معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27).

*قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.

قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.

قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألمتر}، وهذا الاستفهامتقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.

قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
(ألمترواكيفخلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
قاله الطبري في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.

ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

*قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

*قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.

قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.

قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.

*قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.

يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.

ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهومنالمختصر.

*قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.

قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.

*قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.

وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.

*قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.

قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.

والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.

قال امرؤ القيس (يصف حمارا):
كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه. . . كنائِنُ يَجْرِي فَوقَهُنَّ دَلِيصُ.

فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.

قال القصاب في النكت: يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:{جُدَدٌبِيضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،بيضوسُودوحمر، واحدها جُدّة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.

*قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.

يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.

*قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.

يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.

*قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.

قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.

*قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.

*قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.

ومنه قول القائل، يصف العنب:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.

قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.

قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.

*قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.

وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.

والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.

قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.

قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.

قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.

قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.

قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.

*نكتة:*

قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.

قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.

قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.

قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.

قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.

انتهى

*المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*

﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*لطائف الكتاب العزيز:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

*قوله {يَتَّقي بِوَجهِهِ}:* يعني يدفع النار بوجهه، ولا يتهيأ له أن يتقيها بغيره. فأين يداه إذاً؟.

فإن قلت: لم يتق النار بيديه كما كان الحال في الدنيا، فمن خاف من شيء دفعه بيده؛ بدلا من وجهه الذي هو أكرم أعضاءه؟

فالجواب: إنما يتقي النار بوجهه لأن يديه مغلولتان، أي مقيدتان، ومربوطتان؛ وذلك أن الكافر يلقى في النار مكتوفا مربوطة يداه إلى رجليه مع عنقه ويكب على وجهه، فليس له شيء يتقي به إلا الوجه الذي هو أشرف أعضائه.

ألا ترى إلى قوله تعالى {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي قيدوه بالأغلال، أي اجمعوا يديه إلى عنقه بالأغلال، يفسرها قوله تعالى {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}.

قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والمظهري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والشوكاني في فتح القدير: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي اجمعوا يديه إلى عنقه.

زاد الشوكاني: بالأغلال.

قال السمعاني في تفسيره: هو من غل اليد إلى العنق.

قال السعدي في تفسيره: فجعليتقي بوجههالذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهويتقيفيهسوءالعذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه.

انتهى

فقوله تعالى {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ:} وهو المشرك الذي غلّت يداه.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

قال أبو السعود في تفسيره: لكون يده التي بها كانيتقيالمكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه.

قال الزمخشري في الكشاف: ومعناه: أن الإنسان إذا لقى مخوفا من المخاوف استقبله بيده، وطلب أن يقي بها وجهه، لأنه أعز أعضائه عليه والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه، فلا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه الذي كان يتقى المخاوف بغيره، وقاية له ومحاماة عليه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: ومعنى {يتقي} يلقى النار بوجهه ليكفها عن نفسه، وذلك أن الإنسان إذا لقي شيئا من المخاوف استقبله بيديه، وأيدي هؤلاء مغلولة، فاتقوا النار بوجوههم.

قال الواحدي في الوجيز: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} وهو الكافر يُلقي في النَّار مغلولاً فلا يتهيَّأ له أن يتَّقي النَّار إلاَّ بوجهه.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {يتقي بوجهه} : يلقى في النار مغلولا، فيتلقاها بوجهه.

قال الراغب الاصفهاني في المفردات: ويقال: اتَّقَى فلانٌ بكذا: إذا جعله وِقَايَةً لنفسه، وقوله: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [الزمر/ 24] تنبيه على شدّة ما ينالهم، وأنّ أجدر شيء يَتَّقُونَ به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم، فصار ذلك كقوله: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله عز وجل: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} يعني: أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر. يعني: هل يكون حاله كحال من هو في الجنة. يعني: ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه، كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليسا سواء.

قال الزجاج في معاني القران: وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه.

استطراد:

قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}: قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: الغل: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه. والجمع أغلال.

قال الواحدي في الوجيز: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} أراد: في أعناقهم وأيديهم لأنَّ الغلَّ لا يكون في العنق دون اليد.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: لا يكون الغل في العنق دون اليد ولا في اليد دون العنق، فالمعنى إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيمانهم أغلالا. (فهي إلى الأذقان).كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن، والعنق هو مقارب للذقن، لا يجعل الغل العنق إلى الذقن.

وكما قال {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}: إذ الأغلال في أعناقهم يعني: ترد أيمانهم إلى أعناقهم والسلاسل يسحبون يعني: تجعل السلاسل في أعناقهم، يسحبون، ويجرون، في الحميم يعني: في ماء حار، قد انتهى حره.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: فَالْغُلُّ مختصّ بما يقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أَغْلَالٌ، وغُلَّ فلان: قيّد به. قال تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

أيستوى هذا الذي هداه الله، ووفقه في الدنيا وأدخله الجنة في الآخرة، ومن كفر ومات على كفره فأدخله النار مغلول اليدين والرجلين، لا يستطيع أن يتقي النار إلا بوجهه المُكَب عليه؟! وقيل للظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي على سبيل التوبيخ: ذوقوا ما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي، فهذا جزاؤكم.
............

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25].

*قوله {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}:* أي واضعة ثوبها على وجهها، قد استترت به.

قال الطبري في تفسيره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها.

قال الجرجاني في درج الدرر: {تَمْشِي عَلَى اِسْتِحْياءٍ:} متستّرة بكمّها وذيلها.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قد سترت وجهها بكم درعها.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: مستحيية متسترة بكم درعها.

قال بن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ} قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {على استحياء} أي خَفِرةٌ (1)، قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا (2) من النساء ولاجة خراجة.

فائدة:

قال القصاب في النكت: وقوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}
دليل على أن من تطوع بعمل لآخر فعليه أن يعطيه أجره، إلا أن يمتنع من أخذه، ويحتمل أن لا يكون فرضا، ولكنه في أخلاق المروة والديانة أن يعرض عليه فإن امتنع العامل كان صاحبه قد قضى ما عليه من حق المروة والديانة.
.......................

(1): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزدي في جمهرة اللغة: وامرأة خَفِرةٌ: حيية.

إلا أن الخليل قال: الخفر: شدة الحياء، وامرأة خَفِرةٌ: حيية مُتَخَفِّرةٌ.

قال ثعلب في الفصيح: وخفرت المرأة: إذا استحيت تخفر خفرا وخفارة.

(2): السَلْفَعُ من النساء: الجريئة على الرجال.

قال ابن السكيت في كتاب الألفاظ: السلفع: والجريئة البذيئة.

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وامرأةٌ سَلْفَعٌ: أي سَليطةٌ.

وفي شمس العلوم للحميري: السَلفع: المرأة الجريئة السليطة.

وقال ابن قتيبة في غريب الحديث: والسلفعة: الجريئة واكثر مَا يُقَال: السلفع بِلَا هاء لِأَنَّهُ اكثر مَا يُوصف بِهِ.

وقال الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس: السَّلْفَعُ من النِّساءِ: الصَّخَّابَةُ البَذيئَةُ السَّيِّئَةُ الخُلُقِ.

.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: 6].

*قوله {دافِقٍ}:* مدفوق. يعني: مدفوع مصبوب بشدة.
وهو فاعل بمعنى مفعول، كما يقال: مكان عامر: يعني معمور. وغامر يعني: مغمور.

قال الجرجاني في التعريفات: الدفق:هوالصببشدة.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: دفقالماء: صبه. يقال دفق الماء فهو مدفوق، أيمصبوب.

قال القرطبي في تفسيره: والدفق: صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا: صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، كما قالوا: سر كاتم: أي مكتوم، لأنه من قولك: دفق الماء، على ما لم يسم فاعله.

قال البغوي في تفسيره: وأراد ماء الرجل وماء المرأة لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحدا لامتزاجهما.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {دافِقٍ}: مدفوق.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، والسيوطي في الإتقان، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم جمع.

إلا أن الواحدي قال: {خلق من ماء دافق}:مدفوقمصبوبفي الرحم يعني: النطفة.

وزاد البغوي: أيمصبوبفي الرحم، وهو المني، فاعل بمعنى مفعول.

وزاد غلام ثعلب: في معنى:مدفوق، وهومما جاء على لفظ الفاعل وهو مفعول به.

قال الطبري في تفسيره: يعني:منماءمدفوق، وهو مما أخرجتهالعرب بلفظفاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثرمنيستعمل ذلكمنأحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سر كاتم، وهم ناصب، ونحو ذلك.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ}: راضِيَةٍ: مرضية.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والقشيري في لطائف الإشارات، والزركشي في البرهان، والشوكاني في فتح القدير.

إلا أن الزركشي قال: أي: مرضية بها وقيل على النسب أي: ذات رضا وهو مجاز إفراد لا تركيب.

إلا أن ابن أبي زمنين قال: أي:مرضيةقد رضيها.

وزاد البغوي: فيالجنة.

ومنه {قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ}: لا عاصِمَ: لا عاصِمَ: لا معصوم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسيوطي في الإتقان.

إلا أن ابن قتيبة قال: لا معصوم اليوم.

ومنه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}: آَمِنًا: أي مأمونا فيه.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والزركشي في البرهان، والكفوي في الكليات.

إلا أن الزركشي قال: وقوله: {أنا جعلناحرماآمنا} أي:مأمونا، وعكسه: {إنه كان وعده مأتيا} أي: آتيا.

ومنه ما رواه مسلم (١٨٧٦)، من حديث أبي هريرة، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ،....» فَهُوَ عَلَيَّضَامِنٌ: أي مضمون.

قال في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: ((فهو عليضامن)) أيمضمون.
...........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾ [الكهف: 19].

*قوله {بَعَثناهُم}:* أحييناهم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والواحدي في الوسيط، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.

إلا أن أبا عبيدة قال: «وكذلكبعثناهم»: أيأحييناهم، وهو من يوم البعث.

وزاد ابن قتيبة: من هذه النومة التي تشبه الموت.

قال الجرجاني في درج الدرر: و (البعث) في اللغة تهييج وإثارة، وهو مستعمل في الإحياء وإنفاذ الرسول وتأمير الأمير وتوجيه الجند ونحوها.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: وأصل البعث الإثارة للشيء من محله وقد تكون عن إغماء ونوم، ولهذا قيد البعث بالموت.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: يعني بقوله: (ثم بعثناكم) ثم أحييناكم.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}: (والمَوتَى يَبعَثُهم اللَّهُ): أي يحييهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

مسألة:

قلت (عبدالرحيم): فإن قلت: ما وجه الإحياء هنا، وقد كانوا نياما، ولم يموتوا بعد؟

قلت: ألم ترى أن الله قال: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}: فقوله {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ}: يعني: ثم يحييكم بالنهار؛ ولأن النوم يشبه الموت. فعبر عن الإحياء بالبعث، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من نومه قال: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا...». شطر من حديث رواه مسلم (2711)، من حديث البراء بن عازب.

فالبعث: الإحياء، ومنه سمي يوم القيامة يوم البعث، ومنه قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: فهذا يوم الإحياء الذي كنتم تنكرون أن الله يحييكم ويجمعكم فيه.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: البعث: الإحياء.

قال في الغريبين في القرآن والحديث: وهو قوله تعالى: {ثميبعثكم فيه} أييحييكم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ثميبعثكمفيه} أي:يبعثكمفي النهار من نومكم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ثميبعثكمفيهيعني: من النوم في النهار ويرد إليكم أرواحكم.

*قوله {لِيَتَساءَلوا بَينَهُم}:* ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {لَبِثتُم}:* أي أقمتم، ومكثتم.

واللُبْثُ: المكث، والإقامة. يقال: لبث في المكان أي مكث وأقام به.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: لبث: اللَّبْث: المُكْثُ، ولَبِثَ لَبْثاً.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ. يُقَالُ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ.

قال الحميري في شمس العلوم: لبِثَ: اللبث: الإِقامة.

قال الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن: لبث في المكان: أقام به.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}: أي مقيمين، وماكثين، ومستقرين في جهنم أزمنة لا تنتهي.

قال الألوسي في روح المعاني: أي مقيمين في جهنم ملازمين لها.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {لابثين فيها أحقابا} يعني: ماكثين فيها أبدا دائما.

ومنه {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَام}: كَمْ لَبِثْتَ: كم أقمت ومكثت ها هنا؟.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال الجرجاني في درج الدرر: {كم لبثت}: أقمت بمكان أو على حال.

وقال الكفوي في الكليات: كم مكثت.

ومنه {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}: لَمْ يَلْبَثُوا: لم يقيموا في الدنيا.
قاله أبو حيان في البحر المحيط.

ومنه {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: فَقَدْ لَبِثْتُ: أَي: فقد أَقمت.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ}: من قبل نزول القرآن أي فقد أقمت فيما بينكم أربعين سنة ولم تعرفوني متعاطياً شيئاً من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت موصوفاً بعلم وبيان فتتهموني بإختراعه.

ومنه {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}: لم يقيموا، أو لم يستقروا.
قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

ومنه {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ: أي أقام به مسجونا.
قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

ومنه{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}: يريد: أقام فيهم يدعوهم إلى الله.
قاله الواحدي في البسيط.

*قوله {بِوَرِقِكُم}:* بفضتكم.

والورِق بكسر، وسكون الراء: الفضة. وكانت نقودهم يومئذ. والورق بفتح الراء: كورق الشجر.

قال الجلال المحلي في الجلالين: بِوَرِقِكُم: بسكون الراء وكسرها بفضتكم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الورق: الفضة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (الورق) الفضة دراهم كانت أو غير دراهم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {بِوَرِقِكُم}: فضتكم.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن كثير في تفسيره، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والبقاعي في نظم الدرر، والإيجي الشافعي في جامع البيان، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن، وغيرهم.

إلا أن العليمي قال: المعنى: فأرسلوا واحدا منكم بفضتكم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {بورقكم} هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.

قال الكفوي في الكليات: {بورقكم} : الوَرِق: الْفضة، مَضْرُوبَة كَانَت أَو غَيرهَا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: اتَّخَذَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ...»: فقوله (من ورق): أي من فضة.
قاله القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.

*قوله {أَزْكى طَعامًا}:* أَزْكى: أَي أحل.

قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

إلا أن المحلي قال: أي أي أطعمة المدينة أحل.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: أحل وأطيب؛ لأنهم كان فيهم من يذبح للطواغيت.

قال البغوي في تفسيره: أي : أحل طعاما، حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل : أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله {أَزْكى طَعامًا}: يعني أحل طعاما. فيه إشارة إلى إلى تطييب المطعم، وإشارة إلى صلاحهم وتقواهم، وذلك لأنهم تواصوا بأكل الحلال الطيب، وتناهوا عن أكل الخبيث، ووجه النهي هنا، أنهم أمروا بأزكى الطعام يعني: أحله وأطيبه، والأمر بالشيء نهي عن ضدده. وما ذاك إلا ببركة إيمانهم بالله، فالايمان له عمله وتأثيره في الجوارح. وهذا من علامة توفيق الله لهم، فلما آمنوا زادهم هدى وتقى، كما قال تعالى {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وكذا أهل الإيمان إلى قيام الساعة، قال تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}.

*قوله {فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ}:* برزق: أي بطعام.

قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والجرجاني في درج الدرر، وغيرهم.

إلا أن الجرجاني قال: {فليأتكم برزق منه}: يقول: طعاما منه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: رِزْقُهُمْ: طعامهم.

قال الطبري في تفسيره: «يقول:ولهم طعامهموما يشتهون من المطاعم والمشارب...».

قال السمرقندي في بحر العلوم: ولهمرزقهمفيهابكرةوعشيا، يعني: طعامهمعلى مقدار البكرةوالعشي، وليس هناكبكرةولا عشي.

*قوله {وَليَتَلَطَّف}:* أي وليترفق. يعني: يتكلف اللطف، ويحرص عليه. وأصل اللطف: الرفق. (1).

والمعنى: وليترفق في أمره عامة، وأمر الشراء خاصة؛ كي لا يفطن إليكم أحد.

قال الجرجاني في درج الدرر: {وَلْيَتَلَطَّفْ} في الشراء.

قال الثعلبي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في تفسيره : وليتلطف: وليترفق في الشراء، وفي طريقه، وفي دخول المدينة.

زاد العليمي: حتى لا يطلع عليه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: وليتلطف، أي: وليرفق في السؤال.

قال الجرجاني في درج الدرر: {وليتلطف}: وليتكلف اللطف في القول والعمل؛ كيلا نفتضح.

قلت (عبدالرحيم): وفيه أنه ينبغي: إعمال اللطف، والرفق في الأمر كله عامة، وعند قضاء الحوائج خاصة، وأنه أدعى للسكون وعدم الجلبة.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: تلطَّفَ الشَّخْصُ في الأمر: ترفَّق فيه وعالجه بأدب "تلطَّف في معالجة المشكلة- {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ".

*قوله {وَلا يُشعِرَنَّ}:* ولا يعلمنَّ. وأصل الإشعار: الإعلام.

والمعنى: لا يُعْلِمَنَّ، ولا يُخْبِرَنَّ بكم، ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة، وإن أخذه الشُرَط، وكي لا يفتنا القوم في ديننا، فنفتن جميعا، كما قال تعالى - بعدها - {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}: أي إن يعلموا مكانكم إما يقتلوكم بالرجم، أو يردوكم إلى دينهم.

ولعلهم أرسلوا أجلدهم وأقواهم، دينا وبدناً.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: يقال: شعرت بالأمر، أي علمت به.

قال الزبيدي في تاج العروس: أَصْلُ الإِشْعَار: الإِعْلام.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الاعظم: وأشْعَرَه الأمْرَ وأشْعَرَه بِهِ: أعْلَمَهُ إِيَّاه.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أشعر فلانًا الأمرَ/ أشعر فلانًا بالأمرِ: أعلمه إيّاه " أشعرهُم بالخطر.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}:لا يعلمن.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ويحيى بن سلام في تفسيره، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن،والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمرقندي في بحر العلوم.

إلا أن مقاتلا، والسمرقندي قالا: أي لا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس.

وزاد أبو عبيدة، والزجاج: بكم.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والجرجاني في درج الدرر، وابن كثير في تفسيره: أي ولا يعلمن بكم أحدا.

إلا أن الجرجاني قال: {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً}: يقول: لا يعلمنّ بكم أحدا من المجوس.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الهائم في التبيان: يُشْعِرَنَّ: يعلمنّ.

قال القرطبي في تفسيره: ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن . وقيل : إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ولا يشعرن بكم أحد}: أي لا يعلمن، ويدرين. ومنه قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}: يشعركم: يدريكم.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

وقال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أَي: وَمَا يعلمكم.

ومنه قوله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}: شَعَائِرَ اللَّهِ: ما جعلها الله علامات على تقواه، ونسكه، وشرائعه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: جمع شعيرة وهي العلامة، مأخوذ منالإشعارالذي هوالإعلام، ومنه قولك: شعرت بكذا أي علمت انتهى.

ومنه {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}:* وسمي مشعرا، من الإشعار،الإعلاملأنه من معالم الحج،وأصل الحرام: المنع فلا يفعل فيه ما نهي عنه.
قاله مجير الدين العليمي في تفسيره.

ومنه ما رواه البخاري (1491)، من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»: أَمَا شَعَرْتَ: أي: أما علمت.
قاله ابن المَلَك في شرح مصابيح السنة للإمام البغوي.

قلت (عبدالرحيم): ويؤيده رواية مسلم (1069): "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟».

ومنه ما رواه مسلم (983)، من حديث أبي هريرة مرفوعا: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟»: أما شعرت: يعني: اما علمت.

قال البيضاوي في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: قوله: " يا عمر! أما شعرت " أي: علمت " أن عم الرجل صنو أبيه؟ " أي: مثله.

قال الضرير الشيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "أما شعرت"؛ أي: أما علمتَ، الهمزة للاستفهام، وما للنفي.

ومنه ما رواه البخاري (4178)، من حديث ، وفيه: فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ...». فقوله (وَأَشْعَرَهُ): أي علمه بعلامة، كي يعرف أنه مهدى للبيت الحرام، فلا يختلط بغيره، ولا يتعرض إليه أحد، كما قال تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: أي من علامات تعظيم أوامر الله.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وإِشْعَارُ البُدْنِ: إذا أُهدِيت. وهو أن تطعن في سَنامها، وتُجَلِّلَها وتُقَلِّدَها، لأن ذلك من علامات إهْدَائها.

قال محمد فؤاد عبدالباقي في شرحه على مسلم: وأصل الإشعاروالشعورالإعلاموالعلامة وإشعار الهدي لكونه علامة له ليعلم أنه هدي فإن ضل رده واحده وإن اختلط بغيره تميز.

قال الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره:{من شعائر الله} أعلام دينه.

قال الطبري في تفسيره: «يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم ...».

قال النسفي في مدارك التنزيل: {جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها.
..................................
(1): أنظر المعجم الوسيط.
.................................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].

*قوله {نَزّاعَةً}:* أي قلّاعة.

وأصل النزع: القلع. يعني: جهنم تقلع، وتجذب، وتزيل بقوة وشدة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {نزاعة} يعني: أكالة.

قال التوربيشتي في الميسر شرح مصابيح السنة: وأصل النزع: القلع. يقال: نزعت الشيء من مكانه أي: قلعته.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: وأصل النزع جذب الأشياء من مقارها بقوةٍ.

قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر، وابن منظور في اللسان، والزبيدي في تاج العروس: وأصل النزع: الجذب والقلع.

زاد أبو السعادات: ومنه نزع الميت روحه. ونزع القوس، إذا جذبها.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}: قسم بالملائكة تقلع وتجذب أرواح الكفار بقوة.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: لأنها تقلع أرواح الكفارة بشدة.

ومنه { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}: أي تقلعهم، بعنف من مواضعهم فتطرحهم على رؤوسهم .

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {تَنْزِعُ النَّاسَ} أي تقلَعُهم من مواضعهم.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {تنزع الناس}: تقتلعهم من مواضعهم، وترمي بهم على رؤوسهم، فتدق أعناقهم، وتنفصل عن أجسادهم.

*قوله {لِلشَّوى}:* جمع، مفردها: شواة. وهي: جلود الرؤوس، والأطراف من الآدميين، وكل ما ليس بمقتل من الجسم.

والمعنى: إن لظى، أي: جهنم قلاعة للأطراف كاليدين والرجلين، وجلدة الرأس، أي تبريه وتكشطه دون العظم، فلا تترك بذلك لحما، ولا جلدا، فإذا ذهبت عادت كما كانت {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و: «الشوى» جلد الإنسان.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الشوى أطراف الجسد.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: لجلدة الرأس.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: واحدتها شواة وهى اليدان والرجلان والرأس من الآدميين.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الشوى: الأطراف، كاليد، والرجل.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} يريد: جلود الرؤوس. واحدها: "شواة".

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: نزاعةللشوى، وهي الأطراف: اليدان، والرجلان، وسائر الأطراف.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأعضاء.

قال القشيري في لطائف الإشارات: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأطراف. تكشط الجلد عن الوجه والعظم.

قال الواحدي في الوجيز: {نزاعة للشوى} يعني: جلود الرأس تقشرها عنه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {للشوى}: لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين أوجمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي هي شديدة النزع لجلود الرؤوس بليغته فما الظن بغيره من الجلد.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [النساء: ٥٦].

المعنى الاجمالي للآية ، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].
تفصل جلدة الرأس فصلاً شديدًا من شدة حرّها واشتعالها.
........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ} [ص: 23].

*قوله {إِنَّ هذا أَخي}:* يقول: أخي على ديني.
قاله الطبري في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: {إن هذا أخي}: أي على ديني، وأشار إلى المدعى عليه.

قال البغوي في تفسيره: فقال أحدهما: {إن هذا أخي} أي: على ديني وطريقتي.

قال السعدي في تفسيره: نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

المسألة الأولى: انظر إلى أدب صاحب الدعوى عندما عرض قضيته بأدب من القول حيث قال: "أخي"، فليتق الله عز وجل أقوام بينهم وبين اخوانهم خصومات، فليتلطفوا في عرضهم، ويتقوا الله في الخصومة عسى أن تكون سببا في رد الحقوق و التآلف بين الناس.

أما السباب والفسوق والعصيان في الخصومات وغيرها لا تزيد الحق إلا ضياعا، والناس إلا فرقة.

هذا ومما لا ريب فيه أنه لا بأس أن ينتصر المسلم لحقه ويسعى في تحصيله، كما قال تعالى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}، وسيأتي مزيد تفصيل عند تعرضنا لتأويل سورة الشوى (إن شاء الله)، ولكن هذه إشارة، ووصية عسى أن ينفع الله بها.

المسألة الثانية:

قوله تعالى {إنَّ هذا أَخي}: الأخوة في القرآن على ضربين: أخوة دين، وأخوة نسب.

أما عن أخوة الدين:
فعليها المعول في الولاء والبراء، وهي أثبت وأعظم من غيرها، فكل مؤمن بالله فهو أخ لك تجب موالاته، ومودته، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}،

ومن كان كافرا بالله فلا حظ له من الأخوة وإن كان من أبيك وأمك، وفي ذلك قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}.

وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، فكان منهم تجاه أقربائهم المشركين ما هو معلوم. {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. بغض النظر عن أن يبر المسلم قريبه الكافر إذا لم يكن محاربا. والتفصيل في موطنه.

وأما عن قوله تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}، وقوله {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ}، وقوله {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}: فعني بكل هذا أخوة النسب؛ ولأن كل هؤلاء كذبوا الرسل، كما قال تعالى {كذبت عاد المرسلين}.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: ليس بأخيهم في الدين ولكن أخوهم في النسب.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: {إذ قال لهم أخوهم هود}: أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وإلى عاد} أي: وأرسلنا إلى عاد {أخاهم هودا} أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في الدين.

قال البغوي في تفسيره: أخاهم في النسب لا في الدين.

*قوله {لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً}:* النعجة: أنثى الغنم. والجمع: نعاج.

*قوله {وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ}:* فطمع فيها.
قاله السعدي في تفسيره.

*قوله {فَقالَ}:* أخي صاحب النعاج الكثيرة.

*قوله {أَكفِلنيها}:* أي ضُمَّها إليَّ. يعني: إلى نعاجي. وأصل الكفالة: الضم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن : {فقال أكفلنيها}: أي ضمها إلي واجعلني كافلها.

زاد ابن الهائم: أي الذي يضمها ويلزم نفسه حياطتها والقيام بها.

قال الطبري في تفسيره: وقوله (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا) يقول: فقال لي: انزل عنها لي وضمها إليّ.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أي: ضمها إلي.

قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى (أكفلنيها) انزل لي عنها واجعلني كافلها.

قال الواحدي في الوجيز: {فقال أكفلنيها} أي: انزل عنها واجعلني أنا أكلفها.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدى.

قلت (عبدالرحيم): وأصل الكفالة: الضم. ومنه قوله تعالى - حكاية عن موسى عليه السلام -: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}: يَكْفُلُهُ: يضمه، فيصلح شأنه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ومعنى يكفله: يضمه إليه ويرضعه.

ومنه {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}: أي ضَمَّها إليه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

قال السمعاني في تفسيره: الكفالة: الضم، يعني: وضمها زكرياء إلى نفسه.

قال الكفوي في الكليات: {كفلها زكريا} : ضمها إليه وحضنها.

قال في طلبة الطلبة: الكفالة الضمان من حد دخل وأصلها الضم ومنه قولهم كفل فلان فلانا إذا ضمه إلى نفسه يمونه ويصونه قال الله تعالى {وكفلها زكريا}.

ومنه {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}: يَكْفُلُ مَرْيَم: يضنها إليه، لأنها كانت بنت خيرهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} فيها أيهم يضمها إليه.

*قوله {وَعَزَّني}:* أي وغلبني.

قال الراغب في المفردات في غريب القران: وعَزَّهُ كذا: غلبه.

قال الفراهيدي في العين: والمُعازَّةُ: المُغالَبة في العِزِّ. وقوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} أي غلبني.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وعزه يعزه عزا، قهره وغلبه، وفي التنزيل: (وعزني في الخطاب).

قال في معاني كلمات الناس: العزيز: معناه في كلام العرب: القاهر الغالب. من ذلك قول العرب: قد عز فلان فلانا يعزه عزا: إذا غلبه. قال الله عز وجل: {وعزني في الخطاب} فمعناه: غلبني في الخطاب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّنِي}: أي غلبني.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والتستري في تفسيره، وابن فورك في تفسيره، وابن كثيري في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، وابن الهائم في التبيان.

إلا أن النسفي وابن الهائم قالا: وغلبني.

وزاد ابن قتيبة: في القول. ويقال: صار أعز مني. يقال: عاززته فعززته وعزني.

*قوله {فِي الخِطاب}:* الخِطاب: الكلام، والحوار.

والمعنى: غلبني في الاحتجاج بكلامه، لأنه أقدر على البيان مني. وأصل الخطاب معناه: الكلام.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الخطاب: الكلام بين اثنين.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: خِطَابًا: كلاما.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {خطابا}: كلاما، وسؤالا إلا بإذنه.

