﴿وعلى الذين يطيقونه﴾

إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
يقول حسنين مخلوف (ت:1410هـ) : " { وعلى الذين يطيقونه فدية } ذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن هذه الآية منسوخة ، ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية كان من شاء منا صام ومن شاء أفطر ويفتدي ، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }أي أنها نسخت هذا التخيير . وذهب ابن عباس إلى أنها محكمة غير منسوخة – كما رواه البخاري وأبو داود وغيرهما – وأنها نزلت في الشيخ الكبير الهرم والعجوز الكبيرة الهرمة ، اللذين لا يستطيعان الصوم ، فعليهما إطعام مسكين عن كل يوم . وذهب آخرون إلى أنها غير منسوخة ، وأن المعنى : وعلى الذين يصومونه مع الشدة والمشقة إذا أفطروا فدية ، فتشمل الآية من ذُكِر ، والمرضعَ والحاملَ إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، ومن في حكمهما . بناء على أن الوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة ، والطاقة اسم للقدرة عليه مع الشدة والمشقة ، وعلى أنه من أطاق الفعل إذا بلغ غاية طوقه أو فرغ طوقه فيه . ولا تقول العرب : أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في غاية الضعف بحيث يتحمل به مشقة شديدة ، قال الرغب : " الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، ومنه : { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه : لا تحملنا مالا قدرة لنا به ". وفي اللغة : الطاقة أقصى الغاية ، وهي اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله الإنسان بمشقة . والطاقة اسم يوضع موضع المصدر ، وهو الإطاقة ، كالطاعة.
وقيل : يجوز أن تكون الهمزة في أطاق للسلب ، كأنه سلب طاقته بأن كلف نفسه المجهود ، فسلب طاقته وقدرته عند تمامه " .
 
الآية الكريمة بين النسخ والإحكام

الآية الكريمة بين النسخ والإحكام

من خلال الآثار الصحيحة يتبين أن السلف اختلفوا - في بَيَانِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} - بين النسخ وعدمه ، مما يدفع للتحقق في المسألة عن كثب .
فأول ملاحظة تستدعي الانتباه هي الترتيب المنطقي للأحكام الوردة في الآيتين الكريمتين : كتب عليكم الصيام – فمن كان منكم مريضا أو على سفر – وعلى الذين يطيقونه .
فالبداية تأتي بفرضية الصيام على الجميع {كتب عليكم الصيام} ، بعدها بين الله تعالى حكم المريض والمسافر ، وفي المرتبة الثالثة بين سبحانه حكم الذين يطيقون الصيام .
من خلال هذا الترتيب يتبين أن درجة الذين يطيقون الصيام هي الأضعف ، حيث عوض صيامهم بالفدية .
إذا تقرر ذلك فالآية لم ينسخ حكمها ، كما جاء في صحيح البخاري : " عَنْ عَطَاءٍ ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ، يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلاَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: « لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا ، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا » .
وفي صحيح البخاري أيضا : "« وَأَمَّا الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، خُبْزًا وَلَحْمًا ، وَأَفْطَرَ» " .
من خلال ما تقدم يتبين أن الآثار الصحيحة تؤكد السير المنطقي للآية الكريمة في ترتيب الأحكام من العام إلى الخاص .
إذا تقرر ذلك ، فكيف نفهم النسخ الوارد في شأن الآية الكريمة من خلال الآثار الصحيحة :
أخرج البخاري : " حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَنَسَخَتْهَا : {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ " .
وأخرج مسلم في صحيحه : " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ ، حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا " .
إن ما ذكر من النسخ هنا يرجع إلى حالة المخاطبين وليس إلى النص ، لأن في بداية الأمر لم يتعود الناس على الصيام فكان شاقا عليهم فانطبق عليهم حكم الفدية ، فحالتهم آنذاك حالة الذين يطيقون الصيام ولا يستطيعونه ، لكن عندما استأنس الناس بالصيام وتيقنوا أن شهر رمضان شهر الصيام سهل عليهم الأمر وتعودوا عليه . وبهذا تكون حالتهم طارئة ، وتبقى الآية الكريمة ﴿وعلى الذين يطيقونه﴾ آية محكمة غير منسوخة .

