحلقة 22

قصة آية (22)
خشوع القلب
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) الحديد)

نتوقف اليوم مع آية سورة الحديد ونذكر قصة هذه الآية. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله كما روى مسلم في صحيحه: "ما كان بين إسلامنا وبين معاتبة الله لنا بهذه الآية إلا أربع سنين" (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ). أولاً نلاحظ أسلوب هذه الآية والاستنكار (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ألم يحن الوقت بعد للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟!. ثم يحذّر من أن يكون فينا صفة من صفات أهل الكتاب وهي قسوة القلوب والإعراض. وسبحان الله العظيم نلاحظ كيف أن القرآن الكريم من أوله لآخره تجد فيه حديثاً طويلاً جداً يحذِّرنا من قصص بني إسرائيل وقسوتهم وقسوة قلوبهم وتكذيبهم لأنبيائهم وقتلهم لأنبيائهم وإعراضهم ويكفي في هذا قصة البقرة وتعنّتهم! ما لونها؟ ما هي؟ إن البقر تشابه علينا! تصرفات إنسان لا يريد أن ينفّذ!!. بالمقابل في آخر سورة البقرة إشارة إلى استجابة المؤمنين (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)). تأمل في قوله هنا (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) طال عليهم الوقت والزمن (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) وأصبحت أقسى من الحجارة كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ (74) البقرة). هنا في هذه الآية يذكر المفسرون قصة طريفة وبعض كتب التراجم وتذكر أن هذه الآية كانت سبباً في هداية بعض التابعين وبعض الزُهّاد من أمثال الفُضيل بن عياض وكان من الزُهّاد المشهورين في التاريخ الإسلامي كان في أول حياته قاطع طريق، لصّ، شاطر (الشُطّار عندنا الآن هم المتميزون في الدراسة في حين أنهم في اللغة الشُطّار هم اللصوص وإن كان اللصّ يحتاج إلى مهارة وشطارة!). فالفضيل بن عياض رضي الله عنه كان مشتغلاً بقطع الطريق وإيذاء الناس وذات يوم تسلّق على أحد البيوت يريد أن يسرق في هدأة الليل فإذا به يسمع صاحب البيت يقرأ هذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) فوقعت سبحان الله هذه الآية في نفس الفضيل فقال: آن يا رب، آن يا رب. وسبحان الله تجليات الهدى والحق في نفوس الناس لها أوقات، بعض الناس تراه موغلاً في العصيان حتى يقول الناس أنه لا يمكن أن يهتدي كما كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يظنون بعمر بن الخطاب في أول الإسلام فكان هناك من يقول: لعله يهتدي عمر بن الخطاب، لعله يُسلِم، فقال أحدهم والله لا يُسلم عمر حتى يُسلم حمار الخطاب. لماذا؟ كان عمر شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم وشديداً على المسلمين ولكن الله يهدي من يشاء. أصبح عمر بن الخطاب بعد أن كان حِربة في نَحْر المسلمين وضد الإسلام أصبح عمر بن الخطاب! أنت الآن إذا ذكرت عمر بن الخطاب تشعر بالعزّة وتشعر بالشرف وتشعر بالقوة وأنت تذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلا تيأس من هداية أحد. ولكن السؤال هو متى يريد الله بالإنسان الهداية؟ الإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى ولذلك بعض الآباء يشعر بالإحباط من هداية ابنه فيدعو عليه وما ينبغي والمفترض أن يكون المربي طويل النفس يصبر على الناس فالنبي صلى الله عليه وسلم جلس ثلاث وعشرون سنة يدعو وأعجب من النبي صلى الله عليه وسلم نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً! من يصبر هذه المدة؟! هم يضربون المثل بصبر أيوب عليه السلام ويذكرون في بعض الروايات أنه صبر على المرض 18 سنة ونوح عليه السلام صبر على دعوة هؤلاء المكذّبين 950 سنة وهم يتفنّنون في السخرية منه وهو يتفنّن في دعوتهم (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿٥﴾) (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾ نوح) مارس كل الأساليب، ابتكر أساليباً جديدة وجاءهم في أوقات مختلفة وبالرغم من ذلك (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿٦﴾) (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ) والله ما دعوتهم لنفسي ولا لمصالحي الشخصية إنما لتغفر لهم (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾) وبالرغم من ذلك صبر. ولذلك في سورة العنكبوت ذكر الله تعالى إشارة إلى قصة نوح (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) العنكبوت) ما ذكر من قصة نوح في هذه السورة إلا المدة التي بقيها في قومه، سورة نوح لم تذكر فيها المدة، سورة هود ما ذكرت فيها المدة، لماذا ذكرها في سورة العنكبوت؟ يظهر لي فائدة وهي أن سورة العنكبوت كما يقول العلماء بعضهم يقول هي آخر سورة نزلت في مكة وبعضهم يقول هي أول سورة نزلت في المدينة وبعضهم يقول هي نزلت في الطريق في الهجرة كأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد كم جلست! في مكة؟! 13 سنة واعتبرتها مدة طويلة والناس ما استجابوا لك فانظر إلى نوح (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) 950 سنة ناقص 13 كم الفرق بينكم؟! الفرق شاسع ولا مجال للمقارنة! ونوح عليه السلام ما آمن معه إلا قليل! ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى التثبيت. قصص الأنبياء السابقين تثبته ولذلك عندما نسمع هذه القصص (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) قصة الفضيل بن عياض قصة ابراهيم بن أدهم، قصة مالك بن دينار يزيدنا هذا ثباتاً ويقيناً وتصديقاً لما أنزل الله تعالى في كتابه. هذه الآيات منذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اهتدى بها آلآف، قرأها ملايين من الناس، استجاب لها ملايين من الناس أعرض عنها ملايين من الناس، فهذه نعمة. نحن عندما نتدبر في كلام الله سبحانه وتعالى قدوتنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، عمر، عثمان، علي، أُبيّ بن كعب، عبد الرحمن السلمي الذي روى رواية حفص وهو الذي يقول عندما أرسل عثمان المصحف من المدينة إلى الكوفة وأرسل عبد الرحمن يُقرئ وكان في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره فجلس يُقرئ أكثر من أربعين سنة وهو راوي حديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" وقال هذا الحديث هو الذي أجلسني هذا المجلس منذ أربعين سنة. فنحن نقتدي بهؤلاء الأشراف وأنت تقرأ القرآن وتستجيب له وهذه دعوة مني لنفسي وللجميع أن يقوي علاقته بكتاب الله وأن يتذكر أن طريق الهداية وطريق التوفيق في الدنيا والآخرة تنطلق من هذا القرآن وأنه منذ نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم جاءت الهداية فجعل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم هدى وجعله روحاً وجعله نوراً، من الذي يكره هذه الأشياء؟! وأنت تتأمل في ما هو ضد الهدى؟ الضلال (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ (32) يونس) وضد النور الظلمة.
