معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

قوله تعالى
( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ): النمل: (25)

*قوله ( يُخْرِجُ الْخَبْءَ ):* الْخَبْءَ: المستتر.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ومكي في تفسير مشكل القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

وزاد ابن قتيبة: فيهما.

وزاد أبو حيان: وخبء السموات: المطر، وخبء الأرض: النبات.

قال الزجاج: في معاني القرآن وإعرابه: كل ما خبأته فهو خبء.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: يقال ذلك لكلّ مدّخر مستور، ومنه قيل: جارية مُخْبَأَة.

وعن قتادة في قوله تعالى: {الذي يخرج الخبء} قال: «هو السر».
رواه عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره.

وقال محمود بن أبى الحسن نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: غيب السماوات والأرض.

قال السمرقندي في بحر العلوم: المخبئات في السماوات والأرض مثل المطر والثلج، ويعني: في الأرض مثل النبات والأشجار والكنوز والموتى.

قال السمعاني في تفسيره: أي ما غاب في السموات والأرض.

قال البغوي: أي الخفي المخبأ، في السماوات والأرض، أي ما خبأت. قال أكثر المفسرين: خبء السماء: المطر، وخبء الأرض: النبات.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعنى الغيث في السماوات والأرض.
.......
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إليكم شروط الانضمام إلى مجموعة ( معاني وغريب القرآن ) :

موافقتكم على الشروط أدناه عهد منك لنا:
( *وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا* ).

1 - *إن وجدتم خطأ في التفسير فلكم التصحيح على الملأ؛ نصحا لله ولكتابه*.

2 - يجب العلم بأن المجموعة للمتابعة فقط،
ولا يسمح لكم مطلقا بالإرسال إلى المجموعة، أو التعليق على مخالفات الغير؛
إلا إن وجدتم خطأ في التفسير كما سبق، وجميع الاستفسارات على الرقم أدناه.

3 - عدد رسائل التفسير من 1 إلى 2 رسالة في اليوم والليلة ( *إلا ما شاء الله* ).

4 - عدم إرسال شكرا على الإضافة، أو إلقاء السلام بعد إضافتكم.

5 - قد يخالف البعض العهد.
*لذا نذكر بالصبر على تلقي العلم؛ بعدم المغادرة بسبب مخالفات الغير؛ قال ابن مسعود_رضي الله: ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري، ومسلم من طريق مسروق*.
__________
مدير المجموعة: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
قوله تعالى
﴿ فَأَصبَحَ فِي المَدينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي استَنصَرَهُ بِالأَمسِ يَستَصرِخُهُ قالَ لَهُ موسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبينٌ ﴾ [القصص: 18]

*قوله [فأصبح]:* موسى عليه السلام.

*قوله [يترقب]:*ينتظر.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والطبري في نفسيره، ابن قتيبة في غريب القرآن، والجلال المحلي في تفسير الجلالين،

وزاد ابن قتيبة: سوءا يناله منهم.

وزاد الجلال المحلي: ما يناله من جهة القتيل.

قال الطبري: (يَتَرَقَّبُ) يقول: يترقب الأخبار: أي ينتظر ما الذي يتحدّث به الناس، مما هم صانعون في أمره وأمر قتيله.

قال عامة أهل التأويل: (يَتَرَقَّبُ) أي: ينتظر سوءًا يناله منهم.
قاله أبو بمنصور الماتريدي( معتزلي) في تأويلات أهل السنة.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ): "فَارْتَقِبْ": أي فانتظر.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والطبري، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوسيط، وغيرهم كثر.

وزاد الطبري في تفسيره: يا محمد بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شكّ يلعبون، وإنما هو افتعل، من رقبته: إذا انتظرته وحرسته.

قال مكي : أي: فانتظر يا محمد النقمة منهم وقت يحول بينهم وبين السماء دخان من شدة الجوع.

ومنه ( وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ):
(وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيب): أي انتظروا إني معكم منظر.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني: انتظروا العذاب فإني منتظر بكم العذاب في الدنيا.
وبنحوه قال السمرقندي في البحر.

*قوله [فإذا الذي استَنصَرَهُ بِالأَمس]:* أي فإذا الإسرائيلي الذي اسنتصر موسى بالأمس على الفرعوني.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

*قوله [يستصرخه]:*أي يستغيث الإسرائيلي بموسى_ عليه السلام_ على الفرعوني.

فمعنى: يستصرخه: أي يستغيث به.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، والنحاس في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والإيجي الشافعي في جامع البيان، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.