والله أعلم وأحكم
 
أحسن الله إليكم شيخنا الكريم
وأود أن أضيف مصداقا لما تفضلتم به ، بأن ظهور نوازل شرعية بينت استجداد حالات لمن يطيق الصيام ولكن لا يستطيع ، فسكان أقصى شمال الكرة الأرضية مثلا في شمال روسيا وكندا ومن في حكمهم لا يمكث الليل سوى اربع ساعات وربما أقل مما يصبح معه الصيام مشقة كبيرة وخاصة على كبار السن دون العجز وعلى الكاسبين من العمال الذين يبذلون جهدا بدنيا قاسيا في تحصيل رزقهم وفي صيامهم مشقة وفوات مصلحة معيشية ، فهؤلاء يطيقونه ولا يدخلون في حكم المرضى والمسافرين فيكون هذا الحكم منطبقا عليهم والله تعالى أعلم.
 
يقول القرطبي (ت:671هـ) : " فقد ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الآية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق من ذكر. والقول الأول صحيح أيضا ، إلا أنه يحتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص ، فكثيرا ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه ، والله أعلم " .
 
إذا كان ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ بمعنى الصعوبة أو المرض فلا يكون هناك داعي للذكر ﴿مَرِيضًا﴾ قبله، لأنه لو الأمر كان كذلك لدخل معنى ﴿مَرِيضًا﴾ في ﴿يُطِيقُونَهُ﴾. أما سبب ذكر ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ بعد ﴿مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ لأنه مسألة مختلفة، لا يتعلّق بالمرض ولا السفر ولا تعويض الأيام، بل متعلّق بأشخاص يستطيعون الصيام، يختارون بين الصيام أو الفدية، ويكون معنى ﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ بمعنى أنه أحسن لك أن تصوم ولكنك لديك الخيار لعدم الصيام وفدية طعام مسكين.
أنا كنت أبحث في هذا الموضوع لمدّة طويلة (لأنها متعلّقة بمسألة الناسخ والمنسوخ الذي أنا أنكر معظم الأقوال فيها)، وقد كنت متشتّتا ولا أعرف ما هي الرأي الصواب. لكن فعلا السؤال الذي لدي هو: هل يوجد أي مجال لتفسير معنى "يطيق" بمعنى الصعوبة؟ كيف قد فُسِّر الكلمة بمعاني تتناقض تماما؟ الصعوبة ضد الاستطاعة، واستعمال الطاقّة في القرآن تكون بمعنى الاستطاعة.
 
من يطيق الصيام ويختار الفدية هو من يكون لديه سبب آخر غير المرض والسفر ، لأن كلا الحالتين مؤقتة ومحدودة بزمن وتنتهي ولكن الحالات التي (يطيق) فيها المسلم الصومَ ولكنه لا يستطيع تأديته لعامل غير متعلق به هو (كالسفر والمرض) بعامل آخر خارج عن ارادته كالحالات التي ذكرناها ممن يسكنون مناطق يمتد فيها الليل أشهرا تغيب فيها الشمس ويمتد فيها النهار أشهراً كأقطاب الأرض وغير ذلك من النوازل التي لم تظهر إلا مؤخراً ، أما مسألة النسخ فهو قول باطل من اوله إلى آخره فلا يوجد في كتاب الله حكم أو آية باطلة وحاشا لله.
 
كنت لا أريد الدخول معك في نقاش (لشذوذ آرائك عن أهل السنة، واستعمالك لأوصاف مشبوهة مثل "وهابيين") لكن ما دام سؤالك لغويا فقد أجيبك بإذن الله.
الصعوبة عكسها السهولة. الاستطاعة عكسها العجز.
فبهذا يزول الإشكال الوارد في جملتك الأخيرة.
ثانيا: أجل، هناك مجال لتفسير "يطيق" بمعنى الصعوبة والمشقة.
والمعنى مذكور في بداية الموضوع بالفعل:
"الطوق الطاقة أي أقصى غايته، وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه"
لسان العرب (10/ 233)
فالكلمة مرتبطة بـ "أقصى الممكن"، وهو الشاق الذي يسبق مرتبة العجز بقليل.
قال ابن عاشور: "الطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز، ولذلك يقولون فيما فوق الطاقة: هذا ما لا يطاق"
وقيل أيضا: "أما الطاقة فهي آخر درجات القدرة فليس بعدها إلا العجز المطلق، كأنها آخر طاقة أي فتلة من الطاقات التي يتألف منها الحبل"
تفسير المنار (2/ 327)
وكأنه يشير لـ "الطاقة: شعبة من ريحان أو شعر وقوة من الخيط أو نحو ذلك" (لسان العرب) (10/ 233)
لكن ربما يعود أصل المعنى لكلمة "طوق" بمعنى ما يحيط بالعنق، إما لما فيه من تطويق بحبل مثلا (مشقة)، أو تطويق وإحاطة تامة (تضييق)
 