لفتة في (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) الذين آمنوا بحاجة إلى الخشوع وفي سورة الأنفال قال سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا (2)) فالمسألة ارتباط، المؤمن من صفاته الخشوع ولا قدّر الله الواحد لو ابتعد أو جنح قليلاً عن الخشوع يعاتبه الله عز وجل وعتاب الله عز وجل للمؤمن هو عتاب المحب لا يعاتبك إلا لأنه يحبك. وهي لفتة أن الإنسان إذا شعر بقسوة في قلبه أن يرجع والمؤمن رجّاع وأسرع وأقصر طريق كلام الله عز وجل فالإنسان لو أخذ آية ورددها. وهذه الآية مما ررده كثير من السلف وعاش معها وهي آية مبكية لمن يتأملها ةكثير من آيات القرآن الكريم تستحق الوقوف عندها وكان كثير من الصحابة يقفون عندها ويرددونها وربما يقوم الليل بهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)؟ سؤال استنكاري والجواب بلى يا رب آن لنا أن تخشع قلوبنا لذكرك. قال (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) والآية التي بعدها يقول سبحانه وتعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)) فكما أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض بعد موتها بالمطر فكذلك بهذا الذكر وبهذا القرآن يحيي القلوب وتنتعش ويصبح الإنسان الذي كان مسودّ الوجه من المعاصي والإعراض يتهلل وجهه نوراً وصدره انشراحاً. زارني الشيخ يوسف استيس المشهور والله يتهلل وجهه نوراً وأنا ما كنت أعرف تفاصيل حياته فزارني في مكتبي في الرياض وتبادلنا الحديث وأنا انبهرت من النور الذي في وجهه ما هذا النور سبحان الله! وإذا بالرجل داعية فذهبت لى الانترنت ورأيت صورته قبل الإسلام وصورته بعدها، لا إله إلا الله! لا تصدق أن هذا الرجل هو هذا الرجل! كان قسيساً وكان داعياً للنصرانية ووجهه مسودّ ثم الظلمة في الوجه ليس لها علاقة بالجمال فقد يكون الإنسان أبيضاً وجميلاً ولكن وجهه مظلم من المعاصي والكفر وتجد الإنسان أحياناً يكون أسمر البشرة ولكن النور في وجهه يتهلل نور الإيمان ونور الهداية. فالله سبحانه وتعالى عندما يقول (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) يخاطب في نفس المؤمن هذه النزعة وهذه الفطرة للعودة وللهداية وللإقبال على الله سبحانه وتعالى وهي فرصة ما دام الإنسان لديه فرصة أن يتأمل القرآن ويقرأ فيه ويرجع إليه وأن يكون حظه من القرآن أوفر الحظ والنصيب. من يحفظ القرآن ويقول الليل بالقرآن أي لذة تعادل هذه اللذة؟! الإنسان يقرأ غيباً من كتاب الله حيث شاء ويتدبر ويكرر لا شك هذه من أعظم النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على الإنسان أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في القرآن وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق. علينا أن نحرص على العناية بكتاب الله وليس هناك عذر لأحد في التقصير بكتاب الله أن يتعلّمه ويتلوه ويتدبره ويحفظه، حفظ آية من كتاب الله غنيمة من الدنيا خير من الدنيا وما عليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " خرج علينا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بًالله عز وجل ولا قطع رحم قالوا كلنا يا رسول اللهِ" كلنا يرغب في ذلك فقال: " قال فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل". لو تُخيِّر بعضنا الآن في أن يحصل على منحة أرض أو يحصل على سيارة أو يتعلم آية ما عنده مجال للمقارنة فيذهب إلى عاجل الدنيا ويفرّط في الغنيمة الحقيقية التي أعد الله سبحانه وتعالى لصاحبها في الآخرة ما لا عين رأت فما أحوجنا لى تذكرة أنفسنا بين الحين والآخر وخاصة في شهر القرآن حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع جبريل فنحتاج أن نتدارسه مع أنفسنا وأزواجنا ووالدينا ونربي أنفسنا وأبناءنا على هذا، لم لا يكون لنا برنامجاً يومياً مع القرآن لو نصف ساعة في اليوم نتدبره. أحياناً بعضهم يقول أنها لزيادة العلم فقط ولكن والله حتى حياة القلب والله إن حياة القلب الحقيقية هي مع كتاب الله أسأل الله تعالى أن يحيينا حياة طيبة وأن يحيي قلوبنا بالقرآن والإيمان.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 20 (20حلقة)
الحلقة 22 (حلقة)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 25 حلقة
الحلقات المتبقية: 4 حلقات
 
قصة آية (24)
مدح الإيثار وأهله

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر)
نتوقف اليوم مع الآية التي تتحدث عن الأنصار رضي الله عنهم في سورة. رضي الله عن هؤلاء الأنصار وجزاهم عن المسلمين خير الجزاء. نحن نتحدث في هذه الآية عن أجدادنا الأنصار والأنصار رضي الله عنهم هم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ووقفوا معه في بداية الإسلام حتى نصره الله ولذلك أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً وكان صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم يقسم للمؤلفة قلوبهم الحشر ويقسم للقبائل الأخرى ويترك الأنصار في حنين فلما شعر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنصار جمع الأنصار وقال يا معشر الأنصار والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار والله لولا الهجرة لكنت امرءأ من الأنصار اللهم ارض عن الأنصار وأبناء الأنصار فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبهم حباً شديداً لأنهم وقفوا معه ونصروه وأوصى بهم فقالوا المنة لله ورسوله وبكوا بكاء شديداً لكن حظوظ الناس أحياناً وقع في أنفسهم وهم يرون الناس يقتسمون الغنائم وهم الذين أعطوا معظم الجيش منهم لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أما رضيتم يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله؟ لهم النيا ولكم الآخرة. هؤلاء الأنصار رضي الله عنهم ضحوا بكل شيء في سبيل نصرة هذا الدين وهذه الآية تتحدث عن الأنصار وهذه الصفة من صفاتهم رضي الله عنهم. والله سبحانه وتعالى في هذه الآية يقول (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) من الصحابة من الذين جاؤوا من مكة وغيرها (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا) يعني يعطون ويبذلون بكل أريحية ولا يشعرون بأي حسرة ولا حزن لما يعطونه وينفقونه في سبيل الله قال (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وهذه الآية لها قصة.
روي في سبب نزول هذه الآية روايات من أصحّها ما رواه البخاري ومسلم أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أصابني جوع، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى بعض نسائه عائشة، أم سلمة، حفصة، هل عندكم شيء؟ فكل واحدة منهن تقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك. وقد ذكرنا في حلقة ماضية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت حياته بهذه الطريقة، كفاف، بل كانت عائشة رضي الله عنها تقول كان يمر علينا الهلال وفي رواية أخرى يمر علينا الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيتنا نار. وفي رواية أخرى: ما هما إلا الأسودان الماء والتمر. فالنبي صلى الله عليه وسلم وقع في حَرَج من هذا الضيف المسكين الجائع، بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كلها ما فيها شيء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان معه من الأنصار من يُضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فاصطحبه إلى بيته فلما دخل إلى بيته قال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا والله، إلا طعام صبياني. قال فدعيهم يتلهّون بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه بأنا نأكل وضعي الأكل عنده فقط فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبحوا غدا للرسول صلى الله عليه وسلم الضيف والأنصاري فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصاري: قد عجِب الله من صنيعكما بضيفكما البارحة، وفي رواية البخاري فأنزل الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ). في بعض الروايات تذكر أن هذا الصحابي الأنصاري هو أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه. هذه قصة هذه الآية، لاحظ كيف أنهم آثروا ضيفهم على أنفسهم بالرغم من هذا الفقر وهذه الخصاصة وهذه الحاجة. فمعنى قوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) يعني لو كان بهم حاجة لو كان بهم فقر فإنهم بالرغم من هذا الفقر وهذه الحاجة نفوسهم طيبة ببذل ما يملكون. ولذلك ليس بالضرورة أن تكون غنياً حتى تنفق وليس بالضرورة أن تكون ثرياً جداً حتى تتصدّق، لا، وإنما تصدّق الإنسان بريال أو ريالين أو ثلاثة قد تفوق مليارات! وسبق درهم ألف درهم. والعبرة هي بالنيّة الطيبة ويصدق الإقبال على الله سبحانه وتعالى والثقة في وعد الله سبحانه وتعالى ولذلك ينبغي أن يكون هذا الأنصاري والصحابي الجليل قدوة لنا جميعاً أنك تقدّم أمر الله وتقدّم ما عندك لوجه الله سبحانه وتعالى وهذا الذي كان يصنعه أبو بكر، أبو بكر لما دخل في الإسلام أصبح يقدم ماله للنبي صلى الله عليه وسلم ينفق كل ما عنده ولذلك لما جاءت الهجرة أخذ كل ماله وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هذا في سبيل الله لك وللهجرة، فقال صلى الله عليه وسلم وماذا تركت لأهلك؟ قال تركت لهم الله ورسوله. لذلك عمر رضي الله عنه يقول يوماً حاولت أني أسابق أبا بكر فجاء عمر بنصف ماله ونظر أن أولاده وأهله لهم حق فترك لهم النصف من المال وأخد النصف وهذا كثير فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما جاء أبو بكر جاء بماله كله فقال عمر لا أسابقك بعد اليوم! فالشاهد أن هؤلاء رضي الله عنهم سواء من المهاجرين أو الأنصار كانت هذه أخلاقهم رضي الله عنهم لكن هذه الأخلاق تجلّت في الأنصار رضي الله عنهم لأنهم هم كانوا أصحاب الأرض في المدينة وكانوا أصحاب الدار فلما جاءهم المهاجرون رضي الله عنهم ظهر خلق الإيثار في الأنصار فجاء الأنصار فأسكن معه المهاجر في منزله وأسكن أولاده معه وقسم له بيته وقسم له ماله فبلغوا في هذه الصفة مبلغاً وضُرب بهم المثل. عبد الرحمن بن عوف خيّره الأنصاري بين زوجاته قال له أطلقها وتتزوجها وهي مضرب المثل في مسألة الإيثار ولذلك خلّدها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وقال (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) رضي الله عنهم. والحقيقة الدين لا يقوم إلا على أمثال هؤلاء الرجال ولذلك سمّاهم الله الأنصار عندما قال الله سبحانه وتعالى (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ (117) التوبة) وسُموا الأنصار لأنهم نصروا الله سبحانه وتعالى بنصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرهم الله نصرهم في المعارك ونصرهم في خدمة الدعوة وكانوا مادة الإسلام ولذلك لا بد أن يُعرف فضل الأنصار وأبناء الأنصار حتى اليوم وحتى يوم القيامة لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ووقفوا معه وجاهدوا دونه صلى الله عليه وسلم بالسيوف ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يسمع رأي الأنصار عندما يستشير الناس لأنهم هم أصحاب الدار وهم الذين سيقفون ويحاربون ولذلك في إحدى المناسبات قام النبي صلى الله عليه وسلم يستشير الناس في خروجه لمقابلة المشركين من عدمها في المدينة فلما استشار الناس قام من المهاجرين في بدر فقالوا كلهم يا رسول الله نحن معك، من المهاجرين، فقال صلى الله عليه وسلم أشيروا عليّ أيها الناس ففهم الأنصار رضي الله عنهم أنه يقصدهم يعني ما هو رأيكم أنتم أيها الأنصار أريد أن اسمع رأيكم لأن المهاجرين الذي يؤيدونني جاؤوا معي من مكة يؤيدونني لكن أنتم أصحاب الأرض هل تؤيدونني فعلاً في أن ندخل معركة مع قريش؟ فقام سعد بن معاذ وفي مناسبة أخرى قام المقداد بن الأسود وكلهم من الأنصار فقالوا يا رسول الله والله لو خُضت بنا برك الغِماد (وهي منطقة بعيدة عنهم في ذلك الوقت) لخضناها معك والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول إنا معك مقاتلون نحميك مما نحمي منه أنفسنا وأموالنا ونساءنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الآن فنعم. فالأنصار رضي الله عنهم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني برأيهم وبدعمهم ولذلك سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو من كبار الأنصار والذي اهتز لموته عرش الرحمن كما في الحديث الصحيح كان مؤيداً للنبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع رأي سعد وتأييده. ولذلك في قصة بني قريظة المشهورة عندما غدر بنو قريظة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم فيهم فاستشار سعد بن معاذ وقال اليهود نرضى بحكم سعد بن معاذ. سعد بن معاذ شيخ من شيوخ الأنصار الكبار واليهود يعرفون له كلمته ووزنه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ ماذا تحكم فيهم يا سعد؟ فسعد بن معاذ رضي الله عنه أراد أن ينتقم من هؤلاء اليهود الذين غدروا به وغدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب خبرة طويلة في التجربة مع اليهود ويعرف كيف يتعامل معهم. فقال سعد بن معاذ لليهود: ترضون بحكمي؟ قالوا نعم، لأن بينه وبينهم تعاملات طويلة وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة : من هنا يرضون بحكمي؟ ويقول علماء السيرة أنه لم يقل هل يا رسول الله ترضى بحكمي الذي أحكم به؟ ولكنهم يقولون أنه نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُطرِق تأدباً وقال: ومن هنا أترضون بحكمي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم، فقال أما أنا فأحكم قتل مقاتلتهم كل واحد فيهم يحمل السلاح يُقتَل وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم. حكم دموي! حكم دموي وقاسي جداً لكنه حكم الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم حكمتَ بحُكْم الله من فوق سبق سموات، هذا الحكم الذي حكمت به يا سعد هو حكم الله وهذا الذي نُفِّذ فيهم وقُتِل منهم في ذلك اليوم من اليهود الذين غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل وغنمت ذراريهم وسُبيت نساؤهم. فالأنصار رضي الله عنهم لهم في الإسلام ميزان عظيم وهذه الآية في سورة الحشر تبين لنا صفة من صفاتهم رضي الله عنهم وهي صفة الإيثار
والفائدة التي نخلص بها من هذه الآية هو أنه ينبغي على المسلم أن يكون فيه هذا الخلق وهو خلق الإيثار أنك تؤثر غيرك في مسائل الدنيا كرماً منك وخُلُقاً منك فتؤثره بالمال وتؤثره بالركوب وتؤثره بالمقعد وتؤثره بما يدخل على نفسه السرور وأن هذا من مكارم الأخلاق. ولكن في العبادات وفي القُربات فإن العلماء يتوقفون في هذا ويقولون أن الإيثار في القربات مكروه وأنه ينبغي عليك أن تسارع إلى الطاعات فلا تؤثر أحداً بالصف الأول وترجع أنت إلى الصف الثاني مثلاً بعض العلماء ينهى عن هذا وبعض العلماء يقول حتى في هذه فهي من مكارم الأخلاق إذا كان له عليك فضل، تقدّم والدك في الصف الأول وترجع أنت إلى الصف الثاني إذا لم يكن هناك مكان ولكن تبقى صفة الإيثار من صفات ومن مكارم الأخلاق التي لا يختلف عليها ولذلك الله سبحانه وتعالى ذكرها هنا. وأيضاً من فوائد هذه الآيات معرفة حق الأنصار رضي الله عنهم وفضلهم وسابقتهم في الإسلام وأيضاً سابقة أبنائهم وأحفادهم حتى اليوم وأن هذا من ديننا وإكرامهم وإكرام أبنائهم أنه من إكرام الله سبحانه وتعالى لهم كما في هذه الآية العظيمة في سورة الحشر وهناك آيات أخرى تحدثت عنهم في سورة التوبة وغيرها تشير إلى مكانتهم وتعظيم الله سبحانه وتعالى لجهدهم ولموقفهم الذي وقفوه مع النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الإسلام بعد أن ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ورُدَّ من أهلها وقريش رُدّ من أهلها فلما ذهب إلى المدينة آواه الأنصار ونصروه ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار عندما عاتبهم في ذلك الموقف: والله لو شئتم لقلتم يا معشر الأنصار فلصدقتم ولصُدقتم جئتنا طريداً فآويناك وجئنا فقيراً فأعطيناك ولكن لم يقولوا ذلك فقالوا يا رسول الله المنّة لله ورسوله. لكن بالرغم من ذلك أثبت الله سبحانه وتعالى لهم هذه الصفات. ولا شك أن الاعتراف لصاحب الفضل بفضله هو من حُسن الخلق ومن الوفاء، والقرآن الكريم لو تأملته لوجدته أنه يحث على مكارم الأخلاق بالتوازي مع توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان بالأنبياء والرسل والإيمان باليوم الآخر فمزج الأخلاق بالعقيدة مثل (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ المؤمنون) تجد أنها صفات شيء عقيدة وشيء أخلاق ممزوجة مع بعضها، تقرأ سورة الحجرات فإذا بها العقيدة مع الأخلاق فديننا هو دين الأخلاق وقام على الأخلاق وفي الحديث "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى وأن يجعلنا ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة اقتداء بالأنصار رضي الله عنهم.
