ملفات متكاملة لسور القرآن ولمساتها البيانية

بارك الله فيك أختى الفاضلة على هذا المجهود الطيب ..
وجدت هذا الموضوع فى ملتقى أهل الحديث فهل الملفات التى تضعينها هى نفسها الموجودة هنا أم أن المادة مختلفة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=150063
و جزيت خيرا ..
 
جزاكم الله خيراً أخوي الفاضلين الأستاذ طارق وأبو ذر على المرور المبارك والدعاء.
بالنسبة لما وجده الأخ طارق على موقع ملتقى أهل الحديث فليس لي علم به ولكن للأسف هذا ما يحصل على الانترنت يقوم البعض بنسخ ما يجدونه في مواقع أخرى ويقومون بجمعه على شكل كتب وينسبونها للعلماء الأفاضل وهذا للأسف لا يمت للأمانة العلمية بشيء. الذي جمعه الأخ في ملتقى أهل الحديث لم يأخذ عليه موافقة العلماء ولم يتكلف عناء أن يطلب الإذن مني حيث أني صاحبة الحق بطبع هذه الحلقات بإذن من العلماء الكرام وإدارة القنوات الفضائية التي تعرض البرامج لكن ماذا يسعني اقول إلا سامحهم الله. أعرف أن نشر العلم فضيلة لكن يجب أن نلتزم الأمانة فيه حتى لا يكون حجة علينا لا لنا يوم القيامة.
ما وجدته أخي الفاضل هو بالنص ما طبعته في موقعي الذي يتفرد بهذه الحلقات وكل ما تجده من حلقات مطبوعة لبرامج الدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمي والدكتور أحمد الكبيسي هو جهدي الخاص والحمد لله رب العالمين.

أنا حاولت التسجيل بمنتدى أهل الحديث لأرد على الأخ وأنصحه لكن جاءتني رسالة أن التسجيل متوقف فلو كنت عضواً في الملتقى معهم أرجو أن تنبه الأخ الفاضل برسالة خاصة على ضرورة التزام الأمانة في النقل وأخذ الإذن من العلماء قبل جمع الحلقات في كتب لأن هذا يسيء إليهم وأنا أقول هذا لأنه حصل أن نُشر كتاب للدكتور الكبيسي مما أُخذ من الموقع وهذا أساء للدكتور لأنه بصدد نشر برنامج الكلمة وأخواتها في كتاب والله المستعان.

عذراً على الإطالة لكن هذا الأمر يزعجني ويشعرني أنه يتم الإساءة لعلمائنا من حيث لا ندري فالحلقات لم يتم ينقيحها من قبل العلماء ومع أني أفرغ الحلقات حرفياً إلا أنه جل من لا يخطئ فقد أكون أخطأت في مكان ما من غير قصد.
*******************************

مرفق آخ تحديث لسورة الأنعام مع فهرس الآيات نسأل الله تعالى الفائدة للجميع
 
الأخت سمر بارك الله فيك ..
لقد حملت الكتاب المذكور و غاية ما فى الأمرأن الأخ جمع مادة الموقع الذى تشرفين عليه جزاك الله خيرا و وضعها فى كتاب الكترونى ليسهل الحصول على المعلومة لمن ليس عنده اتصال بالنت و لم يغير شيئا فى النصوص الموجودة ؟
و مالفرق بين قراءة المعلومات من النت أو قراءتها من الكتاب طالما أن الموقع مفتوح لدى الجميع يستطيع تصفحه فى أى وقت شاء وفى أى مكان كان ؟
 
بارك الله فيك أخي الكريم
أعلم أن النصوص هي نفسها ولكن بعض من يحمّل الكتاب للأسف يعطيه لدار نشر فينشرونه على أنه كتاب للدكتور فاضل كما حصل مع برنامج الكلمة وأخواتها للدكتور الكبيسي، هذا مأخذي الوحيد على الموضوع وإلا فللجميع الحق بقراءة هذا العلم وهذا كان هدفي من الموقع فأنا أقوم بتفريغ الحلقات منذ 8 سنوات وهذا كان هدف موقعي نشر علم هؤلاء العلماء الأفاضل ليكون متيسراً للجميع وقد استفاد منه الكثير من الباحثين بفضل الله تعالى.
أنا لم أعترض على نشر العلم أو تجميع الحلقات فأرجو أن يكون الأمر واضحاً فأنا أعلم أن اي شيء على الانترنت صار ملكاً للجميع لكني أحرص على الأمانة العلمية هذا مبدأي أنا وللآخرين مبادئهم والله تعالى أعلم
 
جزاكِ الله خيرًا أختنا الكريمة.

و أرجو أن تتكرمي بالمواصلة حتى تكتمل الحلقات.
 
بارك الله فيك أخي الكريم
أعلم أن النصوص هي نفسها ولكن بعض من يحمّل الكتاب للأسف يعطيه لدار نشر فينشرونه على أنه كتاب للدكتور فاضل كما حصل مع برنامج الكلمة وأخواتها للدكتور الكبيسي، هذا مأخذي الوحيد على الموضوع وإلا فللجميع الحق بقراءة هذا العلم وهذا كان هدفي من الموقع فأنا أقوم بتفريغ الحلقات منذ 8 سنوات وهذا كان هدف موقعي نشر علم هؤلاء العلماء الأفاضل ليكون متيسراً للجميع وقد استفاد منه الكثير من الباحثين بفضل الله تعالى.
أنا لم أعترض على نشر العلم أو تجميع الحلقات فأرجو أن يكون الأمر واضحاً فأنا أعلم أن اي شيء على الانترنت صار ملكاً للجميع لكني أحرص على الأمانة العلمية هذا مبدأي أنا وللآخرين مبادئهم والله تعالى أعلم

المعذرة !
الان اتضحت الصورة بارك الله لك فى وقتك.
 
بارك الله فيكما وفي هذه الجهود المباركة.وجعلكما من اهل الله وخاصته.اود ان التمس منك اختي سمر امدادي بملف سورة ( يس) عاجلا ان امكنك ذلك وجزاك الله الجنة.
 
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة أمة الوهاب ولك مثل ما دعوت لنا وأكثر.
بالنسبة لملف سورة يس فقد بدأها الدكتور ولم يستكملها بعد لوجوده في العراق ولا أعلم متى يعود لكن إن احتجت منها شيئاً بالتحديد طبعته لك من كتاب الدكتور الذي شرح فيه اللمسات البيانية في سورة يس كاملة.
 
جزاك الله خيرا اخيتي .احتاج الى وقفات مع قصة اصحاب القرية اي من الاية 13 الى الاية 30.
 
جزاك الله خيرا أختنا الفاضلة، وقد أوصلت رأيك في الموضوع المطروح في ملتقى أهل الحديث، ونسأل الله التوفيق ، وهذا هو الرابط:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=916410#post916410

وقد كتب الأخ ردا وأوصى بإيصال صوته إليكم، وهذا آخر عهدي بالموضوع:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
قد قرأت ما ذكرته الأخت سمر جيدا واريد القول وباختصار اني ذكرت في بداية موضوعي ما نصه :
( أقدم لكم موقعا ممتازا جدا خدم بلاغة القرآن الكريم وذلك عن طريق جمعه لكتب ومقالات وإجابات الدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمي والدكتور أحمد الكبيسي وفضلا عن ذلك تجدون مواضيعا ومقالات رائعة بحق وفي المرفقات صورة عن الموقع ومحتوياته )
بمعنى اني لم انسب لنفسي شيئا ومن يرى مشاركاتي يعلم باني اذا ما نقلت شيئا من مكان ما اقول بانه منقول بل واذكر الرابط احيانا كثيرة
واشكر ايضا الاخ طه محمد عبدالرحمن فجوابه في محله
وشئ أخر انا اشرت ان الموقع هو موقع اسلاميات كما في المشاركة 28 من الموضوع فقولك ( لكني أحرص على الأمانة العلمية ) تلميح باني قد خنتها وهذا لم يحصل ودليل كلامي مثلا اضغطي في الكتاب على موضوع :
ملف متكامل لسورة الفاتحة ولمساتها البيانية "جديد"تجدين انه يحيلك على موضوعك وباسمك فاين عدم حرصي على الأمانة العلمية !?
وأما قولك : ( ولكن بعض من يحمّل الكتاب للأسف يعطيه لدار نشر فينشرونه على أنه كتاب للدكتور فاضل كما حصل مع برنامج الكلمة وأخواتها للدكتور الكبيسي ) فأظن ان باستطاعة اي شخص ان يحمل تلك الملفات من الانترنت ويفعل ما فعل ببرنامج الكلمة وأخواتها للدكتور الكبيسي فلا اتحمل انا وزر ما قد يحصل .
أيها الأخت العزيزة :
الغرض الرئيس من صناعتي للكتاب أمران :
الاول : طلبا للاجر من الله وهذا هو الاصل .
الثاني : كما ذكرت في موضوعي : ( حتى أبحث عن آية معينة وأرى الإعجاز البلاغي واللمسة البيانية التي فيها ) ابحث انا وغيري بيسر وسهولة .
وأخيرا اقول : يعلم الله اني ما اردت او قصدت اساءة ابدا وعلى العموم انت قد بينت وجهة نظرك وانا كذلك .
وكنت اود ان اضع هذا الرد في موقع ملتقى أهل التفسير ولكن واجهتني نفس مشكلة الاخت سمر الا وهي : ان التسجيل بمنتدى أهل التفسير متوقف , فارجو ارسال ردي اليها مع التحية .
 
أختي الفاضلة أمة الوهاب أمهليني يوماً أو يومين حتى أقوم بطباعة ما ذكره الدكتور في كتابه حول قصة أصحاب القرية إن شاء الله تعالى وأسأله تعالى أن يكون فيه الفائدة والنفع لك.

أخي الفاضل أبو عمرو المصري بارك الله فيك وجزاك عني خيراً على اهتمامك بالموضوع والشكر موصول للأخ الفاضل سعيد من منتدى أهل الحديث على ما ذكره ويشهد الله أني ما قصدته هو بعدم الأمانة العلمية فأنا أعلم أنه ذكر الموقع في الكتاب وفي المشاركة ولكني كنت أقصد ما يحصل ممن يطبع الكتب وينشرها فالمشكلة أنني أنا في الواجهة مع علمائنا الكرام فهم يعرفون أني الوحيدة التي تطبع الحلقات ولا أريد أن يساء الظن بي وقد أخذت على نفسي العهد أن لا يكون في هذه الحلقات اي تجارة أو كسب مادي وأنا أتحمل تكاليف موقعي كاملة وأقوم عليه بمفردي وتقوم بعض الأخوات الفاضلات اللواتي يسرهن الله تعالى لي بمساعدتي ومنهم أختي الكريمة يسرا التي جمعت هذه الملفات لكم لتسهيل الوصول إليها بارك الله فيها وفيكم.

أرجو أن لا يكون هناك أي سوء تفاهم بيننا جميعاً فهدفنا واحد وهو خدمة هذا القرآن العظيم ونشر علم هؤلاء الكرام الأفاضل على أكبر عدد من المسلمين في أنحاء الأرض حتى يستفيدوا كما استفدنا ويعمقوا صلتهم بكتاب الله تعالى وباللغة العربية.

