تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (17) المقرئ نفيس الدين العلوي (ت 825هـ).

جمال ياسين

New member
إنضم
31 يوليو 2010
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
42
الإقامة
اليمن
الموقع الالكتروني
scholar.google.com


تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (17)
د. جمال نعمان ياسين


المقرئ نفيس الدين العلوي (ت 825هـ).
- من قراء مدينة تعز -


اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

الإمام المحدث المقرئ سليمان بن إبراهيم بن عمر بن علي (بن عمر) بن محمد بن أبي بكر، أبو الربيع، نفيس الدين، العتكي، المكي، العدناني، العلوي، الزبيدي، التعزي، اليماني.

العلوي: نسبة إلى جد له يسمى علي بن راشد بن خولان بن عك بن عدنان.

العتكي: نسبة إلى العتيك بن الأزد، أحد أجداد المهلب.


ولادته وحياته العلمية

ولد الإمام نفيس الدين العلوي بمدينة زبيد يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر رجب سنة 745ه.

وروي أنه لما ولد اختلف الحاضرون في تسميته من الرجال والنساء وكان والده الإمام برهان الدين غائبًا فلما بلغه الوضع وصل إليهم فقال: سموه سليمان، ثم قال: يكون هذا عالمًا أو وارثًا لعلمي، فكان كما قال. وقد كان والده في زبيد إمام الحديث في وقته.

قرأ القراءات السبع على المقرئ ضياء الدين نسر بن عمران الزبيدي، ثم أخذ الفقه عن الفقهاء الأثبات، وروى الحديث عن الأئمة الثقات، منهم والده البرهان إبراهيم بن عمر، فكان مقرئًا، فقهيًا، محدثًا.

وحجَّ في سنة 782هـ، فأخذ عن كبار علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة، واستجاز منهم فأجازوه. وكتب إليه بالإجازات جماعة من كبار علماء الشام وغيرها.

وكان عارفًا، محققًا في فنون الحديث، وانتهت إليه الرئاسة في اليمن في علم الحديث، وكانت إليه الرحلة فيه.

وترتب محدثًا في المدرسة الصلاحية بزبيد، فأقام فيها مدة، ثم نُقِل إلى تدريس الحديث في مدينة تعز في المدرسة المجاهدية، والمدرسة الأفضلية.

واستقر في مدينة تعز، وانتشر ذكره فقصده الطلبة من أقطار اليمن، فأفادوا واستفادوا، وارتحل إليه الناس من الأماكن البعيدة، وعالم كثير لا يحصون كثرة، فأخذوا عنه، وتفقهوا به، وقرأوا عليه، وما منهم أحد إلا وتصدر لإقراء الحديث في أقطار اليمن.

وكان رحمه الله حنفي المذهب وقد يفتي بمذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه لتحقيقه المذاهب كلها، فهو عالم محقق، وفوائده التي نقلتها عنه العلماء كثيرة ولا تنحصر في مجلد.


ومن أهم المصنفات التي كان يُدَرِّسها ويجيز بها طلابه، ولا تزال كثير من أسانيدها متصلة إلى اليوم:
صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة، والأربعين في إرشاد السائرين للطائي، والسيرة لابن إسحاق تهذيب ابن هشام، ومعالم التنزيل للبغوي، والمصابيح للبغوي، وأسباب النزول للواحدي، والكشاف للزمخشري، ومقامات الحريري، وسائر تصانيف الحريري، وصحيفة علي بن موسى الرضا، وسلسلة الإبريز بالسند العزيز. وجامع الأصول لابن الأثير، وجميع مصنفات الإمام النووي، وشفاء القاضي عياض، والتهذيب في أسماء الرجال للمزي، ومختصر الذهبي، جميع مصنفات البيهقي المبسوط في الفقه، والسنن الكبرى، والمجتبى من السنن الكبرى، ومعرفة الشافعي بالسنن والآثار، وكتاب شعب الإيمان، وعلامات النبوة، والأسماء والصفات. وسنن الدارقطني، وجميع مؤلفات الدارقطني، وثلاثيات الدارمي وسننه.

قال المؤرخ البريهي:
"وكان مجلسه يجمع المبتدي والمنتهي، ويستفيد منه كل منهم ما يأمل ويشتهي، وكانت الفتاوى ترد عليه من أقطار اليمن وغيره، فيحل مشكلها، ويوضح مبهمها، قلمه يجري سريعا بنخب علومه، ولسانه تعبر بأحسن العبارات بما يشفي من منطوق كلام العلماء ومفهومه".


مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

لقد أثنى العلماء كافة من أهل الوقت على الإمام نفيس الدين العلوي، وأجمع من كان من أهل غير وقته من بعدهم على أنه لم يكن في اليمن أعلم منه في الحديث وطرقه ومعرفة رجاله.

ووصفه المؤرخ البريهي عند ترجمته بقوله:
"الإمام العلامة الحافظ قطب العلماء الراشدين ونهاية المسترشدين ولي الله والمحدث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... كان رحمه الله مالك أزمة المعارف والطرائف الحائز فضيلتي التالد والطارف أحيا به من العلوم دارسها وأعمر به معالمها ومدارسها وفك ما استعجم من الأحاديث فشرحها وأبان ما استبهم من العلوم فأوضحها فهو في العلم كوكبه المنير وصوبه العذب النمير وله في البلاغة اليد الطولى والطريقة المثلى".

وقال عنه أيضًا:
"وكانت له الرفعة العظمى عند كافة الناس، يجلونه ويحترمونه ويتبعون أمره ولا يخالفون نهيه".

وقال أيضًا:
"اعترف بفضله الموافق والمخالف، من ذلك ما رأيته مكاتبة إليه من بعض فقهاء الزيدية، بما تقر به العيون، بما لا يحتمل بسطه هذا المختصر، وكانت مجالسه مشحونة بأهل البر والتقوى والمراقبة لعالم السر والنجوى".

وترجم له الخزرجي، فكان مما قاله عنه:
"شيخ مشايخ الحدثين في عصره، وأوحد الفقهاء المجتهدين في مصره ... ولا يشك أحد من أهل العصر أنَّه أعرف أهل العصر بالحديث وفنونه، وطرقه، ومتونه، ومقطوعه، ومرسله، وموقوفه، ومسلسله، وأسانيده، ومسنداته، وغريبه، وموضوعاته، وله عدة روايات مشهورة، وإجازات مذكورة".


وترجم له السخاوي، ووصفه بقوله:
"وبرع في الحديث، وصار شيخ المحدثين ببلاد اليمن وحافظهم".

وقال عنه أيضًا:
"وسمع مني وسمعت منه، ثم لقيته في الثانية، وهو مستمر على ملازمته للحديث، قراءة ومطالعة، ونسخًا واستنساخًا ومقابلة، ووردت عليَّ مراسلاته بعد ذلك دالة على صحة مودته، ولا يزال يبلغني عنه الثناء الوافر، وأجاز لابني محمد في سنة 821هـ".


شيوخه وتلاميذه

تتلمَذ الإمام نفيس الدين العلوي على يد كبار العلماء في عصره، تلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، وكان منهم:

1. والده البرهان إبراهيم بن عمر.
2. المقرئ نسر بن عمران الزبيدي.
3. علي بن أبي بكر بن شداد.
4. محمد بن عبد الرحمن السراج.
5. القاضي مجد الدين الشيرازي.
6. محمد بن أحمد النويري.
7. الحافظ زين الدين العراقي.
8. الإمام تقي الدين الهيثمي.
9. محمد بن أحمد بن حاتم المصري.
10. إبراهيم بن أحمد الشماخي.
11. عيسى بن أحمد الشماخي.


وأجمع المؤرخون بأنَّ الإمام نفيس الدين العلوي كان مبارك التدريس، وما قرأ عليه أحد إلا انتفع به، وإليه انتهت الرحلة في علم الحديث، وقصده الطلبة من أقطار النواحي.

قال التقي بن معيبد في مرثاة له رثاه بها زيادة على ثلاثين بيتًا إلى أن قال فيها:
ويكفيه فخرا أن كل مدرس
من العلماء في قطره درسيه

وكان ممن أخذ عنه:
1. أخوه محمد بن إبراهيم العلوي.
2. أحمد بن محمد الشرجي.
3. الفقيه محمد الخياط.
4. المقرئ صالح بن محمد الدمني.
5. الإمام محمد بن إبراهيم بن الوزير.
6. محمد بن عبد الرحمن العواجي.
7. عبد الرحمن بن أبي بكر.
8. أبو بكر بن محمد بن الخياط.
9. عبد الرحمن بن أبي بكر الزوقري.
10. الإمام المهدي أحمد بن يحيى.
11. السيد الهادي بن إبراهيم.
12. السيد محمد بن إبراهيم الحافظ.
13. المقرئ بدر الدين حسن الشَّظَبِي.
14. صفي الدين أحمد بن أبي بكر البريهي.
15. محمد بن محمد بن عبد الرحمن السخاوي.
16. جمال الدين محمد بن أبي بكر البريهي.
17. الأمير شمس الدين يوسف بن غازي.