 
قصة آية (23)
سبحان الذي وسع سمعه الأصوات

(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) المجادلة)
قصة هذه الحلقة سوف ننقلها لكم من حجرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان جالساً صلى الله عليه وسلم في بيته ومعه عائشة رضي الله عنها فإذا بالباب يُطرَق وإذا بصحابية من الصحابيات الكرام رضي الله عنهنّ تطرق الباب فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وشكت إليه حالها مع زوجها وسوف نتوقف مع هذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم كيف استمع إلى هذه المرأة ونتعرف على هذه المرأة.
هذه أول سورة المجادلة وهي أول الجزء الثامن والعشرين ومنها يبدأ الجزء وقصتها عجيبة هذه الآية. النبي صلى الله عليه وسلم كان مع عائشة رضي الله عنها فإذا بخولة بنت ثعلبة تطرق الباب، فلما فتح الباب لخولة رضي الله عنها وهي صحابية وزوجها أوس بن الصامت صحابي جليل وكبرت خولة رضي الله عنها في السن لكن حصل بينها وبين أوس خلاف فقال لها كلمة قال لخولة: أنت عليّ كظهر أمي. وهذه عبارة يسمونها عبارة الظِهار وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، فكما أن أمي محرّمة عليّ فأنت محرّمة عليّ. وهي أشبه ما تكون بتعليق لا هو يطلقها ولا هو يبقيها في عصمته وإنما يبقيها ولكنه لا يقربها ويهجرها. فخولة رضي الله عنها شعرت بالإهانة من هذا الموقف بعدما كبرت سني ورقّ عظمي وكما قالت: نثرتُ له بطني يقول لي هذا الكلام! فذهبت خولة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولاحظ كيف كان الصحابة رضي الله عنهم يلجأون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى في القضايا الاجتماعية البسيطة. من هو الآن من الرؤوساء أو من الملوك الذي يحلّ القضايا الزوجية أو المشاكل بين الأبناء؟! النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائد هذه الأمة وهو الرسول الذي يتلقى الوحي من السماء وبالرغم من ذلك يستقبل مثل هذه القضايا الأسرية. ولذلك الإخوة الذين يستقبلون القضايا الأُسرية ويحلون مشاكل الناس قدوتهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فهو كان يستقبل مثل هذه القضايا يسعى بالصلح بين الزوج وزوجته لأن هذه من أعظم القربات. فعائشة رضي الله عنها في طرف البيت وخولة رضي الله عنها جلست عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، أوس نثرت له بطني وأبليت له شبابي ثم قال لي أنت عليّ كظهر أمي. وفي بعض الروايات قال: إن لدي أطفال إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا، قضية مشكلة من كل ناحية!. قالت عائشة رضي الله عنها في الحديث في صحيح البخاري قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات والله لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت – عندما نقول بين رسول الله، بيت عائشة، يظن الناس أننا نتحدث عن فيللا أربعين في أربعين أو ثلاثين في ثلاثين أو دورين! لا، كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم حجرات صغيرة إن كانت واسعة فهي ربما لا تصل ثلاثة متر في ثلاثة متر لأنه لو كانت كذلك ما كانت عائشة رضي الله عنها تكفّ رجلها حتى يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم تمد رجلها في قيامه لأن الغرفة كانت ضيقة وهي نائمة على فراشها وهي ويصلي في الحجرة فتكفّ رجليها حتى يسجد ثم تعيدها فهذا دليل على أنها ضيقة. ولذلك الذين كتبوا في حجرات النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وفي تاريخها يتحدثون عن غرف ضيقة جداً فعائشة رضي الله عنها في طرف من الغرفة الضيقة وخولة في الطرف الآخر. فتقول عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات مما يدل على أن خولة كانت تتحدث بهدوء وإنني أسمع كلام خولة وبعضها لا أسمعه وبالرغم من ذلك يقول الله سبحانه وتعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا). فأصغى لها النبي صلى الله عليه وسلم وسكت وهي تصيح وتبكي فلم تبرح حتى أنزل الله هذه الآية في سورة المجادلة فأصبحت خولة رضي الله عنها بركة على المؤمنين أنزل الله في شأنها قرآناً يتلى إلى يوم الدين وأخبرنا الله عنها فقال (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)) ثم ذكر الله كفّارة الظِهار بسببها وهذا من بركة جيل الصحابة. الناس اليوم للأسف عندما يقال له هذا قول ابن عباس هذا قول عبد الله ابن مسعود، يقول أنتم أزعجتونا بأقوال الصحابة وأقول السلف، هؤلاء جيل غير جيلنا! ولا يعرفون لذلك الجيل قدره ولا فضله في حين أن منهج السلف ومنهج المسلمين ومنهج المؤمنين توقير هذا الجيل وتعظيمه كما عظمه الله وأعطاه حقه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهباً لم يبلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. الآن لو أنفقت مثل أُحد جبلاً وهذا مستحيل ومستحيل في حق أيّ ملك من ملوك الدنيا! من يملك مثل جبل أُحد ذهباً؟! لكن على افتراض أن أحدنا أنفق مثل أُحُد ذهباً ما يساوي عند الله مُدّ صحابي ينفقه في سبيل الله ولا نصفه فأي فضل أعظم من هذا؟! ولذلك فهذا جيل عظيم متفرّد له مزيّة على كل الأجيال التي جاءت بعده، فخولة رضي الله عنها صاحبة فضل في نزول هذا التشريع فهو محفوظ لها إلى يوم القيامة. انظر أولاً عائشة رضي الله عنها وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي شديدة الغيرة رضي الله عنها وبالرغم من ذلك تروي هذه القصة وتقبلت مجيء النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستفتاء والاستشارة وحل مثل هذه القضايا. والأمر الثاني أن الله سبحانه وتعالى سارع بإنزال هذه الآية، أذكر شيئاً آخر النبي صلى الله عليه وسلم لما اتهم في عرضه لما جاء عبد الله بن أبيّ قبّحه الله واتّهم عائشة رضي الله عنها أنها وقعت في الفاحشة كانت من أشد القضايا على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ما سميت بحادثة الإفك لأنهم افتروا إفكاً على عائشة رضي الله عنها. متى نزلت آية الإفك على النبي صلى الله عليه وسلم؟ بعد شهر، شهر كامل والنبي صلى الله عليه وسلم يلاك عرضه ويطعن في عرضه ويتكلم المنافقون في عرضه، شهر حتى جاء الجواب!. خولة فوراً، لا نقول خولة أهمّ ولكنه البلاء! ابتلى الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بلاء شديداً فصبر عليه الصلاة والسلام وخولة مجرد أن قال لها أوس أنت عليّ كظهر أمي ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم ترجع إلا والآيات قد نزلت فيها، فأيّ فضل أعظم من هذا؟!
نستفيد من الآيات أولاً: رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة ما قال لها ما عليّ منك أنت وزوجك؟! ما عا عندي مسألة غير أنت وزوج أوس بن الصامت؟! لا، ما قال هذا! وأين الوقت الذي يلقاه النبي صلى الله عليه وسلم ليجلس مع زوجاته؟! وهذه المرأة تأتيه وهو جالس مع إحدى زوجاته وبالرغم من ذلك استمع إليها وقال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) معناه النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها وقتاً وحاورها. والمرأة في هذا الموقف غاضبة ومكسورة الجناج وتشعر بالإهانة فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حظها ثم ما تقوم إلا وقد نزل بها قرآناً سارع لحل مشكلتها وذكر الكفّارة، وهذا لا شك محض فضل من الله سبحانه وتعالى .وهذا فيه دروس للدعاة والذين يتصدون للدعوة بين الناس وحل مشاكل الناس أن يفتحوا صدورهم للناس لا يمكن للناس أن يتبعونك ويقبلون منك توجيهك أو نصيحتك وأنت ضيّق الصدر على الناس وتغلق الباب في وجه الناس مستحيل! ولذلك الله سبحانه وتعالى ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي صلى الله عليه وسلم قال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران) وحتى ولو كنت رسول الله، فمن باب أولى كل من يسلك طريقه من بعده لا بد أن يكون لين الجانب لين الطبع عفّ اللسان وواسع الصدر ويتقبل شكاوى الناس ويتقبل أسئلة الناس ولا يتذمر ممن يسأل وممن يكرر السؤال هذا ليس من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وليس من أخلاق من يسير على منهجه.