يشهد الله أن القصد طيب ولم يكن يوماً ما الإساءة إلى أخي سعيد أو سوء الظن به فهو مشكوراً قام بجهد كبير ويسر الوصول لهذه الملفات للناس بارك الله فيه وفي جهده ووقته وجعله مفتاحاً للخير دائماً أبداً فأرجو أن يكون الأمر قد توضح فآخر ما أرغب به أن أتسبب في أذية أحد من إخواني في الله فأرجو منك أخي الكريم أبو عمرو نقل تحياتي واعتذاري إن كان في تعليقي أي أذى غير مقصود أو أن أخي سعيد فهم تعليقي على غير محمله والله تعالى الموفق وهو أعلم بما في الصدور.
 
جزاكِ الله خيرًا

الحمد لله أنا أقوم بالتحميل تباعًا و بانتظار الاستكمال دومًا
 
جزاكم الله خيراً أخي الفاضل يحيى وأختي الفاضلة أمة الوهاب على التشجيع المستمر وهذا يحفزنا دائماً على تقديم النافع لكم بإذن الله تعالى.

أختي أمة الوهاب سبق ووعدتك بطباعة ما تحتاجين إليه وذكرت أني أحتاج يوماً أو يومين لكن الصفحات التي تغطي الايات المطلوبة أكثر من 50 صفحة وسأحتاج لبضعة أيام لطباعتها بإذن الله تعالى فأحببت أن أبلغك بذلك لأنس أخشى أن أعد ولا أفي بوعدي لك فاقتضى التنويه.
 
طلب الأخ سعيد منى فى رسالة خاصة فى ملتقى أهل الحديث إيصال رده للأخت سمر و ليت المشرفين الأفاضل هنا و هناك يمنحو معرفات للأخت سمر و الأخ سعيد ليتمكنوا من المشاركة ..
( أرجو أن لا يكون هناك أي سوء تفاهم بيننا جميعاً )
الحمد لله لا يوجد اي سوء تفاهم بيننا ونيتي هي نيتك ( فهدفنا واحد وهو خدمة هذا القرآن العظيم ونشر علم هؤلاء الكرام الأفاضل على أكبر عدد من المسلمين في أنحاء الأرض حتى يستفيدوا كما استفدنا ويعمقوا صلتهم بكتاب الله تعالى وباللغة العربية)
ويعلم الله كم احب الدكتور فاضل السامرائي فأنا تلميذ تلميذه وأنا اتشرف بذلك , وبعد اذن الاخت سمر سأقوم بتحويل الموقع الى المكتبة الشاملة ان شاء الله وسأذكر انك انت والاخت يسرا من قام بتفريغ الحلقات واعدادها الكترونيا واشكرك على جهدك فكم افرحتني بعملك هذا ويا ليتك تدخلين كتبه لا سيما معاني النحو الكترونيا وسأقوم انا حينها باعدادها للشاملة فياليتك تفعلين ونتواصل انا وانت لأخراج هذه الكنوز للمسلمين بل ولغيرهم حتى يروا عظمة قرآننا .
أرجو من أحد الأخوة ايصال ردي مشكورا .
ملاحظة كما ذكرت قبل قليل سأحول الموقع ان شاء الله للشاملة فقط اصبروا وادعوا لي بالتيسير .
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل طه على المتابعة وعلى نقل رسالة الأخ سعيد وأتمنى لو ترسل لي بريده الإلكتروني في رسالة خاصة حتى أتواصل معه وبريدي للتواصل إذا أراد هو:
[email protected]
 
نسأل الله أن يجزيَكِ عنَّا خير الجزاء و أن يبارك لكِ في وقتكِ.
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل يحيى على التشجيع المستمر.

أختي الفاضلة أمة الوهاب وعدت بطباعة ما أردت من سورة يس وسأنقل لك ما تمكنت من طباعته إلى الآن واعذريني على التأخير لكن طرأت علي ظروف خاصة حالت بيني وبين طباعة كل ما تحتاجينه لكن إليك ما أكملت طباعته:

مقتطفات من سورة يس
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13))
(واضرب لهم مثلاً)
يحتمل هذا التعبير معنيين: المعنى الأول أن المقصود اضرب لأجلهم مثلاً أي بيّنه لهم واذكره لهم وقصّ عليهم قصة أصحاب القرية ليتعظوا وليعلموا أنك لست بدعاً من الرسل وإنما أرسل قبلك رسل وأنذروا قومهم وأن موقفهم من رسلهم كان التكذيب وإنكار الرسالات وأنهم آذوا رسلهم وعذبوهم فأهلكهم الله لعل قومك يتعظون. والمعنى الآخر أن المقصود مثِّل لنفسك حال قومك بأصحاب القرية واجعلهم مثلاً لهم أي شبِّه حالهم بحال أصحاب القرية فإن حال قومك شبيه بحال أصحاب القرية وأن مَثَلهم كمثلهم كما تقول مخاطباً شخصاً: أنا أشبّه حالك بفلان إذ فعل كذا وكذا. وتقول لشخص: أنا أضرب لزيد مثلاً خالداً فإن كليهما قد خسر في تجارته أي اجعله شبيهاً به. وعلى كلا هذين المعنيين يرتبط المثل بما قبله أحسن ارتباط. فإنه على المعنى الأول أي أن تضرب لهم المثل وتبيّنه لهم فإنه يقول له: بيّن لهم شأن أصحاب القرية وموقفهم من رسلهم فإنهم مثلهم في الاعتقاد والتكذيب وستكون عاقبتهم مثلهم إن أصروا على كفرهم وعنادهم لعلهم يتعظون ويرعوون. وعلى المعنى الثاني يكون المقصود أن قومك ليسوا بدعاً من الأقوام فهناك أقوام مثلهم في التعنت والكفر وأنه سواء عليهم الإنذار وعدمه وأنه حق القول على أكثرهم فهو لا يؤمنون وأنت لست وحدك تلاقي من العنت والإيذاء والتكذيب ما تلاقي فهؤلاء أصحاب القرية مثل قومك في موقفهم وعنادهم وإيذائهم رسلهم فقد أرسل إليهم ثلاثة رسل فكذبوهم وآذوهم فتصبّر وتأسّ بهم. وفي ذلك تصبير له وتأسية فيكون ضرب المثل له صلى الله عليه وسلم.
والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في التفسير الكبير في قوله (واضرب لهم مثلاً) "وفيه وجهان والترتيب ظاهر على الوجهين: الوجه الأول هو أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثّلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول لما قال الله (إنك لمن المرسلين) وقال (لتنذر) قال: قل لهم (ما كنت بدعاً من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسولن وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضلّه الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة السلام فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلاً أي مثّل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا قرية وأنت بُعثت إلى العالم".
زجاء في روح المعاني: "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلاً لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلا) مفعول ثان لا ضرب و (أصحاب القرية) مفعوله الأول أُخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني اذكر وبيّن لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله سبحانه وتعالى (أصحاب القرية) بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية".
وقال (إذ جاءها المرسلون) ولم يقل إذ جاءهم لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم اينذروهم ولو قال (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم بل يحتمل أنهم كانوا في مكان فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال جاء أهل القرية فلان وكلّمهم ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم بخلاف قوله (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذرونهم وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في روح المعاني "وقيل (إذ جاءها) دون (إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم".
وقال (جاءها) دزت (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقى وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان ولذا قال تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء (40) الفرقان) لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (77) الكهف) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا).
(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14))
قال (أرسلنا إليهم) ولم يقل (أرسلنا إليها) كما قال (جاءها) لأن الإرسال في الحقيقة إلى أهل القرية لا إلى القرية أما المجيء فكان إلى القرية فإن القرية تطلق على المساكن والأبنية والضِياع وإن كانت خالية، قال تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها (259) البقرة) ولذلك قال بعدها (فكذبوهما) فنسب التكذيب إلى أهلها ولم ينسبه إلى القرية لأنهم هم المرسَل إليهم وهم المكذبون.
وقوله (فكذبوهما) يدل على أنهما أنذرا أصحاب القرية وبلغاهم دعوة ربهم إلا أنهم كذبوهما وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن المحذوف وهو التبليغ لأن التكذيب لا يكون إلا مع التبليغ فحذف ما هو مفهوم من الكلام وما لا داعي له لأن العناية ههنا بموقف أهلها منهما. وهو الموقف المشابه لموقف أهل مكة. جاء في روح المعاني " وقيل (أرسلنا إليهم) دون (ارسلنا إليها) ليطابق (إذ جاءها) لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضاً التعقيب بقوله تعالى (فكذبوهما) عليه أظهر, وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت)".
(فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)
عززنا قوّينا والمعنى فقويناهما غير أنه لم يذكر المفعول به فلم يقل (فعززناهما) ذلك أن المقصود تقوية الحق الذي أرسلوا به علاوة على تقويتهما وليس المقصود تقوية الشخصين فقط، فأخرج الفعل مخرج العموم ولو ذكر مفعولاً به لتقيد التعزيز بذلك المفعول. فنحن نرى فيما نرى أنك تنصر شخصاً وتقويه ولا تنصر فكره ونرى شخصين أو فريقين متخاصمين يحارب أحدهما الآخر أو يقتله وهما يحملان فكراً واحداً. فقال ههنا (فعززنا بثالث) ليدل على أن التقوية عامة لهما ولدعوتهما. وقد ذهب الزمخشري وآخرون إلى أن الغرض من الحذف إنما هو لبيان المقصود ذكر المعزز به وهو الحق الذي أُرسلا به. والذي يبدو لي ما ذكرت والله أعلم. جاء في الكشاف في قوله تعالى (فعززنا بثالث) "فعززنا فقوّينا.. فإن قلت لمَ ترك ذكر المفعول به؟ قلت لأن الغرض ذكر المعزز به... وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه سواء كأن ما سواه مرفوض مطرح ونظيره قولك (حكم السلطان اليوم بالحق) الغرض المسوق إليه (بالحق) فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه". وجاء في التفسير الكبير" : وترك المفعول حيث لم يقل (فعززناهما) لمعنى لطيف وهو أن المقصود من بعثهما نصرة الحق لا نصرتهما والكل مقوون للدين المتين بالبرهان المبين".
وأسند التعزيز إلى نفسه سبحانه فقال (فعززنا) كما قال (إذ أرسلنا) للدلالة على أن المرسِل والمعزِّز واحد كل ذلك بأمره سبحانه.
(فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)
أسند القول إليهم جميعاً لأنهم يدعون بدعوة واحدة وقد انضم الثالث إلى الإثنين في دعوتهما إلى الله سبحانه. (إنا إليكم مرسلون) قالوا مؤكدة بـ (إنّ) لأن الموقف يحتاج إلى توكيد ذلك أن أصحاب القرية كذبوا الرسولين كما أخبر تعالى (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا) ولذا قوّاهما بثالث فاحتاج الكلام بعد التكذيب والتقوية بالثالث إلى توكيد فقال (إنا إليكم مرسلون) وهذ القول إنما هو بعد التكذيب والتعزيز يدل على ذلك (فقالوا) بالجمع وقوله (إنا إليكم مرسلون) بالجمع.
(قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15))
(قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) أي كيف اختصكم الله بالوحي دوننا ونحن بشر وأنتم بشر؟ وفي هذا القول تكذيب لهم وإنكار للنبوات على العموم وقد فصل ما تضمنته هذه العبارة من تكذيب للمرسلين وإنكار للنبوات بقوله بعد (ما أنزل الرحمن من شيء) فإن هذا القول يعني إنكار النبوات وبقوله (إن أنتم إلا تكذبون) تكذيب لهم خاصة. فذكر الأمر العام الذي يتضمن الأمرين ثم ذكر كل أمر مما تضمنته العبارة وهذا الإنكار شأن كثير من الأمم السالفة فإنهم أنكروا أن ينزل الله على بشر من شيء، جاء في تفسير ابن كثير في قوله (ما أنتم إلا بشر مثلنا) :"أي فكيف أوحي إليكم وأنتم بشرو ونحن بشر فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة. وهذه شبهة كثيرة في الأمم المكذبة كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله عز وجل (ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا ()) أي استعجبوا من ذلك وأنكروه وقوله تعالى (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فائتونا بسلطان مبين ()) وقوله تعالى حكاية عنهم في قوله عز وجل (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون ()) وقوله تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً ())".
وقد تقول ولم لم يكتف بقوله (ما أنتم مثلنا) وقد ذكرت أنه يتضمن معنى ما بعده؟ والجواب أنه ليس المقصود من قولهم هذا إثبات بشرية الرسل فإن هذا لم ينازعهم فيه أحد وإنما المقصود إنكار النبوات وتكذيبهم فأوضحوا المقصود وأبانوا عن معتقدهم.
ودفعا لحجة الرسل الذين سيحتجون عليهم بقولهم: نعم نحن بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده فيختصه بالرسالة وإن كوننا بشراً لا يمنع من أن يوحي إلينا ربنا وما إلى ذلك من الحجج التي تبين أنه لا مانع من أن يكون البشر رسولاً وأنه لو أرسل ربنا ملكاً لجعله رجلاً ولالتبس عليهم الأمر أيضاً فأبانوا عن معتقدهم بقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) ثم بينوا رأيهم في هؤلاء الرسل فقالوا (إن أنتم إلا تكذبون). وهذه العبارة الأخيرة تعني تكذيب الرسل وعدم الإيمان لهم حتى لو كان الرحمن أنزل شيئاً لأنهم كاذبون فيما يرون.
(وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ)
هذا القول يعني أنهم يؤمنون بالله وينكرون النبوات وهذا شأن كثير من المجتمعات البشرية التي حكى عنها في القرآن نحو قوله (ولو شأن ربنا لأنزل ملائكة) وقوله (أبعث الله وبشراً رسولا) ومثلهم قوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يؤمنون بالله وينكرون النبوات. قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله (61) العنكبوت). وقال (وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا بشر مثلكم (3) الأنبياء) وقال (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (2) ق). جاء في روح المعاني :" وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام". قال الفخر الرازي : "وقوله (الرحمن) إشارة إلى الرد عليهم لأن الله لما كان رحمن الدنيا والإرسال رحمة فكيف لا ينزل رحمته وهو رحمن؟ فقال إنهم قالوا: ما أنزل الرحمن شيئاً وكيف لا ينزل الرحمن مع كونه رحمن شيئاً هو الرحمة الكاملة؟".
وقد تقول: ولم قال ههنا (وما أنزل الرحمن من شيء) فأسند الفعل إلى الرحمن وقال في سورة الملك (وقلنا ما نزل الله من شيء (9) الملك). وفي سورة الأنعام (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء (91) الأنعام) بإسناد الفعل إلى الله؟ فتقول إن كل تعبير هو الأنسب في مكانه. فأما في سورة الملك فإنه يشيع فيها ذكر العذاب ومعاقبة الكفار فقد ذكر فيها مشهداً من مشاهد الذين كفروا في النار وسؤالهم عن النذر التي جاءتهم وذلك قوله (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)) ثم حذر عباده من عقوبته وبطشه في الدنيا وألا يأمنوا عذابه من فوقهم أو من تحت أرجلهم وأن يعتبروا بما فعله ربنا مع الأقوام الهالكة (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) ثم حذرهم مرة أخرى وهددهم بقوله (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) وعاد مرة أخرى فذكر إنكار الكفار ليوم النشور واستبعادهم له وحذرهم من عقوبات رب العالمين في الدنيا والآخرة فقال (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)) وإزاء كل هذا التحذير والتخويف وذكر مشاهد العذاب لم يذكر بخصوص المؤمنين وجزائهم إلا آية واحدة وهي قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)) فلا يناسب إزاء كل هذا التهديد والتحذير للكافرين وما أعده الله لعذابهم في جهنم أن يقرنه بإسم الرحمن. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن القائلين لهذا القول إنما هم في أطباق النيران وأنهم ألقوا فيها فوجاً بعد فوج وقد اشتد غضب الله عليهم ولم تدركهم رحمته فلا يناسب ذكر الرحمن هنا أيضاً.
ثم إن الله جعل العذاب بمقابل الرحمة فقال (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) الحجر) ولما كان المشهد مشهد العذاب كان ذلك في مقابل الرحمة فلا يناسب هذا العذاب ذكر الرحمة وبخاصة أن هؤلاء كفروا بربهم فلا ترجى لهم رحمة ولا ينالهم من إسم الرحمن نصيب.
ومن ناحية أخرى إن القائلين في سورة يس إنما هم في الدنيا وهم يتقلبون في نِعم الله ورحمته أما القائلون في سورة الملك فإنما هم في جهنم وقد يئسوا من رحمته سبحانه فناسب كل تعبير موطنه.
وأما سورة الأنعام فإنها يشيع فيها التحذير والتهديد والتوعد وليس فيها مشهد من مشاهد الجنة وإنما فيها صور غير قليلة من مشاهد النار. كما أن السورة لم يرد فيها إسم (الرحمن) على طولها في حين ورد فيها إسم (الله) تعالى (87) سبعاً وثماني مرة فناسب كل تعبير مكانه.
(إن أنتم إلا تكذبون)
