خمس عشرة مسألة تحير كثيراً من المتأخرين من أهل العلم بالقراءات (تنحل كلها بفهم مسألة واحدة

إنضم
15 أبريل 2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
خمس عشرة مسألة تحير كثيراً من المتأخرين من أهل العلم بالقراءات (تنحل كلها بفهم مسألة واحدة !)​
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله.
أما بعد:
فهذا سرد لمسائل عديدة فيها إشكال معروف, تحير دارس علم القراءات إذا كان على منهج المتأخرين وتصيبه بالدهشة والاستغراب, وتستوقف اللبيب ويحار فيها فكره, وهي مسائل لا يصح معها المسكنات, ولا بد فيها من علم يشفي العليل ويروي الغليل, ويطمئن الحيران.
نعم أجاب على بعضها بعض أهل العلم لكنها أجوبة لا يقبلها المحقق المدقق.
وإنما يقبلها التابع المقلد ويرتاح لها صدره وينام قرير العين.

المسألة الأولى:
عمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ بأي قراءة إلا بحرف قريش.
فحين علم أن ابن مسعود رضي الله عنه يقرئ بحرف هذيل قوله تعالى {من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه عتى حين) كتب إليه إذا أتاك كتابي هذا، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" (3/227), وابن عبد البر في "التمهيد" (8/278) , وغيرهما.
كيف ينهاه عمر ويمنعه إذا قلنا إنها قراءة أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم والنبي أقرأها للصحابة, والقرآن أنزل على سبعة أحرف.
هذا مشكل!

المسألة الثانية:
يمنع عثمان رضي الله عنه حروفاً وقراءات من القرآن.
كيف يلغي عثمان أكثره الأحرف والقراءات ويلزم الأمة إلى قيام الساعة بحرف واحد وقراءة واحدة, والقرآن قد أنزل على سبعة أحرف, كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا مشكل جداً!
حتى قال ابن حزم في "الأحكام في أصول الأحكام" (4/674) : "دعواهم أن عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عز وجل عظيمة من عظائم الإفك والكذب, ويعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام".
ولا يصح القول بأن الأحرف كانت رخصة ليست واجبة على الأمة, ولذا ألغاها عثمان.
فإنه حتى على افتراض صحة هذا الزعم فإنه من الممتنع المستحيل أن عثمان بإجماع الصحابة يمنع ويلغي قراءة قرآنية أنزلها الله على نبيه وأقرأها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
كيف يسوغ أن يعمد عثمان إلى إلغائها ومنع الأمة منها إلى قيام الساعة بكل هذه السهولة وبمباركة من جميع الصحابة رضي الله عنهم.
هذا ممتنع أشد الامتناع على الصحابة المعظمين للقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

المسألة الثالثة:
يقول عثمان للذين كلفوا بكتابة المصاحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم). صحيح البخاري (4702)
كيف ذلك والقرآن أنزل على سبعة أحرف ولغات, وليس بلغة قريش فقط.
هذا إشكال واضح!
ولا يصح أن يقال: إن المراد أول ما نزل, فيضاف إلى هذا النص الواضح الصريح لفظة (أول ما نزل) ليفرغ من دلالته الصريحة.
فإن هذا تحريف للنص, وتغيير لمعناه.

المسألة الرابعة:
يقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
والمعروف أن كثيراً من القراءات ذهبت ولم تحفظ, فإن من المعلوم أن القراء في زمن التابعين وتابعيهم كثيرون جداً, وتلاميذهم أيضاً كثر جداً وقراءاتهم كثيرة جداً.
ولم يبق من أولئك القراء ورواتهم وقراءاتهم إلا عشرة وراويان فقط عن كل قارئ.
والإمام ابن مجاهد اقتصر على سبعة فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه.
والإمام أبو عمرو الداني اقتصر في التيسير على راويين عن كل قارئ فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه, ولم يُلْتَفَتْ بعد ذلك إلى قراءات أولئك القراء الآخرين.
أين وعد الله بحفظ كتابه إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
قال ابن الجزري في "النشر" (1/33) : "فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشرة بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأول قل من كثر ونزر من بحر, فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين, وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمماً لا تحصى، وطوائف لا تستقصى... الخ كلامه.
هذا من أشكل ما يكون!

المسألة الخامسة:
لا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, فكان يملي لكتاب الوحي فيكتبون ما نزل بحرف واحد ولغة واحدة, ولم يأمر أحداً منهم أن يكتب حرفاً واحداً من تلك الأحرف.
والقرآن كان ينزل على سبعة أحرف فلِمَ لم يكتب منها شيء.
كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا إشكال يحتاج إلى جواب شافي!

المسألة السادسة:
قال عثمان رضي الله عنه يوماً وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف), فقال عثمان رضي الله عنه: وأنا أشهد معهم) أخرجه أبو يعلى في الكبير كما في "مجمع الزوائد" (7/152)
كيف يحتاج عثمان أن يُشْهِد على مثل هذا الأمر, وهو أمر معروف مشهور شائع
كيف يتصور ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة بكل تفاصيلها.
فهذا مشكل جداً, وما مثل ذلك إلا كما لو طلب عثمان من يشهد معه على أن الله أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم!

المسألة السابعة:
نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كان بعد فتح مكة بزمن أي قبل وفات النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو أقل.
فكيف استطاع في هذه المدة الوجيزة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك أقرب إلى المستحيل!

المسألة الثامنة:
كثير من الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يفاضلون بين القراءات والأحرف ويفضلون بعضها على بعض, ولهم في ذلك كلام شائع مشهور فكيف يصح ذلك إذا كنا نقول كلها نزل به جبريل فهو إذاً في منزلة واحدة.
كيف يقولون هذه القراءة أحسن من هذه القراءة.
هذا مشكل جداً!

المسالة التاسعة:
قال أبو عبد الرحمن السلمي كما في "المرشد الوجيز" ص (68) : "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
كيف تكون قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة وقد نزل القرآن على سبعة أحرف.
لماذا لم يحصل اختلاف بينهم في القراءة بسبب كثرة القراءات إذا كنا نقول إن القراءات كلها نزل بها جبريل, وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة.
على الأقل لو حصل هذا من بعضهم.
هذا مشكل!

المسألة العاشرة:
لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه حفظ القراءات المختلفة والأحرف السبعة أو كان يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم كانوا يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
لماذا لا يعرف هذا إلا بعد القرن الرابع الهجري.
لماذا فرط السابقون والسلف والقراء في هذا الفضل العظيم!
هذا مشكل لكل ذي لب!

المسألة الحادية عشرة:
جاء في روايات صحيحة المنع فقط من أن تختم آية عذاب برحمة أو العكس, ويفهم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
ففي حديث أُبيّ رضي الله عنه عند أحمد (35/84) (حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
وفي حديث أبي بكرة عند أحمد (34/70) (اقرأه على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد (14/120) (أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليماً حكيماً، غفوراً رحيماً).
وفي رواية (ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (1/19)
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات محددة معروفة أنزلها جبريل وأقرأها النبي للصحابة, فلا حاجة إذاً إلى القول: (ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
هذا مشكل جداً!

المسألة الثانية عشرة:
كيف يقرئ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بكل تلك الأحرف والقراءات السبع ثم لا يأتي في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
كيف ذلك!
صحيح أن القراءات نقلت عبر القراء.
لكن المقصود هنا أننا إذا قلنا بأن النبي r صلى الله عليه وسلم قد أقرأ بجميع تلك القراءات فلا بد أن تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, والواقع مخالف لذلك تماماً.
هذا فيه إشكال!

المسألة الثالثة عشرة
كثير من أهل العلم الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم قد تكلموا في بعض القراءات, ونقدوا وخطؤوا, وهذا أمر مشهور معلوم, كالإمام الأعرج عبد الرحمن بن هرمز, ويحيى بن يزيد الفراء, وأبي عبيد القاسم بن سلام, وأبي حاتم السجستاني, ومحمد بن جرير الطبري, وابن مجاهد وهو من جمع قراءات القراء السبعة, وأبي محمد بن عطية, وابن قتيبة, وأبي شامة, وأبي الحسن الأخفش, وأبي العباس المبرد, وأبي إسحاق الزجاج, وأبي جعفر النحاس, وأبي علي الفارسي, وغيرهم, حتى بعض القراء السبعة, وكثير منهم مع كونه إماماً في التفسير أو اللغة كان إماماً في القراءات أيضاً.
فكيف يتكلمون في بعض هذه القراءات إذا كنا نقول: إنها كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
هذا محل إشكال كبير!

المسألة الرابعة عشرة
يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, ككلامهم في شيء من أداء الإمام حمزة رحمه الله, فقد تكلم بذلك الإمام أحمد, وعبد الرحمن بن مهدي, وأبو بكر بن عياش, والحكم بن عتيبة, ويزيد بن هارون, وعبد الله بن إدريس, وسفيان بن عيينة, وعبد الله بن قتيبة, وبشر بن الحارث, ويعقوب بن شيبة, وعلي بن المديني, والساجي, والأزدي, وابن دريد, وحماد بن زيد.
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
وليس المتكلم في ذلك واحد أو اثنين بل جماعة كثيرة.
وليس المتكلم في ذلك من عامة الناس, بل هم من كبار أئمة الإسلام!
هذه مشكلة كبيرة!

المسألة الخامسة عشرة
ينفرد كثير من القراء بقراءة لا يشاركه فيها أحد.
كما ينفرد أبو عمرو من بين العشرة بالإدغام الكبير
أو خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي في (الصراط) في جميع القرآن
أو ابن كثير بوصل هاء الكناية بالياء أو بالواو
أو ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو البزي بتشديد التاءات في الفعل المضارع
أو ورش بتغليظ اللامات.
أو الأزرق عن ورش بترقيق الراءات.
أو الأزرق عن ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى من كل همزتين في كلمتين
أو ورش بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.
أو حمزة بالسكت على الساكن قبل الهمز.
أو حمزة بتسهيل الهمز في الوقف
أو الكسائي بإمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف.
وغير ذلك كثير.
فكيف يجمع القراء العشرة إلا واحداً بالزهد في قراءة معينة إذا قلنا إن جبريل قد أنزلها على النبي وأقرأها النبي للصحابة.
كيف يتفقون على ذلك.
أتواصوا بذلك فقرأ كل راو بما وُكِلَ إليه من هذا الانفراد, أم اتفقوا صدفة على هجران أداء مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا مشكل جداً!

هي إذا مسائل كثيرة تصيب كل دارس للقراءات بالحيرة.
فما السبب يا ترى.

السبب هو البناء على قاعدة غير سليمة.
فسبب الإشكالات السابقة كلها قاعدة بنى عليها القراء المتأخرون أقوالهم ومنهجهم في القراءات وهي قاعدة لا دليل عليها, بل الأدلة تدل على خلافها, ولذلك لم تعرف عن السلف عموماً أو القراء الأولين كالعشرة وغيرهم.
إنما اشتهرت بعدهم بزمن.
وهو القول بأن الأحرف والقراءات القرآنية كلها منزلة أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرآها إياه وأقرأها النبي للصحابة.
فلما أخذ بهذه القاعدة وجدت كل الإشكالات السابقة وأصبحت نتيجة حتمية لذلك القول المخالف للحقيقة.

إن الحقيقة أن جبريل لم ينزل إلا بحرف واحد وقراءة واحدة وأما الأحرف والقراءات الأخرى الكثيرة فهي رخصة من الله فحسب.
وكل ما صح عند العشرة منها فله قدسية القرآن لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أراد أن تقرأ هكذا وهكذا.
وأما النصوص التي فيها التصريح بأن الله أنزل جميع الأحرف والقراءات فليس معناها ما يتبادر منها كما تجده في الرابط الذي سأضعه بعد قليل وفيه شرح وتوضيح مسهب لهذه المسألة المهمة, وبيان لمعنى تلك النصوص.

وحين يعتقد المرء بذلك الصواب تنحل كل الإشكالات السابقة تلقائياً مما يؤكد تأكيداً بيناً أنه هو القول الصحيح الموافق لقول القراء والسلف والمنقول والمعقول.

فبالنسبة للمسألة الأولى لا إشكال.
فعمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ إلا بالحرف الذي نزل به جبريل, وهو حرف قريش فهو الذي نزل به القرآن, وما سواه رخصة مفتوحة للناس, فلا يحسن أن يقرئ إلا باللفظ المنزل.

وبالنسبة للمسألة الثانية لا إشكال.
فعثمان رضي الله عنه لا يلغي شيئاً من القرآن الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما يلغي قراءات مرخص بها للحاجة إليها في ذلك الزمن حين دخل الناس والقبائل في دين الله أفواجاً.
ويلزم الناس بالحرف الذي نزل به جبريل والذي كان كله محفوظاً مكتوباً في الصحف عند أبي بكر ثم عمر ثم حفصة.

وبالنسبة للمسألة الثالثة لا إشكال.
فعثمان يقول للذين كتبوا المصحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم).
لأن هذا هو الواقع وهو الحقيقة, فجبريل نزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بلغة قريش, ولم ينزل بالأحرف كلها, بل كانت رخصة للناس في أول زمن الدعوة الإسلامية.

وبالنسبة للمسألة الرابعة لا إشكال.
فلو ذهب كثير من الأحرف والقراءات فلا ينافي هذا قوله تعالى: (وإنا له لحافظون)
لأن القرآن لم يذهب منه حرف واحد فهو محفوظ كما وعد الله عز وجل, أما تلك الأحرف والقراءات فليذهب منها ما يذهب فما هي إلا رخصة لمن لا يستطيع النطق بلغة قريش, ولم تكن هي مما أنزله جبري على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما الذي أنزله حرف واحد بلسان قريش.

وبالنسبة للمسألة الخامسة لا إشكال.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الذي أنزله جبريل إنما هو هذا الحرف فقط, وبقية الأحرف رخصة للناس لم ينزل بها جبريل فلماذا يأمر بكتابتها؟!

وبالنسبة للمسألة السادسة لا إشكال.
فحينما يقول عثمان رضي الله عنه وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)
فهذا يؤكد أن هذه المسألة عند الصحابة رضي الله عنهم أمرها واضح تماماً, فليست الأحرف والقراءات مما أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هي رخصة للناس, ولذلك تَغِيْبُ عن بال الصحابة ولا يعيرون لها اهتماماً كبيراً, حتى يحتاج عثمان أن يشهد على مثل هذا الأمر, ولو كانت الأحرف والقراءات كلها منزلة لما كان المشهد هكذا أبداً, ولما احتاج عثمان أن يشهد أحداً على قرآن أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأه النبي على الصحابة وحفظوه وأقرؤوه.
فالأمر واضح إذاً.

وبالنسبة للمسألة السابعة لا إشكال.
فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ إلا بحرف قريش إلا في حالات نادرة جداً.
لأن جبريل لم ينزل إلا بحرف قريش وبقية الأحرف والقراءات إنما هي رخصة مفتوحة لكل من لا يستطيع قراءة القرآن بلغة قريش.
ولم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئهم بكل اللغات واللهجات المرخص بها.
ولا يمكنه في مدة وجيزة كالمدة المذكورة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك لا يمكن أن يحصل وأصلاً هو لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلا لتحولت الرخصة إلى تشديد وعسر, والتهوين إلى ضيق ومشقة.

وبالنسبة للمسألة الثامنة لا إشكال.
فإن هؤلاء الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يعلمون الحقيقة, وأن الذي نزل به جبريل إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, ورخص للناس أن يقرؤوه بلغاتهم ولهجاتهم, فهم لا يرون بأساً في المفاضلة بين القراءات والأحرف وتفضيل بعضها على بعض, وكلامهم في ذلك مشهور ومعروف فيقولون بدون أي غضاضة: إن هذه القراءة أحسن من هذه القراءة, وقراءة فلان أحب إلينا من قراءة فلان.

وبالنسبة للمسألة التاسعة لا إشكال.
فقول أبي الرحمن السلمي: "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
موافق للحقيقة تماماً, فكانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة, وهي بالحرف الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأما الحروف والقراءات المرخص بها فهي رخصة لمن يحتاجها من القبائل, فهم في غنى ومنأى عنها.

وبالنسبة للمسألة العاشرة لا إشكال.
فلم يعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يحفظ القراءات والأحرف السبعة أو يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها, لعلمهم أن الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, وأن الأحرف والقراءات الأخرى رخصة لمن يحتاجها ويضطر إليها فلا معنى لحفظ كل الأحرف والقراءات والقراءة بها.
فلما علمت الحقيقة صافية دون كدر كانت النتيجة هكذا.

وبالنسبة للمسألة الحادية عشرة لا إشكال.
فإن هذه الروايات الصحيحة تدل على الحقيقة وأن الحرف المنزل واحد وهو حرف قريش وأن بقية الأحرف إنما هي رخصة مفتوحة, ولذلك جاءت الروايات بلفظ (ما لم تختم آية عذاب برحمة أو العكس) ونحو ذلك.
فهي تدل بكل وضوح على القول الصواب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
(قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
(كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
(ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة)

وبالنسبة للمسألة الثانية عشرة لا إشكال.
فإنه لم يأت في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ غالباً إلا بالحرف الذي نزل به جبريل وهو حرف قريش, ولم يكن يقرئ بالحروف التي هي رخصة مفتوحة للقبائل, لأن الإقراء بها يحول الرخصة إلى شدة والتيسير إلى عسر شديد وضيق ومشقة.

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك القراءات, ولهذا لم تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, بل هي نصوص قليلة جداً.

وبالنسبة للمسألة الثالثة عشرة لا إشكال.
فإن أولئك العلماء الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم يتكلمون في بعض القراءات, وينقدون ويخطئون, لأن الحقيقة عندهم واضحة, فهم لا يتكلمون في قراءات أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
بل يعلمون أن المنزل حرف واحد وبقية الأحرف والقراءات رخصة للقبائل لم ينزل بها جبريل ولم يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن الأمر عند أولئك الأئمة من القراء والمفسرين واللغويين جلي واضح أجمعوا على أن الكلام في تلك القراءات لا يضير.
ولما اختفت الحقيقة على من جاء بعدهم عجبوا من ذلك أشد العجب وشنعوا على أئمتهم الذين نقلوا لهم علوم الشريعة.

وبالنسبة للمسألة الرابعة عشرة لا إشكال.
فحينما يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, كما حصل مع الإمام حمزة رحمه الله أو غيره فهم يعلمون أن القراءة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها واحدة, وأن الأحرف واللهجات والقراءات الأخرى رخصة للناس, فلا يرون في ذلك بأساً أن يخطئوا ما يرونه خطأ من القراءات أو الأداء.

وبالنسبة للمسألة الخامسة عشرة لا إشكال.
فانفراد كثير من القراء بقراءة لا يشاركهم فيها أحد هو من الأدلة على تلك الحقيقة, وهي أن النبي r صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه أحرف وقراءات إنما هي رخصة, فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها للصحابة بكل تفاصيلها, ولذلك لا غرابة في أن يزهد القراء جميعهم في نوع من القراءة وينفرد به قارئ واحد كما مر في الأمثلة.
فلا إشكال في ذلك ابداً.
إنما العجيب لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك الأحرف, ثم يزهد كل القراء ببعض الأنواع إلا قارئاً واحداً.

ففهم هذه المسألة حق الفهم يريح العقل والقلب, ويوصل الدارس للراحة والأمان, وبسببه تحل كل مسألة من مسائل القراءات في محلها الصحيح.

ولمعرفة تفاصيل القول في هذه المسألة والأدلة وأقوال أهل العلم والجواب عن الأدلة التي ظاهرها يدل على أن الأحرف والقراءات كلها منزلة.
ينظر هذه الموضوع, وهو بعنوان (هل القراءات القرآنية كلها نزل بها جبريل)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=376787

وموضوع آخر بعنوان (المسائل العشر الكبرى التي خالف فيها القراء المتأخرون إجماع المتقدمين من القراء)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=382393

وموضوع ثالث بعنوان (تحرير مسائل الأحرف السبعة)
https://vb.tafsir.net/tafsir57062/#.XZsmllXXKYk

وفق الله الجميع ورزقنا العلم النافع خالصاً صافياً من كل كدر والنور الهادي خالياً من كل ظلمة وقتام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
بل قرأ بها الرسول وقرأ بها السلف.
ولم يخترع الرسول ولا الصحابة حرفا واحدا من القرآن من عندهم! ولا ضبطا ولا إمالة ولا أي شيء.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
خمس عشرة مسألة تحير كثيراً من المتأخرين من أهل العلم بالقراءات (تنحل كلها بفهم مسألة واحدة !)​
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله.
أما بعد:
فهذا سرد لمسائل عديدة فيها إشكال معروف, تحير دارس علم القراءات إذا كان على منهج المتأخرين وتصيبه بالدهشة والاستغراب, وتستوقف اللبيب ويحار فيها فكره, وهي مسائل لا يصح معها المسكنات, ولا بد فيها من علم يشفي العليل ويروي الغليل, ويطمئن الحيران.
نعم أجاب على بعضها بعض أهل العلم لكنها أجوبة لا يقبلها المحقق المدقق.
وإنما يقبلها التابع المقلد ويرتاح لها صدره وينام قرير العين.