إلا أن الإيجي قال، ومقاتل، والسمرقندي قالوا: يستغيثه.

وزاد ابن قتيبة: يعني: الإسرائيلي.

وزاد النحاس: من رجل آخر.
وزاد السمعاني: ويصيح به من بعد، وكان ذلك الإسرائيلي سخره قبطي آخر، فبصر به موسى فطلب منه المعونة.

قال الزجاج: والاستصراخ الإغاثة والاستنصار.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: قال قتادة: يستنصره، أي: يستغيثه، ويستعينه ويستنصره ويستصرخه واحد.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ): بِمُصْرِخِكُمْ: أي مغيثكم. قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وبه قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن،

*قوله [قال له موسى]:* قال موسى للاسرائلي.

*قوله [إنك لغوي مبين]:* أي ضال بيّن، ظاهر الإضلال؛ لأنه تسبب في أن قتل موسى الفرعوني.

لذا كما قال تعالى ( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ): أي قتلت نفسا من قوم فرعون.

والغواية: الإضلال.

فمعنى قوله تعالى ( إنك لغوي مبين): يعني: إنك لمضل مبين؛ قتلت أمس في سببك رجلا.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني:ضال بيّن.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: بين الغواء.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي ضال عن الرشد ظاهر الغي.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى على لسان إبليس ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ): "أَغْوَيْتَنِي" : أضللتني. قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

ومنه ( قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ): أَغْوَيْنَا: أضللنا. قاله يحيى بن سلام في تفسيره.
وقوله " أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا" أي: أضللناهم كما ضللنا. قاله صديق حسن خان في فتحُ البيان في مقاصد القرآن.

قال الزجاج في معانيه: أي سولنا لهم الغي والضلال.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: القادة يقولون: ربنا هؤلاء الذين أضللنا يعني: السفلة أغويناهم كَما غَوَيْنا أي: أضللناهم كما كنا ضالين.

ومنه ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ): " لِلْغَاوِينَ " يعنى الضالين.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وأبو السعود في تفسيره. وبه قال يحيى بن سلام في تفسيره، والألوسي في روح المعاني.

وزاد البقاعي: الهالكين بحيث عرف أهل الموقف أنها لهم.

وزاد أبو السعود: عن طريق الحق الذي هو الإيمان والتقوى.

ومنه ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ): يعني فضل وتولى عن طاعة ربه- عز وجل- ثم اجتباه ربه يعني استخلصه ربه- عز وجل-.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.
وقال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: ضل طريق الخلود لأنه أراده من قبل المعصية.
قلت: ومعنى كلام ابن الجوزي – رحمه الله -: أراد آدم – عليه السلام - الخلود بأكله من الشجرة؛ فلما عصى ربه ضل قصده؛ كما يقال: ضل فلان الطريق؛ فنزل من الدنيا دار الفناء؛ وقد وسوس له الشيطان إن أنت أكلت من الشجرة ستخلد كما في قوله (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ).
لذا قال بيان الحق النيسابوري الغزنوي في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن: فضل عن الرأي.

وقال الشوكاني في فتح القدير: "فغوى" فضل عن الصواب أو عن مطلوبه.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: "فَغَوى" أخطأ ولم يصب بأكله ما أراد وما وعد له من الخلود.
انتهى

ومنه قوله تعالى ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ): "وَمَا غَوَى يعني": قال السمرقندي في بحر العلوم: لم يضل قوماً. والغاوي والضال واحد.
قلت: والمعنى: لم يضل هو بنفسه عن الحق، وما ضل أحدا قط – صلوات الله وسلامه عليه-؛ أي لم يتسبب في إضالا أحد بل هو كما وصفه ربه ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ).

فإن قلت: إذا كان الإضلال، والغواية بمعنى واحد؛ فلما يقل - مثلا - ( ما ضل صاحبكم وضل )؟
قلت: الأول من عظيم بلاغة القرآن؛ والثاني ليس من البلاغة في شيء؛
ونظيره في التنزيل قوله تعالى ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ): فقوله" يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" معناه: يعجب الزراع ليغيظ بهم الزراع؛ لأن معنى الكفار الزراع؛ وسموا الزراع كفارا؛ لأنهم يغطون البذر؛ والكفر في اللغة: التغطية. كما في قوله (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يريد بالكفار الزراع. سماهم كفارا لأنهم إذا ألقوا البذر في الأرض كفروه أي: غطوه وستروه، فكأن الكافر ساتر للحق وساتر لنعم الله عز وجل.

