تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (12) المقرئ السلطان أبو الدُّر جَوهَر (ت590هـ)

جمال ياسين

New member
إنضم
31 يوليو 2010
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
42
الإقامة
اليمن
الموقع الالكتروني
scholar.google.com



تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (12)
د. جمال نعمان ياسين



المقرئ السلطان أبو الدُّر جَوهَر (ت بعد590هـ)

- من قراء مدينة تعز -



اسمه ونسبه وكنيته ولقبه


المقرئ السلطان أبو الدُّر جَوهَر بن عبد الله الـمُعَظَّمِي الزُّرِيعِي.

الـمُعَظَّمِي الزُّرِيعِي: نسبة إلى سيِّده الداعي المُعَظَّم محمد بن سبأ بن أبي السعود بن زريع بن العباس بن المكرم الهمداني، أحد سلاطين دولة بني زريع في اليمن، وكان مستقره في مدينة عدن.

والدولة الزريعية تنسب الى المكرم بن جشم بن يام من همدان، وامتدت فترة حكمهم حوالي ١٠٠ عام تقريبًا، وشملت مناطق حكمهم عدن وأجزاء من جنوب اليمن وحضرموت، وكان الزريعيون موالين للفاطمين، وانتهى حكمهم علي أيدي الأيوبيين.



حياته العلمية

كان أبو الدُّر جوهر عبدًا حبشيًا، من موالي بني زريع، نشأ فيهم، وكان مباركًا، تقيًا، ذكيًا، انشغل بالعلم منذ صغره، درس العلوم على يد علماء وفقهاء عصره، وبرز في علمي القراءات والفقه، فكان مقرئًا فقيهًا.

ولقَّبه علماء عصره بالحافظ؛ لأنه كان لا يحفظ شيئا فينساه.

وكان مواليه الزريعيون على مذهب الإسماعيلية الباطنية، ودعاة للفاطميين. لكنَّ المقرئ أبو الدُّرّ جَوهَر لم يكن على مذهب مواليه، بل على مذهب أهل السُّنَّة في زمانه، حيث كان يواصلهم ويواصلونه.

قال عنه بامخرمة: "وكان يحب الفقهاء من أهل السنة ويجلهم ويحترمهم، ويكره مذهب مواليه".


حياته السياسية

ولَّاه سيِّده (المُعَظَّم) أميرًا على حصن الدُّمْلُوة المعروف اليوم بـ (قلعة المنصورة)، من بلاد (الحُجَرِيَّة) جنوب مدينة تعز.

ولما توفي (المُعَظَّم) خَلَفَهُ ابنه (عِمْرَان بن محمد بن سبأ) الملقب بـ (المكرَّم)، وأقَرَّ الأمير أبو الدُّر جَوهَر على ما كان عليه من ولاية (الدُّمْلُوة).

ولمَّا دنت وفاة (المكرَّم) جعله وصيًا على أولاده وعلى الدولة كلها، فصار هو السلطان المعظَّم وله الحكم المطلق لسنوات طويلة، وكان أولاد (المكرَّم) آنذاك صغارًا كلهم، وهم ثلاثة: محمد، وأبو السعود، ومنصور. فنقلهم السلطان أبو الدُّر من مدينة عدن إلى الدُّمْلُوة، وأكرمهم وقام بكفايتهم وتعليمهم أحسن قيام.


وحين جاء (توران شاه بن أيوب)* إلى اليمن ...
*[توران شاه بن أيوب. أحد إخوة صلاح الدين الأيوبي، ملك مصر والشام، ومؤسس الدولة الأيوبية باليمن، دخل اليمن سنة (569هـ)، فأزاح بني حاتم من صنعاء، وبني زريع من عدن، وبني مهدي من زبيد، حتى أضحت اليمن خاضعة لحكمه. حكم ثمان سنوات، وتوفي سنة (577هـ)، وخَلَفَه أخوه سيف الإسلام طُغْتِكِين].

وحين جاء (توران شاه بن أيوب) إلى اليمن، استولى عل مدينة عدن، وكان السلطان (أبو الدُرِّ جوهر) قد وضع نائبًا له عليها (ياسر بن بلال بن جرير المحمدي)، فشنقه (توران شاه) مع عبدٍ له يُدعى (مصباح السَّدُوسِي)، ثم توجه (توران شاه) إلى حصن (الدُّمْلُوة) لانتزاعه من يد السلطان أبو الدُّر جَوهَر المُعَظَّمِي، فحاصره حصارًا شديدًا، ولكن من دون فائدة، فتركه وعاد إلى مصر.