المسألة الأولى:
عمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ بأي قراءة إلا بحرف قريش.
فحين علم أن ابن مسعود رضي الله عنه يقرئ بحرف هذيل قوله تعالى {من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه عتى حين) كتب إليه إذا أتاك كتابي هذا، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" (3/227), وابن عبد البر في "التمهيد" (8/278) , وغيرهما.
كيف ينهاه عمر ويمنعه إذا قلنا إنها قراءة أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم والنبي أقرأها للصحابة, والقرآن أنزل على سبعة أحرف.
هذا مشكل!

المسألة الثانية:
يمنع عثمان رضي الله عنه حروفاً وقراءات من القرآن.
كيف يلغي عثمان أكثره الأحرف والقراءات ويلزم الأمة إلى قيام الساعة بحرف واحد وقراءة واحدة, والقرآن قد أنزل على سبعة أحرف, كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا مشكل جداً!
حتى قال ابن حزم في "الأحكام في أصول الأحكام" (4/674) : "دعواهم أن عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عز وجل عظيمة من عظائم الإفك والكذب, ويعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام".
ولا يصح القول بأن الأحرف كانت رخصة ليست واجبة على الأمة, ولذا ألغاها عثمان.
فإنه حتى على افتراض صحة هذا الزعم فإنه من الممتنع المستحيل أن عثمان بإجماع الصحابة يمنع ويلغي قراءة قرآنية أنزلها الله على نبيه وأقرأها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
كيف يسوغ أن يعمد عثمان إلى إلغائها ومنع الأمة منها إلى قيام الساعة بكل هذه السهولة وبمباركة من جميع الصحابة رضي الله عنهم.
هذا ممتنع أشد الامتناع على الصحابة المعظمين للقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

المسألة الثالثة:
يقول عثمان للذين كلفوا بكتابة المصاحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم). صحيح البخاري (4702)
كيف ذلك والقرآن أنزل على سبعة أحرف ولغات, وليس بلغة قريش فقط.
هذا إشكال واضح!
ولا يصح أن يقال: إن المراد أول ما نزل, فيضاف إلى هذا النص الواضح الصريح لفظة (أول ما نزل) ليفرغ من دلالته الصريحة.
فإن هذا تحريف للنص, وتغيير لمعناه.

المسألة الرابعة:
يقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
والمعروف أن كثيراً من القراءات ذهبت ولم تحفظ, فإن من المعلوم أن القراء في زمن التابعين وتابعيهم كثيرون جداً, وتلاميذهم أيضاً كثر جداً وقراءاتهم كثيرة جداً.
ولم يبق من أولئك القراء ورواتهم وقراءاتهم إلا عشرة وراويان فقط عن كل قارئ.
والإمام ابن مجاهد اقتصر على سبعة فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه.
والإمام أبو عمرو الداني اقتصر في التيسير على راويين عن كل قارئ فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه, ولم يُلْتَفَتْ بعد ذلك إلى قراءات أولئك القراء الآخرين.
أين وعد الله بحفظ كتابه إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
قال ابن الجزري في "النشر" (1/33) : "فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشرة بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأول قل من كثر ونزر من بحر, فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين, وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمماً لا تحصى، وطوائف لا تستقصى... الخ كلامه.
هذا من أشكل ما يكون!

المسألة الخامسة:
لا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, فكان يملي لكتاب الوحي فيكتبون ما نزل بحرف واحد ولغة واحدة, ولم يأمر أحداً منهم أن يكتب حرفاً واحداً من تلك الأحرف.
والقرآن كان ينزل على سبعة أحرف فلِمَ لم يكتب منها شيء.
كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا إشكال يحتاج إلى جواب شافي!

المسألة السادسة:
قال عثمان رضي الله عنه يوماً وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف), فقال عثمان رضي الله عنه: وأنا أشهد معهم) أخرجه أبو يعلى في الكبير كما في "مجمع الزوائد" (7/152)
كيف يحتاج عثمان أن يُشْهِد على مثل هذا الأمر, وهو أمر معروف مشهور شائع
كيف يتصور ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة بكل تفاصيلها.
فهذا مشكل جداً, وما مثل ذلك إلا كما لو طلب عثمان من يشهد معه على أن الله أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم!

المسألة السابعة:
نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كان بعد فتح مكة بزمن أي قبل وفات النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو أقل.
فكيف استطاع في هذه المدة الوجيزة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك أقرب إلى المستحيل!

المسألة الثامنة:
كثير من الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يفاضلون بين القراءات والأحرف ويفضلون بعضها على بعض, ولهم في ذلك كلام شائع مشهور فكيف يصح ذلك إذا كنا نقول كلها نزل به جبريل فهو إذاً في منزلة واحدة.
كيف يقولون هذه القراءة أحسن من هذه القراءة.
هذا مشكل جداً!

المسالة التاسعة:
قال أبو عبد الرحمن السلمي كما في "المرشد الوجيز" ص (68) : "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
كيف تكون قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة وقد نزل القرآن على سبعة أحرف.
لماذا لم يحصل اختلاف بينهم في القراءة بسبب كثرة القراءات إذا كنا نقول إن القراءات كلها نزل بها جبريل, وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة.
على الأقل لو حصل هذا من بعضهم.
هذا مشكل!

المسألة العاشرة:
لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه حفظ القراءات المختلفة والأحرف السبعة أو كان يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم كانوا يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
لماذا لا يعرف هذا إلا بعد القرن الرابع الهجري.
لماذا فرط السابقون والسلف والقراء في هذا الفضل العظيم!
هذا مشكل لكل ذي لب!

المسألة الحادية عشرة:
جاء في روايات صحيحة المنع فقط من أن تختم آية عذاب برحمة أو العكس, ويفهم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
ففي حديث أُبيّ رضي الله عنه عند أحمد (35/84) (حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
وفي حديث أبي بكرة عند أحمد (34/70) (اقرأه على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد (14/120) (أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليماً حكيماً، غفوراً رحيماً).
وفي رواية (ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (1/19)
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات محددة معروفة أنزلها جبريل وأقرأها النبي للصحابة, فلا حاجة إذاً إلى القول: (ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
هذا مشكل جداً!

المسألة الثانية عشرة:
كيف يقرئ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بكل تلك الأحرف والقراءات السبع ثم لا يأتي في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
كيف ذلك!
صحيح أن القراءات نقلت عبر القراء.
لكن المقصود هنا أننا إذا قلنا بأن النبي r صلى الله عليه وسلم قد أقرأ بجميع تلك القراءات فلا بد أن تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, والواقع مخالف لذلك تماماً.
هذا فيه إشكال!

المسألة الثالثة عشرة
كثير من أهل العلم الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم قد تكلموا في بعض القراءات, ونقدوا وخطؤوا, وهذا أمر مشهور معلوم, كالإمام الأعرج عبد الرحمن بن هرمز, ويحيى بن يزيد الفراء, وأبي عبيد القاسم بن سلام, وأبي حاتم السجستاني, ومحمد بن جرير الطبري, وابن مجاهد وهو من جمع قراءات القراء السبعة, وأبي محمد بن عطية, وابن قتيبة, وأبي شامة, وأبي الحسن الأخفش, وأبي العباس المبرد, وأبي إسحاق الزجاج, وأبي جعفر النحاس, وأبي علي الفارسي, وغيرهم, حتى بعض القراء السبعة, وكثير منهم مع كونه إماماً في التفسير أو اللغة كان إماماً في القراءات أيضاً.
فكيف يتكلمون في بعض هذه القراءات إذا كنا نقول: إنها كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
هذا محل إشكال كبير!

المسألة الرابعة عشرة
يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, ككلامهم في شيء من أداء الإمام حمزة رحمه الله, فقد تكلم بذلك الإمام أحمد, وعبد الرحمن بن مهدي, وأبو بكر بن عياش, والحكم بن عتيبة, ويزيد بن هارون, وعبد الله بن إدريس, وسفيان بن عيينة, وعبد الله بن قتيبة, وبشر بن الحارث, ويعقوب بن شيبة, وعلي بن المديني, والساجي, والأزدي, وابن دريد, وحماد بن زيد.
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
وليس المتكلم في ذلك واحد أو اثنين بل جماعة كثيرة.
وليس المتكلم في ذلك من عامة الناس, بل هم من كبار أئمة الإسلام!
هذه مشكلة كبيرة!

المسألة الخامسة عشرة
ينفرد كثير من القراء بقراءة لا يشاركه فيها أحد.
كما ينفرد أبو عمرو من بين العشرة بالإدغام الكبير
أو خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي في (الصراط) في جميع القرآن
أو ابن كثير بوصل هاء الكناية بالياء أو بالواو
أو ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو البزي بتشديد التاءات في الفعل المضارع
أو ورش بتغليظ اللامات.
أو الأزرق عن ورش بترقيق الراءات.
أو الأزرق عن ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى من كل همزتين في كلمتين
أو ورش بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.
أو حمزة بالسكت على الساكن قبل الهمز.
أو حمزة بتسهيل الهمز في الوقف
أو الكسائي بإمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف.
وغير ذلك كثير.
فكيف يجمع القراء العشرة إلا واحداً بالزهد في قراءة معينة إذا قلنا إن جبريل قد أنزلها على النبي وأقرأها النبي للصحابة.
كيف يتفقون على ذلك.
أتواصوا بذلك فقرأ كل راو بما وُكِلَ إليه من هذا الانفراد, أم اتفقوا صدفة على هجران أداء مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا مشكل جداً!

هي إذا مسائل كثيرة تصيب كل دارس للقراءات بالحيرة.
فما السبب يا ترى.

السبب هو البناء على قاعدة غير سليمة.
فسبب الإشكالات السابقة كلها قاعدة بنى عليها القراء المتأخرون أقوالهم ومنهجهم في القراءات وهي قاعدة لا دليل عليها, بل الأدلة تدل على خلافها, ولذلك لم تعرف عن السلف عموماً أو القراء الأولين كالعشرة وغيرهم.
إنما اشتهرت بعدهم بزمن.
وهو القول بأن الأحرف والقراءات القرآنية كلها منزلة أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرآها إياه وأقرأها النبي للصحابة.
فلما أخذ بهذه القاعدة وجدت كل الإشكالات السابقة وأصبحت نتيجة حتمية لذلك القول المخالف للحقيقة.

إن الحقيقة أن جبريل لم ينزل إلا بحرف واحد وقراءة واحدة وأما الأحرف والقراءات الأخرى الكثيرة فهي رخصة من الله فحسب.
وكل ما صح عند العشرة منها فله قدسية القرآن لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أراد أن تقرأ هكذا وهكذا.
وأما النصوص التي فيها التصريح بأن الله أنزل جميع الأحرف والقراءات فليس معناها ما يتبادر منها كما تجده في الرابط الذي سأضعه بعد قليل وفيه شرح وتوضيح مسهب لهذه المسألة المهمة, وبيان لمعنى تلك النصوص.

وحين يعتقد المرء بذلك الصواب تنحل كل الإشكالات السابقة تلقائياً مما يؤكد تأكيداً بيناً أنه هو القول الصحيح الموافق لقول القراء والسلف والمنقول والمعقول.

فبالنسبة للمسألة الأولى لا إشكال.
فعمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ إلا بالحرف الذي نزل به جبريل, وهو حرف قريش فهو الذي نزل به القرآن, وما سواه رخصة مفتوحة للناس, فلا يحسن أن يقرئ إلا باللفظ المنزل.

وبالنسبة للمسألة الثانية لا إشكال.
فعثمان رضي الله عنه لا يلغي شيئاً من القرآن الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما يلغي قراءات مرخص بها للحاجة إليها في ذلك الزمن حين دخل الناس والقبائل في دين الله أفواجاً.
ويلزم الناس بالحرف الذي نزل به جبريل والذي كان كله محفوظاً مكتوباً في الصحف عند أبي بكر ثم عمر ثم حفصة.

وبالنسبة للمسألة الثالثة لا إشكال.
فعثمان يقول للذين كتبوا المصحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم).
لأن هذا هو الواقع وهو الحقيقة, فجبريل نزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بلغة قريش, ولم ينزل بالأحرف كلها, بل كانت رخصة للناس في أول زمن الدعوة الإسلامية.

وبالنسبة للمسألة الرابعة لا إشكال.
فلو ذهب كثير من الأحرف والقراءات فلا ينافي هذا قوله تعالى: (وإنا له لحافظون)
لأن القرآن لم يذهب منه حرف واحد فهو محفوظ كما وعد الله عز وجل, أما تلك الأحرف والقراءات فليذهب منها ما يذهب فما هي إلا رخصة لمن لا يستطيع النطق بلغة قريش, ولم تكن هي مما أنزله جبري على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما الذي أنزله حرف واحد بلسان قريش.

وبالنسبة للمسألة الخامسة لا إشكال.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الذي أنزله جبريل إنما هو هذا الحرف فقط, وبقية الأحرف رخصة للناس لم ينزل بها جبريل فلماذا يأمر بكتابتها؟!

وبالنسبة للمسألة السادسة لا إشكال.
فحينما يقول عثمان رضي الله عنه وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)
فهذا يؤكد أن هذه المسألة عند الصحابة رضي الله عنهم أمرها واضح تماماً, فليست الأحرف والقراءات مما أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هي رخصة للناس, ولذلك تَغِيْبُ عن بال الصحابة ولا يعيرون لها اهتماماً كبيراً, حتى يحتاج عثمان أن يشهد على مثل هذا الأمر, ولو كانت الأحرف والقراءات كلها منزلة لما كان المشهد هكذا أبداً, ولما احتاج عثمان أن يشهد أحداً على قرآن أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأه النبي على الصحابة وحفظوه وأقرؤوه.
فالأمر واضح إذاً.

وبالنسبة للمسألة السابعة لا إشكال.
فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ إلا بحرف قريش إلا في حالات نادرة جداً.
لأن جبريل لم ينزل إلا بحرف قريش وبقية الأحرف والقراءات إنما هي رخصة مفتوحة لكل من لا يستطيع قراءة القرآن بلغة قريش.
ولم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئهم بكل اللغات واللهجات المرخص بها.
ولا يمكنه في مدة وجيزة كالمدة المذكورة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك لا يمكن أن يحصل وأصلاً هو لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلا لتحولت الرخصة إلى تشديد وعسر, والتهوين إلى ضيق ومشقة.

وبالنسبة للمسألة الثامنة لا إشكال.
فإن هؤلاء الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يعلمون الحقيقة, وأن الذي نزل به جبريل إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, ورخص للناس أن يقرؤوه بلغاتهم ولهجاتهم, فهم لا يرون بأساً في المفاضلة بين القراءات والأحرف وتفضيل بعضها على بعض, وكلامهم في ذلك مشهور ومعروف فيقولون بدون أي غضاضة: إن هذه القراءة أحسن من هذه القراءة, وقراءة فلان أحب إلينا من قراءة فلان.

وبالنسبة للمسألة التاسعة لا إشكال.
فقول أبي الرحمن السلمي: "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
موافق للحقيقة تماماً, فكانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة, وهي بالحرف الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأما الحروف والقراءات المرخص بها فهي رخصة لمن يحتاجها من القبائل, فهم في غنى ومنأى عنها.

وبالنسبة للمسألة العاشرة لا إشكال.
فلم يعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يحفظ القراءات والأحرف السبعة أو يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها, لعلمهم أن الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, وأن الأحرف والقراءات الأخرى رخصة لمن يحتاجها ويضطر إليها فلا معنى لحفظ كل الأحرف والقراءات والقراءة بها.
فلما علمت الحقيقة صافية دون كدر كانت النتيجة هكذا.

وبالنسبة للمسألة الحادية عشرة لا إشكال.
فإن هذه الروايات الصحيحة تدل على الحقيقة وأن الحرف المنزل واحد وهو حرف قريش وأن بقية الأحرف إنما هي رخصة مفتوحة, ولذلك جاءت الروايات بلفظ (ما لم تختم آية عذاب برحمة أو العكس) ونحو ذلك.
فهي تدل بكل وضوح على القول الصواب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
(قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
(كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
(ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة)

وبالنسبة للمسألة الثانية عشرة لا إشكال.
فإنه لم يأت في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ غالباً إلا بالحرف الذي نزل به جبريل وهو حرف قريش, ولم يكن يقرئ بالحروف التي هي رخصة مفتوحة للقبائل, لأن الإقراء بها يحول الرخصة إلى شدة والتيسير إلى عسر شديد وضيق ومشقة.

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك القراءات, ولهذا لم تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, بل هي نصوص قليلة جداً.

وبالنسبة للمسألة الثالثة عشرة لا إشكال.
فإن أولئك العلماء الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم يتكلمون في بعض القراءات, وينقدون ويخطئون, لأن الحقيقة عندهم واضحة, فهم لا يتكلمون في قراءات أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
بل يعلمون أن المنزل حرف واحد وبقية الأحرف والقراءات رخصة للقبائل لم ينزل بها جبريل ولم يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن الأمر عند أولئك الأئمة من القراء والمفسرين واللغويين جلي واضح أجمعوا على أن الكلام في تلك القراءات لا يضير.
ولما اختفت الحقيقة على من جاء بعدهم عجبوا من ذلك أشد العجب وشنعوا على أئمتهم الذين نقلوا لهم علوم الشريعة.

وبالنسبة للمسألة الرابعة عشرة لا إشكال.
فحينما يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, كما حصل مع الإمام حمزة رحمه الله أو غيره فهم يعلمون أن القراءة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها واحدة, وأن الأحرف واللهجات والقراءات الأخرى رخصة للناس, فلا يرون في ذلك بأساً أن يخطئوا ما يرونه خطأ من القراءات أو الأداء.

وبالنسبة للمسألة الخامسة عشرة لا إشكال.
فانفراد كثير من القراء بقراءة لا يشاركهم فيها أحد هو من الأدلة على تلك الحقيقة, وهي أن النبي r صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه أحرف وقراءات إنما هي رخصة, فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها للصحابة بكل تفاصيلها, ولذلك لا غرابة في أن يزهد القراء جميعهم في نوع من القراءة وينفرد به قارئ واحد كما مر في الأمثلة.
فلا إشكال في ذلك ابداً.
إنما العجيب لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك الأحرف, ثم يزهد كل القراء ببعض الأنواع إلا قارئاً واحداً.

ففهم هذه المسألة حق الفهم يريح العقل والقلب, ويوصل الدارس للراحة والأمان, وبسببه تحل كل مسألة من مسائل القراءات في محلها الصحيح.

ولمعرفة تفاصيل القول في هذه المسألة والأدلة وأقوال أهل العلم والجواب عن الأدلة التي ظاهرها يدل على أن الأحرف والقراءات كلها منزلة.
ينظر هذه الموضوع, وهو بعنوان (هل القراءات القرآنية كلها نزل بها جبريل)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=376787

وموضوع آخر بعنوان (المسائل العشر الكبرى التي خالف فيها القراء المتأخرون إجماع المتقدمين من القراء)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=382393

وموضوع ثالث بعنوان (تحرير مسائل الأحرف السبعة)
https://vb.tafsir.net/tafsir57062/#.XZsmllXXKYk

وفق الله الجميع ورزقنا العلم النافع خالصاً صافياً من كل كدر والنور الهادي خالياً من كل ظلمة وقتام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلام رائع وجميل جدا وفقك الله وسدد خطاك
 
شكرا على الدراسة القيمة،
ولى سؤال بخصوص الكتابة والأحرف للقرآن الكريم،
نعلم أن مراجعة جبريل عليه السلام مع النبى (ص) للقرآن كانت شفهية وليست كتابية، فلم يقل له جبريل أن تكتب (رحمة) فى هذه الآية بالتاء المربوطة وتكتبها فى تلك الآية بالتاء المفتوحة (رحمت).

ولكننا نرى إختلافا فى الكتابة لكثير من الكلمات فى الكثير من الآيات ووردت عنها نظريات ودراسات ما أنزل الله بها من سلطان، وهى لم تكن غير إختلاف من عند كاتبى أو مسجلى القرآن فى ذلك الزمان .
 
شكر الله لجميع الإخوة الكرام

الأخت الفاضلة الزيتونة
هذه المسألة سبق الكلام فيها في بحث بعنوان "تحرير مسائل الأحرف السبعة".

هنا
https://vb.tafsir.net/tafsir57062/#.XaCAa1XXKYk

في المسألة السابعة وهي أن عثمان رضي الله عنه والصحابة حين كتبوا المصاحف لم يريدوا إلا قراءة واحدة ونطقاً واحداً, وهو حرف قريش الذي نزل به جبريل على النبي.
ولم يكونوا يريدون أن يشتمل على قراءات متنوعة.
وذكرت هناك اعتراضين وجوابهما:
وجاء ذكر هذه المسألة ضمن الجواب على الاعتراض الثاني:

وذكرت أمثلة كثيرة على ما اختلف رسمه.
فمثلاً:
في سورة النمل الآية رقم (21) (لأاذبحنه) بزيادة الألف في حين أن كلمة (لأعذبنه) في الآية نفسها كتبت بدون ألف.