وبنحوه أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: يعني الزراع، وإنما قيل للزراع كافر، لأنه إذا ألقى البذر في الأرض كفره، أي غطاه.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والْكَفَّارَةُ: ما يغطّي الإثم.
انتهى

(تنبيه):
قوله تعالى [قال له موسى إنك لغوي مبين]: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يجوز أن يكون هذا القول للإسرائيلي. أي أغويتني بالأمس حتى قتلت بنصرتك رجلا. ويجوز أن يكون لعدوهما.
............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (29)

*قوله ( لَتَأْتُونَ ):* يأتي الإتيان و يعبر به عن الجماع؛
كما في قوله تعالى ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ). يعني: أنا شئتم في موضع الولد؛ الفرج؛ وهن طاهرات.

فقوله تعالى ( لَتَأْتُونَ ): يفسرها قوله تعالى على لسان لوط_عليه السلام_: ( أتأتون الذكران من العالمين )،

وقوله ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ . إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ).

روى عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره عن مجاهد قال: «كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس».

*قوله ( فِي نَادِيكُمُ ):* في؛ مجلسكم.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، ومقاتل بن سليمان في تفسيره.

إلا أن الفراء، والزجاج، ومقاتل قالوا: مجالسكم.

قال الطبري في تفسيره: والعرب تسمي المجلس: النادي.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: النادي المجلس الذي يجتمع فيه الناس.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) " نَادِيَهُ ": أهل مجلسه؛ أي فليدع أبو جهل أهل مجلسه؛ الذين هم أهله وعشيرته فينصروه، ويجيروه من عذاب الزبانية؛ وهم الملائكة العظام الخلق، الشداد البطش، الغلاظ. ( عليها ملائكة غلاظ شداد ).

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أهل مجلسه.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "ناديه": مجلسه، والجمع النوادي.

قال الأخفش في معاني القرآن: والنادي مكانه ومجلسه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: ومنه سمّيت دار النَّدْوَة بمكة، وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه.

ومنه ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ): "نَدِيًّا " مجلسا.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والفراء في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان في معاني القرآن.

وزاد نجم الدين: ندوت القوم أندوهم: جمعتهم فندوا: اجتمعوا.

وزاد معمر: والنّدى والنادي واحد.

قال الكسائي الندي والنادي المجلس.
حكاه النحاس.

وقال ابن عباس: النادي المجلس والتكأة.
حكاه عنه نافع ابن الأزرق في مسائله لابن عباس – رضي الله عنه وعن أبيه -.

*قوله ( الْمُنْكَرَ ):* فعلهم بالرجال.
قاله ابن جزي الغرناطي.

قلت ( عبدالرحيم ): والحديث عن "المنكر" في الشرع أعم من وروده في هذا الموطن؛ فكل ما أنكر ه الشرع من صغير وكبير فهو منكر بمعناه العام؛ لأنه يأتي في التنزيل على عدة معان؛

يأتي ومعناه: الفاحشة.
كما في الآية التي نحن بصددها.
ويأتي بمعنى الشرك بالله، والتكذيب. وسيأتي بيانه مفصلا ( إن شاء الله ).

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والمنكر: كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول، فتحكم بقبحه الشريعة، وإلى ذلك قصد بقوله: الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

انتهى
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[التوبة:94]

*قوله {يعتذرون}:* يعني المنافقين؛ يعتذرون بالأباطيل، والكذب في تخلفهم عن السفر للغزو معكم.

*قوله {إليكم}:* وحدكم؛ لا إلى ربكم. وإنما الشأن أن يتوبوا إلى ربكم.

قال الطبري في تفسيره: يعتذر إليكم، أيها المؤمنون بالله، هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين، بالأباطيل والكذب، إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم.

*قوله {إذا رجعتم إليهم}:* إليهم من غزوة تبوك.

*قوله {قل}:* لهؤلاء المنافقين؛ المتخلفين عن الغزو.

*قوله {لا تعتذروا}:* بالباطل والكذب؛ لأن الله حسيبكم؛ يعلم ما في أنفسكم؛ وليس الشأن ان تعتذروا إلينا؛ إنما الشأن أن تتوبوا إلى الله. وهذه دأب المنافين؛ يسعون لرضا الناس؛ هاجرين رضى ربهم.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآي والسور: أي فإن أعذاركم كاذبة.

قال الواحدي في البسيط: فدل على فساد عذرهم بقوله: {قل لا تعتذروا}.