ومنه - حكاية عن داود عليه السلام -: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}: الْخِطَابِ: الكلام.

قال برهان الدين الخوارزمي في المغرب في ترتيب المعرب: {وفصل الخطاب}: الكلام البين الملخص الذي يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه والفاصل بين الحق والباطل والصحيح والفاسد.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفصل الخطاب: بلاغة الكلام وجمعه للمعنى المقصود بحيث لا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان، ووصف القول ب (الفصل) وصف بالمصدر، أي فاصل. والفاصل: الفارق بين شيئين، وهو ضد الواصل، ويطلق مجازا على ما يميز شيئا عن الاشتباه بضده.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّني فِي الخِطاب}: أي غلبني في الكلام.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

زاد ابن جزي: والمحاورة يقال: عز فلان فلانا إذا غلبه.

قال البغوي في تفسيره: وعزني، وغلبني، في الخطاب، أي في القول.

قال أبو السعود في تفسيره: أي غلبنِي في مخاطبتِه إيَّاي محاجَّةً بأنْ جاء بحجاجٍ لم أقدرْ على ردِّه ...».


قال الكفوي في الكليات: غلبني في مخاطبته.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي غلبني في المكالمة.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وعزني في الخطاب): غلبني في الخصومة، أي كان أقوى على الاحتجاج مني.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ﴾ [ص: 23].
قال أحد الخصمين لداود عليه السلام: إن هذا الرجل أخي، له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فطلب مني أن أعطيه إياها، وغلبني في الحجة.
.........................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +*966509006424
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

*قوله {أَم}:* حرف استفهام.

والاستفهام هنا: للتهكم (1)، والتقريع، أي التوبيخ (2).

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [أم]:حرفاستفهاميعطف به.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: والاستفهامللتقريع (3) والتوبيخلهم، والمعنى أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير - عند تأويله لسورة الطور -: والاستفهام المقدر بعد {أم} مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم أجراً على إرشادهم .

*قوله {تَسأَلُهُم}:* أي تطلب منهم. يعني: تطلب منهم علىما تدعوهم إليه من الإيمان بالله، وتبليغ الرسالة.

والسؤال هنا بمعنى: الطلب. ومنه قوله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}: أي طلب طالب واستعجل العذاب، وهو واقع لا محالة.

ومنه {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: لِلسَّائِلِينَ: للطالبين الرزق، والقوت.

قال ابن عجيبة في البحر المديد: أي قدر فيهاالأقواتللطالبينلها والمحتاجين إليها.

قال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: وقوله {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: أي عدل لمن يطلب الرزق.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وإنما قيل (للسائلين) لأن كلا يطلب القوت ويسأله.

قال الجمل في مخطوطته: السؤال:الطلب.
سؤال: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) "٢٤/ص" أي بطلب نعجتك لتضم إلي نعاجه.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم تسألهم} يقول للنبي: أم تسأل المشركين على القرآن.

*قوله {أَجرًا}:* أي مالا.

والمعنى: أم تطلب من هؤلاء المشركين على القرآن، وتبليغ الرسالة مالا دنيويا؟!، بل أنت المنفق في دعوتك من أجل إسلامهم.

قال القرطبي في تفسيره:{أَجْرًا} على تبليغ الرسالة.

قال الألوسي في روح المعاني: (أم تسألهم) على الإبلاغ والإرشاد أجرا دنيويا.

قال السعدي في تفسيره:ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة لأمرك ودعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

*المسألة الاولى:*

قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: يريد: أسبب إعراضهم عنك أنك تطلب منهم مالا على دعوتك إياهم؟، يعني: لم تسألهم مالا على القرآن وتبليغ الرسالة ليعرضوا عنك، بل أنت المنفق من وسعك ليهتدوا.

بل لو أثقلهم المغرم ليفتدوا من عذاب الجحيم لكان خيرا لهم وربحا عظيما، فكيف وأنت لم تطلب منه شيئا من ذلك؟!. قال تعالى {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}: أي إن سألتكم أجرا على الإيمان بي فإنه يعود عليكم أنتم وحدكم، أما أنا فأجري علي ربي.

بل وسيأتيهم يوم يعرضون فيه على النار ويودون لو افتدوا أنفسهم من عذابها بأموالهم، وما في الأرض ما نفعهم، وما تقبل منهم، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ولن يجدوا جزاء لدعوتك ولو جمعوا لك الدنيا وما فيها؛ فأنت تدعوهم السعادة الأبدية، إلى الخلود الأبدي في الجنان، وهم يريدون الشقوة والخلود في الجحيم.

وكذا يا محمد - صلى الله عليه وسلم - عادةُ الرسلِ قبلك يُبلِّغون ويَبْذُلُون النصح بلا مقابل، فلم يطلب أحد قطممن أرسلت قبلك أجرا على دعوته، وأخبروا أممهم وصرحوا به، حتى عُلم ذلك منهم، قال تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ): يعني لا يسألوكم مالا على نصحه لكم.

قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: وأمره أن لا يأخذ منهم على ذلك أجرا ولا شيئا من متاع الدنيا بقوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر} وكذلك سائر الرسل في كتاب الله كلهم يقول: لا أسألكم عليه مالا ولا أجرا إن أجري إلا على الله وهو الجنة.

قلت (عبدالرحيم): وفيه دليل أن مدعي النبوة أرادوا المال والدنيا بدعوتهم الكفرية، فأثروا الدنيا على الآخرة، وفي غير ما آية يأمر الله نبيه التصريح بأنه لا يريد عوضا عن دعوته إياهم، قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين: أي لست من المتصنعين بما ليس فيه، حتى أتصنع وأدعي النبوة بالباطل.

قال أبو السعود في تفسيره، وجماعة من أهل التأويل: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين): أي المتصنعين مما ليسوا من أهله حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن.

قال ابن كثير في تفسيره: {وما أنا من المتكلفين} أي: وما أزيد على ما أرسلني الله به، ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة.

*المسألة الثانية:*

قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: الأجر هنا: المال. وقد جاء التصريح به في غير ما آية، كما في قوله تعالى على لسان هود - عليه السلام - (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ): قال الطبري في تفسيره: ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا.

ومنه {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}: أي أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله؟ أي : لست تسألهم على ذلك شيئا.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ونظير ذلك في كتاب الله كثير، من ذلك قوله تعالى {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}: أي مالا يخرجونه إليك.
قاله أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذا توبيخ لهم كأنه قال: أم سألتهم مالا فقلقوا بذلكواستثقلوامنأجله.

ومنه {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}: ومن جملة اقتداءك بهم أنك لا تسأل على دعوتك أجرا، وأعلِم الناس بذلك.

قال الواحدي في الوجيز: {أَجْرًا}: مالا تعطونيه.

ومنه (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى): لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا: أي مالا.
قاله السمعاني في تفسيره.

ومنه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}: أي لا أطلب مالا ولا نفعا يختص بي.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

*قوله {فَهُم}:* لأجل ذلك.
قاله الألوسي في روح المعاني.

*قوله {مِن}:* تعليلية. أي: للتعليل. بمعنى: من أجل.

ومنه قوله {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}: مِنْ خِيفَتِهِ: يعني يسبحون من أجل خيفته وهيبته.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومن للتعليل، أي ينزهون الله لأجل الخوف منه، أي الخوف مما لا يرضى به وهو التقصير في تنزيهه.

ومنه قوله تعالى {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}: أي من أجل خشية الله.

قال أبو حيان في البحر المحيط: فكان المعنى: لمايهبطمنأجلأن يحصل لعباداللهتعالى.

قال السمين الحلبي في الدر المصون، وسراج الدين النعماني في اللباب: قوله {مِنْ خَشْيَةِ الله}: منصوب المحل متعلق ب «يهبط». و «من» للتعليل.

ومنه قوله تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}: أي يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من أجل تعففهم الشديد.

قال البسيلي فس التقييد المبير: و(مِنَ) للتعليل، وهي متعلقة ب(يحسب).

ومنه {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}: مِنْ يَوْمِهِمُ: من للتعليل، أي من أجل يومهم.
قاله الهرري في حدائق الروح والريحان فس روابي علوم القرآن.

انتهى

فقوله تعالى {مِن مغرم}: يعني: من أجل مغرم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {مِن} للتعليل، أي مثقلون من أجل مغرم حُمل عليهم.

*قوله {مَغرَمٍ}:* أي غرم. يعني: غرامة مالية.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وأبو علي القالي في البارع في اللغة العربية: والمغرم: الغُرم.

إلا أن القالي قال: والمغرم: هو الغُرم.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: والمغرم: الثقل ديناً.

قال النحاس في إعراب القرآن: مغرم: مصدر أي أم تسألهم مالا فهم من أن يغرموا شيئا {مثقلون} أي يثقل ذلك عليهم.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {من مغرم} أي غرم. والمعنى هل سألتهم أجرا فأثقلهم ذلك؟.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن. {مَغرَمٍ}: غرامة تلك الأجرة.

قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: أي غرم، وهو ما يلزم الإنسان نفسه، أو يلزمه غيره، وليس بواجب.

*قوله {مُثقَلون}:* يعني: من أجل هذا المغرم مثقلون. أي محملون حملا ثقيلا، ثقل عليهم آدائه.

قال الكفوي في الكليات: {مُثقَلون}: محملون الثقل.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {مُثقَلون}: مكلفون حملا ثقيلا.

قال السمرقندي في بحر العلوم {فهم من مغرم مثقلون}: يعني: من أجل المغرم، يمتنعون عن الإيمان. يعني: لا حجة لهم في الامتناع، لأنك لا تسأل منهم أجرا، فيثقل عليهم لأجل الأجر.

قال البغوي في تفسيره: (فهم من مغرم مثقلون) أثقلهم ذلك المغرم الذي تسألهم ، فمنعهم من ذلك عن الإسلام .

قال الألوسي في روح المعاني: (فهم من مغرم مثقلون) مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:

قوله تعالى {مُثقَلون}: المثقل: من تحمل ثقيلا. ومنه أثقلته الديون، وأثقلته الشيخوخة: أفقدته الخفة(4)، وامرأة مثقل: ثقلت من حملها، ومنه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: أي صارت ذات ثقل لأجل الحمل، وكبر الولد في بطنها.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله {أَثْقَلَتْ}: أي صارت ذا ثقل.

ومنه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}: يقول تعالى: وإن تسألذاتثقلمن الذنوب من يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئا منها، ولو كان الذيسألته ذا قرابة من أب أو أخ.
قاله الطبري في تفسيره.

المسألة الثانية:

قوله {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: يريد: لم تطلب منهم مالا مقابل دعوتك، ليثقل عليهم، فالواقع ليس كذلك، فأنت تطلب منهم يسيرا هينا، أن يؤمنوا بالله فحسب، وأي شيء عليهم لو فعلوا ذلك {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: قوله {وماذاعليهم} المعنى: أي شيءعليهم؟.

قال السيوطي في الجلالين: أي أي ضررعليهمفي ذلك والاستفهام للإنكار ولومصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه.

قلت (عبدالرحيم): وفي الصحيحين من حديث أنس، مرفوعا، أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما فيالأرض من شيء، كنت تفتدي به قال: نعم قال: لقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي،فأبيتإلاالشرك.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية:

﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحقّ، ثوابا وجزاء (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) يعني: من غرم ذلك الأجر مثقلون، قد أثقلهم القيام بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا لعظم ما أصابهم من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون): المعنى أن الحجة واجبة عليهم من كل جهة، لأنك أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرا.

قال السعدي في تفسيره: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي: ليس لنفورهم عنك، وعدم تصديقهم لما جئت به، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، وتدعوهم إلى الله، لمحض مصلحتهم، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرما يثقل عليهم.
..................
(1): قال في الفائق في غريب الحديث: التهكم: الاستهزاء والاستخفاف.

قال الحميري في شمس العلوم: والتهكم: التهزؤ.

(2): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وبخ:التَّوبيخ: الملامةُ، وَبَّخُتُه بسوء فعله.

قال في التوقيف على مهمات التعاريف: التوبيخ: اللوم الشديد العنيف وقيل التقريع على جهة الزجر.

(3): قال الحميري في شمس العلوم: [التقريع]:قرعه، أي وبخه وعنفه.

قال الرازي في مختار الصحاح: و (التقريع) التعنيف.

(4): أنظر: معجم اللغة العربية المعاصرة.
...................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿بَل تُؤثِرونَ الحَياةَ الدُّنيا﴾ [الأعلى: 16].

*قوله {تُؤْثِرُونَ}:* أي تختارون، وتفضلون، وتقدمون، وتخصون.

يعني: تخصون الحياة الفانية، وتقدمونها على الباقية الدائمة، والأحرى أن تختاروا ما يبقى. لذا قال بعدها: {وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى}: أي أدوم من الدنيا. وتصديقه قوله تعالى {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}: الْحَيَوَانُ (1): بمعنى الحياة، أي الحياة الحقيقية، الدائمة، الباقية التي لا تزول.

وأصل الإيثار: التفضيل، وهو أن تفضل، وتختار، وتقدم، وتخص نفساً دون أخرى. تقول: آثرت فلانا إيثارا: أي فضلته، واخترته، وقدمته على غيره، وجعلته أحق من غيره.

قال الدَّمِيري في شرح لامية العجم: آثرت فلانا على نفسي: اخترته.

قال الزبيدي في تاج العروس: وآثَرَ: اخْتارَ: وفَضَّلَ، وقَدَّمَ.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: وآثرتُ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا أُوثره إيثاراً، إِذا فضّلته، فَهُوَ موثَر وَأَنا موثِر.

قال أبو سهل الهروي في إسفار الفصيح: "وآثرت فلانا عليك " بالمد، ووزنه أفعلت، "فأنا أوثره إيثارا" : أي فضلته وقدمته واخترته.

قال ابن منظور في اللسان: وأَثِرَ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَثَراً وأَثَر وآثَرَ، كُلُّهُ: فَضّل وقَدّم. وآثَرْتُ فُلَانًا عَلَى نَفْسِي: مِنَ الإِيثار. الأَصمعي: آثَرْتُك إِيثاراً أَي فَضَّلْتُك.


قال النحاس في معاني القرآن: يقال: لفلان عندي أثرة أو أثرة أي شئ أخصه به، ومنه آثرت فلانا على فلان.

قال الواحدي في البسيط: واستأثر فلان بكذا، إذا اختص به دون غيره.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: ويستعار الأثر للفضل، والإيثار للتفضل.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: آثر الشَّيءَ: فَضَّله واختاره "آثر البقاءَ بجوار والديه- {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ".

انتهى


فمعنى قوله تعالى { تُؤْثِرُونَ}: تختارون.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

إلا أن السمرقندي قال: يعني: تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}: آثَرَكَ اللَّهُ: أي اختارك، وفضلك علينا.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم: {تالله لقد آثرك الله علينا} أي: اختارك.

إلا أن البغوي قال: أي واختارك الله وفضلك علينا.

وزاد ابن الجوزي: علينا بحسن الصورة وكمال السيرة.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {آثرك}: فضلك.

إلا أن أبا بكر قال: فضلك الله علينا.

قال الطبري في تفسيره: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل.

ومنه {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}: لن نختارك، ولن نفضلك على ما جاءنا من عند الله، فاصنع ما أنت صانع.

قال ابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والكفوي في الكليات، وغيرهم: {قالوا لننؤثرك}أي: لننختارك.

قال الواحدي في البسيط: قوله تعالى: {قالوا لننؤثرك} أي: لن نفضلكولننختارك.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله: {قالوا لننؤثرك}، أي: لن نختار عبادتك وطاعتك ولن نتبع دينك على ما جاءنا من البينات، يعني: على دين الله بعد ما جاءنا من العلامات والذي فطرنا، يعني: ولا عبادتك على عبادة الذي خلقنا.


ومنه {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}: أي يفضلون ويختارون حاجة اخوانهم على أنفسهم.

قال الواحدي في الوجيز: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أي: يقدمون المهاجرين على أنفسهم.

قال السمين الخلبي في عمدة الحفاظ: أي يفضِّلون غيرَهُم على أنفسهم.

ومنه ما رواه الشيخان، من حديث أسيد بن حضير مرفوعا: (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ): أي ستجدون بعدي من يفضل نفسه، وغيره عليكم في الدنيا، وأنت أحق وأولى بكل خير. يقول ذلك لأصحابه الانصار- رضي الله عنهم -.

قال الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: "أثرة" استئثارا عليكم وتفضيلا يفضل به غيركم من أراد من الفيء وأموال الله والأثرة اسم من اثر يؤثر إيثارا واستأثر الله بالبقاء أي انفرد به ويقال أثرة وإثر نحو بدرة وبدر.

قال عياض اليحصبي السبتي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار: قال الأزهري وهو الاستيثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم نفسه ولا يجعل لكم في الأمر نصيب.

قال الفَتَّنِي الكجراتي في مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: ستلقون بعدي "أثرة"- بفتحتين اسم من أثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى- أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء.
......................
(1): قوله تعالى {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة الدائمة الباقية.
قاله البغوي في تفسيره.

قال أبو بكر السجستاني، والواحدي في الوجيز، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة.

زاد الواحدي: الدائمة.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه: هي دار الحياة الدائمة.
...................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].

*قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}:* يعني الجن.

*قوله {الهُدى}:* القرآن.
قاله البغوي في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

إلا أن الماوردي قال: {وأنالماسمعناالهدىآمنا به}:يعنيالقرآن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه على رسالته، وقد كان رسول الله مبعوثا إلىالجنوالإنس.

*قوله {فَلا يَخافُ بَخسًا}:* بَخسًا: أي نقصانا.

قال الخطابي في غريب الحديث: وأصل البخس: النقص.

قال بطال في النظم المستعذب، وابن فارس في مجمل اللغة: البخس:النقصان.

زاد بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

المسألة الأولى:

قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا.

والمعنى: لا يخاف أن يُنْقِصَ اللهُ من أجره وحسناته شيئا، ولو كان طفيفا يسيرا، وذلك يوم القيامة، بل يضاعف الأجر والمثوبة فكيف ينقص من حسناته شيئا، وتصديقه قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

وقوله {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}: فلا ظلم ولو كان قدر نقطة في ظهر نواة. والنقير: النقطة في ظهر النواة.

ونبه على عدم البخس يوم الحساب الجزاء، لاشاعته في الدنيا. فكم ممن استوفى ولم يوف. كم ممن استوفى من أجير بعد كده وجهده ثم بخسه، أي نقصه في الأجر، ولا يخفى أن الله أنزل في المطففين ما أنزل.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والباخس: الشيء الطفيف الناقص.

المسألة الثانية:

قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا. ومنه قوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}: بخس: ناقص.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والسيوطي المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

زاد ابن جزي: عن قيمته.

وزاد العليمي: عن القيمة.

قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: باعوه بدراهم غير موزونة، ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {بثمنبخس} مبخوس ناقصعن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله تعالى:{وشروهبثمنبخس} قيل: معناه: باخس، أي:ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخسبعضهم بعضا.

ومنه {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}: وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا: أي ولا ينقص من الحق شيئا ولو طفيفا يسيرا.

فقوله {وَلَا يَبْخَسْ}: أي ولا ينقص.
قاله الهروي في الغريبين في القرآن والحديث، والماوردي في النكت والعيون.

إلا أن الماوردي قال: أي لاينقص منهشيئا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: لاينقصمن حق الطالب.

قال الواحدي في الوجيز: وقوله: {ولايبخسمنهشيئا} البخس: النقصان، يقال: بخسه حقه. أي: نقصه، أمر من عليه الحق أن يقر بمبلغ المال الذي عليهولاينقصشيئا.

ومنه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}: أيولاتنقصواالناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره.

ومنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: {وهم فيها لايبخسون} أي: لاينقصون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي: نقصا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز.

إلا أن ابن قتيبة قال: أي نقصا من الثواب.

قال الفراء في معاني القرآن: ينقص من ثواب عمله.

*قوله {وَلا}:* يخاف.

*قوله {رَهَقًا}:* أي ظلما.

والمعنى: ولا يخاف نقصانا من حسناته، ولا يخاف زيادة في سيئاته؛ بل المغفرة والتجاوز من الله الكريم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم : والرهق:الظلم.

زاد الخليل: وهو قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {رَهَقًا}: أي: ظلما.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

زاد ابن قتيبة: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.

قال الواحدي في الوجيز: والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخافبخساولا رهقا} أي: نقصانا من حسناته ولا زيادة في سيئاته.

قال الطبري في تفسيره: {فلا يخافبخسا}: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ {ولا رهقا}: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة لم يعملها.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {فلا يخاف بخسا} يعني: نقصانا من ثواب عمله، {ولا رهقا} يعني: ذهاب عمله. وهذا كقوله تعالى (فلا يخافظلماولا هضما).

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فلا يخافبخسا} يعني: أن ينقص من عمله {ولا رهقا}ظلماأن يزاد عليه ما لم يعمل.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولارهقا}:ولاظلمايلحقه بزيادة في سيئاته.

وفي كتاب اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري: (فلا يخاف بخسا ولارهقا) بخسا: نقصا. رهقا: ظلما، بلغة قريش.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].
وأنَّا لما سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم آمنّا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصًا لحسناته، ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].
ض
*قوله {فَاصبِر}:* أي فاحبس نفسك.

يعني: فاحبسها عن الغضب، والعجلة، والضجر أي ضيف النفس، والتبرم؛ عند تبلغك دين الله. أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على قومه، وأمره أن يصبر على امهال الله لهم، فإنه لحكمة عظيمة أمهلهم. وكما في قوله {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}: أي ولا تستعجل لهم العذاب.

وأصل الصبر: الحبس. ومنه: قُتلَ صبرا: أي قتل حبسا. يعني: محبوسا. ومنه ما رواه الشيخان من حديث أنس، قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ.

قال في أعلام الحديث: قوله: تُصْبَر: تُحبس على القتل. وأصل الصَّبر الحبس.

قال النووي في شرحه لمسلم: قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه.

قال ابن حجر في الفتح: قوله «أن تصبر» بضم أوله أي تحبس لترمى حتى تموت.

قال أبو عبيد في غريب الحديث: وأصل الصبر: الحبس، وكل من حبس شيئا، فقد صبره. والمصبورة التي نهي عنها في الحديث: (هي) المحبوسة على الموت.

قال الكفوي في الكليات: الصبر: الحبس، صبر عنه يصبره: حبسه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مرفوعا: مَنْ حَلَفَيَمينٍصَبْرٍلِيَقْتَطِعَ بِها مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ...».

قال الخطابي في معالم السنن: اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها أي يحبس وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومن هذا قولهم قتل فلان صبرا ً، أي حبساً على القتل وقهراً عليه.

*قوله {لِحُكمِ رَبِّكَ}:* لقضاء ربك. ونظيرتها قوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا}: أي فاصبر لقضاء ربك. وأصل الحكم: القضاء.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم،والرازي في مختار الصحاح: الحكم القضاء.

زاد ابن سيده: وجمعه أحكام.

قال الجرجاني في درج الدرر: والحاكم الذي يمنع الخصمين بقضائه عن التعدي. والحكم القضاء الحتم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ): يقول: فاقض بيننا بالعدل.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) : يقضى ما يشاء.
قاله الفراء في معاني القرآن.

ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ): وإذا حكمتم بين الناس: قضيتم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والخطيب الشربيني في السراج المنير.

إلا أن الخطيب قال: أي: قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم.

قال الطبري في تفسيره: إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء.

ومنه (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ): تَحْكُمُونَ: تقضون.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ما لكم كيف تحكمون يعني: ويحكم كيف تقضون بالجور؟.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فاصبر لحكم ربك}: أي لقضاء ربك.
قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

إلا أن البغوي قال: اصبر على أذاهم لقضاء ربك.

وزاد القرطبي: والحكم هنا القضاء.

قال الطبري في تفسيره: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك.

*قوله {وَلا تَكُن}:* في الضجر والعجلة.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {كَصاحِبِ الحوتِ}:* وصاحب النون. يريد: نبي الله يونس بن متى. وقد صح الخبر في تسميته - عليه السلام -.

والمعنى لا تكن مثله حين ذهب مغاضبا على قومه، كما قال {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

فقوله {كَصاحِبِ الحوت}: يريد: فاصبر على إيذاء قومك، ولا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب، ولا تعرض عما أوكل إليك من التبليغ؛ فينالك منا كما نيل منه - عليه السلام - لما حبس في بطن الحوت.

وهذا كله برهان بيّن أن هذا القرآن من عند الله، وما تقوَّلَه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن السامع إذا تدبر آي القرآن وجد سلطان الله على نبيه في الحديث، خطاب الملك - جل شأنه - للملوك، والنصوص في ذلك كثيرة جدا، من ذلك قوله تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (الحاقة: 69).

وقوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، نزلت هذه الآية لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم...» شطر من حديث رواه مسلم (1791)، من حديث أنس رضي الله عنه.

وقوله {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وقوله {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وقوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وقوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وسيأتي تأويل هذه الآيات في موضعها، لاحقا (إن شاء الله).

انتهى

فمعنى قوله تعالى {كَصاحِبِ الحوتِ}: يعني يونس عليه السلام. أي لا تكن مثله في الغضب، والضجر، والعجلة.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: {ولا تكن كصاحب الحوت} في عجلته وغضبه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن مَتَّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ } كيونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لا تضجر بهم كما ضجر يونس حتَّى هرب من أصحابه فألقى نفسه فِي البحر حتَّى التقمه الحوت.

قال النحاس في اعراب القران: ولا تكن كصاحب الحوت في ما عمله من خروجه عن قومه، وغمه بتأخر العذاب عنهم.

لطيفة:

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ}: كلمة الحوتِ: يراد به جنس السمك مطلقا. وليس معناه: الدابة العظيمة التي تكون في البحر فحسب، مثل حوت العنبر - مثلا -، ففي الصحيحين من حديث أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قَامَ مُوسى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ ..." فالشاهد قوله (خذ حوتا في مكتل): أي سمكة في قفه فلا يتصور أن الله يأمره بأخذ هذا الحوت العظيم في مكتل!. والمكتل من القفة أو أكبر، وهي التي تكون من خوض، مثل المِشن.

قال أبو عمرو الشيباني في الجيم: وقال العذري: القُفَّة: الزبيل الذي ليس بعظم، والمِكْتَلُ أكبر منه، والعرَق أكبر من المِكْتَل.

قال في شرح ألفاظ المدونة: المكاتل: جمع مِكْتَل بكسر الميم ووقف الكاف - وهو ضرب من القفف يُكْتل فيها الطين والتراب أي يجمعان فيها.

قال القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم: وقوله: " فحمل حوتاً فى مكتل ": المكتل، بكسر الميم: الزنبيل وهى القفة.

انتهى

فالحوت اذا اطلق فالمراد به جنس السمك. ومن ذلك قوله تعالى {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: حيتان - جمع حوتٍ، وَأكْثرُ ما تسَمًي العربُ السمَك الْحِيتَانَ والنينان.

*قوله {إِذ}:* منصوببمضافمحذوف، أي: ولا يكن حالك كحاله، أو قصتك كقصته في وقت ندائه، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصب عليها النهي على أحوالها، وصفاتها.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب.

*قوله {نادى}:*أي دعا ربه في بطن الحوت. وأصل النداء: الدعاء.

وتصديقه {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين}: قال يحيى بن سلام في التصاريف: في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.

فمعنى قوله تعالى {إِذ نادى}: دعا ربه.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال النسفي في مدارك التنزيل، والقاسمي في محاسن التأويل: {إِذ نادى}: دعا ربه في بطن الحوت.

زاد النسفي: بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

قلت (عبدالرحيم): وأصل النداء: الدعاء. ومنه قوله تعالى {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوح: أي دعانا نوح.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي دعانا بأن ننقذه من الغرق.

قال ابن فورك في تفسيره: النداء: الدعاء بطريقة يا فلان.

ومنه - مخبرا عن زكريا عليه السلام -: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}: إِذْ نَادَى: دعا ربه، في محرابه، نِدَاءً خَفِيًّا: دعا سرا من قومه في جوف الليل.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}: أي دعا ربه.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس - عليه السلام -.

*قوله {مَكظوم}:* مَكظوم: أي مملوء. وأصله من كظمت القربة، أي ملأتها.

قال الزبيدي في التاج: وكظم القربة: ملأها وسد فاها.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَهُوَ مَكظوم}: يعني: مملوء؛ ملئ قلبه غما، وحزنا، وذلك من عظيم الكرب. وتصديقه قوله تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ}.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: وقوله: {وهو مكظوم} . جملة حالية من الضمير في «نادى». والمكظوم: الممتلىء حزنا وغيظا، ومنه كظم السقاء إذا ملأه.

قال الحميري في شمس العلوم: والمكظوم: المكروب.

قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: والمكظوم المملوء غما وكربا.

قال الزجاج في معاني القران: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ): أي مملوء غَمًّا وكرباً.

قال الطبري في تفسره: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغمّ وكظمه.

قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: واذكر {إذ نادى وهو مكظوم} أي: إذ نادى ربه من بطن الحوت وهو مغموم لا يجد من يتفرج إليه.