لقد واجهوهم بالتكذيب صراحة بعد أن ذكروا ذلك ضمناً بقولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) وقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) وكان النفي والإثبات بـ(ما) و(إلا) في قوله (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) وهنا بـ (إنْ) و(إلا) (إن أنتم إلا تكذبون). ذلك أن (إنْ) أقوى في النفي من (ما) فوضع كل حرف في الموضع الذي يقتضيه ذلك أن قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) غير منكور وهو معلوم للجميع. أما قولهم (إن أنتم إلا تكذبون) فهو موضوع النزاع فإنه الوصف الذي يلصقه أهل القرية بهم ويدفعه المرسلون عن أنفسهم فإن كونهم بشراً لا يحتاج إلى إثبات أو دليل بخلاف إثبات الكذب وأهل القرية لم يذكروا بشريتهم إلا ليصلوا إلى تكذيبهم فإن الغرض من قولهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) ليس إثبات البشرية لهم وإنما هو إثبات الكذب عليهم فناسب ذكر أقوى الحرفين فينا فيه قوة وإنكار ويحتاج إلى إثبات.
(قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16))
بعد أنا بالغ أصحاب القرية في تكذيبهم وردهم رداً غير جميل لم يتركهم رسل الله ولم يرحلوا عنهم وإنما أقسموا على صدقهم واستمروا على إبلاغهم دعوة ربهم قائلين (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) وفي هذا توجيه للدعاة أن لا يسأموا إذا جوبهوا بما يكرهون أو رُدوا رداً غير جميل أو اتهموا باتهامان باطلة بل عليهم أن يعيدوا النصح والتبليغ. وقولههم (ربنا يعلم) يجري عند العرب مجرى اليمين ويجاب بما يجاب به القسم فقوله (علم الله) و(ربنا يعلم) وما إلى ذلك هو نوع من القسم في كلام العرب ولذا أجيب بما يجاب به القسم وهو الجملة الإسمية المؤكدة بـ(إن واللام). واختيار هذا التعبير أنسب شيء هنا فإنه إضافة إلى القسم الذي فيه فإنهم نسبوا العلم إلى الله فقالوا (ربنا يعلم ذلك) فإنهم أرسلوا بأمره وبعلمه. وهو ههنا أبلغ من مجرد القسم بأن نقول (والله) أو (وربنا) فإن أصحاب القرية قالوا إن الرحمن لم ينزل شيئاً وإنكم تكذبون فيما ادعيتم به فرد عليه الرسل بأن ربنا يعلم صدقنا وإننا مرسلون إليكم. وقيل إن من قال (يعلم الله ذلك) وهو غير صادق فيما يقول فقد كفر لأنه نسب إلى الله الجهل بخلاف اليمين الكاذبة.
واختيار (الرب) مع الرسالة أنسب شيء فإن الرب هو المربي والهادي والهداية هي المقصودة من الرسالة ولذلك كثيراً ما يقترن الإرسال بالرب وذلك نحو قوله تعالى (لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (134) طه) وقوله (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (47) القصص) وقوله (لقد أبلغتكم رسالة ربي (79) الأعراف) وقوله (إني رسول رب العالمين (46) الزخرف).
وإضافته إلى ضمير المتكلمين (ربنا) يعني أن ربهم الذي خلقهم وله كمال الصفات هو الذي أرسلهم وأيدهم بالمعجزات ولو قالوا (ربكم يعلم...) لاحتمل أن يقولوا لهم: إن ربنا لا يرسل الرسل. ثم إنهم اتخذوا أرباباً لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه فكيف ترسل الرسل؟ ثم إن ذلك يعني أن ربهم هو الذي أرسلهم إلى أهل القرية لأنه ربهم أيضاً ولو لم يكن ربهم لم يعنه أمرهم فإضافة الرب إلى ضمير المتكلمين له أكثر من مناسبة ودلالة. وتقديم الرب على الفعل يفيد التوكيد والتقوية. وتقديم الجار والمجرور (إليكم) يفيد التخصيص أي إنا أرسلنا إليكم على وجه الخصوص لنبلغكم رسالة ربنا.
وقال ههنا (لمرسلون) باللام وقبلها (مرسلون) بلا لام وذلك زيادة في التوكيد لزيادة الإنكار. فقد أكد العبارة الأولى بـ(أن) بعد التكذيب فلما زاد التكذيب والإنكار بثلاث جمل كل منها غاية في التكذيب والإنكار زاد في التأكيد. فقد قال في المرة الأولى (إنا إليكم مرسلون) وفي المرة الأخرى (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) فأكد بالقسم وهو قوله (ربنا يعلم) وبالجملة الإسمية وهو تقديم ربنا على الفعل وبإنّ واللام فكان كل تعبير المناسب للمقام.
جاء في التفسير الكبير في قوله تعالى (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) إنه "إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين و (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) وأكدوا باللام لأن (يعلم الله) يجري مجرى القسم لأن من يقول (يعلم الله) فيما لا يكون فقد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب كما أن الحنث سببه". وجاء في روح المعاني "استشهدوا بعلم الله تعالى وهو جار مجرى القسم في التأكيد والجواب بما يجاب به وذكر أن من استشهد به كاذباً يكفر ولا كذلك القسم على كذب وفيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى.
وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم. وإضافة (رب) إلى ضمير الرسل لا يأبى ذلك ويجوز أن يكون اختياره لأنه أوفق بالحال التي هم فيها من إظهار المعجز على أيديهم فكأنهم قالوا: ناصرنا بالمعجزات يعلم أنا إليكم لمرسلون. وتقديم المسند إليه لتقوية الحكم أو للحصر أي ربنا يعلم لا أنتم لانتفاء النظر في الآيات عنكم.... وجاء كلام الرسل ثانياً في غاية التأكيد لمبالغة الكفرة في الإنكار جداً حيث أنه أتوا بثلاث جمل وكل منها دال على شدة الإنكار كما لا يخفى على من له أدنى تأمل".
(وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17))
ذكروا أن مهمتهم هي البلاغ المبين حتى إن كذبوهم وأساؤا إليهم فإن هذا لا يثنيهم عن البلاغ لأن هذا أمر نيط بهم وعليهم تنفيذه. ومعنى (علينا) أي نحن مكلفون بذلك وهو واجبنا فواجب الرسل هو التبليغ بل يلزمنا البلاغ المبين أي المبين للحق المظهر له والذي يصل إلى عموم المكلفين بحيث لا يبقى أحد لا يسمع به ولا يعلم ما هو فلا يصح أن نسر ذلك إلى شخص أو نبلغه إلى جماعة مخصوصة فإن ذلك لا يكون بلاغاً مبيناً فالبلاغ المبين يتضمن أمرين: الأمر الأول إيضاح الرسالة وتبليغها كلها بحيث لا يبقى منها شيء غير مبلغ ولا غير معلوم. والأمر الآخر أن يكون التبليغ شاملاً لكل من أرسل إليهم واصلاً إلى كل فرد فلا يترك سبيلا لإيصال الدعوة إلى كل من تعنيه. وإلا لم يكن بلاغاً مبيناً. وعلى هذا فإن عليهم أن يبلغوا كل ما أرسلوا به وألا يكتموا منه شيئاً وأن يوصلوه إلى جميع أصحاب القرية وهذان الأمران لا يصدهم عنهما صاد ولا يدفعهم عنهما دافع لأن ذلك مما ألزموا به إلزاماً.
جاء في التفسير الكبير " و(المبين) يحتمل أموراً: أحدهما البلاغ المبين للحق عن الباطل أي الفارق بالمعجزة والبرهان وثانيها البلاغ المظهر لما أرسلنا للكل أي لا يكفي أن نبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين وثالثها اللبلاغ المظهر للحق بكل ما يمكن".
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18))
تطيرنا بكم أي تشاءمنا بكم فلم نر على وجوهكم خيراً في عيشنا. وقج تقول لقد قال في سورة النمل في قوم صالح (قالوا اطيرنا بك وبمن معك (47) النمل) فأبدل وأدغم فلم لم يقل ههنا كما قال ثمَّ؟ والجواب أنا ذكرنا في كتابنا بلاغة الكلمة في التعبير القرآني أن (اطّير) ونحوه كادّبّر واطّهّر أبلغ من (تطير) ونحوه لمكان التضعيف في الفاء زيادة على تضعيف العين فدل على أن التطير في سورة النمل أشد منه مما في هذه الآية، يدل على ذلك أنهم في هذه الآية هددوهم بالرجم والتعذيب إن لم ينتهوا. وأما في سورة النمل فقد تعاهدوا وتقاسموا بالله على قتله مع أهله (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله (49) النمل) فدل على أن تطيرهم في سورة النمل أقوى وأشد.
وقد تقول إذا كان الأمر كذلك فلم إذن أكّد التطير بـ (إنّ) في سورة يس فقال (إنا تطيرنا بكم) ولو يؤكده في سورة النمل فإنه قال (قالوا اطيرنا)؟ والجواب أنه لا يلزم في الكلام توكيد كل فعل فيه مبالغة وشدة دوما فإنه إذا ذكر المتكلم فعلاً أقوى وأبلغ من فعل أو وصفاً أقوى من وصف لا يلزمه أن يؤكد الفعل أو الوصف الأقوى منهما وإنما يكون ذلك بحسب الغرض فله أن يؤكد أي واحد منهما بحسب ما يقتضيه الكلام فله أن يقول مثلاً (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) فيذكر الإصطبار من دون توكيد ويؤكد الصبر مع أن الاصطبار أبلغ وأقوى من الصبر لأن الغرض من العبارة أن يخبر باصطباره عليه ويؤكد صبره على الآخر.
ولك أن تقول (إنه كاذب) فتؤكد إسم الفاعل وتقول (هو كذاب) فلا تؤكد صيغة المبالغة مع أن المبالغة أقوى من إسم الفاعل ولا يلزم من مبالغة الوصف التوكيد وإنما يكون ذلك بحسب الغرض. قال تعالى (وإنهم لكاذبون) في أكثر من موطن فأكّد بـ(إنّ) واللام.
وقال (هذا ساحر كذاب (4) ص) و(بل هو كذاب أشر (25) القمر) ولم يؤكد مع أن (كذاب) صيغة مبالغة فأكد إسم الفاعل ولم يؤكد المبالغة.
والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له (هو كاذب) فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك (إنه كاذب) ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له (إنه لكاذب). وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب (هو كذاب) فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة.
ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) أو (هو مكتسب وإن زيداً كاسب) فيؤكد الأقل دون الأقوى.
إنه في آية يس قوله (قالوا اطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أكد التطير بـ (إنّ) وفي آية النمل وهي قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه.
فإن أصحاب القرية أطالوا في كلامهم ولم يكتفوا بذكر التطير وإنما هددوهمبالرجم والتعذيب فقالوا (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) في حين كان الكلام موجزاً في سورة النمل فقد ذكروا التطير ولم يهددوهم بشيء فناسب الإيجاز الإيجاز وناسب التفصيل التفصيل. ولا شك أن القول (تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب الأيم) أطول من (اطيرنا بك وبمن معك). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن أصحاب القرية هددوهم بالرجم والتعذيب مؤكدين ذلك بالقسم ونون التوكيد (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) فناسب ذلك توكيد التطير في حين أن قوم صالح لم يهددوهم بشيء فناسب التوكيد في آية يس دون آية النمل. وهناك أمر آخر وهو أن رهطاً من قوم صالح كانوا يدبرون له ولأهله أمراً خفياً لا يريدون إشاعته ولا أن يعلم به غيرهم وهو أن يبيتوه وأهله بليل أي أن يغيروا عليهم ليلاً ويقتلوهم من دون أن يعلم أحد ثم إنهم إن سئلوا عن ذلك أجابوا أنهم لا يعلمون ذاك وقد تعاهدوا على ذلك وأقسموا عليه (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) وهذا يقتضي عدم التهديد والتوعد المعلن لأنه سيفتضح أمرهم بل يقتضي عدم التوكيد في الكلام ولذا ذكروا أنهم متطيرون بهم ليس غير. فاقتضى كل موطن التعبير الذي ورد فيه. هذا علاوة على تردد التوكيد بـ(إنّ) في قصة أصحاب القرية أكثر من مرة (إنا إليكم مرسلون، إنا إليكم لمرسلون، إنا تطيرنا بكم، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون). في حين لم يرد ذلم في قصة صالح إلا قوله (وإنا لصادقون) فناسب كل تعبير موطنه وأما قوله (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين (51)) وقوله (إن في ذلك لآية (52)) فهذا من التعقيب على القصة وليس فيما دار فيها من كلام.
جاء في التفسير الكبير: "لما ظهر من الرسل المبالغة في البلاغ ظهر منهم الغلو في التكذيب فلما قال المرسلون (إنا إليكم مرسلون) قالوا (إن أنتم إلا تكذبون) ولما أكد الرسل قولهم باليمين حيث قالوا (ربنا يعلم) أكدوا قولهم بالتطير بهم".
(لئن لم تنتهوا لنرجمنكم)
بعد أن ذكروا تطيرهم بهم هددوهم بالرجم إن لم يكفوا عن دعوتهم وقد أكدوا ذلك بالقسم وبنون التوكيد ويدل على القسم اللام الداخلة على (إنْ) وهي اللام المطئة للقسم أي الدالة عليه وأكدوا تهديدهم بنون التوكيد الثقيلة الداخلة على الفعل (لنرجمنكم) فكما أكدوا تطيرهم بـ (إنْ) أكدوا تهديدهم بالقسم ونون التوكيد. وقد تقول لقد قال في مكان آخر (لتكونن من المرجومين (116) الشعراء) وقال في سورة مريم (لئن لم تنته لأرجمنك (46)) فلم لم يجعل التعبيرات على نمط واحد؟ والجواب أنه لا يصح جعلها على نمط واحد لأن المعنى مختلف والمقام مختلف ذلك أن قولك (لأرجمنك) يعني لأوقعن عليك الرجم ولا يعني أن هناك مرجومين معه أو نالهم الرجم. وقولك (هو من المرجومين) يعني أنه واحد ممن نالهم الرجم. فلا يصح في سورة يس أن يقال (لئن لم تنتهوا لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هناك أشخاص آخرون غير هؤلاء نالهم الرجم فيكونون منهم. وكذلك في آية مريم فإنه قال (لئن لم تنته لأرجمنك) ولم يقل (لتكونن من المرجومين) لأنه ليس هنام آخرون معه نالهم الرجم أو سينالهم فإن هذا الكلام موجه من أبي إبراهيم لولده إبراهيم عليه السلام وحده. أما في سورة الشعراء فإنه تهديد لنوح ولمن معه (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لئن لم تنته لتكونن من الذين ينالهم الرجم. ولو قال (لنرجمنك) لكان الرجم مختصاً بنوح دون من آمن معه. فإن قيل ولم لم يقل (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) كما قال في سورة يس؟ والجواب أن الرسل في سورة يس ثلاثة كلهم بمنزلة واحدة داعون إلى الله مبلغون لرسالته ولذلك جاء الكلام على أنفسهم بصيغة الجمع (قالوا إنا إليكم مرسلون، قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون، وما علينا إلا البلاغ المبين) وكان التطير بهم جميعاً (قالوا إنا تطيرنا بكم) فكان الخطاب لهم جميعاً. وأما نوح فهو رسول واحد يبلغ عن ربه أما البقية فهم أتباع وهو صاحب الدعوة والمبلغ فخوطب وطلب منه الكف فقالوا (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لنرجمنك ومن معك فهذا تهديد له ولأتباعه. وهذا القول نظير ما قاله قوم لوط للوط (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين (167) الشعراء) أي لنخرجنك ومن معك بدليل قوله تعالى على لسان قومه (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) الأعراف) وقوله (اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (56) النمل) فلما واجهوا لوطاً قالوا له لتكونن من المخرجين أي لتكونن واحداً منهم وهو تهديد له ولأتباعه أيضاً. فكان كل تعبير هو المناسب في مكانه.

