منهج الاصوليين في تلقي النص

محمد بنعمر

New member
إنضم
7 يونيو 2011
المشاركات
440
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السلام عليكم
من اصداراتنا:-منهج الاصوليين في تلقي النص


21317408_10210162773606327_5615647149294164228_n.jpg
 
....وحتى تفهم الثقافة العربية الإسلامية في سياقها الحضاري وحتى تفهم طبيعة التراث العربي الإسلامي من حيث المضامين والمحتويات، فان الضرورة العلمية تلزم من الباحث استحضار الإشكال التأويلي الذي يعد من ابرز مركبات ومكونات النسق المعرفي و الابستمولوجي في العلوم الإسلامية...

 
من ابرز العلوم الكاشفة والمجسدة لحضور منهج الفهم في علوم التراث العربي الإسلامي ،علم أصول الفقه الذي يعد من أهم العلوم التي جسدت اشتغال علماء الإسلام على النص فهما واستدلالا و استنباطا ...
فقد عبر علم أصول الفقه عن أهم مشاغل الحضارة العربية الإسلامية خاصة المشاغل التشريعية والتأويلية منها .
ذلك أن مباحث علم أصول الفقه اتجهت إلى فهم وفقه النص الشرعي لتحقيق الفهم السليم ،والتأويل المنضبط الذي تقره ضوابط اللغة العربية ،وتشهد له أعرافها ،و تؤسسه أصولها في الخطاب، وتشيده سننها في التعبير والأداء والإبلاغ...
فقد أراد له مؤسسه الإمام الشافعي ت204ه أن يكون علما مسددا ، وخادما لفهم النص و الاستدلال على الأحكام، فهو منهج جامع بين النقل والعقل ،وبين النص والاجتهاد ...
 
إن توجه علم أصول الفقه نحو البيان والتفسير والاستمداد هو ما يفسر لنا قوة حضور المكون اللغوي في علم أصول الفقه فاغلب المباحث المدونة في كتب الأصول هي مخصصة للمباحث الأصولية....
 
السلام
اريد منكم تعليقا على.....
جاء في ورقة المؤتمرالدولي" بناء علم أصول التفسير :الواقع والأفاق "الذي نظمه مركز مبدع فاس المغرب 10-04-2015... "وقد اعتنت الأمة بتلك العلوم تنظيرا وتطبيقا فوضعت لها القواعد والضوابط والمناهج والمصطلحات غير أن اللافت للانتباه عند المشتغلين بالدراسات القرءانية أن الأمة لم تنضج العلم الضابط لبيان القرءان الكريم كما صنعت مع علوم اخرى مثل مصطلح الحديث وأصول الفقه والنحو والبلاغة وغيرها...."
وهذا التصريح بغياب العلم الضابط لبيان القرءان الكريم نتحفظ منه لان من الكليات والأصول المتفق عليها بين جميع الأصوليين بمختلف مدارسهم أن الأصل في الخطاب البيان وان لا تكليف بالمجمل ،أي ان لا تكليف بالمجمل أو بالمهمل أو بما لا يحمل أي معنى وان التكليف بالمجمل محال ومستحيل...
 