قال القصاب في النكت: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} دليل على أن في أحكام الله على عباده محيرًا، تنبو عنه النفوس، ولا تهش لها العقول، فيحتاج النبي صلى الله عليه وسلم، في جلالته، ومعرفته، بالله -
جل جلاله - أن يصبر عليها، ويحمل نفسه على تجرع مرارتها، ولا يستبطىء النصرعلى أعدائه، فتضيق نفسُه من ذلك.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فاصبر على الأذى لحكم ربك يعني لقضاء ربك والذي هو آت عليك ولا تكن كصاحب الحوت يعني يونس بن متى من أهل نينوي- عليه السلام- يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه لم يصبر، يقول لا تعجل كما عجل يونس، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى فتعاقب كما عوقب يونس إذ نادى ربه في بطن الحوت وكان نداؤه في سورة الأنبياء {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.

قلت (عبدالرحيم): في هذه الآية من الأمر بالصبر على الدعوة خاصة، والصبر على قضاء الله وقدره عامة، فمن ابتلي بشيء فليصبر، وليفوض الأمر إلى الله، سيما إن بذل الأسباب، وعجز عن ادراك المراد.

وهذه الآية وإن كانت خطابا للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن فيها عتاب من الله لنبيه يونس - عليه السلام -؛ على ما كان منه تجاه قومه، ولكن لا ضير فإن الله الذي يعاتبه هو الذي اصطفاه نبيا رسولا. وقد اجتباه ربه وتاب عليه، كما فعل من قبل مع أبيه آدم عليه السلام، {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. وفيه: أن الله تعالى برحمته يدرك أولياءه بعد الزلل، فليبادر العبد بالتوبة بعد الزلة.

وكذلك يجب الإيمان بأن الأنبياء جميعا منزلهم واحدة من حيث الخيرية، فهم أكمل الخلق كلهم. وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى.

وفي البخاري منفردا (4805)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ "

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: " ما ينبغي لأحد أن يكون خيرا " أي ما ينبغي لي أن أقول إني خير، والخيرية هاهنا القوة في الصبر على تبليغ الرسالة كقوله: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] أي: أقوى، فكأنه قال: لا ينبغي لي أن أقول إني أقوى من يونس في التبليغ، فربما يكون قد عانى من الشدائد ما لم أعانه، وفضيلتي التي نلتها كرامة من الله لا من قبل نفسي، ولا بلغتها بقوتي، فليس لي أن أفتخر بها، وإنما يجب علي أن أشكر ربي عليها. وإنما خص يونس لما ذكر عنه من قلة الصبر.

قال مصطفى البغا في تعليقه على البخاري: (فقد كذب) أخبر بخلاف الحقيقة والمراد أن الأنبياء عليهم السلام من حيث كونهم أنبياء فهم في منزلة واحدة من الخيرية.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].

فاصبر - أيها الرسول - لما حكم به ربك من استدراجهم بالإمهال، ولا تكن مثل صاحب الحوت يونس عليه السلام في التضجر من قومه؛ إذ نادى ربه وهو مكروب في ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
.......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49]

*قوله {لَولا أَن تَدارَكَهُ}:* أَدْرَكَتْهُ.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين: أدركه.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: ويقال: تداركه الله تعالى برحمته: أي أدركه، وتداركته رحمة ربه {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّه}.

*قوله {نِعمَةٌ}:* أي رحمة.

يعني لولا أن أدركه الله برحمته؛ بأن ألهمه التوبة ووفقه إليها وقبلها منه، أي وفق يونس - عليه السلام -. كما وفق أباه آدم من قبل، قال تعالى {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

فرحمة الله أجل النعم. ونظيرتها قوله تعالى {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي: أي ولولا رحمة ربي بي لكنت من المشهدين عذاب جهنم.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: {ولولانعمةربي} أيرحمةربي، وإنعامه علي بالإسلام.

قال الكفوي في الكليات: {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَة}: يعني توفيق التوبة وقبولها.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {ولولانعمةربيلكنتمن المحضرين} أي:ولولارحمةربيلكنتمن المحضرينالنار أي: الذين دخلوا النار.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لولا أن تداركه نعمة من ربه} فتاب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ}: رحمة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والواحدي في الوجيز.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: {لَولا أَن تَدارَكَهُ}: ولكن تدار كه نعمة. يعني رحمة من ربه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ثم قال تعالى: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ. . .}: أي رحمة فرحمه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى.

قال الزمخشري في الكشاف: ونعمة ربه: أن أنعم عليه بالتوفيق للتوبة وتاب عليه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {لولاأنتداركهنعمةمنربه}وهو قبول توبته ورحمته، وتضرعه وابتهاله.

*قوله {لَنُبِذَ}:* لطُرِحَ، ولألقيَ، ولترك، ولرمي به من بطن الحوت. وأصل النبذ: الطرح والالقاء، والترك، والرمي. تقول: نبذت كلامي: أي تركته.

ومنه ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر، وفيه: وَاللهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًافَنَبَذَالنَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. أي فطرح، وألقى الناس خواتيمهم وكانت من ذهب.

ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُأَنْيُنْتَبَذَفِيهِ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّانَهىالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَنْيُنْتَبَذَفِيهِ قَالَتْ: نَهَانَا فِي ذَلِكَ، أَهْلَ الْبَيْتِ،أَنْنَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ

قال اليفرني في الاقتضاب قوله: "نهى أن ينتبذ". [النبذ] أصله:الطرحوالرمي والترك.

قال الطبري في تفسيره: وأماالنبذفإن أصله في كلام العربالطرح، ولذلك قيل للملقوط: المنبوذ؛ لأنه مطروح مرمي به، ومنه سمي النبيذ نبيذا، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء ثم يعالج بالماء.

قال أبو الربيع سليمان بن بنينفي اتفاق المباني واختلاف المعاني: والنبذالطرح.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}: لينبذنفي الحطمة: أيليلقينهذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ومنه {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}: أيألقيناهمي اليم وهو البحر هو مليم أي وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.
قاله ابن كثير في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى (نبذناهم)ألقيناهم، وكل شيء ألقيته تقول فيه قد نبذته. ومن ذلك نبذت النبيذ، ومن ذلك تقول للملقوط منبوذ لأنه قد رمي به.

ومنه {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}: فنبذتها: أيطرحتهافي العجل.
قاله القرطبي في تفسيره.

ومنه {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}: اطرح إليهم عهدهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي ألق عهدهم إليه، وآذنهم بالحرب ولا تأخذهم على غرة.

ومنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}: {فنبذوه وراء ظهورهم}: أي رموه وطرحوه.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

قال أبو السعود في تفسيره: {فنبذوه}النبذالرميوالإبعاد أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثق بفنون التأكيد وألقوه.

قال الزبيدي في تاج العروس: (النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشيْءَ) مِن يدِك (أَمامَك أَو وَرَاءَك، أَو عَامٌّ) ، يُقَال: نَبَذَ الشيْءَ، إِذا رَمَاه وأَبْعَدَه، ومنه الحديث (فنبذ خاتمه) أي ألقاه من يده، وكل طرح نبذ. ونبذ الكتاب وراء ظهره: ألقاه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى{لَنُبِذَ}: لطرح بالفضاء من بطن الحوت.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره.

إلا أن الواحدي قال: لطرح حين ألقاه الحوت.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: لأُلقيمنبطن الحوت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لألقي بوجه الأرض.

*قوله {بِالعَراءِ}:* أي بالأرض الفضاء، أي الصحراء.

وسميت " بالعراء " لأنها عارية، أي خالية من الشجر، ونحوه مما يستر. ونبه على العراء، لأنها أرض مهلكة.

قال الطبري في تفسيره: {لنبذ بِالعَراءِ}: وهو الفضاء من الأرض.

قال القرطبي في تفسيره: والعراء: الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والعَراء:الأرضُ الفضاءُ التي لا يُسْتَتَرُ فيها بشيء. والجمع: أعْراء.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والعَراءُ بالمد: الفضاء لا سِتر به. قال الله تعالى: (لَنُبِذَبالعراء).

قال الهروي في تهذيب اللغة: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا قيل لَهُ عَرَاء لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه. وَقيل: إِنالعَراءوَجهالأَرْضالْخَالِي وَأنْشد:
ورفعتُ رجلا لَا أَخَاف عِثَارها
ونبذت بِالْبَلَدِالعَراءَثِيَابِي.

قال الألوسي في روح المعاني: (لنبذبالعراء) بالأرض الخاليةمن الأشجار أي في الدنيا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى{لَنُبِذَ بِالعَراءِ} يعني: لطرح بالصحراء. والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر، يوارى فيها.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الواحدي في الوجيز: {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس بن متى - عليه السلام -.
*قوله {مَذمومٌ}:* أي ندعه مذموماً، بعد أن طرح وألقي بالعراء(1)، ولكنه نبذ غير مذموم، ودليليه ما بعده {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

وقوله {فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ وَهُوَ سَقيمٌ۝وَأَنبَتنا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ}: فلو أن الله ذبذه مذموما لما قال: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين.

وكل هذا من آثر رحمة الله ونعمته عليه، وفيه أن الأنبياء كغيرهم يفتقرون إلى رحمة الله وعفوه بلا ريب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وهو مَذمومٌ}: أي يذم:، ويلام بالذنب الذي أذنبه ويطرد من الرحمة. والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يعني: يذم ويلام. ولكن كان رحمة من الله تعالى، حيث نبذ بالعراءوهو سقيم وليس بمذموم.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {لنبذبالعراء وهو مذموم:} غير مغفور له، فلما سبقت الرحمة، وغفرت له الزلة نبذ بالعراء وهو سقيم غير مذموم.

قال القرطبي في تفسيره: (لنبذبالعراءوهومذموم) أي لنبذمذموما ولكنه نبذ سقيما غير مذموم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وهومذموم} معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غيرمذموم.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:{لَوْلاأَنْتَدارَكَهُنِعْمَةٌمِنْرَبِّهِلَنُبِذَبِالْعَراء} حين نبذ- وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والمعنى أنه قد نبذبالعراءوهو غير مذموم، ويدل على ذلك أن النعمة قد شملته.

قال الواحدي في البسيط: ولكن ربه منَّ عليه فنبذبالعراءوهوسقيم، وليس بمذمومللنعمة التي تداركه.

قال العليمي في تفسيره: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يُذم ويلام بالذنب، ولكنه رُحم، فُنبذ غيرَ مذموم.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وَهُوَمَذْمُوم} أَي: نبذ غيرمَذْمُوم، وَلَوْلَا رَحْمَة ربه لَكَانَمذموما.

قالالبغوي في تفسيره: {لَنُبِذَبِالْعَراءِ}، لَطُرِحَ بِالْفَضَاءِ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.

قال الزمخشري في الكشاف: وقد اعتمد في جواب «لولا» على الحال، أعنى قولهوهومذموم يعنى أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذبالعراء، ولولا توبته لكانت حاله على الذم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {لَنُبِذَبالعرآءوَهُوَ مَذْمُومٌ}: أي: لولا أن الله رحمه وسمع دعاءه من بطن الحوت فأجابه لطُرِحَ بالفضاء من الأرض وهو مذموم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (لنبذبالعراءوهومذموم) هو جواب لولا، والمنفي هو الذم لا نبذهبالعراء، فإنه قد قال في الصافات فنبذناهبالعراءفالمعنى لولا رحمة اللهلنبذبالعراءوهومذموم، لكنه نبذوهوغير مذموم.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49].
لولا أن رحمة الله أدركته لنبذه الحوت إلى أرض خلاء وهو مَلُوم.
.......................
(1): قال الماوردي في النكت والعيون: {وهو مذموم} فيه وجهان: أحدهما: بمعنى مليم. الثاني: مذنب، قاله بكر بن عبد الله، ومعناه أن ندعه مذموماً.
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى

﴿الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: 1].

*قوله {الحاقَّةُ}:* يعني القيامة. أي: القيامة هي الحاقة.

سميت بالحاقة: لأن فيها حواق الأمور كلها؛ فهي تُثْبِتُ وتوجبُ، وتحقُ الحقَ الذي تنازع فيه أهل الدنيا، تحق ما تنازعوا وتخاصموا فيه في ربهم، وتوجب الحق لأهله، وتحق الجنة لأهلها، والنار لأهلها، وتحق الحق كله، ويتحقق فيه الثواب، والعقاب. فليس يوم القيامة إلا الحق والعدل؛ فهي حق في وقوعها، وتحق ما يجب احقاقه. أي أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها. (1)

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: قال الفراء: " إنما قيل لها حاقة: لأن فيها حواقالأموروالثواب. و "الحقة": حقيقة الأمر. يقال: لما عرفت الحقة مني هربت. وهي مثل الحاقة".

قال الواحدي في البسيط، والفخر الرازي في التفسير الكبير : {الحاقة}: أجمعوا على أن المراد بها القيامة.

إلا أن الرازي قال: أجمعوا على أن الحاقة هي القيامة.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {الحاقة}: يقول تعالى ذكره: الساعة الحاقة. التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن كثير في تفسيره: الحاقة من أسماء يوم القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ولهذا عظم الله أمرها.

قال القاسمي في محاسن التأويل: " الحاقة " أي الساعة الحاقة التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال. من قولهم: حق عليه الشيء، إذا وجب.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله: الحاقة هي القيامة لأن الأمر يحق فيها، وهي تحق في نفسها من غير شك.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: {الحاقة}: يعني: القيامة، سميت بذلك لأن فيها حواق الأمور. أي صحائح الأمور.

إلا أن ابن الجوزي قال: {الحاقة}: القيامة فيها حواق الأمور.

قال الواحدي في الوسيط، والسمعاني في تفسيره: وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور.

زاد الواحدي: وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود.

زاد السمعاني: أي حقائقها.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: سميتبالحاقة؛ لأنه يحق فيها وعد الله بالبعث والجزاء.

قال السعدي في تفسيره: {الحاقة} من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: {الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة} فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وروي ذلك عن ابن عباس وأصحابه وهو الذي درج عليه المفسرون فلقب بذلك «يوم القيامة» لأنه يوم محقق وقوعه، كما قال تعالى: وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه [الشورى: 7] ، أو لأنه تحق فيه الحقوق ولا يضاع الجزاء عليها، قال تعالى ولا تظلمون فتيلا [النساء: 49] وقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة: 7- 8] .
وإيثار هذه المادة وهذه الصيغة يسمح باندارج معان صالحة بهذا المقام فيكون ذلك من الإيجاز البديع لتذهب نفوس السامعين كل مذهب ممكن من مذاهب الهول والتخويف بما يحق حلوله بهم.

...................

(1): قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واختلفوا في معنى الحاقة على وجوه: أحدها: أن الحق هو الثابت الكائن، فالحاقة الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها وثانيها: أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها وثالثها: أنها ذوات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق، والثواب والعقاب وغيرهما من أحوال القيامة أمور واجبة الوقوع والوجود فهي كلها حواق ورابعها: أن الحاقة بمعنى الحقة والحقة أخص من الحق وأوجب تقول: هذه حقتي أي حقي، وعلى هذا الحاقة بمعنى الحق، وهذا الوجه قريب من الوجه الأول وخامسها: قال الليث: الحاقة النازلة التي حقت بالجارية فلا كاذبة لها وهذا معنى قوله تعالى: ليس لوقعتها كاذبة، [الواقعة: 20] وسادسها: الحاقة الساعة التي يحق فيها الجزاء على كل ضلال وهدى وهي القيامة وسابعها: الحاقة هو الوقت الذي يحق على القوم أن يقع بهم وثامنها: أنها الحق بأن يكون فيها جميع آثار أعمال المكلفين فإن في ذلك اليوم يحصل الثواب والعقاب ويخرج عن حد الانتظار وهو قول الزجاج وتاسعها: قال الأزهري: والذي عندي في الحاقة أنها سميت بذلك لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل أي تخاصم كل مخاصم وتغلبه من قولك: حاققته فحققته أي غالبته فغلبته وفلجت عليه وعاشرها: قال أبو مسلم: الحاقة الفاعلة من حقت كلمة ربك.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿مَا الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: 2].

*قوله {مَا الحاقَّةُ}:* تقديره: الحاقة أي شيء هي؟!.

والتكرير، والاستفهام هنا للتهويل والتخويف، والتعظيم، والتفخيم. كأنه يقول: ما كنهها؟، أي شيء هذه القيامة إذا وقعت؟.

قال الماوردي في النكت والعيون: وقوله {ما الحاقة} تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {ماالحاقة} استفهام تعجيب؛ تفخيما لشأنها، التقدير:الحاقةأي شيء هي؟!.

قال النحاس في إعراب القرآن: {ما الحاقة} مبتدأ وخبره وهما خبر عن الحاقة، وفيه معنى التعظيم. والتقدير: الحاقة ما هي؟ إلا أن إعادة الاسم أفخم، وكذا {وما أدراك ما الحاقة}.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ومعنى الكلام أنه على التعظيم، والتقدير: الساعة الحاقة: أي: شيء هي!، ما أعظمها وأجلها وأشدها.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله:ماالحاقةعلى أن «ما» الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره «الحاقة» ، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والمعنى: أي شيء هي في حالها أو صفاتها.

قال القصاب في النكت: قوله - تعالى -: (الحاقة (١) ما الحاقة (٢) وما أدراك ما الحاقة (٣). وارد - والله أعلم - على الاختصار، كأنه ينبه على عظم ما في الحاقة من الأهوال، والشدائد لا على نفس الاسم، ويعظه بما فيها يومئذ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {مَا الحاقَّةُ}: يقول: أي شيء الساعة الحاقة.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الواحدي في البسيط: قوله: {ما} حديث تفخيم وتهويل.

قال البغوي في تفسيره: {ما الحاقة}: هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها، كما يقال: زيد ما زيد، على التعظيم لشأنه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} وهو اسم من أسماء القيامة، ومعناه القيامة ما القيامة؟ تعظيما لأمرها.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ما الحاقة} مذكور على وجه التعظيم والتفخيم.
قال امرؤ القيس: (فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديث ما حديث الرواحل) فما للاستفهام، وهو مذكور في هذا الموضع لتعظيم أمر الرواحل. كذلك هاهنا.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى: {ما أصحاب الميمنة} قال جميع أهل المعاني (ما) هاهنا تفخيم لقصتهم وتعظيم لشأنهم وتعجيب منهم، كما تقول: زيد ما زيد؟ أي: أي شيء هو؟ للتعجب منه، وهذا كقوله: {الحاقة (1) ما الحاقة} [الحاقة: 1، 2] و {القارعة (1) ما القارعة} [القارعة: 1، 2].
قاله الواحدي في البسيط.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ماالحاقة} مبتدأ وخبر وهماخبرالحاقة والأصلالحاقةماهي أي شيء هي تفخيم الشأنها وتعظيمالهو لها أي سقها أن يستفهم عنها لعظمها فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل.

قال السعدي في تفسيره: فعظم تعالى شأنها وفخمه، بماكرره من قوله: {الحاقةماالحاقةوماأدراكماالحاقة} فإن لها شأنا عظيماوهولا جسيما، ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {القارِعَةُ * مَا القارِعَةُ}: مَاالْقارِعَةُ: تهويل وتعظيم.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومااستفهامية، والاستفهام مستعمل في التهويل على طريقة المجاز المرسل المركب لأن هول الشيء يستلزم تساؤل الناس عنه.

ومنه {وَالمُؤتَفِكَةَ أَهوى۝فَغَشّاها ما غَشّى}: فَغَشّاها ما غَشّى: أي علاها من العذاب والحجارة ما علاها. والتكرير للتهويل، والتعظيم.

قال الشوكاني في فتح القدير: وفي هذه العبارةتهويلللأمر الذي غشاها به وتعظيم له.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ماغشى}تهويلوتعظيم لماصب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: {فغشاهاماغشى}: فيهتهويلللعذاب الذي حل بهم، لماقلبها جبريل عليه السلام أتبعت حجارةغشيتهم.

ومنه {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}: ابهام على جهة التفخيم، والتعظيم.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

قال القرطبي في تفسيره: تفخيمللوحي الذيأوحيإليه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: وفيهتفخيمللموحى به، إذ الإبهام يفيد التعظيم، كأنه أعظم من أن يحيط به بيان.

ومنه {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}: فغشيهم من اليمماغشيهم: أي علاهم وأصابهمماعلاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل، كمافي قوله:الحاقةماالحاقة.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله {فغشيهم من اليم ما غشيهم} يدلعلىتعظيمالأمروتفخيمشأنه، ونظيره في القرآن قوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} وقوله: {والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى}، وقوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} واليم: البحر. والمعنى: فأصابهم من البحر ما أصابهم وهو الغرق، والهلاك المستأصل.
.................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ:+966509006424*

قوله تعالى
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} الحاقة: (3).

*قوله {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}:* وَمَا أَدْرَاكَ: أي وما أعلمك، وعرفك.

قال ابن منظور في اللسان: وَيُقَالُ: دَرَيْت الشيءَ أَدْرِيهِ: عَرَفْته.

قال الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: ويقال: درى فلانٌ يدري دريةً ودرياً أي علم علماً.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: ويقال: أتَى فلانٌ الأمرَ من غير دِرْيةٍ أي من غير عِلمٍ.

قال الرازي في مختار الصحاح: (دَارَهُ) وَ (دَرَى) بِهِ أَيْ عَلِمَ مِنْ بَابِ رَمَى... وَ (أَدْرَاهُ) أَعْلَمَهُ.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ}: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ: ولا أعلمكم به.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله تعالى: {ولا أدراكم به} : أي: ولا أعلمكم الله به، مندريت، أي:علمت.

ومنه {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ}: وَمَا يُدْرِيكَ: أي ما يعلمك.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال البقاعي في نظم الدرر: {وما يدريك} أي: أيّ شيء يعلمك بوقتها؟.

قال الواحدي في التفسير البسيط: يقال: دريت الشيء عرفته وأدريته غيري إذا أعلمته والمعنى أي شيء يعلمك علم الساعة حتى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه.

ومنه - على لسان الجن -: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}: وَأَنَّا لَا نَدْرِي: أي نحن معاشر الجن لا نعلم. قالوا ذلك حين اشتدت حراسة السماء من استراق السمع. وفيه دليل أن الجني لا يعلم الغيب.

قال ابن عرفة في تفسيره: أي لَا نعلم هل يؤمن أهل الأرض أو يدوموا على كفرهم، وهم بناء على أنهم قالوا ذلك قبل أن يؤمنوا.

ومنه {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً}: لا تَدْرِي: ولاتعلمأيها المرء. تعليل لمضمون الشرطية؛ أي: فإنك أيها المطلق المتعديلاقدر ولاتعلم عاقبة أمرك وأمر المطلقة.
قاله الهرري في حدائق الروح والريحان.

وفي المختصر في التفسير: لاتعلم-أيها المطلق-لعلاللهيحدثبعد ذلك الرغبة في قلب الزوج فيراجع زوجته.

ومنه {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}: يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ) يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي ما نعلم ذلك إلا ظنًّا وحَدْسًا وما نستيقنه.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

ومنه {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}: يعني وما أعلم. أقريب أم بعيد ما توعدون، يعني القيامة.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه {ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ}: أي ما كنت تعلم ما هو هذا الكتاب الذي هو القرآن العظيم، حتى علمتكه.
قاله الشنقيطي في أضواء البيان.

ومنه {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: {وما يدريك} يعلمك {لعله يزكى} فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أي يتطهر من الذنوب بما يسمع منك.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

ومنه ما رواه البخاري (1338)، من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعا، وفيه: وَأَمَّا الكَافِرُ - أَوِ المُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ».

قال ابن المَلَك في شرح مصابيح السنة للبغوي: "لا أدري"؛ أي: لا أعلم على الحقيقة أنه نبي أم لا.

قال المُظْهِري في المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "فيقال: لا دَريتَ ولا تَليتَ"، (لا دريت)؛ أي: لا علمتَ ما هو الحق، والصواب.

ومنه ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس، يرويه عن عمر بن الخطاب، وفيه: وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي؛ فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هذَا أَطَلَّقَكنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ ...».

قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (لا أدري) أي: لا أعلم، ومفعوله محذوف.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَمَا أدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}: معناهُ أَي شيء أعلمك ما الحاقة.
قاله الزجاج في معاني القرآن.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: واي شيء يدرك ويعرفك أي شيء الحاقة؟! وهذا كله تعظيم ليوم القيامة.

قال الواحدي في الوسيط: ثم زاد في التهويل، فقال: {وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: ٣] أي: كأنك لست تعلمها، إذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدّين} ثنى ذكره تَعْظِيمًا لَهُ.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القران: فكرر ذكر اليوم تعظيماً لشأنه.

قال السمعاني في تفسيره: هو على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه.

قال القرطبي في تفسيره: وكرر ذكره تعظيما لشأنه، نحو قوله تعالى: القارعة ما القارعة؟ وما أدراك ما القارعة

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ}: وما أدراك ما الحطمة: هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول وتبلغه الأفهام.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ}: وما أدراك ما سقر جملة حالية من سقر، أي سقر التي حالها لا ينبئك به منبىء وهذا تهويل لحالها.
وما سقر في محل مبتدأ وأصله سقر ما، أي ما هي، فقدم ما لأنه اسم استفهام وله الصدارة.
فإن ما الأولى استفهامية. والمعنى: أي شيء يدريك، أي يعلمك.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}: وأيّ شيء أدراك يا محمد ما يوم الفصل، معظما بذلك أمره، وشدّة هوله.
قاله الطبري في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: (وما أدراك ما يوم الفصل) أتبع التعظيم تعظيما، أي وما أعلمك ما يوم الفصل؟.

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ}: قوله عز وجل: وما أدراك ما سجين هذا تعظيم لأمرها. وقال الزجاج: أي: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}: على التعجب والتعظيم.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الالوسي في روح المعاني: وقوله تعالى وما أدراك ما العقبة أي: أي شيء أعلمك ما هي تعظيم لشأن العقبة المفسرة بقوله سبحانه فك رقبة إلخ.

ومنه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}: قوله عز وجل: وما أدراك ما ليلة القدر هذا على سبيل التعظيم والتشوق إلى خيرها.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ:+966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} الحاقة: 4.

*قوله {كَذَّبَتْ}:* أي جحدت. ونحوه قوله تعالى (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ): أي كذبوا بالمعجزات وأنكروها.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: كذبوا بعذاب ربهم إنه غير نازل بهم.

قال البقاعي في نظم الدرر: {جحدوا} أيكذبواعنادا واستهانة.

ومنه قوله تعالى {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً}: يعني: غُبِنَ الذين جحدوا بالله، وبالبعث حين اختاروا العقوبة على الثواب حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة يعني: فجأة ومعناه: أنهم جحدوا وثبتوا على جحودهم حتى إذا جاءتهم القيامة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه قوله تعالى {وَأَغْرَقْنَا الذينكَذَّبُواْبِآيَاتِنَآ}: أيجحدوابها.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

ومنه {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}: أي جحدت بكافة من أرسلهم الله؛ لأن من كفر برسول كفر بجميع الرسل؛ لأن دعوتهم واحدة.

قال أبو بكر الجزائري في تفسيره: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}: أي جحدت قبيلة ثمود ما جاءها به رسولها صالح.

ومنه {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}: بأن جحد قومهم ما يعرفون من صدقهم و أمانتهم كما فعل بك.
قاله البقاعي في نظم الدرر.

ومنه {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ}: يعني: جحدوا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

*قوله {ثَمُودُ}:* قوم صالح - عليه السلام -. لقوله {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

*قوله {وَ}:* كذبت.

*قوله {عَادٌ}:* قوم هود - عليه السلام -. لقوله {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

*قوله {بِالْقَارِعَةِ}:* أي بالحاقة، يعني بالقيامة.

ووضِعَت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة، وكثرة الأسماء تدل على عظم، وهيبة المسمى.

وأصل القرع: الطرق، والضرب بشدة.

وسميت بالقارعة: لأنها تفجأ، وتهجم فتقرع القلوب بصدمتها، وبخوفها، وبأهوالها العظام الجسام؛ التي حكى الله عنها، في غير ما موضع من كتابه.

قال الله ﴿القارِعَةُ۝مَا القارِعَةُ۝وَما أَدراكَ مَا القارِعَةُ۝يَومَ يَكونُ النّاسُ كَالفَراشِ المَبثوثِ۝وَتَكونُ الجِبالُ كَالعِهنِ المَنفوشِ﴾ [القارعة: 1-5].

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: القارعة منأسماءالقيامة لأنها تقرع القلوب بهولها.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: والقارعة:القيامة، لأنها تضرب وتصيب الناس بإقراعها.

وقال ﴿إِذا وَقَعَتِ الواقِعَةُ۝لَيسَ لِوَقعَتِها كاذِبَةٌ۝خافِضَةٌ رافِعَةٌ۝إِذا رُجَّتِ الأَرضُ رَجًّا۝وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا۝فَكانَت هَباءً مُنبَثًّا﴾ [الواقعة: 1-6].

