(رحلة إلى بلاد الأشواق)في ضوء الكتاب والسنة/ د.خالد الشايع، تابعوا السلسلة -لأول مره مفرغة

إنضم
30 ديسمبر 2009
المشاركات
181
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
هذا البرنامج المبارك كان بثه في رمضان 1431 (30حلقة) في اذاعة القرآن الكريم- السعودية.
عن الجنة ونعيمها ووصفها، ووصف أهلها ولباسهم وحسنهم، وأبوابها، وقصورها وأنهارها وترابها ،وتنعم أهلها ، والفرح الكبير بلقاء ربهم والتمتع برؤيته، والسعادة برضاه عنهم ، واجتماعهم بأهلهم وأحبابهم وأصحابهم ،وطعامهم وشرابهم وأوانيهم التي تدور عليهم عن طريق خدمهم ، وصفاء قلوبهم ، وكلامهم وسلامهم وتسبيحهم، وأسواقهم ، وجناتهم ، وتزايد نعيمهم ، وتجدّده لهم،وعدم تكدرهم بترك نعيمهم أو زواله بخلودهم الدائم مما يزيد في فرحهم وسعادتهم،
وسبحان الله -كان البرنامج يبث في الوقت المناسب قبيل المغرب- تذكرة له وشوقاّ وطلباَ ، فهو صائماً في أشد أوقات الضعف والافتقار ودعاءً الي ربه -جل وعلا-أن ينجيه من عذاب النار، و يجعله من أهل تلك الدار والمستقر الدائم لعباد الرحمن ويظفر بهذا النعيم الذي لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر علي قلب بشر فكيف إن كان نعيما دائما وخلود بلا موت ، فلن تكون عبادات العبد -من صلاة وصيام..الخ- طوال حياته إلا سبباً في دخولها ، فالنعيم لايتصور فهي (نزلاّ من غفورٍ رحيمٍ) غفور يتجاوز التقصير ويرحم ويجازي بالكثير وهذه رحمته عز وجل.

والشيخ- حفظه الله- وبارك فيه ،اجتهد في جمعه واستدلالته في وصف الحنة ونعيمها من المصادر الأصلية من القرآن الكريم والسنة النبيوية فهي ليست جمعاً من كتب تحدثت فيي هذا المجال، وهذا ماجعل تلك الحلقات سبباً في نجاحها و التشوق للاستماع اليها ، والمسارعة في الحرص لتفريغها ، فهي يشرح وصف الجنة ومافيها ،في- ضوء الكتاب والسنة.
ومن فضل الله أن الحلقات كانت تنزل تباعاً في شهر رمضان الماضي بموقع البث الاسلامي، لمن أراد الاستماع اليها- مدة الحلقة ( 10 دقائق)
والحمدلله سيتم وضع تفريغات الحلقات تباعاً بإذن الله ، لينتفع بها المسلم ،من دعاة وغيرهم، ومن يدعو غير المسلمين للإسلام فهي خير محفز بعد توحيد الله تعالي.
 
الحلقة الأولي

الحلقة الأولي

نبذة من الحلقة الأولي
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 1 "
فضيلة الشيخ :د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نُزُلا.. ويسّرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها .. فلم يتخذوا سواها شُغُلا .. والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رُسُلا .. وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .. إذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سُدى ولم يغفلهم هملا , بل خلقهم لأمر عظيم .. وهيأهم لخطب ٍجسيم .. وعمّر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغي سوى ربه الكريم بدلا .. وهذه لمن لم يجب دعوته , ولم يرفع بها رأسا ًولم يعلق بها أملا ..
وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله وأمينه على وحييه , وخيرته من خلقه , أرسله رحمة ًللعالمين , وقدوة ًللعاملين , ومحجة ًللسالكين , وحجة ًعلى العباد أجمعين .. بعثه للإيمان مناديا , وللخليقة هاديا , وإلى دار السلام داعيا ...
أما بعــــــــــد...
فيشرّفني أن أستعرض وإياكم جوانب من دار كرامة الله تعالى التي أعدّها لعباده المؤمنين , فهذا البرنامج جل المقصود منه إشارة أهل السنة لما أعدَّ الله لهم في الجنة , فإنهم مستحقون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة , ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة , وهم أولياء الرسول وحزبه ومن خرج عن سنته فهم أعداءه وحربه , لا تأخذهم في نصرة سنته عليه الصلاة والسلام ملامة اللوّام , ولا يتركون ما صح عنها لقول أحد من الأنام ..
والسنة أجلّ في صدورهم من أن يقدّموا عليها رأيا ًفقهيا ..أو بحثا ًجدليا .. أو خيالا ًصوفيا .. أو تناقضا ًكلاميا .. أو قياسا ًفلسفيا .. أو حكما ًسياسيا .. فمن قدّم عليها شيئا ً من ذلك فباب الصواب عليه مسدود .. وهو عن طريق الرشاد مسدود..
أيها الأخوة في الله ..
إنّ جنات النعيم التي أعدّ الله تعالى لعباده مما ينبغي أن يجتهد العبد في معرفتها ومعرفة الطريق الموصل إليها .. وهذا ما سأستعرضه وإياكم في حلقات هذا البرنامج الذي أسأل الله تعالى أن يجعله مبـــــــــاركا ..
ويحسن في بادئ هذه الحلقات أن نوضح ما درج عليه المؤلفون في هذا الباب , كما صنع العلامة ابن القيم رحمه الله وغيره من التقدمة لوصف الجنة ببعض المقدمات , ومن ذلك أن الجنة موجودة مخلوقة الأن , وفي هذا يقول العلامة ابن القيم :{ لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة ًوفقهاء الإسلام على اعتقاد ذلك وإثباته , مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة , وما عُلم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم , فإنهم دعو الأمم إليها وأخبروا بها , إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون مخلوقة الأن , وقالوا : بل الله ينشئها يوم المعاد , وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله , وأنه ينبغي له أن يفعل كذا , ولا ينبغي له أن يفعل كذا , وقاسوه على خلقه في أفعالهم , فهم مشبّهة ٌفي الأفعال ودخل التجهّم فيهم ,فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات , وقالوا : خلق الجنة قبل الجزاء عبث , فإنها تصير معطلة ممددا ً متطاولة ليس فيها سكانها .
فحجّروا على الرب تبارك وتعالى بعقولهم الفاسدة , وآراءهم الباطلة , وشبّهوا أفعاله بأفعالهم , وردّوا من النصوص ما خالفوا هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب , أو حرّفوها عن مواضعها , وظننّوا وبدّعوا من خالفهم فيها , والتزموا فيها لوازم , واضحكوا عليهم فيها العقلاء ..
ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان , ويذكر من صنّف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة والحديث قاطبة ًلا يختلفون فيها ..} .
ثم قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا السياق مقررا ً وجود الجنة وخلقها , والمقصود حكايته عن جميع أهل السنة والحديث أن الجنة والنار مخلوقتان , وقد دل على ذلك من القرءان قول الله تعالى (( ولقد رآه نزلة ً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى )) , وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها الجنة كما في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه في قصة الإسراء وفي آخره :{... ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى , فغشيها ألوان لا أدري ما هي . قال : ثم دخلت الجنة , فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ , وإذا ترابها المسك }جنابذ اللؤلؤ ما يشبه القباب , لان بيوت الجنة على هيئة البيوت المقببة وكلها من اللؤلؤ ..
وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ إنّ أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة , وإن كان من أهل النار فمن أهل النار .. فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة .} .
وثبت في المسند والمستدرك للحاكم وصححه ابن حبّان من حديث البراء ابن عازب قال :{ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ...فذكر الحديث بطوله وفيه : فينادي مناد ٍمن السماء أن صدق عبدي ,فأ فرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة ,وافتحوا له بابا ًإلى الجنة ,قال : فيأتيه من روحها وطيبها ...وذكر الحديث }.
وثبت في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا وضع في القبر , وتولّى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم , قال : فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقولان له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا ًمن الجنة . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا }.
وجاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت :{ خُسِفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكرت الحديث إلى أن قالت : ثم قام فخطب الناس , فأثنى على الله بما هو أهله , ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة ..وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت في مقامي هذا كل شيء وعِدته , حتى لقد رأيتني آخذ قطفا ًمن الجنة حين رأيتموني أُقدّم , ولقد رأيت جهنّم يحطم بعضها بعضا ًحينما رأيتموني تأخّرت .. }.
وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر في هذه القصة , قال عليه الصلاة والسلام :{ عُرض عليا كل شيء تولجونه , فعرضت عليا الجنة حتى تناولت منها قطفا , فقصرت يدي عنه , وعُرضت عليا النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها ....وذكر الحديث } .
وجاء أيضا ًفي الموطّئ والسنن من حديث كعب ابن مالك رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة } وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ..
كامل الدرس في المرفقات**
 
الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق "2"
فضيلة الشيخ/د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد الله رب العالمين .. صلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعـــــــــــــد ....
لازلت أوطئ بعون الله تعالى للحديث عن الجنة ونعيمها , بذكر شيء مما يتعلق بها من المسائل الكلية , وكنت قد بحثت من قبل بمسألة وهي أن الجنة مخلوقة وموجودة الأن , وفي هذه الحلقة أذكر مسألة ثانية وهي مكـــــان الجنة .. وأين هي .. إضافة إلى بيان سعة الجنة وعظمها ..
في هذه المسألة "مكان الجنة وأين هي " توقف عن الجذب فيها عدد من أهل العلم لعدم صراحة الأدلة لديهم في تجليتها , وقد بحث العلامة ابن القيم رحمه الله ونص على أن الجنة في غاية العلو والارتفاع , ومن كلامه في ذلك :{ قال الله تعالى (( ولقد رآه نزلة ًأخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى )) وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء , وسميت بذلك لأنها ينتهي إليها ما ينزل من عند الله جلّ وعلا فيُقبض منها , وما يصعد إليه فيُقبض منها , قال الله تعالى (( وفي السماء رزقكم وما توعدون )) وقد فسّر بعض أهل العلم قوله تعالى (وفي السماء رزقكم ) بأنه المطر , وقوله ( وما توعدون ) بأنه الجنة . وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ إنّ في الجنة مئة درجة .. ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض .. أعدّها الله للمجاهدين في سبيله ] قال : وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع ..
ثم قال العلامة ابن القيم :{ والجنة مقببة ..أعلاها أوسعها .. ووسطها هو الفردوس وسقف العرش , كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إذا سألتم الله فسألوه الفردوس , فإنه وسط الجنة وأهل الجنة وفوقه عرش الرحمن , ومنه تُفجّر أنهار الجنة }.. رواه البخاري والله أعلم .
والمسألة الثانية هي أن الجنة في سعتها وعظمها فوق ما يتصوّره المرء أو يخطر في خياله , ومن الأدلة على ذلك قول الحق تبارك وتعالى (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين )) ..
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :{ قد قيل أن معنى قوله تعالى (عرضها السماوات والأرض ) تنبيه عن اتساع طولها , كما قال في صفة فرش الجنة ( بطائنها من إستبرق ) أي فما ظنّك في الظهائر, وقيل بل عرضها كطولها لأنها قبــــــة تحــت العـرش , والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله ..
وقد دلّ على ذلك ما ثبت في الصحيح : { إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس , فإنه أعلى الجنة , وأوسط الجنة , ومنه تُفجّر أنهار الجنة , وسقفها عرش الرحمن } وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد (( وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض )) .
وثبت في المسند أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم { إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سبحان الله !! فأين الليل إذا جاء النهار ؟!! }قال ابن كثير إسناده لا بأس به ..ثم قال : وهذا يحتمل معنيين , أحدهما أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدة مالليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه , وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل ..
الثانية : أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشّى وجه العالم من هذا الجانب , فإن الليل يكون من الجانب الآخر , فكذلك الجنة في أعلى عليين , فوق السماوات تحت العرش , وعرضها كما قال الله عز وجل كعرض السماء والأرض ..
والنار في أسفل سافلين .. فلا تنافي بين كونها كعرض السماء والأرض وبين وجود النار.. انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن كثير , وقد رجح رحمه الله المعنى الأول .
*تكملة تفريغ الحلقة في المرفقات
* للاستماع للحلقة
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79606
 
الحلقة (3) : "بيان أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها "

الحلقة (3) : "بيان أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها "

[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم [/FONT]
[FONT=&quot]رحلة إلى بلاد الأشواق "3"[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]فضيلة الشيخ :د. خالد بن عبد الرحمن الشايع[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]الحمد الله رب العالمين .. الرحمن الرحيم .. مالك يوم الدين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. [/FONT]
[FONT=&quot]أما بـــــــــــعـد ...[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]

[FONT=&quot]مرحبا ًبكم أيها الأحبة الكرام .. في هذه الحلقة الجديدة في رحلتي وإياكم إلى بلاد الأشواق ..[/FONT]
[FONT=&quot]في هذه الحلقة ..أواصل التمهيد للبدء في وصف الجنة .. وكنت قد ذكرت في حلقات ماضية , ما يتعلق بأن الجنة مخلوقة وموجودة الأن , وأن جاء الحديث عن مكان الجنة وأين هي وجاء الحديث عن بيان سعة الجنة وعظم خلقها ..[/FONT]
[FONT=&quot]في هذه الحلقة نُفصّل الحديث في مسألة أخرى وهي : [/FONT][FONT=&quot]"بيان أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها "..[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]هذه المسألة بحثها العلامة ابن القيم رحمه الله , مفصّلة في كتابه [/FONT][FONT=&quot]"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح "[/FONT][FONT=&quot] ومنه ألخص ذلك وهو مرجع أصيل في وصف الجنة كما نبهّت من قبل ..[/FONT]
[FONT=&quot]يقول رحمه الله [/FONT][FONT=&quot]:{[/FONT][FONT=&quot] ولها عدّة أسماء باعتبار صفاتها ومسمّاها واحد باعتبار الذات , فهي مترادفة من هذا الوجه , وتختلف باعتبار الصفات , فهي متباينة من هذا الوجه .. وهكذا أسماء الرب تبارك وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسوله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار ..[/FONT]
[FONT=&quot]أما الاســـم الأول في جنات النعيم :[/FONT]
[FONT=&quot] " الجنـــــّـــــة " [/FONT]
[FONT=&quot]فهو الاسم العام المتناول لتلك الدار , وما اشتملت عليه من أنواع النعيم , واللذة والبهجة والسرور وقُرّة الأعين ,[/FONT]
[FONT=&quot]وأصل اشتقاق هذه النقوة من الستر والتغطية , ومنه الجنين لاستتاره عن العيون , والمِجَن لستره ووقايته الوجه , والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه , ومنه سمي البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه .[/FONT]
[FONT=&quot]الاسـم الثــــــــاني : [/FONT]
[FONT=&quot] "دار الســــــــــــلام "[/FONT]
[FONT=&quot]وقد سمّاها الله بهذا الاسم بقوله سبحانه [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لَهُم دارُ السلامِ عندَ رَبّهِم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] وفي قوله [/FONT][FONT=&quot](( [/FONT][FONT=&quot]واللهُ يَدعُو إلى دارِ السّلامِ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] وهي أحق بهذا الاسم , فإنها دار السلام من كل بليّة وآفة ومكروه , وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلّمها وسلّم أهلها . [/FONT]
[FONT=&quot]الاســم الثــــــــــــالث :[/FONT]
[FONT=&quot] " دار الخلــــــــــــد "[/FONT]
[FONT=&quot]وسميت بذلك لأن أهلها لا يضعنون عنها أبداً ولا ينتقلون , قال الله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ومَا هم مِنهَا بِمُخرجِين[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot])) [/FONT][FONT=&quot]وقال سبحانه [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أكُلُهَا دَائِمٌ وظِلُهَا[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]
[FONT=&quot]الاســـم الرابــــــــع :[/FONT]
[FONT=&quot] " دار المقامــــــــــــة "[/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى حكايةً عن أهلها [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وقالوا الحمد للهِ الذي أذهبَ عَنا الحَزنَ إنّ رَبنا لغفورٌ شكور الذي أحلّنا دارَ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]المُقامةِ من فضلهِ لا يمسُّنا فِيها نَصَبٌ ولا يمسّنا فِيها لُغُوب[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]
[FONT=&quot]الاســــــــــم الخامـــــــــــــس :[/FONT]
[FONT=&quot] " جنّــــــــــــة المأوى "[/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]عِندها جنّةُ المَأوى[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot])) [/FONT][FONT=&quot]وقال سبحانه [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وأمَّا مَن خافَ مقامَ ربّهِ ونَهَىَ النّفسَ عنِ الهَوى فَإنَّ الجنّةَ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هِيَ المَأوى[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به .[/FONT]
[FONT=&quot]الاســم الســــــــــادس :[/FONT]
[FONT=&quot] " جنّــــــــــات عــــــــــدن "[/FONT][FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى[/FONT][FONT=&quot] (([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]جناتُ عَدْنٍ التي وعَدَ الرحمنُ عبادهُ بالغيبِ[/FONT][FONT=&quot] ))[/FONT][FONT=&quot] والاشتقاق من عدن من عَدَنَ بمعنى أقام ولم يبرح. [/FONT]
[FONT=&quot]الاســـــــم الســــــــابع :[/FONT]
[FONT=&quot] " دار الحيــــــــــــوان "[/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى[/FONT][FONT=&quot] (([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وإنَّ الدارَ الآخرةَ لهيَ الحيوان[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] والحيوان بمعنى الحيـــــــــاة الدائمة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء , بل هي مستمرة أبد الآباد .[/FONT]
[FONT=&quot]الاســـــــــــــم الثــــــــــــامن :[/FONT]
[FONT=&quot] " الفــــــــردوس " [/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى[/FONT][FONT=&quot] (([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أولائكَ هُمُ الوارِثُون اللذينَ يرثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خالِدُون[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] وأصل الفردوس البستان , قالوا [/FONT][FONT=&quot]:[/FONT][FONT=&quot] وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين . [/FONT]
[FONT=&quot]الاســــــم التــــــــــاسع : [/FONT]
[FONT=&quot] " جنّـــــــــــــات النعـــــــــــيم "[/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إنَّ اللذينَ آمَنوا وعَمِلُوا الصَالِحَات لَهُم جنّاتُ النّعِيم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] وهذا أيضاً اسم جامع لجميع الجنات , وذلك لما تضمنته من الأنواع التي يُتنعّم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور , ومن الرائحة الطيبة والمنظر البهيج , والمساكن الواسعة , وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن . [/FONT]
[FONT=&quot]الاســـــــــم العاشـــــــــــر :[/FONT]
[FONT=&quot] " المقام الأمـــــــــــــين " [/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إنَّ المتّقينَ في مقامٍ أمين في جناتٍ وعيون[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot])) [/FONT][FONT=&quot]والمقام موضع الإقامة , والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه , وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها , فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص , وأهله آمنون فيه من الخروج والنقص والنكد . وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إنَّ المُتّقينَ في مقامٍ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أمين[/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] وفي قوله تعالى [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يدعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنين[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام , فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ولا مضرّتها . وجمع لهم أيضاً أمن الخروج منها فلا يخافون ذلك , وأمن الموت فلا يخافون فيها موتــــــــا ..[/FONT]
[FONT=&quot]الاســـــــــــم الحادي عشـــــــر والثـــــــاني عشـــــــر :[/FONT]
[FONT=&quot] " مقعـــــــد الصــــــــدق وقـــــــدم الصــــــدق " [/FONT]
[FONT=&quot]قال الله تعالى[/FONT][FONT=&quot] (([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إنَّ المُتّقينَ في جنّاتٍ ونَهر في مَقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر[/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] فسمّى الجنّة مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها , كما يقال مودّة صادقة إذا كانت ثابتةً تامّة . قال ابن كثير رحمه الله [/FONT][FONT=&quot]:{[/FONT][FONT=&quot] في مقعد صدق أي في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه [/FONT][FONT=&quot]}[/FONT][FONT=&quot]. قال ابن القيم [/FONT][FONT=&quot]:{[/FONT][FONT=&quot] ومنه قدم الصدق ولسان الصدق ومدخل الصدق ومخرج الصدق , وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يُرغب فيه إفلات الكذب الباطل الذي لا شيء تحته ولا يتضمن أمراً ثابتا [/FONT][FONT=&quot]} [/FONT][FONT=&quot], وفسّر قول ( قدم صدق ) بالجنة , وفُسّر بالأعمال الصالحة التي تُنال بها الجنة , وفُسّر بالسابقة التي سبقت لهم من الله , وفُسّر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك ..هذا التفسير بقوله سبحانه [/FONT][FONT=&quot](([/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وبشّرِ اللذينَ آمنوا أنّ لَهم قدمَ صدقٍ عند ربّهِم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]))[/FONT][FONT=&quot] , قال ابن القيم[/FONT][FONT=&quot] :{[/FONT][FONT=&quot]والتحقيق أن الجميع حق , فإنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدّرها لهم على يدي رسوله وادّخر لهم جزاءها يوم لقاءه [/FONT][FONT=&quot]}[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد .. أيها الكرام .. فتلك جملة من أسماء الجنة , ومن المعلوم أن كثرة الأسماء للشيء تدل على شرفه وعظيم شأنه .. وفي تلك الأسماء ما يُشوّق النفوس إلى نيل الجنة ويجعلك تعمل على دخولها ..[/FONT]
******************************************************************************************
[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]** الحلقة في المرفقات**[/FONT]
[FONT=&quot]للاستماع لتلك للحلقة المباركة :[/FONT]
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79721
 