مؤلفاته وآثاره العلمية

كان اعتناء الإمام نفيس الدين العلوي بالرواية والسند، ولم يكن له اعتناء بالتأليف، ومما وقفت عليه من مؤلفاته:
1. أربعون حديثًا من مروياته سماها: الأربعين المهذبة.
2. إرشاد السالكين. كتاب في التصوف.


من كراماته رضي الله عنه

حصلت للإمام العلامة نفيس الدين العلوي كرامات، وهي أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، منها:

قال الفقيه رضي الدين أبو بكر الصديق بن محمد الوائلي: اجتمعت بالإمام نفيس الدين العلوي بمدينة تعز فسألني عن اسمي ونسبي، فأخبرته بذلك، فقال: ما وظيفتك؟ فأعلمته بوظيفتي فلم يستحسنها، فقلت: أريد أن أنعزل عنها وأتخلى للقراءة، فقال لي: عزلتك من وظيفتك كما عزلت خاتمي هذه من يدي، وأخرجه من يده، قال: فرجعت إلى بيتي وأعلموني بعزلي من والي بلدي، فلحقتني مشقة من ذلك، فرجعت إلى الإمام نفيس الدين، وشكوت عليه ضرورتي وما نالني بسبب العزل، فقال: تحب رجوع وظيفتك؟ فقلت: نعم، فقال: رددتك على وظيفتك كما رددت خاتمي هذا إلى يدي، قال: فعادت إليَّ وظيفتي وانتظم أمري.

ومن كراماته
ومن كراماته ما أخبر به بعض تلامذته، أنه كان له أرض يملكها بـ (ذي أشرق) من مدينة إب، وله أعوان يعينونه على عملها، فاتفق عليهم ظلم من بعض أعوان الأمير بدر الدين محمد بن زياد، فتشفع الإمام نفيس الدين إلى الظالم بإزالة الظلم، فلم يمتثل ولا قبل الشفاعة ولا سلموا من الظلم، فجاء بعضهم وقال له: الأمير بدر الدين لم يقبل شفاعتك، وكان الإمام نفيس الدين حينئذ بالمدرسة الأشرفية الجديدة بمدينة تعز، فأمر الدرسة بقراءة الفاتحة، ودعا على الأمير، وقطرت دمعة من عينه، فما هي إلا أيام حتى عَزَلَ السلطان ذلك الأمير من ولاية تلك البلد، وجرى عليه أمور متعبة، ولم يزل حال ذاك الأمير غير منتظم إلى أن توفي.

ومن كراماته
ومن كراماته ما أخبر به الشيخ الصالح عفيف الدين عبد القادر - من فقهاء شريج المهجم - قال: وفدت إلى مدينة تعز أنا والفقيه الصالح علي بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي حربة، ونحن لا نعرف تعز ولا فقهاءها، فدخلنا المدرسة الأشرفية الجديدة، فوجدنا شيخا مدرسًا وحوله نحو أربعين طالبًا، فقام ذلك الشيخ المدرس إلينا، فسلم علينا، وآنسنا، وأخبرنا بأسمائنا وأسماء آبائنا وبلدنا، ثم أمر بنا إلى بيته، فأضافنا ونحن لا نعرفه، فسألنا بعض تلامذته عنه، فقال لنا: هذا الإمام نفيس الدين سليمان بن إبراهيم، فسألناه عن سبب معرفته لنا، فقال: إن الإمام نفيس الدين يكاشف بعض الوافدين عليه بمثل ذلك فيعرفهم وهم لا يعرفونه.


وفاته - رحمـه الله -

انتقل الإمام المحدث المقرئ نفيس الدين العلوي إلى جوار ربه في السابع عشر من جمادى الأولى سنة 825هـ. ودفن بالأجيناد. وكان قد قارب الثمانين من عمره.

رحمة الله تعالى عليه وعلينا وعلى المؤمنين.. آمين اللهم آمين.


من مصادر الترجمة

1. طبقات صلحاء اليمن، البربهي (ص207).
2. العقد الفاخر، الخزرجي (2/982).
3. الضوء اللامع، السخاوي (3/259).
4. البدر الطالع، الأكوع (ص1/265).
5. شذرات الذهب، ابن العماد (7/170).


معجم قراء اليمن
من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر
د. جمال نعمان ياسين
 
عودة
أعلى