-علم أصول الفقه وفقه النص
من ابرز العلوم الكاشفة والمجسدة لحضور منهج الفهم في علوم التراث العربي الإسلامي، علم أصول الفقه الذي يعد من أهم العلوم التي جسدت مدى اشتغال علماء الإسلام على النص وعلى منهج فهم وتلقي هذا النص تحقيقا و فهما واستدلالا و استنباطا وبيانا...
فلقد عبر علم أصول الفقه عن أهم مشاغل الحضارة العربية الإسلامية الكبرى والمشاكل التي واجهت الحضارة العربية الإسلامية في تاريخها الطويل خاصة في ما يتعلق بالمشاغل التشريعية والتأويلية منها .
-علم أصول الفقه الحقيقة والماهية
تتحدد حقيقة هذا العلم بأنه مجموعة من القواعد والأصول التي عليها يبنى التفسير وينتظم الاستدلال،ويدخل في هذا العلم المسائل المتعلقة بفقه النص والبحوث المتعلقة بالقواعد والفروق وطرق التفسير والاختلاف وكيفية الترجيح في الأقوال والآراء التي يعتمد عليها المفسر في التفسير .....
لقد سعى هذا العلم إلى ضبط قانون الاستدلال وتقنين التأويل للنص الشرعي ،لان مباحثه الكبرى تتأسس في قسم كبير منها على الدلالة أي على دلالة النص ودلالة معقول النص...[1].
ذلك أن معظم مباحث علم أصول الفقه اتجهت إلى فهم وفقه النص الشرعي لتحقيق الفهم السليم ،و الوصول إلى التأويل المنضبط الذي تقره ضوابط اللغة العربية ،وتشهد له أعرافها ،و تؤسسه أصولها في الخطاب، وتشيده سننها في التعبير والأداء والإبلاغ...
لان الفهم السليم للنص هو طريق الاستدلال وسبيل إلى الاستنباط ومن ثم "لا تظهر ثمرة الاستدلال إلا بالفهم السديد للنص الشرعي "...
فقد أراد له مؤسسه الإمام الشافعي ت204ه أن يكون علما مسددا ، وخادما لفهم النص تمهيدا للاستدلال على الأحكام الشرعية، فهو منهج جامع بين النقل والعقل ،وبين النص والاجتهاد ...
وفد اعتبر الإمام الغزالي ت505ه علم أصول الفقه من أهم المواد التي يحتاجها لمن اختار الاشتغال على التفسير، لأن هذا العلم من مهامه وضع القواعد المعينة و الأصول المساعدة على التفسير، فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من الآيات القرءانية...."[2].
إن هذه الأوصاف الجامعة التي اختص بها علم أصول الفقه من حيث تميزه وتفرده عن غيره من العلوم بجملة من الخصائص وبعدد من المواصفات.
ولعل هذه الخصائص المميزة لهذا العلم هو الذي جعل البعض ينعته ويسميه بعلم نقد النص أو بفقه الخطاب أو بعلم النص...
علما أن هذا العلم يستمد مكوناته ومرجعياته الكبرى من مجموعة من العلوم التي تشاركه في الموضوع.وتتداخل معه في المنهج، وتتقاسم معه الجهاز المفاهيمي...
وقد اعتبر الدكتور مهدي فضل الله علم أصول الفقه منهجا دقيقا "انه منهج لا يعادله منهج أخر في دقته وتماسكه وترابطه ،ومرونته ،وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة ،والوصول فيها إلى حلول اجتماعية و إنسانية....."[3].
وعليه نقول إن قوة العقلية الإسلامية تتجسد خاصة في اشتغالها بعلم أصول الفقه واستحضارها للقضايا التشريعية والتأويلية ، لان هذا العلم جسد كيف كانت هذه العقلية تؤسس استدلالاتها ،وتركب براهينها وتعرض أنساقها في إنتاج الأحكام وفي وضع القواعد المتعلقة بالفهم والبيان والتاويل...[4].
وبحكم أن السلطة المرجعية المهيمنة على البحوث في علم أصول الفقه كانت للبحوث اللغوية والدلالية التي كانت حاضرة بقوة في المباحث الأصولية بصفة عامة ،فان هذا مؤشر قوي على أن الضابط اللغوي ومعهود العرب في تخاطبها ومسالكها في تسمية مسمياتها مع مراعاة التحول الدلالي الذي يقع على الألفاظ، يعد من ابرز الضوابط ومن أهم المقتضيات والمداخل التي يتوقف عليها الفهم وينبني عليها التفسير والبيان لكتاب الله..
ومن مقتضيات هذا الضابط ومن لوازمه ضرورة انضباط المفسر لقوانين اللسان العربي، ومعهود العرب واصطلاحها في خطابها وتخاطبها في اقدامه على التفسير لكتاب الله...
هذه الأوصاف المشتركة جعلت البحث اللغوي يعرف تطورا ملحوظا و كبيرا في الدرس الأصولي...لان باللغة العربية نزل القرءان الكريم ومن ثم فان الفهم لنصوصه والفقه لخطابه متوقف على مدى التمكن والدراية باللغة العربية في جميع أبعادها ومجالاتها....[5]
فبحكم عربية الشريعة الإسلامية، وبحكم نزولها وفق مقاصد العرب في مجاري خطابها وعاداتها في تصريف أساليبها من الواجب والضروري على من قصد الاستدلال أو اتجه إلى فهم الخطاب أن يكون على علم باللغة العربية التي هي من ابرز مرجعيات الخطاب القرءاني ،فالانضباط للقواعد اللغوية من ابرز مداخل الفهم و مقدمات البيان للنص[6].
إن توجه علم أصول الفقه نحو البيان و الاشتغال على التفسير والاستمداد هو ما يفسر لنا مدى اتساع حضور المكون اللغوي في مباحث علم أصول الفقه، فاغلب المباحث الحاضرة في كتب علم الأصول هي في أصلها مباحث مخصصة للمباحث الأصولية.....
وهذا ما أشار إليه الإمام الشاطبي عندما قال في كتابه الموافقات بان اغلب"ما دون وصنف من الفنون في علم أصول الفقه هو من المطالب العربية....".[7]
ومن ابرز المباحث الدالة على تعلق علم أصول الفقه واقترانه بالتفسير والبيان مبحث الدلالات الذي يعد العمدة والأساس في مباحث علماء الأصول....
-الحاجة إلى علم أصول الفقه
إن الحاجة إلى هذا العلم تزداد اليوم بحكم ما أخذت تعرفه الساحة من تطوربحيث ظهرت الاتجاهات التأويلية التي سعت إلى تطبيق علم اللسانيات الحديث ومناهج تحليل الخطاب على النص القرءاني من دون مراعاة الخلفيات والفوارق التي تحكم في هذه المناهج ..
علما أن هذه المناهج لا تخلوا من مزالق نظرية و عوائق معرفية ،فهي تجعل المعنى منفتحا ولا تقيد القارئ بأي معنى المعاني وتعتبر جميع المعاني مقبولة.
إن هذه المناهج محمولة باختيارات مذهبية مما يجعلها موضوع تساؤل ومراجعة من حيث التطبيق والاجراة والتنزيل...



