تقرير عن محاضرة بعنوان: التفسير والمفسرون على عهد الدولة العلوية: "نظرات في المعالم والملامح"

إنضم
17 أبريل 2013
المشاركات
108
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
طنجة

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.​


تقرير عن محاضرة بعنوان: التفسير والمفسرون على عهد الدولة العلوية: "نظرات في المعالم والملامح"​


تأطير الأستاذ الدكتور: يونس السباح


بقلم: هشام نوزري باحث بسلك الدكتوراه
نظم مركز العمران الحضاري للثقافة والعلوم محاضرة علمية ضمن سلسلة المحاضرات الشهرية، اختير لها عنوان: التفسير والمفسرون على عهد الدولة العلوية: "نظرات في المعالم والملامح، من تسيير الأستاذ هشام نوزري، الذي افتتح المحاضرة بمقدمة تمهيدية مساعدة لفهم الموضوع، حيث أشار إلى أهمية الموضوع والجهود المبذولة من الدولة العلوية في مجال التفسير والثقافة الدينية والقرآنية، وذكر أن هناك عدد كبير من المفسرين المغاربة الذين برز نجمهم في التفسير وكانوا مهتمين به غاية الاهتمام، باعتباره علما يرتبط بكتاب الله تعالى... وختم مقدمته بذكر المحاور الكبرى في سلسلة هذه اللقاءات، وهي:

أوّلا: حركة التأليف والدرس والتفسير على عهد الدولة العلوية. ثانيا: درس التفسير بالحواضر العلمية (فاس؛ مراكش؛ تطوان...) ثالثا: النزعة الإصلاحية في التفسير (وقفة مع جماعة المنار وتأثيرهم على بعض المفسرين المغاربة). رابعا: اتجاهات التفسير عند علماء المغرب على عهد الدولة العلوية. خامسا: أنماط التفسير خلال هذه المرحلة. سادسا: تنزيل الآيات على الواقع عند علماء التفسير بالمغرب على عهد الدولة العلوية.

وبعد الانتهاء من التقديم، أخذ الكلمة الأستاذ المحاضر الدكتور يونس السباح الذي بدأ محاضرته بالشكر للمركز وجميع المشرفين عليه...ثمّ شرع في الحديث عن المحور الأول، "حركة التأليف والدرس والتفسير على عهد الدولة العلوية"، حيث تحدث عن رصد شامل لهذه الحركة في عهد الدولة العلوية، باعتبارها كانت رائدة في هذا المجال، واعتنت به غاية العناية والاهتمام، ثم انتقل للحديث عن الأسباب المعيقة لحركة التفسير...

أولها: أن قراءة التفسير تؤدي إلى موت السّلطان وإصابة البلاد بالجوع والقحط، ثم الاعتماد على التفاسير المشرقية التي أضحى كثير من الباحثين يتجهون إليها، وذلك يرجع بالأساس إلى الطبيعة المغربية وتعلقها دائما بالبيئة المشرقية، حيث جعلوا من المشرق قبلة لهم باعتباره مهبط الوحي ومستقر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعملا بالقاعدة الشهيرة: ما ترك الأول للآخر والتي تغلق باب الإبداع مما جعلهم يعتمدون على أشهر كتاب في التفسير هو حاشية الجلالين، ثمّ ذَكَرَ شروط الشخصية المتصدرة للتفسير...

كما نبه –حفظه الله –إلى قضية أخرى جعلت العلماء لا يهتمون بالتفسير إطلاقا تتعلق بالرأي، لكن مع ذلك وجد أئمة كبار تعاملوا مع هذا الصنف بجدية ومكنة، فهذا الإمام الطاهر بن عاشور تعرض له في كتابه "أليس الصبح بقريب"، فكان لا بد من الوقوف على الأسس النظرية والعلمية لبيان الخلط الواقع لدى كثير من الناس حول قضية التفسير بالرأي وأنه تقوّل على الله بغير علم، وما حكاه العلماء في تقسيمهم التفسير إلى نوعين، التفسير بالمأثور، والتفسير بالرّأي، وهذا الأخير ينقسم إلى الرأي المحمود والمذموم، ولذلك فإنّ العلماء حتى لا يقعوا في المحظور أغلقوا هذا الباب لأنه يؤدي إلى الكفر، وأقوالهم كثيرة متعددة، ومن اعتمادهم في ذلك ما قاله أبو بكر الصديق: "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم"، وذلك بقصد الاحتياط الواجب في الدين.

السبب الثاني: أنهم كانوا يقولون بهذا الأمر حتى لا تقع العامة في الخطأ، لأنه هذا العلم مقصور على الفقهاء والعلماء ولا يمكن لأي شخص أن يتخذه مهيعا يقول فيه ما شاء، لأنه إذا فتح هذا الباب أمام عامة الناس فإنه موجب لمظنة الوقوع في الخطأ والغلط والقول على الله بغير حق، لذلك

السبب الثالث: الضعف العام في اللغة والبلاغة، ذلك أن القرآن الكريم هو دستور الدساتير، ولا يوجد شيء يضاهيه، لأن الله تحدى به أكابر قريش فقال سبحانه: (أم يقولن افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات) سورة هود، الآية، 13. فكانت البلاغة هي معجزته الخالدة التي لا امتراء فيها، على اعتبار أن اللغة العربية حمالة الأوجه، ولذلك فإن هؤلاء العلماء اكتفوا بما كتبه الزجاج والفارسي والزمخشري في مفردات القرآن والتناسب وأسرار البلاغة...