أي فعل هو تفعيل لمصدره، أي أن العبارة سواء جاءت بصيغة الفعل أو بصيغة المصدر فالمعنى واحد، مثلا : فعل أطاع ، مصدره طاعة ، فسواء قلت : يا فلان أطع والديك ، أو قلت : يا فلان أوصيك بطاعة والديك، المعنى واحد سواء باستعمال الفعل أو باستعمال المصدر، وهكذا كل فعل يعبر عن مصدره.
فعل أطاق مصدره طاقة، الطاقة هي الجهد، أصحاب طالوت قالوا : لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ. أي لا جهد لنا اليوم بجالوت وجنوده.
إن استعملت الفعل ( أطاق) أو المصدر (طاقة) فالمعنى واحد :
أبدل طاقة في صعود الجبل = أطيق صعود الجبل.
ترسخ في أذهان الناس أن أطاق يعني استطاع، هذا غير صحيح، والصواب أنه يعني بجهد استطاع= بعد بذل مجهود استطاع ، لا أقول : أطيق النزول من أعلى الجبل وإنما أستعمل فعل أطاق في الصعود، فأقول : أطيق صعود الجبل
كذلك إن استعمل فعل أطاق في الصيام فهو يعني يبذل مجهودا في الصيام، الذي يقضي يوم رمضان صائما وهو في مكتب مكيف لا يقال عنه إنه يطيق الصيام، فالذي يطيق الصيام هو الحداد الذي يعرض جسمه لحرارة النار فيصوم بجهد ومشقة، وعامل الفرن، وهكذا كل شغل شاق.
 
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في القواعد الحسان
ولمّا ذكرَ الله النسخ أخبرَ عنْ كمالهِ قدرتهِ وتفرّده بالملك. فقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة:106-107] وفي هذا ردٌّ على مَنْ أنكرَ النْسخَ كاليهود، وأنَّ نَسْخَهُ لِما يَنْسخهُ مِنْ آثارِ قُدْرتهِ وتمامِ مُلْكهِ، فإنّهُ تعالى يتصرّفُ في عبادهِ، ويحكمُ بينهم بأحكامهِ القدرية وأحكامهِ الشرعية، فلا حَجْرَ عليهِ في شيءٍ مِنْ ذلك. انتهى .
 
ما هو وجه الاستدلال بذلك على النسخ ؟؟
حسناً سنأتي بطامة ونقول الله يتحكم في ملكه ونستشهد بهذه الآية العامة التي لا تشير للنسخ لا من قريب ولا من بعيد مع كامل احترامي لك وللشيخ السعدي ، فضلا عن ان اليهود لا يقولون بعدم جواز النسخ ، فهذه كتبهم وتوراتهم اخرجوا لنا هذا القول منها
 
كيف تقول أن الآية 106 لا تشير للنسخ من قريب ولا من بعيد؟! اقرأها من أولها!
مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أما النسخ عند اليهود ففيه خلاف بين طوائفهم. انظر
https://vb.tafsir.net/tafsir36015/
وانظر
ABROGATION OF LAWS - JewishEncyclopedia.com
لكن مقصود المفسرين عندما يتكلمون عن عدم تجويز اليهود للنسخ هو: اعتراض اليهود على عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.. أي الاعتراض على نزول شرائع جديدة تنسخ بعض شرائع التوراة.
 
لكل أمر استثناءات تعفي منه المأمور به مؤقتا أو تعفيه نهائيا، فالأمر بالصيام له ثلاث حالات ممكنة للاستثناء ، إثنان منها بصفة مؤقتة هما المرض والسفر، والحالة الاستثنائية الدائمة هي حالة المشقة ، ككبار السن الذين يرهقهم الصيام ، أو أصحاب المهن الشاقة ، هؤلاء هم الذين قيل فيهم : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
لا علاقة للآية بالنسخ ، يمكننا أن نجد كثيرا من الأمور في واقع حياتنا لها نفس الثلاث حالات الاستثناء ، مثلا : أراد الأب أن يكلف أبناءه بأمر ما ، فوجد ابنه الأكبر هو الذي ليس له شيء يشغله عن تنفيذ المهمة ، فأمره بها، أما ابنه الثاني فلا يمكنه أن يفعل ما أمر به لأنه مريض حتى يتعافى، وأما الإبن الثالث فهو مسافر إلى أن يعود من سفره، وأما الرابع فله عمله الذي هو منهمك فيه، هذا الأخير له خياران : إما أن يساهم بقدر من المال عوضا عنه أو يضيف إلى عمله العمل الذي أمره أبوه به، وفيه هذه الحاله سيقدر له أبوه إقباله على تنفيذ الأمر رغم أنه سيزيده مشقة.
 
عودة
أعلى