[1] -مقاصد الشريعة وإمكانياتها التأويلية لمعتز الخطيب 341: ضمن كتاب التأويل سؤال المرجعية ومقتضيات السياق من إصدار الرابطة المحمدية للعلماء المغرب :2013

[2] -التحرير والتنوير لطاهر بن عاشور:1/26.

[3] العقل والشريعة للدكتور مهدي فضل الله:13.

[4] -تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية:23

[5] -الدرس اللغوي عند علماء الأصول:15لمحمد بنعمر- منشورات مركز نماء2015.

[6] -منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي عبد الحميد العلمي171منشورات وزارة الأوقاف المغربية:2012 .

[7] -الموافقات:4/117.
 
--------------
ان حضور علم أصول الفقه وأصول التفسير بين العلوم الإسلامية مؤشر قوي وجلي على مدى حضور المسالة المنهجية المتعلقة بالتفسير والبيان في علوم التراث العربي ...الإسلامي....
بحيث اعتنت الأمة الإسلامية بهذه العلوم تأصيلا وتنظيرا وتطبيقا بما وضعته من القواعد وما حققته من الضوابط وما أرسته من المصطلحات والمفاهيم والنماذج....
بحيث تيقن لعلماء الإسلام في اشتغالهم على المعرفة بأنه لا سبيل إلى الفهم السليم،وإدراك القصد السديد في النص القرءاني في ظل غياب المنهج السديد الخاص بالفهم والاستمداد والبيان.
وهو ما كان دافعا لهم إلى الاشتغال على مناهج الفهم ومسالك الاستمداد في النص القرءاني...
بحيث حظيت المقدمات اللغوية في كتب التفسير وعلم الأصول وعلم أصول التفسير بموقع مهم لأن اللغة هي الآلة لفهم كتاب الله.
وهذا يعني أن المسالة المنهجية في التفسير بجميع و أبعادها ومستوياتها ومكوناتها ،كانت حاضرة بقوة في علم التفسير عامة وفي الدراسات القرءانية خاصة....
بحيث لا يمكن فهم واستيعاب النسق الثقافي للمعرفة في الإسلام بدون استحضار الإشكال التأويلي والتفسيري الذي حاضرا في هذه المعرفة بشكل كبيرو مثيروقوي .
مما أهل المسالة المنهجية بان تحظى في التفسير بعناية كبيرة وباهتمام فائق وبالغ من لدن علماء الإسلام قديما وحديثا.....
وهو ما تكشف عنه المدونات والمؤلفات والكتب المؤلفة في هذا العلم قديما وحديثا.
إن حضور مباحث علم أصول الفقه وعلم أصول التفسير في مدونات كتب التفسير مؤشرات قوية ودلائل مؤكدة على مدى الأهمية التي نالتها المناهج في العلوم الإسلامية.
فهذه العلوم تعد من ابرز تجليات ومؤكدات حضور المنهج المتعلق بفهم وبيان القرءان الكريم .
وعليه نقول إن المنهج الفهم كان حاضرا بقوة في التراث العربي الإسلامي تجسده العلوم التي اشتغلت على الفهم والبيان والاستمداد .
 
****إن القول بنسبية المنهج من حيث الحضور والتأثير و الإعمال والتواجد في التراث العربي الإسلامي ، فكرة لم تلق
الرواج المناسب والمناصرة المؤكدة والنجاح بين الباحثين والمشتغلين والدارسين على تاريخ الأفكار وعلى مناهج العلوم في التراث العربي الإسلامي.
لان المنهج بصفة عامة هو مسالك ضابطة واليات منظمة موصلة إلى المعرفة بجميع فروعها وتخصصاتها...
وهو ما يعني أن الجزء الأكبر من علوم الإسلام هي علوم مناهج لان الأساس فيها أنها مخصصة للفهم، وهي عبارة عن مجموعة من القواعد الكلية التي يستعان بها في التفسير والبيان والفهم لكتاب الله*****
 
...ان اصول التفسيرهو مجموعة من القواعد الكلية التي يتوصل بها الى تحصيل المعاني من القرءان الكريم...ومعرفة السبل التي بها تدرك تلك المعاني...
 