وقال ﴿فَإِذَا النُّجومُ طُمِسَت۝وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَت۝وَإِذَا الجِبالُ نُسِفَت۝وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَت۝لِأَيِّ يَومٍ أُجِّلَت۝لِيَومِ الفَصلِ۝وَما أَدراكَ ما يَومُ الفَصلِ﴾ [المرسلات: 8-14].

وقال: ﴿إِذَا السَّماءُ انفَطَرَت۝وَإِذَا الكَواكِبُ انتَثَرَت۝وَإِذَا البِحارُ فُجِّرَت۝وَإِذَا القُبورُ بُعثِرَت﴾ [الانفطار: 1-4].

وقال ﴿فَإِذا بَرِقَ البَصَرُ۝وَخَسَفَ القَمَرُ۝وَجُمِعَ الشَّمسُ وَالقَمَرُ۝يَقولُ الإِنسانُ يَومَئِذٍ أَينَ المَفَرُّ۝كَلّا لا وَزَرَ﴾ [القيامة: 7-11].

قال الزمخشري في الكشاف: بالقارعةالتي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار.

قال في الغريبين في القرآن والحديث: والأصل فيالقرعالضرب.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: وَالْقَارِعَة: الداهية، وَالْجمعالقَوارع.

قال في تهذيب اللغة: وَمعنىالقارعةفِي اللُّغَة: النَّازِلَة الشَّدِيدَة تنزِل عَلَيْهِم بأمرٍ عَظِيم؛ وَلذَلِك قيل ليَوْم الْقِيَامَةالقارعة.

قال الرازي في مختار الصحاح: (الْقَارِعَةُ) الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ وَهِيَ الدَّاهِيَةُ.

قال في التوقيف على مهمات التعاريف: القارعة: المصيبة التي تقرع بشدة. وأصل القرع ملاقاة الشيء اليابس لمثله.

قال ابن منظور في لسان العرب: وَمَعْنَىالْقَارِعَةِفِي اللُّغَةِ النازلةُ الشَّدِيدَةُ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بأَمر عَظِيمٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِالْقَارِعَةُ. وَيُقَالُ: قَرَعَتْهم قَوارعُ الدهْرِ أَي أَصابتهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}: قَارِعَةٌ: أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، ويقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى قارعة في اللغة نازلة شديدة تزل بأمر عظيم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والقارعة: في الأصل وصف منالقرع، وهو ضرب جسم بجسم آخر. يقال: قرع الباب إذا ضربه بيده بحلقة. ولما كانالقرعيحدث صوتا مباغتا يكون مزعجا لأجل تلك البغتة صارالقرعمجازا للمباغتة والمفاجأة، ومثله الطرق.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {كذبت ثمود وعاد بالقارعة}: أي بالحاقة فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة وسميت بها لأنها تقرع الناس بالأفزاع والأهوال.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و «القارعة» من أسماء القيامة أيضا، لأنها تقرع القلوب بصدمتها.

قال الزمخشري في الكشاف: بالقارعةالتي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار.

قال البقاعي في نظم الدرر: {بالقارعة} أي التي تقرع، أي تضرب ضربا قويا وتدق دقا عنيفا شديدا للأسماع وجميع العالم بانفطار السماوات وتناثر النيرات ونسف الجبال الراسيات، فلا يثبت لذلك الهول شيء.

قال القرطبي في تفسيره: {كذبتثمودوعادبالقارعة}: ذكر من كذب بالقيامة. والقارعة القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها. يقال: أصابتهم قوارع الدهر، أي أهواله وشدائده.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: وإنما سميت القارعة لأن الله- عز وجل- يقرع أعداءه بالعذاب.

قال السمرقندي في بحر العلوم: وإنما سميت قارعة، لأنها تقرع قلوب الخلق.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: «القارعة» القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة.

قال السمعاني في تفسيره: القارعة اسم للقيامة أيضا. قال المبرد: سميت القيامة قارعة؛ لأنها تقرع القلوب، وتهجم عليها بالشدة والكرب.

قال القاسمي في محاسن التأويل: كذبت ثمود وعاد بالقارعة أي بالساعة التي تقرع الناس بأهوالها وهجومها عليهم.
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*البسيط في معاني وغريب القرآن:*

- كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: 11].

*قوله {إِنّا}:* بقدرتنا وفضلنا عليكم.

ولفظ الجمع للتعظيم.
كما قال: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. وقوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

*قوله {لَمّا}:* أي حينما.

ومنه قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}:
أي: وأظهروا الندامة حينما عاينوا العذاب، والإسرار هنا: بمعنى الإظهار، وهو من الأضداد. وسيأتي تفصيله لاحقا - إن شاء الله -.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: (لَمَّا): ظرف بمعنى: حين أي حين.

ومنه {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}: لَمَّا صَبَرُوا: أي حين صبروا جعلناهم أئمة.
قاله النحاس في إعراب القرآن.


*قوله {طَغَى}:* أي علا، وكثر.

وأصله من الطغيان، أي: تجاوز الحد. ومنه قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}، أي: بالصيحة الطاغية التي تجاوزت حد الصيحات.

فقوله تعالى: {طَغَى}: يعني: تجاوز الحد فارتفع فوق كل شيء؛ حتى صار أمثال الجبال، وتصديقه: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}.
يقال: طغى السيلُ: إذا جاء بماء عظيم.

ومما يدلك على كثرة وعظم الماء وطغيانه أن الله وصف ما قضى به من الطوفان والغرق كربا عظيما، قال الله: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}: قال الطبري في تفسيره: يعني بالكرب العظيم: العذاب الذي أحل بالمكذبين من الطوفان والغرق، والكرب: شدة الغم.

قال الكفوي في الكليات: الطغيان: هو تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل، وعلى ذلك: {لما طغى الماء}.

قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: وطغيان القلم: تجاوزه حد الاستقامة.


قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}: قال الطبري في تفسيره: أي يتجاوز حدّه.


ومنه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: قال الماوردي في النكت والعيون: {في طغيانهم} يعني تجاوزهم في الكفر، والطغيان مجاوزة القدر.

انتهى. وقد سبق بيانه بإفاضة - بحمد الله - عند تأويل قوله: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}.


فمعنى قوله تعالى: {طَغَى الماءُ}: أَي علا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: طَغَى الْماءُ عبارة عن كثرته.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء} يعني لمّا كثر وارتفع.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان.

*قوله {الماءُ}:* الكثير الذي نزل من السماء، والذي تفجَّر من الأرض.

وتصديقه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}: أي حملناه على سفينة ذات ألواح ومسامير.


*قوله {حَمَلناكُم}:* أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {حملناكم} يعني: نوحا ومن معه الذين من ذريتهم.


قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:


المسألة الأولى:

قوله تعالى: {حَمَلناكُم}: تقديره: حملنا آباءكم؛ وأنتم في أصلابهم. فالخطاب للشاهد والمراد به الغائب، ونظيرتها قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: يعني: نجينا آباءكم زمان فرعون. وأضيف إلى الأحياء لأنهم منهم، أي من الذين نجاهم الله زمان فرعون.

قال القرطبي في تفسيره: " والخطاب للموجودين والمراد من سلف من الآباء كما قال" إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" : أي حملنا آباءكم وقيل إنما قال" نجيناكم" لأن نجاة الآباء كانت سببا لنجاة هؤلاء الموجودين. ا. ه

ونظيرتها: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ: أي فلما قتل آباءكم هؤلاء الأنبياء، لان المخاطبين لم يباشروا القتل بأنفسهم، إنما كان أباؤهم في الزمن الغابر.

ونظيرتها: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}: أي وما كان الله ليضيع إيمانهم، أي صلاة إخوانكم الذين ماتوا قبل أن تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام.

قال الواحدي في البسيط: وإنما أضيف إلى الأحياء، لأن الذين ماتوا على القبلة الأولى كانوا منهم. فقال: (إيمانكم) وهو يريد: إيمانهم، لأنهم داخلون معهم في الملة. وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، يريد: قتلنا منكم، فيواجههم بالقتل وهم أحياء.

قال القصاب في النكت: فمعنى قوله تعالى: {حَمَلناكُم}: أي حملنا من أنتم من نسلهم، ومن كانوا آباءكم، لأن الجارية - وهي السفينة - لم يحُمل فيها محمد، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الموجودون عند نزول الآية، وقد حقق ذلك.

المسألة الثانية:

فإن قلت: ما وجه الامتنان في قوله تعالى: ﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾؟

فالجواب: أن الله أهلك أهل الأرض كلهم أجمعين زمان الطوفان، إلا من ركب مع نوح في السفينة، ولم يجعل الله نسلا لأحد ممن كان مع نوح إلا أولاده الثلاثة.

فلولا أن الله أنجى نوحا ومن معه لما كنتم في هذا الوجود، ألا تر أن الله قال: {ثُمَّ بَعَثناكُم مِن بَعدِ مَوتِكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ}، فالحياة التي وهبها الله نعمة عظمى، ومنة كبرى من الله سبحانه، ملعون من أتلفها بغير حق.

كما أن الله جعل الناس كلهم من ذرية نوح - عليه السلام - فحسب بعد مهلك قومه، فلم يجعل الله نسلا ولا عقبا من غيرهم، لذا يسمى نوح "أبو البشرية الثاني"، ولذا نادى الله بني إسرائيل وغيرهم ممتنا ومذكرا لهم بهذه النعمة، فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}: ذُرِّيَّةَ: منصوبة على النداء، يعني: يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة.

ولأجله شرعَ اللهُ لنا ذكراً نذكر الله به، عند الاستيقاظ من النوم، اعترافا بنعمته، وثناءا عليه، أعني ما رواه مسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه: وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور».
فعلى العبد أن يحمد ربه في أمره عامة، وعندما يرد الله عليه روحه خاصة، فكم ممن اضطجع ثم سلبت روحه.


فإن قلت: ما الدليل على أن الله أهلك الأرض كلهم أجمعين زمان نوح - عليه السلام -، عدا من ركب معه في السفينة؟. وما الدليل أن الله لم يجعل نسلا ممن ركب معه إلا لبنيه الثلاثة؟.

فجواب الأول: قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ}، قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني من بقي ممن لم يركب السفينة.

قال البقاعي في نظم الدرر: {الباقين} أي من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة.

ودليل الثاني: قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}: قال الطبري في تفسيره: وقوله (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ) يقول: وجعلنا ذريّة نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مَهْلِك قومه، وذلك أن الناس كلهم من بعد مَهْلِك نوح إلى اليوم إنما هم ذرية نوح، فالعجم والعرب أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والخَزَر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح، وبذلك جاءت الآثار، وقالت العلماء. ا. ه.

قال البغوي في تفسيره: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): وقد فني غيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): أهل الأرض كلهم من ذرية نوح.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ}: قد بينا أن الناس من نسل نوح عليه السلام ولم يبق أحد من نسل غيره.

قال الواحدي في الوجيز: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): لأن الخلق كلهم أهلكوا، إلا من كان معه في سفينته وكانوا من ذريته.

قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): فالناس كلهم ولد سام وحام ويافث.

وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل هذه الآيات (إن شاء الله).

*قوله {فِي الجارِيَة}:* الجارِيَة: يعني السفينة، التي أمره الله أن يصنعها: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}، و"الجارية: مفرد. والجمع: الجواري.


والمعنى: لما علا الماء وكثر فكان الغرق محتوما حملناكم حملنا آباءكم في السفينة، مع نوح - عليه السلام - فنجوا من الغرق. ولولا أن الله نجاهم لما بقي لهم نسل ولا عقب، لذا كانت آية عظيمة ونعمة جسيمة، قال الله {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.


وسمى الله السفينة "بالجارية": لأنها تجري بسرعة على الماء الذي من شأنه الإغراق بيسر وخفة ونشاط كالجارية الشابة من شأنه الإغراق. وذلك مع عظم حجم السفينة، وتصديقه {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا}.

وكل ذلك تفضلا منه - سبحانه -، ولو شاء لأمسكها، أي أمسك السفن، ولما سخّر البحر والريح لتجري، كما قال: ﴿وَمِن آياتِهِ الجَوارِ فِي البَحرِ كَالأَعلامِ۝إِن يَشَأ يُسكِنِ الرّيحَ فَيَظلَلنَ رَواكِدَ عَلى ظَهرِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ۝أَو يوبِقهُنَّ بِما كَسَبوا وَيَعفُ عَن كَثيرٍ﴾ [الشورى: 32-34].

قال الفراء في معاني القرآن: «فَالْجارِياتِ يُسْراً»، وهى السفن تجرى ميسّرة.

قال ابن قتيبة في غريب القران: فَالْجارِياتِ يُسْراً أي السفن تجري في الماء جريا سهلا.

قال القرطبي في تفسيره: وواحد الجواري جارية، قال الله تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية}. سميت جارية لأنها تجري في الماء. والجارية: هي المرأة الشابة، سميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب.


انتهى


فمعنى قوله تعالى {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية}: يعني في السّفينة
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوسيط، وغيرهم جمع.

إلا أن ابن أبي زمنين قال: يعني: السفينة.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {حملناكم في الجارية}: يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {حملناكم في الجارية} أي: السفينة، وجمعها الجواري وهي السفن.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}: قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: سفن فِي الْبَحْر كالجبال.

قال الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: قوله: {ومن آياته الجوار}: يعني السفن، الواحدة: جارية.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: 11].
إنا لما تجاوز الماء حدَّه في الارتفاع حملنا من كنتم في أصلابهم في السفينة الجارية التي صنعها نوح عليه السلام بأمرنا، فكان حَمْلاً لكم.
..................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَإِنّا لَنَحنُ الصّافّونَ﴾ [الصافات: 165].

*قوله {وَإِنّا لَنَحنُ}:* معاشر الملائكة.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل ملائكته: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) لله لعبادته.

*قوله {الصّافّونَ}:* جمع صافّ.

أي: الواقفون صفوفا، المتراصون في عبادة الله، فلا يتقدم أحد منا ولا يتأخر في الصف؛ اجلالا وتعظيما لربنا.

واصطفافهم "يتمون الصفوف الْأُوَلَ ويتراصون في الصف". وتصديقه ما رواه مسلم (430)، من حديث جابر بن سمرة، مرفوعا، وفيه: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

انتهى

فمعنى قوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: أي الواقفون في العبادة صفوفا.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والصَّافُّونَ معناه الواقفون صفوفا.


قال ابن كثير في تفسيره: {وإنا لنحن الصافون} أي: نقف صفوفا في الطاعة.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وإنا لنحن الصافون}: أي المصطفون في السماء للعبادة.

قال الشنقيطي في اضواء البيان: ومعنى كونهم صافين: أن يكونوا صفوفا متراصين بعضهم جنب بعض في طاعة الله تعالى، من صلاة وغيرها.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القران: الصافون: جمع صاف.

قلت (عبدالرحيم): وفي الآية دليل على عظيم شأن الصفوف في عبادة الله، والوقوف بين يديه، ومما يدل عليه أن الله كثيرا ما يخبر عن ملائتكة أنهم صفوفا، وأخبر أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بيان مرصوص، ومما جاء في السنة في أهمية الصفوف في الصلاة والعناية بها فهو كثير مستفيض، حتى أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن سبب اختلاف هذه الأمة أنهم لا يسوون هذه الصفوف، وإليك ما يلي:

- اخباره تعالى - جل ذكره - عن ملائكته أنهم يصطفون في طاعتهم لربهم، وإقسامه - تعالى بهم حال كونهم صفوفا بأنه إله ورب واحد:

قال الله: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}: أي أقسم بهؤلاء الملائكة التي تصف عندي في الملأ الأعلى إني إله ورب واحد، لا شريك لي، بدليل ما بعده، قال الله {فَالزّاجِراتِ زَجرًا * فَالتّالِياتِ ذِكرًا * إِنَّ إِلهَكُم لَواحِدٌ}،

قال الطبري في تفسيره: يعنيتعالى ذكره بقوله: {إن إلهكم لواحد}: والصافات صفاإن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فأقسم الله بهؤلاء الملائكة إن إلهكم يعني أن ربكم لواحد ليس له شريك.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: ورب الصافات، وهي الملائكة بإجماع. وهو جمع صافة، كأنها جماعات مصطفة لذكر الله وتسبيحه.

فقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}: يعني الملائكة صفوفا في السماء يسبحون الله جل ثناؤه كصفوف الناس في الأرض للصلاة.
قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

قال الطبري في تفسيره: فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء وهي جمع صافة، فالصافات: جمع جمع.

- اخباره تعالى بأنهم يجيئون مع ربهم صفوفا، وصفا بعد صف:

قال الله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا: أي أتى ربك بذاته - إتيانا يليق به - وأملاكه صفوفا صفوفا.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا}: يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف.

وقال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}: أي صفوفا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

- اخباره تعالى بأنه يحب الذين يقاتلون في سبيله، قد أحكموا صفوفهم، وتراصوا كأنهم بنيان مصرصوص، حتى يلتحموا في القتال:

قال الله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ: صَفًّا: قال الطبري في تفسيره: {صفا}: يعني بذلك أنهم يقاتلون أعداء الله مصطفين. وقوله: {كأنهم بنيان مرصوص}: يقول: يقاتلون في سبيل الله صفا مصطفا، كأنهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنية قد رص، فأحكم وأتقن، فلا يغادر منه شيئا.

- أمره صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف، والتحذير من عدم إقامتها، ومن ذلك ما رواه الشيخان، من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: الظاهر من قوله: " أو ليخالفن الله بين وجوهكم " أنه الوعيد المذكور في قوله تعالى: {أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها}.

قال عياض في إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم: وقوله: "أوليخالفناللهبينوجوهكم": يحتمل أنه يكون كقوله: " أن يحولالله صورته صورة حمار "، فيخالف بصفتهم إلى غيرها من المنسوخ،أويخالف بوجه من لم يقم صفه ويغير صورته عن وجه من أقامه،أويخالف باختلاف صورها فى المسخ والتغيير.

قال النووي في شرحه لمسلم: والأظهر والله أعلم أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان علي أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.

واخباره صلى الله عليه وسلم أن إقامة الصفوف من حسن الصلاة، واقامتها:

روى البخاري (722)، ومسلم (435)،من حديث أبي هريرة - رضي الله- مرفوعا، وفيه: أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ ".

قال الكرماني في الكواكب الدراري في شرح البخاري: وإقامةالصفتعديله وإقامةالصلاةتعديل أركانها وحفظهامنأن يقع زيغ في واجباتها ومندوباتها والتسوية من جملتها.

قال ابن رجب في فتح الباري: والمراد: أنالصفإذا أقيم فيالصلاةكان ذلكمنحسنها، فإذا لم يقم نقصمنحسنها بحسب ما نقصمنإقامةالصف.

قال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري: وقد كان لعمر وعثمان رجال يوكلونهم بتسوية الصفوف، فإذا استوت كبرا.

- أمره تعالى بإقامة الصلاة، ولا يتم إقامتها إلا بإقامة الصفوف، رواه الشيخان من حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَوُّوا صَفُوفَكمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ.

قال النووي في شرحه لمسلم: معناه والله أعلم من إقامتها المأمور بها في قوله تعالى وأقيموا الصلاة.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَإِنّا لَنَحنُ الصّافّونَ﴾ [الصافات: 165]
وإنا - نحن الملائكة - لواقفون صفوفًا في عبادة الله وطاعته.
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الحاقة: 15].

*قوله {فَيَومَئِذٍ}:* أي فحينئذ.

والفاء عاطفة؛ عطف على ما قبله: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفخَةٌ واحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً}.

والمعنى: يوم ينفخ في الصور نفخة الفناء - وهي النفخة الأولى -، ويوم تدك الأرض والجبال، أي: إذا حصل ذلك كله حينئذ وقعت النفخة الثانية؛ فيقوم الخلق للحساب.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: والتنوين في «يومئذ» للعوض من الجملة، تقديره: يوم إذ نفخ في الصور.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: {فيومئذ} معطوف على {فإذا نفخ في الصور}، وهو منصوب بوقعت، كما أن إذا منصوب بنفخ.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأما قوله: فيومئذ فهو تأكيد لمعنى فإذا نفخ في الصور إلخ.

قال النسفي في مدارك التنزيل، وأبو السعود في تفسيره: {فَيَومَئِذٍ}: فحينئذ.

*قوله {وَقَعَتِ}:* أي قامت، ونزلت، وحلت.

وعبر عنها بصيغة الماضي: لقربها، وتحقق وقوعها، فهي حق كائنة، ليس لها مردود، كما قال: {إِذا وَقَعَتِ الواقِعَةُ * لَيسَ لِوَقعَتِها كاذِبَةٌ}: قال الفراء في معاني القرآن: يقول: هي حق.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {لَيْسَلِوَقْعَتِهَاكَاذِبَةٌ}: أيليسلها مردود.

قال الهروي في الغريبين: وقوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة}: أي قامت القيامة ويقال لكل شيء آت كان يتوقع قد وقع.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى وقعت الواقعة تحقق ما كان متوقعا وقوعه لأنهم كانوا يتوعدون بواقعة عظيمة فيومئذ يتحقق ما كانوا يتوعدون به.
فعبر عنه بفعل المضي تنبيها على تحقيق حصوله.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}: قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: ووضع الماضيموضع المستقبل لتحقق وقوع الأمرولقربه.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: وقوله: «أتى»، بصيغةالماضيليخص الوقوع، فكأنه قدأتىووقع.

قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة.

*قوله {الواقِعَةُ}:* يعني القيامة.

ونَوَّع - تعالى ذكره - أسماء القيامة بالحاقة والواقعة والقارعة والصاخة، والطامة والآزفة تعظيما لها.

وعبر عنها ب "الواقعة": تهويلا وتخويفا، فكأنها شيء عظيم الثقل معلق ليس له إلا السقوط فيهجم بوقعته على القلوب.

قال الزمخشري في الكشاف: فيومئذ وقعت الواقعة فحينئذ نزلت النازلة وهي القيامة واهية مسترخية ساقطة القوة جدا بعد ما كانت محكمة مستمسكة.

قال النسفي في مدارك التنزيل، والقاسمي في محاسن التأويل: {وقعتالواقعة}: نزلت النازلة وهي القيامة.

زاد النسفي: وجواب إذاوقعت ويومئذ بدل من إذا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَقَعَتِ الواقِعَة}: أي قامت القيامة.
قاله البغوي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في زاد المسير، وأبو حيان في البحر، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر، وأبو السعود في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى: {وَقَعَتِ الواقِعَة}: يعني به: النفخة الثانية، نفخة الإحياء والبعث، وبدليل ما قبله، قال الله: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفخَةٌ واحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً * فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الواقِعَةُ}: يعني إذا نفخ إسرافيل النفخة الأولى، ورفعت الأرض والجبال فأخذها من شدة الزلزلة ما أخذها، فحينذ نفخ إسرافيل النفخة الثانية؛ وهي القيامة العظمى، والطامة الكبرى، والفزع الأكبر. فذلك قوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى: أي النفخة الثانية.

قال الطبري في تفسيره: {فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الواقِعَة}: فيومئذ وقعت الصيحة الساعة، وقامت القيامة.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: وقعتالصيحة الآخرة يعني النفخة الآخرة.

قال البقاعي في نظم الدرر: المراد بها النفخة الثانية.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الحاقة: 15].
فيوم يحصل ذلك كله تقع القيامة.
....................
(1): قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [الواقعة]:النازلة الشديدة.
..................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَانشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: 16].

*قوله {وَ}:* عطف على قوله:
{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}: يعني: نزلت، وحلت القيامة الكبرى، وهي النفخة الآخرة.

قال المظهري في تفسيره: وانشقت السماء عطف على وقعت.

*قوله {انشَقَّتِ}:* انصدعت، وانفطرت، وتخرقت، وانفرجت، وتقطعت، وفتحت أبوابا. وكله معناه واحد.

وتصديق ذلك قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}: انشقت.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب، وغيرهم.

وقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}: قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا.

قال ابن الجوزي في تفسير غريب الصحيحين: أي شقت وخرقت. والفروج: الشقوق وكل ما اتسع بعد انضمام فقد انفرج.

وقوله: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}: قال الطبري في تفسيره: يقول: وإذا السماء شققت وصدّعت.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}: أي فُتِحتْ.

وقوله: {وفتحت السماءفكانتأبوابا}: أي تشققت. كما قال عز وجل: (إذا السماء انفطرت)، (إذا السماء انشقت).
قاله الزجاج في معاني القرآن.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله عزَّ وجلَّ: {وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً}. مثل: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» «وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ» معناه واحد.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَانشَقَّتِ السَّماءُ}: وانصدعت السماء.
قاله الطبري في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.

إلا أن القرطبي قال: أي انصدعت وتفطرت.




قال النسفي في مدارك التنزيل: {وانشقت السماء} فتّحت أبوابا.

*قوله {السَّماءُ}:* لنزول الملائكة، وهول القيامة.

يعني: تشققت لنزول الملائكة، وما أصابها وأزعجها من هول القيامة.

قال السمرقندي في بحر العلوم، وابن الجوزي في زاد المسير، والرازي في التفسير الكبير، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم: {وانشقت السماء}: لنزول الملائكة.

إلا أن السمرقندي قال: {وانشقت السماء}: يعني: انفرجت السماء بنزول الملائكة.

وابن الجوزي: لنزول من فيها من الملائكة.


والشوكاني: أي انشقت بنزول ما فيها من الملائكة.

قلت (عبدالرحيم): ومن الأدلة على أن السماء تنشق لزول الملائكة، قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}: قال البغوي في تفسيره: (فإذا انشقت)، انفرجت، (السماء)، فصارت أبوابا لنزول الملائكة.

وقوله: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا}:
قال القرطبي في تفسيره: أي لنزول الملائكة، كما قال تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا.

*قوله {فَهِيَ}:* أي السماء بعد انشقاقها.


*قوله {يَومَئِذٍ}:* أي في ذلك اليوم؛ يعني يوم أن ينفخ في الصور النفخة الثانية.

*قوله {واهِيَة}:* أي ضعيفة.

يعني: ضعفت، بعد أن كانت شدادا، أي غلاظا قوية، محكمة متماسكة. وتصديقه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}: قال السمرقندي في بحر العلوم: سبعا شدادا يعني: سبع سموات غلاظا.

قال الطبري في تفسيره: وقال: {سبعا شدادا}: إذ كانت وثاقا محكمة الخلق، لا صدوع فيهن ولا فطور، ولا يبليهن مر الليالي والأيام.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {شِدَاداً}: جمع شديدة أي محكمة قوية.

انتهى


وأصل الوهن: الضعف. يقال: حبل واهن: أي ضعيف، ليس بشديد.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والصاغاني في العباب الزاخر، والجوهري في الصحاح تاج اللغة، وغيرهم: الوهن: الضعف.

إلا أن الخليل قال: وهن: الوَهْنُ: الضَّعْفُ في العمل وفي الأشياء.

وزاد الجوهري: وقد وَهَنَ الإنسانُ ووَهَنَهُ غيره.

قلت (عبدالرحيم):
ومنه قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}: {موهن} مضعف.
قاله الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن ابي زمنين في تفسيره.

إلا أن الطبري قال: يقول: واعلموا أن الله مع ذلك مُضْعِف "كيد الكافرين"، يعنى: مكرهم، حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يُهْلَكوا.
قاله الطبري في تفسيره.

والسمرقندي: يعني: مضعف كيد الكافرين، يعني: صنيع الكافرين ببدر.

ومنه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}: ضعفا على ضعف، وشدة على شدة.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}: وَهَنَ: ضعف.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

إلا أن البغوي قال: وهن، ضعف ورق.

ومنه: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}:{وإن أوهن البيوت}: يقول: وإن أضعف البيوت.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.

إلا أن السمرقندي قال: {وإن أوهن البيوت} يعني: أضعف البيوت لبيت العنكبوت؛ لأنه لا يغني من حر ولا من برد ولا من مطر وكذلك آلهتهم لا يدفعون عنهم ضرا، ولا يقدرون لهم نفعا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {واهِيَةٌ}: ضعيفة.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان، وأبو حيان في البحر المحيط، وأبو السعود في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل، والسمين الحلبي في الدر المصون، والعليمي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والمظهري في تفسيره، وغيرهم.

قال الفراء في معاني القرآن: وهيها: تشققها.

قال الزجاج في معاني القران: وقوله: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية}: يقال لكل ما ضعف جدا قد وهى فهو واه.

قال الرازي في التفسير الكبير: فهي يومئذ واهية أي مسترخية ساقطة القوة كالعهن المنفوش بعد ما كانت محكمة شديدة.

قال الشوكاني في فتح القدير: فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية.

قال أبو حيان في البحر المحيط: واهية: ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة.

قال العليمي في تفسيره: ضعيفة بعد قوتها.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَانشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: 16].
وتشققت السماء يومئذ لنزول الملائكة منها، فهي في ذلك اليوم ضعيفة بعد أن كانت شديدة متماسكة.
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَانشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: 16].

*قوله {وَ}:* عطف. على قوله:

ولما فرغ الله من كلامه عن الأرض وما سينزل بها، تكلم عن حال السماء وما يحل بها، وذلك كله عند النفخة الثانية.

*قوله {انشَقَّتِ}:* أي انصدعت، وتخرقت، وانفرجت.