*قوله {لن نؤمن لكم}:* لن نصدقكم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، والقرطبي في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، والنسفي في مداك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر.

وزاد النسفي: وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به.

وزاد البقاعي: في شيء منها.

وزاد مقاتل: بما تعتذرون.

وزاد الطبري: على ما تقولون.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( لن نؤمن لكم ): لن نصدقكم.
ومنه قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ):" بِمُؤْمِنٍ لَنَا ": أي بمصدق.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، واين قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.

وزاد أبو عبيدة: ولا مقرّ لنا أنه صدق.

ومنه ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ): " تُؤْمِنُوا": تصدقوا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: تصدقوا بعبادة الأوثان.

قال الواحدي في الوجيز: تصدقوا ذلك الشرك.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وإن يجعل لله شريك تصدّقوا من جعل ذلك له.

قال السمرقندي في بحر العلوم يعني: إذا دعيتم إلى الشرك، وعبادة الأوثان، تصدقوا.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وإن يعدل به تصدقوا.

*قوله {قد نبأنا الله}:* نبأنا" أي أخبرنا.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والسيوطي في الجلالين، وبه قال الواحدي في الوجيز، ومكي في الهداية، والقرطبي في تفسيره.

وزاد السيوطي: بأحوالكم .

قال الإيجي الشافعي: (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ): بالوحي.

قال الواحدي في الوجيز: أخبرنا الله بسرائركم وما تخفي صدوركم.

قال السمرقندي - ما نصه -: يعني: أخبرنا الله تعالى عنكم بأنه ليس لكم عذر.

قال الطبري: يقول قد أخبرنا الله من أخباركم، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبَكم.

قلت (عبدالرحيم): قوله {قد نبأنا الله}: أي أخبرنا الله.

ونظيرتها في التنزيل أكثر من أن يحصى ( إلا ما شاء الله )؛
فمن ذلك ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ): "بِنَبَإٍ" قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: خبر.
وقال الإيجي الشافعي: بخبر.

قال الطبري: يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقين.

قال السمرقندي: بنبإ يقين يعني: بخبر صدق لا شك فيه.

ومنه ( يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ): يُنَبَّأُ: أي يخبر بما قدم من عمل، وما خلفه بعد موته من شر.

قال الواحدي في الوجيز: يُخبر.
ومنه ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى): أي أم لم يخبر.
قاله الزجاج في معاني القرآن.
قال السمرقندي: يعني: ألم يخبر بما بين الله تعالى في صحف موسى.

ومنه ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ): النَّبَإِ: الخبر؛ القرآن أو البعث.
قال السمرقندي في البحر: عن الخبر العظيم.

ومنه ( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ): أَنْبِئُونِي: أخبروني.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والواحدي في الوجيز.

قال السمرقندي في البحر: أي أخبروني عن أسماء هذه الأشياء التي في الأرض إن كنتم صادقين في قولكم أتجعل فيها من يفسد فيها.

ومنه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ): "بِنَبَأٍ": أي بخبر.
قاله الزجاج.

ومنه ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ): أَنْبَاءِ: أخبار. قاله الجلال المحلي.

ومنه ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ): الْأَنْبَاءِ: الأخبار.

قال الإيجي: أخبار الأمم السالفة.
وبنحوه قال الزجاج.

ومنه ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ): أَتُنَبِّئُونَ: أتخبرون.

قال الطبري: يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض.

*قوله {من أخباركم}:* فيما سلف من أفعالكم، وأقوالكم.

قال الإيجي: بعض ما في صدوركم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: قد أخبرنا الله عنكم وعن ما قلتم حين قال لنا: «لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا» يعني إلا عيا «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» فهذا الذي نبأنا الله من أخباركم.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط في التفسير: علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى إذا أخبر الرسول والمؤمنين بما انطوت عليه سرائرهم من الشر والفساد، لم يمكن تصديقهم في معاذيرهم. قال ابن عطية: والإشارة بقوله: قد نبأ الله من أخباركم إلى قوله: ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم، ونحو هذا.

(لطيفة):

قوله {قد نبأنا الله من أخباركم}: أي أخبرنا من أخباركم.
وهذا من بلاغة كلام الله؛ فقد غاير بين اللفظين مع أن معناهما واحد.

انتهى

*قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}:* أي سيرى الله عملكم؛ أتقيمون على النفاق، أم تقلعون عنه؛ إن كنتم صادقين في اعتذاركم.