ان حضور علم أصول الفقه وأصول التفسير بين العلوم الإسلامية مؤشر قوي و دلالة جلية على مدى حضور المسالة المنهجية المتعلقة بالتفسير والبيان في علوم التراث العربي الإسلامي....
بحيث اعتنت الأمة الإسلامية بهذه العلوم تأصيلا وتنظيرا وتطبيقا بما وضعته من القواعد وما حققته من الضوابط وما أرسته من المصطلحات والمفاهيم والنماذج....
بحيث تيقن لعلماء الإسلام في اشتغالهم على المعرفة بأنه لا سبيل إلى الفهم السليم،وإدراك القصد السديد في النص القرءاني في ظل غياب المنهج السديد الخاص بالفهم والاستمداد والبيان.
يحدوهم هذا الاختيار ويدفعهم هذا التوجه وهو أن المقتضيات المنهجية والضوابط التفسيرية شرطان متلازمان لصحة أية ممارسة تأويلية ،حتى نجعل النص في مناى من أن يكون مجالا للتزيد العبث واللهو....
وهو ما كان دافعا لهم إلى الاشتغال على مناهج الفهم ومسالك الاستمداد في النص القرءاني...
بحيث حظيت المقدمات اللغوية في كتب التفسير وعلم الأصول وعلم أصول التفسير بموقع مهم لأن اللغة هي الآلة لفهم كتاب الله.
وهذا يعني أن المسالة المنهجية في التفسير بجميع و أبعادها ومستوياتها ومكوناتها ،كانت حاضرة بقوة في علم التفسير عامة وفي الدراسات القرءانية خاصة....
 
****النص والتفسير
إن الهاجس الأكبر الذي شغل الثقافة العربية الإسلامية ، هو هاجس تفسير النص الشرعي ، وبيان دلالته اللغوية والشرعية .وتمثل مقاصده الأصلية والتبعية، والكلية والجزئية،وهذا هو الموضوع الذي تمحورت عليه اغلب مباحث علم أصول الفقه، هذا العلم الذي توجه نحو تفسير النص تمهيدا لاستنباط الحكم الشرعي منه ....
ولتحقيق هذه الغاية توجه هذا العلم نحو استثمار جهود اللغويين في اشتغالهم على النص ، ،والتقارب مع جميع العلوم التي لها قرابة،أو صلة مباشرة بالاستدلال ،أو بفهم وتفسير النص الشرعي....
لقد أصاب من قال إن علم أصول الفقه هو علم تفسير النص في الحضارة العربية الإسلامية.
 
الأستاذ بنعمر، جزاك الله خيرا.

1- جاء في المشاركة الخامسة : تصريح "المؤتمر الدولي بفاس 2015" بغياب العلم الضابط لبيان القرءان الكريم نتحفظ منه؛ لأن من الكليات والأصول المتفق عليها بين جميع الأصوليين بمختلف مدارسهم أن الأصل في الخطاب البيان وان لا تكليف بالمجمل، أي ان لا تكليف بالمجمل أو بالمهمل أو بما لا يحمل أي معنى وان التكليف بالمجمل محال ومستحيل. وسبب التحفظ هذا لا علاقة له بتصريح المؤتمر إلا من جهة هاته المسألة المشتركة بين أصول الفقه والعلوم البيانية الأخرى في الأصل في الخطاب، فما علاقة التحفظ هذا بتصريح المؤتمر؟

2- هل من تعليق على هذه الحلقة هنا: حلقة نقاش عن كتاب المسائل المشتركة بين علوم القرآن وأصول الفقه للدكتور فهد الوهبي؟
 