من فوائد هذه الآيات أيضاً ضرورة حفظ اللسان فهذا الذي وقع فيه أوس رضي الله عنه بسبب لسانه حينما غضب وقال أنت عليّ كظهر أمي. فالله سبحانه وتعالى نهى عن هذا الأمر وحرّمه لذلك يقولون في الحكم "ما من شيء أحوج إلى طول حبس من لسانك" ونحن للأسف نتساهل في الكلام وتجد الواحد منا يتحدث الساعات الطويلة ويضحك ويسخر وينكّت ويتحدث ونلاحظ الآن أننا أصبحنا نشكو من كثرة الهواتف أصبحت شركات الاتصالات الآن تفاخر أنها استطاعت أن تبيع مثلاً سبعة ملايين خط هاتفي! هذا مؤشر على أن كثرة الكلام وكثرة الانفاق على الكلام والله في تصوري لو لخّصنا كلامنا على الهواتف الذي نصرف عليه كل هذه الأموال لوجدنا أن 99% منه ليس له داعي!. فعلى المسلم أن يحفظ لسانه، هذا من دروس هذه القصة أن أوس رضي الله عنه عندما زلّ لسانه وظاهَر من خولة رضي الله عنها وقع فيما وقع فيه وكان فيه هذه الكفارة الغليظة
أيضاً من فوائد هذه الآيات عظيم إحاطة الله سبحانه وتعالى فإن سمعه وسع الأصوات ولا يخفى عليه شيء فهذه خولة عائشة معها في نفس الغرفة وتقول والله إني أسمع بعض الكلام وبعض الكلام ما أسمعه! وبالرغم من ذلك قال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) فأين تهرب من الله؟ (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، هذه رسالة.
من فوائد هذه الآية ومن أعظم المكاسب التي يمكن أن نستفيدها اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الأسرة، الأسرة هي نواة المجتمع المسلم إذا تفككت الأسرة أين تجد المجتمع؟ ولذلك الشيطان يفرح فرحاً شديداً بالطلاق، أشد واحد يفرح بطلاق المرأة من زوجها. ولذلك يقولون الشيطان يبعث جنوده كل يوم يوزعهم في فرق عمل فإذا جاء أحدهم يقول أن فلان ارتد عن دينه يرى أنه عمل عملاً جيداً لكن يأتيه أحد الشياطين فيقول ما زلت بين فلان وفلانة حتى فرّقت بينهما، فيقول أنت! يحصل على المزايا والترقية! لماذا؟! لأن الشيطان عنده بعد نظر لأنه إذا انهدمت الأسرة انهدم المجتمع ولذلك الغرب يحارب الأسرة المسلمة يحارب المرأة المسلمة يريد للمرأة أن تخرج من بيتها بحجة أنه من حقها أنها تعمل وتقود السيارة، هذه ليست حرية المرأة! انظر هنا كيف اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وكيف اهتم الله سبحانه وتعالى بالموضوع وأنزل التشريع مباشرة لأن مسألأة انهدام الأسرة من انهدام المجتمع كيف أبني مجتمعاً والنوا مفككة ولذلك علينا أن نحذر أشد الحذر من كل المخططات التي تكيد للأسرة المسلمة فتُخرج المرأة على كيفها وتخرج البنت على كيفها ويخرج الولد على كيفه حتى أن البيت يصبح كفندق! الأب لا يعرف ماذا تصنع الزوجة والزوجة لا تدري ماذا تصنع البنت؟ يعني ساكنين مع بعض وللأسف أن هذا حال كثير من الأسر اليوم حتى صار بعضهم ينادي ابنه أو ابنته للغذاء عبر رسائل الجوال! للأسف الشديد أقول هذا وأنا حزين لكن جرّنا إليها حديث عناية الإسلام بالأسرة التي تتجلى بعناية الرسول صلى الله عليه وسلم بقصة خولة وقصة أوس بن الصامت ومحاولة لمّ هذه الأسرة وإعادتها مرة أخرى وانزال القرآن فيها وتشريع كفارة الظهار كل هذا إشارة إلى أن الأسرة نواة المجتمع المسلم وينبغي أن نحافظ عليها وأن نعتني بها وأن نحاول أن نضيق حالات الطلاق بقدر ما نستطيع لتبقى تصبح أضيق الحدود كعلاج ولا يتساهل الناس والآن أصبحت نسب الطلاق تكاد تفوق نسب الزواج إن لم تتساوى معها وهذه مؤشرات كارثية على الخلل الموجود عندنا. نسأل الله تعالى أن يرزقنا فقه كتابه وأن يجعلنا من العاملين به والمتدبرين له.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 20 (20حلقة)
الحلقة 22، 23، 24 (3 حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 27 حلقة
الحلقات المتبقية: 2 حلقتان
 
قصة آية (25)
الحذر من فتن الشيطان

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (17) الحشر)
الوقوف مع آيات القرآن العظيم نعمة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوزعنا شكرها والوفاء بحقها. معنا اليوم آية من آيات سورة الحشر تقُصُّ علينا قصة الشيطان وحقيقة موقف الشيطان من الإنسان. قصة الشيطان مع الإنسان قصة طويلة وقصة عجيبة والمسلم الذي يقرأ القرآن الكريم لا يشكّ في هذه العداوة التي بينه وبين الشيطان. الله سبحانه وتعالى منذ أخبرنا من أول ما خلق أبونا آدم عليه الصلاة والسلام كان الشيطان موجوداً فهو أسبق من آدم في الخَلْق وكان الملائكة موجودين أيضاً فالله سبحانه وتعالى عندما قال للملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)) ثم لما خلق آدم ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود له وكان الشيطان ابليس موجوداً مع الملائكة. المفسرون يقولون لماذا كان الشيطان موجوداً مع الملائكة؟ كيف كان يعيش مع الملائكة؟ لكن نحن لا نعلم عن حقيقة التفاصيل لكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن الشيطان كان موجوداً ولذلك قال في سورة الكهف (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50) الكهف) فالله يقول في سورة الكهف أن ابليس من الجنّ لكنه كان موجوداً في ذلك الموقف مع الملائكة، لماذا؟ الله أعلم لأن الأقوال في هذا كثيرة، لكن هذا الذي أخبرنا الله به. ثم قال (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فاستثناه من الملائكة مع أنه ليس من الملائكة لكنه كان معهم. فلما رفض إبليس أن يسجد لآدم وبرّر امتناعه عن السجود بسبب يرى هو أنه سبب وجيه (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) الأعراف) وإبليس عنده وجهة نظر أن النار أفضل من الطين، هذه فلسفة! ولذلك إبليس زعيم الفلاسفة! الذي يقدّم رأيه ويقدم فلسفته على أمر الله وعلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقولون أول من قاس إبليس لأنه قاس وقال أنا مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين والنار أفضل من الطين. ولذلك ابن القيم ردّ عليه وقال أن الطين أفضل من النار من أكثر من وجه. لكن بغض النظر النار أفضل أو الطين أفضل، أنت ما علاقتك بهذا؟! أنت تستجيب لأمر الله. ولذلك الملائكة قال الله تعالى (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) فسجدوا (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم) ولذلك من أدلة أن إبليس ليس من الملائكة أنه عصى الله والله يقول عن الملائكة (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ) فهو ليس من الملائكة. من ذلك الموقف العداوة بدأت بين آدم وبين الشيطان ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى لابتلاء الناس ولابتلاء البشر أنه جعل إبليس عدواً دائماً وأعلن ذلك في القرآن فقال (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) فاطر) ماذا نريد نحن كبشر أكثر من هذا التصريح؟! الله يقول لنا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) والعجيب أن كثيراً من الناس حتى لا نُعمِّم اتخذه صديقاً لكن هذه حكمة الله وهذه إرادة الله وهذا الابتلاء، نحن نعرف قصة إبليس ويعجبني قول المثقب العبدي يقول لأحد أصدقائه
فإما أن تكون أخي بحقٍّ فأعرف منك غثّي من سميني
وإلا فاطّرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني
لأن الذي يتخذك عدواً صريحاً يريحك لأنك تتقيه وتحسب حسابه لكن واحد يدّعي أنه صديقك ومن خلفك يطعنك هذه مشكلة وهذا صنيع المنافقين، المنافق يدّعي أنه معك في الصف ولكن في الحقيقة هو ضدك، أما الكافر فهو واضح العداوة. إبليس قصته مع آدم قصة طويلة جداً من آدم عليه السلام ما تركه من يوم دخل الجنة، ما زال يغريه، الله نهاه عن هذه الشجرة – العلماء يقولون هذه شجرة كذا – ما علينا هل هي شجرة زيتون أو تين، هذا لا يهم، لكن الفكرة هي الابتلاء، أنه قال لا تقرب هذه الشجرة والجنة أمامك بطولها وعرضها لكن لا تقرب هذه الشجرة، لماذا؟! هذا هو الإنسان! الشيطان قال لآدم الله لم ينهك عن هذه الشجرة إلا لأنها شجرة الخُلد إذا أكلت منها فما زال بآدم وقال الله في سورة الأعراف (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (24) الأعراف) آدم وحواء ما كانوا يتوقعون أن أحداً يقسم بالله وهو كاذب، هذا حسن الظن! فلما أكلا منها رسبا في الاختبار. والله سبحانه وتعالى قدّر هذا لأنه قال في أول الآية في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) لم يقل إني جاعل في الجنة، إذن آدم مخلوق للأرض في الأصل، لكن هذه قصة الابتلاء. فلما أكلا من الشجرة وهبط إلى الأرض وابليس موجود معه فنحن من ذلك اليوم إلى أن تقوم الساعة في صراع مع إبليس. الله سبحانه وتعالى في الآية التي معنا (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ) يشبِّه حال المنافقين الذين يقولون لليهود حارِبوا محمداً وسوف نقف معكم، فلما انهزم اليهود قال المنافقون ليس لنا علاقة بكم!! فالله يقول هؤلاء مثل الشيطان، الشيطان يفعل هذا بالإنسان يغويه فإذا وقع في الغواية ووقع في الشر قال ما لي علاقة! وهذه ينبغي أن ينتبه لها كل واحد منا هذه طريقة الشيطان من آدم إلى اليوم يزيّن لك الباطل يوقعك في الفاحشة ويقول لك بسيطة يا رجل! كلها 15 مليون تنصب نصبة معينة وتسرق 15 مليوناً والله غفور رحيم! هذه فرصتك فرصة العمر، هذه السيارة فرصة العمر، هذه الفاحشة فرصة العمر، هو يأتيك بخطوات كما سماها الله سبحانه وتعالى خطوات الشيطان. وهذه تظهر في القصة التي ذكرها وَهَب بن المنبِّه في قصة هذه الآية. الله سبحانه وتعالى يقول الشيطان دائماً يوقع بني آدم في الفخ ثم ينسحب فانتبهوا، وهذه تنطبق على كل موقف يحصل من الشيطان مع الإنسان فإنه يغويك بترك الصلاة ثم يتخلى عنك، يغويك بالوقوع في الزنا ثم يتخلى عنك، يوقعك في السرقة ثم يتخلى عنك، يوقعك في الكفر والإلحاد بحجج كثيرة، بحجج الحرية الأدبية، بحجج النقد الأدبي، بحجج التعبير عن الرأي، بحجج كثيرة ثم يتخلى عنك.
يذكر وهب بن المنبه قصة وقعت لأحد الرهبان تصلح أن تدخل تحت هذا النموذج وهو أن الشيطان يغوي الإنسان ثم يتخلى عنه. وهي قصة طويلة لكنها جديرة أن الناس يسمعونها. يقول وهب بن المنبه أن عابداً كان من بني إسرائيل وكان من أعبد أهل زمانه وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكراً ليس لهم أخت غيرها، الثلاثة يريدون أن يخرجوا للغزو فأين يتركون أختهم؟ فكروا وتشاوروا وقالوا أفضل حل أن نتركها عند هذا العابد رجل ثقة وعابد ومنقطع للعبادة فأختنا تكون في مأمن بإذن الله عند هذا الرجل. والرجل فعلاً كان ثقة وكان عابداً فما زالوا به حتى أنزلوها في بيت هذا الرجل فبقيت عنده زماناً بجوار منزله، وضعوا لها منزلاً بجوار منزله بحيث أنه ينتبه لها فكانت البنت موجودة في البيت بجواره وطعامها يصلها وهو منقطع في عبادته. لكن الشيطان بدأ يشتغل ويقول له أنت الآن لماذا لا تتواصل معها ولو تكلمها من خلف الباب لتطمئنها؟ لماذا ترسل لها الطعام مع أناس آخرين، لماذا لا تأخذه أنت أليس هذا أفضل وأجبر لقلبها وتجعلها تشعر أنك تهتم بها شخصياً؟! فبدأ يوصل لها الطعام بنفسه وبدأ يسمع صوتها وتسمع صوته ويحادثها وتحادثه ثم قال له الشيطان أنت تحادثها الآن من خلف الباب وقد يراك الناس ويظنون شراً فلماذا لا تدخل؟ فما زال به شيئاً فشيئاً حتى زقع وغياها في فاحشة الزنا ثم جاء لها ابن من هذه الفاحشة فجاءه الشيطان قال أنت الآن رزقت بولد من هذه البنت ماذا ستقول لإخوانها إذا رجعوا وقد ائتمنوك؟ أنا عندي لك رأي، تخلّص من هذا الولد اقتله وفعلاً استجاب العابد للشيطان، الشيطان يوسوس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم. والله سبحانه وتعالى خلقه بهذه المثابة أن عنده هذه القدرات هو يرانا ونحن لا نراه قادر على أن يوسوس لنا ونحن لا نستطيع أن نردّه إلا بالاستعاذة. فلما قتل الولد قال له الشيطان هل تتوقع أن أم الولد تسكت؟! لن تسكت، الحل اقتلها أيضاً وتخلّص منها وإذا جاء إخوانها قل ماتت رحمها الله. فما زال هذا العابد يتردد وسبحان الله الفرق بين العابد الذي على جهل والعالِم، العلم نور وهذا عابد على عماه! فلما أقنعه الشيطان بأن يقتلها قتلها بعد أن قتل ابنها ودفنها. فجاء الإخوان الثلاثة وسألوا أين أختنا؟ قال ماتت رحمها الله واقتنعوا بهذا العذر لأنه رجل ثقة. فلما ذهب الإخوان الثلاثة وناموا جاء الشيطان لكل واحد منهم وقال لهم أنتم صدّقتم هذا العابد؟ هذا كاذب، هذا زنى بأختكم وجاءه منها ولد وقتلهما وقبرها ليس هو بالمكان الذي أراكم إياه وإنما القبر في المكان الفلاني احفروه إن كنتم لا تصدقوني. والثلاثة رأوا الرؤيا بشكل مستقل فقال بعضعم لبعض رأيت كذا كذا فقالوا ما الحل؟ قالوا هذه أحلام وهذا رجل ثقة. واحد منهم قال يجب أن نبحث فلما بحثوا وجدوا أن كلام الشيطان –وهم لا يعرفون أنه الشيطان ويظنون أنها رؤيا في المنام – فلما كشفوا القبر وجدوا الكلام صحيحاً ووجدوها في القبر ووجدوا معها طفل صغير مقتول معها. فذهبوا للعابد وأخبروه فانهار العابد واعترف بكل الذي وقع منه. وطالبوا بتنفيذ حق القتل فيه فلما جيء بالرجل ليُقتَل قِصاصاً قال الشيطان له: أنت الآن قتلت وزنيت وعملت وعملت لا أقدر أن اساعدك إلا بطريقة واحدة وهي أن تكفر بالله وتسجد لي سجدة واحدة وأنا أخلّصك من كل ما أنت فيه وآخذ على أبصارهم فلا يرونك! تدرّج به الشيطان خطوة خطوة فما زال به حتى سجد العابد للشيطان سجدة فلما كفر العابد وسجد للشيطان قال له: إني بريء منك! لماذا؟ قال: إني أخاف الله رب العالمين! هذا منطق إبليس. هذه القصة ليس سبباً لنزول الآية وإنما ذكرها وهب بن المنبه من الإسرائيليات للإشارة إلى صنيع الشيطان مع الإنسان في بني إسرائيل وفي أمة محمد وفي كل الأمم الشيطان يتدرج مع الإنسان يوقعه في المخدرات، يوقعه في الفواحش، يوقعه في الكفر بالله، يوقعه في الخيانة، خطوات ولذلك قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ (21) النور) خطوة خطوة هو لا يأتيك يقول لك اُكفر مباشرة، لا، إنما يتدرج تدرجاً. من فوائد هذه القصة خطورة أمر النساء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء. لا تقول أنا ثقة، أنا عابد، لا، هذه قصص وهذه الحياة والتاريخ وإذا لم يستفد الإنسان من التاريخ ومن العبر فإنه لا عقل له ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى (لقوم يعقلون) (أفلا تعقلون) (للعالِمين) للإشارة إلى أنه لا يتعظ بمثل هذه القصص والآيات إلا من وفّقه الله سبحانه وتعالى وأخذ هذه الفوائد. ومن فوائد هذه الآيات أن الشيطان قد يأتيك من باب النصيحة أحياناً ويأتيك أنه ناصح لك في الاستجابة لأمره فلما تستجيب له مثل آدم عليه الصلاة والسلام جاءه الشيطان على هيئة النصيحة أنه يأكل من الشجرة حتى يخلد فما استجاب وقع في الفخ. أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم الثبات وأن يكفينا شرور أنفسنا وشر الشيطان ونفثه وشركه حتى نلقى الله سبحانه وتعالى ونحن على التوحيد وعلى الإيمان غير مبدّلين وغير مغيّرين.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 20 (20حلقة)
الحلقة 22، 23، 24، 25 (4 حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)

مجموع الحلقات المفرّغة: 28 حلقة
الحلقات المتبقية: حلقة 21 وهي غير متوفرة حالياً على موقع قناة الرسالة وأنتظر الحصول عليها لاتمام التفريغ.
نفعنا الله جميعاً بهذا البرنامج وجزى الله مشرفنا الفاضل د. عبدالرحمن الشهري على هذا الجهد المبارك تقبل الله منه وجعله في ميزان حسناته.
 
الحمد لله رب العالمين فقد عثرت على تسجيل الحلقة 21 (خبر الفاسق) من موقع الطريق إلى الله فتم تفريغها وأرفعها لكم للفائدة:

قصة آية (21)
خبر الفاسق

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات)
الآية التي معنا اليوم في غاية الأهمية وهي قاعدة ينبغي علينا جميعاً أن نتفطن لها وهي قضية التثبُّت من الأخبار التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات. نلاحظ أن آيات القرآن الكريم قصيرة ولكنها عميقة المعنى والقرآن الكريم لو كان سيفصّل في كل التفاصيل لما أمكن أن يأتي في هذا المجلّد الذي بين أيدينا الآن ولما أمكن في ستة آلآف آية ومئتين وستة وثلاثين فقط تستطيع أن تذكر كل هذه التفاصيل وكل هذه القواعد العظيمة التي كل دين الإسلام مأخوذ منها. هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) هذه الآية تستحق أن تكون شعاراً لكل وسائل الإعلام ولكل وزارات الإعلام في العالم كله وليس فقط في العالم الإسلامي "التثبت من الأخبار" ليس كل خبر تسمعه تنقله هذا خطأ شنيع ومخالِف وهذه قاعدة ينبغي على كل واحد أن يضعها نصب عينيه "التثبت من الأخبار" وكفى بالمرء كذباً أن يحدّث بما سمع، كل واحد يرسل لك رسالة في الجوالات وفي المواقع الإلكترونية وفي التويتر وفي الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مذهل خبر ما يدرى مصدره ولا أصله ويقول انشُر تؤجر! فكم من خبر عن شخص مات أو قُتِل أو فعل وهو لم يحصل وينقل أخبار وإشاعات عن الناس وعن المؤمنين في أعراضهم وفي دينهم وفي وظائفهم وينشرون الأكاذيب بين الناس والناس يتناقلونها. والله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك وذكر لنا قصة وهي قصة الإفك في سورة النور (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12)) وقال الله سبحانه وتعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) النور). هذه الآية التي معنا نفس الفكرة يقول تعالى أنكم تسمعون الخبر تلقونه بألسنتكم حتى أن الإنسان لا يفكر فيه بعقله وإنما (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ) أصبح الإنسان مجرد آلة تسجيل لا يفكر ولا يعرف قيمة عرض أخيه المسلم! هذه الآية تقول لا، تثبتوا (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي رواية (فتثبتوا) وكل واحدة بمعنى الأخرى تزيدها قوة في الدلالة على معنى التثبت الاحتياط والحذر والمراجعة. في وكالات الأخبار العالمية لا ينشرون أيّ خبر وإنما يتأكدون من مصدر الخبر بواسطة المراسل أنه فعلاً وقع ثم ينشرونه على مسؤوليتهم وكالات الأخبار العالمية التي لها مصداقية هذه المصداقية ما جاءت إلا من تحرّيهم للصدق في الأخبار وبعض الوكالات تسمعها فإذا هي وكالات كذب تنقل الأكاذيب.