وعبر عن تشققها: بالانصداع، والفروج، والفطور

وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ

وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ

*قوله {السَّماءُ}:* التي كانت في الدنيا شديدة البناء.

*قوله {فَهِيَ}: بعد تشققها، وتخرقها، أي السماء.

قال الدعاس في إعراب القرآن: فَهِيَ: الفاء حرف عطف.

*قوله {يَومَئِذٍ}:* يوم النفخ في الصور النفخة الثانية، يعني: يوم القيامة.

*قوله {واهِيَة}:* أي ضعيفة.

يعني: ضعفت، وتخرقت بعد أن كانت شديدة متماسكة؛ ولذلك لنزول الملائكة، وتصديقه: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}:

وأصل الوهن: الضعف. يقال: حبل واهن: أي ضعيف، ليس بشديد.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والصاغاني في العباب الزاخر، والجوهري في الصحاح تاج اللغة: الوهن: الضعف.

إلا أن الخليل قال: وهن: الوَهْنُ: الضَّعْفُ في العمل وفي الأشياء.

وزاد الجوهري: وقد وَهَنَ الإنسانُ ووَهَنَهُ غيره.

قلت (عبدالرحيم):

ومنه قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}:

ومنه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}: ضعفا على ضعف، وشدةعلى شدة.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}: فما وهنوا: أي ما ضعفت قلوبهم بالجبن، وقوله بعدها: وماضعفوا: أي ما ضعفت أبدانهم، وما عجزت، وما فترت عن القتال.

قال الطبري في تفسيره: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله}: فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم عن حرب أعداء الله، ولا نكلوا عن جهادهم. {وما ضعفوا}: يقول: وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم.

قال الزحيلي في التفسير المنير: {فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا}: وهنوا: ضعفوا وجبنوا، والوهن: ضعف يصيب القلب، والضعف: اختلال قوة الجسم، والاستكانة: الاستسلام والخضوع للعدو ليفعل ما يريد.

ومنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}: وَهَنَ: ضعف.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

إلا أن البغوي قال: وهن، ضعف ورق.

ومنه: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}:{وإن أوهن البيوت}: يقول: وإن أضعف البيوت.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.

إلا أن السمرقندي قال: {وإن أوهن البيوت} يعني: أضعف البيوت لبيت العنكبوت؛ لأنه لا يغني من حر ولا من برد ولا من مطر وكذلك آلهتهم لا يدفعون عنهم ضرا، ولا يقدرون لهم نفعا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {واهِيَةٌ}: ضعيفة.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان، وأبو حيان في البحر المحيط، وأبو السعود في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل، والسمين الحلبي في الدر المصون، والعليمي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والمظهري في تفسيره، وغيرهم.

قال الفراء في معاني القرآن: وهيها: تشققها.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَانشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: 16].
وتشققت السماء يومئذ لنزول الملائكة منها، فهي في ذلك اليوم ضعيفة بعد أن كانت شديدة متماسكة.
………………….

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. +966509006424*

قوله تعالى
{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} الحاقة: (17).

*قوله {وَالْمَلَكُ}:* أي والملائكة. أفرد وأراد الجمع.

و " الملك " اسم جنس؛ فيشمل الواحد والجميع.

والعرب تجتزئ بالواحد عن الجماعة، نص عليه ابن زنجلة في حجة القراءات.

قال ابن كثير في تفسيره: {والملك على أرجائها}: الملك: اسم جنس، أي: الملائكة على أرجاء السماء.

قال الواحدي في البسيط: فـ (الملك) اسم الجنس يقع على الواحد والجمع.

قال علي بن فَضَّال في النكت في القرآن الكريم: {والملك}: واحد ويراد به الجماعة؛ لأنه جنس، ولا يجوز أن يكون واحداً بعينه.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: {وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها}، في موضع: «والملائكة» .

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}: إِمَامًا: أي أئمة.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: (واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة يقتدي بنا المتقون، فإمام مفرد يراد به الجنس.

وقوله: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}: أي الأطفال.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (أو الطفل) اسم جنس بمعنى الجمع، والدليل على ذلك نعته ب"- الذين".

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {أو الطفل} يريد الأطفال. يدلك على ذلك قوله: {الذين لم يظهروا على عورات النساء} أي لم يعرفوها ولم يفهموها.

وقوله: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا}: أي الغرف، كما قال: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والتعريف في الغرفة تعريف الجنس فيستوي فيه المفرد والجمع مثل قوله تعالى: {وأنزلنا معهم الكتاب} فالمعنى: يجزون الغرف، أي من الجنة، قال تعالى: وهم في الغرفات آمنون.

وقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}: أي: إن الناس.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: والإنسان بمعنى:الناسهاهنا.

وقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}: أي: المفسدين من المصلحين، وكذا قول العرب: أهلك الناس الدينار والدرهم، أي: الدنانير والدراهم.
قاله ابن فَضَّال في النكت في القرآن.

وقوله (قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ): ضَيْفِي: أي ضيوفي.

قال القرطبي في تفسيره: أيأضيافي.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: فاستغنى بالواحد عن الجمع.

ومنه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}: معناه: أنهار.
قاله الفراء في معاني القرآن.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: وهو اسم جنس ويقوم مقام الأنهار وهذا هو الظاهر الأصح.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر) يعني «وأنهار» بدليل قوله: (فيها أنهار من ماء غير آسن).

ومنه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}: أي رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}: أي أطفالا، فهو اسم جنس.
قاله القرطبي في تفسيره.



قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: الطفل اسم الجنس، يتناول الواحد والكثير.

قلت: هذا: ويطلق الجمع ويراد به الفرد، قال الله: {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين}: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: قال الشيخ أبو عمر: سنين بمعنى: سنة، وهذا لفظ جمع بمعنى واحد، كما جاء لفظ الواحد.

انتهى.

فقوله تعالى (وَالْمَلَكُ): يريد " والملائكة ".
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيره.

قال النحاس في إعراب القرآن: {الْمَلَكُ}: يعني الملائكة، لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون
علىأرجائهافي وقت واحد، بل في أوقات.


*قوله {عَلَى أَرْجَائِهَا}:* أي على أرجاء السماء.

مفردها: " رجا. وتثنيتها: رجوان.
والأرجاء: الجوانب، والأطراف،والنواحي. ومنه قولهم: أَرْجَاءِ الْمَعْمُورَةِ: يعني جوانب الأرض ونواحيها.
ومنه منكبا الرجل: أي طرفاه، وجانباه.

والمعنى: والملائكة على نواحيها، وجوانبها، وأطرافها.

قال الأصفهاني في إعراب القرآن: الأرجاء: الجوانب، واحدها " رجا.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: و (الرجا) مقصور ناحية البئر وحافتاها وكل ناحية رجا وهما رجوان والجمع (أرجاء).



انتهى

فمعنى قوله تعالى: {عَلَى أَرْجَائِهَا}: يعني نواحيها بلغة هذيل.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وذكره عبدالله بن حسنون في اللغات في القرآن.


قال الطبري في تفسيره: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابو بكر السجستاني في غريب القران: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي على جوانبها ونواحيها.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {على أرجائها} أَي: على نَوَاحِيهَا، وَاحِدهَا: رجا، وَيكْتب بِالْألف، لَان تثنيته: رجوان.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وضمير { أرجائها } عائد إلى { السماء}، والمعنى : أن الملائكة يعملون في نواحي السماء ينفّذون إنزال أهل الجنة بالجنة وسَوق أهل النار إلى النار.

*قوله {وَ}:* الملك.

*قوله {يَحْمِلُ}:* أي يرفع. أقدرهم الله على حمله.

والحمل: الرفع. ومنه قوله تعالى:{وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}: أي رفعت. وقد سبق تأويله.

ومنه: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}: قال الشوكاني في فتح القدير: أي رفعناكمفوق الماء حال كونكمفي السفينة.


*قوله {عَرْشَ رَبِّكَ}:* الذي هو أعظم المخلوقات على الإطلاق، والذي استوى عليه الرحمن؛ استواء يليق به.

*قوله {فَوْقَهُمْ}:* تأكيد، لأن العرش يعلوهم، ولا يكون إلا فوقهم.

وفائدة التأكيد: الإخبار أن العرش يعلوهم، فقد تجد من يحمل شيئا لكنه ليس فوقه، كأن يكون بمحاذاته أو دونه. ولذا أكد بقوله: {فَوْقَهُمْ}، وفيه إشارة إلى عظم خلقتهم. - فسبحان الله -. وقد روى أبو داود (4727) من حديث جابر بن عبد الله، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، قال: " أُذِنَ لي أن أُحدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ ملائكةِ الله من حَمَلة العرش: إن ما بين شَحمةِ أذُنِه إلى عاتِقِه مَسيرةُ سبع مئةِ عام" (1).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويتعلق { فوقَهم } ب { يحمل عرش ربّك } وهو تأكيد لما دّل عليه يحمل من كون العرش عالياً فهو بمنزلة القيدين في قوله : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] .

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}: تأكيد، لأن السقف لا يسقط إلا من فوق، أي من علو.

ومنه قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}: تأكيد، ولأن الكتابة لا تكون إلا باليد.

*قوله {يَوْمَئِذٍ}:* يوم القيامة.

*قوله {ثَمَانِيَةٌ}:* أملاك؛ من الملائكة المقربين.

وتصديقه: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}: قال البغوي في تفسيره: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}: وهم حملة العرش.
...........................
(1): صححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 151.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ أرسل " اشتراك " إلى: +966509006424*
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث*:

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقة: 21].

*قوله {فَهُوَ}:* يعني هذا الذي آمن بالبعث والحساب فأعطي كتابه بيمينه.

وهو الذي وصف ذكره في قوله تعالى: {إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاقٍ حِسابِيَه}: أي أيقنت، وعلمت علما جازما أني مبعوث، وملاقٍ جزائي.

قال البقاعي في نظم الدرر: {فهو} بسبب رجحان حسناته.

*قوله {في عيشَةٍ}:* في الجنة. التي لا عيش إلا عيشها.

وفي الصحيحين من حديث حديث سهل بن سعد مرفوعا، وفيه: «اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ».

*قوله {راضِيَةٍ}:* أي مرضية. فهي فاعلة بمعنى: مفعولة بها.

ومنه قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}: سَائِبَةٍ: أي مسيبة، يعني المتروكة. - من سيب الشيء أي: تركه -، وهي الأنعام التي كانوا يسيبونها، ويخلوها بلا ذبح، ولا ينتفعون بها، ويحرمونها على أنفسهم طاعة للشيطان الذي أوحى إليهم هذه التشريعات.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: فأما «السائبة» ، فهيفاعلةبمعنى:مفعولة، وهي المسيبة.

قال الطبري في تفسيره: وأخرجت"المسيَّبة" بلفظ"السائبة"، كما قيل:"عيشة راضية"، بمعنى: مرضية.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: (سائبة) أىمسيبة مخلاة.

ومنه: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}: دَافِقٍ: أي مدفوق، مصبوب. فهو فاعل بمعنى: مفعول به.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {من ماءدافق} في معنى:مدفوق، وهو مما جاء على لفظ الفاعل وهو مفعول به.

قال البغوي في تفسيره: {خلق من ماء دافق} مدفوق أي مصبوب في الرحم، وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقوله: "عيشة راضية": أي مرضية.

ومنه {قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ}: لا عاصِمَ: لا عاصِمَ: لا معصوم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب.

إلا أن ابن قتيبة قال: لا معصوم اليوم.

ومنه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}: آَمِنًا: أي مأمونا فيه.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والزركشي في البرهان، والكفوي في الكليات.

إلا أن الزركشي قال: وقوله: {أنا جعلنا حرما آمنا} أي: مأمونا، وعكسه: {إنه كان وعده مأتيا} أي: آتيا.

ومنه ما رواه مسلم (١٨٧٦)، من حديث أبي هريرة، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ،....».

فقوله: " فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ ": أي مضمون، يعني: أن الله هو الذي يضمن له ذلك.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: ((فهو علي ضامن)) أي مضمون.

قال عياض في المعلم بفوائد مسلم: قوله: "فهو علي ضامن أن أدخله الجنة" قد يجيء فاعل بمعنى مفعول كقوله {من ماء دافق} أي مدفوق و {عيشة راضية} بمعنى مرضية فعلى هذا يمكن أن يكون "ضامن" بمعنى مضمون.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ}: أي مرضية.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن كثير في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر، وابن أبي زمنين في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، والعز بن عبدالسلام في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.
زاد ابن أبي زمنين: قد رضيها.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه، في عيشة مرضية، أو عيشة فيها الرضا.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله (في عيشة راضية) معناها مرضية، وقال الشاعر :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
معناه: المكسو.

المعنى الإجمالي للآية من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقة: 21].
فهو في عيشة مرضية؛ لما يراه من النعيم الدائم.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث*:

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿قُطوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: 23].

*قوله {قُطوفُها}:* ثمرها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

قال القاسمي في محاسن التأويل: (قطوفها) جمع قطف بكسر القاف، وهو ما يقطف من ثمرها.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: قطف: القطف: اسم الثمار المقطوفة، والجميع القطوف.

*قوله {دانِيَةٌ}:* أي قريبة.

والمعنى: ثمر هذه الجنة قريب متناول، مسخر مذلل؛ يناله كل أحد، وعلى كل حال كان قاعدا أو قائما.

وتصديقه قوله تعالى: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا): قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {وذللت قطوفها تذليلا} أي: أدنيت قطوفها إليهم.

قال القرطبي في تفسيره: وذللت أي سخرت لهم قطوفها أي ثمارهاتذليلاأيتسخيرا، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.

وأصل الدنو: القرب. و دَنَا منه ودنا إِليه دنواًّ: أي قرب (1). وَمنه سميت السَّمَاءُ الدُّنْيا: لقُرْبها مِنْ ساكِني الأَرْضِ (٢).

ومنه قوله تعالى: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى): يقول: فكان جبرائيل من محمد - صلى الله عليه وسلم - على قدر قوسين، (أو أدنى من ذلك)، يعني: أو أقرب منه.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}: السَّمَاءَ الدُّنْيَا: هي القريبة منا.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

ومنه: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا}: أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار.
قاله القرطبي في تفسيره.

ومنه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: أي: ثمرها قريب إليهم، متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ومنه: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ): الدنيا:هيالقريبةأيالعدوةالتي من جهة المدينة، فهي أقرب لجيش المسلمين من العدوةالتي من جهة مكة.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ): في أدنى الأرض:
أي أقرب أرض الشام إلى أرض فارس.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا):

ومنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ): ذَلِكَ أَدْنَى: أقرب.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

ومنه: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يحزن): ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يحزن: أي التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا):
أي ذلك أقرب من الإتيان بالشهادة على وجهها، وأقرب إلى أن يخافوا.
قاله الزجاج في معاني القرآن.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {قطوفها دانية}: يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دان قريب من قاطفه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي قريبة سهلة التناول.

قال السعدي في تفسيره: {قطوفها دانية} أي: ثمرها وجناها من أنواع الفواكه قريبة، سهلة التناول على أهلها، ينالها أهلها قياما وقعودا ومتكئين.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿قُطوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: 23].
ثمارها قريبة ممن يتناولها.
......................
(1): شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*الوجيز في معاني، وغريب القرآن*:

- كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
{كُلوا وَاشرَبوا هَنيئًا بِما أَسلَفتُم فِي الأَيّامِ الخالِيَةِ} [الحاقة: 24].

*قوله {كُلوا وَاشرَبوا}:* التقدير: يقال لهم: كُلوا وَاشرَبوا.

ونظيرتها قوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: المعنى يقال لهم: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَر).

*قوله {هَنيئًا}:* طيبا، سائغا؛ لا مكروه فيهما ولا أذى.

قال الشوكاني في فتح القدير: {هَنيئًا}: لا تكدير فيه، ولا تنغيص.

*قوله {بِما}:* أي بسبب ما.

قال الجلال المحلي في الجلالين: {بِمَا} الباء سببية.

*قوله {أَسلَفتُم}:* أي قدمتم، وأمضيتم، وسبق منكم، من الإيمان والعمل الصالح.

قال الطبري في تفسيره: على ما قدمتم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعة الله.

قال ابن فارس: (سَلَفَ) السِّينُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمٍ وَسَبْقٍ. مِنْ ذَلِكَ السَّلَفُ: الَّذِينَ مَضَوْا. وَالْقَوْمُ السُّلَّافُ: الْمُتَقَدِّمُونَ.

*قوله {فِي الأَيّامِ}:* يعني: أيام الدنيا.

*قوله {الخالِيَة}:* أي الماضية.

تقول: خلا من الشهر كذا، وخلا من عمري كذا: أي مضى.

ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}: خَلَا: أي مضى.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها.

فمعنى قوله تعالى: {فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}: الماضية. يريد أيام الدنيا.
قاله البغوي في تفسيره.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*


ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، إلى من يطلع عليه من المسلمين - حفظهم الله بالإسلام -:
سلام عليكم؛ أما بعد:

فيمكنكم متابعة منشوراتي (صور) من كتاب "المختصر في التفسير"، عبر " تطبيق إنستجرام"،

وإليكم الرابط التالي:

https://www.instagram.com/p/Be9oFdZHULp/?r=wa1

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. +966509006424

ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث:*

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه﴾ [الحاقة: 26].

*قوله {و}:* يا ليتني.

عطف على قوله: {يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}: يعني: هذا الذي أعطي كتابه بشماله يقول: يا ليتني لم أعط كتابي، ويا ليتني لم أعلم أي شيء حسابي.

قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: (الواو) عاطفة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويجوز أن يكون عطفاً على التمني، أي: يا ليتني لم أدر مَا حسابيَه، أي لم أعرِف كنه حسابي ، أي نتيجته، وهذا وإن كان في معنى التمني الذي قبله فإِعادته تكرير لأجْل التحسر والتحزن.

*قوله{لَم}:* حرف نفي وقلب وجزم.
قاله محيي الدين درويش في إعراب القرآن.

*قوله {أَدرِ}:* فعل مضارع مجزوم بلم (1)، ومعناه: أعلم، وأعرف. والدراية: العلم، والمعرفة.

تقول: أدري، ودريت: أي علمت. ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}: أي وما أعلم. و"إن": بمعنى ما.

ومنه قوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}: يقول: وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: أي وما يعلمك.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال في المفاتيح شرح المصابيح (الدراية): العلم، من (درى يدري).

قال الصاحب بن عباد في المحيط في اللغة: دَرى: عَلِمَ. وفَعَلَ ذاكَ من غَيْرِ دِرْيَةٍ. ويقولون: لا أدْرِ.

قال الحميري في شمس العلوم: [دَرَيْتُ] بالشيء: إِذا علِمْتُهُ دَرْيَةً ودَرياناً ودِرايَةً.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [درى] دَرَيْتُهُ ودَرَيْتُ به دَرْياً ودُرْيَةً ودِرْيَةً ودِرايَةً، أي علمت به.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (درى): الدراية:المعرفةالمدركة بضرب من الحيل، يقال: دريته، ودريت به، درية، نحو: فطنة، وشعرة.

*قوله {ما}:* اسم استفهام، ومعناه هنا: التعظيم والتهويل.

قال الدعاس في اعراب القران: «ما» اسم استفهام مبتدأ.

قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: (ما) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و(حسابيه) خبرها والهاء للسكت والجملة سدّت مسدّ مفعولي أدر المعلقة عن العمل بالاستفهام ومعنى الاستفهام التعظيم والتهويل.

*قوله {حِسابِيَه}:* أصله: حسابي. والهاء للوقف، أي: السكت. وقد سبق بيانه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله عزّ وجلّ: {وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ}، {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ}، فالهاء فيها للوقف، نحو: {مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ}.

قال الدعاس في إعراب القرآن: «حِسابِيَهْ»: خبر، والياء مضاف إليه، والهاء للسكت.

قال الصافي في إعراب القرآن: (حسابيه) ، مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، و (الياء) مضاف إليه، و (الهاء) للسكت لا محلّ لها.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه}: يعني: لم أعلم ما حسابي.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والنسفي في مدارك التنزيل.

إلا أن النسفي قال: أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي.

قال الطبري في تفسيره: {وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه}: يقول تعالى ذكره: وأمامن أعطي يومئذ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه، (ولمأدرماحسابيه): يقول:ولم أدرأيشيءحسابيه.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه﴾ [الحاقة: 26].
ويا ليتني لم أعرف أي شيء يكون حسابي.
............................
(1): قاله محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه.
............................

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
*آيات قد تفهم خطأ:*

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: 6].

*قوله {خُلِقَ}:* أي الإنسان.

*قوله {مِن ماءٍ}:* يعني: من ماءين، ماء الرجل وماء المرأة، بدليل ما بعده: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}: يعني: صلب الرجل، وترائب المرأة.

قال البغوي في تفسيره: وجعله واحدا لامتزاجهما.

قال القرطبي في تفسيره: وأراد ماءين: ماء الرجل وماء المرأة، لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {يَخْرُجُمِنْبَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ}: يعني: خلق من مائين، من ماء الأب يخرج من بين الصلب، ومن ماء الأم يخرج من الترائب (1).
قال الطبري في تفسيره: وقوله:( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ )يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام: منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى: يخرج منهما.

*قوله {دافِق}:* أي مدفوق. يعني: مصبوب بدفق، وشدة.

قال ابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة: {خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ}: والماء الدافق فاعل في اللفظ مفعول في المعنى، ومعناه من ماء مدفوق أي مصبوب؛ يقال دفق ماءه وسفحه وسكبه وصبه بمعنى [واحد].

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {من مَاء دافق} فِي معنى: مدفوق، وهو مما جَاءَ على لفظ الْفَاعِل وَهُوَ مفعول بِهِ، وَمثله: {فِي عيشة راضية} أَي: مرضية.
.......................

(1): قال الطبري في تفسيره: والصواب من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: هو موضع القِلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها.

قال البغوي في تفسيره: ( يخرج من بين الصلب والترائب )يعني صلب الرجل وترائب المرأة ، و" الترائب "جمع التريبة ، وهي عظام الصدر والنحر.
...........................

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة - المصري المكي -،
إلى من يطلع عليه من إخوانه المسلمين - حفظهم الله بالإسلام -:
سلام عليكم؛ أما بعد:

فيمكنكم متابعة منشوراتي في مجموعتي "معاني وغريب القرآن" - واتساب، عبر الرابط أدناه:

علما بأن المجموعة للمتابعة فقط، إلا من وجد خطأ في التفسير فليصحح على الملأ، نصحا لله ولكتابه:

https://chat.whatsapp.com/ALSUECMBbH1A7WNeTp1eT9

والسلام عليكم السلام ورحمة.

عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. +966509006424

ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
*البسيط في معاني وغريب القرآن:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿يا لَيتَها كانَتِ القاضِيَةَ﴾ [الحاقة: 27].

*قوله {يا}:* للتنبيه.

وأصله: للنداء، ينادى به على القريب والبعيد (1).

قال الدعاس في إعراب القرآن: «يا» حرف تنبيه.

*قوله {لَيتَها}:* ليت كلمة: " تمنٍ ". تدل على: تندم، وتحسر، وتحزن. تتَعَلَّق بالمستحيل غَالِبا وبالممكن قَلِيلا (٢). وقد تقدم.

و" الهاء": ضمير عائد على الموتة الأولى التي ماتها في الدنيا. واستغني عن ذكرها لظهور معناها.

ونظيرتها قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ}: (عَلَى شَيْء): أي على شيء نافع، أو شيء من الحق. فحذفت الصفة لظهور المعنى.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وحذفت صفة شيء لظهور معناها من المقام، أي على شيء نافع، كقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل}.

انتهى

فمعنى قوله: {يا لَيْتَها}: يعني الموتة التي كانت في الدنيا.
قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ}: إشارة إلى موتة الدنيا.

قال الزمخشري في الكشاف: الضمير في يا ليتها للموتة: يقول: يا ليت الموتة التي متها كانت القاضية.

قال الشوكاني في فتح القدير: فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها وإن لم تكن مذكورة لأنها لظهورها كانت كالمذكورة.

*قوله {كانَتِ}:* هي. يعني: يا ليت كانت هذه الموتة هي.

قال الدعاس في إعراب القرآن: «كانت» ماض ناقص اسمه مستتر.

قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: وجملة كانت خبر ليت واسم كان ضمير مستتر يعود على الموتة.

*قوله {القاضِيَةَ}:* مفرد: والجمع: قاضيات وقواضٍ (٣)، ومعنى " القاضية ": أي القاطعة، والفاصلة، والفارغة.
كناية عن الموت.

أي التي تقطع، وتفصل الحياة. والفارغة من كل ما بعدها. والقضاء: الفصل، والقطع، والفراغ.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}: يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كلّ ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث؛ والقضاء: وهو الفراغ.

قال الطيبي في شرح المشكاة: وأصل القضاء القطع والفصل يقال: قضى يقضي قضاء قاض إذا حكم وفصل.

وفي القاموس الفقهي: القضاء: القطع، والفصل.


قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: قوله: {يا ليتها كانت القاضية}: كناية عن الموت.

استطراد:

قلت (عبدالرحيم): ويأتي القضاء في التنزيل على عدة معان، ولن أستطرد في ذكر جميعها تجنبا للإطلالة، لكن سأذكر طرفا منها:

فأقول - مستعينا بالله -: يأتي " القضاء " في القرآن بمعنى: الفصل، والقطع، ومنه سمي القاضي: لأنه يفصل، ويقطع، ويبت في الخصومات،
ومنه قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}: قال الطبري في تفسيره: أي: فصل الحكم فيه بين عباده، بأمره إياهم بذلك.

ومنه: {وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}: لَقُضِيَ: أي لفصل. وغاير بين اللفظين تجنبا للتكرار. فأصل الكلام: ولولا كلمة الفصل التي أجلناها لفصل بينهم في الدنيا.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} أَي: مَا أخر لَهُم من الْعَذَاب (لقضي بَينهم) أَي: لفصل الْأَمر بَينهم فِي الْحَال.

ومنه: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}: يعني وفصل بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف.

قال أبو السعود في تفسيره: وأصلالقضاءالفصلبتمام الأمر.

ومنها: الصنع، تقول: قضى الشيء قضاءً: أي صنعه (٤)، ومنه قوله تعالى - على لسان مؤمني سحرة فرعون -: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض}: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض): أي فاصنع ما أنت صانع، فلا همة لنا سوى أن نلقى الله مؤمنين به.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وقضى الشيء قضاء: صنعه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ) يقول: فاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك.

ومنها: الاتمام، والفراغ، تقول: فلان قضى دينه: أي فرغ من سداده، ومنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يومين}: قال البغوي في تفسيره: أي أتمهن وفرغ من خلقهن.

ومنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}: أي فرغتم منها.

قال القرطبي في تفسيره: يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم .

ومنه: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} : أي فرغتم.
قاله الكفوي في الكليات.

ومنها: الحكم، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}: يعني بذلك تعالى ذكره حكم ربك يا محمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله، فإنه لا ينبغي أن يعبد غيره.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنها: الإعلام، والإخبار، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي أعلمناهم إعلاما قاطعا.

قال القرطبي في تفسيره: ومعنى (قضينا): أعلمنا وأخبرنا.

ومنه: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}: (وَقَضَيْنَا إِلَيْه): أي: أعلمناه.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والعليمي في تفسيره.

ومنها: "الموت، وانقضاء الأجل". ومنه قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}: قال: ليمتنا ربك، فيفرغ من إماتتنا.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن كثير في تفسيره: أي: ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه.

ومنه: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ}:أي أمتناه.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}: أي أماته.
قاله أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط.

ومنه: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}: أي مات.

قال الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: يقال: لمن مات قضى نحبه.

ومنه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}: أي لا يقضى عليهم بالموت.

ومنه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}: (قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ): أي أماتها.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والقاضية: الموت.

قال أبو هلال العسكري الوجوه والنظائر: وحد القضاء في اللغة فصل الأمر وإبرامه وبلوغ آخره على التمام والإحكام، ومنه قوله للموت: قضاء اللَّه لأنه آخر أمر الدنيا، ومنه قوله: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) ومنه التقضي والانقضاء.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}: يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية الفارغة من كل ما بعدها والقاطعة للحياة، فلم أحي بعدها.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ}: يَقُولُ: ليت الموتة الأولى التي متها لم أُحيَ بعدها.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} أَي: يَا لَيْت الْميتَة كَانَت قاضية أَي: لم أَحَي بعْدهَا، فقضت عَليّ الفناء أبدا.

قال الزمخشري في الكشاف: {القاضِيَةَ}: أي القاطعة لأمرى، فلم أبعث بعدها، ولم ألق ما ألقى.

قال القرطبي في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}: يتمنى الموت.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿يا لَيتَها كانَتِ القاضِيَةَ﴾ [الحاقة: 27].
يا ليت الموتة التي متّها كانت الموتة التي لا أُبْعَث بعدها أبدًا.
.......................