الحلقة(4) :" أبواب الجنة "

الحلقة(4) :" أبواب الجنة "

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 4 "
فضيلة الشيخ/د.خالد بن عبد الرحمن الشايع
أحمد الله تعالى .. وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعــــــــــد ...
لازلت وإياكم أيها الإخوة في الله في هذه الرحلة الكريمة ..إلى بلاد الأشواق .. أسأل الله تعالى أن يجمعنا جميعا ًفي رحابها ..
تقدّم الحديث عن عظمة هذه الدار الكريمة , وما أعدّ الله تعالى ووعد فيها من الخيرات , هذه الدار العظيمة فيها ولها أبــــــــــــواب , جاء وصفها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام , جاءت الإشارة إلى جملة الأبـواب في القرءان الكريم وبيّنت السنة المطهرة عــــدد تلك الأبـــواب ..
وفي هذا يقول الرب سبحانه وتعالى (( وسِيقَ اللذينَ اتقَوا رَبَّهُم إلى الجنّةِ زُمرَا حتى إذا جَاءُوهَا وفُتِحَت أبوابُها وقالَ لَهُم خَزَنَتهَا سلامٌ عَليكُم طبتم فادخُلوهَا خَالِدين )) وها هنا بحث لأهل العلم فيما يتعلق بالواو (وفتحت أبوابها) والصحيح أن الجواب محذوف , وقوله سبحانه (وفتحت أبوابها ) عطف على قوله ( جاءوها ) .
قال المبرّد :{ وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم } , بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة ,وذكره في آية أهل النار ؟! ويقال هذا أبلغ في الموضعين , كما يقول العلامة ابن القيم :{ فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة , حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففاجأهم العذاب بغتة .. أما الجنّة فإنها دار الله تعالى ودار كرامته , ومحل خواصّه وأولياءه , فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيذهبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم , ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله ,فكلهم يتأخر عن ذلك , حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول : { أنا لها } فيأتي إلى تحت العرش , ويخرّ ساجدا ًلربه , فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه , وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها , فيُشفّعه ويفتحها تعظيما ًلخطرها وإظهارا ًلمنزلة رسوله وكرامته عليه ..
وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين , إنما يُدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها , وما ركبه من الأطباق طبقا ًبعد طبق , وقاساه من الشدائد شدّة ًبعد شدّة , حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبياءه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم , وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور , مما يُقدر عليه بخلاف ذلك .
ولئن لا يتوهم الجاهل إنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء , فجنة الله عالية غالية , بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به , فما بمن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني , ولهذه الدار فليعد عنها إلى ما هو أولى به و قد خُلق له وهُيئَ له } كما يقول ابن القيم رحمه الله ..
وتأمل ما في فوت الفريقين إلى الدارين زمرا ًمن فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدا , مشتركين في عمل , متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم , مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير , كذلك يؤنس بعضهم بعضا , ويفرح بعضهم ببعض .
وقال خزنة الجنة لأهلها ( سلام عليكم ) فبدءوهم بالسلام المتضمّن للسلامة من كل شر ومكروه , أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ,ثم قالوا لهم ( طبتم فادخلوها خالدين ) أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله تعالى حرمها إلا على الطيبين , فبشّروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود .
وتأمل قوله سبحانه (( جنّات ِ عدنٍ مفتحةً لهمُ الأبواب متكئينَ فيهَا يدعونَ فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشراب )) كيف تجد تحته معنا ًبديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تُغلق عليهم أبوابها , بل تبقى مفتّحة ًكما هي ..
وأيضا ًفإن تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرّفهم وذهابهم وإيابهم وتبوءهم من الجنة حيث شاءوا , ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم , ودخول ما يسرّهم عليهم كل وقت . وأيضا ًإشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب , كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا ..
وقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان بعدد تلك الأبواب , ففي الصحيحين من حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ في الجنة ثمانية أبواب , باب منها يُسمّى الريّان لا يدخله إلا الصائمون }, وثبت في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلّغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله إلا فُتّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء }زاد الترمذي بعد التشهد { اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين } وسنده جيد ..
وجاء أيضا ًعن رتبة ابن عبد السلمي رضي الله عنه أنه قال :{ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم متوفى له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحلم ( لم يدركوا ولم يبلغوا التكليف ) إلا تلقّوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل } رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما وحسنه العلامة الألباني رحمه الله ..
وجاء في الصحيحين أيضا ًما يبيّن عدد أبواب الجنة , والأعمال التي يُدخل بها , ففي الحديثين المتقدمين إشارة إلى أن هذا الذكر بعد الوضوء[ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله , اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ] أنه سبب لتفتيح أبواب الجنة ودخولها بإذن الله , وكذلك أيضا ًمن صبر على وفاة أولاده وذهابهم وقد ماتوا وهم صغارا ً, أن الله تعالى يجعلهم يتلقونه عند أبواب الجنة ..
أيضا ًجاء في الحديث الآتي ما يبين شيء من الأعمال , ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيل الله , دُعِيَ من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير , فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة , ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد , ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة , ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريّان ..فقال أبوبكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله , ما أنا من دعي من تلك الأبواب من ضرورة , فهل يُدعا أحد من تلك الأبواب كلها ؟؟ فقال : نعـــــــــــم , وأرجو أن تكون منهم } ....
*الدرس في المرفقات
* للاستماع لتلك الحلقة المباركة:
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79784
 
الحلقة(5) : " سعــــــــة أبــواب الجـــــنّة "

الحلقة(5) : " سعــــــــة أبــواب الجـــــنّة "

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 5 "
فضيلة الشيخ : د.خالد بن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعـــــــــد ...
نواصل أيها الإخوة سياق رحلتنا إلى بلاد الأشواق .. نطوف في أرجاءها من خلال ما جاء من دلالات في كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ..
في هذه الحلقة سيكون الحديث عن " سعــــــــة أبــواب الجـــــنّة " , غير أنه قبل البدء فيها وددت التوقف عند حديث مرّ معنا في حلقة ماضية و فيه عدد من الفوائد , وله صلة بأبواب الجنة ..
فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين من شيء ٍمن الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خيـــــر , فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة , ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد , ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة , ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريّان . فقال أبوبكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ..ما أنا من دعي من تلك الأبواب من ضرورة , فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟؟ فقال : نعـم , وأرجو أن تكون منهم}.
هذا الحديث العظيم فيه عدد من الدلالات والفوائد التي يحسن التوقف عندها بعون الله تعالى , فمن ذلك أن هذا الحديث قد وضّح أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل , وقد جاء هذا صريحا ًمن وجه آخر كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل }رواه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح .
وفي تعداد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأبواب الجنة حين قال : من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ...إلى آخره , إنما ذُكر هنا أربعة أبواب من أبواب الجنة , وقد تقدّم معنا أن أبواب الجنة ثمانية , وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك , وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس..رواه أحمد عن الحسن مرسلا حيث قال :{ إن لله بابا ً (يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحسن مرسلا ً) إنّ لله بابا ً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة }..
ومن الأبـــــــــــواب :
البـــاب الأيمـــن وهو بــاب المتــــــوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب .
وأما الثــــالث فلعلّه بـــاب الذكــــــر , قد جاء عند الترمذي ما يومئ إليه , ويحتمل أن يكون بـــاب العـــلم , والله أعلم ..
ويُحتمل أن يكون المراد بهذه الأبواب التي يدعى منها هي أبواب في الجنة تُعدّ هي الأبواب العظمى والأبواب الكبرى , ومن دونها أبواب أخر أصغر منها , ذلك أن الأعمال الصالحة أكثر عددا ًمن ثمانية ..
وفي حديث أبي بكر هذا لما سأل (هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ) إشعار بقلّة من يدعى من تلك الأبواب كلها , وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة كالصلاة والصدقات والصيام والحج ، فيراد بها ما يتطوع به لا واجباتها ، وذلك لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات . ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه ، والله أعلم..
وفي هذا الحديث أيضًا أن من أكثر من شيء عُرف به ، وأن أعمال البر قلّ أن تجتمع جميعها بشخص واحد على السواء ، وبين أيضًا أن الملائكة يحبون صالح بني آدم ويفرحون بهم , فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل ، وبيّن الحديث أيضًا أن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب ..
أما ما يتعلق بسعة أبواب الجنة :
فإنها أيها الأخوة والأخوات فوق ما يحده الخيال أو يخطر في البال ، ومما يوضح شيئًا من ذلك ما جاء في حديث الشفاعة المخرّج في الصحيحين , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { وُضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع ، وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وفي لفظ فنهس نهسة ـــ يعني أخذ بأسنانه وأضراسه جميعًا ـــ فقال عليه الصلاة والسلام : أنا سيد الناس يوم القيامة ، ثم ذكر حديث الشفاعة بطوله ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :{ والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة }هكذا قال عليه الصلاة والسلام وهذا الخبر منه بعد أن يقوم في ذلك الموقف العظيم يستشفع لأمته عليه الصلاة والسلام ..
وجاءت الإشارة إلى هذا في هذا الحديث حيث قال :{ فأقول يا ربِّ أمتي أمتي !! فيقول الله تعالى يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب،والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة ، وفي لفظ : لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى }..متفق عليه..
ومعنى قوله ما بين مصراعي الباب يعني ما بين جانبيه ، وهجر مدينة معروفة هي قاعدة بلاد البحرين ، وبُصرى مدينة معروفة من جهة دمشق..
وأيضًا جاء في صحيح مسلم عن عتبة ابن غزوان رضي الله عنه قوله :{ ولقد ذُكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتينَّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام }.. كظيظ يعني ممتلئ ..
وجاء أيضًا عند الإمام أحمد والترمذي عن معاوية ابن حيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{توفّون سبعين أمة ــ يعني تكملون سبعين أمة من الأمم الماضية ــ أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا ، وليأتينَّ عليه يوم وإنه لكظيظ } صححه العلامة الألباني..
تأمل أخي الكريم ما بين طرفي الباب أربعين سنة , يعني لو أن الشخص مشى مدة أربعين عاما فإنه يصل إلى الطرف الآخر من الباب .. ولاشك أن هذا يدل على سعة تلك الأبواب وعظمتها ..
وقد تنوعت أقوال العلماء رحمهم الله تعالى في هذه التقديرات من جهة اختلاف سعة الأبواب ، فنحن نلحظ أن في بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : بين مكة وهجر ، وفي حديث آخر بين مكة وبُصرى ، وفي حديث آخر مسيرة أربعين سنة ..
وقد حمل العلماء رحمهم الله تعالى اختلاف الوصف لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالقليل ثم أعلم بالكثير، أو يحمل على اختلاف الأبواب باختلاف أصحابها ، أو أن يكون المراد بأوسع الأبواب " الباب الأعظم " وهو باب الجنة العالية ، ذلك أن الجنة درجات بعضها فوق بعض ..
الجنة مقببة .. بناء عالٍ وذلك أن بين الدرجة والأخرى مسيرة مائة عام , فأبوابها كذلك ، فباب الجنة العالية فوق الجنة التي تحتها وكلما علت الجنة اتسعت ، فعاليها أوسع مما دونها ، وسعة الباب بحسب وسع الجنة , فاختلاف تقدير السعة في الأحاديث لاختلاف الأبواب ..
ومما يلحظ هاهنا أيها الأخوة والأخوات , أن نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام قد أخبر بذلك تشويقًا لأمته ، ولأجل أن يحرصوا على المسابقة إلى تلك الأبواب ..
ثم أيضًا مما يلاحظ كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس من المؤمنين عند دخولهم الجنة يدخلون على هيئة الصف الواحد ، وهذا ما يشير إليه حديث بريده رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الجنة عشرون ومائة صف ــ الذين يدخلون الجنة صفوفهم مائة وعشرين ــ قال عليه الصلاة والسلام : ثمانون منها من هذه الأمة , وأربعون من سائر الأمم ..} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسنه الحافظ ابن حجر..
وهــــذه الأمـــــة , كثر الداخلون منها إلى الجنة أكثر من الأمم الأخرى , ببركة دعوة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يقول مستشفعًا إلى ربه جلّ وعلا : أمتي ،أمتي ! حتى جاءت البشارة من رب العالمين , كما قال عليه الصلاة والسلام مخبرًا أمته : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ..وهذا ثابت في الصحيح..
وقد أقر الله عين محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل سبحانه (( ولَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَترضَى )) فجعل أمته أكثر من نصف أهل الجنة ، كما في هذا الحديث أنهم ثمانون صفًا من مائة وعشرين..
 
رحلة بلاد الأشواق (6)

رحلة بلاد الأشواق (6)

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق "6 "
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع

الحمد الله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعـــــــــد ..
مرحبـــــــــا بكم أيها الإخوة والأخوات .. في هذه الحلقة ضمن رحلتي وإياكم إلى بلاد الأشواق ..
وقد شرعت في الكلام عن الجنة وصفتها , حيث ذكرت ما يتعلق بأبواب الجنة , وما يتعلق بها أيضا ًمن جهة عددها وسعة أبوابها ومفتاحها الأعظم ..
ومما يتعلق بالجنة أيضا .. أن " للجنـــــّة بوّابيــــــــــن وخزنـــــــــة " , وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله لهذا الموضوع بابا ًفي كتابه " حادي الأرواح " وعليه أعوّل ...
ومن أدلة ذلك قول الله تعالى (( وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )) , والخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ , وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استُحفظه , وثبت في صحيح مسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح .. فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد , فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك } فدلّت الآية على أن للجنة من الملائكة من يقومون عليها بأمر الله , ودلّ الحديث على أن أولائك الخزنة لهم رئيس ومقدّم في ذلك , وهو رضوان عليه السلام ..
وفي سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم : من أنت ؟ , ليس جهلا ًمنه بحقيقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشخصه الشريف , وإنما هذا نوع من التقرير ولإظهار مزيّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , فإنه لما قال : محمد .. قال : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .. وهذا يُظهر شرف نبينا صلى الله عليه وسلم بخلاف ما لو أنه إذا أقبل إلى الجنة فتح الباب , فربما ظن أنه يمكن أن يُفتح لأي قادم .. لكن لما سأله واستعلم عنه وقال : محمد , وقال : لا أفتح إلا لك , عُلم قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأظهر شرفه .
قال العلامة ابن القيم :{ قد سمّى الله سبحانه وتعالى كبير الخزنة " رضـــــوان " , وهو اسم مشتق من الرضا , وسمّى خازن النار" مـالــكا " , وهو اسم مشتق من الملك وهو القوة والشدّة حيث تصرفت حروفه ..
ثم إن أبواب الجنة الثمانية ..عليها خزنة , ينادون أصحاب تلك الأبواب من المؤمنين اللذين اختصوا بأعمالها الصالحة , يدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة , كل خزنة باب أي فل هلمّ ..قال أبوبكر : يا رسول الله ..ذاك الذي لا توى عليه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكون منهم }وفي لفظ أنه رضي الله عنه قال : هل يدعى احد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم , وأرجو أن تكون منهم ..
ولابن القيم رحمه الله تعليق لطيف على همّة أبي بكر الصديق رضي الله عنه و حرصه على دخول الجنة من جميع أبوابها , فيقول : { لما سمت همّة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها , فسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك , فأخبره بحصوله وبشّره بأنه من أهله , فكأنه قال : هل يكمن لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبواب الجنة كلها ؟ فلله .. ما أعلى هذه الهمّة وأكبر هذه النفس ..} .
وأنت تلحظ أخي الكريم .. أختي الكريمة أن أبواب الجنة قد اختُصّت بأعمال محددة , من جاء بها فهو من أهل تلك الأبواب , وهذا يحمل المسلم على أن يضرب بسهم وافر لأبواب الخير والأعمال الصالحة , لعله أن يكون مدعوّا ًمن تلك الأبواب يوم القيامة ..
ثم إن مما ينبغي أن يُعلم أن مفتاح الجنة الأعظم هو لا إله إلا الله لمن جاء بشروطها وقام بحقوقها , روى البخاري في صحيحه عن وهب ابن منبه أنه قيل له : { أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى , ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان .. فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك , وإلاّ لم يُفتح لك } والمقصود أن الجنة لا يدخلها إلا النفس المؤمنة , وبحسب ما يكون لديها من الإيمان يكون لها البدار بالدخول , وبحسب نقص الإيمان يكون التأخير , فإذا أضمحل الإيمان وزال حُرم العبد من دخول الجنة ..
ولنختم حلقتنا هذه بفائدة أوردها العلامة ابن القيم إثر كلامه على مفتاح الجنة حيث قال : { وقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحا ًيفتح به .. فجعل مفتاح الصلاة الطهور , ومفتاح الحج الإحرام , ومفتاح البر الصدق , ومفتاح الجنة التــوحيــد , ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغاء , ومفتاح النصر والظفر الصبـــر, ومفتاح المزيد الشكر , ومفتاح الولاية والمحبة الذكر , ومفتاح الفلاح التقوى , ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة , ومفتاح الإجابة الدعاء , ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا , ومفتاح الإيمان التفكّر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه , ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له بالحب والبغض والفعل والترك , ومفتاح حياة القلب تدبّر القرءان والتضرع بالأسحار وترك الذنوب , ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده , ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى , ومفتاح العلم طاعة الله ورسوله , ومفتاح الاستعداد للآخرة قِصر الأمل , ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة , ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل }.
وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم , وهو معرفة مفاتيح الخير والشر , ولا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظُم حظه وتوفيقه فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحا ًوبابا ًيدخل منه إليه , كما جعل الشرك والكبر والإعراض عمّا بعث به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا ًللنار , وكما جعل الخمر مفتاح كل أثم , وجعل الغناء مفتاح الزنا , وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق , وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان , وجعل المعاصي مفتاح الكفر , وجعل الكذب مفتاح النفاق , وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حلّه , وجعل الإعراض عمّا جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة.
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه , وما في الوجود من الخير والشر , فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له ..
والله من وراء توفيقه وعدله .. له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل .. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ..
**الدرس في المرفق .
للاستماع للحلقة(6)
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79900
 
رحلة الي بلاد الأشواق (7)

رحلة الي بلاد الأشواق (7)