وفي الفرقان (21) (وعتو) بدون ألف بعد الواو وفي السورة نفسها (أتوا) و(دعوا) بإثبات الألف.


وفي فاطر (6) (يدعوا حزبه) بإثبات الألف بعد الواو مع أنها ليست واو جماعة
وأحياناً يحصل العكس.
فقد جاءت بدون ألف مع أنها بصيغة الجمع.
كما في البقرة (6) (وباءو بغضب من الله) وفي الأعراف (116) (وجاءو بسحر عظيم)


وفي الأنعام (34) (من نبإي المرسلين) وفي القصص (3) (نتلوا عليك من نبإ موسى)


وفي فصلت (12) (فقضاهن سبع سموات) وفي سائر المصحف كتبت هكذا (سموت) بدون ألف بعد الواو.


وفي النساء (23) (وبناتكم) (وبنات الأخ) (وبنات الأخت) وفي مواضع أخرى كثيرة كتبت (بنات) بدون ألف هكذا (بنت)
وفي الكهف (23) (ولا تقولن لشايء) وفي النحل (40) (إنما قولنا لشيء) بدون ألف.


وفي الأعراف (150) (قال ابن أم) وفي طه (94) (قال يبنؤم) هكذا.


وفي البقرة (83) (وبالوالدين إحساناً) وفي النساء (36) (وبالوالدين إحسنا) بدون ألف.


وفي البقرة (220) (قل إصلاح لهم خير) وفي النساء (114) (أو إصلح بين الناس) بدون ألف.


وفي المائدة (29) (وذلك جزؤا الظالمين) بحذف الألف بعد الزاي وزيادة ألف في آخر الكلمة وفي السورة نفسها (85) (وذلك جزاء المحسنين) بدون حذف ولا زيادة.


وفي البقرة (231) (واذكروا نعمت الله عليكم) وفي المائدة (7) (واذكروا نعمة الله عليكم) بالتاء المربوطة.


وفي فاطر (43) (فلن تجد لسنت الله تبديلاً) وفي الفتح (23) (فلن تجد لسنة الله تبديلاً) بالتاء المربوطة.


وفي الواقعة (89) (وجنت نعيم) وفي سائر القرآن بالتاء المربوطة.


وفي آل عمران (61) (فنجعل لعنت الله) وفي السورة نفسها (87) (أن عليهم لعنة الله) بالتاء المربوطة.


وفي الشعراء (176) (كذب أصحاب لئيكة) وفي ق (14) (وأصحاب الأيكة)


وفي هود (14) (فإلم يستجيبوا لكم) وفي القصص (50) (فإن لم يستجيبوا لكم)

وقد تعرض الدكتور غانم قدوري في كتابه "رسم المصحف" لهذا الموضوع, واستطرد في ذكر كلام أهل العلم في أسباب ذلك وتعليلاته, ولكنه في كثير من الأحيان يصرح بأن هذه التفسيرات والتعليلات غير مقنعة وغير مقبولة.


ويرجح الدكتور قدوري أن سبب ذلك الاختلاف أن الكاتب قد يستجيب أحياناً لواقع النطق في السياق فيكتب حسبما يسمعه منطوقاً.
فقد يستجيب للنطق الفعلي ويغير قليلاً في رسم الكلمة لتمثيل النطق المسموع تمثيلاً أكثر دقة, في وقت لم تكن قواعد الكتابة والهجاء قد استقرت وعرفت من قبل الكتاب جميعاً بدرجة واحدة.
فمن هنا اختلفت كتابة بعض الكلمات.

فيقول مثلاً ص (261) : "لكن الكاتب قد يجد نفسه في بعض الأحيان متردداً بين أن يلتزم بأصل كتابة الكلمة وبين أن يستجيب لواقع نطقها في السياق, ولهذا فقد جاءت بعض الكلمات التي أولها لام ودخلت عليها (أل) المعرفة مكتوبة بلامين في الغالب, وبلام واحدة في بعض الأحيان, فقد كتبت الكلمات الآتية بلامين (اللعنون) (اللعنة) (اللغو) (اللهو...
وجاءت كلمات أخرى بلام واحدة مثل (اليل), وبعض الأسماء الموصولة, مثل (الذي) (الذان)...".

وقال ص (408) : "عدم استمرار الكُتَّاب على طريقة واحدة كان هناك ما يسوغه بل يدفع إليه, حين يجد الكاتب نفسه بين أن يلتزم رسماً شائعاً للكلمة لكنه قاصر عن تمثيل أصواتها التي يسمعها, وبين أن يستجيب للنطق الفعلي ويغير قليلاً في رسم الكلمة لتمثيل النطق المسموع تمثيلاً أكثر دقة, في وقت لم تكن قواعد الكتابة والهجاء قد استقرت وعرفت من قبل الكتاب جميعاً بدرجة واحدة, وثم ثم ظهرت بعض الأمثلة المتشابهة مرسومة بأكثر من طريقة".

وقال ص (386) : "هناك ما يشير إلى أن الكتاب في تلك الفترات المتقدمة كانوا أقل تمسكاً بالقواعد المطردة, وكانت أقلامهم تستجيب لنطق الكلمات وهي في السياق إلى جانب حرصهم على صور هجاء الكلمات التي تمثل نطقها مبدوءاً بها وموقوفاً عليها.
فقد يتخلى الكتاب عن المعروف من صور هجاء بعض الكلمات, ويرسمون ما يحسونه في النطق الواقع فعلاً..."اهـ

أخي الحبيب الجكني قد صدقت في قولك وأصبت الحقيقة.
فالذين يقرؤون كتب السابقين من أهل العلم وصحفهم ويستخرجون دررها وجواهرها هم الذين تستوقفهم هذه المسائل فيطلبون الحقيقة الناصعة الخالية من كل كدر.
أما الذين يكتفون بالتلقي قبل كل شيء (وبعد كل شيء) فما لهم ولهذه المسائل!
 
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53 الفرقان)

ارسل من SM-J730F using ملتقى أهل التفسير
 
بسم الله الرحمن الرحيم
خمس عشرة مسألة تحير كثيراً من المتأخرين من أهل العلم بالقراءات (تنحل كلها بفهم مسألة واحدة !)​
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله.
أما بعد:
فهذا سرد لمسائل عديدة فيها إشكال معروف, تحير دارس علم القراءات إذا كان على منهج المتأخرين وتصيبه بالدهشة والاستغراب, وتستوقف اللبيب ويحار فيها فكره, وهي مسائل لا يصح معها المسكنات, ولا بد فيها من علم يشفي العليل ويروي الغليل, ويطمئن الحيران.
نعم أجاب على بعضها بعض أهل العلم لكنها أجوبة لا يقبلها المحقق المدقق.
وإنما يقبلها التابع المقلد ويرتاح لها صدره وينام قرير العين.

المسألة الأولى:
عمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ بأي قراءة إلا بحرف قريش.
فحين علم أن ابن مسعود رضي الله عنه يقرئ بحرف هذيل قوله تعالى {من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه عتى حين) كتب إليه إذا أتاك كتابي هذا، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" (3/227), وابن عبد البر في "التمهيد" (8/278) , وغيرهما.
كيف ينهاه عمر ويمنعه إذا قلنا إنها قراءة أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم والنبي أقرأها للصحابة, والقرآن أنزل على سبعة أحرف.
هذا مشكل!

المسألة الثانية:
يمنع عثمان رضي الله عنه حروفاً وقراءات من القرآن.
كيف يلغي عثمان أكثره الأحرف والقراءات ويلزم الأمة إلى قيام الساعة بحرف واحد وقراءة واحدة, والقرآن قد أنزل على سبعة أحرف, كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا مشكل جداً!
حتى قال ابن حزم في "الأحكام في أصول الأحكام" (4/674) : "دعواهم أن عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عز وجل عظيمة من عظائم الإفك والكذب, ويعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام".
ولا يصح القول بأن الأحرف كانت رخصة ليست واجبة على الأمة, ولذا ألغاها عثمان.
فإنه حتى على افتراض صحة هذا الزعم فإنه من الممتنع المستحيل أن عثمان بإجماع الصحابة يمنع ويلغي قراءة قرآنية أنزلها الله على نبيه وأقرأها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
كيف يسوغ أن يعمد عثمان إلى إلغائها ومنع الأمة منها إلى قيام الساعة بكل هذه السهولة وبمباركة من جميع الصحابة رضي الله عنهم.
هذا ممتنع أشد الامتناع على الصحابة المعظمين للقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

المسألة الثالثة:
يقول عثمان للذين كلفوا بكتابة المصاحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم). صحيح البخاري (4702)
كيف ذلك والقرآن أنزل على سبعة أحرف ولغات, وليس بلغة قريش فقط.
هذا إشكال واضح!
ولا يصح أن يقال: إن المراد أول ما نزل, فيضاف إلى هذا النص الواضح الصريح لفظة (أول ما نزل) ليفرغ من دلالته الصريحة.
فإن هذا تحريف للنص, وتغيير لمعناه.

المسألة الرابعة:
يقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
والمعروف أن كثيراً من القراءات ذهبت ولم تحفظ, فإن من المعلوم أن القراء في زمن التابعين وتابعيهم كثيرون جداً, وتلاميذهم أيضاً كثر جداً وقراءاتهم كثيرة جداً.
ولم يبق من أولئك القراء ورواتهم وقراءاتهم إلا عشرة وراويان فقط عن كل قارئ.
والإمام ابن مجاهد اقتصر على سبعة فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه.
والإمام أبو عمرو الداني اقتصر في التيسير على راويين عن كل قارئ فاشتهر العمل بذلك وترك ما سواه, ولم يُلْتَفَتْ بعد ذلك إلى قراءات أولئك القراء الآخرين.
أين وعد الله بحفظ كتابه إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
قال ابن الجزري في "النشر" (1/33) : "فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشرة بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأول قل من كثر ونزر من بحر, فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين, وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمماً لا تحصى، وطوائف لا تستقصى... الخ كلامه.
هذا من أشكل ما يكون!

المسألة الخامسة:
لا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, فكان يملي لكتاب الوحي فيكتبون ما نزل بحرف واحد ولغة واحدة, ولم يأمر أحداً منهم أن يكتب حرفاً واحداً من تلك الأحرف.
والقرآن كان ينزل على سبعة أحرف فلِمَ لم يكتب منها شيء.
كيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة.
هذا إشكال يحتاج إلى جواب شافي!

المسألة السادسة:
قال عثمان رضي الله عنه يوماً وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف), فقال عثمان رضي الله عنه: وأنا أشهد معهم) أخرجه أبو يعلى في الكبير كما في "مجمع الزوائد" (7/152)
كيف يحتاج عثمان أن يُشْهِد على مثل هذا الأمر, وهو أمر معروف مشهور شائع
كيف يتصور ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها النبي للصحابة بكل تفاصيلها.
فهذا مشكل جداً, وما مثل ذلك إلا كما لو طلب عثمان من يشهد معه على أن الله أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم!

المسألة السابعة:
نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كان بعد فتح مكة بزمن أي قبل وفات النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو أقل.
فكيف استطاع في هذه المدة الوجيزة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك أقرب إلى المستحيل!

المسألة الثامنة:
كثير من الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يفاضلون بين القراءات والأحرف ويفضلون بعضها على بعض, ولهم في ذلك كلام شائع مشهور فكيف يصح ذلك إذا كنا نقول كلها نزل به جبريل فهو إذاً في منزلة واحدة.
كيف يقولون هذه القراءة أحسن من هذه القراءة.
هذا مشكل جداً!

المسالة التاسعة:
قال أبو عبد الرحمن السلمي كما في "المرشد الوجيز" ص (68) : "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
كيف تكون قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة وقد نزل القرآن على سبعة أحرف.
لماذا لم يحصل اختلاف بينهم في القراءة بسبب كثرة القراءات إذا كنا نقول إن القراءات كلها نزل بها جبريل, وأقرأها للنبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة.
على الأقل لو حصل هذا من بعضهم.
هذا مشكل!

المسألة العاشرة:
لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه حفظ القراءات المختلفة والأحرف السبعة أو كان يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم كانوا يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
لماذا لا يعرف هذا إلا بعد القرن الرابع الهجري.
لماذا فرط السابقون والسلف والقراء في هذا الفضل العظيم!
هذا مشكل لكل ذي لب!

المسألة الحادية عشرة:
جاء في روايات صحيحة المنع فقط من أن تختم آية عذاب برحمة أو العكس, ويفهم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
ففي حديث أُبيّ رضي الله عنه عند أحمد (35/84) (حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
وفي حديث أبي بكرة عند أحمد (34/70) (اقرأه على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد (14/120) (أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليماً حكيماً، غفوراً رحيماً).
وفي رواية (ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (1/19)
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن الأحرف والقراءات محددة معروفة أنزلها جبريل وأقرأها النبي للصحابة, فلا حاجة إذاً إلى القول: (ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
هذا مشكل جداً!

المسألة الثانية عشرة:
كيف يقرئ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم بكل تلك الأحرف والقراءات السبع ثم لا يأتي في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
كيف ذلك!
صحيح أن القراءات نقلت عبر القراء.
لكن المقصود هنا أننا إذا قلنا بأن النبي r صلى الله عليه وسلم قد أقرأ بجميع تلك القراءات فلا بد أن تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, والواقع مخالف لذلك تماماً.
هذا فيه إشكال!

المسألة الثالثة عشرة
كثير من أهل العلم الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم قد تكلموا في بعض القراءات, ونقدوا وخطؤوا, وهذا أمر مشهور معلوم, كالإمام الأعرج عبد الرحمن بن هرمز, ويحيى بن يزيد الفراء, وأبي عبيد القاسم بن سلام, وأبي حاتم السجستاني, ومحمد بن جرير الطبري, وابن مجاهد وهو من جمع قراءات القراء السبعة, وأبي محمد بن عطية, وابن قتيبة, وأبي شامة, وأبي الحسن الأخفش, وأبي العباس المبرد, وأبي إسحاق الزجاج, وأبي جعفر النحاس, وأبي علي الفارسي, وغيرهم, حتى بعض القراء السبعة, وكثير منهم مع كونه إماماً في التفسير أو اللغة كان إماماً في القراءات أيضاً.
فكيف يتكلمون في بعض هذه القراءات إذا كنا نقول: إنها كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
هذا محل إشكال كبير!

المسألة الرابعة عشرة
يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, ككلامهم في شيء من أداء الإمام حمزة رحمه الله, فقد تكلم بذلك الإمام أحمد, وعبد الرحمن بن مهدي, وأبو بكر بن عياش, والحكم بن عتيبة, ويزيد بن هارون, وعبد الله بن إدريس, وسفيان بن عيينة, وعبد الله بن قتيبة, وبشر بن الحارث, ويعقوب بن شيبة, وعلي بن المديني, والساجي, والأزدي, وابن دريد, وحماد بن زيد.
فكيف ذلك إذا كنا نقول بأن القراءات كلها أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها للنبي وأقرأها النبي للصحابة.
وليس المتكلم في ذلك واحد أو اثنين بل جماعة كثيرة.
وليس المتكلم في ذلك من عامة الناس, بل هم من كبار أئمة الإسلام!
هذه مشكلة كبيرة!

المسألة الخامسة عشرة
ينفرد كثير من القراء بقراءة لا يشاركه فيها أحد.
كما ينفرد أبو عمرو من بين العشرة بالإدغام الكبير
أو خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي في (الصراط) في جميع القرآن
أو ابن كثير بوصل هاء الكناية بالياء أو بالواو
أو ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو البزي بتشديد التاءات في الفعل المضارع
أو ورش بتغليظ اللامات.
أو الأزرق عن ورش بترقيق الراءات.
أو الأزرق عن ورش بمد حرف المد بعد الهمز
أو أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى من كل همزتين في كلمتين
أو ورش بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.
أو حمزة بالسكت على الساكن قبل الهمز.
أو حمزة بتسهيل الهمز في الوقف
أو الكسائي بإمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف.
وغير ذلك كثير.
فكيف يجمع القراء العشرة إلا واحداً بالزهد في قراءة معينة إذا قلنا إن جبريل قد أنزلها على النبي وأقرأها النبي للصحابة.
كيف يتفقون على ذلك.
أتواصوا بذلك فقرأ كل راو بما وُكِلَ إليه من هذا الانفراد, أم اتفقوا صدفة على هجران أداء مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا مشكل جداً!

هي إذا مسائل كثيرة تصيب كل دارس للقراءات بالحيرة.
فما السبب يا ترى.

السبب هو البناء على قاعدة غير سليمة.
فسبب الإشكالات السابقة كلها قاعدة بنى عليها القراء المتأخرون أقوالهم ومنهجهم في القراءات وهي قاعدة لا دليل عليها, بل الأدلة تدل على خلافها, ولذلك لم تعرف عن السلف عموماً أو القراء الأولين كالعشرة وغيرهم.
إنما اشتهرت بعدهم بزمن.
وهو القول بأن الأحرف والقراءات القرآنية كلها منزلة أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرآها إياه وأقرأها النبي للصحابة.
فلما أخذ بهذه القاعدة وجدت كل الإشكالات السابقة وأصبحت نتيجة حتمية لذلك القول المخالف للحقيقة.

إن الحقيقة أن جبريل لم ينزل إلا بحرف واحد وقراءة واحدة وأما الأحرف والقراءات الأخرى الكثيرة فهي رخصة من الله فحسب.
وكل ما صح عند العشرة منها فله قدسية القرآن لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أراد أن تقرأ هكذا وهكذا.
وأما النصوص التي فيها التصريح بأن الله أنزل جميع الأحرف والقراءات فليس معناها ما يتبادر منها كما تجده في الرابط الذي سأضعه بعد قليل وفيه شرح وتوضيح مسهب لهذه المسألة المهمة, وبيان لمعنى تلك النصوص.

وحين يعتقد المرء بذلك الصواب تنحل كل الإشكالات السابقة تلقائياً مما يؤكد تأكيداً بيناً أنه هو القول الصحيح الموافق لقول القراء والسلف والمنقول والمعقول.

فبالنسبة للمسألة الأولى لا إشكال.
فعمر ينهى ابن مسعود أن يقرئ إلا بالحرف الذي نزل به جبريل, وهو حرف قريش فهو الذي نزل به القرآن, وما سواه رخصة مفتوحة للناس, فلا يحسن أن يقرئ إلا باللفظ المنزل.

وبالنسبة للمسألة الثانية لا إشكال.
فعثمان رضي الله عنه لا يلغي شيئاً من القرآن الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما يلغي قراءات مرخص بها للحاجة إليها في ذلك الزمن حين دخل الناس والقبائل في دين الله أفواجاً.
ويلزم الناس بالحرف الذي نزل به جبريل والذي كان كله محفوظاً مكتوباً في الصحف عند أبي بكر ثم عمر ثم حفصة.

وبالنسبة للمسألة الثالثة لا إشكال.
فعثمان يقول للذين كتبوا المصحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم).
لأن هذا هو الواقع وهو الحقيقة, فجبريل نزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بلغة قريش, ولم ينزل بالأحرف كلها, بل كانت رخصة للناس في أول زمن الدعوة الإسلامية.

وبالنسبة للمسألة الرابعة لا إشكال.
فلو ذهب كثير من الأحرف والقراءات فلا ينافي هذا قوله تعالى: (وإنا له لحافظون)
لأن القرآن لم يذهب منه حرف واحد فهو محفوظ كما وعد الله عز وجل, أما تلك الأحرف والقراءات فليذهب منها ما يذهب فما هي إلا رخصة لمن لا يستطيع النطق بلغة قريش, ولم تكن هي مما أنزله جبري على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما الذي أنزله حرف واحد بلسان قريش.

وبالنسبة للمسألة الخامسة لا إشكال.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الذي أنزله جبريل إنما هو هذا الحرف فقط, وبقية الأحرف رخصة للناس لم ينزل بها جبريل فلماذا يأمر بكتابتها؟!

وبالنسبة للمسألة السادسة لا إشكال.
فحينما يقول عثمان رضي الله عنه وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)
فهذا يؤكد أن هذه المسألة عند الصحابة رضي الله عنهم أمرها واضح تماماً, فليست الأحرف والقراءات مما أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هي رخصة للناس, ولذلك تَغِيْبُ عن بال الصحابة ولا يعيرون لها اهتماماً كبيراً, حتى يحتاج عثمان أن يشهد على مثل هذا الأمر, ولو كانت الأحرف والقراءات كلها منزلة لما كان المشهد هكذا أبداً, ولما احتاج عثمان أن يشهد أحداً على قرآن أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأه النبي على الصحابة وحفظوه وأقرؤوه.
فالأمر واضح إذاً.