- اللغة في علم اصول الفقه
- محمد بنعمر
***مقدمات
شكلت اللغة شاغلا من شواغل الحقول المعرفية المختلفة والمتعددة وظلت محورا للبحث المشترك بين عدد كثير من الحقول المعرفية، واحتلت اللغة في المنظومة الفكرية الحديثة موقعا متميزا ومكانا خاصا،بحيث اعتبرت اللغة محورا للبحث المتعدد،والمقاربات المتنوعة لكثير من الحقول المعرفية والتخصصات العلمية، خاصة الحقول التي تنتمي أو التي تفرعت عن علم اللسانيات الحديث بكل مدارسه ....
وهو ما يعني أن المسالة اللغوية ظلت محورا للبحث المشترك والاهتمام المتعدد، والعناية المتزايدة بين كثير من التخصصات والمعارف سواء في الثقافة العربية الإسلامية أو في الثقافة الغربية ....
ولقد حظيت اللغة العربية بحضور قوي في اغلب علوم التراث العربي الإسلامي، ونالت اشتغال كبير في اغلب العلوم التي ظهرت وتطورت في أحضان التراث العربي الإسلامي ، فقد كان لها حضور متميز.
ومن ابرز العلوم التي حظرت فيها اللغة بشكل كبير، ولقيت اشتغالا كثيرا وعناية فائقة علم أصول الفقه إلى درجة أن اغلب المباحث الحاضرة في علم أصول الفقه كانت في أصلها مباحث لغوية لها صلة مباشرة بعلم اللغة...
- علم أصول الفقه:الحقيقة والهوية
علم أصول الفقه من أهم العلوم في الحضارة العربية الإسلامية فهو علم نسقي، ذلك أن علم أصول الفقه هو في بنائه العام " يظهر بمظهر نسق من العلوم. لم تدخل فيه شعب العلوم الإسلامية ،وحدها.بل دخلت فيه أيضا العلوم العقلية المنقولة والدخيلة،على الثقافة العربية الإسلامية، والوافدة عليها من ثقافات أخرى...[1].
لقد تحدث ابن خلدون في المقدمة عن علم أصول الفقه فقال" اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية واجلها قدرا ،وأكثرها فائدة،وهو النظر في الأدلة الشرعية،من حيث تؤخذ منها الأحكام،...".[2]..
واعتبره ابن خلدون علم أصول الفقه ، من ابرز العلوم المستحدثة في الملة، حيث لم يكن المتقدمون في حاجة إليه...وإنما نشأت الحاجة إليه بعد فساد الألسنة ،واختلاط المسلمين بغيرهم من أهل الديانات الأخرى...
وهو علم منهجي كاشف لطرق الاستدلال، ومسدد لفهم النصوص الشرعية،فهو يعكس مدى اشتغال علماء الإسلام على المسالة المنهجية في العلوم، وعنايتهم البالغة بالعلوم في مستواها المنهجي، حيث كان لكل علم منهجه الخاص المميز له عن غيره من العلوم....[3].
وفي سياق حديثه عن علم أصول الفقه رد الدكتور طه عبد الرحمان بقوة على من استصغر هذا العلم، أو من قلل من شأنه ،أومن قيمته العلمية ، والمعرفية لان القضايا والمباحث والإشكاليات الكبرى خاصة المباحث اللغوية ،التي استحضرها علماء هذا العلم ،لا يستطيع استحضارها الباحثون والعلماء اليوم.......
لقد أراد الإمام الشافعي ت204ه لعلم أصول الفقه أن يكون علما مسددا ، وخادما لفهم النص ،ومعينا على الاستدلال للأحكام الشرعية ، انطلاقا من المرجعيات اللغوية التي تركب مباحث هذا العلم....
-موضوع علم أصول الفقه:
إن السلطة المرجعية المؤسسة للمباحث الأصولية كانت للمباحث اللغوية، ذلك أن حضور اللغة في علم أصول الفقه يكاد يغطي اغلب مباحث هذا العلم، وهذا يعود أن سبب الخطأ في العلوم الشرعية وعدم إدراك معاني الوحي إنما يعود إلى ضعف الاهتمام باللغة العربية، والقصور في امتلاك ناصيتها ، و عدم التمكن من علومها، المتفرعة عنها ،أو المركبة لها .
في هذا السياق يقول ابن جني ت399ه العالم اللغوي:"وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه ،واستخلف حلمه ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة"([4])....
والذي كان يحذو علماء الأصول في اشتغالهم على اللغة هو إيمانهم القوي بهذا الاختيار وهو أن التلقي السليم للنص الشرعي ،على ضوء قواعد التفسير،المستمدة من اللغة العربية ومن طبيعتها في التخاطب، من شانه أن يساعد على التلقي السليم للنص القرءاني ويحافظ على مقصدية النص العليا ....
**المنهج في علم أصول الفقه

من هنا فان علم أصول الفقه علم منهجي قائم بذاته ، يستمد مكوناته ومرجعياته من مجموعة من العلوم التي تشاركه في الموضوع.وتتداخل معه في المنهج، وتشترك معه في الجهاز المفاهيمي...
من هنا نقول ان علم أصول الفقه الذي يظهر بمظهر نسق من العلوم، لم تدخل فيه شعب العلوم الإسلامية وحدها. بل دخلت فيه أيضا مجموعة من العلوم العقلية المنقولة من الثقافات ،والحضارات الأخرى والتي لها قرابة معرفية ،أو صلة منهجية مع علم أصول الفقه....."[5]....
ولقد رد الدكتور طه عبد الرحمان بقوة على من استصغر هدا العلم، أو هو قلل من شانه أو قيد من قيمته العلمية ،لان القضايا والمباحث والإشكاليات الكبرى ،التي استحضرها علماء هذا العلم ،لا يستطيع استحضارها الباحثون اليوم....
كما اعتبر الدكتور مهدي فضل الله ،أن علم أصول الفقه ، منهج دقيق انه منهج لا يعادله منهج أخر ، في دقته وتماسكه ، ومرونته ،وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة ،والوصول فيها إلى حلول اجتماعية إنسانية.....[6].