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 7 "
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــــد ..
فقد وقفت بنا هذه الرحلة على أبواب الجنة وصفتها ومفتاحها , وجاء البيان بأن أول من يقرع أبوابها ويدخلها هو الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
وفي هذه الحلقة .. أبيّن ما يتعلّق بالملائكة الموكلين بالجنة وباستقبال عباد الله المؤمنين على مشارفها , ثم أبين صفات السابقين لدخولها من هذه الأمة عند دخولهم ..
يقول الله جل ّ شأنه (( وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )) فقوله سبحانه "وسيق اللذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا " قال الألوسي رحمه الله : { أي جماعات مرتبة حسب ترتيب طبقاتهم في الفضل } والمراد بالسوق هنا الحث على المسير للإسراع إلى الإكرام , بخلافه فيما تقدّم في شأن الكفار فإنه لإهانتهم وتعجيلهم إلى العقاب والآلام .
وقال العلامة ابن القيم :{ الخزنة جمع خازن مثل حفظة وحافظ , وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه , وقد سمّى الله سبحانه وتعالى كبير هؤلاء الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا }.
وأما الهيئة التي يكون عليها المؤمنون عند دخولهم الجنة فقد بينها ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر , لا يبصقون فيها ولا يتغوطون فيها , ولا يمتخطون فيها , آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجا مرهم الألوّة , ورشحهم المسك , ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن , لا اختلاف بينهم ولا تباغض , قلوبهم على قلب رجل واحد , يسبحون الله بكرة وعشيّا } والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة , سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور , والاُلوة العود أو الألوّة في كلا الضبطين هو العود الذي يُبخّر به ..
وجاء في الصحيحين أيضا ًمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , واللذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة , لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون , أمشاطهم الذهب , ورشحهم المسك , ومجا مرهم الألوة , وأزواجهم الحور العين , أخلاقهم على خلق رجل واحد , على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا ًفي السماء } .
وها هنا تسأل أورده بعض العلماء .. ومن ذلك ما قاله الحافظ القرطبي : { قد يقال أي حاجة لأهل الجنة إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ , وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك ؟؟! وستأتي الإجابة عن هذا التساؤل في غضون حلقة قادمة بإذن الله لمناسبة المكان هناك ..
ولما ذكر الله جلّ وعلا أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم .. قسم سعداءهم إلى قسمين " سابقين وأصحاب يمين " فقال (( والسابقون السابقون )) وقد تعددت أقوال العلماء بالمراد بهؤلاء السابقين فقيل : {هم الأنبياء عليهم السلام , وقيل هم اللذين صلّوا للقبلتين , وقيل هم أولهم رواحا ًإلى المسجد وأولهم خروجا ًفي سبيل الله } .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :{ وهذه الأقوال كلها صحيحة , فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا , كما قال تعالى (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات والأرض )) وقال (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض )) فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير, كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة فإن الجزاء من جنس العمل , وكما تدين تدان ..ولهذا قال تعالى (( أولئك المقربون في جنات النعيم )) وإلى هذا الترجيح ذهب أبن عطية وابن القيم رحمهم الله ..
هذا في وصف السابقين بالدخول إلى الجنة جعلني الله وإياكم منهم ..
وجاء في شأن من يسبق للجنة , ما دلّ عليه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام } رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني .
وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال :{ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا } يعني بأربعين عاما .
قال العلامة ابن القيم :{ وتختلف مدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء , فمنهم من يسبق بأربعين , ومنهم من يسبق بخمسمائة , كما يتأخر مكث العصاة من الموحدين في النار بحسب جرائمهم , والله أعلم }.
قال :{ ولكن ها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم } يقول ابن القيم : لا يلزم من سبق دخول الفقراء إلى الجنة قبل الأغنياء أن تكون منازلهم أرفع من منازل الأغنياء , قال :{ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول , والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألف , وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم .
والغني إذا حوسب على غناه أو وجد قد شكر الله فيه , وتقرب إليه بأنواع البر و الخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ولم يكن له تلك الأعمال , ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله , وزاد عليه فيها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا..
فالمزيّة مزيّتان : مزيّة سبق ومزيّة رفعة , و قد يجتمعان وينفردان , فيُحصّل الواحد السبق والرفعة ويعدمهما آخر, ويحصل لآخر السبق دون الرفعة , ولآخر الرفعة دون السبق ..وهذا بحسب المقتضي للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق ..}..
وبعـــــــد أيها الكرام ...
فالموفّق من جعل من أولوياته الكبرى في هذه الحياة الدنيا أن يحمل على أن يكون من السابقين لدخول الجنة والحلول في منازلها العالية , وليس مجرد دخولها فحسب ..
وقد استنهض الله همم عباده المؤمنين فقال سبحانه (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين )) وفي سورة الحديد قال سبحانه (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) والمسارعة والمسابقة في الآيتين تتعلق بأسباب المغفرة , وأسباب دخول الجنة ..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ًمن السابقين لدخول جنات النعيم .. إنه سبحانه بــرٌ رحيــــم ..
* الدرس في المرفق
* للاستماع للحلقة(7)
http://liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79959
 
(( أصناف أهل الجنة ))

(( أصناف أهل الجنة ))

بسم الله الرحمن الرجيم
رحلة إلى بلاد الأشواق "أصناف أهل الجنة "
فضيلة الشيخ /خالد بن عبد الرحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــد..​
فلا زالت الرحلة إلى بلاد الأشواق .. إلى جنات النعيم .. تحط بنا في أولى محطات هذه الرحلة ,حيث مشارف الجنة وأبوابها والجموع الكريمة المتجهة إليها ,تلك الدار التي طالت وعظمت أشواق المؤمنين للنزول في جنباتها ,وأعظم من ذلك الأنس برؤية وجه الرب الكريم في جنات النعيم ..
في هذه الحلقة سيكون الحديث عن " أصناف أهل الجنة " اللذين ضمنها الله جل وعلا لهم دون غيرهم, فلا يدخلها سواهم, وفي ذلك بإذن الله تحفيز للعبد ليكون متخلّقاً ومتوشّحاً بهذه الصفات الكريمة عاملاً بها حتى يكون من ضمن تلك الأصناف اللذين ضمن الله لهم الجنة ...
في هذا يقول ربنا سبحانه وتعالى (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين اللذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين واللذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلى الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاءهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )) ..
قال العلامة ابن القيم :{ أخبر الله تعالى أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين , فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر والشدة والرخاء , فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء ,ولا يبذل في حال العسر والشدة , ثم ذكر كيف أنهم كفّوا أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم وحبس الانتقام بالعفو ,ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم ,وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإصرار ,فهذا حالهم مع الله وذاك حالهم مع خلقه ..
وقال الله جل شأنه (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )) فأخبر سبحانه أنه أعدّ الجنة للمهاجرين و الأنصار و أتباعهم بإحسان , فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها.
وبهذا يُعلم أنه ما لمبغض للمهاجرين والأنصار من مكان في الجنة بهذا الخبر العظيم من رب العالمين
وقال سبحانه (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون اللذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم )) فوصفهم بإقامة حقه باطنا و ظاهرا , وبأداء حق عباده .
وثبت في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال :{ لما كان يوم حنين أقبل نفر من صحابة النبي صلى اله عليه وسلم فقالوا :فلان شهيد, وفلان شهيد, وفلان شهيد, حتى مرّوا على رجل فقالوا :فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا إني رأيته في النار في بُردة غلّها أو عباءة . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا ابن الخطاب ..اذهب فنادي في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . قال : فخرجت فناديت إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون } .وللبخاري بمعناه أيضا .
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم:{ أمر بلالاً ينادي في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة } وفي بعض طرقه (نفس مؤمنة ) وفي الحديث قصة .
وثبت في صحيح مسلم من حديث عياض المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته : ألا إن ربي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم مما علّمني بيومي هذا ...وذكر الحديث وفيه : وأهل الجنة ثلاثة :​
ذو سلطان مقسط متصدّق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربىومسلم عفيف متعفف ذو عيال ...الحديث.
وجاء في الصحيحين من حديث حارثة ابن وهب رضي الله عنه قال :{سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعّف لو اقسم على الله لأبرّه ..ألا أخبركم بأهل النار كل عتلٍّ جوّاظ متكبر }.
وقوله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأهل الجنة ..كل ضعيف متضعّف ) الإشارة هنا إلى الحالة التي يكون عليها المؤمن في ذلّته لربه جل وعلا , وأيضاً رؤية الناس له أنه ليس من المتكبّرين المتجبّرين, وإنما إذا رؤي كما قال عليه الصلاة والسلام متضعّف , هكذا ينظر إليه الناس, وليس هذا دعوة إلى الضعف , فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف}ولكن المراد هنا أن يكون المؤمن عنده من لين الجانب وحسن الخلق والتواضع ما يعرف به بين الناس ,فيقربون منه ويقبلون عليه ..
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أهل الجنة بوصف آخر متمماً للأول ( لو أقسم على الله لأبرّه) وإنما يكون هذا لمن صلحت وصحّت سريرته مع ربه جل وعلا ,فهو ولي من أولياءه اللذين أحبهم الله جل وعلا باستقامتهم على الخير وفعلهم له, وقد قال ربنا جل وعلا (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللذين آمنوا وكانوا يتّقون)).
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال:{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألا اخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة – والصديق في الجنة – والشهيد في الجنة – والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة. ونساءكم من أهل الجنة الودود الولود التي إذا غضبت أو أغضبت جاءت حتى تضع يدها في يدي زوجها ثم تقول :لا أذوق غمضاً حتى ترضى }رواه النسائي في عشرة النساء وأبو نعيم في الحلية وصححه العلامة الألباني.
وأيضاً جاء في أوصاف أهل الجنة ما رواه الإمام احمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن أهل النار كل جعظري متكبر جمّاع منّاع ..وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون}.وأيضاً رواه ابن ماجه والطبراني وصححه الألباني .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن أهل الجنة من ملئ أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع , وأهل النار من ملئ أذنيه من ثناء الناس شراً وهو يسمع } ويوضحه كذلك ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله قال :{مُرَّ بجنازة فأثني عليها خيرا ,فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت..وجبت..وجبت . ومُرَّ بجنازة فأثني عليها شرّا, فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت..وجبت..وجبت . فقال عمر رضي الله عنه: فداك أبي وأمي يا رسول الله ..مُرَّ بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: وجبت..وجبت ..وجبت, ومرَّ بجنازة فأثني عليها شرا فقلت :وجبت ..وجبت..وجبت ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ,ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ,أنتم شهداء الله في الأرض}.
وهذا فيه ما ينبغي من الاستقامة على الخيرات ,وأن يحرص المسلم على أن يُعرف بالخير والمبادرة إليه والدعوة إليه , وأن يحذر من أن يكون معروفاً بالشر أو مشيعاً له بين الناس أو داعياً إليه...
وبعــــــــد.. فكما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :{ فبالجملة أهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع اللذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصّدِّقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا )) .
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم بمنّه وكرمه ..أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
" 9"

" 9"

بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة رحلة إلى بلاد الأشواق "9"
فضيلة الشيخ : خالد بن عبد الرحمن الشايع

الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعـــــــــد ....
فهاهي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته ..تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ,حيث مررنا بأبواب ووصفها في الكتاب والسنة , حتى كأننا نرى تلك الحشود العظيمة وهم يجاوزون الأبواب ، منطلقين إلى مساكنهم وأهليهم فيها ... وهاهي مباني الجنة وتلكم تربتها , وذلكم حصباءها تأخذ بألباب المؤمنين اللذين كانوا يوعدون في الدنيا الجنة ويوصف لهم نعيمها , فهاهم الأن في جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب .. لكن الذي يشاهدون لم يخطر لهم على بال أبدا..
فيا لعظمة ذلك البناء .. ويا لبهاء تلك الأفياء.. ويا لعلو تلك الغرف والقصور .. ولكأني بهذا المؤمن وهو يتحسس تلك الجدران ويرفع من تراب أرض الجنة .. فلا الجدار من اسمنت ولا رخام ولا غيره , ولا التراب كذلك مما عهد في الدنيا , ولكنه شيء لم تره عينه ولم يشم لمثل طيب ريحه شيئاً ًمن قبل .
يقول أبو هريرة رضي الله عنه : { قلنا يا رسول الله ..حدثنا عن الجنة !ما بناءها ؟! قال : لبنة ذهب ولبنة فضة ..وملاطها المسك (الملاط هو الذي يكون بين اللبنات ) وحصباءها اللؤلؤ والياقوت , وترابها الزعفران ..من يدخلها ينعم ولا يبأس , ويخلد لا يموت , لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه } الحديث رواه أحمد وغيره وصححه ابن حبّان وغيره .
وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة موقوف قال :{ حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ودرجها الياقوت واللؤلؤ }قال { وكنا نُحدّث أن رضراض أنهارها اللؤلؤ وترابها الزعفران} صححه الألباني .والرضراض هو ما يكون في مجرى الماء .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال :{ خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك , وقال لها تكلمي .. فقالت : قد أفلح المؤمنون ..فقالت الملائكة : طوبى لك منزل الملوك} رواه الطبراني والبزار واللفظ له مرفوعا ًوموقوفا ً والصحيح وقفه .
ولما شاهد المؤمن مادة بناء مساكن الجنة , نظر لما تحت قدميه وما تمشي عليه رجلاه , فإذا به شيء يفوق خياله في الدنيا , يوضح هذا خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في قصة الإسراء والمعراج قال :{... ثم أدخلت الجنة .. فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ .. وإذا ترابها المسك }رواه الشيخان ..(الجنابذ هي القباب ,واحدتها جنبذة ,وأما اللؤلؤ فمعروف).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :{ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة ..فقال : من يدخل الجنة يحيا فيها لا يموت , وينعم فيها لا يبأس , لا تبلى ثيابه , ولا يفنى شبابه .. قيل يا رسول الله ما بناءها ؟ قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وترابها الزعفران , وحصباءها اللؤلؤ والياقوت } رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده حسن بمجموعه .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : { قوله ( وإذا ترابها المسك) المراد والله أعلم أن رائحة ترابها رائحة المسك وأما لونه فمشرق مبهج كالزعفران , يدل عليه ما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{الجنة ملاطها المسك وتربتها الزعفران } رواه أحمد وغيره ..
والملاط هو التراب الذي يختلط بالماء فيصير كالطين ,فلونه لون الزعفران في بهجته وإشراقه, وريحه كريح المسك , وطعمه كطعم الخبز يؤكل , يدل على ذلك ما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد :ما تربة الجنة ؟ قال : درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم . قال : صدقت } وجاء في رواية أن ابن صياد هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهي في صحيح مسلم أيضا .
وفي المسند عن جابر قال :{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : إني سائلهم عن تربة الجنة وهي درمكة بيضاء, فسألهم فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم ,فقال صلى الله عليه وسلم :الخبز من الدرمك, وهذا يدل على أن لونها أبيض, وقد يكون منها ما هو أبيض ومنها ماهو أصفر كالزعفران ,والله أعلم.. }انتهى كلام ابن رجب .
فهذه ثلاث صفات في تربتها :
* أنه من زعفران .
* ومن مســــــــك .
* ومن درمك أو من الدرمك وهو الدقيق الحواري الخالص البياض.
ولا تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة للنوعين المسك والزعفران , ويحتمل معنيين أخرين أحدهما :
أن يكون التراب من زعفران فإذا عُجن بالماء صار مسكا .
والثاني : أن يكون زعفراناً باعتبار اللون مسكاً باعتبار الرائحة ,وهذا من أحسن شيء يكون في البهجة والإشراق في لون الزعفران والرائحة في رائحة المسك..
وكذلك شبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها , وإلى هذا المعنى أشار العلامة ابن القيم في نونيته الرائعة حيث قال :
وبناءها اللبنات من ذهب وأخرى فضّة نوعان مختلفان
وقصورها من لؤلؤ وزبرجد أو فضّة أو خالص العقيان
وكذاك من درّ وياقوت به نُظم البناء بغاية الاتقان
والطين مسك خالص أو زعفران جا بذا أثران مقبولان
ليس بمختلفين لاتنكرهما فهما الملاط لذلك البنيان
وعند أصحاب الذوق الرفيع والاستمتاع والتأمل رؤية مبهجة لمنظر الحصباء حين تكون صغيرة نظيفة منظومة ,هذا في الدنيا وأما حصباء الجنة فهي كما تقدّم شدرات اللؤلؤ ودرر الياقوت, وحسبك بذلك بهجـــــــــة وحبورا..
قال ابن القيم :{ حصباءها در و ياقوت كذاك لألئ نثرت كنثر جمان }.
وما أن ينتبه المؤمن من تأمله في هذه المناظر الممتعة, والروائح المبهجة, والمشاعر السارّة بخاطره , حتى يتوجه بنظره إلى الأعلى وهو في أولى خطواته في هذه الجنة العظيمة , رفع بصره فشاهد الدرجات العالية من الجنة التي لا ينتهي إليها بصره , هناك حيث الغرف من فوقها الغرفات ,ومن فوقها القصور والخيام .
وفي وصفها ما لم ترى عين , ولم يخطر على قلب بشر , وستكون لنا بإذن الله تعالى جولة في أنحاء الغرف والخيام والقصور , نستجلي صفاتها ونستمتع بحسنها وطيبها بإذن الله ..
أسأل الله تعالى أن ينزلنا وإياكم تلك الجنات العالية ووالدينا والمسلمين ..إنه بــــر رحيم ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
 
" مساكن أهل الجنة "

" مساكن أهل الجنة "

بسم الله الرحمن الرحيم


رحلة إلى بلاد الأشواق " 10"


فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع



الحمد لله رب العالمين ..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


أما بعــــــــد ..


فها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته جلّ وعلا .. تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ...


ويا الله .. ما أعظم فرحة عباد الله الفائزين حين يدخلون الجنة, فينطلق كل إلى بيته وأهله يعرفه أعظم من معرفته بيته في الدنيا..و إنها لأربح تجارة, أن يجاهد المؤمن في هذه الحياة الدنيا القصيرة, حتى لو فقد حياته كلها في مرضاة الله جلّ وعلا, ثم يعوّض عنها تلك الجنات, وهذه المساكن في نعيم مقيم, حقّاً ذلك هو الفوز العظيم...


أسأل الله تعالى أن يجعلني و إياك ممن ينعم بجوار الرب تبارك وتعالى , وممن يسكن تلك الغرفات العالية نحن ووالدينا والمسلمين بمنّه وكرمه جلّ وعلا ...


فها هم المؤمنون يخطون خطواتهم الأولى في جنات عــــــــدن, تلك الجنات التي طال الشوق إليها, بل إلى خالقها ربنا ومولانا وسيدنا جلّ جلاله ,وقدّمت من قبل تلك الدهشة العظيمة التي تلحق المؤمن في أولى خطواته في جنات النعيم ,حين يشاهد بناء الجنات ويتلمّس تربتها الزاكية, وها هي الأشواق تجدد ثانية ليتوجه إلى داره ومسكنه في الجنة .


وحين نرجع للدنيا نقول يا سبحان الله !! و كيف سيميّز بيته في الجنة, وكيف سيعرفه من بين الأعداد المهولة لمساكن الجنة ؟ غرفاتها وخيامها وقصورها !! والجواب: أن الله يلهمهم معرفتها ويكلّف ملائكته أن توصِّف لهم طريقها..


ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أهل الجنة:{ حتى إذا هُذِّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة, فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا },قال القرطبي رحمه الله :{ وقع في حديث عبد الله ابن سلامه رضي الله وقد رواه ابن المبارك وصححه الحاكم : أن الملائكة تدلّهم على طريق الجنة ,يميناً وشمالاً وهو محمول على من لم يُحبس بالقنطرة أو على الجميع . و المراد أن الملائكة تقول ذلك لهم قبل دخول الجنة, فمن دخل كانت معرفته بمنزله فيها كمعرفته بمنزله في الدنيا }.


قال ابن الحجر:{ ويحتمل أن يكون القول "يعني دلالتهم "بعد الدخول مبالغة في التبشير و التكريم.