وبالنسبة للمسألة السابعة لا إشكال.
فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ إلا بحرف قريش إلا في حالات نادرة جداً.
لأن جبريل لم ينزل إلا بحرف قريش وبقية الأحرف والقراءات إنما هي رخصة مفتوحة لكل من لا يستطيع قراءة القرآن بلغة قريش.
ولم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئهم بكل اللغات واللهجات المرخص بها.
ولا يمكنه في مدة وجيزة كالمدة المذكورة من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير.
إن من يعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم, ويتصور أحواله وكيف كان يقضي وقته يعلم أن ذلك لا يمكن أن يحصل وأصلاً هو لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلا لتحولت الرخصة إلى تشديد وعسر, والتهوين إلى ضيق ومشقة.

وبالنسبة للمسألة الثامنة لا إشكال.
فإن هؤلاء الأئمة والعلماء والقراء والمفسرين وغيرهم يعلمون الحقيقة, وأن الذي نزل به جبريل إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, ورخص للناس أن يقرؤوه بلغاتهم ولهجاتهم, فهم لا يرون بأساً في المفاضلة بين القراءات والأحرف وتفضيل بعضها على بعض, وكلامهم في ذلك مشهور ومعروف فيقولون بدون أي غضاضة: إن هذه القراءة أحسن من هذه القراءة, وقراءة فلان أحب إلينا من قراءة فلان.

وبالنسبة للمسألة التاسعة لا إشكال.
فقول أبي الرحمن السلمي: "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
موافق للحقيقة تماماً, فكانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة, وهي بالحرف الذي أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأما الحروف والقراءات المرخص بها فهي رخصة لمن يحتاجها من القبائل, فهم في غنى ومنأى عنها.

وبالنسبة للمسألة العاشرة لا إشكال.
فلم يعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يحفظ القراءات والأحرف السبعة أو يقرؤها أو يقرئ بها, ولم يعرف عن أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف عموماً أو القراء العشرة أو رواتهم أنهم يحفظون عدة روايات للقرآن ويقرؤون بها, لعلمهم أن الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو حرف واحد وقراءة واحدة, وأن الأحرف والقراءات الأخرى رخصة لمن يحتاجها ويضطر إليها فلا معنى لحفظ كل الأحرف والقراءات والقراءة بها.
فلما علمت الحقيقة صافية دون كدر كانت النتيجة هكذا.

وبالنسبة للمسألة الحادية عشرة لا إشكال.
فإن هذه الروايات الصحيحة تدل على الحقيقة وأن الحرف المنزل واحد وهو حرف قريش وأن بقية الأحرف إنما هي رخصة مفتوحة, ولذلك جاءت الروايات بلفظ (ما لم تختم آية عذاب برحمة أو العكس) ونحو ذلك.
فهي تدل بكل وضوح على القول الصواب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لهم حرية واسعة في قراءة الأحرف والقراءات.
(قلت: غفوراً رحيماً، أو قلت: سميعاً عليماً، أو عليماً سميعاً فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
(كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة).
(ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة)

وبالنسبة للمسألة الثانية عشرة لا إشكال.
فإنه لم يأت في النصوص النبوية إلا أحاديث قليلة جداً في ذكر القراءات.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرئ غالباً إلا بالحرف الذي نزل به جبريل وهو حرف قريش, ولم يكن يقرئ بالحروف التي هي رخصة مفتوحة للقبائل, لأن الإقراء بها يحول الرخصة إلى شدة والتيسير إلى عسر شديد وضيق ومشقة.

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك القراءات, ولهذا لم تأتي نصوص نبوية كثيرة فيها ذكر لبعض تلك القراءات, بل هي نصوص قليلة جداً.

وبالنسبة للمسألة الثالثة عشرة لا إشكال.
فإن أولئك العلماء الراسخين من القراء والمفسرين واللغويين وغيرهم يتكلمون في بعض القراءات, وينقدون ويخطئون, لأن الحقيقة عندهم واضحة, فهم لا يتكلمون في قراءات أنزلها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وأقرأها النبي للصحابة رضي الله عنهم.
بل يعلمون أن المنزل حرف واحد وبقية الأحرف والقراءات رخصة للقبائل لم ينزل بها جبريل ولم يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن الأمر عند أولئك الأئمة من القراء والمفسرين واللغويين جلي واضح أجمعوا على أن الكلام في تلك القراءات لا يضير.
ولما اختفت الحقيقة على من جاء بعدهم عجبوا من ذلك أشد العجب وشنعوا على أئمتهم الذين نقلوا لهم علوم الشريعة.

وبالنسبة للمسألة الرابعة عشرة لا إشكال.
فحينما يتكلم كثير من كبار الأئمة في بعض من أنواع من الأداء, كما حصل مع الإمام حمزة رحمه الله أو غيره فهم يعلمون أن القراءة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها واحدة, وأن الأحرف واللهجات والقراءات الأخرى رخصة للناس, فلا يرون في ذلك بأساً أن يخطئوا ما يرونه خطأ من القراءات أو الأداء.

وبالنسبة للمسألة الخامسة عشرة لا إشكال.
فانفراد كثير من القراء بقراءة لا يشاركهم فيها أحد هو من الأدلة على تلك الحقيقة, وهي أن النبي r صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه أحرف وقراءات إنما هي رخصة, فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها للصحابة بكل تفاصيلها, ولذلك لا غرابة في أن يزهد القراء جميعهم في نوع من القراءة وينفرد به قارئ واحد كما مر في الأمثلة.
فلا إشكال في ذلك ابداً.
إنما العجيب لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ بجميع تلك الأحرف, ثم يزهد كل القراء ببعض الأنواع إلا قارئاً واحداً.

ففهم هذه المسألة حق الفهم يريح العقل والقلب, ويوصل الدارس للراحة والأمان, وبسببه تحل كل مسألة من مسائل القراءات في محلها الصحيح.

ولمعرفة تفاصيل القول في هذه المسألة والأدلة وأقوال أهل العلم والجواب عن الأدلة التي ظاهرها يدل على أن الأحرف والقراءات كلها منزلة.
ينظر هذه الموضوع, وهو بعنوان (هل القراءات القرآنية كلها نزل بها جبريل)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=376787

وموضوع آخر بعنوان (المسائل العشر الكبرى التي خالف فيها القراء المتأخرون إجماع المتقدمين من القراء)
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=382393

وموضوع ثالث بعنوان (تحرير مسائل الأحرف السبعة)
https://vb.tafsir.net/tafsir57062/#.XZsmllXXKYk

وفق الله الجميع ورزقنا العلم النافع خالصاً صافياً من كل كدر والنور الهادي خالياً من كل ظلمة وقتام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بحث قيم، بارك الله فيك ونفع بك.
 
[FONT=&quot]أما الذين يكتفون بالتلقي قبل كل شيء (وبعد كل شيء) فما لهم ولهذه المسائل![/FONT]
أخي الكريم:
وهل القراءات إلا بالتلقي والمشافهة قبل وبعد كل شيء!
أما من يأخذ القراءات من الكتب فهو الحريّ حقاً بقولكم - أخي الفاضل-:
" ما له ولهذه المسائل!".
 
الفاضل: صالح الراجحي
جزاك الله خيرا على إثارة هذه الإشكالات القوية التي تؤرق بحق كل من يتصدى للبحث في تاريخ القراءات القرآنية، ولعلي لا أكون مغاليًا إذا قلت إن مثل هذه الإشكالات تحتاج إلى جهود فرق من العلماء والباحثين لتقصي البحث حول هذه القضية الشائكة في تاريخ القرآن، لاسيما أن المطاعن الموجهة إلى الإسلام من هذا الباب لا تكاد تتوقف برغم كثرة الردود والاجتهادات.
غير أن مثل هذه الإشكالات الثقيلة لا يمكن أن تنحل ببساطة بمجرد القول بما تفضلت باقتراحه حلا لها، لأن هذا المقترح ينطوي هو نفسه على إشكال ربما لا يقل ثقلا وخطورة عن الإشكالات السابقة، فالقول بأن القراءات رخصة أدت إلى وقوع اختلافات في طرق الأداء وتغير في ضبط بعض الألفاظ أو نحو ذلك من صور الاختلاف القرائي يدفع إلى التساؤل عن النص القرآني (الأصلي) إن صح التعبير، فإذا كانت هذه الاختلافات وقعت برخصة دون أن تنزل بوحي، فكيف نعثر خلالها على النص الموحى به على قلب النبي الكريم دون غيره من الوجوه الاختلافية في قراءته وضبطه؟ ألا يعني ذلك أن النص القرآني الذي وقع به التحدي والإعجاز صار مختلطا بغيره من القراءات (الاجتهادية) القائمة على مجرد الترخص في التلاوة بدافع التيسير على القبائل في لهجاتها أو التيسير على المسلمين في تلاوة القرآن؟ ألم يكن من المنطقي إذا وقعت هذه الرخصة للمسلمين أن يظل النص (الأصلي) -الذي ظل المسلمون مقتصرين عليه طيلة عشرين عاما قبل وقوع هذه الرخصة بعد فتح مكة- معروفا ومميزا عن غيره من القراءات والاختلافات التي ربما لا تمثل القرآن المعجز الذي هو قطب الرحى في إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغ عن ربه؟!
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحب بأخي الكريم صالح الراجحي، وأسأل الله تعالى له التوفيق والسداد في مناقشة هذه المسائل الدقيقة في تاريخ القراءات.
الإشكالات التي طرحها الأخ الكريم كاتب المقالة تحتاج إلى بحثٍ وتحقيق، وتأن وصبرٍ...وكان الأولى في نظري أن تُناقش مسألة مسألة، حتى تستوفي جميع هذه المسائل حقها من البحث والتحرير.

المسألة الأولى: أصل القراءات:
لا ريب في أن أصلَ القراءاتِ يَرْجِعُ إلى رُخْصَةِ الأحرفِ السَّبْعَةِ، وَتَرْجِعُ هذه القراءاتُ في أصولها إلى قراءاتِ الصحابة في ما نَقَلهُ عنهم تَلامِذَتُـهُم من التَّابعين، وكان جبريلُ عليه السَّلامُ قد نَزَلَ بالقرآنِ على حرف، فراجَعَهُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، فلم يَزَلْ يَسْتَزِيدُهُ حتى انتهى إلى سبعةِ أحرف، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد عَلَّمَ الصَّحابةَ القرآن، وأقَرَّ لهمُ اختلافَهُمْ في النُّطْق، وكان ذلك في ظل رخصة القراءة بالأحرف السبعة.
وهذا كلام مُـجْمَلٌ يحتاج إلى تفصيل، فهل أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة أن يقرؤوا القرآن بلغاتهم وما جَرَتْ عليه عادتهم بتوقيفٍ منه دون سماع ورواية؟ وهل كان ذلك الإذنُ في ما يتعلق بلغات العرب (الأصول)؟ أم أنه أذن لهم كذلك في إبدال الكلمات ولو من غير سماع (الفرش) إذا تعذر عليهم قراءة القرآن الكريم على اللفظ المنزل (حرف قريش)؟
لعلنا نحن متفقون على أنَّ الأصلَ في القراءاتِ القرآنيةِ أنها سُنَّةٌ مُتَّبَعة، والأدلة على ذلك كثيرة...وفي نظري أنَّ ما يتعلق بالأصول مثل المدود، والغنن، والإمالات، والهمز، وغيرِ ذلك من الاختلافِ اللهجيِّ الذي ليس له تأثيرٌ في المعنى، فإنه لا يوجد ما يمنع مِن أنَّ النبي قرأ بها سورة أو سورتين، أو أنه أَذِن فيها بعدأن قُرِئ عليه، لأن العربيَّ يقرأ بلهجته الفطرية بالإمالة إذا كان من أصحاب الإمالة، وبالفتح إذا كان من أهل الفتح، وبالهمز إذا كان من أهل الهمز...والأحوط أن يُقال إنَّ الأصل في ذلك التلقي أو الإقرار، ولو قرأ ببعض القرآن ثم قاس النظيرَ على نظيره.
ومما قد يُعترض به على التلقي في الأصول، أنَّ ذلك لا يتفق مع التسليمِ بأنَّ الإذنَ في القراءةِ بالأحرفِ السبعة كان للتيسير على الأمة، لأنه يلزم من ذلك التلقي المباشرُ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وآلافُ الصحابةِ من غير القرشيين متفرقون في البلاد، وفي هذا حرجٌ كبيرٌ يتعارض مع التيسير.
وكل هذا مما لا يَصِحُّ في نظري، لأنه لا يلزم من ذلك التلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يُشْغَلُ بتبليغ الرسالة، ولذلك كان يستعين بالمَهَرَة من قرَّاء الصحابة في تعليم قراءةِ القرآنِ الكريم.

والخلاصة في بابِ أصولِ القراءاتِ: أنَّ الأَحْوَطَ أَنْ يُقالَ باشتراطِ التَّلَقِّي، وأَنَّ التَّلَقِّيَ كان عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عمن تلقى وَأَخَذَ القرآنَ من أصحابه...ولو بعض القرآن، ليقيس النظيرَ على نظيره.
ولكن لَعَلَّ القَوْلَ بالإقرارِ في الأصولِ مِنْ غَيْرِ اشْتِراطِ التَّلَقِّي هو الأقربُ لِعِلَّةِ التخفيفِ والتَّيْسيرِ، والإقرارُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
1- سماعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآن من أصحابه.
2- الإذنُ مِنْ غَيْرِ سَمَاع، كأَنْ يُسْأَلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عنِ القراءةِ بلهجةٍ من اللهجاتِ، فيأذنَ بذلك، أو أَنْ يَسْكُتَ عنِ الشيءِ مع عِلْمِهِ بذلك، والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لا يَسْكُتُ على باطلٍ.
قال ابن قتيبة:
(...ولو أنَّ كل فريق من هؤلاء، أُمِرَ أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلًا وناشئًا وكهلًا، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه... فأراد الله برحمته ولطفه، أن يجعل لهم مُتَّسَعًا في اللغات، ومُتَصَرَّفًا في الحركات).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وأما كيفياتُ الأداءِ مثل تليين الهمزة، ومثل الإمالة والإدغام، فهذه مما يسوغ للصحابة أن يقرؤوا فيها بلغاتهم، لا يـَجِبُ أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تلفظ بهذه الوجوه المتنوعة كُلِّها؛ بل القطع بانتفاء هذا أولى من القطع بثبوته).
 
أهلاً ومرحباً بكما أخي الكريم حسام وأخي الكريم عمار.
هذا جواب لما كتبه أخي حسام وهو في الوقت نفسه جواب لما كتبه أخي عمار أسأل الله لي ولهما التوفيق والسداد.

أخي حسام: هذا اعتراض في محله وهو يدل على فقه وعمق زادك الله من فضله.

وهو كما تفضلت ينطوي على إشكال ربما لا يقل ثقلاً وخطورة عن الإشكالات السابقة (لكن لو كان له حقيقة).
فإنه عند التحقيق لا حقيقة له كما ستبين إن شاء الله.

وقبل التوضيح أنبه على قولك حفظك الله: (لا يمكن أن تنحل ببساطة بمجرد القول بما تفضلت باقتراحه حلا لها، لأن هذا المقترح...).
هو ليس بمقترح ولم أقم باقتراح شيء, بل هو تجلية وإشهار لحقيقة علمية واقعية وضوحها كالشمس عند المتقدمين من السلف والقراء بيد أنها خفيت على كثير من المتأخرين.
وقد قال بها أيضاً جماعة من المحققين من المتأخرين كما سيأتي.
ولا يقوم باقتراح الحلول إلا من وجد عنده مشكلة فعلاً.
والحقيقة أن المسألة واضحة بحمد الله ليس فيها أي إشكال.
بل هذا هو الواقع الذي دلت عليه الدلائل والبراهين والذي كان الصحابة والتابعون والسلف والقراء كلهم على علم به ولا يذكر عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ما يتعارض مع هذه الحقيقة التي تنحل معها كل المعضلات في شأن القرآن والقراءات.

والآن إلى توضيح هذه المسألة المهمة:
النص القرآني الموحى به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ بحمد الله ولم يختلط بغيره من القراءات (الاجتهادية) القائمة على مجرد الترخص.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة ما ينزل به جبريل عليه, فكان يكتب فور نزوله, دون غيره مما رخص به.
وكانت قراءة عامة الصحابة على هذا الحرف المنزل.
قال أبو عبد الرحمن السلمي كما في "المرشد الوجيز" ص (68): "كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرؤون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه"اهـ
وهذا المكتوب جمع في عهد أبي بكر, ومن صحف أبي بكر نسخت المصاحف العثمانية التي صورتها بين أيدينا.
فقد كانت الصحف عند حفصة رضي الله عنها وحين عزم عثمان رضي الله عنه على جمع المصحف على حرف واحد طلب تلك الصحف التي عند حفصة فكتب المصحف, وأمر بتحريق ما سواه من المصاحف كما هو مشهور ومعلوم.
فانتهى بذلك كل قراءة تخالف رسم المصحف.
وهذا المصحف الذي كتب بأمر عثمان رضي الله عنه كان المقصد منه الإبقاء على القراءة المنزلة التي أنزلها جبريل والتي لم تختلط بغيرها مما رخص به من الأحرف والقراءات
نعم بقي شيء من القراءات التي لا تخالف الرسم لأن الرسم لم يكن مشكولاً ولا منقوطاً كما هي حال الكتابة في زمن الصحابة رضي الله عنهم.
ولكن ذهب أكثرها فالقراءات التي كانت في الأعصار الأول كثيرة لا حصر لها.
كما قال ابن الجزري: "إن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشرة بالنسبة إلى ما كان مشهوراً في الأعصار الأول قل من كثر ونزر من بحر, فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه علم اليقين"انتهى.

والاختلاف بين القراء العشرة أكثره كما هو معلوم اختلاف في الأصول والاختلاف في الأصول لا يتأثر به المعنى بالاتفاق, فالكلام هو الكلام وإن اختلف النطق فيه بإمالة أو إدغام أو مد أو صلة أو همز أو تسهيل أو غير ذلك.
هذا على القول بأن هذا النوع من الاختلاف يعتبر من الأحرف ومن القراءات المأثورة.
وإلا فالأمر عند التحقيق والتدقيق ليس كذلك, بل اختلاف طبيعي منشأه اختلاف طرائق القراء ومشايخهم واختلاف لهجاتهم بحسب البيئات التي عاشوا فيها.
كما ذكرت في أكثر من موضع.
انظر:
https://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=379124

وانظر:
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=380572

ماذا بقي إذن من الاختلاف؟
بقي الاختلاف بين القراء في الفرش من حيث الإعراب وفي بعض الألفاظ من تقديم وتأخير (فيقتلون ويقتلون )
أو غيبة وحضور (يذرهم نذرهم)
أو تذكير وتأنيث (يغشى تغشى)
أو تخفيف وتشديد (ينجيكم ينَجِّيكم)
أو اختلاف في الأسماء (البخل كرها الدرك)
أو اختلاف في الأسماء في الإفراد أو الجمع (خطيئته خطيئاته)
أو في الأفعال (نحسب نسقيكم)
وغير ذلك من أنواع الاختلاف, وهو كثير جداً وكله لا يغير في المعنى شيئاً.

وهناك اختلاف في الألفاظ قد يُظَن أنه يتغير به المعنى وعند التمحيص يتبين أنه لا اختلاف في المعنى فكلا اللفظين يدلان على معنى واحد أو متقارب جداً, ولو لم تأت الآية إلا بقراءة واحدة ما نقص المعنى شيئاً, وهي آيات قليلة جداً عددها سبع وأربعون آية فقط, ذكرتها هنا
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=375699&page=2

وعلى سبيل المثال:
(وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ), وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو (وما يخادعون).
والقراءتان معناهما واحد, فإن المنافقين في الحقيق ما خادعوا وما خدعوا إلا أنفسهم.

وهناك آيات فيها تغير حقيقي في المعنى وهو نزر قليل جداً, وعددها عشر آيات فحسب ذكرتها هناك.
وعلى سبيل المثال قوله تعالى: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ), وقراءة نافع ويعقوب (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام على النهي.