(1): وفي المعجم الوسيط: (يَا): حرف لنداء الْبعيد حَقِيقَة أَو حكما وَقد يُنَادى بِهِ الْقَرِيب توكيدا وَهِي أَكثر أحرف النداء اسْتِعْمَالا وَلذَا لَا يقدر عِنْد الْحَذف سواهَا نَحْو {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} يَا يُوسُف.
(٢): انطر: عمدة القاري للعيني.
(٣): معجم اللغة العربية المعاصرة.
(4): انظر: المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده.
(٥): انظر: الكشاف للزمخشري.
......................

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

ارسل من HUAWEI MT7-TL10 using ملتقى أهل التفسير
 
*" معاني وغريب القرآن ".*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرطومِ﴾ [القلم: 16].

*قوله {سَنَسِمُهُ}:* أي سنعلمه. والسمة: العلامة.

قال الكفوي في الكليات: سنجعل له سمة أي: علامة.

قال الجرجاني في درج الدرر: والمراد بالوسم معنى يتميز به الموسوم عن سائر المعذبين.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: السمة: العلامة، وجمعها سمات.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {يَحسَبُهُمُ الجاهِلُ أَغنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعرِفُهُم بِسيماهُم لا يَسأَلونَ النّاسَ إِلحافًا}: أي تعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وكان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بتلك العلامات، لأن الفقير وإن استعف يظهر عليه أثر الفقر؛ إما على وجهه أو ثيابه.

قال الكفوي في الكليات: {بِسِيمَاهُمْ}: بعلاماتهم.

ومنه: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}: بِسِيمَاهُمْ: يعني: بعلاماتهم الخبيثة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي بعلامات النفاق الظاهرة فيهم.

ومنه {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}: أي بعلامات فيهم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

ومنه {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}: يعني: يعرفون ويميزون أهل الجنة، وأهل النار بعلامات في وجوههم.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: {بِسِيمَاهُمْ}: علامتهم.

ومنه (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ): سِيمَاهُمْ: علامتهم.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

*قوله {عَلَى الخُرطوم}:* الخُرطوم: الأنف. والجمع: خراطيم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والجوهري في الصحاح تاج اللغة، وابن منظور في اللسان: خرطم: الخرطوم: الأنف.

زاد ابن منظور: وقيل: مقدم الأنف.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى سنسمه سنجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أصل الخرطوم:أنف السبع[والفيل] ثم استعير للإنسان استخفافا به، وتقبيحا له والمعنى نجعل له سمة. وهي العلامة على خرطومه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وضمير المفرد الغائب في قوله :{سنسمه} عائد إلى كُل حلاّف باعتبار لفظه وإن كان معناه الجماعات فإفراد ضميره كإفراد ما أضيف إليه{كلَّ}[ القلم : 10 ]من الصفات التي جاءت بحالة الإِفراد. والمعنى: سنسم كل هؤلاء على الخراطيم ، وقد علمت آنفاً أن ذلك تعريض بمعيّن بصفة قوله:{أساطير الأولين}[ القلم : 15 ] وبأنه ذو مال وبنين.
.........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
للاشتراك، للابلاغ عن خطأ، انقر على الرابط أدناه:
https://api.whatsapp.com/send?phone=966509006424&text=اشتراك
 
*معاني وغريب القرآن:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَإِنَّكُم وَما تَعبُدونَ۝ما أَنتُم عَلَيهِ بِفاتِنينَ۝إِلّا مَن هُوَ صالِ الجَحيمِ﴾ [الصافات: 161-163].

*قوله {فَإِنَّكُم}:* أيها المشركون.

*قوله {وَما تَعبُدونَ}:* من الأصنام.

ولم يقل: "ومن تعبدون"، لأنها لا تعقل. وهذا من سفههم؛ يعبدون ما لا يعقل.

قال القرطبي في تفسيره: "ما" بمعنى الذي.

*قوله {ما}:* نافية، تعمل عمل ليس.
قاله الدعاس في إعراب القرآن.

*قوله {أَنتُم}:* جميعا.

*قوله {عَلَيهِ}:* على الله، يعني: لا تقدروا على إفساد العباد على الله، إلا أن يشاء.

وفيه: أن العبد لا يخشى من الغواية إلا من الله، فإذا اعتصم به أنجاه.

قال القرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: {ما أَنتُم عَلَيهِ بِفاتِنين}: على الله.

قال الزمخشري في الكشاف: والضمير في عليه لله عز وجل.

*قوله {بِفاتِنين}:* بمضلين. جمع فاتن، اسم فاعل من فتن الثلاثيّ وزنه فاعل (١)، والتقدير: بفاتنين أحدا (٢).

والفتنة هنا بمعنى: الإضلال. ومثله في التنزيل كثير، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}: أي لا يضلنكم.

ومنه: {فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِه}: أي إرادة منهم في الإضلال، ورغبة في تأويله على غير مراد الله. قال ابن كثير في تفسيره: {ابتغاءالفتنة}: أي:الإضلاللأتباعهم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {بِفاتِنين}: أي بمضلين.
قاله الفراء في معاني القرآن، و ابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والراغب في المفردات، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ، وغيرهم جمع.

زاد السمين الحلبي: يقال: فتنه أي أضله.

*قوله {إِلّا مَن هُو}:* يعني: إلا أن يقدر الله، ويأذن في من هو.

قال البقاعي في نظم الدرر: {إِلّا مَن هُو}: أي في حكمه وتقديره.

*قوله {صال الجَحيمِ}:* صال: بمعنى: يصلى. أي: يصلى الجحيم بدخولها ومقاساة حرها (٣). اسم فاعل من صلي يصلى باب فرح (٤).

وأصل: {صالِ}: صالي. وإنما ذهبت الياء في قوله "صال" لالتقاء الساكنين (٥)، ومنه قوله تعالى: {وَسَوفَ يُؤتِ اللَّهُ المُؤمِنينَ أَجرًا عَظيمًا}: يُؤتِ: أصله: "يؤتي"، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ومنه: {وَاستَمِع يَومَ يُنادِ المُنادِ مِن مَكانٍ قَريبٍ}: يُنادِ: أصله: ينادي (٦).

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {إِلّا مَن هُوَ صالِ الجَحيم}: أي إلا من سبق في علم الله، وكتب وقدر عليه أن يكون من أصحاب الجحيم، فالله وحده بيده ذلك، لا أنتم ولا آلهتهم. يريد: لستم تضلون أحدا إلا من أضله الله.

ونحوه: {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا}، وفي الحديث: «مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ...» (٧).

وعند مسلم: «...اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» (٨)

وفي الحديث: «فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ...» (٩)، فالله هو الذي أراد، وكتب، وقدر اضلالهم؛ بحكمته، وعلمه، وقدرته.

قال النحاس في إعراب الله: أهل التفسير مجمعون فيما علمته على أن المعنى: "ما أنتم بمضلين أحدا إلا من قدر الله جل وعز عليه أن يضل".

قلت (عبدالرحيم): وقد صدق - رحمه الله -، فقد تتبعت كثيرا من أقول العلماء فوجدتها كما ذكر، اللهم إلا ما اطلعت عليه من قول الماوردي في النكت والعيون، حيث قال: فيه وجهان: أحدهما: إلا من سبق في علم الله تعالى أنه يصلى الجحيم، قاله ابن عباس". انتهى من كلامه. ولم يذكر إلا هذا القول.

واليك طرفا يسيرا من هذه الأقوال، ولولا الإطالة لذكرت كثيرا منها؛ قال يحيى بن سلام في التصاريف: {إِلّا مَن هُوَ صالِ الجَحيمِ}: من قدر له أن يصلي الجحيم.

قال الطبري في تفسيره: {إِلّا مَن هُوَ صالِ الجَحيمِ}: يقول: إلا أحدا سبق في علمي أنه صال الجحيم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يريد: ما تقدرون لا أنتم، ولا من تعبدون أن تضلوا أحدا من عبادي إلا من كان في سابق علمي وقضائي وقدرتي.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والمعنى: إنكم أيها الكفار وكل ما تعبدونه لا تضلون أحدا إلا من قضى الله أنهيصلى الجحيم، أي لا تقدرون على إغواء الناس إلا بقضاء الله.

قلت (عبدالرحيم): وفي الآية رد على القدرية - مجوس هذه الأمة. والحديث في الرد عليهم يطول. قال الله: {أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرونَ}، فقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلم}ٍ: أي على علم منه سبحانه.

وحسبنا بقول ربنا - على لسان إبليس -: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}: قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: وقال محمد بن كعب القرظي: قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم يريد في أنه على أن الله يهدي ويضل.
.................
(١): انظر: الجدول في إعراب القرآن الكريم، لمحمود صافي.
(٢): انظر: التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
(٣): انظر: السراج في بيان غريب القرآن للخضيري.
(٤): انظر: الجدول في إعراب القرآن الكريم، لمحمود صافي.
(٥): انظر: الكامل في القراءات والأربعين الزائدة عليها لأبي القاسم الهذلي.
(٦): انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج، واللباب في علوم الكتاب لسراج الدين النعماني، وفتح القدير للشوكاني.
(٧): شطر من حديث رواه مسلم (867)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٨): شطر من حديث رواه البخاري (7454)، من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٩): شطر من حديث رواه مسلم (٢٧١٧)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
...............

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
* "معاني وغريب القرآن ".*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* +966509006424*

قوله تعالى:
{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} الحاقة: (33).

*قوله {إِنَّهُ}:* تعليل لما سبق (١).

وكأنه يقول: فإن قلت: لما عذب كل هذا العذاب؟. فالجواب: {إنه كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم} (٢).

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: و "إنه" تعليل مستأنف، كأن قائلا قال: لم يعذب هذا العذاب البليغ.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحضّ على طعام المسكين} في موضوع العلة للأمر بأخذه وإصلائه الجحيم.

قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ): الجملة تعليلة مسوقة لتعليل هذا العذاب.

*قوله {كَانَ}:* في الدنيا.

*قوله {لَا}:* نافية.

*قوله {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}:* بل كان يكفر به، ويتمادى في كفره وغيه.

وإيثار الفعل المضارع في قوله: {يؤمن}: ليدل على أن سبل الإيمان الموصلة إلى ربه كانت كثيرة. وكان لا يرى آية تدل على ربه إلا كفر بها، في كل واد، وفي كل وقت، وعلى كل حال يكفر بالله.

قال أبو حيان في البحر المحيط: بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله.

*قوله {الْعَظِيمِ}*: المستحق للعظمة بكل وجه؛ دون من سواه. فالعظيم من الناس يعظم من جهة ولا يعظم من أخرى. فقد يعظم لماله ويذل لعدم سلطانه، ودواليك.

فإن قلت: ما مناسبة وصف الله تعالى نفسه ب/ "العظيم" هنا؟.

فالجواب: لأمور، منها:

أولها: لعظم العذاب، فلا يقدر على هذا النوع من العذاب إلا العظيم - جل ذكره -، وكما قال: ﴿فَيَومَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ۝وَلا يوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: 25-26]. فوافق عظم العذاب عظم الذنب؛ وهو عدم الإيمان بالله، (جزاء وفاقا).

ثانيها: تبكيتا وتوبيخا لهذا الكافر؛ فكأنه يقول: افعلوا به كل هذا من العذاب لأنه ما كان يعظم ربه العظيم في الدنيا؛ بالاذعان له وعبادته وحده. بل كان يشرك معه غيره من أخس المخلوقات. فعبد الحجر والشجر، والحقير والخبيث من الأشياء؛ دون الله العظيم - جل ذكره -.

قال القاسمي في محاسن التأويل: بل كان يشرك معه الجماد المهين.

قال أبو السعود في تفسيره: ووصفه تعالى بالعظم للإيذان بأنه المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها إلى نفسه استحق أعظم العقوبات.

وألطف منه عبارة، قول صديق حسن خان في فتح البيان: وذكر العظيم للإشعار بأنه هو المستحق للعظمة، فمن لا يعظمه فقد استوجب ذلك.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ووصف الله بالعظيم هنا إيماء إلى مناسبة عظم العذاب للذنب إذ كان الذنب كفراناً بعظيم فكان جزاء وفاقاً.

المعنى الإجمالي للآية:

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ): يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا، إنه كان لا يصدّق بوحدانية الله العظيم.
......................
(١): قال الشوكاني في فتح القدير: تعليل لما قبلها.
(٢): قال النسفي في مدارك التنزيل: {إنه} تعليل كانه قيل ماله يعذب هذا العذاب الشديد فأجيب بأنه {كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم}.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ (واتساب - اتصال): +966509006424*
 
قوله تعالى:
﴿إِنَّها تَرمي بِشَرَرٍ كَالقَصرِ﴾ [المرسلات: 32].

*قوله {إِنَّها}:* أي جهنم.

*قوله {تَرمي}:* أي تقذف من شدة التوقد، والاشتعال.

وأصل الرمي: القذف. ومنه قوله تعالى - عن الشياطين -: {وَيُقذَفونَ مِن كُلِّ جانِبٍ}: يعني يرمون بالشهب من كل ناحية.

*قوله {بِشَرَرٍ}:* جمع شَرَرَة.

قال البغوي في تفسيره:وهو ما تطاير من النار، واحدها شررة.

*قوله {كَالقَصرِ}:* كالبناء العالي العظيم. يعني: الشررة الواحدة في عظم حجمها كالقصر.
..................
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1
 
*" نكات، ولطائف الكتاب العزيز ":*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى:
﴿وَإِذ قُلنَا ادخُلوا هذِهِ القَريَةَ فَكُلوا مِنها حَيثُ شِئتُم رَغَدًا وَادخُلُوا البابَ سُجَّدًا وَقولوا حِطَّةٌ نَغفِر لَكُم خَطاياكُم وَسَنَزيدُ المُحسِنينَ﴾ [البقرة: 58].

*قوله {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}:* يعني: منحنين، وخافضين وخاضعين، ومتواضعين، وذليلين، مائلين، ركعا. كله يدل عليه معنى السجود، وإن كان السجود أشد انحناء من الركوع.

وليس معناه السجود المعروف؛ الذي هو " وضع الجبهة على الأرض "؛ إذ أنى لهم دخول الباب وهم قد مكنوا جباههم من الأرض؟!.

قال السعدي في تفسيره: فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا، ويحصل لهم فيها الرزق الرغد، وأن يكون دخولهم على وجهخاضعين لله فيه بالفعل، وهو دخول الباب {سجدا}أي: خاضعينذليلين.

قلت (عبدالرحيم): ويعبر عن السجود - أحيانا - بالركوع، والعكس؛ لأن كلاهما يشتركان في معنى الانحناء، والخضوع، والتذلل. وتصديق ذلك: قوله تعالى: ﴿...وَظَنَّ داوودُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعًا وَأَنابَ ۩﴾ [ص: 24]، قال الطبري في تفسيره: وخر ساجدا لله. انتهى.

وكقوله: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا...﴾ [يوسف: 100]، قال الراغب الأصفهاني في المفردات: أي متذللين.

قال البغوي في تفسيره: ولميكنفيه وضعالوجهعلىالأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.

قال الواحدي في الوجيز: {وخروا له سجدا}: سجدواليوسف سجدة التحية وهو الانحناء. انتهى.

ولعموم قوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسجُدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا وَظِلالُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ۩﴾ [الرعد: 15]، قال السعدي في تفسيره: أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها خاضعة لربها، تسجد له. انتهى.

وفي القاموس للفيروزآبادي، والصحاح تاج اللغة للجوهري، واللسان لابن منظور: سجد: خضع.

قال ابن قتيبة في غريب الحديث: وقد يجوز أن يسمى الراكع ساجدا غير أنه لم يستعمل في الصلاة لأن السجود أيضا إنما هوالتطامن (١) والميل معا. يقالسجدالبعير وأسجدإذا خفض رأسه ليركب وسجدت النخلة إذا مالت وهذه نخل سواجد أي موائل.

قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: وقديستعارالسجودفيموضعالاستسلام والطاعة والذل، كما يستعارالتطامن والتطأطأفيوضعانموضع الخضوع والانقيادفيقال: تطامن للحق وتطأطأ أي: انقاد وخضع.

قال الراغب في المفردات: السجود أصله:التطامن والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: {فاسجدوا لله واعبدوا} [النجم/ ٦٢] ، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال.

قال الطبري في تفسيره: وأصل " السجود " الانحناء لمن سُجد له معظَّما بذلك. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو " ساجد " . ومنه قول الشاعر:
بجَـمْع تضـل البُلْـقُ فـي حَجَراتـه ... تــرى الأكْـم منـه سـجدا للحـوافر .
يعني بقوله: " سجدا " خاشعة خاضعة . ومن ذلك قول أعشى بني قيس بن ثعلبة:
يــراوح مــن صلــوات المليـك
... طـــورا ســـجودا وطــورا جــؤارا.
فذلك تأويل ابن عباس قوله: (سجدا) ركعا؛ لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {سُجَّداً} ركعاً، أو متواضعين خاضعين، وأصل: السجود الانحناء تعظيماً وخضوعاً.
قاله العز بن عبد السلام في تفسيره.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: وقوله: {ادخلوا الباب سجدا} أي: متذللين منقادين.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ادخلوا الباب سجدا، يعني إذا دخلتم من باب المدينة فادخلوا ركعا منحنين ناكسي رؤوسكم متواضعين، فيقوم ذلك منكم مقام السجود.
وقال - أيضا -: وادخلوا الباب سجدا، أي ركعا منحنين.

قال السمعاني في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن : {سجدا} أي: ركعا خضعا.

زاد السمعاني: وأصل السجود الخضوع وفي الركوع خضوع، وقال الشاعر
(بجمع تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجدا للحوافر): أي: ركعا خضعا.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله: ادخلوا الباب سجدا قال: طأطئوا رؤوسكم.


قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: اختلفوا في المراد بالسجود فقال الحسن أراد به نفس السجود الذي هو إلصاق الوجه بالأرض وهذا بعيد لأن الظاهر يقتضي وجوب الدخول حال السجود فلو حملنا السجود على ظاهره لامتنع ذلك، ومنهم من حمله على غير السجود، وهؤلاء ذكروا وجهين: الأول: رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس أن المراد هو الركوع، لأن الباب كان صغيرا ضيقا يحتاج الداخل فيه إلى الانحناء، وهذا بعيد لأنه لو كان ضيقا لكانوا مضطرين إلى دخوله ركعا فما كان يحتاج فيه إلى الأمر. الثاني: أراد به الخضوع وهو الأقرب، لأنه لما تعذر حمله على حقيقة السجود وجب حمله على التواضع، لأنهم إذا أخذوا في التوبة فالتائب عن الذنب لا بد أن يكون خاضعا مستكينا.
........................
(١،٢): التطامن: الخضوع، والانحناء.
.......................
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ (واتساب - اتصال): +966509006424*

https://api.whatsapp.com/send?phone=966509006424&text=اشتراك
 
*" معاني وغريب القرآن ".*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} الحاقة: (34).

*قوله {وَ}:* كان في الدنيا.
عطف على ما قبله.

*قوله {لَا}:* نافية.

*قوله {يَحُضُّ}:* يحُثُّ، ويُحَرِّضُ، ويُرَغِّبُ.

يعني: هذا الذي أوتي كتابه بشماله لم يكن يطعم المسكين في الدنيا، ولم يكن يحث غيره على إطعامه.

والحض: التحريض، والحث. وهو البعث على الشيء بتأكيد.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: حضضت الرجل على الشَّيْء أحضه حضا أَي: حرضته.

قال الحميري في شمس العلوم: " حَضّ ": حضّه على القتال ونحوه: أي حَثَّه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الحضّ: التحريض كالحثّ، إلا أنّ الحثّ يكون بسوق وسير، والحضّ لا يكون بذلك.

قال ابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة: "ولا يحض" الواو حرف نسق. و «لا» تأكيد للجحد. و «يحض» فعل مستقبل. ومعنى يحض يحث سواء. والمصدر حض يحض حضا فهو حاض، والمفعول به محضوض، والأمر حض، وحضا، وحضوا، وحضى، وحضا، واحضضن (١).

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والحض : الحض، وهو أن تطلب غيرك فعلاً بتأكيد .


انتهى

فمعنى قوله تعالى: {يحض}: يحث.
قاله السمعاني في تفسيره، والعليمي في تفسيره، وغيرهم.

قال البقاعي في نظم الدرر: {ولايحض} أي يحمل ويحث.

قال الإيجي في جامع البيان: {ولا يحض}: لا يرغب.

*قوله {عَلَى}:* بذل.
قاله البقاعي في نظم الدرر.

*قوله {طَعَامِ}:* أي على الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال البقاعي في نظم الدرر: {طَعَامِ}: أو إطعام.

*قوله {الْمِسْكِينِ}:* الشديد الفقر، المعدوم الذي لايجد. وهو من وصفه الله في قوله: ﴿أَو مِسكينًا ذا مَترَبَةٍ﴾ [البلد: 16]، يعني من شدة فقره قد زلق بالتراب، فلا يكاد يجلس على غيره.

وفرق بين المسكين، والفقير، ولأن الله غاير بينهم، وجعل لكل واحد منهما سهما، كم في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين...)، وقيل: المسكين الذي يسأل، والفقير الذي لا يسأل. ولا أراه إلا من شدة فاقة المسكين، يعني: سأل من شدة العوز.

قال الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمسكين : الفقير ، ويطلق على الشديد الفقرِ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين}: أي لا يطعم المسكين ولا يأمر بإطْعَامِه.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {وَلا يَحُضُّ}: ولا يحض يعني: لا يحث نفسه ولا غيره على طعام المسكين يعني: لا يطعم المسكين في الدنيا.


قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين}: ولا يَرْغَبُ هو، ولا يُرَغَّبُ غيرهُ في إطعام أهل المسكنة والحاجة.

قال البغوي في تفسيره: {ولا يحض على طعام المسكين}: لا يطعم المسكين في الدنيا ولا يأمر أهله بذلك.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى: { وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}: فيه هدايات، ومسائل:

- قوله: {ولا يحض على طعام المسكين}: دليل على أن المقصود حصول المسكين على الطعام، بأي وسيلة كانت، لأنه قد يشق على العبد أن يصنع الطعام بنفسه للمسكين.

- أضاف الطعام إلى المسكين للإشعار بأن له فيه حق.

قال القرطبي في تفسيره: والطعام عبارة عن العين، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما.

قال العليمي في تفسيره: وأضاف الطعامإلى المسكين من حيث له إليه نسبة.

- نفي الحض، دليل على بخله بذات يده، لأن العقاب على عدم الحض، يستلزم العقاب على بخله هو من باب الأولى، والأحرى.


- فيها بيان أهمية العناية بحقوق الخلق. فهذا الشقي لم ييؤد حق الله بالإيمان به، ولا حق الخلق، الذي من صوره " طعام المسكين ".
وقد جمع الله بين هذين الحقين قي قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...}: فقد جمعت هذه الآية بين حق الله وحق الخلق. ولا تجد هذا في دين سوى الاسلام.
فالكفار إن أحسنوا إلى الخلق، وأدوا حقوقهم، أشركوا بالله وهدروا أعظم الحق، فلا تغتر بهم.

- وفيه: أن المال في الحقيقة: مال الله؛ يضعه في يد من شاء.
كما قال: ﴿...وَآتوهُم مِن مالِ اللَّهِ الَّذي آتاكُم...﴾ [النور: 33]، ووجهه: أنه نسب الطعام إلى المسكين، مع أن الواقع خلافه.

- فيها أهمية العمل في الإسلام، لقوله: {كان لا يؤمن ... ولا يحض}: والشاهد: يحض. وهذا عمل.

- فيها: وجوب الحض، والإطعام معا، فإذا كان قد عاقبه الله على عدم الحض وهو من مال الغير، فلأن يعاقبه على عدم الإطعام من ماله بالأولى.

قال القاسمي في محاسن التأويل: ولا يحض على طعام المسكين أي: إطعامه، فضلا عن بذله، لتناهي شحه.

قال الزمخشري في الكشاف: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (على طعام المسكين): على إطعامه، وفيه إشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وبأن أشنع الذمائم البخل.

- ويفهم منها (بمفهوم المخالفة): عظيم الأجر لمن أطعم الطعام، وحض عليه؛ فكما أن عدم إطعامهم من الجرم والإثم، فإطعامهم من البر والأجر، وفي صحيح البخاري (١٢)، من حديث عبدالله بن عمرو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

قال الشوكاني في فتح القدير: وفي جعل هذا قرينا لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم، وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة، ويفيد أكمل فائدة، على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم.

- وخص الإطعام دون غيره من خلال البر: لأهمية الطعام للإنسان من مولده إلى مماته، فبه قوام النفس وحياتها.

قال ابن عطية في المحرر: وخصت هذه الخلة من خلال الكافر بالذكر لأنها من أضر الخلال في البشر إذا كثرت في قوم هلك مساكنهم.

وفيها: وجوب إطعام المسكين على من علم حاله، وقدر على ذلك، ولقوله: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}: قال السعدي في تفسيره: من زكاة وصدقة. {للسائل} الذي يتعرض للسؤال {والمحروم} وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يفطن له فيتصدق عليه.
انتهى من تفسير السعدي.

- وفيها: دليل أن الكفار مطالبون بفروع الشريعة - إن صح وصفها بالفروع - ، فهم يحاسبون على الايمان بالله، وما تركوا من عمل، واقترفوا من الآثام. ونظيرتها قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (45)} المدثر.

- فيها: أن إطعام الطعام، والحث عليه يرقق القلب. وعدم الحض، والاطعام دليل على قسوة القلب.

قال السعدي: {ولا يحض على طعام المسكين} أي: ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين فلا يطعمهم [من ماله] ولا يحض غيره على إطعامهم، لعدم الوازع في قلبه.

وفيها: أن الذنوب تتفاوت: لأنه ما أطعم هو المسكين، ولا أمر غيره بالإطعام، فلو أنه فعل واحدة منها لما قيل هذا في حقه. وعليه: فعلى العبد ألا يجمع بين الشرور والآثام، ولا يشارك أحدا في إثم. وإن كان ولابد من اقتراف الذنب فليكن وحده دون أن يشاركه فيه غيره، ولأن يلقى الله بذنبه فحسب، خير له من أن يلقاه بذنبه وذنب غيره، ولان يلقاه بذنب خير من أن يلقاه بذنبين، ودواليك.

- وإيثار كلمة المسكين ها هنا، ولم يقل: " الفقير ": لإظهار عدم العذر للذي لم يحض، أي ليس له أدنى حجة في عدم الحض على إطعامه، فهو يعلم أن المسكين معدوم؛ فقد يعذر في ترك الإطعام لو رأى فقيرا، فيقول: أراه عنده كذا وكذا، أما هذا المسكين فلا شيء عنده أصلا.
قال الله: ﴿أَو مِسكينًا ذا مَترَبَةٍ﴾ [البلد: 16]، يعني من شدة فقره قد زلق بالتراب، فلا يكاد يجلس على غيره، وفي عينه يتذلل، ويتعرض بالمسألة. سيما وقد قيل إن المسكين: المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم (٣).




- فيها: أهمية الأمر بالمعرف، والنهي عن النكر، فإذا فرط العبد وضيع ففي الوقت عينه يأمر غيره وينهاه، لأن الله أوجب على العبد واجبين، الأول: أن يأمر نفسه. والثاني: أن يأمر غيره، وإن لم يفعله؛ فلعل أن ينفع الله بنصحه فيكتب له فيجزل له الله الأجر والمثوبة. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فرب مبلغ اوعى من سامع" (٢)، أي فرب مبلغ ينتفع من الكلام أكثر من الذي سمعه.

فهذا الشقي لم يطعم المسكين، وما أمر غيره بإطعامه.

أما عن قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ): فلم تنه الآية عن الأمر بالمعرف أو النهي عن المنكر، وإنما عاب عليهم أن تتركوا أنفسهم وحظها من هذا الخير الذي يأمرون به، ولذا قال (أفلا تعقلون).

قال القرطبي في تفسيره: وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل على تركهم له ، فإن الأمر بالمعروف [ معروف ] وهو واجب على العالم ، ولكن [ الواجب و ] الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به ، ولا يتخلف عنهم ، كما قال شعيب ، عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) [ هود : 88 ] . فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب ، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف .

قال السعدي في تفسيره: وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما، لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير...".
.......................
(١): الآية من سورة الماعون، آية ٣.
(٢): رواه البخاري في صحيحه (١٧٤١)، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - مرفوعا.
(٣): قاله الطبري في تفسيره، عن قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين...) (التوبة: ٦٠).
.........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ (واتساب - اتصال): +966509006424*
 
قوله تعالى:
﴿فَما لَكُم فِي المُنافِقينَ فِئَتَينِ وَاللَّهُ أَركَسَهُم بِما كَسَبوا أَتُريدونَ أَن تَهدوا مَن أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبيلًا﴾ [النساء: 88].

فيها هداية دقيقة، لهؤلاء المبتلون بالجدال عن الكافرين:

فقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}: يريد: فما كان لكم أن تنقسموا، وتختلفوا بشأنهم، والله ردهم إلى الكفر والضلال بسبب أعمالهم.

ففيه: أنه لا يحق لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يختلف مع إخوانه في شأن الكافرين، ويظل يجادل عنهم: " ما ذنبهم ولدوا في بيئة كافرة، كما أن المسلمين ولدوا في بيئة مسلمة "، وغير ذلك من وساوس الشيطان. وربما خاض في القدر، ومرق من الملة. {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة}.