قلت (عبدالرحيم): وفيه مسائل:

الأولى: قوله تعالى ( وسيرى الله ): فيه إثبات صفة الرؤية لله تعالى؛ على ما يليق به. ومنه قوله تعالى ( إنني معكما أسمع وأرى )، ومنه ( ألم يعلم بأن الله يرى )، ومنه ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ).

الثانية: تأمل كيف فتح لهم باب التوبة بعدما صدر منهم أنواعا من الكفر. وحقيق أن نذكر قوله تعالى في هذا الصدد ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ). فعلى العبد أن يقبل تائبا على ربه حسن الظن به؛ لأنه الغفور ( يقبل التوبة عن عباد ه). فينبغي أن يعظم الرغبة في الله، وإن عظم ذنبه؛ فلا يغفر الذنوب إلا هو.

الثالثة: قوله {وسيرى الله عملكم ورسوله}: يحتمل أن يكون تهديدا ووعيدا؛ من قبيل قوله تعالى ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ): أي أنه يراهم ويعلم حالهم لا تخفى عليه خافية؛ في الأمر عامة وفي أمر نفاقهم خاصة؛ فهو يحصي عليهم، ويحاسبهم به يوم القيامة.

قال البقاعي بقوله في نظم الدرر: هددهم بقوله: {وسيرى الله} أي لأنه عالم بكل شيء وإن دق قادر على كل شيء.
انتهى كلامه.

ويحتمل: أن يكون من قبيل فتح باب التوبة - كما أسلفت -؛ كأن الله يقول: إن كنتم صادقين في اعتذاركم؛ فسيرى الله صدقكم؛ الذي هو توبتكم، واصلاحكم بعدما أفسدتم؛ أي نحن سنرى صحة اعتذاركم. وقد علم كل شيء قبل ان يكون؛ لكن هذا من تمام عدله، وفضله - جل ذكره - .

قال مكي في الهداية: أي: فما بعد، هل تتوبون أم لا.

قال النسفي: أتنيبون أم تثبتون على كفركم.

قال الطبري: يقول: وسيرى الله ورسوله فيما بعد عملكم، أتتوبون من نفاقكم، أم تقيمون عليه؟.

قال السمرقندي في البحر: فيما تستأنفون وسيراه المؤمنون.

قلت: لأن ما رآه المؤمنون حسنافهو عند الله حسن.

قال الإيجي الشافعي: (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) في المستأنف أتتوبون أم تستمرون على نفاقكم؟ وجاز أن يكون معناه يمهلكم حتى تكتسبوا جرائم أخرى.

وأحمد الله الذي لا إله إلا هو؛ أن وفقني لما ذكرت؛ فبعد أن ألهمني الله ووفقني إلى كلماتي هذه؛ سيما قبل أن أطلع على كلام الإيجي والطبري، وغيرهم؛ فقد استفتيت فضيلة الشيخ حسين بن شفا – المدرس بدار الحديث بمكة - فيما جنحت إليه من هذين الاحتمالين فقال – سلمه الله - "كلا المعنيين صحيحين".
فشكر الله لفضيلته.

*قوله {ثم تردون}:* بالبعث.
قاله السيوطي في الجلالين.

قال السمرقندي في البحر: يعني: ترجعون بعد الموت.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ): قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي الرّجوع إلى أوّل الأمر. يقال: رجع فلان في حافرته، إذا رجع من حيث جاء، والمعنى: أئنا نعود بعد الموت أحياء.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقولون أإنا لراجعون على أقدامنا.

قال الجرجاني في درج الدُّرر في تفسير الآيِ والسور: يعني الرجعة إلى الشباب وعنفوان الأمر يقال: رجع الأمر إلى حافرته، وهي حافرته، وقيل: {الحافرة} الحفرة المحفورة وهي القبر.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: من حيث [جئنا] ، كما قال: رجع فلان في حافرته من حيث جاء وعلى حافرته من حيث جاء.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي نعود بعد الموت أحياء.

ومنه (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ): "رُدُّوا" قال السمرقندي في البحر: يعني رجعوا إلى كفرهم.

ومنه ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ): رُدُّوا: قال الخازن في لباب التأويل: رجعوا إلى الشرك.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فلو تحقق تمنيهم وردوا واستراحوا من ذلك الهول لغلبت أهواؤهم رشدهم فنسوا ما حل بهم ورجعوا إلى ما ألفوا من التكذيب والمكابرة.

*قوله {إلى}:* الله.

*قوله {عالم الغيب }:* الغيب: كل ما غاب عنك.
قاله الجوهري الفارابي في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، وابن فارس في مجمل اللغة.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (غيب) الغين والياء والباء أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس. من ذلك الغيب: ما غاب، مما لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرجل عن بلده. وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها.

قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: «علم الغيب، والإيمان بالغيب» وهو كل ما غاب عن العيون. وسواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل. تقول: غاب عنه غيبا وغيبة.

*قوله {والشهادة}:* ما يشاهده الخلق.

فإن قلت: لما جمع الله تعالى بين الغيب والشهادة؛ والشأن علم الغيب ليس الشهادة؟ لماذا لم يكتف بذكر" الغيب" فقط؟

الجواب: إن ما غاب عن الخلق؛ في السموات وما فيها؛ من اللوح المحفوظ، والملائكة، وما خلق الله فيها من صفات وعدد، وما في الجنة؛ مالم تره عين وتسمعه أذن، إلى غير ذلك. وما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما فيها مما غاب؛ لهو أعظم مما يشاهده الخلق؛

فإذا ذكر الله عز وجل علمه بالغيب؛ مع عظم ذلك وأهميته؛ قد يوهم أنه ينشغل بهذه المغيبات عن المشاهدات – سبحانه -؛ وشأن الخلق إذا انشغلوا بالأمور العظام يعزب عنهم ما دون ذلك. لذا كما قال تعالى ( علم الغيب والشهادة ): أحاط علما بالجلي والخفي.

فكأن الله قال أنا عالم الغيب، ولا يشغلني ، ولا يثقلني ذلك عن الشهادة. (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ): إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ: إذ تأخذون، وتخوضون فيه.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : وقوله تعالى: ( عالم الْغَيْبِ والشهادة ): أي عالم ما غاب وشُهد.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: (عالم الغيب والشهادة): أي يعلم كل شيء مما يشاهده العباد ومما يغيب عنهم، ولا يخفى عليه منه شيء الكبير الذي هو أكبر من كل شيء.

قال أبو هلال الحسن بن مهران العسكري في الفروق اللغوية: الشهادة أخص من العلم وذلك أنها بوجود الأشياء لا من قبل غيرها والشاهد نقيض الغائب في المعنى ولذا سمي ما يدرك بالحواس ويعلم ضرورة شاهدا وسمي ما يعلم بشيء غيره وهو الدلالة غائبا كالحياة والقدرة وسمي القديم شاهدا لكل نجوى لأنه يعلم جميع الموجودات بذاته فالشهادة علم يتناول الموجود والعلم يتناول الموجود والمعدوم.

قال الطبري: يعني: الذي يعلم السر والعلانية، الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها.
قلت (عبدالرحيم): قوله ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ): أي ثم ترجعون إلى الله؛ إلى من يعلم ما غاب في السماوات والأرض وما بينهما عامة، وما غاب عنا من ضمائركم، وبواطنكم خاصة.

وإنما حسن أن يُذَكَّروا بعلم الله عز وجل بالغيب والشهادة؛ لأنهم ستروا كفرهم بنفاقهم، لم يعرفوا في الدنيا وكان الناس يعاملونهم على أنهم مسلمون وليسوا بمسلمين؛ فكان فيه زجر وتخويف بإعلامهم بعلم الله الشامل؛ عسى أن يتوبوا، ويقلعوا عن نفاقهم.

*قوله {فينبئكم بما كنتم تعملون}:* فيخبركم بما كنتم تكتمون وتسرون؛ فيجازيكم عليه.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
﴿ أَم يَقولونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ المَنونِ (30) قُل تَرَبَّصوا فَإِنّي مَعَكُم مِنَ المُتَرَبِّصينَ (31) أَم تَأمُرُهُم أَحلامُهُم بِهذا أَم هُم قَومٌ طاغونَ (32) ﴾ [الطور]

*قوله ( نتربص به ):* ننتظر به.
ومنه قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ): يَتَرَبَّصْنَ: ينتظرن عن التزويح ثلاثة أطهار أو حيض؛ على خلاف مشهور.

ومنه ( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ): كل منا منتظر؛ فانتظروا عذاب الله؛ فإذا نزل بكم ستعلمون من أصحاب الطريق الحق؛ نحن أم أنتم.

*قوله ( رَيبَ المَنونِ ):* الموت، والهلاك، ونوازل الدهر ومصائبه.

*قوله ( تَرَبَّصوا ):* انتظروا هلاكي؛ على زعمكم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: التربص: الانتظار بالشيء.

*قوله ( فَإِنّي مَعَكُم مِنَ المُتَرَبِّصين ):* تهديد.

