تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (15) المقرئ محمد بن إسماعيل الهِتاري (ت1349هـ)

جمال ياسين

New member
إنضم
31 يوليو 2010
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
42
الإقامة
اليمن
الموقع الالكتروني
scholar.google.com


تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (15)
د. جمال نعمان ياسين


المقرئ محمد بن إسماعيل الـمُحَنَّبِي الهِتاري (ت 1349هـ).

- من قراء مدينة الحديدة -



اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

المقرئ البدر السَّاري محمد بن إسماعيل بن علي الـمُحَنَّبِي، الهِتاري، الزبيدي. من ذُرِّيَّة الشيخ الكبير طلحة الهتار.

الهِتاري: نسبة إلى "آل الهتار". المنتسبون إلى الشيخ هتار اليمني الزبيدي، الولي الشهير، والقطب الكبير. ويقطنون مناطق كثيرة في اليمن منها منطقة تريبة شمال شرقي زبيد في تهامة اليمن، وعنس، ووائلة، وتعز، وإب، من المناطق الوسطى.


ولادته ونشأته العلمية

ولد بقرية التريبة من أعمال زبيد في سنة 1291هـ. وتربى بين حضن والده، ونشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن الكريم حتى أتمه. ثم شرع في التخرج على والده في أوائل العلوم واستظهر على والده متون العلوم ومنظومها.

ثم هاجر إلى مدينة زبيد لطلب العلم، ومكث بها مدة تزيد على إحدى عشرة سنة دائبًا في طلب العلم، والأخذ عن علمائها، حتى برع في فنون شتَّى بذهنٍ وقَّاد، وطبْعٍ إلى تحصيل العلوم مطاوع منقاد، يَتَمَوَّج صدره ذكاء، وقد صار محققًّا في كثير من العلوم كالتفسير، والقراءات، والفقه، والحديث، والأصول، والفروع، والمنطق، وغيرها من العلوم، وصار علمًا بارزًا وإمامًا مشهودٌ له بتفوقه في كثير من العلوم، جائِلًا في ميدان المنطوق منها والمفهوم، لا يفتر من تحصيل العلم مطالعة وكتابة، وإفادة واستفادة، ودرسًا وتدريسًا.

ثمَّ وفد إلى مدينة المنيرة في طريقه إلى السيد محمد بن علي الإدريسي – حاكم عسير والمخلاف السليماني - بصبيا وجيزان، وقد صارت لصاحب الترجمة عنده منزلة عظيمة من الإجلال والتعظيم لمكان علمه وفضله، وهو في كل عام يفد إليه فيستقبله، وينزله منزلًا كريمًا، فإذا وصل إليه يفتح الإملاء في صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو غيرهما من الكتب النافعة، فيحصل بذلك فوائد جمَّة، وربما رجع إلى بلده في أثناء الإملاء فيوقف السيِّد القراءة على المحل الذي انتهى إليه الإملاء إلى أن يصل من العام القابل. وحينما كان يرجع إلى بلده كان الحاكم يعطيهما يليق بحاله من المال، ويهديه من الكتب ما تهوى إليه نفسه.

وقد انتفع به كثير ممن يفد إلى زبيد من أصقاع اليمن التي تدين بالمذهب الشافعي، ومن خارج اليمن، غير من يقصده من زبيد نفسها ونواحيها.

ثُمَّ حجَّ في سنة ۱۳۳۹ه، واقتنی من مكة كتبًا نفيسة في الحديث، والتفسير، والفقه، والنحو، واللغة، والصرف، وأصول الدين، وأصول الفقه، وعاد إلى محله قرية التريبة، وهو لا يفتر عن الدرس والتدريس والإفتاء والمطالعة. وكان يستقبل تلاميذه ومریدیه، ويمكنهم من الإقامة في منزله وينفق عليهم.


مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

وصفه الغزي عند ترجمته بقوله:
"الشيخ، العلامة، الأوحد، البارع، الأمجد، النابغ على أقرانه، المناضل عن ذويه وبلاده بيراع بنانه، عِزُّ الهدى، ومصباح الدُّجَى، الأديب الأريب، من أخذ العلوم بوافر نصيب، الناثر، الناظم، اللسن، العالم، المتضلع، المتفنن".