-اللغة في علم أصول الفقه
إن اغلب المباحث التي تؤسس هذا العلم هي مباحث تنتمي إلى علم اللغة ،ومن ابرز المباحث التي استحضرها علماء الأصول مبحث اللفظ في علاقته بالمعنى لان تحصيل المعني واكتساب الدلالة يتوقف على إدراك اللفظ من حيث المعنى والدلالةالتي يحملها ذلك اللفظ... لان الفظ هو وسيلة إلى تحصيل المعنى كما قال الإمام الشاطبي....
[h=1]وعليه فان المحور المشيد، والغالب في مباحث هذا العلم هو منطق الألفاظ في دلالتها على المعاني ،وعلاقتها بعضها مع بعض،إضافة إلى القواعد الأصولية اللغوية المؤسسة على الاستقراء والتتبع، و التي تعد من تجليات هذا المنهج الدقيق....[/h][h=1]من ثم نقول إن المحور المشيد، والغالب لهذا العلم هو منطق الألفاظ ،ودلالتها على المعاني ،وعلاقتها بعضها مع بعض،إضافة إلى القواعد الأصولية، ذات المنزع اللغوي ،التي تعد من تجليات هذا المنهج الدقيق...غايتها تسديد الفهم في النص الشرعي ، ليكون هذا الفهم مقدمة إلى استنباط الأحكام الشرعية...[/h][h=1]إن التبرير الذي نراه مناسبا لحضور المباحث اللغوية في كتب الأصول ، يعود إلى كون القرءان الكريم هو نص عربي كتب بالغة العربية ،وبأسلوبها وقع فيه الخطاب و التخاطب ،فهو حامل لأعلى مستويات الانجاز اللغوي،مما يلزم معه وعنه استحضار كل ما له صلة بمجال التركيب المعجم التصريف ، دون إبعاد أو تغييب البعد السياقي في النص القرآني...[/h][h=1]إن علم أصول كان مسعاه وغاياته هو تسديد الفهم السليم في النص لشرعي ، وفي في استنباط الأحكام الشرعية...[/h]




[1] -تجديد المنهج في تقويم التراث لطه عبد الرحمان : ص23

[2] -المقدمة لابن خلدون :583.

[3] -نظرية الاعتبار في العلوم الإسلامية لعبد الكريم عكوي:9

[4] -الخصائص لابن جني :3/345

[5] -تجديد المنهج في تقويم التراث لطه عبد الرحمان :32

[6] العقل والشريعة للدكتور مهدي فضل الله:13.
 
إن مما عني به علماء الإسلام على اختلاف تخصصاتهم ،هو تأسيس البيان المؤدي إلى فهم القرءان الكريم ، ووضع الضوابط العلمية ،والشروط المنهجية المتصلة بالفهم والبيان والتفسير، من خلال استدرار المعاني من مفردات النص، وتحصيلها من منطوقه ،واستمدادها من مفهومه ،و استكشافها من معقوله، مع الالتفات إلى العلل ، و الأمارات ،و القرائن والسياقات ،والمقتضيات المحيطة بالنص...
 
*****مما يميز العلوم الإسلامية في الحضارة العربية الإسلامية، هو أنها علوم تستقي مادتها ،ومكوناتها من النص المؤسس لها الذي هو القرءان الكريم والسنة النبوية..
من هنا وجب الإقرار، والاعتراف، وبدون تردد، بان هناك خلفية دينية ساهمت بشكل مباشر، في تشكيل العلوم من حيث التاسيس والتطور،و النمو ،وفي ارتقائها من حال إلى أخر...[1].
لقد ظل القرآن هو النص المؤسس للحضارة العربية الإسلامية، والموجه لها . فقد نشأت العلوم انطلاقا من هذا النص العظيم، تخدمه، وتفسره، وتستنبط منه الأحكام ...