وها نحن الآن نتطلّع لمساكن أهل الجنة ,,فهناك القصور ..وهناك غرفات وغرف من فوقها غرف مبنيّة , وهنالك الخيام العجيبة, وفي داخل تلك الدور من الأثاث البهيج بأنواعه وأصنافه ,وكذلك الساكنات في تلك الدور من الحور الحسان على نحو ما سيأتي بيانه بإذن الله ..


يقول الله تعالى (( واللذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم في الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين )) وقال سبحانه (( لكن اللذين اتقَوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيّة )) فهذا خبر من الله تعالى فيه وصف مساكن أهل الجنة وأنها غرف مبنيّة و هي القصور الشاهقة, ومن فوقها غرف مبنيّة أي طباق فوق طباق مبنيّات عاليات محكمات مزخرفات..


قال ابن عباس:{من زبرجد وياقوت }وجاء في بعض الأحاديث أن من البيوت ما يكون قطعة واحدة من لؤلؤ مجوّف, الغرف والأبواب وأثاث البيت وأجزاءه الأخرى كلها من لؤلؤ.


و منها ما هو من ذهب خالص, ومنها ما يكون مبنيّاً بالذهب والفضة , وأخبر سبحانه عن هذه المساكن بأنها تجري من تحتها الأنهار , أي تسلك الأنهار بين خلالها وممراتها وذلك كما يشاءون وحيث يُريدون ,والماء يُضفي بهجة وسروراً يدركها أهل الدنيا فكيف بالآخرة ..


هذه الأنهار..أنواع منوّعة وأصناف متعددة مع ما اشتهوه من أطعمة وثمار, وتلك الأنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشاربين, وأنهار من عسل مصفّى, وتُحيط بهم كل الثمرات ,فتُوفّر لهم فيها أسباب النزهة, وأسباب البهجة والسرور العظيم .


وبيوت أهل الجنة .. أنواع منوّعة ودرجات متفاوتة, بحسب منزلة العبد في الجنة , ولتطف بخيالك ما شئت بين تلك الأرجاء , ولتُحلّق بأفكارك كيف ما استطعت بين تلك الأنحاء ,حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . ومهما تخيلت من نعيم فالجنة فوق ذلك وأعظم ..


الجنة التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين..حيث يقال لأهلها ((ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون )) حيث يملك كل واحد من أهلها الملك العظيم وحسبك أن تعلم أن موضع سوط في الجنة (يعني بمقدار السوط) خير من الدنيا وما فيها. بهذا صح الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري.


وعن بيوت الجنة ومساكنها.. جاء النص في القرءان الكريم على نوع خاص منها ووصفه سيد المرسلين إنها الخيام ,ولا يذهب وهلك بخيام الدنيا فهو تشابه الأسماء فحسب ,فخيمة الدنيا معروفة وهي كما يقول النووي :{بيت مربع يُسكن عادةً في الصحاري والقفار} أما خيام الآخرة فالواحدة منها لؤلؤة مجوّفة بسعة عظيمة وارتفاع شاهق ,قال الله تعالى ((حور مقصورات في الخيام )) قال البخاري في صحيحه :{قال ابن عباس الحور السود الحدق}وقال مجاهد :{مقصورات محبوسات ,قُصِرَ طرفهنَّ وأنفسهنَّ على أزواجهن ,قاصرات لا يبغين غير أزواجهن } .


ويقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :{ إن في الجنة لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين ,يطوف عليهم المؤمنون ,وجنتان من فضّة آنيتهما وما فيهما , وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم لا رداء الكبر على وجهه في جنة عـدن }.رواه البخاري في صحيحه .


و قال ابن عباس :{ الخيمة درّة مجوّفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف من مصراع من ذهب }(يعني الأبواب أقفالها أو المماسك التي ترفعها أربعة آلاف من ذهب )رواه ابن أبي الدنيا بسند صحيح ومثله لا يقال بالرأي.


قال ابن القيم في نونيته : وخيامها منصوبة برياضها وشواطئ الأنهار بالجريانِ


ما في الخيام سوى التي لو قابلت للنيّرين لقلت منكسفانِ


و من أنواع بيوت الجنة وأوصافها ما جاء في حديث رواه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال:{ قال النبي صلى الله عليه وسلم:إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها, وبطونها من ظهورها }الحديث رواه أحمد وغيره.


ومن صفات منازل أهل الجنة ..ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه :{إن أهل الجنة لا يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ..قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال: بلى .. والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين }رواه البخاري ومسلم واللفظ له .


والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل ,حتى إن أهل الدرجات العلى لا يراهم من هو أسفل منهم كالنجوم , ولدى قال عليه الصلاة والسلام :{ إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض }رواه البخاري .


تلكم هي بيوت الجنة .. وقصورها وغرفها حيث أنواع النعيم , نور يتلألأ وريحانة تهتز, وقصر مشيد , ونهر مطرد ,وفاكهة كثيرة نضيجة , و زوجة حسناء جميلة , وحلل كثيرة في مقام مؤبد في حضرة ونضرة في دور عالية سليمة بهيّة ..


فتأمل يا عبد الله هذه الغرف والخيام والبيوت والقصور وما فيها من النعيم المقيم والفوز الكبير والفلاح العظيم..تدرك أن قصور الدنيا كلها لا تعدل عندها جناح بعوضة..



وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....
 
بسم الله الرحمن الرحيم


رحلة إلى بلاد الأشواق "11 "


فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع



الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


أما بعـــــــــد ..


هاهي رحلتنا إلى بلاد الأشواق بعون الله إلى تلك الدار الكريمة..أنتقل وإياكم فيها إلى مرحلة جديدة..


ها هم المؤمنون يدخلون إلى الجنة, ويتوجهون إلى مساكنهم, ويعرفونها بإلهام من الله ثم بما كلّف به الملائكة ليرشدوهم ويدلّوهم..


فحين يدخل المؤمن مسكنه الطيب , الذي طال تشوّقه بوعد ربه الكريم إليه كما قال سبحانه (( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبّة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) .


قال ابن كثير :{ ومساكن طيّبة أي حسنة البناء, طيّبة القرار }.


هاهو يُقبل عل قصره اللؤلئي المبهر ومعه من يُشيّعه من الملائكة المكرمين كما يسير المُضيف مع ضيفه حتى يوصله لنزله , ليستقبله أهلوه والولدان المخلّدون , وهاهو يواجه الحوراء , الحوراء التي كانت تدعو الله أن يُسلّمه لها وهو في الدنيا , فقد تحقق الوعد الكريم والرجاء الكبير , وسيأتي معنا بإذن الله ما وصف الله به نساء الجنة من الحور ونساءها من المؤمنات في الدنيا .


وفي أولى خطوات المؤمن في مساكنه في الجنة وغرفاته يظهر في ذلك التشييد الذي لم يخطر له على بال , الأثاث والفرش والآنية وما إلى ذلك , وهذا سيكون له مجال الحديث في هذه الحلقة على وجه الإيجاز والاختصار .


فبعد المسير والوقوف الطويل في عرصات القيامة ,سيعمد المؤمن إلى ماعتاده في دنياه من الجلوس والاستراحة , فيجد من النزل الكريم والتهيئة العجيبة ما يزيد من تعجبّه , فقد أعدّ له مكان الجلوس والاتكاء , فقال تعالى (( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان )) فالمعنى هنا أن بطائن فرش الجنة من إستبرق ,فلا تسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك .


ذلك أن الناس اعتادوا على أن يكون الذي الظاهر و الخارج أحسن من الذي يكون في البطانة ,فإذا كانت بطائن تلك الفرش في الجنة من إستبرق فكيف سيكون الذي في الظاهر .


ولا ثوب في الدنيا لدى الناس مما عُرف لديهم أنفس من الإستبرق , وخصّت البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش , والإستبرق صنف رفيع من الديباج الغليظ , والديباج نسيج غليظ من حرير, والإستبرق يُنسج بخيوط الذهب .


جعل ابن مسعود رضي الله عنه في قوله عز و جل "بطائنها من إستبرق" قال :{ أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر} .وهذه الفرش مرفوعة مكرّمة ومكرّمٌ من يجلس عليها .


وفي الآية الأخرى (( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان )) والرفرف نوع من البُسط, وهي ما يبسط على الفراش ليُنام عليه وهي تُنسج على شبه الرياض ويغلب عليها اللون الأخضر , وقوله " عبقري حسان " العبقري وصف لما كان فائقا ًفي صنفه عزيز الوجود , وهو نسبة إلى عبقر اسم بلاد الجن في معتقد العرب ونسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في الإتقان و الحسن حتى كأنه ليس من الأصناف المعروفة في أرض البشر .


وحيثما أراد المؤمن أن يجلس في ملكه جلس , فكل أرجاءه مهيأة حيث المجالس المتعددة والمواضع المتنوعة , قال الله تعالى عن أثاث الجنة وموجداتها (( ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة )) والنمارق جمع نمرُقة وهي الوسادة التي يتكئ عليها الجالس والمضطجع ,وقوله مصفوفة أي جُعل بعضها قريبا ًمن بعض صفا ً,أي أينما أراد الجالس أن يجلس وجدها .


وقوله زرابي مبثوثة جمع زربيّة وهي البساط أو الطنفسة التي نُسجت من الصوف الملون الناعم يفرش في الأرض للزينة وللجلوس عليه لأهل الترف واليسار . وفي هذا الشأن أيضا ًفي قوله زرابي مبثوثة لأنها منتشرة على الأرض بكثرة , وذلك يُفيد كناية عن الكثرة .


وفي شأن آخر أيضا ً فيما يكون لهذا المؤمن من الأثاث قول الله جل وعلا (( متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين )) وقال سبحانه عن المؤمنين (( ثلّة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين )) وقال سبحانه (( فيها سرر مرفوعة )) فأخبر تعالى بأنهم على سرر موضونة والسرر جمع سرير وهو ما يستعمله الإنسان لنومه أو الاتكاء عليه في جلسته , والموضونة أي المنسوجة بالذهب نسجا ًمحكما , لراحة الجالس عليها ولتكريمه .


قال ابن عباس :{ سرر من ذهب مكللّة بالزبرجد والدرّ والياقوت } ومثله قوله تعالى "متكئين عليها متقابلين "أي مضطجعين عليها اضطجاع من امتلئ قلبه بالراحة وفرغ باله من كل ما يشغله وقد قابل وجه كل واحد منهم وجه الآخر ,ليتم سرورهم ونعيمهم إذ تقابل وجوه الأحباب يزيد الأنس والبهجة ..


وتأمل تمام الدعة والنعيم الذي يتقلب فيه أهل الجنة بقوله تعالى (( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ً ولا زمهريرا )) وقوله سبحانه أيضا ً (( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون )) والأرائك جمع أريكة وهو السرير مُتّخذ مُزيّن في قُبّة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو الحجلة , وأقرب ما يُماثلها في زماننا ما نسميه "النّاموسيّة " أو قد يُسمّى في بعض البلاد الكلّة .وصورتها الدنيوية أعني الأريكة هي أرقى وأرق مظاهر النعيم العربي ذي العيشة الخشنة, أما صورتها الأخروية فعلمها عند الله, وهي على كل حال أعلى ما يستمدّه الإنسان من تجاربه في الأرض وفي تصوراته.


وأما اتكاءهم حيث وصف الله تعالى المؤمنين في الجنة بأنهم"متكئون " .. أما اتكاءهم فقد تنوعت أقوال العلماء في تفسير هذا الاتكاء الذي يصنعه أهل الجنة على أرائكهم هل هو الاضطجاع أو التمرفط أي الاستناد على المفرط أو التربّع أو التمكّن في الجلوس , هكذا تنوعت أقوال العلماء ..


وأقول .. أرجو الله تعالى أن يرزقنا تحقيق القول الراجح بهذه الآية بفعله حق اليقين في جنات النعيم..


أرجو الله ذلك لي ولكم ولوالدينا وللمسلمين أجمعين..لا زال بقية من حديث حول أثاث الجنة أرجئه بإذن الله إلى حلقة قادمة ..


وصلى الله على نبينا محمد ..
 
بسم الله الرحمن الرحيم


رحلة إلى بلاد الأشواق"12"


فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع



الحمد الله رب العالمين ..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


أما بعـــــــــــد ..


ها هي رحلتنا وقد حطّت بنا في رحاب الجنة ,حيث نتجوّل مع عباد الله المؤمنين في أولى لحظات أخذهم لهذا النعيم الذي وعدهم الله جلّ وعلا ,النعيم الذي طالما تشوقوا له .


قال الله تعالى (( وَعَدَ اللهُ المُؤمِنينَ والمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي من تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ وَ رِضوَانٌ مِنَ اللهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم )) .


وقد تقدّم ذكر اللحظات والخطوات الأولى للمؤمنين عند دخولهم الجنة, و ما يواجهونه من النعيم الذي لم يخطر لهم على بال من قبل.


وفي سياق ما هم فيه من هذا النعيم.. فقد جعل الله لهم من الخدم والحشم ما تزداد به بهجة نعيمهم, وفي هذا يقول الله جلّ شأنه عن أهل الجنة (( وَ يَطُوفُ عَلَيهِم غِلمَانٌ لَهُم كَأنّهُم لُؤلؤٌ مَكنُون )).


قال ابن كثير:{ هذا إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة, كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهاءهم ونظافتهم وحسن ملابسهم, شبابهم باقٍ لا يتغيّر, وهيأتهم جميلة على حالها لا تتبدل, فهم دائماً على تلك الهيئة المنعوتة بالشباب والمنظر الحسن .. وقد مر بهؤلاء المؤمنين في دنياهم أن الشخص من تنعّمه أن يجد خادماً يُلائمه, ويُهيئ له حاجاته ويقضي له شئونه . ولا يتم هذا التنعم إلا إذا كان هذا الخادم نظيفاً رفيقاً مهذباً ,يحسن التعامل والإنجاز}. وبيّن الله جل شأنه جانبا من خدمة هؤلاء الولدان وحالهم مع أهل الجنة, فقال سبحانه (( يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلّدُونَ بِأكوَابٍ وَ أبَارِيقَ وَ كَأسٍ مِن مَعِين))بأكواب : أي يطوفون عليهم بأكواب وهي الأقداح , وهي القداح التي لا عُرى لها .


وأباريق : أي بآوان ذات عرى . وكأس من معين : أي بإناء مملؤ بالخمر الكثير الجاري ,فقوله معين بمعنى الكثرة .


وقد أختلف في هؤلاء الولدان ..هل هم من ولدان الدنيا أم أنشأهم الله في الجنة إنشاءً ؟؟! على قولين :


قال ابن القيم :{ و الأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدماً لهم وغلمانا ,كما قال سبحانه (( وَ يَطُوفُ عَلَيهِم غِلمَانٌ لَهُم كَأنَّهُم لُؤلؤٌ مَكنُون ))وهؤلاء غير أولادهم ,فإن من تمام كرامة الله جلّ و علا لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمان لهم .


ثم قال سبحانه مبيناً تلك اللحظات التي يتنعم فيها أهل الجنة وهم تتنوع بين أنظارهم مظاهر النعيم, قال سبحانه (( وأقبَلَ بَعضِهِم عَلَى بَعضٍ يَتَسَاءَلُون )) أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا , وهذا كما يتحادث أهل الشراب و الطعام على شرابهم وطعامهم ..


(( قَالُوا إنّا كُنّا قَبلُ فِي أهلِنَا مُشفِقِين )) أي قد كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه, ((فَمَنَّ اللهُ عَلَينَا وَ وَقَانَا عَذَابَ السَّمُوم )) أي فعظُمت نعمة الله جل وعلا علينا وابتدأنا بهذا الخير العميم فوقانا من عذاب الجحيم و أجارنا مما نخاف .


وأذكّر هُنا .. بأن هذه الصور التي تعرضها نصوص القرءان والسنة لا يدركها البشر إلا في حدود ما يعهدون في الأرض, فإذا كانوا هنالك في جنات النعيم تطورت أذواقهم ومفاهيمهم بما يتناسب مع دار الكرامة..


و ما أن يستقر المؤمن بين أزواجه و أهله في مساكنه في الجنة ,حتى يتوالا عليه النعيم والحبور من كل ما حوله ومن حوله ,حتى إنه لا ينسى كلما مر به في الدنيا من الأكدار والأحزان والمشاق, لا.. بل إنه لا ينشغل عن الأهوال التي عاينها قبل قليل و لا زال كثير من الناس ورائه يعيشونها في عرصات ذلك اليوم العظيم ..وهذا ما دل عليه قوله سبحانه (( إنَّ أصحَابَ الجنة في شُغُلٍ فَاكِهُون هُم وأزواجُهم فِي ظِلَالٍ عَلَى الأرَائكِ مُتّكئِون لهُم فِيهَا فَاكِهة ولَهُم ما يَدَّعُون سلامٌ قَولاً مِن رَبٍّ رَحِيم )) .


قال ابن كثير :{يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات ..فنزلوا في روضات الجنّات أنهم في شغل فاكهون أي , شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم}.


وقد تعددت أقوال المفسّرين في هذا الشغل الذي يجعل أهل الجنة لا يتفكّرون ولا ينظرون إلى شيء آخر غير ما هم فيه من النعيم ,فقيل هم مشتغلون مع أزواجهم , وقيل مشتغلون بالنعيم بكل أنواعه ..


وليطف فكرك .. وليسبح خيالك كيفما شئت في مشتاق إلى جنات الفردوس وإلى حورها ونعيمها وحبورها.. كيف سيكون حاله ؟!!


وحسبك أن تدرك أن أولى لحظات هذا النعيم في الجنة تنعكس على هيئاتهم وأحوالهم و وجوههم ..


فتعرف إذا نظرت إليهم .. في وجوههم نظرة النعيم .. أي صفة الترافة و الحشمة والسرور و الدعة و الرياسة ..وذلك مما هم فيه من النعيم العظيم ,قال الله تعالى (( إنَّ الأبرارَ لَفِي نَعِيم عَلَى الأرَائكِ يَنظُرون تَعرِفُ فِي وجُهِهم نَظرَةَ النَعِيم )) .


فإذا سألت إلى ما ينظرون ؟؟ فقد قيل معناه : ينظرون في ملكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل, الذي لا ينقضي و لا يبيد ..


وقيل معناه : ((على الأرائك ينظرون )) إلى الله عزَّ وجل , وهذا مقابله لما وصف به أولائك الفجَّار ((كَلَا إنَّهُم عَن رَبَّهِم يَومَئِذٍ لَمَحجُوبون )) فذكر عن هؤلاء أنهم يُهيئ لهم النظر إلى الله عزّ وجل وهم على سررهم و فرشهم, والنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة هو أعظم النعيم ..فرؤية وجهه جلَّ وعلا هو أقصى ما يكون من نعيم العبد , وسيكون لهذا الشوق لأعظم مطلوب حلقة خاصة لاحقة بإذن الله تعالى ..


أسأل الله تعالى أن يجعل مستقرنا جميعاً في جنات النعيم ..نحن و والدينا و المسلمين ..