والمعنى: فإني معكم من المنتظرين هلاك الله لكم؛ فكان من أمر الله أن جعل الدائرة عليهم؛ فقتلهم ببدر؛ فرموا في القليب، وجعل العاقبة لنبيه_ صلى الله عليه وسلم _.

*قوله ( أَم تَأمُرُهُم ):* تدلهم.
أفاده مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.

*قوله ( أَحلامُهُم ):* عقولهم.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، وإلايجي الشافعي في جامع البيان.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: والحلم: العقل.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: أي تدلهم عقولهم عليه؛ لأن الحلم يكون من العقل، فكنى عنه به.

قال الفراء في معاني القرآن: الأحلام في هذا الموضع: العقول والألباب.

قلت ( عبدالرحيم): ثَمَّ مسألتان:

الأولى: أن معنى قوله ( أحلامهم ): عقولهم.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. (1).

فقوله صلى الله عليه وسلم ( أولو الأحلام ): أي أصحاب العقول.

و( النُهى ): أيضا العقول.

وعطف اللفظين وإن كان معناهما واحدا تأكيدا.
ينظر شرح مسلم للنووي.

قلت: ومما جاء في معنى العقل؛ قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ): والشاهد قوله (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم): يعني الأطفال؛ إذا لم يبلغوا الاحتلام. ولا يكتمل العقل إلا في سن التكليف؛ إذ لا تكليف على الصبي حتى يعقل.

وإن كان كما قال الراغب: وليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل.انتهى كلامه

فالحاصل: أن الحلم في هذه الآية في معنى العقل؛

كما قال تعالى ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم ): فإذا بلغ الحلم عَقِل؛ الذي به يجري على صاحبه القلم ويلزمه الحدود والأحكام.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يعني الأطفال.
انتهى

المسألة الثانية:

قوله تعالى ( أَم تَأمُرُهُم أَحلامُهُم ): قال الفراء في معاني القرآن: الأحلام في هذا الموضع: العقول والألباب.

قلت: لأن الحلم يأتي ومعناه ما يرى في المنام. كما في قوله تعالى ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ): فالاحلام هنا معناه معلوم؛ غير ما في الآية التي نحن بصددها.

انتهى

*قوله ( بهذا ):* أي تأمرهم عقولهم بالافتراء، والايذاء بمحمد صلى الله عليه وسلم، وترك قبول الحق الذي جاء به. أم تدلهم على هذا التناقض؛ مرة يقولون شاعر، ومرة كاهن، ومرة مجنون؟! فإذا هم أحق بالجنون.

*قوله ( أم هم قوم طاغون ):* طاغون: متجاوزون الحد في كفرهم، وعنادهم؛ بعدما ظهر لهم الحق. فهم في الواقع طاغون. كما في قوله تعالى ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ).

والمعنى:
إن العقول التي وهبها لهم ربهم تدلهم على الحق وتلزمهم قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقول السليمة تدرك أن ما جاء به حق بلا ريب؛ فإن لم يستجيبوا فهم طاغون ظالمون، عادون في عدم قبولهم الحق؛ لأنهم لا برهان لهم من شرع أوعقل؛ وهذا قدح في عقولهم؛ استكبروا ينقادوا للحق في الدنيا، وآثروا الخلود في الجحيم.

قال تعالى ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ).
.....................
(1): شطر من حديث رواه مسلم (432) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
...........................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( وَاللَّيْلِ إِذَا أدَبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) المدثر

*قوله ( وَ ):* قسم.

*قوله ( اللَّيْلِ إِذَا أدَبَرَ ):* «أدَبَرَ»: أي ولَّى، وذهب.

والمعنى: ولَّى ، وذهبت ظلمته؛ بطلوع الفجر.

يقال: دبر النهار، وأدبر؛ بمعنى واحد؛ بخلاف ما جنح إليه بعض البصريين.
وهذا اختيار الطبري.

قال الفراء: يقال دبر، وأدبر.
حكاه ابن الجوزي في تذكرة الأريب.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ): قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: صل له فيإدبارالنجوم، أي: حين تدبر، أي: تغيب بضوء الصبح.

قال الفخر الرازي: والمشهور والظاهر أن المراد منإدبارالنجوم وقت الصبح حيث يدبر النجم ويخفى ويذهب ضياؤه بضوء الشمس.

قال السمرقندي: وإنما أدبرتالنجومبعد ما أسفر.

ومنه قوله تعالى عن فرعون ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ): أي ثمولَّى،وذهب فرعون عن موسى _ عليه السلام.