[1]-المعنى في تفسير الطبري :22
 
*****مما يميز العلوم الإسلامية في الحضارة العربية الإسلامية، هو أنها علوم تستقي مادتها ،ومكوناتها من النص المؤسس لها الذي هو القرءان الكريم والسنة النبوية..
من هنا وجب الإقرار، والاعتراف، وبدون تردد، بان هناك خلفية دينية ساهمت بشكل مباشر، في تشكيل العلوم من حيث التاسيس والتطور،و النمو ،وفي ارتقائها من حال إلى أخر...[1].
لقد ظل القرآن هو النص المؤسس للحضارة العربية الإسلامية، والموجه لها . فقد نشأت العلوم انطلاقا من هذا النص العظيم، تخدمه، وتفسره، وتستنبط منه الأحكام ...


[1]-المعنى في تفسير الطبري :22
 
إن العلوم في الإسلام اتجهت نحو البيان والفهم ،تبعا لهذا فقد اختارت هذه العلوم النص وجهة في هذا الاشتغال والاهتمام منطلقها هو التحقق و والوصول إلى الفهم السليم للنص...
ولتحقيق هذه الغاية اتخذ علماء الأصول اللغة وسيلة إلى تحقيق هذه الغاية التي هي الوقوف على المعنى في النص. لان النص القرءاني ظهر في بيئة وثقافة تخضر فيها اللغة بشكل قوي فكان من الضروري الاستعانة باللغة لتكون أداة في الفهم و التفهم....
ومن ابرز علوم اللسان التي يتوقف عليها الفهم علم النحو بحيث لو اسقط النحو لسقط فهم القرءان على حد تعبير ابن حزم...
 
ولتأكيد هذه الأطروحة عملنا على استحضار علم أصول الفقه الذي يعد من ابرز العلوم المجسدة للمنهج والكاشفة لمستويات حضوره في التراث العربي الإسلامي.
فهو علم يشتغل على الفهم والاستدلال والتلقي ،وبالتالي فهو احد العلوم المنهجية التي ظل هاجسها هو إظهار الآليات وكشف المسالك التي بموجبها يتحقق الفهم السليم و يضبط التلقي السديد للنص الشرعي .....
 
نظرا لان النص يحظى بموقع مركزي في العلوم الإسلامية ،فان جميع العلوم التي نشأت ونمت في أحضان الحضارة العربية الإسلامية كانت علوما خادمة للنص تحقيقا وتوثيقا واستمدادا وبيانا....
فقد شكل النص سلطة مرجعية لجميع العلوم التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي... .
وانطلاقا مما حققته هذه العلوم من توافق وانسجام والتحام وتداخل في خدمة النص في جميع جوانبه ومستوياته ومكوناته وأبعاده ...
فان الاتجاه المشترك في هذه العلوم كان هو الاتجاه نحو الاشتغال على الفهم والاستمداد والبيان ...
مما جعل منهج الفهم من أكثر المناهج حضورا في العلوم الإسلامية.
 
-تداخل العلوم في علم اصول الفقه بحث سبق ان نشرناه في مجلة التسامح.
 
من عناية علماء الاسلام التوجه الى تاسيس العلوم البيانية المؤدية الى فهم النص الشرعي
 
-استثمارالعلوم البيانية في فهم النص الشرعي-
بحث للاستاذ احمد كروم منشور بمجلة افاق الاماراتية-العدد:45*
 
**النص-التلقي والفهم
ان الحضارة العربية الإسلامية، في أصلها المعرفي ، وفي مرجعياتها الكبرى حضارة ،توصف عند كثير من الباحثين والمشتغلين على التراث العربي الاسلامي بحضارة النص لان مدارها ووجهتا هو النص المؤسس لها.
من جهة أخرى تنعت الحضارة العربية عند عدد من الباحثين بحضارة التفسير والبيان والتأويل .اذ لا تفسير بدون استحضار علوم اللغة والاستعانة بعلوم الآلة التي هي بوابة البيان والتفسير والتأويل.....
بحيث تمخض عن مركزية النص القرءاني في الثقافة العربية الإسلامية ،أن اجتمعت كثير من العلوم والتحمت كثير من المعارف من اجل خدمة هذا النص في مستوى البيان والاستمداد ...
فمثلا علم أصول الفقه، وأصول التفسير ،وعلم القراءات، وعلم أسباب النزول ،أو كانت من جملة علوم اللغة العربية مثل النحو والصرف ،والاشتقاق والمعجم ،وعلم الدلالة، والبيان وغيرها من العلوم المسماة بعلوم الآلة، أو العلوم الخادمة....[1].
وهذا التعلق بين النص من و هذه العلوم ، هو ما أدى بالمصطلح بان يتخطى الحواجز الزمانية ،والمكانية ،ويعبر بين التخصصات العلمية، ويرحل داخل معارف التراث العربي الإسلامي، ليأخذ المصطلح في هذا الانتقال وفي هذه الرحلة أكثر من مفهوم، تبعا للحقل المعرفي الذي فيه يتواجد ، و يشتغل ،وفيه يتم يتداول ذلك المصطلح...
وهذه العلوم هي المسماة بالعلوم الخادمة لغيرها او العلوم المقصودة لغيرها من العلوم تنعت عند عدد من الدارسين بعلوم الآلة.سواء أكانت هذه العلوم من علوم الشريعة مثل أصول الفقه، وأصول التفسير ،وعلم القراءات، وعلم أسباب النزول وعلم المعجم القرءاني ،أو كانت من جملة علوم اللغة العربية مثل النحو والصرف ،والاشتقاق والمعجم ،وعلم الدلالة، والبيان والمعجم .....[2].