فما لك ولهم؟!: " أتريد أن يهدي من أضلهم الله بسبب ما اكتسبوا "؟!، {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}.

فوصيتي للناس كافة، وهؤلاء خاصة: أن يتدبروا كتاب الله، ويتمسكوا به؛ فإنه: {شفاء لما في الصدور}. ولا يتسلط الشيطان إلا ببعد العبد عن كتاب ربه، فهو عصمة من الهوى والشيطان.
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿وَلا طَعامٌ إِلّا مِن غِسلينٍ﴾ [الحاقة: 36].

*قوله {وَلا}:* الواو حرف عطف، {لا}نافية.
قاله الدعاس في إعراب القرآن.

*قوله {طَعامٌ}:* معطوف على {حميم} (١)، في قوله: {فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هاهُنا حَميمٌ} [الحاقة: 35].

يريد: وليس له في هذا اليوم طعام يصلح، وينتفع به كطعام الناس في الدنيا؛ كما قال: {لَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَريعٍ * لا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ} [الغاشية: 6-7]، يريد: أن لاطعاملهم أصلا.

قال الزمخشري في الكشاف: كما تقول ليس لفلان ظلإلاالشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد.

قال القرطبي في تفسيره: {وَلا طَعامٌ}:أي وليس لهم طعام ينتفعون به .

قلت (عبدالرحيم): وفائدة التنبيه على الطعام هنا: لأنه كان في الدنيا - أي الكافر الذي أعطي كتابه بشماله - لا يطعم المسكين، ولا يحض على إطعامه؛ فليس له في الآخرة طعام ينفعه ويغيثه، إلا هذا الطعام الخبيث {جزاء وفاقا}.

ونحوه، ما ورد في الحديث - عند مسلم -: "ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها، عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس" (٢).

ففيها: أن الجزاء من جنس العمل. وفيها: أن إطعام الطعام من المنجيات من عذاب النار.

*قوله {إِلّا}:* حرف حصر.
قاله الدعاس في إعراب القرآن.

*قوله {مِنْ غِسلين}:* صديد أهل النار.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب.

إلا أن البغوي قال: وهو صديد أهل النار، مأخوذ من الغسل، كأنه غسالة جروحهم وقروحهم.

وزاد الزجاج: واشتقاقه مما ينغسلمن أبدانهم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والغسلين: غسالة أبدان الكفار في النار.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: غسالة أهل النار: القيح والدم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: ما يسيل منأبدانهممن:الصديد والدم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: غسلين، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: غسالة أجواف أهل النار.

قال الطبري في تفسيره: {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ}: يقول جلّ ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحضّ في الدنيا على طعام المسكين، إلا طعام من غسلين، وذلك ما يسيل من صديد أهل النار.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: كل جرح غسلته فخرجمنه شيء فهوغسلين، فعلينمنالغسل من الجراح والدبر.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {إلامنغسلين} جعله - والله أعلم -من"الغسل" وزاد الياء والنون بمنزلة "عفرين" و"كفرين".

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والغِسلين: بكسر الغين ما يدخل في أفواه أهل النار من المواد السائلة من الأجساد وماء النار ونحو ذلك مما يعلمه الله فهو عَلَم على ذلك مثل سِجين ، وسرقين ، وعِرنين ، فقيل إنه فِعْلِين من الغَسل لأنه سَالَ من الأبدان فكأنه غُسل عنها . ولا مِوجب لبيان اشتقاقه.

قال السعدي في تفسيره: وليس له طعام إلا من غسلين وهو صديد أهل النار، الذي هو في غاية الحرارة، ونتن الريح.

مسألة:

فإن قلت: كيف قيل {ليس لهمطعامإلامن ضريع} وفي الحاقة{ولاطعامإلامنغسلين}؟.

قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: {لكل باب منهم جزء مقسوم}.
قاله الزمخشري في الكشاف.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: والجواب: أن النار دركات، فمنهممن طعامه الزقوم ومنهممنطعامه الغسلين، ومنهممنطعامه الضريع، ومنهممن شرابه الحميم، ومنهممنشرابه الصديد.
.............................
(١): قاله الدعاس في إعراب القرآن.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {ولا طعام} عطف على {حميم}.
(٢): شطر من حديث رواه مسلم في صحيحه (٩٩٠)، من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.
.........................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:

﴿لا يَأكُلُهُ إِلَّا الخاطِئونَ﴾ [الحاقة: 37].

*قوله {لَّا}:* نافية.
قاله الدعاس في إعراب القرآن.

*قوله {يَأْكُلُهُ}:* أي الطعام الذي هو من {غسلين}.

سؤال: فإن قلت: "الغسلين" سائل، فكيف قال: {يأكله}؟.

قلت (عبدالرحيم): وإنما قال {يأكله} - والله أعلم -: لثقله، وغِلَظِه، وكثافته - عياذا بالله -، كما يقال: أكل العسل، وأكل المغافير؛ وكلاهما يسيل (١).

ويظهر هذا بجلاء في تأويل معنى ال {غسلين}، فمعناه: صديد أهل النار، وما ينغسل ويسيل من أبدانهم؛ من دم وقيح وعصارة. نعوذ بالله منها.

*قوله {إِلَّا الْخَاطِئُونَ}:* الكافرون.
قاله البغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والواحدي في الوجيز، والنسفيةفي مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.

إلا أن النسفي قال: للكافرون أصحاب الخطايا.

وقال يحيى بن سلام في التصاريف، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره: {الخاطئون}: المشركون.

إلا أن ابن سلام قال: المذنبون بالشرك.

قال الإيجي في جامع البيان: والمراد المشركون.

تنبيه:

قد سبق وبينت - بحمد الله - أنه لا فرق بين الشرك والكفر، ولقوله - على لسان المؤمن وهو يحاور الكافر بالبعث -: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}،
فلما نزل بالكافر ما نزل من عذاب الله، كما قال: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}: والشاهد قوله: "يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا".

فسيّان قول العلماء: الكافرون والمشركون.

انتهى

مسائل في قوله تعالى: {الخاطئون}:

المسألة الأولى:

قوله: {الخاطئون}: اسم فاعل من خطىء يخطأ، إذا فعل غير الصواب متعمدا، والمخطىء من يفعله غير متعمد (٢). فقوله: {الخاطئون}: هم المتعمدون القاصدون للخطأ المصرون عليه، وهو الشرك والكفر بالله، كما قال: {وَكانوا يُصِرّونَ عَلَى الحِنثِ العَظيمِ} [الواقعة: 46]، وكانوا يقيمون على الذنب العظيم، وهو الشرك الذي حنثوا ونقضوا به العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم في عالم الذر.

فلا عذر لهم في ارتكابه وعدم الإقلاع عنه؛ فقد انقطعت الأعذار وقامت عليهم حجج الله وتتابعت، وبلغتهم من كل باب، وظهر لهم الحق وتبين؛ ومع ذلك كله أصروا على الخطأ؛ الذي هو الإشراك.

قال أبو السعود في تفسيره - في قوله - {الخاطئون}: من خطىء الرجل إذا تعمد الذنب؛ لا من الخطأ المقابل للصواب دون المقابل للعمد.

المسألة الثانية:

الخطأ هنا بمعنى: "الكفر والشرك"، وبدليل ما سبق: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير: وتعريف {الخاطئون} للدلالة على الكمال في الوصف، أي المرتكبون أشدّ الخِطأ وهو الإِشراك.

قلت (عبدالرحيم): ويأتي الخطأ في التنزيل على عدة معان، منها:
الكفر والشرك بالله؛ فهو أعظم الخطأ على الاطلاق، وهو الخطأ الوحيد الذي يأكل كل الحسنات؛ ومنه قوله تعالى: {بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَت بِهِ خَطيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ} [البقرة: 81]، فسماه خطيئة واحدة مع كثرة الخطايا التي تقع من الكافر؛ فالخطيئة هنا بمعنى الكفر؛ وكما قيل: "ليس بعد الكفر ذنب".

قال الألوسي في روح المعاني: وذهب كثير من السلف إلى أنها الكفر.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: وقيل هي الكبيرة، وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار، ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود، وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعليه إجماع المفسرين، وبهذا يبطل تشبث المعتزلة والخوارج.

قال القاسمي في محاسن التأويل: فيتعين تفسير السيئة والخطيئة، في هذه الآية، بالكفر والشرك. ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود.

ومنه: {وَجاءَ فِرعَونُ وَمَن قَبلَهُ وَالمُؤتَفِكاتُ بِالخاطِئَةِ} [الحاقة: 9]، قال البغوي في تفسيره: {بالخاطئة}: أي بالخطيئة والمعصية وهي الشرك.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني بالشرك، وأعمالهم الخبيثة.

ومنه: {فَالتَقَطَهُ آلُ فِرعَونَ لِيَكونَ لَهُم عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما كانوا خاطِئينَ} [القصص: 8]. خاطِئينَ: بسبب شركهم وكفرهم، ففيه: أن الكفر رأس الشر والفساد في الأرض.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {إِنَّ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما كانوا خاطِئينَ}: يعني: مشركين.

قال القرطبي في تفسيره: أي عاصين مشركين آثمين.

ومنه: {ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ} [العلق: 16].، وصفها بالكذب والخطأ؛ الذي هو الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وجاء به من عند الله.
........................
(١): قال ابن منظور في اللسان: والمغافير: صمغ يسيل من شجر العرفط غير أن رائحته ليست بطيبة.
(٢): قاله السمين الحلبي في الدر المصون.
.......................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿فَلا أُقسِمُ بِما تُبصِرونَ۝وَما لا تُبصِرونَ﴾ [الحاقة: 38-39].

*قوله {فَلا أُقسِمُ}:* أي فأقسم.

و"لا" زائدة للتوكيد وليست حشوا؛ لأن في زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى، والتأكيد؛ وكما عند مسلم، من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "وَلَا وَاللهِمَامَسَّتْيَدُرَسُولِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَدَامْرَأَةٍ قَطُّ..." (١).

قال بيان الحق في باهر البرهان: دخول "لا"لتأكيدالقسم، لأن الإثبات من طريق النفي آكد. قال امرؤ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري...لا تدعي القوم أني أفر (٢). انتهى

وضمير {أُقسم} عائد إلى الله تعالى (٣)؛ فأقسم الله - جل ذكره - أن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله. والله يقسم بما شاء من خلقه، أما العبد المخلوق المربوب، فإنه لا يحل له الحلف إلا بالله.

وقيل: إن «لا» نافية لفعل القسم، وكأنه قيل: لا احتياج أنأقسمعلى هذا؛ لأنه حق ظاهر مستغن عن القسم (٤). والأول قول الأكثر (٥).

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والماوردي في النكت والعيون، والسمعاني في تفسيره: وَقَوله تَعَالَى: {فَلَاأقسمبِمَاتبصرون} أَي:أقسم، و " لَا " صلَة.

إلا أن مكي قال: أيأقسمبذلك، و: {لا}: زائدة.

وزاد الماوردي: صلة زائدة.

قال أبو السعود في تفسيره: {فلا أقسم}: أي فأقسم على أن "لا" مزيدة للتأكيد. وأما حمله على معنى نفي الإقسام لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق فيرده تعيين المقسم به بقوله تعالى {بما تبصرون}.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: والإقسام بغير الله إنما نهى عنه في حقنا وأما هو تعالى فيقسمبماشاء على ما شاء.

*قوله {بِما تُبصِرونَ}:* بما ترون، وتشاهدون؛ كالسماء والأرض، والسفن (٦)، والرياح، وغيره من المبصرات العظام التي شأنها أن يقسم الله بها.

قال الطبري في تفسيره: أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون منها، والتي لا تبصرون.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: (فلاأقسمبماتبصرون) من المخلوقات.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {فَلاأُقْسِمُبِماتُبْصِرُونَوَما لاتُبْصِرُونَ}: أي بالمشاهدات والمغيبات.

تنبيه:

قولهم: "أقسم بكل شيء": معناه: أقسم بكل شيء من شأنه أن يقسم الله به، من الأمور العظيمة؛ لأن هناك أشياء تبصر وأخرى لا تبصر، ولكنها من الأمور الدنيئة الحقيرة؛ التي لا يصح أن يقال إنه أقسم بها - حاشاه -.

ونحو هذا الكلام، قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمرِ رَبِّها فَأَصبَحوا لا يُرى إِلّا مَساكِنُهُم كَذلِكَ نَجزِي القَومَ المُجرِمينَ} [الأحقاف: 25]، أي تدمر كل شيء من شأنه أن يدمر بإذن الله؛ فإنها لم تدمر السماء أو كل الأرض لدخولهما في كلمة "شيء"!.

*قوله {و ما لا تُبصِرون}:* وأقسم بما لا ترون، وتشاهدون.

وهو قسم بنفسه (٧) - جل ذكره -، وكما قال: {فَلا أُقسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ وَالمَغارِبِ إِنّا لَقادِرونَ} [المعارج: 40].
وهو قسم بالملائكة، والعرش، وغيره من الغيبيات التي من شأنها أن يقسم الله بها.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: جمع الله في هذا القَسَم كل ما الشأن أن يُقسَم به من الأمور العظيمة من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصِلَتان {بما تبصرون وما لا تبصرون}، فمما يبصرون : الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب ، وما لا يبصرون : الأرواح والملائكة وأمور الآخرة.
......................
(١): شطر من حديث رواه مسلم في صحيحه (١٨٦٦).

(٢): قاله عند تأويل لسورة القيامة.

(٣): قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

(٤): قاله سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب.

(٥): قال القرطبي في تفسيره - عند تأويل قوله تعالى-: ﴿فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ﴾ [الواقعة: 75]، قوله تعالى: (فلا أقسم) (فلا) صلة في قول أكثر المفسرين، والمعنى فأقسم، بدليل قوله: (وإنه لقسم).

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: {فَلا أُقْسِمُ}: لا زائدة غير نافية.

(٦): لقوله تعالى: {فَالجارِياتِ يُسرًا} [الذاريات: 3]، أي وأقسم بالسفن التي تجري في البحر بيسر وسهولة.

(٧): قال السعدي في تفسيره: أقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الأشياء وما لا يبصرونه، فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم، وأن الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى.
.......................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿إِنَّهُ لَقَولُ رَسولٍ كَريمٍ﴾ [الحاقة: 40].

*قوله {إِنَّهُ}:* يعني القرآن.

*قوله {لَقَولُ}:* القول هنا بمعنى: النطق والتلاوة والقراءة.
فقول الرسولهو: قراءة القرآن. يريد: إن القرآن لتلاوة ونطق الذي يبلغه عن ربه.


*قوله {رَسولٍ}:* يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقيل: جبريل - عليه السلام -، والأول أظهر بدليل ما بعده: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (١).

ولم يسمه هنا - أي الرسول -: تنبيها أن القرآن من عند الله، وأن محمدا مجرد مبلغ عن ربه؛ ولذا لم يقل - مثلا -: "إنه لقول محمد"، وإنما قال: {لقول رسول}، لأنه مبلغ عن ربه.

قال ابن كثير في تفسيره: يعني : محمدا أضافه، إليه على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفي لفظ: {رسول}: إيذان بأن القول قول مُرسله، أي الله تعالى، وقد أكد هذا المعنى بقوله عقبه {تنزيل من رب العالمين}.


*قوله {كَريمٍ}:* أي شريف فاضل، جليل القدر.

والمراد ب/ "الكريم" هنا: الكريم في المنزلة؛ وليس معناه: من الكرم الذي ضد البخل، وإن كان يصح وصف الرسول بهذا الكرم؛ لأنه أجود الناس في التبليغ، وأجودهم بذات يده.

قال الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: الكريم: الشريف الفاضل.

قال القرطبي في تفسير: ورجل كريم شريف، فاضل صفوح (٢).

قل (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (النمل: 29)، قال السمرقندي في بحر العلوم: أي: شريف فاضل.

ومنه {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}: (الحج: 50)، قال: الواحدي في البسيط: "فالرزق الكريم": هو الشريف الفاضل الحسن الممدوح.

ومنه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله}: يعني: إنَّ أكرمكم على الله في المنزلة {أَتْقَاكُمْ} في الدُّنيا.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف.

ومنه قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}: تهكما، يريد: ذق العذاب المهين يا من كنت شريفا فاضلا في قومك.

وقال حكاية عن إبليس: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي}: أي: فضلت.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن.

ومنه: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا}: يعني حسنا شريفا مرضيا؛ أي مدخلا تكرمون فيه.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان.

انتهى

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقد أثبت للرسول الفضل على غيره من الرسل بوصف {كريم}، ونفي أن يكون شاعراً أو كاهناً بطريق الكناية عند قصد رد أقوالهم.

قلت (عبدالرحيم): يرد عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}: يعني موسى عليه السلام.

وروى البخاري (3390)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام».

تنبيه:

فإن قال قائل: كيف قال: {إنه لقول رسول كريم}، وإنما هو قول الله تعالى؟.

فالجواب: وإنما أضافه إليه: لأنه تلاه وبلغه، ولأنه أول نفس نطقت بالقرآن من البشرية (٣)؛ فأضيف إليه من هذه الحيثية؛ وإلا فمن المعلوم قطعا أن القرآن كلام الله؛ تكلم به حقيقة، ثم سمعه جبريل - عليه السلام - ونزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} لم يُرد أنه قول الرسول؛ وإنما أراد: أنه قول رسول عن الله جل وعز. وفي "الرسول" ما دل على ذلك؛ فاكتفى به من أن يقول: عن الله.


قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {إِنَّهُلَقَوْلُرَسُولٍكَرِيمٍ}. أي:كريمعلى ربه وهومحمد - صلى الله عليه وسلم - يقرأه ويتلوه عليكم.

قال البغوي في تفسيره: "لقول رسول كريم"، أي تلاوة رسول كريم، يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم -.

قال الثعلبي في تفسيره: إنه لقول رسول كريم أي تلاوة محمد وتبليغه، وقيل: لقول مرسل رسول كريم فحذف كقوله وسئل القرية.

قال ابن كثير في تفسيره: أضافه إليه على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي : {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين}: وهذا جبريل، عليه السلام.

قال القرطبي في تفسيره: "وليس القرآن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إنما هو من قول الله عز وجل. ونسب القول إلى الرسول لأنه تاليه ومبلغه والعامل به...".

قال السمعاني في تفسيره: والجواب من وجهين: أحدهما: أن معناه تلاوة رسول كريم، والثاني: قول الله وإبلاغ رسول كريم، فاتسع في الكلام واكتفى بالفحوى.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: وقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ} [الحاقة/ 40- 41] فقد نسب القول إلى الرّسول، وذلك أنّ القول الصادر إليك عن الرّسول يبلّغه إليك عن مرسل له، فيصحّ أن تنسبه تارة إلى الرّسول، وتارة إلى المرسل، وكلاهما صحيح.

قلت (عبدالرحيم): ولذا لم يقل: "إنه لكلام رسول"؛ للفارق بين الكلام والقول؛ فالكلام: يضاف إلى من قاله مبتدئا منشئا (٤)، والقول: يضاف لمن قاله مبلغا مؤديا. ولذا يصح أن يقال للشعر: هو قول الراوي. ولا يصح أن يقال هو:
شعره وخطبته (٥). وعليه: فالكلام كلام الله، والقول قول الرسول.

فمعنى قوله: {إنه لقول رسول}: أي نطقه وبلاغه، وتلاوته.

ولذا قال بعدها منبها، ومحذرا: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} الحاقة، يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم -، أكد بذلك - سبحانه - أن القرآن كلامه، وأن محمدا قاله كما أسمعه جبريل - عليهما الصلاة والسلام -.
وكما قال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)}.

كما أن الله نسبه تارة إلى الرسول الملكي، جبريل - عليه السلام -: {وإِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)} التكوير، يعني: جبريل - عليه السلام -.

انتهى


المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":
﴿إِنَّهُ لَقَولُ رَسولٍ كَريمٍ﴾ [الحاقة: 40].
إن القرآن لكلام الله، يتلوه على الناس رسوله الكريم.
..........................
(١): قال الزمخشري في الكشاف: وقيل «الرسول الكريم» جبريل عليه السلام، وقوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ دليل على أنه محمد صلى الله عليه وسلم لأنّ المعنى على إثبات أنه رسول، لا شاعر ولا كاهن.

(٢): تفسير القرطبي - سورة الشعراء.
(٣): قال الجرجاني في درج الدرر: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)} وهو جبريل - عليه السلام- من كونه أول نفس نطقت بالقرآن وصدرت حروفه من صدرها.
(٤): انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام.
(٥): انظر المفردات للراغب الأصفهاني.

..................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿وَما هُوَ بِقَولِ شاعِرٍ قَليلًا ما تُؤمِنونَ﴾ [الحاقة: 41].

*قوله {وَما هُوَ}:* أي القرآن.

*قوله {بِقَولِ}:* القول: التلاوة والنطق والبلاغ.

وقد نسب الله القول هنا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونسب الكلام إلى نفسه - جل ذكره -؛ في آية أخرى، كما قال: ﴿وَإِن أَحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأَجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾ [التوبة: 6]؛ فالقول: قول الرسول، والكلام: كلام الله.

*قوله {شاعِرٍ}:* لأنه لا يحسن قيل الشعر، قال الله: ﴿وَما عَلَّمناهُ الشِّعرَ وَما يَنبَغي لَهُ إِن هُوَ إِلّا ذِكرٌ وَقُرآنٌ مُبينٌ﴾ [يس: 69].

وكيف - أيها المشركون - يكون شاعرا وما يتلوه عليكم يذم الشعر؛ كما قال: ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ۝أَلَم تَرَ أَنَّهُم في كُلِّ وادٍ يَهيمونَ۝وَأَنَّهُم يَقولونَ ما لا يَفعَلونَ﴾ [الشعراء: 224-226].

فقوله تعالى: {وَما هُوَ بِقَولِ شاعِر}: يريد: إن ما يتلوه عليكم محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس بالشعر، كما تزعمون، وكما تدعون، وكما تفترون؛ لأنه مخالف للشعر، وليس على نظمه، ولأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لا يحسن قيل الشعر؛ فبأي حق تقولون: عن القرآن شعر، وعن الرسول شاعر؛ وأنتم أهل الشعر؟!؛ ولكن كما قال: {قَد نَعلَمُ إِنَّهُ لَيَحزُنُكَ الَّذي يَقولونَ فَإِنَّهُم لا يُكَذِّبونَكَ وَلكِنَّ الظّالِمينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجحَدونَ} [الأنعام: 33].

قال الطبري في تفسيره: يقول جلّ ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر؛ لأن محمدًا لا يُحسن قيل الشعر، فتقولوا هو شعر.

قال القرطبي في تفسيره، وسراج الدين النعماني في اللباب: {وما هو بقول شاعر}: لأنه مباين لصنوف الشعر كلها.

قال الرازي في تفسيره: كأنه تعالى قال: ليس هذا القرآن قولا من رجل شاعر، لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون، أي لا تقصدون الإيمان، فلذلك تعرضون عن التدبر، ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم: إنه شاعر، لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر.

قال أبو حيان في البحر المحيط: ونفى تعالى أن يكون قولشاعرلمباينته لضروب الشعر.

قال الشوكاني في فتح القدير: {وماهوبقولشاعر}: كماتزعمون لأنه ليس من أصناف الشعر ولا مشابه لها.

سؤال: ما قول الشاعر؟.

قال الراغب الأصفهاني في إعراب القرآن: قول الشاعر: ما ألفه بوزن، وجعله مقفى، وله معنى.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: أي: يأتي بكلام مقفى موزون بقصد الوزن.

سؤال: لم منع الرسول عليه السلام من الشعر؟.

قال الراغب الأصفهاني في إعراب القرآن: وعن هذا جوابان:
أحدهما: أن الغالب من حال الشعراء أنه يبعث على الشهوة، ويدعو إلى الهوى، والرسول` عليه السلام إنما يأتي بالحكم التي يدعو إليها العقل للحاجة إلى العمل عليها، والاهتداء بها.
والثاني: أن في منعه من قول الشعر دلالة على أن القرآن ليس من صفة الكلام المعتاد بين الناس، وأنه ليس بشعر؛ لأن الذي يتحدى به غير شعر، ولو كان شعرا لنسب إلى من تحدى به وأنه من قوله.

تنبيه:

قوله: {ولا بقول شاعر}: دليل أنه أراد بقوله: ﴿إِنَّهُ لَقَولُ رَسولٍ كَريمٍ﴾ [الحاقة: 40]، محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وليس جبريل - عليه السلام -؛ وقد سلف الإشارة إليه.

وفي التفسير القرآني للقرآن: الأولى عندنا أن يكون المراد بالرسول الكريم،هورسول الله، إذ كان الموقف هنا موقف دفاع عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وردا على اتهام المشركين له بأنه كاهن، وبأنهشاعر.. فكان المقام يقضى بأن يوضع الرسول بموضعه الصحيح، وهوأنه رسول كريم، وأنماينطق به ليس من منطق الكهانة ولا الشعر، وإنماهومنطق مبعوث كريم من رب العالمين، يبلغماأرسل به إلى عباد الله.

*قوله { قَليلًا ما تُؤمِنونَ}:* بأنه كلام الله، وتبليغ محمد - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أقلكم من يؤمن.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و "ما" يحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة، ويحتمل أن تكون مصدرية ويتصف بالقلة.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله: {قليلا ما تؤمنون} {قليلا ما تذكرون} انتصب «قليلا» في الموضعين نعتا لمصدر أو زمان محذوف أي: إيمانا قليلا أو زمانا قليلا.

قال أبو السعود في تفسيره:{قليلا ماتؤمنون}: إيماناقليلاتؤمنون.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي":
﴿وَما هُوَ بِقَولِ شاعِرٍ قَليلًا ما تُؤمِنونَ﴾ [الحاقة: 41].

أي: وما القرآن بقول شاعر، لأن محمداً لا يحسن قول الشعر فتقولون هو شاعر، قليلا إيمانكم، أي إيماناً قليلاً إيمانكم أو وقتا قليلا. وهذا كله خطاب من الله - جل ذكره - لمشركي قريش.
..................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿وَلا بِقَولِ كاهِنٍ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ [الحاقة: 42].

*قوله {وَلا}:* هو.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره.

إلا أن مقاتلا قال: "ولا" هو؛ يعني القرآن.

*قوله {بِقَولِ}:* القول: التلاوة والنطق والبلاغ.

فالقول: قول الرسول؛ أي نطقه وبلاغه، والكلام: كلام الله.

*قوله {كاهِنٍ}:* كما تدعون، وتزعمون، وتفترون.

فليس هذا القرآن بقول كاهن، لأمور:

أولا: أن كلام الكهان أمر مُغَاير لهذا القرآن.

ثانيا: ولأن محمداً ليس بكاهن، ولا أثارة من علم أنه كان يتكهن - حاشاه -.

ثالثاً: الكهان يتعاطون أجرا على سجعهم، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ليس كذلك، بل هو المنفق في سبيل دعوتكم، وقد سبق بيانه بسعة، عند تأويلنا لقوله تعالى: ﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

رابعاً: ما يتلوه عليكم يسب الشياطين ويعيب عليها وعلى أقوالها فكيف تنزل عليه مثل هذا الكلام (القرآن)؟!، وهو المشتمل على التوحيد والطهر والعفاف، والنهي عن الشرك وغشيان الفواحش، وأنى للشياطين التي تكذب، وتأمر بالفواحش أن تأتي بمثل هذا القرآن؟!، قال الله: ﴿إِنَّما يَأمُرُكُم بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ [البقرة: 169]، وقال: ﴿فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ﴾
[الأعراف: 20].

فلا يمكن للشياطين أن تنزل عليه شيئا يشبه هذا الكلام المبارك، قال الله: ﴿وَما تَنَزَّلَت بِهِ الشَّياطينُ﴾ [الشعراء: 210]، أي: وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على قلب الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -.

خامساً: ما يقوله ويتلوه محمد - صلى الله عليه وسلم - يمدح ويثني على منزله - جل ذكره -؛ فكيف يكون من كلام الشياطين؟!، والشياطين لا تثني ولا تمدح رب العالمين بل تأمر بالكفر به؛ فبأي حق تقولون: إن الرسول كاهن، وما يتلوه من سجع الكهان؟!، قال الله: ﴿وَما هُوَ بِقَولِ شَيطانٍ رَجيمٍ﴾ [التكوير: 25].

انتهى

قال الطبري في تفسيره: {وَلابِقَوْلِكَاهِنٍقَلِيلامَاتَذَكَّرُونَ}: يقول:ولاهوبقولكاهن، لأن محمدًا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان.

قال القرطبي في تفسيره: لأنه ورد بسب الشياطين وشتمهم فلا ينزلون شيئا على من يسبهم.

قال الرازي في تفسيره: {ولا} أيضابقولكاهن، لأنه وارد بسبب الشياطين وشتمهم، فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين، إلا أنكم لا تتذكرونكيفية نظم القرآن، واشتماله على شتم الشياطين، فلهذا السبب تقولون: إنه من باب الكهانة.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {وَلابِقَوْلِكاهِنٍ}: يعني: ليسبقول كاهن، ليسبقولشيطان أي: عراف كاذب.