(يتبع بإذن الله تعالى)
 
اثابك الله اخيتي احسن الثواب وجعل ماتقدمينه في ميزان حسناتك .اسال الله العلي القدير ان يبارك في جهدك ووقتك وان ييسر لك الخير حيث وجد.
 
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة أمة الوهاب على الدعاء الطيب ولك مثله إن شاء الله تعالى وأعدك أني أواصل الطباعة وساقوم بإضافة ما أطبع تدريجياً إلى أن يكتمل الملف فأرسله لك دفعة واحدة إن شاء الله تعالى.
 
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة أمة الوهاب على تشجيعك المستمر وإليك آخر ما نقلته لك من اللمسات البيانية في سورة يس:

(وليمسنكم منا عذاب أليم)

هددوهم بالعذاب الأليم إضافة إلى الرجم فإنهم لم يقولوا (أو ليمسنكم منا عذاب أليم) فيهددوهم بأحد الشيئين بل جاؤا بالواو التي تفيد الجمع قم أعادوا اللام الواقعة في جواب القسم (ليمسنكم) للدلالة على أن التهديد بالعذاب مؤكد كالمعطوف عليه لأنه أحياناً يكتفي باللام الداخلة على الفعل الأول أما الفعل الثاني فيكتفي فيه بنون التوكيد فيكون الثاني أقل توكيداً وذلك كقوله تعالى (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم (11) الحشر) فإنه أدخل اللام الموطئة في قوله (لئن أخرجتم) ولم يدخلها على المعطوف وإنما اكتفى بتوكيد الفعل فقال (وإن قوتلتم لننصرنكم) فكان الثاني أقل توكيداً من الأول ذلك أنهم أكدوا الفعل الأول لأنه أيسر عليهم ولم يؤكدوا الثاني لأنه أصعب عليهم وأشق.
وكان هناك خيار آخر وهو أن يخفف النون في الفعل المعطوف نظير قوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوننْ من الصاغرين (32) يوسف) فيكون ما دخلت عليه النون الثقيلة آكد مما دخلت عليه النون الخفيفة ولكنه لم يفعل هذا ولا ذاك بل أعاد اللام وأتى بالنون الثقيلة للدلالة على أنهما بمنزلة واحدة في التوكيد وأنهم سيفعلونهما جميعاً. ثم قالوا (منا) للدلالة على الجهة التس ستقوم بالعذاب فالجهة التي ستقوم بالرجم والعذاب واحدة (لنرجمنكم وليمسنكم منا) فإنه لم يقل (وليمسنكم عذاب أليم) فيُبهم الجهة إذ لعله لو قالوا ذاك لفهم منه أنهم يقصدون أن آلهتهم هي التي ستمسهم بالعذاب. وقدم الجار والمجرور (منا) على العذاب لأكثر من سبب ذلك أن الكلام عليهم وهم مدار الإسناد (قالوا إنا تطيرنا، لنرجمنكم، وليمسنكم منا) فناسب تقديم ضميرهم فإنهم هم المتطيرون وهم الراجمون وهم المعذبون. ثم إن تقديم الجار والمجرور يفيد تعلقه بالفعل (ليمسنكم) أي (ليمسنكم منا) أي نحن الذين نعذبكم ونتولى أمر ذلك بأنفسنا ولا ندع ذلك لغيرنا ممن قد يرقّ لحالكم أو يخفف عنكم. ول قال (ليمسنكم عذاب أليم منا) لاحتمل أن يكون (منا) صفة لـ (عذاب) وعلى هذا الاحتمال يكون العذاب صادراً منهم أمره أما الذي يقوم بالتعذيب فهو غيرهم وهذا يكون نظير قولنا: "اتسعرت لمحمد كتاباً" و "استعرت كتاباً لمحمد" فإن الجملة الأولى يكون تعلق الجار والمجرور فيها بـ (استعرت) فتكون الإستعارة لمحمد أي "استعرت لمحمد" "كتاباً"، أما الجملة الثانية فتحتمل هذا المعنى وتحتمل معنى آخر وهو استعرت كتاباً عائداً لمحمد أي أن الكتاب هو كتاب محمد وأنت استعرته فيكون المعنى على النحو الآتي: (استعرت) (كتاباً لمحمد) فكان تقديم الجار والمجرور هو الأنسب.

(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19))

طائركم أي ما طار لكم من الخير والشر أو حظكم ونصيبكم منهما معكم وهو إنما يكون من أفعالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. وفسر الطائر بالشؤم "أي شؤمكم معكم وهو الإقامة على الكفر وأما نحن فلا شؤم معنا لأنا ندعو إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وفيه غاية اليمن والخير والبركة" (روح المعاني).
(إئن ذكرتم) أي أئن ذكرتم بما هو خير لكم في الدنيا والآخرة تطيرتم أو تتوعدونا بالرجم والتعذيب؟ وحذف جواب الشرط لإطلاقه وعدم تقييده بشيء معين.
(بل أنتم قوم مسرفون) أي مجاوزون للحد في المعاصي أو في التطير أو في العدوان وأطلق الإسراف ولم يقيده بشيء ليشمل كل إسراف في سوء.

(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20))

في هذا الوقت المتأزم زالظرف العصيب الذي كثر فيه التهديد والتوعد واشتد فيه الإرهاب جاء من أقصى المدينة رجل يسعى ليعلن إتّباعه للرسل وإيمانه بهم ويبين ضلال قومه غير مبال بما سيحدث له. وفي هذا التعبير دلالات مهمة في هذا الخصوص.
1. فقد ذكر أنه جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها ى يثنيه شيء حاملاً همّ الدعوة.
2. قال (من أقصى المدينة) ولم يقل (من أقصى القرية) وقد سماهما قرية بادئ ذي بدء فقال (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية) ذلك للدلالة على أنها واسعة. فالقرية إذا كانت متسعة تسمى مدينة أيضاً فأفاد أن هذه القرية كبيرة متسعة ولذا أطلق عليها مدينة وذلك يفيد أنه جاء من مكان بعيد وذلك يدل على اهتمامه الكبير بمعتقده الجديد.
3. قال (يسعى) أي يعدو ويسرع في مشيه وليس متباطئاً يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى وهو توجيه للدعاة بعدم التواني في أمر الله.
4. لم يسكت عن الحق ولم يجامل أو يهادن بل دعا قومه إلى الإيمان بما جاءت به الرسل وأتباعهم وأعلن عن إيمانه هو.
5. إن مجيئه من أقصى المدينة يدل على وصول البلاغ إلى أبعد مكان فيها مما يدل على جديتهم في التبليغ وتوسعهم فيه وهو تصديق قولهم (وما علينا إلا البلاغ المبين).
وقال هنا (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) فقدم (من أقصى) على (رجل) وقال في سورة القصص (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين (20) القصص) بتقديم (رجل) على (من أقصى المدينة). ذلك أن القصد في آية يس أن يبين أن مجيء الرجل كان من أبعد مواضعها وأما في القصص فإنه يفيد أن الرجل من أقصى المدينة أي هو من أهل المواضع البعيدة غير أنه لا يلزمأن يكون مجيئه من أقصى المدينة وهو كما تقول "جاءني من القرية رجال" أي جاؤوك من القرية، وتقول "جانء رجال من القرية" فالرجال هم من أهل القرية ولكن لا يقتضي أن مجيئهم إليك كان من القرية بل قد يكونون في المدينة ثم جاؤوك. وقد يكون المجيء من القرية فقولك "جاءني رجال من القرية" يحتمل معنيين بخلاف قولك "جاءني من القرية رجال".
وعلى أية حال فإن قوله (وحاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يفيد أنه جاء من أبعد مكان في المدينة. وقوله (وجاء رجل من أقصى المدينة) يحتمل ذلك ويحتمل أنه من أهل الأماكن البعيدة وإن لم يكن مجيئه من هناك.
وفي تقديم (من أقصى المدينة) في سورة يس فائدة أخرى حتى لو كان مجيئهما كليهما من أقصى المدينة فإن قوله (وجاء من أقصى المدينة) يدل على أن الاهتمام أكبر لأكثر من سبب:
1. ذلك أن مجيء الرجل من أقصى المدينة إنما كان لغرض تبليغ الدعوة في حين أن مجيء الرجل إلى موسى كان لغرض تحذيره والأمر الأول أهم.
2. ثم إن مجيء الرجل من أقصى المدينة إنما كان إشهار إيمانه أمام الملأ ونصح قومه في حين أن مجيء الرجل إلى موسى ليسرّ إليه كلمة في أذنه فمجيء رجل يس إنما كان للإعلان والإشهار ومجيء رجل موسى إنما كان للإسرار وفرق بين الأمرين.
3. إن مجيء رجل يس فيه مجازفة ومخاطرة بحياته وليس في كجيء رجل موسى شيء من ذلك وإنما هو إسرار لشخص بأمر ما ليحذر.
4. إن المجتمع في القرية كله ضد على الرسل وعقيدتهم مكذب لهم منطير بهم فإعلان الرجل أنه مؤمن بما جاء به الرسل مصدق لهم فيه ما فيه من التحدي لهم بخلاف مجتمع سيدنا موسى عليه السلام فإنه ليس فيه فكر معارض أو مؤيد وليست هناك دعوة أصلاً.
5. إن نصر رسل الله وأوليائه ودعاته أولى من كل شيء فإن تعزيزهم تعزيز لدعوة الله وأما موسى عليه السلام فإنه كان رجلاً من المجتمع ليس صاحب دعوة آنذاك ولم يكلفه الله بعد حمل الرسالة.
فتقديم (من أقصى المدينة) دل على أن الموقف أهم وأخطر ومع ذلك أفادنا أن تحذير شخص من ظالم أمر مهم ينبغي أن يسعى إليه ولو من مكان بعيد. فإن كلا الموقفين مهم غير أن أحدهما أهم من الآخر فقدّم ما قدم ليدل على الاهتمام.
جاء في التفسير الكبير في قوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) :"وفي فائدته وتعلقه بما قبله وجهان: أحدهما أنه لبيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث آمن بهم الرجل الساعي وعلى هذا فقوله (من أقصى المدينة) فيه بلاغة باهرة وذلك لما جاء من (أقصى المدينة رجل) وهو قد آمن دل على أن إنذراهم وإظهارهم بلغ إلى أقصى المدينة... وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى قوله (وجاء من أقصى المدينة رجل) في تنكير الرجل مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان:
1. الأولى أن يكون تعظيماً لشأنه أي رجل كامل في الرجولية.
2. الثانية أن لا يكون مفيداً لظهور الحق من جانب المرسلين حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به فلا يقال إنهم تواطؤا.
المسألة الثانية قوله (يسعى) تبصرة للمؤمنين وهداية لهم ليكونوا في النصح باذلين جهدهم وقد ذكرنا فائدة قوله (من أقصى المدينة) وهي تبليغهم الرسالة بحيث انتهى إلى من في أقصى المدينة".
وجاء في روح المعاني " (وجاء من أقصى المدينة) أي من أبعد مواضعها (رجلٌ) أي رجل عند الله تعالى فتنوينه للتعظيم وجوز أن يكون التنكير لإفادة أن المرسلين لا يعرفونه ليتواطؤا معه.... (يسعى) أي يعدو ويسرع في مشيه حرصاً على نصح قومه وقيا أنه سمع أن قومه عزموا على قتل الرسل فقصد وجه الله تعالى بالذبّ عنهم.... وجاء (من أقصى المدينة) هنا مقدّماً على (رجل) عكس ما جاء في القصص وجعله أبو حيان من التفنن في البلاغة. وقال الخفاجي: قدّم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم بياناً لفضله إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم وأن بُعده لم يمنعه عن ذلك. ولذا عبر بالمدينة هنا بعد التعبير بالقرية إشارة إلى السعة وأن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرُب أو بعُد. وقيل قدّم للاهتمام حيث تضمن الإشارة إلى أن إنذارهم قد بغ أقصى المدينة فيشعر أنهم أتوا بالبلاغ المبين. وقيل أن لو تأخر توهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود".

(قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21))

قال لهم (يا قوم) ليعطف قلوبهم وذكر لهم ثلاثة أمور تدعوهم إلى اتباع هؤلاء الدعاة:
1. كونهم موسلين من الله وهذا أهم ما يستوجب اتباعهم فكونهم مرسلين من ربهم يدعو إلى اتباعهم لأنهم لا يدعون لأنفسهم ولا إلى معتقدات شخصية ولا إلى آراء خاصة ولا إلى أفكار بشرية وإنما يدعونهم إلى ما أراده ربهم وخالقهم.
2. وأنهم لا يسألون أجراً على التبليغ ولا يبتغون مصلحة خاصة كما هو شأن كثير من أصحاب الدعوات والأرضية مما يدل على أنهم مخلصون في دعوتهم.
3. أنهم مهتدون وهذا يقتضي الاتباع وهو بغية كل متبع مخلص. جاء في الكشّاف " (من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) كلمة جامعة في الترغيب يفهم أي لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة".
وقد كرر الاتباع بقوله (اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) لأكثر من غرض فالتكرار يفيد التوكيد ويفيد أمراً آخر وهو أن المرسلين ينبغي أن يتبعوا أصلاً فإذا ثبت أت شخصاً ما مرسل من ربه كان ذلك داعياً إلى أن يتبع قطعاً وهذه دلالة قوله (اتبعوا المرسلين). أما اتّباع غير المرسلين فيكون لمن فيه صفتان:
1. أن يكون مهتدياً
2. أن لا يسأل أجراً ولا يطلب منفعة ذاتية
وهذ توجيه لعموم المكلفين ولو قال (اتبعوا المرسلين من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) لكان ذلك خاصاً باتباع الرسل ولا يشير إلى اتباع غيرهم من المصلحين والداعين إلى دعوتهم. فتكرار (اتبعوا) أفاد الإتباع للرسل في حالة وجودهم والاتباع الثاني لمن يحمل هاتين الصفتين.
جاء في روح المعاني "تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يتضمن نفي المانع عن اتباعهم بعد الإشارة إلى تحقق المقتضي".
واختار (من) على (الذين) لكونها أعمّ فإنها تشمل كل داع إلى الله واحداً كان أو أكثر.

(وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22))

بعد أن نصح لهم باتباع المرسلين لأنهم على الهدى ذكر أنه بدأ بنفسه فآمن بدعوتهم واتبعهم فقال (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) لقد اختار من الدواعي الموجبة لعبادة ربه أنه هو المبديء والمعيد فهو الذي فطرهم وأوجدهم وأنهم إليه يرجعون فلا يتركهم بعد موتهم بل سيحشرهم إليه ويحاسبهم على ما قدموا فأنا أن يعاقبهم أو يكرمهم وفي هذا تخويف وإطماع. لقد اختار هذين الأمرين من موجبات العبادة وهما البدء والإعادة لعلمهم جميعاً أن آلهتهم لا تفعلها ولا تستطيعها وبهذا سقط كل موجب لعبادة غيره وثبت كل موجب لعبادته. وقد قدم الجار والمجرور (إليه) على (راجعون) لقدة الاختصاص والمعنى الرجوع إليه حصراً لا إلى غيره وهو نظير قوله تعالى (وإليه المصير) و (وأن إلى ربك المنتهى) و (وإليه تحشرون). لقد ذكر الموجب لأن يعبده وأن يعبدوه هم فإنه قال (وما لي لا أعبد الذي فطرني) وهذا داعٍ لأن يعبده هو فكيف لا يعبد الذي فطره؟ وفيه دعوة لهم أيضاً ليعبدوه لأن الذي فطره فطرهم أيضاً.
وقال (وإليه ترجعون) وهذا داع لأن يعبدوه هم فإنهم رادعون إليه فيحاسبهم وهو مثلهم رادع إليه أيضاً لأنه فطره. فقوله (الذي فطرني) يقتضي أنه فطرهم أيضاً. وقوله (وإليه ترجعون) يقتضي أنه يردع إليه أيضاً. وبذلك أشار بأوجز تعبير إلى أنه فطره وفطرهم وأنه إليه يرجع وأنهم إليه يرجعون. فما له لا يعبده وما لهم لا يعبدونه؟ وهذا تعبير موجز عن القول (وا لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون).
جاء في الكشاف "أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه. ولقد وضع قوله (وما لي لا أعبد الذي فطرني) مكان قوله (وما لكم لا تعبدون الذي فطركم)، ألا ترى إلى قوله (وإليه ترجعون)، ولولا أنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال (آمنت بربكم فاسمعون) يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم".
وجاء في التفسير الكبير :"إختار من الآيات فطرة نفسه لأنه لما قال (وما لي لا أعبد) بإسناد العبارة إلى نفسه اختار ما هو أقرب إلى إيجاب العبادة على نفسه.... وقوله (وإليه ترجعون) إشارة إلى الخوف والرجاء كما قال (ادعوه خوفاً وطمعا) وذلك لأن من يكون إليه المرجع يخاف منه ويرجى".
وجاء في روح المعاني:" تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله (وإليه ترجعون) مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد الهقاب مواجهة وتصريحاً ولو قال (وإليه أرجع) كان فيه تهديد بطريق التعريض".
 
جزاك الله خير وجعلها الله في موازين حسناتك
ورحم الله والديك وجعل مثواكم الفردوس الأعلى من الجنه
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل محمد على المرور والدعاء ولك بالمثل إن شاء الله تعالى.

أختي أمة الوهاب هذا ما طبعته من سورة يس:

(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23))
بعد أن ذكر من يستحق العبادة وسبب استحقاقه لها أفاد أن ينبغي أن يوحده وأنه لا ينبغي له أن يتخذ إلهاً من دونه ولا معه أو يتخذ ذاتاً وسيلة لتقربه إليه. أما إنه لا ينبغي له أن يتخذ إلهاً من دونه فذلك قوله (أأتخذ من دونه آلهة) ولا أن يتخذ إلهاً معه لأن ما يتخذونهم معه لا يملكون ضراً ولا نفعاً فإذا أراده الرحمن بضر لا يملكون له شيئاً فهم إذن دونه فلا يصح أن يتخذوا معه آلهة. ولا أن يتخذوا ذاتاً لتقربه إليه لأنه ذكر أنه لا تغني شفاعتهم شيئاً فلا يصح على ذلك أن يتخذوا ذاتاً لتقربه إليه. وبهذا يكون دعاهم إلى التوحيد الخالص من دون شركاء أو شفعاء أو وسطاء وهو وإن أنكر على نفسه أن يتخذ آلهة من دون الله يقصد بذلك عموم من يصل إليه الخطاب من الناس فلا ينبغي أن يتخذ أحد إلهاً من دونه وما ذكره بحق نفسه لا يخصه وحده وإنما يعم جميع المكلفين فإنه قال (وما لي لا أعبد الذي فطرني) وهو لم يفطره وحده بل فطر المخلوقات جميعاً.
وقال (إن يردن الرحمن بضر) وهذا الأمر لا يخصه وحده بل أراد الله غيره بذلك فالأمر كذلك. لقد أخرج هذا الكلام مخرج الاستفهام الإنكاري وليس مخرج الخبر فإنه بعد أن ذكر ما ذكر قال (أأتخذ من دونه آلهة) أي أيصح ذلك عقلاً؟ أيجوز إتخاذ غيره إلهاً؟
ولا شك أن كل عاقل سيجيب قائلاً: لا، إنه لا يصح أن تتخذ إلهاً من دونه. وهذا لا شك أقوى من الكلام التقريري الخبري الذي يقول: أنا لا أتخذ من دونه آلهة وذلك لأنه قرار انفرادي رآه هو في حين أن قوله (أأتخذ من دونه آلهة) يستدعي إشتراك الآخرين في الجواب واتخاذ القرار.
جاء في التفسير الكبير: "ثم قال تعالى (أأتخذ من دونه أولياء) ليتم التوحيد... فقال (ومالي لا أعبد) إشارة إلى وجود الإله وقال (أأتخذ من دونهإشارة إلى نفي غيره فيتحقق معنى لا إله إلا الله. وفي الآية أيضاً لطائف:
الأولى ذكره على طريق الاستفهام فيه معنى وضوح الأمر وذلك أن من أخبر عن شيء فقال مثلاً (لا أتخذ) يصح من السامع أن يقول له: لم لا تتخذ؟ فيسأله عن السبب فإذا قال (أأتخذ) يكون كلامه أنه مستغنٍ عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار كأنه يقول: استشرتك فدُلّني والمستشار يتفكر فكأنه يقول: تفكر في الأمر تفهم من غير إخبار مني.
الثانية قوله (من دونه) وهي لطيفة عجيبة وبيانها هو أنه لما بيّن أنه يعبد الله بقوله (الذي فطرني) بيّن أن من دونه لا تجوز عبادته..
الثالثة قوله (أأتخذ) إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إله (كذا) ولهذا قال تعالى (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) وقال (الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً) لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز... ولا يقال قال الله تعالى (فاتخذه وكيلا) في حق الله تعالى حيث قال (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) نقول ذلك أمر متجدد".
ونريد أن نذكر أمراً بخصوص قوله تعالى (فاتخذه وكيلا) فإن الذي يبدو من الاستعمال في اللغة أنه إذا كان الشيء موجوداً أصلاً من غير انفكاك ولا اختيار فلا يقال (اتخذته) فلا يقال مثلاً اتخذت فلاناً أباً إذا كان أباه حقيقة ولا يقال اتخذته أخاً إذا كان أخاه حقيقة وإنما يقال ذلك لما يصح فيه التخلي والترك والاختيار كأن تقول اتخذت فلاناً صديقاً لي لأنك مختار في اختيار الأصدقاء وتقول اتخذت أخاً وصاحباً فيما أنت مختار فيه. ولا يصح أن تقول اتخذت فلاناً خالفاً أو اتخذت الكواكب خالقاً ولا اتخذت الله خالقاً لأنه هو الخالق وليس متخذاً لذلك لكنك تقول اتخذته معبوداً لأنك مختار في اتخاذ ما تعبد.
ونحوه قوله (فاتخذه وكيلا) فإن لك أن تختار الوكلاء وأن تتخذ من تشاء فاتخذ الله وكيلاً تفلح.
وقد تقول: إن الله وكيل على كل شيء كما قال تعالى (والله على كل شيء قدير (12) هود) (وهو على كل شيء وكيل (102) الأنعام و(62) الزمر). فنقول هذه وكالة قسرية وكالة الاختيار والطاعة ونظير ذلك في العبودية فإن العبودية لله قد تكون قسرية كما قال تعالى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً (93) مريم) وقوله (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء (17) الفرقان) وهذه العبودية ليست من الطاعة ولا يتعلق بها ثواب. وقد تكون عبودية اختيارية وذلك بأن يختار المرء أن يكون عبداً لله مطيعاً له وهذه هي التي يتعلق بها الثواب كما قال تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون (172) النساء) وقال (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) الإنسان). ونحوه الألوهية والربوبية فالله سبحانه هو إله الخلق كلهم وربهم شاؤوا أم أبوا. قال تعالى (وهو رب كل شيء (164) الأنعام) و (الحمد لله رب العالمين) وقال (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو (163) البقرة) وقال (إنما هو إله واحد (19) الأنعام) وقال (وما من إله إلا الله الواحد القهار (65) ص). وهذه الربوبية والألوهية قسرية شاء الخلق أم أبوا ولا يترتب عليها ثواب وإنما يترتب الثواب والعقاب على من اتخذه إلهاً ورباً أو اتخذ غيره كما قال تعالى (أتتخذ أصناماً آلهة (74) الأنعام) (أرأيت من اتخذ إلهه هواه (43) الفرقان) (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم (31) التوبة). فالاتخاذ أمر اختياري يفعله المتخذ وهو غير الأمر الكائن أصلاً من غير اتخاذ وذلك نحو "هذا ولدي" و "هذا اتخذته ولداً لي" والله أعلم.