وصلى الله وسلم على نبينا محمد .. والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
 
(( نساء أهل الجنة ))، ونعيم البدن، ونعيم النفس ، ونعيم القلب

(( نساء أهل الجنة ))، ونعيم البدن، ونعيم النفس ، ونعيم القلب

بسم الله الحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 14 "
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله رب العالمين..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــد...
فها هي رحلتنا بعون الله إلى دار الكرامة ..مستمرة.. قائدنا فيها الشوق إلى أنواع نعيم المقيم فيها ..
الجنّـــــــــة التي وعد الرحمن عباده بالغيب ..
ومن النعيم الذي وعد الله أهل الجنة ..الأنس و البهجة و السرور الذي يجده المؤمنون و المؤمنات مع أزواجهم هناك ..
فالرجال لهم زوجاتهم من نساء الدنيا و من نساء الجنة ,والنساء لهنّ هؤلاء من صفات الطهر والجمال ما ستأتي الإشارة إليه من نصوص القرءان والسنة..
وأما نساء الدنيا من أهل الجنة فإنهنّ يجدن هذا التنعّم أيضا ً في الجنة على نحو ما سيأتي توضيحه ..
فالمؤمنة إذا دخلت الجنة وكانت ذات زوج ,وكان زوجها مؤمنا ً,فإنها تكون زوجته في الجنة أيضا ,وكذلك المؤمن إذا دخل الجنة وكانت زوجته مؤمنة فهي زوجته في الجنة ..
قال الله تعالى (( جنّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَهَا وَ من صَلَحَ من آبَاءِهِم وَ أزواجِهِم وذُرِّيَاتِهِم )) وقال سبحانه ((ادخلوا الجَنَّةَ أنتُم و أزوَاجُكُم تُحبَرُون)) وعطف أزواجهم عليهم في الإذن بدخول الجنة وهذا من تمام نعمة التمتع بالخُلّة التي كانت بينهم وبين أزواجهم في الدنيا .
وقبل أن نبحر و إياكم في دلالات نصوص القرءان والسنة عن الحور أيضا.. فإني اُطمئن أخواتنا المؤمنات وابشّرهنَ بأن كل صفة كريمة ومنقبة حميدة لحور الجنة ,فإن الله يهبها مثلها ,وللمؤمنة من أهل الدنيا مزيّة التكليف والإيمان ,فلها بذلك الأفضلية..
وقد أمر الله نبيه محمدا ًعليه الصلاة والسلام أن يبشّر المؤمنين فقال (( وبَشّرِ الّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحات أنَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي من تَحتِهَا الأنهار كلما رُزِقُوا منهَا من ثَمَرَةٍ رزقا قالُوا هَذا الذي رُزِقنا من قبل وأوتُوا بِه مُتَشَابها ولهم فيها أزوَاجَا ًمُطَهّرة وَ هُم فِيهَا خَالِدُون )) .
قال العلامة ابن القيم :{ فتأمل جلالة المبشّر و منزلته و صدقه ,وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة ,وقدّر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك و أيسره , و جمع سبحانه في هذه البشارة بين​
نعيم البدن بالجنات و ما فيها من الأنهار و الثمار​
,و نعيم النفس بالأزواج المطهرة،​
ونعيم القلب و قُرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد و عدم انقطاعه }..
قال العلامة ابن عادل رحمه الله في تفسيره :{هذه الآيات صريحة في أن الجنة و النار مخلوقتان }ثم شرع في بيان ذلك وقال:{ ودلّت أيضا ًعلى أن مجامع اللذات إما المسكن أو المطعم أو المنكح ,فوصف تعالى المسكن بقوله (( جنّاتٍ تَجرِي من تحتِهَا الأنهَار ))والمطعم بقوله (( كلما رُزِقُوا منها من ثَمَرَةٍ رزقَا )) ووصف المنكح بقوله (( ولَهُم فِيهِا أزوَاجٌ مُطَهَّرة )) ,ثم هذه الأشياء إن حصلت و قارنها خوف الزوال كان النعيم منغصا ,فبين تعالى زوال هذا الخوف بقوله (( وهم فيها خالدون )) فدلّت الآية على كمال النعيم و السرور .
و قال الإمام ابن كثير رحمه الله:{ قوله تعالى (ولهم فيها ازواج مطهّرة) قال ابن عباس:مطهّرة من القذر والأذى },وقال الإمام مجاهد:{مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبصاق والمني والولد},وقال قتادة:{مطهرة من الأذى والمأثم },قال ابن كثير:{ (أي في هذه الآية ولهم فيها أزواج مطهرة)أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة والصفات الناقصة }.
وقال العلامة الألوسي :{" لهم فيها ازواج مطهرة " أي من الحيض والنفاس وسائر المعايب والأدناس والأخلاق الدنيّة والطباع الرديئة, لا يفعلن ما يوحش أزواجهن , ولا يوجد فيهن ما ينفّر عنهن }.​
وقال العلامة ابن الجوزي:{" أزواج مطهرة " أي في الخلق فإنهن لا يحضن ولا يبلن ولا يأتين الخلاء, وفي الخُلُق فإنهن لا يحسدن ولا يغرن ولا ينظرن إلى غير أزواجهن, وهذه دعوة لنساء الدنيا أن يتصفن بصفات نساء الجنة ,فذلك هو الكمال }.
وقال العلامة الرازي رحمه الله:{ "أزواج مطهرة " تحقيق القول فيه أن النعمة و إن عظمت فلن تتكامل إلا بالأزواج اللاتي لا يحصل الأنس إلا بهن } ثم وصف الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل مطلوب فقال مطهرة , ويدخل في ذلك الطهارة من الحيض والنفاس و سائر الأحوال التي تظهر على النساء في الدنيا مما ينفر عنه الطبع , ويدخل فيه كونهن مطهّرات من الأخلاق الذميمة ,ومن القبح وتشويه الخلقة , ويدخل فيه كونهن مطهرات من سوء العشرة ..
وها هنا مبحث لطيف أشار إليه بعض الأئمة , وفصّله العلامة ابن القيم رحمه الله وهو :{ هل يوجد في الجنة حمل و ولادة أم لا ؟ قولان لأهل العلم وقد حكاهما الإمام الترمذي في جامعه بعد أن أسند عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سِنّه في ساعة كما يشتهي }.قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ,قال وقد روي عن أبي رزين العُقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد } والحديث المسند صححه الألباني .
قال العلامة ابن القيم في ختام هذا المبحث بعد إشارته لألفاظ حديث أبي سعيد و حديث أبي رزين :{وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تُناقض حديث أبي رزين غير أنه لا توالد , فهو نفي للتوالد المعهود في الدنيا , و لا ينفي ولادةً ,حمل الولد فيها و وضعه وسِنّه وشبابه في ساعة واحدة ,قال: فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسألة }.​
أقول :{ وهو جمع كريم يؤيده قول الرب سبحانه ((و فيها ما تشتهيه الأنفس )) وقوله تعالى (( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون )) فهذا عام يشمل كل ما اشتهوه و ابتغوه }.
وقد تكرر امتنان الله تعالى على عباده المؤمنين بنساء غاية في الجمال وهنّ الحور العين في آيات عديدة من كتابه العزيز كما في قوله سبحانه (( وزوجناهم بحور عين )) وقوله (( و حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون )) , وقوله جلّ وعلا (( فيهنَّ خيرات حسان – إلى قوله- حور مقصورات في الخيام )),وأيضا قوله جل وعلا ((و عندهم قاصرات الطرف أتراب )) .
إلى غير ذلك من الآيات التي سنتوقف بإذن الله تعالى عند دلالاتها في حلقة تالية ...
بقي أن أقول إن ابن القيم رحمه الله حدّد المعنى المراد بالحور العين ,قال :{ الحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء, شديدة سواد العين }قال:{ وقال زيد ابن أسلم: الحوراء التي يحار فيها الطرف },
وقال مجاهد:{ الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد و صفاء اللون }.
وقال الحسن:{ الحوراء شديدة بياض العين ,شديدة سوادها }, والعين جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء.
قال ابن القيم :{ و الصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهنّ صفات الحسن والملاحة }.
قال الإمام مقاتل :{ العين حسان الأعين , ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول }.
هنا يتوقف الحديث عن هذا الوصف , وسيكون له تتمة بإذن الله تعالى .
استودعكم الله تعالى.. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
 
رحاب أزواج الجنة والحور العين

رحاب أزواج الجنة والحور العين

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 15 "
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
أحمد لله تعالى .. وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعـــــــــــد..
أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات .. في سياق هذه الرحلة الكريمة ,التي حطّت بنا في حلقة ماضية في رحاب أزواج الجنة و الحـــور العــــــــــين ...​
وقدّمت ما حفل به القرءان الكريم من وصف النعيم للحور العين في جنات النعيم ,كما تقدمت الإشارة إلى بعض الآيات الدالة على هذا المعنى.
وتقدّم الكلام على أن الحور جمع حوراء و هي المرأة الشابّة الحسناء الجميلة البيضاء ,شديدة بياض العين شديدة سوادها التي يحار الطرف في حسنها لطهرها ,وكمال حسنها الحسي و المعنوي الظاهر و الباطن من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ..جمال ونور ..وبهاء و حسن منطق ..و طيب عشرة ولطف معاملة ..إلى غير ذلك من جوانب الحسن .
ومما جاء من وصفهنّ في الكتاب العزيز ..قول ربنا سبحانه عن أهل الجنة ((وعِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ عِين كَأنَّهُنَّ بَيضٌ مَكنون )) فهذه الآيات ونحوها أفادت ببعض صفات الحور العين و طهرهن وجمالهن ومن ذلك أنهن في غاية الجمال الحسي و المعنوي ,و وصفن بأنهن قاصرات الطرف أي حابسات أنظارهنَّ حياءً و غنجا ,وقوله ((حُورٌ عِين كَأمثَالِ اللؤلؤِ المَكنُون )) يدلّ على هذا المعنى ,فاللؤلؤ المكنون هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس و النظر ,فلم تثقبه يد و لم تخدشه عين ,و في هذا كناية عن معاني حسية و نفسية لطيفة في هؤلاء الحور الواسعات العيون ,وهي إشارة إلى ما ينبغي أن تتصف به المرأة في الدنيا من هذه الصفات الكريمة بحيث تحفظ نفسها و ما يحفظ لها حياءها و حشمتها.
قال ابن عاشور:{ ذكر هنا في هذه الآية (وعندهم قاصرات الطرف ) "فعند" في هذه الآية لإفادة أنهنَّ ملابسات لهم في مجالسهم التي تُدار عليهم فيها كأس الجنة .
وقال الله تعالى أيضا ً في وصف نساء الجنة وحورها (( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَرفِ لَم يَطمِثهُنَّ إنسٌ قَبلَهُم و لا جَان فبأيّ آلآ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان كَأنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَ المَرجَان )) وقد تكرر وصف الله سبحانه لهن بقصر الطرف في ثلاثة مواضع في القرءان أحدها هذا .
و الثاني قوله سبحانه في الصافات (( و عِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ عِين )) .
و الثالث قوله تعالى في سورة ص (( و عِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَرفِ أترَاب )) .
قال ابن القيم :{ والمفسّرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم ,وقيل قصرن طرف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهُنَّ و جمالهن أن ينظروا إلى غيرهن }.
قال ابن عادل:{ و يدل أيضا ًعلى الحياء لأن الطرف حركة الجفن ,والحيية لا تحرك جفنها ولا ترفع رأسها }.
و أما الأتراب: فجمع ترب وهو لِدَةُ الإنسان ,قال ابن عباس وسائر المفسرين :{ مستويات على سنٍّ واحد و ميلاد واحد ,بنات ثلاث وثلاثين سنة }.
قال ابن القيم:{ و المعنى من الإخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ,و لا ولائد صغيرات ,بخلاف الذكور فإن فيهم الولدان و هم الخدم }.
و هذه أعمار الرجال في الجنة أيضا كما رواه معاذ ابن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{يدخل أهل الجنة الجنة جردا ًمردا ًمكحّلين ,بني ثلاثا ًوثلاثين}رواه الترمذي وغيره و صححه الألباني.
وفي آية أخرى وصفهن الله ((عُرُبَا ًأترَابَا )) جمع عَروب وهن المتحببات إلى أزواجهن ,قال ابن الأعرابي :{ العروب من النساء المطيعة لزوجها , المتحببة إليه }.​
وقال أبو عبيدة:{العروب الحسنة التبعّل}. قال ابن القيم :{يريد حسن مواقعتها و ملاطفتها لزوجها}.
وقال المبرّد:{ العروب هي العاشقة لزوجها }. قال ابن القيم :{ ذكر المفسِّرون في تفسير العُرُب أنهنَّ العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشّقات ,قال :كل ذلك من ألفاظهم}.
وقال البخاري في صحيحه :{ عُرُبا ًمثقّلة واحدها عَروب , مثل صبور و صُبُر ,وتسمّيها أهل مكة العَرِبة ,و أهل المدينة الغَنِجة ,و أهل العراق الشَكِلة ,و العُرُب و المتحببات إلى أزواجهن}قال ابن القيم :هكذا ذكره في كتاب "بدء الخلق" و أيضا ًفي كتاب "التفسير في سورة الواقعة " .
قال ابن القيم :{ فجمع سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها ,و هذا غاية ما يطلب من النساء و به تكمل لذّة الرجل بهن}.
و مما جاء في وصف الحور أيضا ًقول الله تعالى(( إنَّ لِلمُتّقِينَ مَفَازَا حَدَائِقَ وَ أعنَابَا وَ كَوَاعِبَ أترَابَا )) قال ابن القيم :{الكواعب جمع كاعب وهي النهد},و بنحو هذا ذكر المفسِّرون حول تفلّقِهن أيضا ًو أصله من الاستدارة ,إلى آخر ما جاء من كلامهم في هذا الباب ,وهو يشير إلى ما اختُصَّ به نساء الجنة من جمال الحسن في هذا الموضع , فليس ثمّة تدلٍّ لنواهدهن و إنما هو على غاية الجمال و الكمال}.
و جاء في وصفهن أيضا ًقوله تعالى ((إنَّا أنشَأنَاهُنَّ إنشَاءَ ))قال ابن كثير:{ أي أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كنَّ عجائز رُمصا ,صرنَ أبكارا ًعُرُبا ,أي بعد الثيوبة عُدنَ أبكارا ًعُرُبا أي متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة و الظرافة و الملاحة}.
وقال ابن عادل:{ إنَّا أنشأناهن , قيل الضمير يعود على الحور العين ,أي خلقناهن من غير ولادة ,فالحوراء مخلوقة خلقة كاملة لم يسبقها ولادة لها} قال:{ وقيل المراد نساء بني آدم خلقناهن خلقا ًجديدا ًوهو الإعادة ,أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال ,و هذا يُرجّحه قوله تعالى ((فَجَعلنَاهُنَّ أبكَارَا )) لأن المخلوقة ابتداءً معلوم أنها بكر .
و جاء في وصف نساء الجنة قوله سبحانه (( كَأنَّهُنَّ الياقوتُ و المرجَان )) قال مجاهد و الحسن و السدّي وغيرهم:{أي في صفاء الياقوت ,وبياض المرجان}فجعلوا المرجان ها هنا اللؤلؤ , وقيل التشبيه هنا للنفاسة لا للون .
المعنى بهذا أنهن حاضرات بحسنهنَّ يتلألأن بهذا النور الذي عليهن ,و الكمال والجمال الذي يكسوهن. و أثنى الله على أخلاقهن فقال سبحانه(( فِيهِنَّ خَيرَاتٌ حِسَان )) فالخيرات جمع خَيرة ,و هي مخففة من خيّرة كسيّدة ,وحِسان جمع حسنة , فهنَّ خيّرات في الصفات و الأخلاق و الشّيم ,و حِسان الوجوه أيضا.
و بعـــــــــد ..فلا يزال ثمّة من وصف النعيم لأهل الجنة بالنسبة لنساءهم فيها بقية ,وخاصة ما حفلت به السُنّة أرجئه إلى حلقة قادمة بإذن الله ..​
نسأل الله تعالى الكريم من عطاءه وفضله و سابق نعمه في الدنيا و الآخرة ..إنه سبحانه بــــر رحــيم ..
 
أشجار وزروع وثمار الجنة

أشجار وزروع وثمار الجنة

أعتذر في ترتيب الحلقات،ان شاءالله أقوم بترتيبها لاحقا
فأن الشيخ قد قام بترتيبها من بداية أولى خطوات المؤمن في الجنة فقال:
فها هم المؤمنون يخطون خطواتهم الأولى في جنات عــــــــدن, تلك الجنات التي طال الشوق إليها, بل إلى خالقها ربنا ومولانا وسيدنا جلّ جلاله ,وقدّمت من قبل تلك الدهشة العظيمة التي تلحق المؤمن في أولى خطواته في جنات النعيم ,حين يشاهد بناء الجنات ويتلمّس تربتها الزاكية, وها هي الأشواق تجدد ثانية ليتوجه إلى داره ومسكنه في الجنة .
ويا الله .. ما أعظم فرحة عباد الله الفائزين حين يدخلون الجنة, فينطلق كل إلى بيته وأهله يعرفه أعظم من معرفته بيته في الدنيا..و إنها لأربح تجارة, أن يجاهد المؤمن في هذه الحياة الدنيا القصيرة, حتى لو فقد حياته كلها في مرضاة الله جلّ وعلا, ثم يعوّض عنها تلك الجنات, وهذه المساكن في نعيم مقيم, حقّاً ذلك هو الفوز العظيم...
---------------------------------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق (16)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد الله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــد ..
فها هي أشواقنا و رحلتنا تقودنا بعون الله تعالى إلى دار كرامته ..حيث ننتقل إلى مرحلة جديدة , و إلى أفياء كريمة ..حيث الخضرة و البهجة ..حيث الأشجار و الزروع و الثمار.. فالجنة مزدانة بالأشجار الوارفة ..و الزروع الكريمة والخضرة البيهجة.
قال الله تعالى في وصف بعض الجنان في جنات الخلد التي وعدها الخُلّصَ من عباده " مُدْهَامَّتَانِ "وهو وصف مشتق من الدُّهمة وهو لون السواد ,و وصف الجنتين بالسواد مبالغة في شدّة خُضرة أشجارها حتى تكون بالتفاف أشجارها و قوة خضرتها كالسوداوين ,لأن الشجر إذا كان ريّان اشتدّت خُضرة أوراقه حتى تقرب من السواد .
و عن أشجارهاتين الجنتين قال ربنا جلّ جلاله ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ )) أي أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة .
وعن أشجار الجنة قال ربنا سبحانه ((وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ *فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍوَطَلْحٍ مَّنضُودٍ *وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ *وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ *وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ *لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ )) وقال سبحانه أيضا ً ((ذَوَاتَا أَفْنَانٍ )) وهو جمع فنن وهو الغصن .
وقال سبحانه (( فِيهَا فَاكِهَةٌ ونَخلٌ و رُمّان )) وفي قوله جلّ وعلا "في سدر مخضود "المخضود الذي قد خُضِدَ شوكه أي نُزِعَ و قُطع فلا شوك فيه كما قال ابن عباس وغيره .
و أمّا الطلح فأكثر المفسرين قالوا إنه شجرة الموز .
قال الإمام مجاهد رحمه الله :{ أعجبهم طلح بلاد( وج) و حسنه ,فقيل لهم و طلح منضود , و هذا كما قاله علي ابن أبي طالب و غيره , وقالت طائفة أخرى : بل هو شجر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب }.
ولهذا الشجر نور و رائحة و ظل ظليل ,وقد نُضّد بالحمل و الثمر مكان الشوك ,وقال ابن قُتيبة:{ هو الذي نُضّد بالحمل ,أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره , فليس له ساق بارز}.
و قال الإمام مسروق :{ورق الجنة نُضّد من أسفلها ألى أعلاها ,و أنهارها تجري من غير أخدود}.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله :{و الظاهر أن من فسّر الطلح المنضود بالموز إنما أراد التمثيل به لحسن نضده و إلا فالطلح في اللغة الشجر العظام من شجر البوادي ,و الله أعلم}.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها ,فاقرأوا إن شئتم "و ظل ممدود"}.و في الصحيحين أيضا ًمن حديث أبي حازم عن سهل ابن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها}قال أبو حازم : فحدّثنا به النعمان ابن أبي عياش الزُرَقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع في ظلّها مئة عام لا يقطعها}.
قال الحافظ ابن حجر :{ والشجرة المذكورة قال ابن الجوزي يقال إنها طوبى }قال ابن حجر:{ و شاهد ذلك في حديث عُتبة ابن عبد السُلمي عند أحمد و الطبراني و ابن حبّان فهذا هو المعتمد خلاف لمن قال إنما نُكّرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة}.
و في قوله عليه الصلاة والسلام (يسير في ظلها ) قال النووي:{قال العلماء المراد بظلها كنفُها و ذراها وهو ما يستر أغصانها.
وقال الحافظ ابن حجر :{أي في نعيمها "يسير في ظلها" يعني في نعيمها و راحتها , و منه قولهم عيش ظليل ,و قيل معنى ظلها ناحيتها و أشار في ذلك إلى امتدادها ,و منه قولهم أنا في ظلك أي في ناحيتك}.
قال الحافظ القرطبي:{ و المحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عُرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس و أذاها ,و ليس في الجنة شمس و لا أذى}.
قال ابن حجر:{و روى ابن أبي حاتم و ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق, قدر ما يسير الراكب المُجدّ في ظلها مئة عام من كل نواحيها ,فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها , فيشتهي بعضهم اللهو, فيرسل الله تعالى ريحا ًفيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا}.
و في هذا السياق ..جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب}رواه الترمذي و حسنه و ابن أبي الدنيا و صححه ابن حبان و حسنه الألباني.
و جاء في وصف هذه الأشجار و قطوفها و أغصانها ما رواه البيهقي و غيره عن البراء ابن عازب رضي الله عنه في قوله سبحانه (( وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا)) قال : إن أهل الجنة ليأكلون من ثمار الجنة قياما ًوقعودا ًو مضطجعين}. و أيضا ًأخبر ابن عباس رضي الله عنهما قال:{نخل الجنة من زمرد أخضر و كربُها ذهب أحمر ,وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم , وثمرها أمثال القلال و الدلاء , أشد بياضا ًمن اللبن و أحلى من العسل ,وألين من الزبد ,ليس فيها عجن}و قد صححه الحاكم و غيره.
و في هذا السياق أيضا ًروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عندما سأله رجل :{يا رسول الله ما طوبى ؟ قال: شجرة مسيرة مئة سنة ,ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها}رواه ابن حبان في صحيحه . و معنى قوله من أكمامها :جمع كم وهو وعاء الطلح .
و بعــــــد أيها الكرام ..ألا إن سلعة الله غالية ,ألا إن سلعة الجنة ..هذا بعض نعيمها رزقني الله و إياكم الحلول في جنباتها و الفوز بنعيمها ..إن ربي سميع الدعاء ..
و صلى الله على نبينا محمد ..و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته..​