[1] -يراجع أعمال ندوة:أهمية التكامل المعرفي بين علوم العربية في فهم القرءان الكريم كلية اللغةالعربيةمراكش30-31-10-2013.​
[2] -يراجع أعمال ندوة: -أهمية التكامل المعرفي بين علوم العربية في فهم القرءان الكريم كلية اللغةالعربيةمراكش30-31-10-2013.​
 
حضور المنهج في الثقافة العربية الاسلامية
- إن الثقافة العربية اتجهت إلى الاشتغال على المنهج مما جعل الغلبة للبحوث والدراسات المنهجية في النسق الثقافي الحاضن للعلوم الإسلامية ،فحضور خطاب المنهج في النسق المعرفي في الحضارة العربية الإسلامية يكشف عن مدى الحرص والاهتمام الذي لقيه المنهج في التراث العربي الإسلامي، وهو حرص فاق كل حرص وكل عناية ،لان سلامة الأفكار والنتائج متوقف على مدى السلامة في انتقاء واختيار المنهج السليم .
وعليه نقول إن المناهج المعرفية بجميع انواعها كانت راسخة عند علماء الإسلام ثابتة في عقولهم وحاضرة في أذهانهم يسيرون عليها في بحوثهم و يتقيدون بها في دراساتهم ، فقد كانت لهم عناية راسخة واهتمام بالغ وخاص بمناهج العلوم المعرفية ..
ما يفسر أن الغلبة والهيمنة في اشتغال الثقافة العربية كانت للمنهج اعني مناهج البحث وطرق المعرفة التي هي مفاتيح العلوم، ذلك أن المنهج هو أساس كل فكر وركن كل دراسة وعماد كل بحث بحكم"إن سلامة الأفكار متوقفة على مدى سلامة المناهج وصحة طرق المسالك المركبة لتلك المناهج
علما أن المنهج هو في أصله مجموعة من الآليات والمسالك والطرائق التي نستعملها ونأخذ بها من اجل الوصول إلى المعرفة،وتحصيل تلك المعرفة بطريقة سليمة والتحقق من نتائجها بطرق سديدة..
انطلاقا من هذه المسلمة، و أخذا بهذه القاعدة المعرفية وهي ":أن سلامة الأفكار والنتائج في أي تخصص معرفي او علمي ، يتوقف على مدى سلامة المنهج ،وصحة الطرق والمسالك الموصلة إلى المعرفة .....".[1].
كل هذا يعني أن التوجه الغالب والمهيمن العام في الثقافة العربية الإسلامية كان هو التوجه نحو الاشتغال على المنهج والعناية بمسالكه وطرقه للوصول إلى المعارف ....
كما أن اكتشاف المنهج يعد من أهم ما وصل إليه العقل البشري في اشتغاله واحتكاكه على المعرفة في المسار التاريخي الطويل ، وهو يشتغل على العلم وعلى إنتاج للمعرفة والتنظير لها....
رغم أن المنهج السائد والمهين في العلو م الإسلامية كان للمنهج الذي يشتغل على الاستمداد من النص .فالبنية الحاضرة في العلوم الإسلامية والمهيمنة عليها تحدها هذه المتواليات المركبة وهي تحقيق النص وتفسير ه ومعرفة دلالته اللغوية والشرعية، وتنزيل النص على المحل أو على الواقع ...
فالتحقيق من النص وتفسير ه ومعرفة دلالاته وفقه و تنزيل هذا النص على المحل الذي يعيش فيا لمكلف ..[2]. يعد من ابر زمشاغل العلوم الإسلامية.
ما يعني أن المناهج المعرفية كانت راسخة عند علماء الإسلام المتقدمين ،وهي حاضرة في أذهان علماء الإسلام ،مضمرة غير مصرح بها احيانا. لكنها موزعة عليهم حسب اشتغالهم و درجة اهتمامهم العلمي ،كل واحد حسب اهتمامه واشتغاله وعنايته بذلك العلم...


[1] -نطرية الاعتبار في العلومفي العلوم :10

[2] -نظريةالاعتبار:168
 
عودة
أعلى