وفي سنة (584هـ) استولى (طُغْتِكِين بن أيوب)* ...
*[أحد إخوة صلاح الدين الأيوبي تولى حكم اليمن بعد وفاة أخيه توران شاه سنة (577هـ)، واستمر حكمه عليها حتى وفاته سنة (590هـ). وحكم اليمن بعده أبناؤه المعز، والناصر، والمظفر، والمسعود حتى سنة (626هـ)].

وفي سنة (584هـ) استولى (طُغْتِكِين بن أيوب) على جُلِّ مملكة اليمن، وغَلَبَ على كثير من حصونها ومدنها، ولمَّا وصل إلى تعز، أطبق حصاره على حصن (الدُّمْلُوة)، واستمر الحصار أربعة أشهر، حتى ضاق صاحب الترجمة ذرعًا من ذلك، ولم يعد في وسعه أن يصمد، فأرسل إلى (طُغْتِكِين) يعرض عليه تسليم الحصن مقابل (عشرة آلاف دينار)، مشترطًا عليه ألا يطلع إليه أحد من أتباع (طُغْتِكِين)، كما أنَّه لن ينزل من الحصن قبل أن يكون أبناء سيِّده (المكرَّم عمران) قد وصلوا إلى البحر وركبوا من أي موضع يريدونه. فقبل (طُغْتِكِين) بذلك، وتسلَّم السلطان (أبو الدُّر جَوهَر) المبلغ، ووضع خطة جمع بموجبها أولاد سيِّده (المكرَّم عمران) وأتباعهم وما معهم من الأموال، مُخَلِّفًا نائبًا له؛ ليوهم (طُغْتِكِين) أنَّه لا يزال في الحصن، ثُمَّ توجه إلى ساحل مدينة (المخا)؛ حيث استقلَّ بمن معه سُفُنًا كانت قد أُعِدَّت، وأبحروا إلى الحبشة، ولم يعلم (طُغْتِكِين) أنَّ صاحب الترجمة كان من الراحلين إلَّا بعد تَسَلُّمه كتابًا من السلطان (أبو الدُّر جَوهَر) يبلغه فيه أنَّ نائبه سيقوم بتسليم الحصن.

فتعجب (طُغْتِكِين) من حنكته وقوة دهائه، وقال: كان ينبغي استخلافه وإبقاؤه في الحصن فقل وجود مثله في دينه وحزمه وعزمه ولم يزل السلطان أبو الدُّرّ جوهر بالحبشة حتى توفي هناك.


مكانته العلمية

قال عنه الجندي في السلوك:
"وكان جوهر عبدًا، مباركًا، تقيًا، ومشتغلًا بالعلم، أجمع فقهاء عصره على تسميته بالحافظ، وكان مع ذلك فقيهًا مقرئًا؛ قل أن يحفظ شيئا فينساه".

ووصفه بامخرمة أثناء ترجمته بقوله:
"كان خادمًا تقيًا، عاملًا ذكيًا، عالمًا كاملًا، حافظًا، أجمع فقهاء عصره على تسميته بالحافظ؛ لأنه كان لا يحفظ شيئا فينساه".

وقال عنه أيضَا:

"وكان يحب الفقهاء من أهل السنة ويجلهم ويحترمهم، ويكره مذهب مواليه".


تلاميذه

1. الإمام المقرئ بطال بن أحمد الركبي.
قال الجندي عن تعليم أبو الدُّر جَوهَر لهذا الإمام: "ومن آثاره الفقيه بطال أيضا فإنه ارتهنه من أهله فهذبه وعلمه القرآن وصار إماما مقصودا مشهورا".

وقال بامخرمة:
"وببركة أبو الدُّر جَوهَر الـمُعَظَّمِي صار الإمام بطال بن أحمد الركبي إلى ما صار، وذلك أَنَّ أهله تركوه رهينة عند أبو الدر جَوهَر، فأشفق عليه، وعلَّمَه القرآن، ثم اشتغل بطلب العلم حتى صار إمامًا مبرزًا".

2. محمد بن المُعَظَّم محمد بن سبأ الزُّرِيعِي.
3. أبو السعود بن المُعَظَّم محمد بن سبأ الزُّرِيعِي.
4. منصور بن المُعَظَّم محمد بن سبأ الزُّرِيعِي.
5. عبد الله بن الفقيه محمد بن حميد الزوقري.