 
ثمار الجنة

ثمار الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق(17)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــد ..
ها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته سبحانه ..تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ..
فبعد أن طُفنا على بعض أشجار الجنــــــة ..فهذه وقفة عجلة على بعض ثمارها ..​
و نسأل الله الوقوف عندها هناك ..وقُوفــــا ًو خُلــُـــــــودا ًأبديـــــــــــــة بمنّــــــــه وكرمــــــه سبحانه..
قال الله جل وعلا مبشّرا ًعباده المؤمنين ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ )), وقول أهل الجنة "هذا الذي رزقنا من قبل" أي شبيهه و نظيره لا عينه ,وهل المراد أنهم قالوا هذا الذي رزقنا في الدنيا نظيره من الفواكه و الثمار أو هذا نظير الذي رزقناه قبل في الجنة ؟!! قيل فيه قولان ,ثم شرع العلامة ابن القيم في ذكر أدلّة العلماء , و نرجو الله تعالى أن نحقق القول الصحيح في هذا الكلام ,و ما أراده أهل الجنة عندما نتناول هذه الثمار الكريمة..
و قد قال جماعة من الصحابة في قول الله سبحانه "و أتُوا بِه مُتَشَابِهَا "يعني في اللون و المرأى ,وليس يشتبه في الطعم .و هذا اختيار ابن جرير رحمه الله .
و روى عن ابن عباس قال:{ لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء}و في رواية {ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء}..
و قال عبد الرحمن ابن زيد ابن أسلم في قوله سبحانه " وأتُوا بِهِ مُتَشَابِهَا "قال :يعرفون أسمائه كما كانوا في الدنيا ,التفاح بالتفاح و الرُمَّان بالرُمَّان ,قالوا في الجنة :"هذا الذي رزقنا من قبل" في الدنيا "وأتوا به متشابها" يعرفونه وليس هو مثله في الطعم .
وجاء ذكر الفواكه في صفات الجنات التي وعد الله عباده السابقين ,و من ذلك قوله سبحانه ((فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ )) و قوله جل علا ((فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ )), قال ابن كثير:{ و لا شك أن الأولى أعم و أكثر في الأفراد و التنويع على فاكهة و هي نكرة في سياق الإثبات لا تعم },ولهذا فُسِّر قوله سبحانه ((وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ )) من باب عطف الخاص على العام كما قرره البخاري و غيره ,و إنما أفرد النخل و الرمَّان بالذكر من بين ثمار الجنة كلها لشرفهما على غيرهما.
و قال ابن أبي حاتم بإسناده عن يحي ابن أبي كثير قال:{عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك ,و يطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها , ثم يُؤتون بمثلها فيقول لهم أهل الجنة :هذا الذي آتيتمونا آنفا ًبه ,فيقول لهم الولدان : كلوا فإن اللون واحد و الطعم مختلف ..وهو قول الله تعالى "وأتوا به متشابها"}.
قال ابن القيم :{ و معناه أنه يشبه بعضه بعضا ً,ليس أوله خيرا ًمن آخره , و لا هو مما يعرض له ما يعرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر و كبرها من نقصان حملها و صغر ثمرها و غير ذلك , بل أوله مثل آخره و آخره مثل أوله وهو خيار كله ,يشبه بعضه بعضا . فهذا وجه قولهم}.
و قال الحسن البصري رحمه الله في قوله سبحانه "و أتوا به متشابها":{خيار كله لا رديئ فيه, ألم تروا إلى ثمر الدنيا كيف تسترذلون بعضه ,و أن ذلك ليس فيه ذلّ}, و قال قتادة :{خيار لا رذل ,فإن ثمار الدنيا يُنقّى منها و يرذل منها} و كذلك قال غيره. المراد بالتشابه : التوافق و التماثل .
ثم تأمل منتهى التنعّم و الترف في تعاطي أهل الجنة لثمارها ,قال ربنا سبحانه ((وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ )) فقوله سبحانه "متكئين فيها " قيل متربعين فيها على سرر تحت الحجال ,"يدعون فيها بفاكهة كثيرة" أي مهما طلبوا وجدوا وحُضِّرَ لهم كما أرادوا. "يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب" شراب: أي من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخُدّام .
و من أحوال أهل الجنة مع ثمارها ما دلّ عليه قول ربنا سبحانه ((يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ)) هذا يدل على أمنهم من انقطاعها و من مضرتها ,ففاكهة الدنيا قد تنقطع و ربما لو تناولها البعض أضرّته ,لكن لا يكون ذلك في ثمار الجنة .
و قال ربنا في شأن الجنة و ثمارها ((وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ)) و قال سبحانه ((وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ )) أي لا تكون في وقت دون وقت و لا تُمنع ممن أرادها .
في الدنيا لكل فصل فاكهته .. للشتاء فاكهته ,للصيف فاكهته ,لكن في الجنة مهما طلب أهلها أو اشتهوا أو تمنّت أنفسهم أحضر لهم .
و قال ربنا سبحانه في شأن المؤمن ((فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ )) والقطوف: جمع قطف وهو ما يُقطف ,و القطف الفعل ,أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء.
قال البراء ابن عازب:{يتناول الثمرة وهو نائم },و قال ربنا عن ثمار الجنة ((وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا)) قال ابن عباس :{ إذا همَّ أن يتناول من ثمارها تدلّت له حتى يتناول ما يريده},و قال غيره:{ قريب إليهم }و ذللت قطوفها تذليلا: قريب إليهم مذلله كيف شاءوا فهم يتناولونها قياما ًو قعودا ًو مضطجعين , فيكون كقوله سبحانه ((قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ )) و معنى تذليل القطِف :هو تسهيل تناوله.
و روى البراء ابن عازب رضي الله عنه في قوله سبحانه (( وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا)) قال :{إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما ً و قعودا ًو مضطجعين}رواه البيهقي و غيره موقوفا ًبإسناد حسن و مثله لا يقال بالرأي , و يشهد له قول ربنا سبحانه ((وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ )) ما يُجنى من ثمارهما ,و المعنى أن ثمر الجنة دانٍ منهم وهم على فرشهم ,فمتى شاءوا اقتطفوا منه.
و قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :{ نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر و كَرَبُها ذهب أحمر و سعفها كسوة لأهل الجنة ,منها مُقطّعاتهم و حُللهم ,وثمرها أمثال القلال و الدلاء, أشد بياضا ًمن اللبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد ,ليس فيها عجن}رواه ابن أبي الدنيا موقوف بإسناد جيد والحاكم و قال صحيح عل شرط مسلم ,و مثله لا يقال بالرأي .
هكذا قال ابن عباس في وصف هذه الثمار و هذه الأشجار ..ونحن نرجو الله تعالى الذي أكرمنا بوصفها في كتابه العزيز ..أن يكرمنا بأن نطعم منها و أن نتنعّم بها في جنات النعيم.. إنَّ ربي سميع مجيب ..
و صلى الله على نبينا محمد ..و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..
 
أنهار الجنة(( تحت قصورهم، ,إحدى حافتيها اللؤلؤ و الأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر))

أنهار الجنة(( تحت قصورهم، ,إحدى حافتيها اللؤلؤ و الأخرى الياقوت وطينها المسك الأذفر))

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق (18)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين ..
أما بعــــــــد..
أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات في سياق هذه الرحلة , هذه الرحلة بعون الله تعالى إلى دار كرامته ,تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ,حيث سنتوقف و إياكم بإذن الله على ضفاف أنهار الجنة و عيونها..
نتوقف هنا عند موعود الله ..و أنا أرجوه أن نتوقف هناك على الحقيقة و الواقع ..
الأنهار جمع نهر.. وهو الماء المستبحر الجاري في أخدود عظيم من الأرض, هذا عهدنا به في الدنيا أما في الآخرة فنرجو أن نرى ذلك عيانا..​
أنهار الجنة وعيونها حيث منظر الماء ,و حيث جريانه و تدفّقه بما يُفيضه من مشاهد المتعة و مشاعر الأنس, لأن جري الأنهار أكمل محاسن الجنات المرغوب فيها ,ويدرك أهل الذوق مجالات المتعة و النعيم بمناظر المياه و تدفّقها ,و لعلك لو وقفت على مصب مائي عند نهر أو شلال لأدركت شيئا ً من دلالات هذا التنّعم , فهو المتاع و الاسترواح و مشهد الظل الدائم و الثمر المستطاب, مشهد تطمئن له النفس وتستريح ..
و قد تكرر في القرءان الكريم ذكر أنهار الجنة و عيونها في عدة مواضع من كتاب الله , كما قال سبحانه ((تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) و في موضع ((تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ)) و في موضع ((تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ))..
قال ابن القيم رحمه الله :{وهذا يدل على أمور:​
أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقة .
الثاني: أنها أنهار جارية لا واقفة .
الثالث :أنها تحت غرفهم و قصورهم و بساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا.}
و قد قال انس ابن مالك رضي الله عنه:{لعلّكم تظنّون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض ..لا و الله إنها لسائحة على وجه الأرض ,إحدى حافتيها اللؤلؤ و الأخرى الياقوت ,و طينه المسك الأذفر..قيل له ما الأذفر ,قال: الذي لا خلطة له}رواه ابن أبي الدنيا موقوفا ًوصححه الألباني و مثله لا يقال بالرأي.
قال ابن القيم :{فأنهار الجنة و إن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل و الغرف و تحت الأشجار ,وهو سبحانه لم يقل من تحت أرضها ,و قد أخبر سبحانه عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال ((وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ))فهذا على ما هو المعهود و المتعارف ,و كذلك ما حكاه من قول فرعون ((وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)).
و عن أصناف أنهار الجنة و ما يجري فيها ,قال الله تعالى ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ )) فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة و نفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا ,فآفة الماء أن يأسن و يأجن من طول مكثه ,و آفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة و أن يصير قارصا ,و آفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللّذة و شربها إضافة إلى عيوبها غير الخافية ,و آفة العسل عدم تصفيته ,وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجري العادة في الدنيا بإجراءها و يجريها في غير أخدود و ينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها .
و أنهار الجنة تتفجّر من أعلاها ثم تنحذر نازلة إلى أقصى درجاتها كما روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء و الأرض ,فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ,فإنه أوسط الجنة و أعلى الجنة و منه تُفجّر أنهار الجنة}.
قال الحافظ ابن حجر:{منبع أنهار الجنة من الفردوس ,و وهم من زعم أن الضمير للعرش ,فقد وقع في حديث عبادة ابن الصامت عند الترمذي:والفردوس أعلاها درجة و منها(أي من الدرجة التي فيها الفردوس) تُفجّر أنهار الجنة الأربعة ,و من فوقها يكون عرش الرحمن}.​
و جاء ما يبين أصول هذه الأنهار في جنة الفردوس حيث روى معاوية القُشَيري رضي الله عنه قال:{سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن في الجنة بحر الماء و بحر العسل و بحر اللبن و بحر الخمر ثم تُشقق الأنهار}رواه أحمد و الترمذي و غيرهما .
قال المباركفوري :{تُفجّر أنهار الجنة الأربعة هي :أنهار الماء و اللبن و الخمر و العسل المذكورة في القرءان}.
قال ابن القيم:{أنزه الموجودات و أطهرها و أنورها و أعلاها ذاتا ًو قدرا ًعرش الرحمن ,و كل ما قرُب إلى العرش كان أنور و أزهر ,فلدى كان الفردوس أعلى الجنان و أفضلها}.
و الجنة كثيرة الأنهار ..فهناك الأنهار التي توجد في ملك كل مؤمن و مؤمنة في الجنة ,و يتصرف في إجراءها كيفما أراد ,و ثمّة من أنهار الجنة.. أنهار عظيمة يتدفّق منها الماء بما لا يحيط بقدره و عظمته إلا الله جل وعلا ..​
سأذكر تماما ًأبيات رائقة لابن القيم رحمه الله ذكرها في نونيته عن الأنهار قال:​
أنهَارُهَا فِي غَيرِ أخدُودٍ جَرت سُبحَانَ مُمسِكَهَا عَنِ الفَيضَانِ
مِن تَحتهِم تَجرِي كَمَا شَاءُوا مُفجّرةً وَ مَا لِلنَهرِ مِن نُقصَانِ
عَسَلٌ مُصَفّىَ ثُمَّ مَاءٌ ثُمَّ خَمرٌ ثُمّ أنهَارٌ مِنَ الألبـــــَـــــانِ
و اللهِ مَا تلكَ الموادُ كهذهِ لَكن هُمَا في اللفظِ مُجتَمِعَانِ
هَذَا وَ بينَهُمَا يَسِيرُ تَشَابُهٍ وَهَوَ اشتِرَاكٌ قَامَ بِالأذهَانِ
وفّق الله الجميع لما فيه الخيــــــــــــــر ..و صلى الله و سلم على نبينا محمد ..
و الســــــــــــلام عليـــــــــكم و رحمــــــــة الله و بركـــــــــاته..
 
الجنة كثيرة الأنهار ..فهناك الأنهار التي توجد في مُلك كل مؤمن و مؤمنة في الجنة

الجنة كثيرة الأنهار ..فهناك الأنهار التي توجد في مُلك كل مؤمن و مؤمنة في الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم​
رحلة إلى بلاد الأشواق (19)
خالد بن عبد الرحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين..
أما بعـــــــــد..
ها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته سبحانه مستمرة..نسأل الله بلوغها على الحقيقة و السلام..
و قد طفنا سويا ًعلى ضفاف أنهار الجنة في حلقة متقدّمة ,و تقدّمت الإشارة إلى أن جريان الماء و تدفّقه فيما حول الإنسان على هيئات محددة ,فيه من البهجة و الحبور ما لا يخفى .
و أشرت إلى ما حفل به القرءان الكريم من ذكر الأنهار.. و وصفها بالجريان و ما يضفيه ذلك من نعيم على أهل الجنة ..
و تقدمت الإشارة إلى تعدد أصناف أنهار الجنة و ما يجري فيها ,فمع جريانها بالماء فهي تجري بالأشربة المحببة لنفوس أهل الجنة ,و بينت السُنّة أن أنهار الجنة تتفجّر من أعلاها ثم تنحذر نازلة إلى أقصى درجاتها .
و الجنة كثيرة الأنهار ..فهناك الأنهار التي توجد في ملك كل مؤمن و مؤمنة في الجنة ,و يتصرف في إجراءها كيفما أراد ,و ثمّة من أنهار الجنة أنهار عظيمة يتدفق منها من المياه ما لا يحيط به إلا الله جل و علا .
و من أجلّ أنهار الجنة العظيمة الكوثـــــــــــر.. الذي امتنّ الله به على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ,ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:{بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم بين أظهُرنا ,إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ..فقلنا :ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال:أنزلت عليا آنفا ًسورة ..فقرأ ((بِسمِ اللهِ الرّحمَنِ الرّحِيم ..إنَّا أعطَينَاكَ الكَوثَر فَصلّي لِرَبِّكَ وَ انحَر إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبَتر)) ثم قال :{أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا :الله و رسوله أعلم ..قال:فإنه نهر وعدني فيه ربي عزَّ وجل عليه خير كثير, هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم}الحديــث.
و في صحيح البخاري عن أنس ابن مالك قال:{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:بينما أنا أسير في الجنة ,إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوف ..قلت:ما هذا ياجبريل ؟ قال:هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ,فإذا طينه أو طِيبه مسك أذفر}و في رواية عند مسلم :{بينا أنا أسير في الجنة ,إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوّف ,و إذا طينه مسك أذفر ..فقال جبريل:هذا الكوثر ..}.
و روى البخاري عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال:{سألتها عن قوله تعالى ((إنَّا أعطيناك الكوثر )) قالت:نهر اُعطيّه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه درٌّ مجوّف آنيته كعدد النجوم}.
و في وصف هذا النهر و عموم بركته على الأمة ,جعلني الله و إياك من الشاربين منه,ما ثبت عن ابن عمر قال:{قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :الكوثر نهر في الجنة ,حافتاه من ذهب ,و مجراه على الدرِّ و الياقوت ,تربته أطيب من المسك ,و ماءه أحلى من العسل ,و أبيض من الثلج}رواه ابن ماجه و الترمذي و غيرهما و صححه الألباني.
قال المناوي رحمه الله:{و لا يعارضه ما في رواية أنّ طينه مسك , لجواب كون المسك تحت اللؤلؤ و الياقوت, كما يدل له قوله : تربته أطيب ريحا ًمن المسك ,و ماءه أحلى من العسل ,و أشد بياضا ًمن الثلج}.
و من خيرية هذا النهر ..أنه يمتد من الجنة ليصب في حوض في أرض المحشر, ليشرب منه المؤمنون هناك تكرمة من الله لهم ,و تقدمة لنعيم الجنة التي أمامهم ,و إسراعا ًفي ريّهم أشدّ ما يكونون حاجة إلى الماء,ففي صحيحح مسلم عن أبي ذر قال:{قلت يا رسول الله ما آنية الحوض ؟؟ قال:و الذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء و كواكبها في الليلة المظلمة المُصحية ,آنية الجنة من شرب منها لم يظمئ آخر ما عليه ,يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمئ ,عرضه مثل طوله ما بين عمّان إلى أيلاء ,ماءه أشد بياضا ًمن اللبن و أحلى من العسل}و قوله يشخُب أو يشخَب:الشخب هو السيلان و أصله ما خرج من تحت يدي الحالب عند غمرة و عصرة لضرع الشاة . و عمّان :المدينة المعروفة في البلقاء ,وأيلاء:مدينة على ساحل البحر الأحمر .
و المعنى في هذا الحديث كما قال الإمام ابن أبوالعز الحنفي رحمه الله في شروح الطحاوية أن نهر الكوثر يمتد من الجنة ,و يخرج منه ميزابان أي مجريين عظيمين ليصبّا في عرصات القيامة ليشرب منه المؤمنون قبل دخولهم الجنة . و أحاديث حوض المصطفى عليه الصلاة و السلام بلغت حد التواتر و قد رواه بضع و ثلاثون صحابيا, ثم تتبع طرق أحاديث الحوض الحافظ ابن حجر عن أكثر من خمسين صحابيا .
و من الأنهار العظيمة في الجنة ..أنهار لها امتداد في أصل مادّتها إلى هذه الحياة الدنيا ,ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :{قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:سيحان و جيحان و الفرات و النيل كلٌّ من أنهار الجنة}.
قال الإمام النووي رحمه الله :{اعلم أن سيحان و جيحان غير سيحون و جيحون ,فأما سيحان و جيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة في بلاد الأرمن ,فجيحان نهر المصِّيصة و سيحان نهر إدمة ,و هما نهران عظيمان جدّا ًأكبرهما جيحان ,فهذا هو الصواب في موضعهما ,و نهر الفرات معروف مكانه ,و نهر النيل معروف أيضا}.
قال النووي : و أما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض أحدهما :​
*أن الإيمان عمَّ بلادها أو الأجسام المتغذية بماءها صائرة إلى الجنة.
*و الثاني وهو الأصح أنها على ظاهرها و أن لها مادّة من الجنة .
و الجنة مخلوقة موجودة اليوم عند أهل السُنّة ,و قد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء "أنَّ الفرات و النيل يخرجان من الجنة ". و في البخاري "من أصل سدرة المنتهى".
و بعـــــــد.. فهذا ما وَسِعَ لنا التطواف بين أنهار الجنة .. و بقي من مياة الجنة الكلام على عيونها ,أقرّ الله أعيننا ببهجتها ,و أطعمنا من شرابها ..و هذا ما أتناوله في حلقة قادمة بإذن الله ..
و الســــــــــلام عليــــــــــــكم و رحمـــــــــة الله و بركــــــــــاته...
 