وقال عنه الوشلي في نشره:
"وفد إلى مدينة زبيد لطلب العلم، ومكث مدة تزيد على أحد عشر سنة، دائبًا في طلب العلم، حتى برع في فنون شتَّى بذهنٍ وقَّاد، وطبْعٍ إلى تحصيل العلوم مطاوع منقاد، يَتَمَوَّج صدره ذكاء، وقد صار محققًّا في جميع العلوم جائِلًا في ميدان المنطوق منها والمفهوم، لا يفتر من تحصيل العلم مطالعة وكتابة، وإفادة واستفادة، ودرسًا وتدريسًا".


وقال عنه القاضي الأكوع:
"عالم محقق في الفقه والنحو والصرف، والمعاني والبيان، وعلوم الحديث".

شيوخه وتلاميذه

تتلمَذ المقرئ محمد الـمُحَنَّبِي الهِتاري على يد كبار علماء عصره، تلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، ومما وقفنا عليه منهم:

1. السيد العلامة داود بن عبدالرحمن حجر.
2. السيد العلامة عبدالله بن محمد بن أحمد البطاح.
3. العلامة علي بن محمد البطاح.
4. السيد العلامة محمد بن محمد بن حسن الأهدل.
5. الشيخ العلامة محمد بن محمد بن عمر المزجاجي.
6. الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن عثمان المحلوي الهندي.
7. السيد العلامة علي بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن.
8. السيد العلامة سليمان بن محمد بن عبدالله الأهدل
9. الشيخ العلامة حسن بن أحمد سرور الحضرمي.
10. الشيخ العلامة عبدالرحمن بن عبدالحميد سابور الهندي.
11. الشيخ يوسف بن محمد فقير.
12. الشيخ العلامة سليمان بن داود السالمي.
13. الشيخ العلامة الكبير محمد بن سالم بازي.
14. السيد العلامة محمد بن عبدالرحمن الأهدل.
15. السيد العلامة محمد بن يحي دوم الأهدل.
16. السيد العلامة محمد بن عبدالقادر الأهدل.
17. السيد العلامة أحمد زيني دحلان.


وقد اشتغل المقرئ محمد الـمُحَنَّبِي الهِتاري التدريس، وله تلاميذ كثر، من أجلهم:

1. محمد بن حيدر بن ناصر بن هادي القبي النعمي.
2. عبد الرحمن بن عبد الولي بن محمد المجاهد.
3. إسماعيل بن محمد الوشلي التهامي.
4. السيد محمد بن علي الإدريسي.
5. أحمد بن محمد نعمان.
6. أمين بن عبد الواسع نعمان.
7. أحمد بن علي بن محسن السادة الصهباني.


مؤلفاته وآثاره العلمية:

1. اللؤلؤ المنضود على جواب أسئلة وردت من قرية الرقود.
2. إيضاح المبهم في قول العلامة الجلاد خذ لي من النوعين رطلاً بدرهم.
3. رسالة في الرد على السيد سليمان بن محمد بن عبدالله الأهدل في لفظة (إناث).
4. تراجم فقهاء المدينة السبعة.
5. تحفة الإخوان في وداع رمضان.

نظمه وشعره

كان المقرئ العلامة محمد بن إسماعيل الهِتاري كثير النظم والشعر. قال عنه الوشلي: "وله شعر بليغ حسن لطيف، يبتكر القصيدة البليغة في المجلس الواحد".

وكان له من مطارحات ومناظرات ومراسلات مع أدباء عصره. من ذلك


عن الهاء إذا تلاها عاطف هل يجوز تسكينها أو تضم على الأصل

وهو ما حرَّرَه إلى العلامة محمد بن عبد القادر الأهدل يسأله عن الهاء إذا تلاها عاطف هل يجوز تسكينها أو تضم على الأصل، فقال في سؤاله:

ماذا يقول السيِّدُ المحققْ
المتَّقِي المحرِّرُ المدَقِّقْ

حَاوِي العُلا والمجدِ والمفاخرِ
محمدٌ سَلِيلُ عبد القادرِ

في الهاءِ من لفظةِ هوَ إِذا تَلَتْ
لِعَاطِفٍ هَلْ جَائِزٌ إِنْ سَكَنَتْ

أَو هِي بِالضَّمِّ عَلَى الأَصْلِ فقطْ
أَفِدْ جَوابًا مُنقِذًا مِنَ الغَلَطْ

أُيِّدَ فِي القرآنِ دونَ الغيرِ
مَا حَرَّرَ القراءُ أهلُ الخيرِ

لازِلْتَ كَشَّافًا لِكُلِّ مُشْكِلِ
وشَارِحًا لِكلِّ صَعبٍ مُعْضِلِ

فأجاب عليه العلامة المقرئ محمد بن عبد القادر الأهدل بقوله:

قَدْ نَشَرَ ابنُ الجَزَرِيْ فِي نَشْرِهِ
في هِي وهُو اختِلافهمْ بِأَسرِهِ

وحَاصِلُ الكَلامِ أَنَّهُ مَتَى
.... مِنْ هَاءِ اللفظتينِ ثَبَتَا

واوٌ أوِ الفاءُ أوِ اللامُ يُرى
فَبِسُكُونِ الهاءِ جَمْعٌ قَدْ قَرَا

نَعَمْ أَبُو عَمْروٍ وجَعْفَرٌ معًا
قالونُ عِيسى والكِسَائِيْ تَبِعَا

وَقَرَأَ البَاقُونَ بِالضَّمِّ فَمَنْ
سَكَّنَ أو ضَمَّ فَمَا أَخْطَأَ السّننْ

وَمَنْ يَرُمْ تَتِمَّةَ الإِفَادَه
يَنْهَضْ إِلى النَّشْرِ يجدْ مُرَادَهْ

لا زِلْتِ يِا مُحرِّرًا نَظْمَ السُّؤَالْ
وَاسِطَةً في عِقْدِ أَربابِ الكَمَالْ

مُقْتَنِصًا شَوَارِدَ العُلُومِ
مُسْتَخْلِصًا لِزُبَدِ الفُهُومِ

كَتَبَهُ سَلِيلُ عبدِ القَادرِ
محمدٌ فَازَ بِعفوِ غَافِرِ


سؤالٌ في همزة الوصل إذا جاورت لفظة (الــ)

ومما حرره أيضًا المقرئ العلامة محمد الـمُحَنَّبِي الهِتاري إلى العلامة محمد بن عبد القادر الأهدل سؤالٌ في همزة الوصل إذا جاورت لفظة (الــ) هل توصل أو تقطع، قال فيه:

مَاذا يقولُ تاجِ أهلِ اليمنِ
مَنْ هُوَ لِلْعُلومِ أَعْلا مُتْقِنِ

في همزةِ الوصلِ إِذا ما جاورتْ
لفظة (الــ) هل وُصِلَتْ أَمْ قُطِعَتْ

وَذَا كالاسمِ ثُمَّ الاسْتخْراجِ
لا نحوَ إكرامٍ مع الإخراجِ

فبيِّنُوا لنا بيانًا شَافِيا
على جميعِ الـمشكِلاتِ آتِيا

جَزاكَ رَبِّ الـمًلٍكُ عَنِّي خَيرا
وَأَجْزَلَ الأَجرَ لكمْ في الأُخرى

فأجاب عليه السيِّدُ محمد بن عبد القادر الأهدل بقوله:

إِنَّ الحرِيرِيَّ الإِمامَ صَرَّحَا
بالوصلِ والقطعِ أَبَا وقَبَّحَا

وعدَّهُ مِنْ جُملةِ الأَوهَامِ
بَلْ أَلزمَ الوَصْلَ وكَسْرَ اللامِ

وَقدْ أَبَانَ وَجْهَهُ في الدُّرَّهْ
والشَّارِحُ النِّحريرُ قَدْ أَقَرَّهْ

أَعْنِي الخَفَاجِي فُخذْ مَا قَالَا
فِإنَّهُ قَدْ أَوضحَ الإِشكَالَا

لا زِلْتَ في بَحرِ العُلومِ سَابِحا
وفي مَتَاجِرِ الفُهُومِ رَابِحا

كَتَبَهُ حَليفُ فَهْمٍ قَاصِرِ
محمدٌ سَليلُ عبدِ القادرِ


في ألفات الأمر عند الابتداء

ومما حرره المقرئ العلامة الهِتاري كذلك إلى العلامة محمد بن عبد القادر سؤالٌ في ألفات الأمر عند الابتداء هل تقرأ بالفتح أو الكسر أو الضم، فقال:

اسمعْ كلامًا قالهُ مَنْ ينصَحُ
واحفَظْهُ إِنْ كنتَ تريدُ تُفلِحُ

نظمتهُ في ألفاتِ الأمرِ
هلْ تبدآن بالفتحِ أو بالكسرِ

والضمّ أو فهلْ لها مِنْ أصلِ
في حالةِ القطعِ وحالِ الوصلِ

وبعدَ بسمِ الله والصلاةِ
على الرسولِ فاستمعِ وصاتِ

كلُّ رُبَاعيٍّ فمقطوعُ الألفْ
في الأمرِ مفتوحًا كأقبلْ لا تخفْ

كذاكَ في الماضي فَقِسْ وبادرِ
لكنَّها تُكسرُ في المصادرِ

والبا فَضمّها لما يُستقبلُ
فقل كذا أقبلَ زيدٌ يُقبِلُ

وانظر إلى الثالثِ في المضارعِ
من الثلاثيِّ فَعِهْ وسَارعِ

إنْ كان مضمومًا ... الأَمْرا
فالأمرُ مِنْ يَنظرْ انظُرْ شَزَرا

أو كانَ مكسورًا فقلْ في الأمرِ
اضربْ فلانًا وابتدِي بالكسرِ

وإنْ يكنْ ثالثهُ مفتوحًا
فابدأهُ بالكسرِ تكنْ فصِيحًا

تقولُ من يعلمُ عِلمًا اعْلمِ
لا تفتحنَّ خيفةَ التَّكَلُمِ

شَبِّههُ واترك كذاكَ الصَّنَمَا
خَشيت ما الفاعلُ لمْ يُسَمَّى

وكلَّ ما زادَ على الرُّباعِي
أو كانَ عِدَةً أَتَى في الدَّاعِي

ياؤهما تفتحُ في المستقبلِ
كقولهمْ يَصْلَى وزيدًا يَصْطَلِي

ألِفُ هذين معًا قد تُوصَلُ
إِنْ كان حرفًا منهما يَتَّصِلُ

فإِنْ عَدِمْتَ فابتَدِي بالكسرِ
في مصدرٍ أو مَاضِيَ أو في الأَمرِ

تقولُ منهُ اصطلِ هذا واصِلا
هذا المثالُ فاتخذهُ أَصْلا

وقِسْ عليه واحذرِ الفضيحة
فقد نصحتَ فاقبلِ النصيحة

وقُلْ مَتى تَقْرأهُ يَا ربِ
اغفِرْ لمنْ نَظَمَ كُلَّ ذَنبِ

وصَلِّ مِن بعدٍ على الرسُولِ
محمدٍ تحظى بكلِ سُولِ


الروض البسام في مدح الإمام يحيى الهمام

وله قصيدة وسمها بـ "الروض البسام في مدح الإمام يحيى الهمام" معارضًا له على قصيدته "أمانا فمن حق المتيم أن يرعى". قال في أولها:

ألا يا نسيم الأنس من جانب الجرعا
لقد همت لي وجدًا وأجريت لي دمعًا

وذكرتني سكان رامة واللوى
ومن سكنوا بالسفح من ذلك المرعى

رعى الله أيامًا قصارًا مضين لي
بتلك المعاني وهي تجمعنا جمعًا

.... إلى آخر القصيدة.


وفاته - رحمـه الله -

انتقل المقرئ محمد الـمُحَنَّبِي الهِتاري إلى جوار ربه في غرة شهر رجب سنة 1349هـ عن 57 سنة من مولده.


رحمة الله تعالى عليهم وعلينا وعلى المؤمنين..
اللهم آمين.

من مصادر الترجمة

1. نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/191-192).
2. عطية الله المجيد، الغزي (3/ 535 - 538).
3. هجر العلم ومعاقله في اليمن، الأكوع (1/255).
4. مخطوطات للمؤلف.


معجم قراء اليمن
من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر
د. جمال نعمان ياسين
 
عودة
أعلى