فيأتي السؤال الآن بالنسبة للاختلاف في الفرش في هذه الأنواع المذكورة أنفاً
فنقول بعد هذا كله:
كيف نميز النص (الأصلي) الذي ظل المسلمون مقتصرين عليه طيلة عشرين عاماً قبل وقوع هذه الرخصة بعد فتح مكة- معروفا ومميزاً عن غيره من القراءات والاختلافات؟
الجواب: كله نص أصلي وكله كلام الله وكله القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم مع وجود هذه الاختلافات.
كيف؟
أليس النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ربه الإذن أن يقرأ مع وجود الاختلاف فأذن الله بذلك وبشر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: (أنزل على سبعة أحرف) أي رخص لكم أن تقرؤوه بأحرف واختلافات وكلها قرآن فالقرآن كلام الله فإذا أذن أن يقرأ على وجهين فكلا الوجهين حق وصواب وقرآن ما دام أنه بلسان عربي ولا يخالف الرسم الذي أجمع عليه الصحابة ولم يأت القراء به من أنفسهم بل نقلوه فإن القرآءة سنة متبعة.
ومعنى ذلك أن قوله: (يذرهم نذرهم) أو (يغشى تغشى) أو (ينجيكم ينَجِّيكم) أو (خطيئته خطيئاته) كل ذلك كلام الله وكله قرآن فإن الله هو الذي أنزله وأراد أن يقرأ على وجهين أو أكثر, وإلا فما فائدة قوله صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
والخلاصة أن النص الأصلي الأول باق ومحفوظ ومعلوم لم يتغير منه شيء, لكن وجد عند القراء ألفاظ محددة قليلة قرأت على وجهين أو ثلاثة, وعامتها لا يتغير بها المعنى وكلها حق وكلها قرآن لأن الله أراد ذلك وأذن به.

وهذا الاعتراض الذي تفضلت به قد ذكره ابن عطية رحمه الله حيث قال في "المحرر الوجيز" (1/45): "فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف, ولم تقع الإباحة في قوله (فاقرؤوا ما تيسر منه) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.
ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن, وكان معرضاً أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله"

قال الأستاذ الدكتور محمد حسن حسن جبل أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر رحمه الله في كتابه "من القضايا الكبرى في القراءات" ص (150) معقباً على قول ابن عطية:
"غاب عن الإمام ابن عطية أن القرآن كان يكتب فور نزوله بإملاء النبي صلى الله عليه وسلم, فالمعارضة كانت تقع بهذا الذي كتب, وهو الذي جمعه أبو بكر, ونسخه عثمان في سبعة مصاحف, فالذي أنزل لم يبدل ولم يذهب إعجازه برخصة الأحرف السبعة".

وحتى تطمئن أيها الفاضل أن المسألة ليست مجرد اقتراح إليك أقوال ثلة من المحققين في هذه المسألة:
أولاً:
قال الإمام الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/124): "كان ذلك توسعة من الله عز وجل عليهم لضرورتهم إلى ذلك وحاجتهم إليه, وإن كان الذي نزل على النبي إنما نزل بألفاظ واحدة".

ثانياً:
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في "تفسيره" (23/43) بعد أن ذكر القراءتين في قوله تعالى: (بل عجبت ويسخرون): فإن قال قائل: أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟
قيل: التنزيل بكلتيهما، فإن قال: وكيف يكون تنزيل حرف مرتين؟ قيل: إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمر أن يُقرَأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا موضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية".

ثالثاً:
قال أبو شامة في "المرشد الوجيز" ص (139): "اختار الصحابة رضي الله عنهم الاقتصار على اللفظ المنزل المأذون في كتابته وترك الباقي للخوف من غائلته, فالمهجور هو ما لم يثبت إنزاله, بل هو من الضرب المأذون فيه بحسب ما خف وجرى على ألسنتهم".

وقال ص (89): "الصحابة رضي الله عنهم خافوا من كثرة الاختلاف، وألهموا وفهموا أن تلك الرخصة قد استغني عنها بكثرة الحفظة للقرآن، ومن نشأ على حفظه صغيراً, فحسموا مادة ذلك بنسخ القرآن على اللفظ المنزل غير اللفظ المرادف له".

رابعاً:
قال ابن التين وغيره كما في "فتح الباري" (9/21): "جمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات, فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك, فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد, واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش, محتجاً بأنه نزل بلغتهم, وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر, فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت".

خامساً:
قال ابن تيمية في "الفتاوى" (13/399): "السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف مرجعه إلى النقل واللغة العربية, لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله"اهـ


وقال أيضاً (13/404): "معرفة القراءات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها أو يقرهم على القراءة بها أو يأذن لهم وقد أقرؤوا بها سنة".
فقوله: (أو يقرهم على القراءة بها، أو يأذن لهم وقد أقرؤوا بها) يدل على بكل وضوح أن كثيراً من القراءات لم يقرأ بها النبي, وإنما رخص للناس أن يقرؤوا بلهجاتهم.

سادساً:
قال ابن الجزري في "منجد المقرئين" ص (95): "أجمع الصحابة على كتابة القرآن العظيم على العرضة الأخيرة التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عام قبض، وعلى ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه، وعلى ما صح مستفاضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره, إذ لم تكن الأحرف السبعة واجبة على الأمة، وإنما كان ذلك جائزاً لهم مرخصاً فيه".
فقال رحمه الله: (وعلى ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه).
وهذا صريح في أن الأحرف السبعة لم تنزل, وإنما أذن الله فيها.


وقال ابن الجزري أيضاً في "منجد المقرئين" ص (99): "فثبت من ذلك أن القراءة الشاذة ولو كانت صحيحة في نفس الأمر فإنها مما كان أذن في قراءته ولم يتحقق إنزاله، وأن الناس كانوا مخيرين فيها في الصدر الأول، ثم أجمعت الأمة على تركها للمصلحة, وليس في ذلك خطر ولا إشكال لأن الأمة معصومة من أن تجتمع على خطأ".

سابعاً:
قال ابن حجر في "الفتح" (9/30) "والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم, وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها... وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلاً, فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضاً اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي".

ثامناً:
قال الزركشي في "البرهان" (1/326): اختلفوا في الآية إذا قرئت بقراءتين على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى قال بهما جميعاً.
والثاني: أن الله تعالى قال بقراءة واحدة إلا أنه أذن أن يقرأ بقراءتين.
وهذا الخلاف غريب رأيته في كتاب "البستان" لأبي الليث السمرقندي, ثم اختار في المسألة أنه إن كان تفسيرهما واحداً كالبِيوت والبُيوت والمحصِنات والمحصَنات بالنصب والجر فإنما قال بأحدهما وأجاز القراءة بهما لكل قبيلة على ما تعود لسانهم.
فإن قيل: إذا صح أنه قال بأحدهما فبأي القراءتين قال؟ قيل: بلغة قريش"اهـ

تاسعاً:
قال الدكتور عبد الهادي حميتو في كتابه "اختلاف القراءات وأثره في التفسير" ص (199) بعد أن ذكر قول الطبري والزركشي السالفين: "ويحقق هذا المعنى ما روته كتب الصحاح والسنن من قراءات في حروف من القرآن قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم, ولكنها لم تتواتر في النقل كما تواتر غيرها"اهـ
أي: أنه لو كان كل قراءة قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل بها جبريل باللفظ نفسه لتواترت هذه القراءات كما تواترت الألفاظ التي نزل بها جبريل.

عاشراً:
قال الدكتور عبد الهادي حميتو في كتابه "اختلاف القراءات وأثره في التفسير" ص (40) بعد ذكر قول ابن عطية الذي يرى فيه أن جميع القراءات المختلفة أقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الدكتور حميتو معقباً: "هذا توجيه وجيه التفت إلى قضية الإعجاز, ولكن الحافظ ابن حجر ذهب في "الفتح" إلى أن بعض الصحابة كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن له مسموعاً, ومن ثم أنكر عمر على ابن مسعود, فكتب إليه: (إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل, فأقرئ الناس بلغة قريش, ولا تقرئهم بلغة هذيل, وكان ذلك قبل أن يجمع عثمان الناس على قراءة واحدة".
ثم قال الدكتور حميتو: "وما ذهب إليه ابن حجر هو الذي تشهد له الآثار, وتؤيده النقول التي أسلفنا, إذ لو كان الأمر في ذلك مقصوراً على ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حتى في كيفيات الأداء لم يرتفع الحرج الذي شرعت له الرخصة, رفقاً بالشيخ والعجوز والجارية والغلام والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط.
فلذا أرى أن الترخيص كان للأمة يومئذ إلى حين الإجماع على المصحف الإمام في عهد عثمان, لتقرأ بحسب الأحرف السبعة دون أن يكون الأمر مقيداً تقييداً صارماً بالرواية والسماع من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم, ولذلك فهم بعض العلماء من أحاديث الأحرف السبعة أنها تعني كل ما هو واقع فعلاً بين القراءات المروية من وجوه الاختلاف"اهـ

الحادي عشر:
قال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/55): "لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مراداً لله تعالى, ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من جراء ذلك المعاني، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزئاً عن آيتين فأكثر، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب، ونظير التورية والتوجيه في البديع، ونظير مستتبعات التراكيب في علم المعاني، وهو من زيادة ملائمة بلاغة القرآن"اهـ

الثاني عشر:
قال الزركشي رحمه الله في "البرهان" (1/318): "اعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز, والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما"اهـ
أي: أن القرآن هو الوحي المنزل, والقراءات اختلاف ألفاظ هذا الوحي, فطريقة اللفظ بهذا الوحي مختلفة لكن حقيقته قرآن ووحي واحد منزل على محمد صلى الله عليه وسلم.


وكذلك قال القسطلاني في "لطائف الإشارات" (1/358)


وكذلك قال أحمد البنا في "الإتحاف" (1/69): "القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن هو الوحي المنزل للإعجاز والبيان، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما"اهـ


وكذلك قال الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه "تاريخ القرآن" ص (40): "وليس صحيحاً أن القراءات تعتبر من النص القرآني, فهناك فرق بين القرآن والقراءات, وهما في الواقع يمثلان حقيقتين متغايرتين, فالقرآن هو ذلك النص المنزل بوساطة الوحي على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم, والثابت بالتواتر ثبوتاً قطعياً لا ريب فيه, وأما القراءات فهي روايات ووجوه أدائية, منها المتواتر, ومنها الصحيح, ومنها الضعيف, ومنها الموضوع, وهي بذلك تغاير القرآن تغايراً كبيراً, لأنها تتعلق باللفظ لا بالتركيب".


وكذلك قال الدكتور صبري الأشوح في كتابه "إعجاز القراءات" ص (105): "أرجح القول بأن القرآن والقراءات العشر المشهورة حقيقتان متغايرتان".


وذكر الدكتور شعبان إسماعيل في كتابه "القراءات وأحكامها ومصدرها" أن القول بأن القرآن والقراءات حقيقتان متحدتان هو قول مردود غير مقبول, لم يقل به أحد من العلماء السابقين. ذكره صاحب كتاب "إعجاز القراءات" ص (14)

الثالث عشر:
قال الأستاذ الدكتور محمد جبل أستاذ أصول اللغة في جامعة الأزهر في كتابه "من القضايا الكبرى في القراءات القرآنية" ص (71): القول (بأن إباحة قراءة كل إنسان بلغته لم تقع بالتشهي بأن يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته, بل المرعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا القول هو أولاً:
تبرع بقيد لا أساس له إلا الحماس غير العلمي, فإن اشتراط السماع من النبي صلى الله عليه وسلم في كل لهجة وكل كلمة لهجية تعليق بمستحيل, بسبب كثرة اللهجات ومواضع الاختلاف اللهجي في الكلمات, وبعد المسلمين كل في ربعه, واشتغال النبي صلى الله عليه وسلم بأمور المسلمين, فهذا القيد يتناقض مع التيسير ويلغيه".
ثانياً: ما استشكله بعضهم بأنه يلزم عنه أن جبريل كان يلفظ باللفظ الواحد عدة مرات, وما أجيب عنه بأن جبريل كان يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت السبعة إنما هو تسور على أمر غيبي بين جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلع عليه أحد, وليس بيد مدعي هذا بينة تثبت مدعاه في هذا الأمر الخطير"اهـ

وقال رحمه الله ص (61): "إنني أنا محمد حسن حسن جبل أشعر أيضاً وأنا أكتب هذا أنني أسعى في تحصيل حاصل, لأني أريد أن أثبت أمراً فطري الثبوت, ولكن عذري أني عايشت طلاب كلية القرآن الكريم وعرفت المقولات التي تتحكم في نفوسهم فرأيت أن واجبي أن أبصرهم وأرشدهم لتتسع آفاق مداركهم ولا يركنوا إلى الذين يقودونهم بأفكار قائمة على حماس ليس له أساس علمي.
إن المسلمين وفي مقدمتهم أهل القرآن يواجهون أخطاراً جساماً تتهدد دينهم, والدفاع الأمثل عن الإسلام في عصرنا وظروفنا يكون بالعلم الفاقه البصير, والله الموفق والمعين".


وقال ص (62): "والآن فإني أعلم أن ما عبئت به أيها الدارس من المقالات الحماسية قد يصدك عن رأيي على الرغم مما قدمته لك من أن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بلهجاتهم دون تلق من الرسول صلى الله عليه وسلم, وإنما بناء على الأصل الفطري وعلى الإذن العام من الرسول صلى الله عليه وسلم لكل إنسان أن يقرأ بلهجته"اهـ

الرابع عشر:
قال الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه "تاريخ القرآن" ص (81): "معنى ذلك بداهة أن الوحي القرآني استمر ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم واحداً وعشرين عاماً على حرف واحد, وأن المجتمع كله كان يقرأ القرآن طيلة هذه المدة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم على حرف واحد, وأن إقراء هذه المدة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان على حرف واحد, وأن تدوين ما كان ينزل من القرآن كان أيضاً على حرف واحد, لا شك في هذا أبداً بعد أن وضحت لنا المعالم التاريخية السابقة".


وقال ص (84): "لم نتلق أي خبر أو إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكرر إملاء الوحي على كتبته, ولو حدث هذا لاستفاضت به الأحاديث, لأنه يكون حينئذ مما ينبغي أن يعلم من أحواله صلى الله عليه وسلم في أخص ما يتصل بحفظ القرآن مكتوباً.
ويؤكد هذا الوجه أيضاً أن الذين كتبوا النص القرآني في جمع أبي بكر وفي جمع عثمان رضي الله عنهما لم يصادفوا مرة واحدة نصاً مكتوباً مرتين على حرفين, فضلاً عن سبعة أحرف, لا مفرقة على مواضع من القرآن ولا مجتمعة في كلمة واحدة".


وقال ص (68): "الذي يعين سياق الأحاديث على القول به أن من الحروف ما كان منشؤه الرخصة العامة, لا سيما ما كان بزيادة أو نقص أو إحلال كلمة في موضع أخرى, بسبب النسيان أو الرغبة في الاستمتاع بالرخصة مع التذكر, وكلا الأمرين جائز ما دام باب التيسير مفتوحاً".

الخامس عشر:
قال الدكتور صبري الأشوح في كتابه "إعجاز القراءات" ص (25): "ابن الجزري يميل إلى أن جميع القراءات كانت إقراء من النبي صلى الله عليه وسلم, وليست إقراراً منه, ولا أدري إن كان الأمر كذلك قد جرى به الواقع, فأين يذهب إذن معنى الرخصة والتيسير والتوسعة.
إذا سلمنا بمفهوم ابن الجزري فإن هذه القراءات المتعددة ستكون تعسيراً, أيُّ المهمتين أسهل, نقل وحفظ القرآن بقراءة واحدة أم بعشرات القراءات؟!
وهل يعقل أن يطلب من أي عقل بشري أن يؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ بنفسه كل هذا الخضم الهائل من القراءات؟!"اهـ

وقال الدكتور صبري الأشوح أيضاً ص (23): "إن الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون العلاقة بين الوحي الإلهي والواقع متمثلاً في تعدد اللهجات ومحدودية القدرات البشرية في النطق والتذكر من جهة, واختلاف الناس في التذوق والميول من جهة أخرى, اقتضت الحكمة أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل ومشاركة لا أن تكون علاقة فرض وإملاء وإلزام وإجبار, فتركت للناس مساحة محدودة للمشاركة, تضمن على مر الأيام ولاءهم, وتعمق على اتساع الرقعة انتماءهم, فيعتز التميمي بالقرآن إذ ينطقه ببعض لهجته اعتزاز القرشي والهذلي والأسدي وغيرهم, فالقرآن ينطق بلهجاتهم جميعاً, لذا فهو ملكهم جميعاً".


وقال ص (56): "القرآن كلام الله هو علم على تلك الرسالة المحمدية, وهدية الله إلى العالمين, فكان لزاماً أن يكون كلاماً واقعياً ينطقه الناس بلغتهم السائدة بينهم, وهي العربية المبينة, وبلهجاتهم أيضاً على تعددها وتنوعها واختلافها, وهو ما جعله قطعة من النسيج الثقافي لهم جميعاً على الأقل في مرحلته الأولى, وحتى يتمكن من صدورهم ويستولي على ألبابهم, وهو صلب ما أدت إليه رخصة الأحرف السبعة العبقرية البالغة الحكمة"اهـ
شكر الله لكما وتقبلوا فائق التحية والتقدير.
 
حياك الله أخي الكريم صالحا.
أكثرتَ من النقل بارك الله فيك.
لعلك تكتب رأيك باختصار حول ما يتعلق بهذا السؤال: هل أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة في إبدال الكلمات بالمرادف = صيحة (زقية) أو بالتقديم والتأخير (غفورا رحيما = رحيما غفورا)...ولو من غير سماع وتلق إذا تعذر عليهم قراءة القرآن الكريم على اللفظ المنزل؟
هل كان ذلك مما أذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في ظل رخصة القراءة بالأحرف السبعة؟
أرجو أن تذكر رأيك أنت...بورك فيك.

قلتَ: (
[FONT=&quot]إن الحقيقة أن جبريل لم ينزل إلا بحرف واحد وقراءة واحدة وأما الأحرف والقراءات الأخرى الكثيرة فهي رخصة من الله فحسب).
[/FONT]
المفهوم من هذا القول أنَّ القرآن هو الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم على حرفٍ واحد، وما خالف ذلك (الحرف) لم يكن وحيًا منزلًا، وإنما رخصة أذن فيها...وعليه، فالقراءات المخالفة للحرف الذي نزل عليه القرآن مصدرها الاجتهاد، أي: أنها اجتهادٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان الوحي قد نزل بـ: (ملك يوم الدين)، تكون قراءة (مالك) اجتهادًا من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من الصحابة!
لعلك توضح رأيك أنت...فالمقام يوجب ذلك.
بارك الله فيك.
 
الفاضل صالح الراجحي
أكرر شكري وتقديري لكم على ما تتفضل به من إثارات علمية عميقة، والحق أن تحقيقاتكم لها تصدر عن روية وطول مدارسة، كما لا نعدم فيها روح الباحث المتجرد للحق، فجزاكم الله خير الجزاء.
وبعد فلا يزال الإشكال قائما فيما أرى، وليت الأمر كما تتفضل بوصفه من أن المسألة واضحة ومستقرة وواضحة وضوح الشمس في عقول المتقدمين من أهل هذا العلم، ولو كان الأمر كذلك فلم تكاثرت أقوالهم حتى في تفسير المراد بالأحرف السبعة حتى تجاوزت الأربعين؟
ولا ينبغي أن يغيب عن علمنا في مدارسة هذه القضية الشائكة حقيقة مؤكدة ربما غابت عن أذهان البعض، وهي أن المصحف العثماني أو المصاحف التي كتبت بأمر الخليفة الثالث رضي الله عنه لم تكن متطابقة فيما بينها أتم التطابق، بل اشتملت على اختلافات خطية أو كتابية جعلت بعضها ينفرد بوجه من وجوه القراءات لا يشاركه فيه غيره من المصاحف، وقد استقصى هذا الأمر أبو داوود السجستاني في كتاب المصاحف، ومن أشهر هذه الاختلافات على سبيل المثال حذف الواو من (وسارعوا) في المصحف المدني، وحذف من في آية التوبة (تجرى تحتها الأنهار) في المصحف المكي، وتثنية الضمير في آية الكهف (خيرا منهما منقلبا)، ونحو ذلك.
فمثل هذه الاختلافات الخطية لا تساعد على القول بأن القراءة التي كان عليها المسلمون طيلة عشرين عاما من الوحي ظلت معروفة ومميزة عن غيرها من القراءات التي وقعت بطريق الرخصة، فضلا عن خلو المصاحف من الشكل مما ساعد في احتمالية الرسم الواحد لغير وجه من القراءة، ومثل هذه الاختلافات الناشئة عن احتمالية الرسم لا يمكن تجاهل أثرها في اختلاف المعنى، وليس الأمر كما ذكرت أن الاختلاف في الفرش لا يغير المعنى، لأن المعاني تتقارب فيما بينها، فهذا الكلام لا يستقيم مع أصول البلاغة وخصائص النص المعجز، بل أقول إن مجرد الاختلاف في ضبط كلمة يغير معناها، وهذا التغير يتبعه اختلاف في درجة البلاغة.
وقد اختلف اهل العلم في أصل اختلافات القراءات أوقعت بإقراء وتلق عن النبي الكريم ام بإقراره لها إقرارا عاما بسبب الرخصة، والنصوص التي تفضلت بنقلها تدل على أن الأمر مرهون بالتلقي عن الرسول الكريم، وهذا ما يدل عليه كلام ابن عطية وهو ظاهر الحديث الشهير في تنازع عمر وهشام رضي الله عنهما، وهو خلاف ما ترجح لديكم -بحق- من صعوبة بل استحالة تحقق هذا الأمر واقعا، وأنا لا أختلف معك في ذلك، لكني ألفت نظرك إلى أن وقوع مثل هذه الاختلافات برخصة أو اجتهاد لتصبح بعد ذلك قراءات معتبرة لها نفس حجية النص الموحى به هو ضرب لبلاغة القرآن في مقتل، ولعل القول بأن هذه الاختلافات وقعت بإقراء الرسول نفسه أهون من الناحية البلاغية، إذ يستقيم معها توجيه ابن عاشور بأنها من قبيل التعددية البلاغية المعروفة في لغة العرب.
وعلى ذلك فإن تدوين النص القرآني في المصحف العثماني بنسخه المتعددة لم يساعد على تمييز القرآن الموحى به عن القراءات المترخص بقراءتها، ولا يزال الإشكال قائما

ارسل من Plus3_4G using ملتقى أهل التفسير
 
أخي الحبيب العزيز عمار الخطيب.
أعتذر من تأخر الرد على مداخلتك الكريمة.
وأقول: نعم رأيي واضح وصريح في المسألة من أول الموضوع, فالقراءة التي نزل بها جبريل هي قراءة واحدة وبقية الأحرف والقراءات رخصة مأذون بها من الله تبارك وتعالى.
وبهذا الرأي تنحل كل الإشكالات والمعضلات في علم القراءات, وتتضح مسائل الأحرف السبعة التي حار في شأنها كثير من الناس قديماً وحديثاً.