قصة هذه الآية وسبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط لكي يأخذ الصدقات أو الزكاة من قبيلة من القبائل فخرج الوليد لكي يأخذ هذه الصدقات وكان بينه وبين القبيلة التي أُرسل إليها شيء فكان خائفاً وغير مرتاح لهذه الرحلة فلم يصل إليهم. بعض الروايات تقول أنه بلغه عنهم شرّ وأنهم لن يعطوه الزكاة وسيقتلونه وبعض المفسرين قال غير ذلك لكن الخلاصة أنه رجع من منتصف الطريق وقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله منعوا الزكاة. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم كيف يمنعون الزكاة! ورأى أن هذا مخالفة لأمر الله ورسوله. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم من يغزوهم ومن العلماء من قال أنه أرسل خالد بن الوليد ومنهم من قال أنه أرسل غيره، لكن المهم أنه أرسل وفداً إليهم. فلما تأخر رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة استغربوا لماذا لم يأتي رسول رسول الله لأخذ الزكاة فجاء وفد منهم وقالوا يا رسول الله والله ما جاءنا أحد، قال ألم يأتكم أحد؟! قالوا ما جاءنا أحد! وإذا بهم لم يمنعوا الزكاة وليس عندهم مشكلة ولم يأتهم أحد وجاؤوا مستفسرين يا رسول الله نحن نريد أن ندفع الزكاة فنزلت هذه الآية. وكادت تقع فتنة بسبب هذا الموقف الذي فعله الوليد بن عقبة وكادت تحدث فتنة. والذي يُخاطَب بهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كادت أن تقع فتنة وكاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم من يقاتلهم ويقتلهم دون أن يتثبت من حقيقة ما قاله الوليد سامحه الله. فالله سبحانه وتعالى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهذه الآيات التي تبدأ بهذا الوصف تنادي في الإنسان وصف الإيمان وتستحث في نفسك أفضل ما فيك من معاني الرجولة والانقياد والاستسلام لأوامر الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يا من اتصفتم بصفة الإيمان بالله وآمنتم بالله ورسوله (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا). قال (فاسق) والفاسق يطلق على من يرتكب الصغائر من الذنوب ويطلق على الكافر بالله سبحانه وتعالى فاسق. ولذلك الفسق في اللغة هو الخروج أخذته العرب من قولهم "فسقت الرطبة" إذا خرجت الرطبة من قشرها. ويقولون فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها للإفساد. فالفسق في اللغة هو الخروج لكن قد يكون الخروج بمعصية يسيرة فيكون خروجاً يسيراً ليس مكفِّراً وقد يكون خروجاً تاماً من الدين فيكون كفراً ولذلك وصف الله الكافرين بالفاسقين ووصف الذين يرتكبون المعاصي بالفاسقين وينطبق على هؤلاء أنهم خرجوا وعلى هؤلاء أنهم خرجوا. كما لو أنك خرجت عن الطريق بسيارتك قليلاً فهذا خروج وإذا خرجت خروجاً مبيناً عن الطريق ودخلت في متاهات هذا خروج أيضاً لكن فرق بين هذا وبين هذا وكذلك الفسق قد يكون يسيراً وقد يكون كبيراً. فالله سبحانه وتعالى يقول (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا). وكيف يُعرف الفاسق؟ يعرف من خلال التعامل معه إما أنه يكذب في الحديث مع الناس فهذا فسق وإما أنه لا يلتزم بأوامر الله هذا فسق، الفسق درجات وأنواع. فالله سبحانه وتعالى لم يأمر بتكذيبه قال (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) ويمكن أن نستنبط من قوله (نبأ) وهو أنه نبأ كبير. الوليد بن عقبة كان سيودي بالمسلمين في داهية وكان سيدخلهم في حرب وفيها دماء وفيها مشاكل وقتل أبرياء! ولذلك سماه الله (نبأ). والنبأ عند العرب هو الخبر العظيم (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ) وقال (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النبأ) ليس خبراً عادياً ولذلك يسمونها وكالات الأنباء وليست وكالات الأخبار والنبأ في الأصل مأخوذ من هذا لأن النبأ في اللغة هو المكان المرتفع لأن الإنسان المرتفع يمكنه أن يرى ما لا يراه غيره فكأن الذي يأتيك بالنبأ عنده قدرة أن يرى ما لا يراه الناس، فهذا أصل النبأ في اللغة. لذا قال (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) نستنبط منها أنه لو كان النبأ يسيراً فالأمر فيه يسير، مثلاً إذا جاء ولدك الصغير فقال لك الغداء على السُفرة، هذا خبر بسيط قد يتأكد خبره بمجرد أن تنظر للسُفرة، لكن يأتيك ولدك ويقول مات جدي وتذهب تبلغ إخوانك دون أن تتأكد أنت بنفسك من الموضوع هذا خطأ. وفي بعض الأحيان يكون التراجع عن الخبر مشكلة ولذلك الآن ليس أيّ خبر يعلن في الأخبار الرسمية، أنت ترسل الخبر إلى أي وكالة أنباء عالمية وهم يتأكدون من الخبر بطريقتهم عن طريق مراسلهم ثم يُعلن الخبر على مسؤوليتهم لأنك إذا أعلنت الخبر وكان نبأ بكل معنى الكلمة التراجع عنه صعب. يقول الله سبحانه وتعالى هذه الأخبار والأنباء العظيمة التي يترتب عليها أحكام وأمور تثبتوا فيها فكأن الله عفى عن اليسير مع أنه ينبغي عليك أن تتثبت في كل خبر لكن هناك أخبار بسيطة لا يترتب عليها أشياء عظيمة.
(إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) لكن ماذا لو جاءنا ثقة بنبأ رجل ثقة عَدْل هل نتبين أو لا نتبين؟ إذا عرفنا دينه وأمانته نقبل الخبر، هذا معنى الآية الله سبحانه وتعالى يقول (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) فكأن الله يقول تبينوا لأنه فاسق فعلّق الأمر بالتبين بصفة الفسق. ويمكن أن نستفيد من الآية فائدة أخرى وهي أنه كلما كان فاسقاً زيادة يجب التبيّن والحذر أكثر فتزيد نسبة التبين والتثبت بمقدار نسبة الفسوق عند هذا الرجل. لكن مفهوم المخالفة أنه إن جاءكم ثقة وعدل بنبأ فصدّقوه واقبلوه ولذلك استنبط العلماء قبول خبر الواحد الثقة سواء في العقائد أو الأحكام لأن الله سبحانه وتعالى إنما أمرنا بالتثبت في خبر الفاسق ولم يأمرنا بالتثبت في خبر العدل فدلّ على أن خبر العدل مقبول في ديننا ومقبول في أمور دنيانا. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لذكائه وبصيرته عليه الصلام والسلام أول ما أُمر بإنذار قريش قام على جبل الصفة فقال يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا بني قصيّ يا بني فلان قال أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغزوكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا ما عهدنا عليك كذباً قطّ، أنت رجل معروف عندنا أنط صادق وأمين. معناه أنه رجل مقبول الخبر عندهم وثقة فقال أنا نذير لكم بين يدي عذاب شديد. وهذه كُررت أيضاً لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجاء عبد الله بن سلام وهو عالم من علماء اليهود قال للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله اليهود قوم بُهْت سيلبسونني تهماً ليست فيّ لو علموا أني أسلمت لكن إذا دخلوا فاسألهم عني قل كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قبل أن يعرفوا أني أسلمت فقال كيف عبد الله بن سلام فيكم يا معشر يهود؟ قالوا هذا عالمنا وابن عالمنا وحبرنا ومدحوه كثيراً. قال أُشهدكم أني أسلمت وأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالوا فيك وفيك وما تركوا صفة إلا شتموه بها، قالوا كذّاب! فقال للرسول صلى الله عليه وسلم هذه طبيعتهم!. لذا ينبغي الإنسان أن يتثبت من خبر الفاسق أما خبر العدل الثقة فإنه معفوٌ عن التثبت فيه لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالتثبّت في خبر الفاسق فقط.
من فوائد هذه الآية أيضاً قبول خبر الواحد إن كان ثقة سواء في الأحكام أو حتى في العقائد والذين يردّون خبر الواحد في العقائد على غير الصواب والصحيح أن خبر العدْل الثقة مقبول ولو كان واحداً سواء كان في العقائد أو في غيرها لأنه ليس هناك دليل على التفريق بين ذلك.
من فوائد هذه الآية أيضاً أن خبر الواحد لا يوجِب العلم بدليل أنه أمر بالتثبّت فلو كان يوجِب العِلم لما أمر بالتثبّت، هذا استنباط بعض العلماء وإن كان مردوداً لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالتثبّت من خبر الفاسق وأما خبر العَدْل فإنك غير مأمور به مما يدل على أنه يوجِب العِلم. لكن يبقى أن التثبّت دائماً من الأخبار سواء من الثقة أو غير الثقة صفة الحازم العاقل وأنك لا تنشر خبراً لم تتثبت منه لا في الفايسبوك ولا في الإيميل ولا في التويتر حتى لا تندم لأن الله سبحانه وتعالى قال (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وما أكثر الذين يندمون ثم يرسل رسال اعتذار! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التثبت فيما نقول وفيما ننشر وأن يجعلنا وإياكم من عباده الصادقين المخلصين المتأدّبين بآداب كتاب الله سبحانه وتعالى.

رابط الحلقة الصوتي:
عبد الرحمن الشهرى - خبر الفاسق (13/8/2012) قصة آية
وسيتم إضافة الحلقة للملف وإعادة رفعه كاملاً بإذن الله
 
عودة
أعلى