قال الراغب الأصفهاني في إعراب القرآن: وقول الكاهن: السجع، وهو كلام متكلف يضم على معنى يشاكله.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: كهن: الكاهن: هو الذين يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن، والعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك..."

قال السمعاني في تفسيره: الكاهنهو الذي يخبر عن الغيب كذبا.

*قوله {قَليلًا ما تَذَكَّرونَ}:* أي قليلا ما تتذكرونكيفية نظم القرآن، وأنه مباين لسجع الكهان.

وقوله {تَذَكَّرونَ}: أصله: تتذكرون، فأدغمت التاء في الذال، وحذفت إحدى التاءين تخفيفا.

قال الطبري في تفسيره: {قَليلًا ما تَذَكَّرونَ}: يقول: تتعظون به أنتم،قليلاماتعتبرون به.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {قَلِيلًامَّاتَذَكَّرُونَ}: يعني:قليلاًماتتعظون.

قال القاسمي في محاسن التأويل: ولابقولكاهنأي كماتدعون أخرى بأنه من سجع الكهان{قليلاماتذكرون}أي تتعظون وتعتبرون.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي":

﴿وَلا بِقَولِ كاهِنٍ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ [الحاقة: 42].
أي: وليس هذا القرآنبقولكاهنفيقولون هو من سجع الكهان،قليلاًمايَعتبرون ويَذكرون به.
.........................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
*"تطبيق معاني وغريب القرآن"*

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.echoman.quraan1

قوله تعالى:
﴿وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ﴾ [الحاقة: 44].

*قوله {وَلَو تَقَوَّلَ}:* تَقَوَّلَ: أي اختلق، وكذب، وافترى؛ يريد: لو تكلف أن ينسب إلينا شيئا لم نقله.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والتقول: أن يقول الإنسان عن آخر أنه قال شيئا لم يقله.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: سمي الافتراء تقولا لأنه قول متكلف.

قال الحميري: [التقوُّل]: تقوَّل عليه: أي قال عليه ما لم يقل.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: ﴿أَم يَقولونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤمِنونَ﴾ [الطور: 33]،
قال السمعاني في تفسيره، وابن كثير في تفسيره: قوله تعالى: {أم يقولون تقوله} أي: افتراه واختلقه.

إلا أن ابن كثير قال: أي اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {ولو تقول}: تخرص واختلق، ونسب إلينا ما لم نقله.
قاله البغوي في تفسيره.

قال القاسمي في محاسن التأويل: وسمى الكذب تقولا، لأنه قول متكلف، كما تشعر به صيغة التفعل.

*قوله {عَلَينا}:* محمد.
قاله البغوي في تفسيره، ومجير الدين العلمي في تفسيره.

*قوله {بَعضَ}:* وليس كل.

*قوله {الأَقاويل}:* الأكاذيب.

يريد: لو أتى محمد - صلى الله عليه وسلم - بشيءٍ مِنْ قِبَل نفسه مما لم يوحَ إليه ولم يؤمر به، وادعى أنه كلام الله: ﴿لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ۝ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ۝فَما مِنكُم مِن أَحَدٍ عَنهُ حاجِزينَ﴾ [الحاقة: 45-47]، وسيأتي تأويل هذه الآيات - إن شاء الله -.

قال القاسمي في محاسن التأويل: والأقاويل إما جمع (قول) على غير القياس، أو جمع الجمع كالأناعيم، جمع أقوال وأنعام.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل}: سمي الافتراء تقولا لأنه قول متكلف والأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها كأنها جمع أفعولة من القول كالأضاحيك.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {بَعْضَ الأقَاوِيلِ}: أي لو تكلف محمد أن يقول علينا ما لم نقله.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

قال النسفي في مدارك التنزيل: ولو ادعى علينا شيئا لم نفعله.

قال الواحدي في الوجيز: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل} يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قال ما لم يُؤمر به وأتى بشيءٍ مِنْ قِبَل نفسه.

قال الماوردي في النكت والعيون: {ولو تَقوَّل علينا بَعْضَ الأقاويل}: أي تكلّف علينا بعض الأكاذيب، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الطبري في تفسيره: {بَعْضَ الْأَقاوِيلِ}: الباطلة، وتكذب علينا.

قال النحاس في إعراب القرآن: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ}: أي من الباطل.

قلت (عبدالرحيم): وهذه الآية من أعظم الأدلة والبراهين على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من عند الله؛ لقوله: {وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويل}: وليس كلها؛ فما باله يتركه يتكلم بكل هذا، من القرآن والحديث؟، فهذا دليل على صدقه - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما جاء به حق من عند الله؛ إذ لو كان كذبا ما تركه الله ثلاثة وعشرين سنة يتكلم بكل هذا، ولأهلكه ولانتقم منه بقطع نياط؛ كما أهلك كل من ادعى النبوة؛ فلما ترك - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الفتوح دخل الناس في الدين أفواجا، دل على أنه لم يتقول على الله؛ بل أدى الأمانة، ورفع الله ذكره {ورفعنا لك ذكرك}، إلى يوم أن يعطى المقام المحمود يوم القيامة؛ فصلوات الله وسلامه عليه، وجمعنا به في مستقر رحمته مع أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين -.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: ففي ذلك برهان على أن القرآن من عند الله.

قال السمرقندي في بحر العلوم: فأعلم الله تعالى أنه لا محاباة لأحد، إذا عصاه بالقرآن، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":
﴿وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ﴾ [الحاقة: 44].
ولو تَقَوَّل علينا محمد بعض الأقاويل التي لم نقلها.
..........................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
"معاني وغريب القرآن"

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*

قوله تعالى:
﴿لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ﴾ [الحاقة: 45].

*قوله {لَأَخَذنا منه}:* أي لأهلكناه، ولعاقبناه.

وأخذ الله: إهلاكه وعقابه، وانتقامه؛ ومنه قوله تعالى: ﴿كَدَأبِ آلِ فِرعَونَ وَالَّذينَ مِن قَبلِهِم كَذَّبوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنوبِهِم وَاللَّهُ شَديدُ العِقابِ﴾
[آل عمران: 11]، قال الطبري في تفسيره: (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ): فأهلكهم حين كذبوا بآتنا.

ومنه: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُم كانَت تَأتيهِم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَكَفَروا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَديدُ العِقابِ﴾
[غافر: 22]، قال السمرقندي في بحر العلوم: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ: أي أهلكهم، وعاقبهم بشركهم.

ومنه: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ وَالأولى﴾ [النازعات: 25]، قال الجلال المحلي في الجلالين، والخطيب في السراج المنير: فَأَخَذَهُ اللَّهُ: أهلكه بالغرق.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {لأخذنا منه باليمين}: يعني: لعاقبناه.
قال السمرقندي في بحر العلوم

*قوله {بِاليَمين}:* بالقوة، والقدرة.
قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

إلا أن الزجاج قال: أي بالقُدْرَةِ والقوة، وقال الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد. . . تلقاها عرابة باليمين.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: ومعناه: لو تقوّل علينا لأخذناه بقوتنا.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {لأخذنامنهباليمين} أي: بالقوة. أي: انتقمنامنهبقوتنا وقدرتنا.

قال الطبري في تفسيره: {لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}: يقول: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب، وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {لأخَذْنَامِنْهُباليمين}: لقتلناه صبراً كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول وهو أن يأخذ بيده وتضرب رقبته وخص اليمين لأن القتّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيسار وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعنىلأخذنامنهباليمينلآخذنا بيمينه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ومعنى قوله: باليمين يعني: بالقوة. وقال القتبي: إنما قام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في يمينه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: ﴿فَراغَ عَلَيهِم ضَربًا بِاليَمينِ﴾ [الصافات: 93]، قال الفراء في معاني القرآن: أي بالقوة والقدرة.

استطراد:

تأتي "اليمين" فى القرآن على عدة أوجه (١):

الأول - بمعنى القوة، قال تعالى: {فراغ عليهم ضربا باليمين} أى بالقوة، قيل: ومنه قوله تعالى: {لأخذنا منه باليمين} .

الثاني - بمعنى القسم: قال الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} ، {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} ، {واحفظوا أيمانكم ... } ، {بما عقدتم الأيمان} .

الثالث - بمعنى العهد: قال الله تعالى: {أم لكم أيمان علينا} أى عهود.

الرابع - بمعنى الجارحة: {وما تلك بيمينك ياموسى} ، {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} ، {فأما من أوتي كتابه بيمينه} .

الخامس - للصلة ولزيادة توكيد: قال تعالى: {أو ما ملكت أيمانهم} أى ما ملكت، {وما ملكت يمينك} أى ملكت.

السادس - بمعنى الدين والملة. قال تعالى: {تأتوننا عن اليمين} أى من جهة الدين.

السابع - بمعنى ناحية الشيء {عن اليمين وعن الشمال عزين} ، {وناديناه من جانب الطور الأيمن}.

الثامن - بمعنى البرهان والحجة: قال تعالى: {لأخذنا منه باليمين} قيل أى بالحجة، قيل: ومنه الحديث: "الحجر الأسود يمين الله فى أرضه" أى حجة الله.

التاسع - بمعنى الجنة: {وأصحاب اليمين مآ أصحاب اليمين} أى الجنة، {وأمآ إن كان من أصحاب اليمين} . واستيمنه استحلفه.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":

﴿لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ﴾ [الحاقة: 45].
لانتقمنا منه وأخذنا منه بالقوة منا والقدرة.
.....................
(١): انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادى.
...................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
"معاني وغريب القرآن"

جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي.

قوله تعالى:
﴿ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ﴾ [الحاقة: 46].

*قوله {ثُمَّ}:* بعد أن نأخذ منه باليمين، أي بالقوة منا والقدرة؛ عطف على قوله: ﴿لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ﴾ [الحاقة: 45]، أي: لعاقبناه، وأهلكناه بقوتنا وقدرتنا.

قال الدعاس في إعراب القرآن: {ثُمَّ}: حرف عطف.

*قوله {لَقَطَعنا}:* لفصلنا، ولأبنا. والقطع: الإبانة والإزالة والفصل.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقطَعوا أَيدِيَهُما...﴾ [المائدة: 38]، أي افصلوا وأبينوا.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: القَطْعُ: فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، فمن ذلك قَطْعُ الأعضاء نحو قوله: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ}.

قال القرطبي في تفسيره، وصديق حسن خان في فتح البيان: القطع معناه: الإبانة والإزالة.

قال الحميري في شمس العلوم: قَطَعَالشيءَ: أيأبانَبعضَه عن بَعْضٍ في الزمن الماضي.

قال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: القطع: الإبانة.

وفي المعجم الوسيط: قَطْعُاليَدِ : فَصْلُهَا مِنْ مَفْصِلِهَا.

ومنه: ﴿وَالَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يوصَلَ ...﴾ [الرعد: 25]، قال البقاعي في نظم الدرر: {أن يوصل} أي من الخيرات، قال الحرالي: والقطع الإبانة في الشيء الواحد..."

ومن معاني القطع: الجرح، ومنه قوله تعالى: {وَقَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ}، أي جرحن أيديهن حتى دميت.

قال الكفوي في الكليات: جرحن.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وأريد بالقطع: الجرح، أطلق عليه القطع مجازا للمبالغة في شدته، حتى كأنه قطع قطعة من لحم اليد.

قال الخطيب في السراج المنير: {ثم لقطعنا}: أي بما لنا من العظمة قطعاً يتلاشى عنده كل قطع.

*قوله {مِنهُ}:* من محمد - صلى الله عليه وسلم -.

*قوله {الوَتينَ}:* ولكنه لم يفعل لنفعل به ذلك. أي: لم يتقول علينا فنهلكه ونهينه؛ بل أعزه إلى أن لقي ربه.

و"الوتين": نياط القلب، وهو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه على الفور.

ويسمى كذلك ب/ "الحبل الوريد" (1)، ويسمى ب/ "حبل القلب" (2)، ويسمى ب/ "الأبهر" (3). وفي صحيح البخاري (4428)، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ».

قال السيوطي في شرح سنن ابن ماجة: والأبهر بفتح الهمزة والهاء بينهما موحدة عرق يتعلق به القلب فإذا انقطع مات صاحبها والسر في ذلك ان ينضم له صلى الله عليه وسلم مع النبوة درجة الشهادة أيضا.

قال ابن قتيبة في تأويل المشكل: والأبهر: عرق يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه. فكأنه قال: فهذا أوان قتلني السم، فكنت كمن انقطع أبهره.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (ثم لقطعنا منه الوتين): نياط القلب، وهو حبل الوريد.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {الوتين}: الوتين نياط القلب.
قاله الزجاج في معاني القرآن، والواحدي في البسيط، والقرطبي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والعليمي في فتح الرحمن، وغيرهم جمع، وحكاه البغوي عن أكثر المفسرين.

الا أن النسفي قال: لقطعنا وتينه وهو نياط القلب إذا قطع مات صاحبه.

وزاد السمعاني: فإذا انقطع لم يحي الإنسان بعده.

وزاد القرطبي: أي لأهلكناه. وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه . قاله ابن عباس وأكثر الناس.

وزاد العليمي: وهو عرق أبيض غليظ كالقصبة متصل بالقلب، إذا انقطع، مات صاحبه.

قال أبو الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال اللغويون: إنما سمي نياطاً، لتعلقه بالقلب. قال العجاج:
(وبلدةٍ نِياطُها نَطِيُّ ... قِيٌّ تُناصيها بلادٌ قِيُّ ... ).

قال أبو حيان في البحر: والمعنى: لو تقول علينا لأذهبنا حياته معجلا.

قال الراغب في المفردات: وتن: الوَتِينُ: عرق يسقي الكبد، وإذا انقطع مات صاحبه. قال تعالى: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة/ 46] والْمَوْتُونُ: المقطوع الوتين، والْمُوَاتَنَةُ: أن يقرب منه قربا كقرب الوتين، وكأنه أشار إلى نحو ما دلّ عليه قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16] واسْتَوْتَنَ الإبلُ: إذا غلُظ وتينُها من السِّمن.

لطيفة:

قال النحاس في معاني القرآن: {ثم لقطعنا منه الوتين}: فأخبر الله جل وعز بحكمه في أوليائه ومن يعز عليه ليعتبر غيرهم.

قلت (عبدالرحيم): وفي الآية: التحذير من التقول على الله وأنه سبب للهلاك، وذهاب العلم؛ قال الله: ﴿أَم يَقولونَ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَختِم عَلى قَلبِكَ وَيَمحُ اللَّهُ الباطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ﴾ [الشورى: 24].

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون بالله: {افْتَرَى} محمد {عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فجاء بهذا الذي يتلوه علينا اختلاقا من قبل نفسه. وقوله: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ}: يا محمد يطبع على قلبك، فتنس هذا القرآن الذي أُنـزل إليك.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":
{لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ} [الحاقة: 46].
ثم لقطعنا منه العِرْق المتصل بالقلب.
..............................
(1): قال الزمخشري في الكشاف: والوتين: نياط القلب وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه.

وقال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: حَبْلِ الْوَرِيدِ: حبل العاتق، وهو الوتين ينشأ من القلب فينبثّ في البدن.

(2): انظر: النكت والعيون للماوردي.

(3): وجاء في موسوعة ويكيبيديا: الشريان الأبهر أو الأورطي ويسمى أدبياً الوتين (بالإنجليزية: Aorta) هو أكبر شريان في جسم الإنسان، يخرج من البطين الأيسر من الأمام على يسار الشريان الرئوي، ويتجه إلى أعلى واليمين خلف الشريان الرئوي. وهو يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أنحاء الجسم عن طريق الدورة الدموية الكبرى التي تبدأ من البطين الأيسر وتنتهي في الأذين الأيمن. هو الشريان الرئيسي في الجسم والذي يغذي جميع انحاء الجسم، يبدأ على شكل قوس كبير ذو قطر حوالي سنتمترين والنصف يبدأ من قاعدة البطين الايسر خلف عظم القص وعلى مستوى غضروف الضلع الثالث الأيسر ويقسم إلى عدة اقسام.
.....................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. +966509006424*
 
*"معاني وغريب القرآن"*

جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للابلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].

*قوله {لِلكافِرينَ}:* أي قل هو للكافرين وحدهم، دون المؤمنين (١).

ولما سأل هذا الشقي عن عذاب الله الواقع، كما قال: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ [المعارج: 1]، قال الله ردا عليه بقوله: ﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].

قال ابن الجوزي في زاد المسير: فقوله عز وجل: «للكافرين» جواب للسؤال، كأنه لما سأل: لمن هذا العذاب؟ قيل: للكافرين.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن يقول: هو للكافرين خاصة دون المؤمنين.

فمعنى قوله تعالى: {لِلكافِرينَ}: يعني: على الكافرين.
قاله الطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.
إلا أن الطبري قال: يقول: واقع على الكافرين.

قال الزجاج في معاني القرآن: أي يقع بالكافرين.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: واللام لشبه الملك، أي عذاب من خصائصهم كما قال تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } [ البقرة : 24 ] .

قلت (عبدالرحيم): وكما في صحيح مسلم (185)، من حديث أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، ...».

فائدة:

قال القيرواني في النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه): وقيل: (اللام) في قوله: {لِلْكَافِرِينَ} بمعنى (على) أي: واقع على الكافرين، وقال الفراء: هي بمعنى (الباء) أي: بالكافرين واقع، وهو قول الضحاك.

*قوله {لَيسَ لَهُ}:* لهذا العذاب.

*قوله {دافِعٌ}:* مانع، وراد.

يريد: ليس لهذا العذاب إذا نزل وحان وقته رادّ ولا مانع وحام، كما قال: ﴿وَلَئِن أَخَّرنا عَنهُمُ العَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعدودَةٍ لَيَقولُنَّ ما يَحبِسُهُ أَلا يَومَ يَأتيهِم لَيسَ مَصروفًا عَنهُم وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [هود: 8]،
وكما قال: ﴿وَيَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ وَلَن يُخلِفَ اللَّهُ وَعدَهُ وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [الحج: 47].

قال الزمخشري في الكشاف: {ليس له دافع}: من جهته إذا جاء وقته وأوجبت الحكمة وقوعه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وقوله {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}: أي ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله رادٌّ يرده عنهم.

قال ابن كثير في تفسيره: {ليس له دافع}: أي لا دافع له إذا أراد الله كونه.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله تعالى: {ليس له دافع} أي: لا يدفع العذاب على الكافرين أحد، ولا يمنعه منهم.

قلت (عبدالرحيم): وتصديقه: ﴿...وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ﴾ [الرعد: 11].

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {دافِع}: راد.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال البغوي في تفسيره: {دافع}: مانع.

قال الراغب في المفردات: حام.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان، والعليمي في فتح الرحمن: {لَيسَ لَهُ دافِع}: يرده.

قلت (عبدالرحيم): ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلا رادَّ لِفَضلِهِ}: قال السمرقندي في بحر العلوم: {فَلا رادَّ لِفَضلِه}: يعني: لا مانع لعطائه.

المعنى الاجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":

﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].
للكافرين بالله، ليس لهذا العذاب من يرده.
...................
(١): قال البغوي في تفسيره: أي هو للكافرين.
..................

*جمعه، ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للابلاغ عن خطأ: +966509006424*
 
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ [المعارج: 3].

*قوله {مِنَ}:* تتعلق بدافع؛ أي لا يدفع من جهة الله (١).
قاله العكبري في التبيان في إعراب القرآن.

*قوله {اللَّهِ}:* وحده، ولأنه عذاب لا يقدر عليه إلا الله؛ كما قال: ﴿فَيَومَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ۝وَلا يوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: 25-26].

قال الواحدي في الوجيز: {من الله}: أي ذلك العذاب يقع بهم من الله.

*قوله {ذِي}:* صاحب.

قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: و «ذي»: صفة لله تعالى.

*قوله {المَعارِج}:* المصاعد.

وهي: التي ترقى وتصعد فيها الملائكة. والله أعلم بكنهها.

قال نجم الدين النسفي (٢) في طلبة الطلبة: وَالْمَعَارِجُجَمْعُ: مَعْرَجٍ.

قال الطبري في تفسيره - عند تأويله سورة الزخرف -: "وأماالمعارجفإنها جُمعت على مفاعل، وواحدها معراج، على جمعمعرج، كما يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح، لأنهما لغتان:معرج، ومفتح، ولو جمع معاريج كان صوابا، كما يجمع المفتاح مفاتيح، إذ كان واحده معراج".

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: العُرُوجُ: ذهابٌ في صعود. قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ}، {فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ}، والمَعَارِجُ: المصاعد. قال:{ذِيالْمَعارِجِ}. وليلة المِعْرَاجُ سمّيت لصعود الدّعاء فيها إشارة إلى قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {ذِي الْمَعَارِجِ}: أي مصاعد السماء للملائكة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {من الله ذي المعارج}: ذي المراقي إلى السماء.
ذيالمصاعد.

قال الزمخشري في الكشاف، وأبو السعود في تفسيره، وغيرهم: {ذِي الْمَعَارِجِ}: ذي المصاعد.

إلا أن أبا السعود قال: {ذِيالمعارج}:ذِيالمصاعدِالتي يصعدُ فيها الملائكةُ بالأوامرِ والنَّواهِي، أو هي: عبارةٌ عن السمواتِ المترتبةِ بعضِهَا فوقَ بعضٍ.

قال الحميري في شمس العلوم: المَعْرَج:المصعد، قالاللهتعالى: {مِنَاللّهِذِيالْمَعارِجِ}، والمَعْرج: الطريق الذييُصْعَد إليه.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قال الفراء: لما كانت الملائكة تعرج إليه، وصف نفسه بذلك.

قال السعدي في تفسيره - في قوله -: {مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}: فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله، فإما أن يعجل لهم في الدنيا، وإما أن يؤخر عنهم إلى الآخرة ، فلو عرفوا الله تعالى، وعرفوا عظمته، وسعة سلطانه وكمال أسمائه وصفاته، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا، ولهذا أخبر تعالى من عظمته ما يضاد أقوالهم القبيحة فقال: {ذِي الْمَعَارِجِ}.

قلت (عبدالرحيم): وفي الآية دليل بيِّن على أن الله في السماء؛ كما قال: { إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}. والنصوص متواترة في كونه سبحانه في السماء، وقد بينته في غير ما موضع من مشروعي "معاني وغريب القرآن" نفع الله به وجعله لوجهه خالصا.
.......................
(١): قال النسفي في مدارك التنزيل: {مِّنَالله} متصل بواقع أي واقعمنعنده أو بدافع أي ليس له دافعمنجهتهتعالى إذا جاء وقته.

(٢): هو: عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي (المتوفى: 537هـ)، وهو غير النسفي المفسير صاحب مدارك التنزيل.
 
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿تَعرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيهِ في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ أَلفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4].

*قوله {تَعرُجُ المَلائِكَةُ}:* تَعرُجُ: أي تصعد، وترتفع.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيها يَظهَرونَ﴾ [الزخرف: 33]، قال البغوي في تفسيره: {ومعارج}: مصاعد ودرجا من فضة.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: العُروج: الصعود والارتفاع.

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والعروجُ: الصُّعودُ إلى السَّماءِ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {تَعرُجُ}: تصعد.
قاله الماوردي في النكت والعيون، والنسفي في مدارك التنزيل، العز بن عبدالسلام، والقرطبي في تفسيره.

إلا أن القرطبي قال: أي تصعد في المعارج التي جعلها الله لهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {تعرج الملائكة}: معناه: تصعد على أصل اللفظة في اللغة.

*قوله {والرّوحُ}:* جبريل - عليه السلام -.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والروح عند جمهور العلماء: هو جبريل - عليه السلام -، خصصه بالذكر تشريفا.

*قوله {إِلَيهِ}:* إلى الله، وحيث يأمرهم أن يكونوا في السماء.

قال البغوي في تفسيره: {إليه}: أي إلى الله عز وجل.

قال الطبري في تفسيره: والهاء في قوله: (إليه) عائدة على اسم الله.

*قوله {في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ}:* مِقدارُهُ: أي قدره.

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والْمِقْدارُ: الْقَدْرُ.

*قوله {خَمسينَ أَلفَ سَنَة}:* لغير الملائكة.

يريد: يعرج جبريل والملائكة في يوم واحد، كان مقداره لو صعد غيرهم خمسين ألف سنة (1).

قال الطبري في تفسيره: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}: يقول: كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره، من فوق السموات السبع.

قال النسفي في مدارك التنزيل: النسفي: {كان مقداره خمسين ألف سنة}: من سني الدنيا لو صعد فيه غير الملك.

فائدة:

قال القصاب في النكت: قوله - عز وجل -: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ)، دليل على أن الله - جل جلاله - بنفسه في السماء، لأن " الهاء " في " إليه " راجعة على الله ذي المعارج، فلو كان معهم في الأرض - كما يزعمون ويفترون به عليه - ما كان لذكر العروج إليه معنى، فقد وضح - بلا إشكال - خطأ قولهم، لمن يلبسون عليه من الجهال، وإن كان غير مشكل على أكثرهم بحمد الله ونعمته.
...........................
(1): انظر: بحر العلوم لأبي الليث السمرقندي.
 
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للابلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿فَاصبِر صَبرًا جَميلًا﴾ [المعارج: 5].

*قوله {فَاصبِر}:* فاحبس نفسك.

وأصل الصبر: الحبس (١)، ومنه قولهم: قتل فلان صبرا: يعني قتل حبسا.

قال ابن كثير في تفسيره: أي اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه.

قال النحاس في إعراب القرآن: فاصبرعلى أذاهم.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {فاصبرصبراجميلا}:أي: على ما يقولون. ولا يضق صدرك، فقد قرب الانتقام منهم.

*قوله {صَبرًا جَميلًا}:* لا جزع فيه، ولا شكوى معه.

يريد: فاحبس نفسك عن الجزع (٢)، الشكوى لغير الله.

وإنما نهى عن الجزع، لأنه يضعف المرء عن القيام بما أُمر به.
ونهى عن الشكوى: لأن فيها نوع تذلل، وفيها تشتت للمرء، ولما فيها من انشغال بالمخلوق دون الخالق، وانشغال عن مناجاته لرفع ما نزل؛ فإن العبد إذا وقع في الجزع، وانشغل بالشكوى لغير الله ضاعت عليه أيام حياته، وفاتته نعمة البلاء.

والصبر الجميل في المصائب ألا يعرف صاحب المصيبة بن جماعته لتجلده في صبره واحتسابه (٣).

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {فاصبرصبراجميلا}: أي صبرالا جزع فيه، ولا شكوى.
قاله السمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

إلا أن النسفي قال : {صبراجميلا}: بلا جزع ولا شكوى.

والشوكاني يقول: {صبراجميلا}: لاجزعفيه ولاشكوىإلى غير الله، وهذا معنى الصبر الجميل.

قال الطبري في تفسيره: يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة.

فائدة:

قال ابن عطية في المحرر: وقد نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال.

﴿فَاصبِر صَبرًا جَميلًا﴾ [المعارج: 5].
فاصبر - أيها الرسول - صبرًا لا جَزَع فيه ولا شكوى.
............................

(١): نص عليه في تهذيب اللغة، وابن فارس في مجمل اللغة، وابن منظور في اللسان، وغيرهم.

(٢): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والجوهري في الصحاح تاج اللغة: الجَزَعُ: نَقِيضُ الصَّبْرِ.
إلا أن الجوهري قال: والجَزَعُ، بالتحريك: نقيض الصَّبر.

(٣): انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي.
 
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي. للاشتراك، للابلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿إِنَّهُم يَرَونَهُ بَعيدًا﴾ [المعارج: 6].

*قوله {إِنَّهُم}:* إن الكفار.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر.

زاد البقاعي: المكذبين المستعجلين.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: الضمير في «إنهم» لأهل مكة.

*قوله {يَرَونَهُ}:* يعني: العذاب.
قاله السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن.

إلا أن السمعاني قال: أي: العذاب.

*قوله {بَعيدًا}:* مستحيلا غير كائن ولا واقع.

يريد: إنهم يجحدونه ولا يؤمنون به أصلا، ولم يرد البعد الذي يوقن صاحبه أنه آت ولو بعد حين.

وفي التفسير الكبير للفخر: أي يستبعدونه على جهة الإحالة.

قال التستري في تفسيره: والبعيد ما لا يكون.

قال الطبري في تفسيره: وإنما أخبر جلّ ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيدا، لأنهم كانوا لا يصدّقون به، وينكرون البعث بعد الممات، والثواب والعقاب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {بَعيدًا}: مستحيلا.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال ابن كثير في تفسيره: {إنهميرونهبعيدا} أي: وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع.

قال القرطبي في تفسيره: (إنهميرونهبعيدا) يريد أهل مكة يرون العذاب بالناربعيدا، أي غير كائن.

قال الشوكاني في فتح القدير: فمعنى"بعيدا" أي: مستبعدا محالا، وليس المراد أنهميرونهبعيداغير قريب.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿إِنَّهُم يَرَونَهُ بَعيدًا﴾ [المعارج: 6].
إنهم يرون هذا العذاب بعيدًا مستحيل الوقوع.
 
عودة
أعلى