وقولك حفظك الله: "المفهوم من هذا القول أنَّ القرآن هو الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم على حرفٍ واحد، وما خالف ذلك (الحرف) لم يكن وحيًا منزلًا، وإنما رخصة أذن فيها...وعليه، فالقراءات المخالفة للحرف الذي نزل عليه القرآن مصدرها الاجتهاد، أي: أنها اجتهادٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم".

جواب هذا موجود بشكل واضح ومفصل في جوابي للأخ حسام فلعلك تتأمله وفقك الله.

وأقول هنا: حين ينزل الله آية من كتابه ويأذن أن تقرأ على أكثر من وجه فلا يصح أن يقال: إن الأولى وحي والثانية ليست وحياً وإنما هي اجتهاد.
لو كان الأمر كذلك ما صح أن يقال: إن الله أنزل القرآن على سبعة أحرف. أي: يقرأ على أوجه متعددة.
فكلها وحي وكلها قرآن, لكن أنزل ثم رخص أن يقرأ على أكثر من وجه, فالاختلافات القرآنية التي ثبتت عند القراء وستظل إلى قيام الساعة هو مراد لله تبارك وتعالى.
والمعاني واحدة في أغلب الاختلافات إنما الاختلاف في طريقة نطق اللفظ.

فالمقصود الأول من إنزال القرآن معانيه ولذلك رخص في تلاوته من أجل الوصول إلى هذه المعاني.

الأخ الكريم حسام طاهر.
أهلاً بكم ومرحباً وحياكم الله:

الإشكالات التي تفضلت بها أخي الكريم أربعة هي كالتالي مع جواب كل واحد منها أسأل الله العون والسداد وحسن القصد.

الإشكال الأول:
كيف توصف المسألة بأنها واضحة وضوح الشمس عند المتقدمين من أهل هذا العلم، وقد تكاثرت أقوالهم في تفسير المراد بالأحرف السبعة حتى تجاوزت الأربعين؟


الجواب:
أكثر تلك الأقوال الأربعين لم تكن عند المتقدمين, بل هي ممن جاء بعدهم, وكثير منها لم يذكر من قال به.
فلا تجد شيئاً منها منسوباً إلى أحد السلف من الصحابة أو التابعين أو القراء العشرة أو تلاميذهم.
وإنما المنسوب إلى المتقدمين منها وهو قول أكثر العلماء هو القول الصواب المتوافق مع كونها رخصة, وهو أن المراد بالأحرف اللغات واللهجات المختلفة.
وكذلك الاختلاف في الألفاظ مع اتحاد المعنى, نحو (أقبل) و(تعالى) و(هلم), فتقرأ الكلمة الواحدة على ألفاظ مختلفة مع اتحاد المعنى أو تقاربه.
وكذلك الاختلاف في الإعراب, وفي الحروف, والإفراد والتثنية والجمع, والتقديم والتأخير, والزيادة والنقصان, والتذكير والتأنيث, وغير ذلك

وأنا حين أذكر المتأخرين لا أقصد بهم المعاصرين أو من كانوا في القرون المتأخرة, بل كل من كان بعد عصور السلف والقراء بزمن طويل فهو من المتأخرين عنهم.
فأبو عمرو الداني المتوفى في القرن الخامس يعتبر من المتأخرين عن عصر السلف والقراء بينه وبينهم ما يقرب من ثلاثة قرون.
وكذلك ابن عطية المتوفى في القرن السادس بينه وبين عصر القراء أكثر من أربعة قرون, وهكذا غيرهما.


الإشكال الثاني:
أن المصاحف العثمانية لم تكن متطابقة فيما بينها تمام التطابق، بل اشتملت على اختلافات خطية جعلت بعضها ينفرد بوجه لا يشاركه فيه غيره من المصاحف.

الجواب
الاختلاف بين نسخ المصاحف يسير جداً, ولم يكن القصد منه إثبات القراءات المختلفة.
لأنه من المعلوم أن الوجوه المخالفة للرسم من القراءات أكثر بكثير من هذه الحروف المعدودة التي اختلف رسمها في المصاحف.

ولكن كما قال الإمام مكي رحمه الله "فلا بد أن يكون عثمان رضي الله عنه إنما أراد لفظاً واحداً أو حرفاً واحداً، لكنا لا نعلم ذلك بعينه، فجاز لنا أن نقرأ بما صحت روايته مما يحتمله ذلك الخط لنتحرى مراد عثمان رضي الله عنه ومن تبعه من الصحابة وغيرهم"اهـ
فمن قرأ بهذه الحروف الزائدة في بعض المصاحف أو لم يقرأ بها فهو على صواب.

وسبب زيادة هذه الأحرف ونحوها في بعض المصاحف والله أعلم هو ما ذكره الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه "رسم المصحف" حيث يقول ص (705) : "القول الأقرب إلى الواقع في تفسير هذه الظاهرة أن الوجهين الذين يروى عليهما الحرف الواحد قد صارا من الشهرة والذيوع بحيث استوى إثبات أي منهما عند الصحابة الذين تولوا نسخ المصاحف, فأثبتوا أحدهما في مصحف وأثبتوا الآخر في مصحف ثان, وكأنهم لم يكتبوا إلا حرفاً واحداً, فما كتب في المصاحف الأئمة هو حرف واحد أي قراءة واحدة".

وقال أيضاً: "قد أشير من قبل أكثر من مرة إلى أن الراجح هو أن تكون المصاحف العثمانية قد رسمت على قراءة واحدة, ومن ثم فإن دعوى أن إثبات هذه الحروف هو محافظة على ما لا يحتمله رسمها من وجوه القراءات المختلفة تصبح موضع نظر, فالقصد من توحيد المصاحف كان إثبات وجه واحد, وإن الوجوه المخالفة للرسم أكثر من هذه الحروف المعدودة التي اختلف رسمها في المصاحف"اهـ

ومما يدل أيضاً على أن هذه الحروف التي زادت في بعض المصاحف العثمانية ليس الغرض منها اختلاف القراءة أنه قد كتبت كلمات في المصحف فيها زيادات حروف أو نقصها, وليس لها علاقة باختلاف القراءة, وقد تكتب الكلمة برسم معين ثم تكتب هي نفسها في مواضع أخرى برسم مختلف.


ومن الأمثة على ذلك:
في سورة النمل الآية رقم (21) (لأاذبحنه) بزيادة الألف في حين أن كلمة (لأعذبنه) في الآية نفسها كتبت بدون ألف.
وقد ذكرت أمثلة كثيرة جداً على ذلك تجدها هنا في الرد رقم (6) من هذا الموضوع.

الإشكال الثالث:
أن الاختلافات الناشئة عن احتمالية الرسم لا يمكن تجاهل أثرها في اختلاف المعنى، وأنه ليس صحيحاً أن الاختلاف في الفرش لا يغير المعنى، لأن المعاني تتقارب فيما بينها، وأن هذا القول لا يستقيم مع أصول البلاغة وخصائص النص المعجز، وأن مجرد الاختلاف في ضبط كلمة يغير معناها، وهذا التغير يتبعه اختلاف في درجة البلاغة.
وأن وقوع مثل هذه الاختلافات برخصة أو اجتهاد لتصبح بعد ذلك قراءات معتبرة لها نفس حجية النص الموحى به هو ضرب لبلاغة القرآن في مقتل

الجواب:
الذي يحدد ذلك السبر والنظر والاستقراء, وقد ذكرت في الرابط المذكور سابقاً كثيراً من الاختلافات الحقيقية بين القراء وأن معانيها متحدة أو ملتقية ما عدا آيات قليلة جداً.
ودعني أذكر الآن خمسة أمثلة على عجل:

(وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ), وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو (وما يخادعون).
القراءتان معناهما واحد, فإن المنافقين في الحقيقة ما خادعوا وما خدعوا إلا أنفسهم.

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ), وقراءة حمزة (فأزالهما) بألف بعد الزاي.
والمعنى متحد, فمعنى (أزلهما) أزلقهما وأبعدهما عن الامتثال, وكذلك (أزالهما) معناها نحاهما ودفعهما عن الامتثال.

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ), وقراءة ابن كثير بنصب (آدم) ورفع (كلمات).
والمعنى واحد, فعلى القراءة الأولى المعنى استقبلها وأخذها فقالها, وعلى القراءة الأخرى الكلمات هي التي تلقته فقالها, ولا فرق بين القراءتين, فكل ما تلقاه الرجل فهو له متلق.

(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى), وقراءة نافع وابن عامر (واتخذوا) بفتح الخاء.
والقراءتان متلازمتان وكل واحدة تدل على ما في الأخرى, فإنهم لا يتخذون من مقام إبراهيم مصلى إلا إذا كانوا مأمورين بذلك, وكذلك إذا أمروا فلا بد أن يمتثلوا.

(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), وقرأها حمزة والكسائي (قال اعلم) بالوصل وإسكان الميم, على الأمر.
والقراءتان مؤداهما واحد, وهو بيان كمال قدرة الله عز وجل, والنتيجة واحدة سواء قال هو: أعلم أن الله على كل شيء قدير من نفسه أو أمر أن يعلم ذلك ويستيقنه.

وما الذي يتغير هنا في شأن البلاغة وخصائص النص المعجز إذا كان الله بإرادته ومشيئته وعلمه وإحاطته وتدبيره أراد أن يبقى هذان الوجهان وكلاهما يؤديان المعنى نفسه وكل مؤمن يفهم الفهم نفسه بأي الوجهين قرأ؟

ولو كان كل واحدة من القراءتين تختلف عن الأخرى بشأن البلاغة وخصائص النص المعجز لرأيت حفظ القراءات المختلفة والقراءة بها جميعاً شائعاً عند الصحابة والتابعين والقراء العشرة وغيرهم.
ولكنهم أجمعوا على خلاف ذلك, فكلهم قاطبة يختارون قراءة واحدة ويكتفون بها.

ثم إنه حتى على القول بأن القراءات تختلف في المعنى اختلافاً واضحاً – وهي لا شك قليلة جداً- لا يعتبر هذا دليلاً على نفي أن تكون رخصة دون تلقي.
فالله تبارك وتعالى بعلمه المحيط بكل شيء شاء وأراد أن تبقى بعض هذه الاختلافات بمعانيها المختلفة ثم تستقر عند القراء في العصر الأول ثم تبقى للأمة إلى قيام الساعة.
فإنه عز وجل هو الذي أراد (ولا يسأل عما يفعل) أن تقرأ كلمات القرآن على أكثر من وجه ما دام أنها لا تخرج عن اللسان العربي الذي أنزل به القرآن.

الإشكال الرابع:
أن النصوص التي نقلتها تدل على أن الأمر مرهون بالتلقي عن الرسول الكريم، وهذا ما يدل عليه كلام ابن عطية وأن هذا هو ظاهر الحديث الشهير في تنازع عمر وهشام رضي الله عنهما.

والجواب
كلام ابن عطية مخالف لجميع الذين نقلت عنهم, وحجتهم أقوم, وقولهم هو المتوافق مع ما كان عليه السلف والقراء, إذ لا يوجد من أفعالهم وأقوالهم ما يدل على خلاف هذا القول, بل تصرفاتهم كلها تدل عليه كما ذكرت في صدر الموضوع.

أما ظاهر الحديث الوارد بشأن قصة عمر مع هشام أو أبي بن كعب مع صاحبيه فليس هذان النصان على ظاهرهما لوجود أدلة كثيرة تصرفهما عن معناهما وتدل على أن المراد معنى آخر.
ومن تلك الأدلة النص الصريح أن القرآن أنزل بلسان قريش.
وما أكثر النصوص التي ليست على ظاهرها, بل تحتاج إلى توضيح وتفسير.
وقد بينت المعنى المراد من قوله صلى الله عليه وسم: (هكذا أنزلت) وقوله: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
في هذا الموضوع
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=376787
وهو بعنوان (هل القراءات القرآنية كلها نزل بها جبريل)

ولنعلم جميعاً أنه لن يغلق الباب على الطاعنين في حفظ الله للقرآن إلا بهذا القول الذي أزعم أنه لا يوجد له مخالف من الصحابة أو التابعين أو السلف أو القراء بل هم على توافق تام معه.
لأن أولئك الطاعنين سيأتون بطامة ومعضلة ليس لها من دون الله كاشفة وسيقولون: كيف تدعون أن الله أنزل وحياً بأحرف متعددة ووعد بحفظه كما تزعمون.
أين هذه الأحرف والقراءات التي أنزلها الله لقد ذهبت واستحالت إلى العدم.
كيف سطا عثمان عليها فأحرقها بمرآى من الصحابة وسكوت مطبق بل بمباركة وتأييد, وهي من الله منزلة ومن رسول الله متلوة, وأين ذهبت تلك المعاني القرآنية العظيمة المضمنة في تلك القراءات الذاهبة.
ويا فرح الروافض بذلك فما رام مبغضوا القرآن وأعداؤه إلا ذلك.

وأخيراً:
إن بقي الإشكال قائماً فسنبقى إخواناً متحابين وإن كنا نختلف في هذه المسألة أو غيرها.
فسنة الله في الأرض وجود الخلاف في المسائل بين أهل العلم من عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أسعدك الله أخي المفضال كما أسعدتني بهذا الحوار المتين العميق المعطر بجميل التقدير والتوقير.
وفقنا الله وإياكم لكل خير ورزقنا العلم والعمل ودوام الخشية.
أستودعك الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
حياك الله.
- قولك: (حين ينزل الله آية من كتابه ويأذن أن تقرأ على أكثر من وجه فلا يصح أن يقال: إن الأولى وحي والثانية ليست وحياً وإنما هي اجتهاد...).
الفرق أنَّ العلماءَ يقولون إن الأحرف السبعة كلها وحي، والمقصود أن جبريل عليه السلام عَلَّمَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم القراءتين (مالك) وَ (ملك).
وأما في نظرك، فإحدى هاتين القراءتين لم ينزل بها جبريل ولم يُقرئ بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما الإذن العام بأن تُقرأ الآية على أكثر من وجه! وبين القولين فرقٌ كبير...وحتى لو سلمنا جدلا أنَّ جبريل نزل بقراءة واحدة، وأما الباقي فهو داخل في رخصة الأحرف السبعة، بمعنى أن الأمر متروكٌ للعرب في ذلك الوقت...بناء على هذا الفهم تكون إحدى القراءتين اجتهادا بشريا...ولو كانت داخلةً في الرخصة العامة كما تقول، إذْ لا يصح بعد ذلك أن يُقال عن القراءة الأخرى الناتجة عن اجتهاد العرب إنها كلام الله.
والمفهوم من قولك إن اللفظ المنزل قد اختلط بغيره أننا لا ندري الآن بأي القراءتين نزل جبريل! ثم إن القرآن يجب أن يتمثل بهذه القراءات أو ببعضها.
أرجو أن يكون قد وضح المقصود من كلامي في المشاركة السابقة...أحاول أن أستوضح رأيك كي لا أقولك ما لم تقل.
وهذا الموضوع (قراءة القرآن الكريم بالمعنى في ظل رخصة القراءة بالأحرف السبعة) من المسائل التي أناقشها حاليا في رسالتي للدكتوراه.

- ذهب كثير من العلماء إلى أن عثمان أراد جمع الناس على حرف قريش (اللفظ المنزل)، ويلزم من ذلك أن جميع ما أثبته عثمان في المصاحف العثمانية هو من الوحي المنزل...أقصد المواضع التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار (مثل تجري من تحتها الأنهار) = بإثبات (من) وحذفها، ومثل (ووصى) (وأوصى)، وغيرها.
ويظهر لي أنك من القائلين بأن عثمان أراد جمع الناس على حرفٍ واحد، وعليه فإما أن تقول بأن هذه المواضع كلها ترجع إلى حرفٍ واحد، وهو الحرف الذي جمع عثمان الناس عليه.
أو تقول إنها من أخطاء كتبة المصاحف! فزيادة (من) مثلا في المصحف المكي من خطأ الكاتب!
أو تقول إن عثمان أراد جمع الناس على قراءة واحدة، ولكن هذه المواضع مما دخلته آثار رخصة الأحرف السبعة...وهذا الاحتمال مشكل، وتوجيه شيخنا الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد جميل... ولكن، كيف نقول إن عثمان أراد أن يجمع الناس على قراءةٍ واحدة درءًا للفتنة، ثم نقول بعد ذلك إنه أدخل رخصة الأحرف السبعة في النص المكتوب؟!
ولا إشكال في القراءات التي احتملها رسم المصحف، فإذا كان مراد عثمان جـَمْعَ الناس على قراءة (ملك) بحذف الألف، فالقراءة الأخرى (مالك) قد احتملها رسم المصحف.
ولكن الإشكال كما قلتُ في المواضع التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار، إذْ حذف هذه الوجوه من النص المكتوب يتفق مع مراد عثمان من جمع الناس على قراءةٍ واحدة عند من يقول بهذا القول.
ومثال زيادة (من) هذا مما ليس له تأثيرٌ بالمعنى، ولكنَّ كلا الوجهين أثبتهما عثمان في المصاحف، فدل ذلك على أنهما من اللفظ المنزل، وإذا صح ذلك، فما الذي يمنع من نزول جبريل عليه السلام بالوجوه الأخرى؟
وفي المسألة تفصيلات أخرى لا يتسع المقام لذكرها.

حفظك الله ورعاك.
 
حياك الله أخي عمار.
وأسأل الله أن يوفقك في رسالتك للدكتوراه ويعينك ويسهل عليك.
وهذا توضيح لبعض المسائل التي طرحتها في مداخلتك:

قولك حفظك الله: (إذْ لا يصح بعد ذلك أن يُقال عن القراءة الأخرى الناتجة عن اجتهاد العرب إنها كلام
الله).

هي كلام الله باعتبار أن الله هو الذي رخص وأذن أن تقرأ هكذا وهكذا.
(وهذا هو معنى الرخصة بالأحرف السبعة) ومعنى قوله: (أنزل القرآن على سبع أحرف)
أي أنزل على أن يقرأ بأوجه مختلفة لا على وجه واحد.

فالمعنى المراد من لفظ (ملك) يصل كاملاً إذا نطقت (مالك) لا فرق في المراد من اللفظ, فالمعنى المراد يحصل بأي النطقين,
والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فكل مؤمن يفهم من كون الله تعالى هو الملك يوم الدين أنه كذلك مالك لكل ما فيه, ومن كونه مالك لكل شيء يوم الدين أنه تبارك وتعالى هو الملك الذي بيده أمر كل شيء, فإن الآية تتكلم عن الله الخالق وليس عن أي ملك آخر.
فإذا علمنا أن الله هو الذي رخص لنا وأمرنا أن ننطق هذا اللفظ بالطريقتين كليهما فكلا اللفظين كلام الله.

سأضرب الآن مثالاً لأجل تقريب الصورة فقط وهو مجرد مثال (ولله المثل الأعلى)
لو أن ملكاً أصدر للناس خطاباً وفي الخطاب خمسون كلمة يقرأها الناس حسب لهجاتهم بطريقتين.
فوضع الملك خطوطاً تحت الكلمات الخمسين وفي نهاية الخطاب كتب تنبيهاً أن الكلمات التي تحتها خطوط تقرأ بطريقتين حسب اختلاف طرائق الناس ولهجاتهم.
فصار الناس يقرؤون الخطاب وهم يختلفون في نطق هذه الكلمات.
ويقرأ في نشرات الأخبار بأكثر من طريقة وقراءة.
فلا يصح أن نقول هنا: إن خطاب الملك قد أدخل فيه ما ليس منه.
بل نقول: إن الخطاب كله خطاب الملك سواء قرئ هكذا أو قرئ هكذا.
لأن الملك هو الذي صدر منه أن هذه الكلمات تقرأ بنطقين وإن كان المكتوب في الخطاب الأصلي نطقاً واحداً.
والملك ليس المهم عنده الألفاظ بحد ذاتها, ولم يصدر الخطاب من أجل هذه الألفاظ إنما هي حوامل للمعاني فهي وسيلة فقط لإيصال المعنى المراد, فإنما يهمه وصول مراده في هذا الخطاب إلى الناس وإن اختلفوا في نطق بعض الكلمات حسب قدرتهم ولهجاتهم.
هكذا إذاً (أنزل القرآن على سبع أحرف).