مؤلفاته وآثاره العلمية

ألف المقرئ أبو الدُّر جَوهَر الـمُعَظَّمِي مؤلفات كثيرة،
قال عنها الجندي: "وله مصنفات في علم القرآن والحديث والوعظ".

وقال عنها بامخرمة: "له مصنفات كثيرة في القراءات والحديث والوعظ".

ومن مؤلفاته المذكورة:

1. مصنفات في علم القراءات.
2. مصنفات في الحديث.
3. كتاب تذكرة الأخيار ومدخرة الأشرار. في المواعظ. اطلع عليه الجندي وقال عنه: "وما أحسن قوله في خطبته - أي مقدمة الكتاب-: لما علمت أن الموت موردي والقبر مشهدي جعلته تنبيها لنفسي من الغفلة وتذكرة لي قبل يوم الرحلة لعل الله يتغمدني بالعفو عن قبيح ما أسديته ويتجاوز عن شنيع ما جنيته".

4. كتاب المناجاة والدعوات.
5. كتاب الرسائل وشريط الوسائل.
6. اللؤلؤيات. قال عنه الجندي: "جعله فصولًا في المواعظ، واستفتح كل فصل منها بحديث أسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما أوردت هذه الأحاديث مسندة لأنتظم بسلك أحد طرفيه متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم".


من مآثره الباقية

أولًا: نسخه للمصاحف بخط يده.
كان أبو الدُّرّ جَوهَر له خط جميل مدهش، خَطَّ به عددًا من المصاحف، ذكر المؤرخون أربعة منها:

1. مصحف بخطه أوقفه على جامع الجند يتكون من ثلاثين مجلدا كل جزء في مجلد.

2. مصحف آخر بخطه أيضَا في ثلاثين مجلدا، في وادي (عميد) في مديرية السياني من أعمال إب. مع ذرية الفقيه علي بن سالم، أوقفه بحياة الفقيه.

3. مصحف آخر بخطه، في قرية (اللَّفَج) من ناحية الدُّمْلُوة. اطلع عليه الخزرجي، حيث قال في العقد أثناء ترجمة أبو الدُّرّ:
"وكان خطاطًا مجيدًا، رأيت له مقدمة بخطه في قرية (اللَّفَج) من ناحية الدُّمْلُوة، فرأيت خطًا عجيبًا، وضبطًا محققًا".

4. مصحف آخر بخطه، أوقفه في قرية (الظفير) لدى أسرة الفقيه سفيان الأبيني، وقد وقف عليه الجندي حينما زار أسرة الفقيه الأبيني سنة 720هـ. وقال:
"ووجدت معهم مقدمة بخط جوهر المعظمي ختمة قرآن، وقفها بالبلد، وشرط نظرها للفقيه".


ثانيًا: بناء المساجد:

وللسلطان أبو الدُّر جَوهَر الـمُعَظَّمِي في اليمن إضافة للسيرة المرضية والمصاحف الخطية مآثر أخرى باقية للذكر، منها اهتمامه ببناء المساجد، فمن المساجد التي ذُكِرَ أنَّها من بناءه:

الأول: مسجد (عَمِق) في جبل (الصِّلو) في مديرية الحجرية، جنوب تعز. بناه أحسن بناء ووقف عليه وقفًا عظيمًا يقوم به وبدَرَسَتِه الذين فيه.

الثاني: مسجد (مَعْبَرَة) في بلاد (الأشعوب) في مديرية مذيخرة، من أعمال إب.

الثالث: مسجد (الخَنَاخِن) في جبل (الصِّلو) في مديرية الحجرية، جنوب تعز.


وفاته - رحمـه اللهرحمه الله -

انتقل المقرئ السلطان أبو الدُّر جَوهَر الـمُعَظَّمِي إلى جوار ربه بعد سنة 590هـ. وكانت وفاته بأرض الحبشة، ودفن بها. رحمه الله
رحمه الله رحمـه الله تعالى وإيانا والمسلمين. اللهم آمين.


- من مصادر الترجمة -

1. السلوك، الجندي (385-383/1).
2. العقد الفاخر، الخزرجي (635- 632/2).
3. تحفة الزمن، الأهدل (310-309/1).
4. تاريخ ثغر عدن، بامخرمة (ص74-73).
5. الأمراء العبيد والمماليك في اليمن (ص 38-37).


معجم قراء اليمن من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر
د. جمال نعمان ياسين
 
عودة
أعلى