(إن يردن الرحمن بضر)

استعمل الفعل المضارع فعلاً للشرط فقال (إن يردن) واستعمل الماضي في مكان آخر (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره (38) الزمر) وعند النحاة إن الماضي في الشرط يفيد الاستقبال. جاء في التفسير الكبير "قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) وقال في الزمر (إن أرادني الله) فما الحكمة في اختيار صيغة الماضي هنالك واختيار صيغة المضارع ههنا؟ وذكر المريد بإسم الرحمن هنا وذكر المريد بإسم الله هناك؟ نقول أما الماضي والمستقبل فإن (إنْ) في الشرط تصير الماضي مستقبلاً وذلك لأن المذكور ههنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله (أأتخذ) وقوله (ومالي لا أعبد) والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله (أفرأيتم) وكذلك في قوله تعالى (وإن يمسسك الله بضر) لكون المتقدم عليه مذكوراً بصيغة المستقبل وهو قوله (من يُصرف عنه) وقوله (إني أخاف إن عصيت) والحكمة فيه هو أن الكفار كانوا يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بضر يصيبه من آلهتهم فكأنه قال: صدر منكم التخويف وهذا ما سبق منكم. وههنا ابتدأ كلام صدر من المؤمن للتقرير والجواب ما كان يمكن صدوره منهم فافترق الأمران".
والذي يترجح عندنا أن الفعل المضارع مع الشرط كثيراً ما يفيد افتراض تكرر الحدث بخلاف الفعل الماضي فإنه كثيراً ما يفيد افتراض وقوع الحدث مرة كما قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها (93) النساء) وقال (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (92) النساء) فجاء مع القتل المتعمد بالفعل المضارع لأنه يفترض فيه تكرر الحدث إذ كلما سنحت للقاتل فرصة قتل مؤمناً بخلاف قتل الخطأ فإنه لا يفترض تكرره.
ونحو ذلك قوله تعالى (قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً (17) المائدة) فجاء بفعل الإرادة ماضياً (إن أراد) لأن هذه الإرادة تكون مرة واحدة ولا تتكرر فإنه إذا أهلكه فقد انتهى الأمر.
ونحوه قوله تعالى (فإن أراداً فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (233) البقرة) فإن هذا لا يتكرر فإذا انفصلا فقد انتهى الأمر.
ونحوه قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها (16) الإسراء) ونحوه قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها (50) الأحزاب) هذه الإرادة لا تتكرر وإنما تكون مرة واحدة في حين قال (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها (145) آل عمران) فجاء بفعل الإرادة مضارعاً لأن إرادة الثواب تتكرر ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله (62) الأنفال) فإن إرادة الخديعة تتكرر. ومثله قوله تعالى (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم (71) الأنفال) فإن إرادة الكفار خيانة الرسول قد تتكرر فجاء بالفعل مضارعاً. فنقول إن استعمال الفعل المضارع في سورة يس في قوله تعالى (إن يردن الرحمن بضر) إشارة إلى أنه كان يتوقع تكرر وقوع الضرر عليه من قومه وأنهم لا يكفون عن إلحاقه به ما دام بينهم.
وقد تقول لم قال ههنا (إن يردن الرحمن بضر) فأسند الإرادة إلى الرحمن وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر) فأسند الإرادة إلى الله؟ فنقول إن القائل في سورة يس يتوقع وقوع الضرر عليه وتطاوله كما ذكرنا فذكر إسم الرحمن كأنه يلوذ به ويعتصم وهو بمثابة سؤاله الرحمة بخلاف ما في الزمر فإنه ليس الأمر كذلك ولا يتوقع نحو هذا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه حسن ذكر إسم الرحمن مع الشفاعة في سورة يس فقال (إن يردن الرحمن بضر فى تغن عني شفاعتهم شيئاً) لأن الشفيع إنما يستدر رحمة من يشفع عنده والمتصف بالرحمة قد يقبل شفاعة من ليس له جاه كبير عنده أما هؤلاء الآلهة فلا تنفع شفاعتهم حتى مع الرحمن إذ ليس لهم جاه البتة وهذا أبلغ في إسقاط وجاهة هؤلاء. ثم من ناحية ثالثة أنه ورد إسم الرحمن في سورة يس أربع مرات ولم يرد في سورة الزمر ولا مرة واحدة وورد إسم الله في سورة الزمر تسعاً وخمسين مرة وورد في سورة يس ثلاث مرات فقط فناسب ذكر إسم الله في الزمر والرحمن في يس.
وقد علل الفخر الرازي ذكر إسم الرحمن في يس وإسم الله في الزمر بقوله "وأما قوله هناك (إن أرادني الله) فنقول قد ذكرنا أن الإسمين المختصين بواجب الوجود الله والرحمن كما قال تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) والله للهيبة والعظمة والرحمن للرأفة والرحمة. وهناك وصف الله بالعزة والانتقام في قوله (أليس الله بعزبز ذي انتقام) وذكر ما يدل على العظمة بقوله (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض) فذكر الإسم الدال على العظمة. وقال ههنا ما يدل على الرحمة بقوله (الذي فطرني) فإنه نعمة هي شؤط سائر النعم فقال (إن يردن الرحمن بضر)".
وقد تقول: لقد قال في سورة يس (إن يردن الرحمن بضر فلا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) وقال في الزمر (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته (38)) فذكر الضر في يس ولم يذكر الرحمة إذ لم يقل وإن يردن برحمة لا يمسكوا رحمته في حين ذكر في الزمر الضر والرحمة فقال (إن أرادني الله بضر ...أو أردني برحمة) فما سبب ذلك؟ والجواب والله أعلم أن ذلك لأكثر من سبب: منها أن صاحب يس كان يتوقع الضر من أهل قريته ولم يكن يتوقع منهم شيئاً من لين أو رحمة بل ربما كان يتوقع القتل لأن الجو كان متأزماً كله تهديد ووعيد وقد انتهى الأمر بقتله فلا يناسب ذكر الرحمة. ومن ذلك أن ذكر إسم الرحمن أغنى ههنا عن ذكر (وإن يردن برحمة) فإن الرحمن يريد الرحمى وهو لا يريجها فقط وإنما يحققها وإلا فليس برحمن فاكتفى بذكر صفته عن أن يقول (وإن يردني برحمة) بخلاف ما في الزمر فإنه ذكر إسم الله ولم يذكر وصفاً فناسب ذلك أن يذكر الضر والرحمة تصريحاً. وعلى هذا فقد ذكر الأمران في يس على نحو آخر يناسب المقام والله أعلم.
وقد تقول لقد قال في يس (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير الذكور العقلاء في (شفاعتهم) وفي (ينقذون). وقال في سورة الزمر (هل هن كاشفات ضره) و (هل هن ممسكات رحمته) بضمير الإناث فما الفرق؟
والجواب أن ضمير الإناث يستعمل للإناث ويستعمل لجمع غير العاقل مذكراً كان أو مؤنثاً فتقول الجبال هن شاهقات والجبال جمع جبل وهو مذكر غير عاقل غير أننا نستعمل له ضمير الإناث. قال تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج (197) البقرة). فقال في الأشهر (فيهن) والأشهر جمع شهر والشهر مذكر غير عاقل فاستعمل له ضمير الإناث. فضمير الإناث يستعمل للإناث ولجمع غير العاقل مطلقاً. وكذلك جمع المؤنث السالم فإنه يستعمل جمعاً للمؤنث بشروطه ويستعمل أيضاً لجمع المذكر غير العاقل إسماً أو وصفاً نحو جبال شاهقات وشاهقات وصف لمذكر غير عاقل وأنهار جاريات وجاريات وصف لأنهار مفردها نهر وهو مذكر غير عاقل. والإسم المذكر غير العاقل قد يجمع وجمع مؤنث سالماً إذا لم يسمع له جمع تكسير نحو حمّامات جمع حمام واصطبلات جمع اصطبل. وأما ضمير جماعة الذكور نحو (هم) و(الواو) في نحو (يمشون) فهو خاص بجماعة الذكور العقلاء أو ما نزل منزلتهم.
وبعد بيان هذا الأمر نعود إلى الآيتين: قال تعالى في الزمر (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) ومن النظر في هذه الآية يتضح ما يأتي:
1. قال (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) فجعل آلهتهم لا تعقل وذلك أنه استعمل لها (ما) فقال (ما تدعون) و(ما) تستعمل في العربية لذات ما لا يعقل.
2. جاء بضمير الإناث (هن) فقال (هل هن) وهذا الضمير إما أن يكون للإناث أو يستعمل لجمع غير العاقل مذكراً أو مؤنثاً كما ذكرت فجعلهم غير عقلاء وهو متناسب مع (ما) التي هي لغير العاقل.
3. جاء بجمع المؤنث السالم وهو كما ذكرنا إما أن يكون للإناث أو لصفات الذكور غير العقلاء فجعلهم غير عقلاء.
4. هذه الآية نزلت في المجتمع الجاهلي والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى فيهم (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا (117) النساء) فذكر أن ما يدعون من دون الله إنما هي إناث وقد روي عن الحسن "أنه كان لكل حيّ من أحياء العرب صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان... وقيل كان في كل صنم شيطانة". "وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هي بنات الله" وكانوا يسمون كثيراً منها باسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة فناسب التأنيث من كل جهة، من جهة أنها غير عاقلة ومن جهة أن لها أسماء مؤنثة أو يرون أنها إناث.
وقال في يس (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) فاستعمل ضمير العقلاء ذلك لأنه قال (لا تغن عني شفاعتهم) والشفيع لا بد أن يكون عاقلاً وإلا فكيف يشفع؟ ولذلك قال في الزمر (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون (43)) فجاء بضمير جماعة الذكور للدلالة على أنه لا يكون الشفيع إلا عاقلاً. ثم نفى الشفاعة مع عدم العقل فقال (قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون) فاستعمل ضمير العقلاء مع الشفاعة.
ثم قال (ولا ينقذون) والمنقذ لا بد أن يكون عاقلاً أيضاً وإلا فكيف ينقذ؟ ولذلك قال في سورة يس (واتخذوا من دون آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) فاستعمل ضمير جماعة العقلاء وهو قوله (لا يستطيعون) و (هم) لأن الناصر لا بد أن يكون عاقلاً وهو كالمنقذ. وهذه الاية نظيرة الآية السابقة فناسب كل ضمير مكانه اللائق به.
وهناك أمر آخر في الآية وهو أنه قال (إن يردن الرحمن بضر) فأدخل الباء على الضر ولم يقل (إن يرد الرحمن بي ضراً) وكلاهما تعبير فصيح تقول (أراد به رحمة) و (أراده برحمة). قال تعالى (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة (17) الأحزاب) فأدخل الباء على ضمير المخاطبين فما الفرق؟
جاء في التفسير الكبير: "قال (إن يردن الرحمن بضر) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وكذلك قال تعالى (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره) ولم يقل إن أراد الله بي ضراً نقول: الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بحرف كاللازم يتعدى بحرف في قولهم ذهب به وخرج به ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف ما هو أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف. فإذا قال القائل مثلاً: كيف حال فلان؟ يقول اختصه الملك بالكرامة والنعمة. فإذا قال كيف كرامة الملك؟ يقول اختصها بزيد فيجعل المسؤول عنه مفعولاً بغير حرف لأنه هو المقصود. إذا علمت هذا فالمقصود فيما نحن فيه بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البؤس والرخاء. وليس الضر بمقصود بيانه كيف والقائل مؤمن يردو الرحمة والنعمة بناء على إيمانه بحكم وعد الله. ويؤيد هذا قوله من قبل (الذي فطرني) حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فكذلك جعلها مفعول الإرادة وذكر الضر وقع تبعاً. وكذا القول في قوله (إن أرادني الله بضر) المقصود بيان أنه يكون كما يريد الله وليس الضر بخصوصه مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال تعالى (أليس الله بكاف عبده) يعني هو تحت إرادته ويتأيد ما ذكرناه بالنظر في قوله تعالى (من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً) حيث خالف هذا النظم وجعل المفعول من غير حرف السوء وهو كالضُرّ والمفعول بحرف هو المكلف. وذلك لأن المقصود ذكر الضر للتخويف وكونهم محلاً له. وكيف لا وهم كفرة استحقوا العذاب بكفرهم فجعل الضر مقصوداً بالذكر لزجرهم. فإن قيل: فقد ذكر الله الرحمة أيضاً حيث قال (أو أراد بكم رحمة) نقول المقصود ذلك ويدل عليه قوله تعالى من بعده(ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيرا) وإنما ذكر الرحمة تتمة للأمر بالتقسيم الحاصر وكذلك إذا تأملت في قوله تعالى (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعا) فإن الكلام أيضاً على الكفار وذكر النفع وقع تبعاً لحصر الأمر بالتقسيم".
والذي يبدو لي غير ذلك فإن الذي يظهر من التعبير القرآني أن ما تتصل به الباء هو الذي عليه السياق وهو مدار الكلام وهو الأهم فيه.
قال تعالى (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) الأحزاب) فقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين (بكم) لا بالسوء. والكلام يدور على المخاطبين والسياق عليهم وذلك من الآية الثانية عشرة حتى الآية العشرين. قال تعالى (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)) فقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين لأن الكلام يدور عليهم.
وقال تعالى (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) الفتح) وقد اتصلت الباء بضمير المخاطبين أيضاً وذلك أن الكلام والسياق يدوران عليهم قال تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) الفتح)
وقال (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (70) الأنبياء) واتصلت الباء بضمير الغيبة (به) ولم تتصل بالكيد. والكلام على سيدنا إبراهيم عليه السلام وذلك في أكثر من عشرين آية من الآية (51 – 72).
في حين قال (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر) فقد اتصلت الباء ههنا بالضر وبالرحمة ولم تتصل بالضمير فقد قال (إن أرادني الله بضر – أو أرادني برحمة) ولم يقل إن أراد بي ضراً أو أراد بي رحمة وذلك أن الاهتمام والعناية بالضر والرحمة ويدلك على ذلك أنه عقب على ذلك بكشف الضر أو إمساك الرحمة فقال (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) والسياق إنما هو في ذلك والاهتمام به فقد قال تعالى (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) فالكلام على المعتقدات لا على الأشخاص.
وقال (وإن يردك بخير فلا راد لفضله (107) يونس) فقد اتصلت الباء بالخير لا بضمير الخطاب فقال (وإن يردك بخير) ولم يقل وإن يرد بك خيراً وذلك أن الكلام إنما هو في هذا الأمر والسياق عليه قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) فالكلام على الضر والخير وما يتعلق بكشفهما أو ردهما لا على الأشخاص وذلك قال (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله). فليس أحد يكشف الضر إلا هو ولا أحد يملك أن يرد خيره تعالى ولذلك عقّب بقوله (فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده). وقد قال قبل هذه الآية (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) فالكلام في النفع والضر كما ترى وإيصالهما أو دفعهما. وفي هذه السورة أعني سورة يس وصل الباء بالضر فقال (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا هم ينقذون) ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً وذلك أن الكلام على الضر وهو مدار الاهتمام ولذلك عقب بكشف الضر وإزالته فقال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) أي لا يدفعون الضر عني ولا ينقذونني منه. فاتضح بذلك أن الباء تتصل بما هو أهم في السياق وعليه الكلام والله أعلم.

(لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون)

بيّن أن آلهتهم ليس لها جاه ولا قدرة. فكونها لا تنفع شفاعتها شيئاً معناه أنه ليس لها جاه. وكونها لا تنقذ من يعبدها ويلتجئ إليها معناه أنها ليس لها قدرة فكيف يعبدون آلهة هذه صفتها؟!
ثم بيّن أنها بمجموعها ليس لها مكانة ولا جاه وأنها بمجموعتها ليس لها قدرة فلو أن آلهتهم جميعها شفعت عند الله لم تغن شفاعتهم شيئاًز ولو أن جميعها أرادت أن تنقذه لم تستطع فما أتفه وأضهغ هذه الآلهة!.
لقد قدم الشفاعة على القدرة لأن هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة فإن من استعان بشخص على آخر يشفع أولاً عنده فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً لجأ إلى القوة وليس العكس. جاء في التفسير الكبير:" ثم قال (لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) على ترتيب ما يقع من العقلاء. وذلك لأن من يريد دفع الضر عن شخص أضر به شخص يدفع بالوجه الأحسن فيشفع أولاً فإن قبله وإلا يدفع فقال (لا تغن عني شفاعتهم) ولا يقدرون على إنقاذي بوجه من الوجوه".
وجاء في روح المعاني:" وهو ترقٍ من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولاً بنفي الجاه وذكر ثانياً إنتفاء القدرة وعبّر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته!"
فاستبان من هذه الآيات أن الله مستحق للعبادة من كل وجه:
1. أنه فطر الخلق
2. وأنه يرسل الرسل إليهم ليرشدوهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم
3. إليه المرجع والمصير فيعاقب المسيء ويكافئ المحسن
4. أنه رحيم بعباده (إن يردن الرحمن)
5. أنه قوي مقتدر ليس لقدرته حدود
6. وأن ما يدعون من دونه ليس لهم جاه وليس لهم قدرة وإن اجتمعوا
جاء في التفسير الكبير:" وفي هذه الآيات حصل بيان أن الله تعالى معبود من كل وجه. إن كان نظراً إلى جانبه فهو فاطر ورب مالك يستحق العبادة سواء أحسن بعد ذلك أو لم يحسن. وإن كان نظراً إلى إحسانه فهو رحمن وإن كان نظراً إلى الخوف فهو يدفع ضره وحصل بيان أن غيره لا يصلح أن يعبد بوجه من الوجوه فإن أدنى مراتبه أن يعد ذلك ليوم كريهة وغير الله لا يدفع شيئاً إلا غذا أراد الله وإن يرد فلا حاجة إلى دافع".

(إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24))

أي إن اتخذت من دونه آلهة فإني إذاً في ضلال ظاهر لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل وهو لا يعني بهذا القول نفسه فقط وإنما يريد بذلك المخاطبين أيضاً. والمعنى إن اتخذتم آلهة هذا شانها وتركتم فاطركم وخالقكم فأنتم في ضلال ظاهر وقد أجرى القول على نفسه ولم يواجههم بذاك لئلا يثير استفزازهم وعصبيتهم وليستعملوا عقولهم وتفكيرهم لعلهم يرجعون إلى الحق. وقد أكد العبارة بـ(إن واللام) ووصف الضلال بأنه مبين غير خفي لأنه إن فعل ذلك كان كذلك حقاً ولأن المقام يستدعي هذه التأكيدات مع ظهورها لأن المخاطبين ينكرون ذلك أشد الإنكار على ظهوره ووضوحه.
 
أختنا الفاضلة / سمر

لماذا لم تضعي هذه اللمسات الخاصة بسورة "يس" بملف وورد؟
 
بارك الله فيك أخي الفاضل يحيى على رأيك وإن شاء الله عندما يكتمل ما أنقله للأخت الفاضلة أمة الوهاب سأجمع ما نقلته في ملف واحد وأضعه بين أيديكم. السورة ليست كاملة ونحن بانتظار عودة الدكتور فاضل ليستكمل اللمسات البيانية في السورة.
أرجو أن تصبر قليلاً فلم يبق إلا بعض الصفحات ثم أجمعها وأضعها على ملف وورد للجميع بإذن الله تعالى
 
اثابك الله خير الثواب .واعاد الله الدكتور بسلامة وعافية .
نحن دائما في انتظار المزيد .
 
تم الانتهاء من نقل الصفحات التي تحتاجها أختي الفاضلة أمة الوهاب وقد جمعتها في ملف وورد مع ما ذكره الدكتور فاضل في برنامج لمسات في الآيات الأولى من السورة فأسأل الله تعالى أن ينفعكم بهذا الملف ولا تنسوا الدكتور فاضل ولا تنسوني من دعوة صالحة بظهر الغيب بارك الله فيكم ونفع بكم.

ومرفق أيضاً آخر تحديث لملف سورة التوبة
 
جزاك الله خيرا يا سمر على هذا العمل المفيد حقا.

ولي ملاحظة إلى العضو الذي سمى نفسه (يسعد صباحك): قرأت تعقيبك في منتصف الليل، فلم أجد معنى لاختيارك لهذا المعرّف :)

فلم لا تختار معرّفا أفضل من هذا؟ لم لا تكتب باسمك الحقيقي؟

مع خالص التحية والتقدير.
 
وجزاك خيراً مثله أخي الفاضل محمد على تشجيعك ودعائك وهذا يشد من عزيمتي لنقل المفيد النافع للجميع فلله الحمد والفضل والمنة أن فتح لي هذا الباب لعله يكون حجة لي لا حجة عليّ يوم لا ينفع مال ولا بنون
 
جزاكِ الله خيرًا أختنا الكريمة

و بالنسبة لسؤال الأخ / محمد بن جماعة عن أخينا / يسعد صباحك أقول :

لعله الأخ الفاضل نفسه المشارك ببوابة داماس و له من المشاركات هناك ما يسعد نهارنا كله. ( ابتسامة )

هذا احتمال قوي عندي، و الله أعلم.
 
جزاكِ الله خيرًا أختنا الفاضلة و أحسن الله إليكِ

استمري، فالمتابعة مستمرة.
 
جزاكِ الله تعالى خيرًا

و الله إنها لمن أنفع الملفات على الجهاز.

أسأل الله أن يثيبكِ عنَّا خيرًا
 
اختي الفاضلة

اختي الفاضلة

بارك الله فيك على هذا المجهود
 
عودة
أعلى