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق (20)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين ..و صلى الله و سلم على المبعوث رحمة للعالمين ..نبينا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــد...
مرحبا ًبكم أيها الإخوة و الأخوات ..و ها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته ..تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ..أسأل الله تعالى أن ننزل في تلك الرحاب الطاهرة .
فبعـــد الوقوف على ضفاف أنهار الجنة في حلقات مضت..ها هي الوقفة مرة أخرى تتجدد عند نعيم الجنة فيما يتعلق بالماء و بجريانه في الجنة و بعيونه الرقراقة..
المــــــــــاء الذي هو أحد مباهج الحياة..الماء الذي نودي أهل الجنة من قِبَلِ أهل النار أن يُفيضوا عليهم شيئا ً منه ,كما أخبر سبحانه ((و نَادَىَ أصَحَابُ النَّارِ أصَحَابَ الجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَينَا مِنَ المَاءِ أو مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قَالُوا إنَّ اللهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِين )).
و هنا تتجدد مشاعر التنعّم بالماء ,فهؤلاء قد اُذِنَ لهم فيه بكل ما شاءوا ,و أما أولئك فقطرة واحدة محرّمة عليهم في النار .
الوقفة هنا عند العيون ..عيـــــــــــون الجنّــــــــــة ..والعيون جمع عين وهو اسم لثقب أرضي يخرج منه الماء من الأرض, و قد يكون انفجارها بدون عمل الإنسان ,و قد يكون بفعل فاعل وهو التفجير , و هذا في الدنيا ,أما الآخرة ..فنسأل الله من فضله.
و قد جاء ذكر عيون الجنة في القرءان الكريم في عدة مواضع ,و من ذلك قوله سبحانه ((إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيوُن )) و قوله جلَّ و علا((إنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أمِين فِي جَنَّاتٍ وَعُيوُن )).
و في شأن العيون قال سبحانه ((إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيوُن )) و قال أيضا ((إنَّ المُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيوُن ))..و العيون في الجنة منها العيون العامّة المتدفّقة لأهل الجنة بعامّة ,و منها العيون التي يختص بها كل أحد في ملكه . قال الرازي رحمه الله :{فيجوز أن يختصّ كل أحد بعين ,و ينتفع بها كلٌ ممن كان في خدمته من الحور و الولدان و يكون ذلك على قدر حاجتهم و على حسب شهواتهم و رغباتهم ,و يحتمل أن يجري من بعضهم إلى بعض لأنهم مطهّرون عن الحقد و الحسد}.
و قد جاءت تسمية بعض العيون في القرءان ,و جاء وصفها و وصف المادّة التي تجري فيها غير عيون الماء ..
فمن عيون الجنة (أقرّ الله أعيننا بها) التي نوّه الله بها في كتابه الكريم ((عَينٌ تُسمَّىَ سَلسَبِيلَا)) ,قال الله تعالى ((إنَّ الأبرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورَا عَينَا ً يَشرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفجِّرُونَهَا تَفجِيرَا )) و هذا يُفيد أن شراب الأبرار في الجنة ممزوج بالكافور ,يشربونه في كأس تغترف من عين تُفجّر لهم تفجيرا في كثرة و وفرة , وقد كان العرب يمزجون كؤوس الخمر بالكافور حينا ًو بالزنجبيل حينا ,زيادة ًفي التلذذ بها . والكافور اسم لسائل طيب الرائحة ,أبيض اللون تميل إليه النفوس ,هذا في الدنيا ,أما في الآخرة فنسأل الله من فضله ..
فالأبرار المؤمنون الصادقون يجعلهم الله يوم القيامة في جنات عالية ,يتمتعون بأنواع النعيم و منه الشرب من خمر الجنة الكريمة ,هذه الخمر تُخلط بما يشبه الكافور في الدنيا فتنتعش له النفوس ,وتحبه الأرواح و القلوب لطيب رائحته وجمال شكله ولبرودته.
فأما مستوى هذا الشراب فمفهوم أن خمر الدنيا تجمع أنواع الرذائل و القرف الحسي والمعنوي,وأما خمر الجنة فلذّة الشعور به تتضاعف وتترقّى , ونحن لا نملك في هذه الأرض أن نحدد مستوى ولا نوع للذّة المتاع هناك ,فهي أوصاف للتقريب يعلم الله أن الناس لا يملكون سواها لتصور هذا الغيب المحجوب.
و قوله سبحانه عن هذه العين وفعل المؤمنين فيها (( يُفَجِّرونَهَا تَفْجيِرَا )) فالتعبير بقوله يفجرونها تفجيرا إشارة إلى كثرتها و سعتها و سهولة حصولهم عليها ,يقال "فجّر فلان الماء " إذا أخرجه من الأرض بغزارة .
قال الحافظ القرطبي رحمه الله :{يقال إن الرجل منهم ليمشي في بيوتاته ويصعد إلى قصوره وبيده قضيب من ذهب , يُشير به إلى الماء ,فيجري معه حيثما دار في منازله على مستوى الأرض في غير أخدود ويتبعه حيثما صعد إلى أعلى قصوره ,وذلك قوله تعالى "عينا ًيشرب بها عباد الله يُفجّرونها تفجيرا}أي يشققونها شقّا ًكما يفجر الرجل النهر هاهنا وها هنا و ها هنا إلى حيث يريد.
وبعـــــــد أيها الكرام ...إلى هنا تحط بنا الرحلة بين عيون الجنة ,غير أن الحديث عنها لم يتم بعد..
حيث استكمل بإذن الله تعالى وإيّاكم التجّول بين هاتيك العيون في حلقة تالية بإذن الله..
وأسأله سبحانه أن يجعلنا من الشاربين المتنعّمين بأنهار الجنة و عيونها نحن و والدينا والمسلمين..
و صلى الله وسلم على نبينا محمد ..
والســـــــــــــــــلام عليــــــــــكم ورحمـــــــــة الله وبركـــــــــاته...
 
عيون الجنة..سلسبيل،تسنيم

عيون الجنة..سلسبيل،تسنيم

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق(21)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع​
الحمد لله رب العالمين ..و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعــــــــــــد...
فاُجدد الترحيب لكم أيها الإخوة و الأخوات ..في سياق هذه الرحلة الكريمة إلى دار كرامة الله جلّ وعلا أسأله سبحانه أن ينزلنا فيها المنازل العالية ..
في حلقات مضت كان الحديث و الوصف للماء في الجنة ,الأنهار والعيون, الماء بما يُضفيه من مباهج المتعة و النعيم الذي يدركه أهل الدنيا في الدنيا ,كيف سيكون الحال إذن في الدار الآخرة ..
هنالك على ضفاف أنهار الجنة ..وبجوار العيون المتدفّقة ,لا زال التجوّل بين تلك العيون الجارية في الجنة وإيّاكم ,من خلال هذه النصوص الكريمة في كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .
العيون الجارية في الجنة سواءً تلك العيون الجارية في أنحاء الجنة بعامّة ,أو العيون التي يختصّ بها كل مؤمن و مؤمنة في أملاكهم و مساكنهم في جنات النعيم .
وأشرت من قبل إلى أن العيون قد جاء تسمية بعضها في الجنة ,وجاء البيان بما تجري به غير الماء,فقد جاءت تسمية بعض العيون في القرءان ووصفها ووصف المادّة التي تجري فيها غير عيون الماء , وذكرت من قبل العين التي فيها شرب الخمر بأحسن طعم وألذّ مذاق و أطيب رائحة و أعظم استساغة مع مزجها بالكافور .
و في هذه الحلقة أتوقف عند عيــــــن أخرى وصفها الله تعالى في كتابه فقال سبحانه ((وَ يُسقَونَ فِيهَا كَأسَا ًكَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلَا عَينَا ًفِيهَا تُسَمّى سَلسَبِيلا )) و معنى الآية أن هذه سقية أخرى ..أي مرة يشربون من كأس مزاجها الكافور كما تقدّم , ومرة يُسقون كأسا ًمزاجها الزنجبيل ..
فقوله سبحانه (( وَ يُسقَونَ فِيهَا كَأسَا ًكَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلَا عَينَا ًفِيهَا تُسَمّى سَلسَبِيلا )) المراد بالكأس هنا كأس الخمر , و الزنجبيل : نبات ذو رائحة عطرية طيبة ,هذا في الدنيا وأمّا الآخرة فنسأل الله من فضله . و العرب كانوا يستلذّون الشراب الممزوج به ,و السلسبيل وصف قيل مشتق من السلاسة بمعنى السهولة واللين ,يقال ماء سلسل أي عذب سائغ للشاربين , فهذه العين وصفها السلاسة والعذوبة وسهولة نزول ماءها للحلق مع سهولة مساغها ,و اسمها سلسبيل.
و عيـــــــن أخرى من عيون الجنة التي يتلذذ بها أهلها ,إنها عين تدعى تسنيــــم ,وهي التي جاء الخبر عنها في قول الله جل شأنه ((يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُوم خِتَامُهُ مِسك وَ فِي ذَلِكَ فَالِيتَنَافَسَ المُتَنافِسُون و مِزَاجُهُ مِن تَسنِيم عَينَا ًيَشرَبُ بِهَا المُقَرَّبُون))فقوله سبحانه يسقون من رحيق مختوم:أي يسقون من خمر من الجنة ,و الرحيق :من أسماء الخمر الصافية الطيبة وهي خمر الجنة .
ولاحظ أنه سبحانه وتعالى قال"يُسقون" ولم يقل في غير القرءان يشربون ,للدلالة على أنهم مخدومون يخدمهم مخلوقات لأجل ذلك في الجنة ,و ذلك من تمام الترفه ولذة الراحة . والعرب كانت تجعل على الخمر النفيسة عندهم خاتما ً,و هكذا تُختم خمر الجنة ولكن بما يكون فيه التلذذ من كل جهه الطعم والرائحة والاستساغة وحسن العاقبة , وهذا ما لا يكون بحال في خمر الدنيا .
قال الله سبحانه عن رحيق الجنة مختوم "ختامه مسك":أي مختوم آوانيه بالمسك مكان الطين الذي كان في الدنيا ,ولعلّه تمثيل لنفاسته ,أو الذي له ختام أي مقطع وهو رائحة المسك ,و وصفه بأنه مختوم "ختامه مسك" قد يفيد أنه معدٌّ في آوانيه وان هذه الآواني مُقفلة مختومه تُفضّ و تُفتح عند الشراب وهذا يوضح الغاية في الصيانة والعناية بهذه الآواني وبهذا المشروب.
كما أن جعل الختم من المسك فيه أناقة ورفاهية ,وهذه الصورة لا يدركها البشر إلا في حدود ما يعهدونه في الأرض ,فإذا كانوا هنالك في الجنة كانت لهم أذواق ومفاهيم تتناسب تصورهم الطليق من جو الأرض المحدود .
وقوله سبحانه "ومزاجه من تسنيم" فتسنيم علم (يعني اسم علم) لعينٍ بعينها في الجنة ,سميت تسنيم
-لرفعة قدر شرابها ,فلا يشربه إلا الخواص من أهل الجنة وهم المقربون ,
-وسميت بذلك أيضا ًلارتفاع مكانها فإن هذه العين تصب على جناتهم من علوّ فكأنها سنام , وهذا العلم عربي المادة والصيغة ولكنه لم يكن معروفا ًعند العرب فهو مما أخبر به القرءان الكريم ,ولغرابة ذلك أحتيج إلى تبيينه بقوله سبحانه "عينا ًيشرب بها المقربون ".
ومن العيون الموعود بها في جنات النعيم ما وعد به سبحانه في قوله ((ولِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان فَبِأيِ آلاءِ رَبّكُمَا تُكَذِبَان ذَواتَا أفنَان فَبِأيِ آلاءِ رَبّكُمَا تُكَذِبَان فِيهِمَا عَينَانِ تَجرِيان فَبِأيِ آلاءِ رَبّكُمَا تُكَذِبَان)) فقوله سبحانه" فيهما عينان تجريان":أي في كل جنة منهما عين تجري بالماء العذب الفرات. و وصف الله عيني الجنتين الأخريين فقال((فِيهِمَا عَينَانِ نَضَّاخَتَان))أي فوّارتان بالماء الذي لا ينقطع منهما من النضخ وهو فوران الماء من العيون مع حسنه وجماله ,الحسن والجمال في منظره ولذّة الطيب في رائحته ولذّة الطعم عند تناوله ,وهذا يناله بعض من أهل الجنة فإن الله تعالى جعل هذه الجنان المحددة بهذه الأسماء بقوله "ولمن خاف مقام ربه جنتان "فهي جنان داخل الجنة العظمى إنما يُعطاها من وصف بهذه الأوصاف ومن علا إيمانه حيث قال سبحانه "ولمن خاف مقام ربه"..
وبعـــــــــــد...وإلى هنا نجدد التذكرة بأن هذه الآيات الكريمة قد بشّرت الأبرار ببشارات متعددة ,بشّرتهم بأن صحائف أعمالهم في أعلى عليين ,وبأنهم في نعيم مقيم ,وبأنهم ينظرون إلى كل ما يشرح صدورهم ,وبأن الناظر إليهم يرى آثار النعمة والرفاهية على وجوههم ,وبأن شرابهم من أنواع متعددة ومن ذلك خمر طيّب لذيذ الطعم والرائحة ..إلى غير ذلك من أنواع النعيم المقيم مما تقدّم ذكره ,و ما سنأتي عليه بإذن الله تعالى في حلقات قادمة ..
أسأل الله جعل وعلا أن يقر أعيننا جميعا ًبرؤية وجهه الكريم سبحانه ,وأن يبشّرنا بدخول الجنات و أن يؤمننا يوم الفزع الأكبر نحن و والدينا و المسلمين إنه سبحانه برٌّ رحيـــــــــــــــــم ...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..​
 
مطاعم أهل الجنة ومشاربهم

مطاعم أهل الجنة ومشاربهم

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق(22)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــــد ،،
ها هي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته سبحانه تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ، فبعد أن طفنا ببعض أرجائها ومساكنها من قصور وخيام ، وبعد المرور على الأنهار والعيون ، والتمتع بالأشجار والثمار ، فهذه إطلالة على بعض نعيم أهل الجنة في طعامهم وشرابهم ..
وقد عهد الناس في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن الطعام والشراب من ضروريات حياتهم وهو نوع من أنواع التمتع بزهرة الحياة الدنيا ..ودلت نصوص القرآن والسنة أن الله تعالى جعل لأهل الجنة نعيمًا عظيمًا في ما يطعمونه ويشربونه إلا أن طعامهم هذا وشرابهم لا تلحقه عيوب الطعام ومنغصاته التي كانت في الدنيا ..
وقد حفلت نصوص القرآن والسنة بوصف بعض أنواع النعيم في الجنة في مطاعمهم ومشاربهم ، نسأل الله الكريم من فضله وجوده ..
ومن الآيات القرآنية التي أشارت إلى مطاعم أهل الجنة ومشاربهم ، قول الله تعالى ((إنَّ المُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيوُن * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشتَهُون * كُلُوا واشرَبُوا هَنِيــئَـا ًبِمَا كُنتُم تَعمَلُون )) .. وقوله تعالى عن عاقبة المؤمن الفائز برضوانه ((فَهوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا واشرَبُوا هَنِــيــئَـا ًبِمَا أسلَفتُم فِي الأيّامِ الخَالِية)) .. وقال تعالى ممتنًا على عباده المؤمنين بما جزاهم به في الجنة ((وَتِلكَ الجَنّةَ الّتِي أورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُون * لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرةٌ مِنهَا تَأكُلُون )) .. وقال تعالى مبينًا بعض مظاهر النعيم في الجنة ((مَثَلُ الجَنَّةِ التِي وُعِدَ المُتَّقُون تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار أكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)) ..
وقد جاء في السنة النبوية ما يبيّن أول ما يطعمونه عند دخول الجنة ، فقد روى البخاري عن أنس أن عبدالله ابن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأتاه يسأله عن أشياء فقال : {إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، فسأله ومنها ، ما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام قال :{وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت} قال الحافظ ابن حجر الزيادة :هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي في المطعم في غاية اللذة ، هي في الطعم في غاية اللذة ، ويقال أنها أهنأ طعام وأمرأه ..
وقد ثبت في صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{كنت قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود ،فقال : السلام عليك يا محمد ، فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال :لم تدفعني ؟ فقلت :ألا تقول يا رسول الله ؟ فقال اليهودي :إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينفعك شيء إن حدثتك ؟.. قال :أسمع بأذني .. فنكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه فقال :سلني.. ثم سأل اليهودي أسئلة ، منها سؤاله عن أول من يجوز الصراط ويدخل الجنة ، ما تحفتهم حين يدخلون الجنة, فقال عليه الصلاة والسلام :زيادة كبد النون .. والنون هو الحوت . قال فما غذائهم على إثرها ؟ قال :ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ..قال :فما شرابهم عليه ؟ قال :من عين فيها تسمى سلسبيلا .. قال :صدقت}..
وقوله تحفتهم هي ما يُهدى إلى الرجل ويُخص به ويُلاطف .. وها هنا ذكر الثور الذي يأكل من أطراف الجنة ، وقد ذكرت هذا الحديث في مجلس فاستغرب البعض أيؤكل الثور !!؟؟ فالجواب : أن أهل الجنة لهم مزاج ولهم شهوة ولهم تصورات تتناسب مع دار الكرامة وليست كما عهده أهل الدنيا أن بعض أهل البلاد يستطيبون طعامًا ، وآخرون ينفرون منه..فأهل الجنة مزاجهم وشهوتهم وابتغاؤهم في ما يطعمون ، كله على نسق واحد مع تنوعه فيما يشتهون ..
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد بسند حسن عن كعب الأحبار أن الله تعالى يقول لأهل الجنة إذا دخلوها إن لكل ضيف جزورًا ، وإني أجزركم اليوم حوتًا وثورًا فيجزر لأهل الجنة ..
وعن طعام أهل الجنة وطبيعته ثبت في صحيح مسلم عن جابر قال :{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون ، طعامهم ذلك جشاء كريح المسك ، يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النَفَس} .. ورواه مسلم أيضا من رواية جابر وفيه قال : فما بال الطعام ؟ يقولون إذا أكلوا الطعام كيف سيتحول ؟ كما يكون في الدنيا !! قال:{جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد}..
قال الحافظ ابن حجر وقد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم ، ويوضحه مزيدًا ما في المسند وسنن النسائي بإسناد صحيح ،عن زيد ابن علقمة رضي الله عنه قال :{جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم ، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ؟ قال : نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب} الحديث ، فقال فيه هذا الرجل من أهل الكتاب فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى ..قال : تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه }.. ورواه الحاكم بنحوه ..
قال الحافظ ابن الجوزي :{لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذىً ولا فضلة تستقذر، بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه}..
وقوله صلى الله عليه وسلم :{إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون }، قال الإمام النووي رحمه الله : مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعمـًا دائمـًا لا آخر له ولا انقطاع أبدًا ، وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا فيها في ما يتعلق بنعيم الجنة إلا في التسمية وأصل الهيئة وإلا فإنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون ..
وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث وفي غيرها على أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدًا ..
وقال تعالى مرغبًا للمؤمنين في جناته جنات النعيم ، ومخبرًا سبحانه عن بعض نعيم أهل الجنة فيها (( وَأمدَدنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحمٍ مِمَّا يَشتَهُون * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأسَا ًلا لَغوٌ فِيهَا وَلا تَأثِيم ))..
وقال سبحانه ((وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُون * وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُون ))..
وعند هذه الآية الكريمة نتوقف في طرح تساؤل عرض له بعض العلماء وهو :
لماذا جاء التعبير القرآني بتخصيص التخيير بالفاكهة ، والاشتهاء باللحم ؟ فاكهة مما يتخيرون ، لحم طير مما يشتهون ؟؟ الجواب لدى استكمال هذا الموضوع في الحلقة التالية بإذن الله..
أسأل الله تعالى أن يظللنا جنات النعيم ، وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم إنه سبحانه برٌّ رحيم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته​
 