السبب الرابع: يرجع إلى ضعف في العلوم المتصلة بالقرآن والمساعدة له، لأنه لا يمكن للمفسر إطلاقا التصدر لتفسير كتاب الله وهو غير متقن للعوم الأخرى، علما بأن الله تعالى قال: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، ففيه من العلوم الطبية والرياضيات والهندسة ما يعد كثرة...فمن يفسر القرآن بهذه العلوم ويفهما، فلذلك كانوا يرن هذا الأمر من المعيقات التي تؤدي بهم إلى الخروج عن التسفير إلى أشياء أخرى، فيرون أن العالم ينساق في الأمر ومراد الآية غير ذلك، فكل هذا جعلهم يتخوفون من الخوض في التفسير، شأن الإمام اليوسي –رحمه الله- فإذا رجعنا إلى أجوبته التي وردت عليه سؤال أحدهم، من يقدم على تفسير كتاب الله وهو لا يتقن علوم الآلة، ونستحضر في هذا الباب كتاب التفسير للزمخشري الذي تناول فيه جانب اللغة، وهو القائل:

إن التفاسير في الدنيا بلا عدد== وليس فيها لعـــمري مثــل كشـافي

إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته== فالجهل كالداء والكشاف كالشافي

ثم انتقل الأستاذ المحاضر إلى قضية أساسية تتعلق بالشروط الواجب توفرها في المفسر، حيث ذكر أنّ السيوطي في الإتقان أورد نحوا من خمسة عشر شرطا للمفسّر، كالعلم باللغة من نحو وصرف وبلاغة، وأصول الفقه والتوحيد وأسباب النزول إلى غير ذلك...والزركشي قبله، وغيرهما ممن تحدثوا في علوم القرآن، هؤلاء كلهم تحدثوا عن الشخصية المتصدرة للتفسير، فهذه الشروط مجملة جعلت الأمر صعبا أمام من تكلف بتفسير كتاب الله، فكانت هذه الشروط ممهدة للقضية الأولى الدائرة حول غلق باب الاجتهاد وأن القرآن فسر من قِبَل المتقدمين فحسبه أن يعتمد عليهم ويرجع إليهم.

ثم انتقل الأستاذ إلى قضية محورية في الموضوع، عنونها بضبط حركة التفسير، ويتعلق الأمر بصدور بعض الظهائر السلطانية التي تنظمها، فكان السلطان يصدر ظهيرا يتناول المفسر فيه كذا ويمنع كذا...لئلا يكون تفسير القرآن وما يتعلق به من أحكام عبثا بين الناس، وإنما المفسر لكتاب الله ينبغي أن يكون عالما متمكنا من مختلف العلوم والفنون.

ثم من الأمور المتعلقة بهذا الأمر هو امتحان العلماء الذين تصدروا للتفسير، فهناك من اقتحم العقبة وتصدر للتفسير وأحس من نفسه القدرة والمكنة على الخوض في هذا العلم، فكانت عاقبته مخالفته لما ظن أنه سيفلح فيه، كالإمام أبي الحسن اليوسي الذي جمع بين مختلف العلوم الفنون باعتباره درس في الزاوية الدّلائية، وتصدر للإقراء بها سنين طويلة، ثم بعد حادثة مشهورة انتقل إلى فاس وصار يدرس التفسير بجامع القرويين، فوقعت له خصومة مع أهل فاس تتعلق بالسّحر، فكانت كلما ارتقى كرسي التفسير أحس بصداع في رأسه، فأوعز إلى من يسرد التفسير، وقد انطلق من قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا...) والشاهد "مثله كمثل الكلب..." فتفطن –رحمه الله- للمسألة، وبدأ يشرح المسألة شرحا عجيبا فذكر محاسن الكلاب...ثم قال لهم، من صفاتهم الحميدة ...ومن صفاتهم الذميمة أنهم ينبحون أضيافهم كفعلكم يا أهل فاس، وعلى إثر هذه القضية خرج من فاس إلى تطوان والتقى هاك ببعض العلماء، ومنها على مراكش، واستقر أخيرا ببادية فاس (صفرو) فكانت هذه الحادثة من الدلالات على امتحان العلماء من لدن الناس.

ثم عزز الأستاذ هذه القضية بكثير من الشواهد فذكر شخصية العالم الكبير قائد تطوان عمر لوقش الأموي، الذي ادعى أنه ثالث العمرين، فأسر بعد ذلك في مكناس، وقد عهد إليه تدريس التفسير الجامع الكبير بالمدينة المذكورة، فانكب عليه الطلبة من كل حدب وصوب، فوصل الأمر إلى بعض الحسدة الذين حاولوا فصله بطلب من السلطان...وكذلك شخصية محمد الصغير الأفراني الذي درس بفاس وعاد إلى مراكش لتدريس التفسير، لكن مع ذلك عارضه كثير من الطلبة ورموه بالزندقة والجهل لأنه لا يستجمع على شروط المفسر، وأن التفسير مظنة الغلط وتقول على الله، فرفعوا أمره إلى السلطان، وقالوا، متى قرأ التفسير يموت السلطان، وأصيبت البلاد بالقحط والجوع، وهكذا كثير من الشبهات التي لحقت بعدد كبير من العلماء الذين تصدروا لتدريس التفسير على عهد الدولة العلوية...

وختم اللقاء بفتح باب الأسئلة من الحضور، حيث تم الإجابة عليها من لدن الأستاذ المحاضر...

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

 
عودة
أعلى