والمتأخرون يسمون هذا القراءة بالمعنى ويردونه جملة وتفصيلاً ويعظمون أمره, لأنهم يتصورون أنه تلاعب بالقرآن وتغيير له وتبديل فيختلط كلام البشر بكلام الله.
والواقع والحقيقة أن الأمر ليس كذلك.
فإن الذي نزل به جبريل كله مكتوب محفوظ لا يمكن أن يختلط بغيره مما رخص به ثم نسخ هذا المكتوب نفسه فيما بعد في المصاحف التي بقيت وستبقى إلى قيام الساعة.
حتى إنه نهي في أول الأمر عن كتابة الحديث خوفاً من أن يختلط بالقرآن.

ثم إن تلك الرخصة كانت توسعة لمن اضطر إليها فلا يقدر على غيرها.
فإنهم إمة أمية فيها العجوز والشيخ والغلام والأعرابي القح, قد يسقط كلمة أو يزيدها أو يقدم أو يؤخر أو ينطقها بلغته ولهجته.
كما دل عليه مضمون هذه الروايات:
(ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: (غفوراً رحيماً) أو قلت: (سميعاً عليماً) أو قلت: (عليماً سميعاً) فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب).
وروايات عديدة من هذا النوع.

والناس كيف سيحافظون على النص المنزل وسيحفظونه كما نزل وهم أمة أمية فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام, مع عدم اعتيادهم على الدرس والتكرار وحفظ الشيء على لفظه مع كبر أسنانهم واشتغالهم بأمور معاشهم وغير ذلك.

قال ابن قتيبة: أراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعاً في اللغات ومتصرفاً في الحركات.

وقال أبو شامة: "معنى الحديث أنهم رخص لهم في إبدال ألفاظه بما يؤدي معناها، أو يقاربه من حرف واحد إلى سبعة أحرف، ولم يلزموا المحافظة على حرف واحد, لأنه نزل على أمة أمية لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء على لفظه مع كبر أسنانهم واشتغالهم بالجهاد والمعاش، فرخص لهم في ذلك"انتهى.

والواقع أن زمن صدر الإسلام وأول نشأته وبنائه كان له ميزة وخاصية ليست لغيره فجاءت بإرادة الله هذه الرخصة - ولله الحكمة البالغة - ليكون لها دون كبير في انتشار القرآن وسهولة أخذه.
ثم انتهى كل ما يخالف رسم المصحف بكتابة عثمان المصحف على حرف واحد, ولم يبق من الرخصة إلا بعض مما كان موافقاً للرسم بإرادة الله تبارك وتعالى.
فالمدة لا تتجاوز عقدين من الزمن من حين الرخصة إلى أن جمع عثمان الناس على حرف واحد.
وهذه المدة وجيزة بالنسبة لبقية الزمن فلها خصائصها وخاصيتها وتميزها باعتبارها الركيزة الأولى وقاعدة الانطلاق إلى ما لا حدود له من الزمان والمكان لدعوة الإسلام الشاملة الخالدة.
فلا يقاس زمن أول البعثة بما بعده من الأطوار.

قال الإمام الشافعي في "الأم" : "فإذا كان الله تبارك وتعالى لرأفته ورحمته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم فيه إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه".

وقال أيضاً كما في "اختلاف الحديث": "وقد اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض لفظ القرآن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في معناه فأقرهم".

وقال الإمام يحيى بن سعيد القطان: أخافُ أن يَضيقَ على الناسِ تتبُّعُ الألفاظِ ؛ لأنّ القرآنَ أعظمُ حُرْمةً ووُسِّعَ أن يُقرأ على وجوهٍ إذا كان المعنى واحِداً .

وقال زُرارة بن أوفى: لقيتُ عدّةً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا عليَّ في اللفظ ، واجتمعوا في المعنى " .

قال ابن حجر: "ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعاً له .

وقال أبو أويس: "سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث فقال : إن هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث ، إذا أصيب معنى الحديث ولم يحل به حراما ولم يحرم به حلالا فلا بأس ، وذلك إذا أصيب معناه "
إلى غير ذلك من الروايات.

وانا أعلم أن هذا القول كبير وثقيل على النفس, وهذا ما جعل عامة المتأخرين لا يصرحون به تصريحاً واضحاً في كل موضع, وإن كان بعضهم قد يقوله في موضع ناء من كتاباته أو بحوثه وربما غير صريح أحياناً وربما يضطرون إلى القول به لوضوحه لكن لا يعلنون ذلك إعلاناً دائماً شاملاً, كما في بعض النقول التي أوردتها.
إذاً هذا القول قول موجود ومعروف.

هذا الإمام الطحاوي يقول في كتابه "شرح مشكل الآثار" (8/124): "كان ذلك توسعة من الله عز وجل عليهم لضرورتهم إلى ذلك وحاجتهم إليه, وإن كان الذي نزل على النبي إنما نزل بألفاظ واحدة".
فما معنى قوله: (إنما نزل بألفاظ واحدة).

وهذا ابن جرير الطبري رحمه الله يقول في "تفسيره" (23/43) فإن قيل: وكيف يكون تنزيل حرف مرتين؟ قيل: إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمر أن يُقرَأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا موضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية".
ومثل ذلك قال أبو شامة وغيره كما في النقول التي ذكرتها في المداخلة رقم (13)

حتى ابن الجزري رحمه الله.
انظر كيف يقول في "منجد المقرئين" ص (95): "أجمع الصحابة على كتابة القرآن العظيم على ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه".
فما معنى قوله: (وعلى ما أنزل الله تعالى دون ما أذن فيه).
وكذلك قوله ص (99): "فثبت من ذلك أن القراءة الشاذة ولو كانت صحيحة في نفس الأمر فإنها مما كان أذن في قراءته ولم يتحقق إنزاله، وأن الناس كانوا مخيرين فيها في الصدر الأول".
وابن الجزري أو غيره وإن صرح في مواضع أخرى بخلاف ذلك كما هو مشهور عنه إلا أنه هنا يصرح به بكل وضوح.

وقال به بكل وضوح وتصريح الدكتور محمد حسن جبل والدكتور عبد الصبور شاهين وغيرهما كما سبق.

وأما قولك وفقك الله:
والمفهوم من قولك إن اللفظ المنزل قد اختلط بغيره أننا لا ندري الآن بأي القراءتين نزل جبريل
قد أجبت عن هذا ووضحته تجده في المداخلة رقم (13) من هذا الموضوع.

وأما قولك سلمك الله:
المواضع التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار (مثل تجري من تحتها الأنهار) = بإثبات (من) وحذفها، ومثل (ووصى) (وأوصى)، وغيرها.
ويظهر لي أنك من القائلين بأن عثمان أراد جمع الناس على حرفٍ واحد،
وعليه فإما أن تقول بأن هذه المواضع كلها ترجع إلى حرفٍ واحد، وهو الحرف الذي جمع عثمان الناس عليه.
أو تقول إنها من أخطاء كتبة المصاحف! فزيادة (من) مثلا في المصحف المكي من خطأ الكاتب!

أقول: لا هذا ولا هذا فليست ترجع إلى حرف واحد وليست أخطاء من كتبة المصاحف.
بل هي من رخصة الأحرف السبعة لكن لم يكن إثباتها في المصاحف هكذا لأجل الإبقاء على الاختلاف إنما له تفسير آخر ذكرته في المداخلة رقم (16) من هذا الموضوع.

وأما قولك أسعدك الله:
أو تقول إن عثمان أراد جمع الناس على قراءة واحدة، ولكن هذه المواضع مما دخلته آثار رخصة الأحرف السبعة...وهذا الاحتمال مشكل، وتوجيه شيخنا الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد جميل... ولكن، كيف نقول إن عثمان أراد أن يجمع الناس على قراءةٍ واحدة درءًا للفتنة، ثم نقول بعد ذلك إنه أدخل رخصة الأحرف السبعة في النص المكتوب؟!

أقول: إن عثمان رضي الله عنه حين جمع الناس على حرف واحد وقراءة واحدة ونطق واحد لم يدخل رخصة الأحرف السبعة في النص المكتوب وإنما بقي شيء منها بتقدير الله بسبب أن النص لم ينقط ولم يشكل, ولم يكن ترك النقط والتشكيل مقصوداً لأجل ذلك, إنما كانت الكتابة في ذلك الوقت كلها لا تنقط ولا تشكل.
وتفصيل ذلك وأدلته تجده هنا في بحث "تحرير مسائل الأحرف السبعة" في المسألة السابعة منه.
https://vb.tafsir.net/tafsir57062/#.Xdp_l5PXKYk

وبعد هذا:
يبدو أن أطلت عليك, ولعلك تأذن لي أخي الكريم أن نتوقف عند هذا الحد فقد طال النقاش وصار فيه شيء من التكرار.
أسأل الله لي ولك التوفيق والعلم النافع.
أستودعك الله.
وإلى لقاء قريب إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
جزاك الله خيرا على التوضيح.
أنت طرحتَ رأيك...والأولى في نظري استيفاء مناقشة ما يتعلق بهذا الموضوع الخطير من مسائل...فلم التوقف الآن؟

أولا: لعلنا لا نخلط بين مسألة التلقي في الأصول أو ما كان أشبه بالأصول مثل البيوت بضم الباء وكسرها، ومسألة التلقي في الفرش.
نحن متفقان على ما يتعلق بالأصول كما بينتُ سابقا.

ثانيا: قولك: (هي كلام الله باعتبار أن الله هو الذي رخص وأذن أن تقرأ هكذا وهكذا.
(وهذا هو معنى الرخصة بالأحرف السبعة) ومعنى قوله: (أنزل القرآن على سبع أحرف)
أي أنزل على أن يقرأ بأوجه مختلفة لا على وجه واحد).
لا إشكال في قولك إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، أي أنزل على أن يُقرأ بأوجه مختلفة...ولكننا نبحث في مصدر بقية الأحرف الستة، فقراءة (مالك) وقراءة (ملك) هذا لا علاقة له بلغات العرب (الخلاف اللهجي)، ثم أين التيسير في هذا؟ هل يصعب على العربي ولو كان طفلا أو شيخا كبيرا أن ينطق بحذف الألف أو بإثباتها؟!
قراءة (بل عجبتَ) والقراءة الأخرى (بل عجبتُ)، المعنى يختلف...فقراءة ضم التاء، يكون التعجب مسندا إلى الله تعالى.
والإشكال في قولك: (والملك ليس المهم عنده الألفاظ بحد ذاتها, ولم يصدر الخطاب من أجل هذه الألفاظ إنما هي حوامل للمعاني فهي وسيلة فقط لإيصال المعنى المراد...).
بمعنى أن الأمر كله متروك لاجتهاد البشر...فما دام أنهم أصابوا المعنى، فلا بأس!

يلزم من القول بالقراءة بالمرادف أو بالمعنى أنَّ القارئ يجوز له أن يقرأ على قَدْرِ فهمه واجتهاده، وهذا مُشْكِلٌ، لأنَّ ذلك يُبْطِل حُجّية النَّصَّ القرآني وينزع عنه صفة القداسة، فالاختلاف في فهم النصوص وإدراك معانيها طبيعةٌ بَشَرِيَّة، وليس من الممكن في عصرنا تمييز ما روي سماعا وما روي بغير ذلك.
ثم ما مقدار ذلك الاجتهاد؟
هل هو كلمة أو بضع كلمات أو آيات؟
هذا مما لا يُـمْكِنُ معرفته.
وإذا كان القرآن أو بعضه من تأليف البشر، فما وجه التحدي فيه؟!


يلزم من ذلك أيضا اختلاط التفسير القائم على الفهم البشري بكلام رب العالمين، لأنَّ القراءةَ بالمعنى مَبْنِيَّةٌ على فهم القارئ، فهي أقرب إلى التفسير منها إلى الرواية...
فما الفرق بين القراءة بالمعنى والتفسير؟


ثالثا: الأحاديث التي قد يفهم منها جواز القراءة بالمرادف أو بالمعنى تُفهم في ضوء الأحاديث الأخرى العامة التي تدل على توقيفية القراءة: (...فأمَر عليا فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُكم: أنْ يقرَأَ كلُّ رجُلٍ منكم كما عُلِّم؛ فإنَّما أهلَك مَن قبْلَكم الاختلافُ ، قال: فانطلَقْنا وكلُّ رجُلٍ منَّا يقرَأُ حرفًا لا يقرَأُ صاحبُه).
القول بأن القراءة بالمرادف أو بالمعنى كانت للتيسير والتخفيف عن الأمة يلزم منه شيوع الرخصة وانتشارها! ومع ذلك فلم يَرِدْ فيها نصٌّ صريح بجواز الاجتهاد بالقراءة دون رواية وسماع...
فعن زيد بن ثابت أنه قال: (القراءة سنة).
وعن عروة بن الزبير أنه قال: (إن قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما أُقرئتموه).
قال البيهقي: (وأما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة غفور رحيم بدل عليم حكيم، فلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه ما لم يختم به آية عذاب بآية رحمة، أو رحمة بعذاب، فكأنه قرأ آية من سورة وآية من سورة أخرى...).
وقد ثبت الوعيد الشديد لمن بَدَّلَ ولو بتقديمٍ أو تأخير، و جاء الخبر الصحيح بذلك.
عن أنس رضي الله عنه قال: (كانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فأسْلَمَ، وقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمْرَانَ، فَكانَ يَكْتُبُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكانَ يقولُ: ما يَدْرِي مُحَمَّدٌ إلَّا ما كَتَبْتُ له فأمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَقالوا: هذا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ منهمْ، نَبَشُوا عن صَاحِبِنَا فألْقَوْهُ، فَحَفَرُوا له فأعْمَقُوا، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَقالوا: هذا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عن صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ منهمْ فألْقَوْهُ، فَحَفَرُوا له وأَعْمَقُوا له في الأرْضِ ما اسْتَطَاعُوا، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَعَلِمُوا: أنَّه ليسَ مِنَ النَّاسِ، فألْقَوْهُ).
وفي رواية: (أنَّ رجلًا كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه (سميعا بصيرا) كَتَبَ (سميعا عليما)، فإذا كان (سميعا عليما) كتب (سميعا بصيرا) ).

رابعا: وقفتُ على نصوص كثيرة لبعض العلماء يُفهم منها أن رواية القرآن الكريم بالمعنى كانت جائزة في ظل رخصة القراءة بالأحرف السبعة...ولكن يجب التدقيق في كلام العلماء كي لا نُقَوِّلهم ما لم يقولوا.
وقد يكون المقصود من كلام بعض العلماء أنَّ القراءة بالمعنى كانت رخصةً للأفراد العاجزين من الصحابة في صدر الإسلام، وليس لهم أن يبلغوا ذلك على أنه وحي ولفظٌ مَنَزَّلٌ من عند الله...
فيجوز إذن أنَّ القراءة بالمرادف أو بالمعنى كانت رخصةً للعاجز مثل رخصة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لمن عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة.

خامسا: لعلك تسمح لي أن أعتب عليك، لأنك عرضتَ الموضوع وكأنه من المسلمات، أو أن الخطب فيه يسير...وحل هذه المعضلات مقدور عليه، والحق أنَّ الأمر ليس كذلك! فإن هذا الموضوع مما قد تزل فيه الأقدام، وأعيد ما ذكره الأخ الفاضل حسام طاهر: (غير أن مثل هذه الإشكالات الثقيلة لا يمكن أن تنحل ببساطة بمجرد القول بما تفضلت باقتراحه حلا لها...).

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه.
 
وأما قولك: (إن عثمان رضي الله عنه حين جمع الناس على حرف واحد وقراءة واحدة ونطق واحد لم يدخل رخصة الأحرف السبعة في النص المكتوب وإنما بقي شيء منها بتقدير الله بسبب أن النص لم ينقط ولم يشكل, ولم يكن ترك النقط والتشكيل مقصوداً لأجل ذلك, إنما كانت الكتابة في ذلك الوقت كلها لا تنقط ولا تشكل...)
هذا قول مكي، وهذا واضح ولا إشكال فيه...وإنما الإشكال في المواضع التي اختلفت فيها مصاحف أهل الأمصار، فأنت هنا تقول إن رخصة الأحرف السبعة لم تدخل في النص المكتوب، وقلتَ من قبل إن المواضع التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار بالزيادة والنقصان وغير ذلك هي من بقايا رخصة الأحرف السبعة، وذكرتَ توجيه الدكتور غانم.
والإشكال في تحديد مصدر هذه الأوجه، فما الدليل على أن هذه المواضع التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار ليست من اللفظ المنزل؟
أنت بفهمك هذا تقول إن عثمان والصحابة رضي الله عنهم خلطوا في المصاحف العثمانية بين اللفظ المنزل وغير المنزل، والأصل أن عثمان ينقل عن صحف أبي بكر، وصحف أبي بكر كُتِبَتْ بناء على ما كان مدونا ومكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم...وأنت تنفي أن تكون رخصة الأحرف السبعة قد دخلت في النص المكتوب في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الصديق.
 
الفاضل الكريم صالح الراجحي: أشارك أخي الكريم (عمار الخطيب) صوته في مناقشته العلمية الرصينة، وأضيف على ما قاله في التعقيب على مقترحكم -ولا زلت أراه مقترحا لا حقيقة قائمة مع كامل التقدير والاحترام لاجتهادكم المأجور إن شاء الله- أن مسألة القراءة بالمعنى إذا صحت من ناحية السند أو الرواية بمعنى أن يثبت بالفعل ترخيص الرسول الكريم للمسلمين لاسيما العوام والعجائز والشيوخ أن يقرأوا القرآن وفق ما يتيسر لهم، لا يمكن أن تتخذ أصلا لاستمرار هذه الرخصة إلى قيام الساعة، فإن هذه الرخصة على فرض ثبوتها لهؤلاء الأشخاص هي رخصة فردية تخصهم وحدهم، ولا يمكن أن تتحول قراءتهم للقرآن بما يتيسر لهم من وجوه القراءة إلى قرآن! بل يظل الأمر كما تفضل الأخ عمار "رخصةً للعاجز مثل رخصة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لمن عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة".
ولا أخفيك يا أخي الفاضل أن موضوع القراءات القرآنية وما يحتف به من إشكالات وشبهات -أتيتَ على كثير منها في صدر موضوعكم- كانت ولا تزال محل بحث ونظر من العبد الضعيف، ويحكم تخصصي في بلاغة القرآن الكريم فقد استوقفتني القضية من الناحية البلاغية وكتبت بحثا حول إشكالية العلاقة بين القراءات القرآنية وخصوصية النظم القرآني المعجز -أرجو أن يتيسر لي تهذيبه ونشره على هذه الملتقى المبارك- ولايستقيم النظر في هذه القضية من الناحية البلاغية وفق تصوركم لمصدر القراءات القرآنية بوصفها رخصة، لأننا سنفقد حينئذ تعيين النص القرآني الذي وقع به التحدي والإعجاز، ومن ثم فإن المشتغلين بتوجيه القراءات توجيها بلاغيا لا تكاد تجد أحدًا منهم إلا وهو منطلق من القول بأن القراءات سنة متبعة وأنها رويت بإقراء وتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، أن هذا التصور هو الذي يكفل لها الارتقاء إلى طبقة البلاغة المعجزة ويصرفها عن شبهة الاجتهاد البشري في قراءة هذه النص الإلهي الكريم.
لكن هذا القول -مع كونه ضرورة للمنطلق البلاغي في توجيه القراءات- لا يخلو من إشكالات، وهو ما عجزت عن الخروج من دائرتها إلى الآن، نسأل الله أن يفتح لنا جميعا أبواب الفهم، وأن يكشف عنا ظلمات الجهل وشبهات الباطل.
وجزاكم الله خير الجزاء
 
تعقيب على كلام الأخ صالح الراجحي وفقه الله
سؤال: وكيف تشرح حديث عمر في صحيح مسلم؟

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا ، فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْسِلْهُ ، اقْرَأْ ، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَكَذَا أُنْزِلَتْ ، ثُمَّ قَالَ لِي : اقْرَأْ ، فَقَرَأْتُ ، فَقَالَ : هَكَذَا أُنْزِلَتْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ . وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخَرَمَةَ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ ، أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ ، وَزَادَ : فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ . حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، كَرِوَايَةِ يُونُسَ بِإِسْنَادِهِ

وهذا الحديث يخالفك في أمرين:
الأول: لو كان كلامك أن القرآن المنزل حرف واحد والبقية رخصة، فلماذا أنكر عمر رضي الله عنه على هشام بن حكيم بن حزام؟ إذا كان الأمر واضحاً كما تقول عند العلماء السابقين والصحابة رضي الله عنهم فلماذا ينكر عمر على هشام الأخذ بالرخصة؟ فهذا دليل على أن الأمر توقيف وتنزيل
الأمر الآخر: قولك أن الذي أنزل جبريل حرف واحد، يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (هكذا أنزلت) رداً على هشام وعمر رضي الله عنهم. وقوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فكلمة أُنزل واضحة الدلالة، وهي تختلف عن كلمة رخص وغيرها.

وحديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم
وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حَرْفٍ ، فَرَاجَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا ، لَا يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ . وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ [SUB][SUP]
[/SUP][/SUB]
[SUB][SUP]
[/SUP][/SUB]
قال: ( أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حَرْفٍ) فهذا دليل على أن الحرف نزل من جبريل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فَرَاجَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) وهذا دليل على أن بقية الأحرف نزلت كما نزل الحرف الأول وتلقاها النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل
 
حياك الله أخي العزيز صالح العصيمي
تعقيبك ثمين ومهم جداً
ولكن قد سبقت الإجابة عليه في أكثر من موضع
وحتى لا يكثر التكرار في الموضوع أحيلك على مواضع الإجابة عن تساؤلك:
فقولك: "(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فكلمة أُنزل واضحة الدلالة".

وكذلك قولك: "(أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حَرْفٍ ، فَرَاجَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) هذا دليل على أن بقية الأحرف نزلت كما نزل الحرف الأول"

تجد الجواب عن هذين الحديثين وغيرهما وبيان حقيقة المراد بهما في آخر الموضوع هنا
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=376787
وفي المسألة الثالثة هنا
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=382393
كما تجد الجواب عن إشكالات أخرى في هذا الموضوع نفسه وانظر على سبيل المثال الرد رقم (11) و(14) و (16)
وأما قولك: (لو كان كلامك أن القرآن المنزل حرف واحد والبقية رخصة، فلماذا أنكر عمر على هشام بن حكيم الأخذ بالرخصة؟ فهذا دليل على أن الأمر توقيف وتنزيل)
فلا يغير في الأمر شيئاً
لأن السؤال يعود مرة ثانية فيقال: لو كان الأمر توقيفاً وتنزيلاً فلماذا أنكر عمر على هشام شيئاً منزلاً؟
وحقيقة الأمر أن هذا الدليل يقوي القول بأنها رخصة, إذ كيف يجهل عمر وهو من هو في قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجهل قرآناً أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرأه كله للصحابة.
والسبب في إنكار عمر لأن الرخصة لم تأت إلا في وقت متأخر قبل وفات النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين تقريباً حين دخلت الناس والقبائل في دين الله أفواجاً.
وفقكم الله وأسعدكم
 
رجعت للإحالات على عجالة والأجوبة عن الإشكال ركيكة جداً، وسوف أقوم بنقل إجابة من الرابط الأول الذي وضعته وسوف أضع النقل بين قوسي تنصيص، ((
ما الآن فنقف مع ظاهر بعض النصوص التي فهم كثير من أهل العلم من ظاهرها أن القراءات كلها نزل بها جبريل عليه السلام على النبي , وأن النبي  أقرأ بها جميعها.
فقد ثبت أن النبي  أقرأ بعض الصحابة بقراءات مختلفة, فحين اختلف عمر مع هشام قال كل منهما: هكذا أقرأني رسول الله .
وثبت أنه قال لكل منهما حين سمع القراءة منهما: (هكذا أنزلت).
وثبت أن النبي  قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف).
والجواب عن هذه النصوص التي جعلت كثيراً من أهل العلم يأخذون بظاهرها دون مزيد من النظر والتأمل والسبر والمقارنة وتبعهم جماهير من الناس قديماً وحديثاً.
أما كون النبي  أقرأ بعض الصحابة بقراءات مختلفة فإنه سبق أن النبي  أراد أن يؤكد هذه الرخصة ويشهرها فأقرأ بعض الصحابة شيئاً من القرآن بألفاظ وقراءات مختلفة كما حصل في قصة عمر مع هشام بن حكيم, وفي قصة أبي بن كعب مع صاحبيه, وكان هذا في حالات قليلة جداً, وقد سبق ذكر الأدلة على أن أكثر ما كان النبي  يقرئ به إنما هو الحرف الذي نزل به جبريل. )) انتهى النقل.


هنا يظهر عدم إعطاء ألفاظ الأحاديث معانيها، والجدية في التعامل معها، فنحن لا نعتقد ثم نستدل، فهذه الطريقة تجعلنا نتأول النصوص ونلوي أعناقها، والأصل الصحيح أن نكون وقافين عند الأدلة فنعتقد، عندما يأتي الحديث بكل وضوح بقول النبي صلى الله عليه وسلم (هكذا أنزلت) فلا نقول أن قصد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشهر أمر الرخصة، لأنه لو كان يريد ذلك فالطريق أيسير من أن يجعل الصحابة يقرأون ثم يقول لهم هكذا أنزلت!!!
وأيضاً:
[FONT=KFGQPC Uthman Taha Naskh,Verdana,Arial,Tahoma,Calibri,Geneva,sans-serif]
[/FONT]
إنكار عمر على هشام، يدل دلالة قطعية على أن الأمر توقيف وليس رخصة، إذ لو كان ترخيص فلماذا ينكر عمر؟ ولو كان الأمر ترخيص فلماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر اقرأ ويقول لهشام اقرأ؟ لماذا لم يقل لعمر أن الأمر ترخيص وانتهينا !!!
لماذا جعلهم يقرأون وصوبهم جميعاً وقال (هكذا أنزلت)؟؟


وأما قولك: ((فلا يغير في الأمر شيئاً
لأن السؤال يعود مرة ثانية فيقال: لو كان الأمر توقيفاً وتنزيلاً فلماذا أنكر عمر على هشام شيئاً منزلاً؟ )) انتهى

الجواب عن هذا سهل واضح: إنكار عمر على هشام بسبب أنه لم يسمع من النبي تلك القراءة، فلهاذا أنكر، وعندما ذهبا للنبي صلى الله عليه وسلم، صوبهما.
فلو كان كلامك صحيح وأن الأمر رخصة: لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر إنكاره وقال له أن الأمر رخصه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وضح لهم جميعاً أنها هكذا أنزلت.

وأما قولك: ((
وحقيقة الأمر أن هذا الدليل يقوي القول بأنها رخصة, إذ كيف يجهل عمر وهو من هو في قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجهل قرآناً أنزله جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرأه كله للصحابة.
والسبب في إنكار عمر لأن الرخصة لم تأت إلا في وقت متأخر قبل وفات النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين تقريباً حين دخلت الناس والقبائل في دين الله أفواجاً. )) انتهى
وهنا أمر عجيب جداً، وهو:
أنك استشهدت بأن الأمر رخصة بدلالة كيف أن عمر يجهل قرآناً أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم !!
وفي السطر التالي ذهبت لتبرير كيف جهل عمر أن الأمر رخصة!! وأن الرخصة نزلت في قت متأخر ولذلك جهلها عمر!!
مع العلم أن سهولة القول بأن عمر لم يسمع القراءة من النبي صلى الله عليه وسلم، أسهل وأشد وضوحاً من القول بأن عمر جهل الرخصة بسبب أنها لم تأتي إلا وقت متأخر!!
وتعليل ذلك بسيط جداً، وهو واضح في الحديث:
الدليل أن عمر لم يسمع القراءة من النبي صلى الله عليه وسلم، هو إنكاره على هشام، وذهابه للنبي صلى الله عليه وسلم.
والدليل أن عمر لم يجهل الرخصة بل لا يوجد رخصة بالأساس: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم صوبهما جميعاً بقوله: (هكذا أنزلت)، ولو كان هناك رخصة وجهلها عمر لوضح له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فوراً.

أتمنى أن تكون الصورة اتضحت
وفقك الله لما فيه كل خير أخي صالح الراجحي
ووفقني الله واياك للحق
[SUB][SUP]
[/SUP][/SUB]
 
حياك الله أخي صالح.
ليتك لم تكن على عجالة حين رجعت إليها فلربما لو كنت متأنياً لتبين لك خلاف ما رأيت.
فإن مثل هذه المسائل المشكلة والتي أشكل أمرها على كثير من أهل العلم لا يحسن التعامل معها بعجلة, بل بروية وقراءة متأنية وسبر تام ومحاولة للإحاطة بكل أدلتها المؤيدة والمخالفة والجواب عن كل دليل يعارض ما نعتقده فإننا قد تركنا على محجة بيضاء.
وقد كان بعض أهل العلم الكبار يتأمل مثل هذه المسائل سنين عدداً كما وقع لابن الجزري ولغيره.

وليتك ما دمت (قد أيقنت بدلالة قطعية على أن القراءات كلها منزلة لم يكن شيء منها رخصة)
أنك تجيب على هذه الأدلة المعارضة لذلك حتى تتم الفائدة.
وحتى يتم لنا دعوى (إعطاء ألفاظ الأحاديث معانيها، والجدية في التعامل معها، وحتى يتم لنا أنا لا نعتقد ثم نستدل، وأننا وقافون عند الأدلة).
وهذه إشارة مختصرة لبعض هذه الأدلة وفي صدر الموضوع مر ذكرها كاملة موضحة:

كيف ينهى عمر ابن مسعود أن يقرئ بأي قراءة إلا بحرف قريش وابن مسعود إنما يقرئ بقراءة منزلة.

وكيف يقدم عثمان على إلغاء شيء من القرآن المنزل فيمنع حروفاً وقراءات منزلة أنزلها جبريل على النبي وأقرأها النبي للصحابة ويؤيده على ذلك جميع الصحابة

وكيف يقول عثمان للذين كلفوا بكتابة المصاحف: (اكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم).
ونحن نقول: كلا بل نزل بلسانهم ولسان غيرهم فكل القراءات منزلة.
(مع ملاحظة أنه لا يجوز أن يعبث بهذا النص فيضاف إليه لفظة (أول ما نزل) ليفرغ من دلالته الصريحة).

وكيف لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة شيء من الأحرف والقراءات إلا ما نزل بلغة قريش, وكل القراءات منزلة لا فرق فلم يكن يأمر أحداً أن يكتب حرفاً واحداً من تلك الأحرف

وكيف يقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
والمعروف أن كثيراً من القراءات ذهبت ولم تحفظ كما ذكر ابن الجزري وغيره.

وكيف يحتاج عثمان أن يطلب من يشهد على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف, وقد نزل بها جبريل وقرأها النبي على الصحابة فهو أمر معروف مشهور شائع لا يحتاج إلى إشهاد.

وكيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم في مدة وجيزة لا تتعدى سنتين من إقراء الصحابة لجميع تلك الأحرف والأوجه والقراءات الكثيرة واللهجات المختلفة رغم مشاغله الكثيرة العظيمة المتنوعة, والدعوة والجهاد والتعليم والتوجيه واستقبال الوفود والحج والزوجات ومشاكل الناس وغير ذلك كثير

وكيف تكون قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة كما قال أبو عبد الرحمن السلمي وقد نزل القرآن على سبعة أحرف.
لماذا لم يحصل اختلاف بينهم في القراءة بسبب كثرة القراءات.

وكيف جاء في روايات عديدة صحيحة المنع فقط من أن تختم آية وعيد بآية رحمة أو آية رحمة بآية وعيد.
إلى غير ذلك من الروايات المشكلات والتي لا تنحل إلا بالقول الذي يدل عليه المنقول والمعقول.

وأرجو إذا أجبت عليها أخي الكريم أن تجيب بأجوبة شافية مقنعة حتى لا تكون هي الأخرى ركيكة جداً!

وأما قولك: (إنكار عمر على هشام بسبب أنه لم يسمع من النبي تلك القراءة)
فهذا غير صواب, لأن عمر لو كان يعلم بنزول القرآن على أحرف متعددة ما كان يغضب هذا الغضب الشديد ويجره بردائه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وسيدرك فوراً أن هذا القرآن المختلف من الأحرف الأخرى التي أنزلت.

وأما قولك: (لو كان الأمر رخصة لقال لهما: إن الأمر رخصه وانتهينا، ولكنه قال لهما: إنها هكذا أنزلت)
فما مثل هذا إلا كمن يقول: إن إبراهيم كان شاكاً حين قال: (رب أرني كيف تحيي الموتى) فإذا قلنا: كيف؟! قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)
فإذا قلنا له: ليس المراد ما يتبادر من النص, بل المراد نفي الشك عن إبراهيم.
قال: لو كان هكذا لقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم لم يكن شاكاً حين قال ذلك)
وهكذا نصوص كثيرة قد يقال فيها مثل ذلك.

إن من يعلم طريقة الأساليب النبوية يستوعب الأمر بسهولة.
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على التوسعة على أمته والتسهيل عليها, فلو قال لهم: (إن هذا رخصة) فلن يحصل مقصود النبي من التوسعة, ومن يهون عليه أن يترك الحرف المنزل ويقرأ بالحرف المرخص, فسيبقى الحرج والمشقة ولن يسهل ذيوع القرآن واشتهاره في الناس والقبائل البعيدة المخالفة لهجتهم للهجة قريش التي أنزل بها القرآن.

ومن جهة أخرى فقد أنزل الله القرآن وأذن ورخص أن يقرأ بأكثر من وجه وطريقة فيصدق على كل وجه أنه هكذا أنزل, فإن الله حين أنزله أراد أن لا يقرأ على وجه واحد, بل على أوجه متعددة وهذا تماماً معنى قوله: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
والكلام في هذا يطول ولكن هذه إشارة.

وفقك الله يا أخي
وأعتذر منك مقدماً فقد لا أتمكن من الرد بعد ذلك على مداخلاتك الكريمة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
لا يخفى على أحد أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ كتابه الكريم وكل دراسة أو اجتهاد في كتاب الله تعالى يجب أن لا تخرج عن هذه القاعدة الأساسية، والنتيجة التي تخالف هذه القاعدة تكون سقيمة وبعيدة عن التحقيق العلمي. ومن رغب في التعمق في هذه المسألة فأرجو أن يقراء بحثي الموسوم بـ
البرهان المبين في حقيقة الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم
وبحوثي الأخرى حول رسم المصحف وما يتعلق به ، سائلا الله العلي العظيم أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
الفقير إليه تعالى : حسن العبادلة
 
اللَّهُمَّ بَارِكْ لِلْأَخ إِبْنُ سُلَيْمَانَ و زِدْهُ رَجَاحَةَ عَقْلٍ و رَبَاطَةَ جَأْشٍ
بِالطَّبْعِ اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِخْوَتَنَا وَ نَحْنُ لِمَا فِيهِ خَيْرٌ لِدِينِنَا
أمَّا بالنِّسْبَةِ لِلْحَديِثِ الأوَّلِ حَدِيثِ عُمَرَ فَقَوْلُكَ هُوَ القَوْلُ
فَلَوْ تَحَقَّقْتَ في إِسْنَادِ الحَدِيثِ فَسَتَجِدُ المُشْكِلَةَ التِّي غَابَتْ عَنْكَ
فَفِي التَّمْهِيدِ للْمُوَطَّإِ لإِبْنِ عَبْدِ البِّرِّ


أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال حدثنا هشيم عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري عن أبيه عن جده أنه كان عند عمر بن الخطاب فقرأ رجل {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ عتى حِينٍ} فقال عمر من أقرأكها قال أقرأنيها ابن مسعود فقال له عمر حتى حين وكتب إلى ابن مسعود أما بعد فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام

و قال ابو عمر (إبن عبد البرّ)ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار لا أن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي والله أعلم(التّمهيد الجزء8-صفحة277-278)


و للْتَّثَبُّتِ منَ الحَدِيثِ و سَنَدِهِ يُرْجَى البَحْثُ عَنْ
"تَدْلِيسِ هُشَيْمٍ بْنُ البَشِيرِ السَّلَمي"
و هُشَيْمُ لَم يُصَرِّحْ بالسَّمَاعِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
و جَاءَ الحَديثُ في تاريخِ بَغْدَادَ:

حدّثنا على بن أحمد بن عمر المقرئ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْد الْوَاحِدِ بْن عُمَر بْن محمد بن أبي هاشم قال حدّثنا محمّد بن يوسف الهروي حدّثنا محمّد بن مهدى الرملي حدّثنا يحيى بن حسّان التنيسى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ كَعْبٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
 
أهلا وسهلا بك أخي ابن بشر
وجزاك الله خيراً

الكلام في التدليس من المسائل الشائكة التي تحتاج إلى تدقيق وتأن في الأحكام ونظر في طريقة الأئمة المتقدمين...
هشيم بن بشير إمام ثقة مشهور كثير التحديث وتدليسه مشهور كالأعمش وقتادة والحسن وسفيان الثوري وأبي إسحاق وغيرهم.
وهؤلاء الأئمة الرواة الثقات المكثرون لا يمكن الحكم على أحاديثهم كلها بالتدليس لمجرد وجود العنعنة في الإسناد.

فالحكم على عنعنة المدلس ليس لها ضابط مطرد, بل هي كغيرها من مسائل الأسانيد تعتمد على السبر وتتبع الروايات كما هي طريقة الأئمة المتقدمين من أصحاب هذا الشأن.
وهذه الرواية ظاهرها السلامة, فلا دليل على وقوع التدليس فيها.

كما أن من المعلوم أن صيغ العنعنة في الأسانيد غالبها ليست من الرواة أنفسهم, بل ممن دونهم, فقد يحوّل الراوي المتأخر الصيغ كلها إلى العنعنة اختصاراً.
قال الخطيب: "إنما استجاز كتبة الحديث الاقتصار على العنعنة لكثرة تكررها... فتكرار القول من المحدث: حدثنا فلان, عن سماعه من فلان يشق ويصعب..."
ومن ذلك قول الوليد: "كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول: حدثنا يحيى, قال: حدثنا فلان... حتى ينتهي. قال الوليد: فربما قلت: عن, عن, عن تخففاً من الأخبار".

لكن يحكم على الرواية بأنها مدلسة إذا وجد ما يدل على ذلك:
كأن يأتي في بعض أسانيد الرواية زيادة راو بين المدلس ومن روى عنه.
أو أن يسأل هل سمعته من فلان فيصرح بأنه لم يسمع منه.
أو أن ينص أحد الأئمة المتقدمين أنه لم يسمع هذا الحديث من فلان.
أو أن يخالف المدلس غيره في الإسناد أو المتن.
أو أن يكون في الحديث شذوذ ونكارة.
ونحو ذلك.

وما سوى ذلك فالأصل القبول وفي كتب السنة كالصحيحين وغيرهما أعداد كبيرة من الروايات لبعض الأئمة المدلسين بالعنعنة كقتادة والأعمش وهشيم هذا وغيرهم.
والكلام في هذا يطول, ومن أراد معرفة ما يتعلق بهذه المسائل بالتفصيل فليراجع كتاب "منهج المتقدمين في التدليس" لناصر الفهد.
وكتاب "الاتصال والانقطاع" للدكتور إبراهيم اللاحم.
وهذا الحديث لا نكارة فيه بل هو متوافق أتم التوافق مع سائر الأدلة والقرائن وما كان عليه الصحابة والصفوة الأولون.

أما قول ابن عبد البرّ رحمه الله: "ويحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار لا أن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل عندي والله أعلم".
فليس بصواب, والله أعلم.
لو كان على سبيل الاختيار لم يصدر هذا النهي الصارم الشديد من عمر رضي الله عنه.
كيف ينهى ابن مسعود عن قراءة أنزلها الله!
وقول عمر: (فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش, فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش) يؤكد هذا بكل وضوح.
وأن نهيه لابن مسعود لأجل أن الرخصة إنما هي عند حاجة الناس حين لا يقدرون على المحافظة على النص كما أنزل.
أما في مجال التعليم فيقتصر على اللفظ الذي أنزل.
والله أعلم.

تنبيه:
الحديث أخرجه ابن عبد البر من طريق: الحسن بن علي الواسطي.
والخطيب من طريق: يحيى بن حسان.
وعمر بن شبة في "أخبار المدينة" عن محمد بن الصباح.
وابن الأنباري في "إيضاح الوقف والابتداء" من طريق: خلف.
كلهم (الحسن ويحيى ومحمد وخلف) عن هشيم.
وكلهم رواه بالعنعنة.
إلا أن ابن خلف انفرد عنهم بالشك فقال: " حدثنا هشيم عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عمن سمع عبد الله، الشك من خلف"
فانفراد ابن خلف بهذا وشك أيضاً فلا يعتبر هذا مرجحاً للحكم بالتدليس.
والله أعلم.
 
يمكن الانتفاع - في هذا الموضوع - بالاطلاع على كتاب (القراءة المحفوظة)، المنشور في الملتقى على هذا الرابط:
 
عودة
أعلى