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق(23)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
هاهي رحلتنا بعون الله إلى بلاد الأشواق.. طالما أشتاق لها المؤمنون وأهلها تتجدد أشواقهم ، أشواقهم لأعظم النعيم وهو رؤية ربِّ العالمين، وأشواقهم متجددة لبعضهم ..
وكنا قد توقفنا سويـًا في الحلقة الماضية على بعض نعيم أهل الجنة في طعامهم وشرابهم ، تقدمت الإشارة إلى بعض ما حفلت به نصوص القرآن والسنة من وصف لبعض أنواع النعيم في الجنة في مطاعمهم ومشاربهم .. ومجموع هذه النصوص في هذا الباب يدل على تحقق أعلى الدرجات درجات اللذّة والاستمتاع بما يوفر لهم من الأطعمة والأشربة ، وأيضًا نفي جميع صفات النقص عنهم ، وفوق هذا أنهم مهما اشتهوا أو تمنوا فإنه يحضر لهم في لمح البصر ، نسأل الله الكريم من جوده وفضله وعطاءه ..
قال الله تعالى (( وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأنفُس وَتَلَذُّ الأعَيُن وَأنتُم فِيهَا خَالِدُون )) وهذا يعمُّ كل ما تتعلق به الشهوات النفسية بنواله وتحصيله ,والله يخلق في أهل الجنة الشهوات اللائقة بعالم الخلود والسمو..
ومن الآيات القرآنية التي جاء فيها وصف نعيم الجنة في الطعام والشراب قول ربنا سبحانه مرغبًا للمؤمنين في جناته جنات النعيم ومخبرًا سبحانه عن بعض نعيم أهل الجنة فيها (( وَأمدَدنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحمٍ مِمَّا يَشتَهُون * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأسَا ًلا لَغوٌ فِيهَا وَلا تَأثِيم ))..
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله :{لم يذكر هنا شيئـًا من صفات هذه الفاكهة ولا هذا اللحم إلا أنه مما يشتهون ، وقد بين صفات هذه الفاكهة في مواضع أخرى في قوله (( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَة * لا مَقطُوعَةٍ ولا مَمنُوعَة )) .. وقوله تعالى (( ولَهُم فِيهَا مِن كُلِّ الثَمَرَات )) الآية .. وقوله تعالى (( كُلَّمَا رُزِقُوا مِنهَا مِن ثَمَرَةٍ رِزقَا ًقَالُوا هَذَا الّذِي رُزِقنَا مِن قَبلُ وَأتُوا بِهِ مُتَشَابِهَا )) .. وقوله سبحانه (( أولَئِكَ لَهُم رِزقٌ مَعلُوم * فَواكِهُ وَهُم مُكرَمُون )).. إلى غير ذلك من الآيات ..
ووصف اللحم المذكور بأنه من الطير ,والفاكهة بأنها مما يتخيرون على غيره ، وذلك في قوله (( وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُون * وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُون ))..
وقال الشيخ المفسر ابن عاشور رحمه الله :{وأمددناهم بفاكهة ، الإمداد : إعطاء المدد وهو الزيادة من نوع نافع في ما زيد فيه , أي زدناهم على ما ذكر من النعيم والأكل والشرب الهنيء فاكهة ولحمًا مما يشتهون من الفواكه واللحوم التي يشتهونها, أي ليؤتى لهم بشيء يرغبونه فلا يؤتى إليهم بشيء غير مرغوب فلكل منهم ما اشتهى..
وقال المفسر الرازي رحمه الله :{واختار من المأكول أرفع الأنواع وهو الفاكهة ، ومن اللحم فإنه طعام المتنعمين وجمع أوصافًا حسنة في قوله مما يشتهون, لأنه لو ذكر نوعـًا فربما يكون ذلك النوع غير مشتهىً عند بعض الناس فقال كل أحد يعطى ما يشتهي وخص الفاكهة واللحم تمهيدًا لقوله ((يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأسَا ًلا لَغوٌ فِيهَا وَلا تَأثِيم)) ، منحهم الله في الآخرة لذة نشوة الخمر والمنادمة على شربها ، لأنها من أحسن اللذات في ما عرفته نفوسهم .. وكان أهل الترف في الدنيا إذا شربوا الخمر كسروا ثورة حدتها في البطن بالشواء من اللحم, وكانوا يدفعون لذع الخمرعن أفواههم بأكل الفواكه ويسمونها النقل ويكون من الثمار}..
وعند هذه الآية طرحت تساؤلا عرض له بعض العلماء ، حيث قال الرازي رحمه الله :{هل في تخصيص التخيير بالفاكهة والاشتهاء باللحم بلاغة ؟ قلت: وكيف لا ,وفي كل حرف من حروف القرآن بلاغة وفصاحة .. ويضيف الرازي : وإن كان لا يحيط بها ذهني الكليل ولا يصل إليها علمي القليل ، الذي يظهر لي فيه أن اللحم والفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم ، وإذا حضرا أي الفاكهة واللحم عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة ..والجائع مشتهىٍ والشبعان غير مشتهىٍ وإنما هو مختار إن أراد أكل وإن لم يرد لا يأكل .. ولا يقال في الجائع إن أراد أكل لأن أن لا تدخل إلا على المشكوك ,إذا علم هذا ثبت أن في الدنيا اللحم عند المشتهي مختار ، والفاكهة عند غير المشتهي مختارة ، وحكاية الجنة على ما يفهم في الدنيا ,فخص اللحم بالاشتهاء والفاكهة بالاختيار}..
وقال الشيخ ابن عاشور:{وتقديم ذكر الفاكهة على ذكر اللحم قد يكون لأن الفواكه أعز,وبهذا يظهر وجه المخالفة بين الفاكهة ولحم الطير ,فجعل التخيير للأول والاشتهاء للثاني ,ولأن الاشتهاء أعمق بالطعام منه في الفواكه}.. وهذه الفواكه لأهل الجنة وفق ما يودون فهم مخدومون مكرمون يأتيهم الطعام كيفما أرادوا ، كما يدل عليه قوله سبحانه ((يَطُوفُ عَلَيِهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُون * بِأكوَابٍ وَأبَارِيقَ وَكَأسٍ مِن مَعِين * لا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلا يُنزِفُون * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُون * وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُون)).. أي ويطوفون عليهم بفاكهة ,وذلك أدخل في الدعة وألذ من التناول بأيديهم ، على أنهم إن اشتهوا اقتطافها بالأيدي دنت لهم الأغصان, فإن المرء قد يشتهي تناول الثمرة من أغصانها..
وجاء الخبر القرآني بأن من لحم أهل الجنة الذي يأكلونه كما تقدم لحم الطير((وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُون * وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُون)) ولحم الطير هو أرفع اللحوم وأشهاها وأعزها ، وطير الجنة وكذلك الطيور التي على نهر الكوثر.. جاء بوصفها خبر نبوي وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إن طير الجنة كأمثال البخت ــ البخت هي الجمال مثل البعير ــ إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة ، فقال أبوبكر: يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة . فقال : أكلتها أنعم منها ، أكلتها أنعم منها ، أكلتها أنعم منها .. (قالها ثلاثًا) وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر..} رواه أحمد من حديث أنس ابن مالك بإسناد جيد .. وفي رواية : آكلها أنعم منه .. ونرجو الله تعالى أن نشارك أبا بكر بل نشارك نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام هذا الطعام الكريم ..
وهاهنا تساؤل لطيف ذكره بعض العلماء عند مسألة تناول أهل الجنة للطعام واللحم المشوي والمطبوخ ، وأيضًا عند تمتعهم بالعود والبخور والطيب في الجنة ذلك أنه يحتاج إلى النار ، البخور لأجل أن يبخر ،وأيضًا اللحم لأجل أن ينضج والجنة لا نار فيها ..
قال الحافظ ابن حجر ما ملخّصه :{يجاب باحتمال أن يشتعل البخور ويشوى اللحم بغير نار بل بقوله كن ، ويحتمل أن يشوى اللحم بنار لا ضرر فيها ولا إحراق ، أو يفوح الطيب بغير اشتعال} .. زاد ابن القيم في الطير: أو يشوى خارج الجنة أو بأسباب قُدِّرَتْ لإنضاجه ولا تتعين النار}..
هذا قول العلماء في الدنيا ,وأنا أرجو الله تعالى أن يجعلنا ممن يعرف القول الراجح بتطبيقه عمليًا في جنات النعيم..
بقيت الإشارة هنا إلى أن هذه الأطعمة والأشربة تُقدّم لهم في أجمل الأواني وأنفسها ، حيث الذهب والفضة ،حيث الصفاء والجمال والكمال قال الله تعالى((يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأكوَاب)) وقال سبحانه ((وَ يُطَافُ عَلَيهِم بِآنِيَةٍ مِن فِضَّةٍ وَأكوَابٍ كَانَتْ قَوارِيرَا* قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقدِيرَا)) فهي بياض الفضّة وصفاء القوارير, وأما عن الحقيقة فلا يعلم بذلك إلا ربنا ثم أهل الجنة إذا دخلوها ..
نسأل الله أن يحلنا دار كرامته.. وأن يكرمنا برؤية وجهه الكريم جلّ وعلا نحن ووالدينا والمسلمين
وإلى لقاء الحلقة التالية بإذن الله ، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد ..​
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...​
 
لباس أهل الجنة

لباس أهل الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق (24)
فضيلة الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعــــــــــد ...
فهاهي رحلتنا بعون الله إلى دار كرامته سبحانه .. تنتقل بنا إلى مرحلة جديدة ، وفي هذه الحلقة عرض لنوع من نعيم أهل الجنة.. وهو ما يتعلق بلبـــــــــاسهم ..
فالناس إذا بعثوا من قبورهم وحشروا يكونون حفاة عراة ، فمن المؤمنين من تُعجّل كسوته ومن الناس من تتأخر بحسب ما له من الإيمان.. ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ ((كَمَا بَدَأنَا أوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ وَعَدًا عَلَينَا إنَّا كُنَّا فَاعِلِيِن))، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ..} الحديث..
وللعلماء رحمهم الله تعالى بحث في هذا المقام حول أسبقية خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في أنه يُكسى قبل سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام .. ومن أجوبة ذلك أن محمدًا عليه الصلاة والسلام يبعث يوم القيامة بثيابه مكسوًّا ، ثم يكسى مرة أخرى بحلة كريمة بعد أبيه إبراهيم عليه السلام ..وقيل غير هذا ..
فقد أخرج البيهقي من طريق ابن عباس قال :{وأول من يُكسى من الجنة إبراهيم ، يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ،ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش وهو عن يمين العرش}.. الحديث ,وثبت عن علي رضي الله عنه أول من يُكسى إبراهيم قبطيتين ثم يُكسى النبي صلى الله عليه وسلم حلة حَبِرَة وهو عن يمين العرش..
ولبــاس أهــل الجــــــنَّة ، يجمع صفات النعمة والدعة في حسن لونه وجمال منظره ، وطيب رائحته وتناسق قطعه ,مع ما يتبعه من ملحقات التجمل للرجال والنساء كل بما يناسبه .. وإذا تكامل دخول عباد الله المؤمنين للجنة كان الجميع كاسيًا متنعّمـًا مع تفاوتهم في النعيم بحسب درجاتهم ..
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر} ..
قال ابن القيم :{وقوله لا تبلى ثيابه الظاهر أن المراد به الثياب المعينة لا يلحقها البِلى .. ويحتمل أن يراد به الجنس بحيث لا تزال عليه الثياب الجُدد كما أنها لا ينقطع (أي الجنة )أكلها في جنسه بل كل مأكول يخلفه مأكول آخر ، والله أعلم }..
قال الله تعالى مبينـًا شيئـًا من صفات و لباس أهل الجنة (( إنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أمِين * فِي جَنَّاتٍ وَعُيوُن * يَلبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإستَبرَقٍ مُتَقَابِلِين)) .. وتأمل هذا الوصف الجليل لأفياء الجنة وجنباتها ، مقام أمين ..والأمين بمعنى الآمن ، والمراد الآمن ساكنه ، والأمن أكبر شروط حسن المكان ..لأن الساكن أول ما يتطلب الأمن وهو السلامة من المكاره والمخاوف . فإذا كان آمنـًا في منزله كان مطمئن البال ، شاعرًا بالنعيم الذي يناله .. ووصف مكان هؤلاء المتقين وأنهم في جنات وعيون وذلك من وسائل النزهة والطيب ، ذلك أن الماء يضفي على المكان حسنـًا وجمالاً وبهاءً يدركه صاحب كل ذي ذوق ..
فهذا نعيم مكانهم ، ووصف نعيم أجسادهم بذكر لباسهم وهو لباس الترف والنعيم .. وفيه كناية عن توفر أسباب نعيم الأجساد لأنه لا يلبس هذا اللباس إلا من استكمل ما قبله من ملائمات الجسد باطنه وظاهره..
قال سبحانه ((يَلبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإستَبرَقٍ))، السندس هو الديباج الرقيق النفيس ويُلبس مما يلي الجسد ، فهذا الجسد الناعم لا يلائمه إلا أن يكون ما يقابله من الثياب على هذا النحو.. وأما الإستبرق فإنه ما غلظ من الديباج ، قال جماعة من المفسرين السندس : ما رقّ من الديباج وهو نوع من الحرير أجمله وأفضله ، والإستبرق : ما غلظ منه .. وقالت طائفة: ليس المراد به الغليظ ولكن المراد به الصفيق .. فيكون السندس حريرًا رقيقـًا يناسب ملامسته للجسد , ويكون الإستبرق حريرًا صفيقـًا بمعنى أنه لا يشف عما تحته ..فجُعل السندس مثل الرقاقة التي تلاءم الجسد كأنها بطانة من الداخل.
وأخبر الله سبحانه وتعالى أيضـًا عن هذه الثياب فقال جلّ وعلا (( يُحَلّوَنَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسُونَ ثِيَابـًا خُضرَا ًمِن سُندُسٍ وإستَبرَقٍ مُتَكِئِينَ فِيهَا عَلَىَ الأرَائِك)) .. قال الدجّاج حول وصف لباس أهل الجنة بالسندس والإستبرق قال:هما نوعان من الحرير ,وأحسن الألوان الأخضر ((وَيَلبَسُونَ ثِيَابـًا خُضرَا ً)) .. وألين اللباس الحرير فجمع لهم بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به ، وبين نعومته والتذاذ الجسم به .. وتأمل كيف جمع لهم بين نوعي الزينة الظاهرة من اللباس والحلي كما جمع لهم بين الظاهرة و الباطنة .. فجمّل البواطن بالشراب الطهور ، والسواعد بالأساور ، والأبدان بالثياب الحرير ..
قال الله تعالى ((إنَّ اللهَ يُدخِلُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار يُحَلَّوَنَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِير)).. وهذا يحتمل أن يكون لهم أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ، ويحتمل أن تكون الأساور مركبة من الأمرين معـًا :الذهب وتكون هذه الأسوارة مرصعة باللؤلؤ والله أعلم بما أراد..
واللؤلؤ وقد تكرر معنا كثيرًا وجاء وصف جوانب من نعيم أهل الجنة بأنه يمالون اللؤلؤ وشُبّه بعض نعيم الجنة باللؤلؤ فيحسن أن أبيّنه هاهنا فقد لا يعرف . فاللؤلؤ هو الدر ويقال له الجمان والجوهر ، واللؤلؤ هو حبوب بيضاء وصفراء ذات بريق رقراق ، تستخرج من أجواف حيوان مائي حلزوني مستقر في غلاف ذي دفتين مغلقتين عليه يفتحهما بحركة حيوية منه لامتصاص الماء الذي يسبح فيه ويُسمى غلافه صدفة ، فتوجد في جوف الحيوان حبة ذات بريق وهي تتفاوت بالكبر والصغر وبصفاء اللون وبياضه فهذا هو اللؤلؤ .. هذا هو اللؤلؤ في الدنيا أما لؤلؤ الآخرة فشيء آخر ..لؤلؤ الدنيا من المعلوم نفاسته وثمنه الباهظ فما بالكم بلؤلؤ أهل الجنة ..
ومن صفات لباسهم أيضـًا ما رواه الطبراني وصححه الألباني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه :هل تعرفني ؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمأ هواجرك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وأنا لك اليوم من وراء كل تجارة ، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر ، فيعطى الملك بيمينه و الخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها.. فيقولان يا رب أنّى لنا هذا ؟ فيقال بتعليم ولدكما القرآن.. وإن صاحب القرآن يقال له يوم القيامة اقرأ وأرقى في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية معك}.
ثم أنه من لباس أهل الجنة التيجان على الرؤوس وهي في النفاسة و الفخامة والجمال ما لا يخطر على بال .. تيجان للرجال بما يناسبهم ، وتيجان للنساء بما يناسبهن . والتاج يُضفي وقارًا وحُسنًا وبهاءً لا يخفى ..
وجاء اختصاص الشهداء بلباس تيجان مميزة كما يوضحه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن خصال الشهيد فقال:{ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها} الدنيا بكل ما فيها من هذه الكنوز والأموال الذي يوجد في هذا التاج من الياقوت ,ياقوتة واحدة خير من هذه الكنوز كلها..هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه من حديث المقداد ابن معدي ورواه أحمد والطبراني من حديث عبادة ابن الصامت ..
وقد أشار ابن القيم رحمه الله في نونيته الرائقة إلى هذه الصفة من لباس أهل الجنة فقال :
وهم الملوك على الأسرّة فوق هاتيك الرؤوس مرصع التيجان ..
أسأل الله تعالى أن يلبسنا جميعـًا ثياب أهل الجنة .. وأن يرزقنا نعيمها ووالدينا والمسلمين إنه سبحانه برٌّ رحيم .. وإلى لقاء حلقة تالية بإذن الله ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
((حور مقصورات في الخيام ))
وجه نعيم النساء في قصرهن : أنه لا نصب عليهن فلا يكلفن بأعمال -كما في الدنيا -. بل يبقين في خيامهن . .. أشار إلى ذلك بعض المفسرين .
وميزة الخيام أنّ ريح الجنة يدخل فيها ، وأرضها هي أرض الجنة .
 
((يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِير))
الظاهر أنّ (من أساور) تصلح للتبعيض ؛ إذ ليس كل أهل الجنة يدخلون جنتَي الذهب التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها . فيُحلَّى منها الذين لم يدخلوها ، بخلاف مَن كان مِن أهل هاتين الجنتين فالأساور كاملة لهم .
 
عودة
أعلى