قال النسفي في مدارك التنزيل: تولىعن موسى.

قال أبو السعود في تفسيره: أيتولىعن الطاعة أو انصرف عن المجلس.

*قوله ( وَالصُّبْحِ إِذَاأَسْفَرَ ):* «أَسْفَرَ»: أي ظهر، وأضاء، وتبين.

من قولهم: امرأةسافر؛ إذا ألقت قناعها؛ فظهر وجهها، وتبين.

ومنه ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ): أي ظهر حسنها، وضوءها؛ حين رأت من ربها ما يسرها.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: مشرقة مضيئة.

قال الزجاج، والواحدي: مضيئة.
وزاد الواحدي: قد علمت ما لها من الفوز والنعيم.
قال الطبري: يقال: أسفر وجه فلان: إذاحَسُن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكلّ مضيء فهو مسفر.

*قوله ( إِنَّهَا ):* يعني: سقر؛ النار.

*قوله ( لَإِحْدَى الْكُبَر ):* الأمور العظام؛ ومع عظمها ليست وحدها كذلك؛ فثم أمور أخرى هي كبرى؛ يعلمها الله _ تقدست أسماؤه _؛

كما قال تعالى ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ): و"من" للتبعيض؛ أي لقد رأى محمد _ صلى الله عليه وسلم _ ليلة الإسراء من بعض آيات ربه العظمى.

قال البغوي: يعني الآيات العظام.

والكُبَر: جمع كبرى؛ مثل: الصغرى والصغر.

يعني: إن سقر لإحدى الدواهي، والبلايا، والأمور العظام.

قال بيان الحق النيسابوري الغزنوي في باهر البرهان: داهية الدهر وصماء الغبر.(1).

وقيل: أي القيامة لإحدى العظائم.

قال الحسن البصري: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها.
حكاه ابن الجوزي في زاد المسير.

(1): قال الخليل الفراهيدي: أي بلية لا تكاد تذهب.
___________
المصدر:
أنظر:
عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، تذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي، زاد المسير لابن الجوزي، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، تفسير ابن أبي زمنين، الكشف والبيان للثعلبي، الوجيز للواحدي، تفسير البغوي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، تفسير أبي السعود، تفسير الطبري، التفسير الكبير للفخر الرازي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، مدارك التنزيل للنسفي، تفسير الجلالين، تفسير البغوي، تفسير السمعاني، جمهرة اللغة للأزدي، العين للخليل بن أحمد الفراهيدي.
............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) ) القصص

قوله ( وَقَالَتْ ): أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم.
قاله الطبري.

قوله ( قُصّيهِ): قصي أثره.
قاله الأخفش، والفراء، وابن قتيبة.

وزاد ابن قتيبة: واتبعيه.

قال الطبري: قصي أثر موسى، اتبعي أثره. تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ): قال بيان الحق النيسابوري: أي رجعا يقصان الأثر ويتبعانه.

قال أبو بكر السجستاني: أي رجعا يقتصان الأثر الذي جاءا فيه.

قال الزجاج: والقصص اتباع الأثر.

قوله: ( فَبَصُرَتْ بِهِ ): أي رأته.
قاله أبو حيان.

قال الطبري: يقال منه: بصرت به وأبصرته، لغتان مشهورتان، وأبصرت عن جنب، وعن جنابة.

قال المبرد: بصرت بالشيء، وأبصرته واحد في المعنى.
حكاه الواحدي في البسيط.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى عن السامري ( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ): قال ابن كثير: أي رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون.

قال السمرقندي: يعني رأيت ما لم يروا وعلمت ما لم يعلموا به يعني: بني إسرائيل.
قوله ( عَنْ جُنُبٍ ): أي عن بعد، ومنه سمي الأجنبي: لبعده عن محرمية المرأة. فمعنى عن جنب: أي عن بعد، كأنها ليست تريده، ولا تعرفه؛ كي لا يُعلم أنه منها.

وقيل: النظر عن جنب أن تنظر إلى الشيء كأنك لا تريده.
حكاه الألوسي.

قال غلام ثعلب: أي عن ناحية.

وقيل: عن شوق.

يقال جنبت إليك: أي اشتقت. بلغة جذام.
حكاه النحاس، والماوردي، والعز بن عبدالسلام، والقرطبي، وأبو حيان، والسمين الحلبي، وسراج الدين النعامي، وصديق حسن خان وغيرهم.

قال الطبري: عن بُعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل.

قال بيان الحق النيسابوري: عن جانب، كأنها ليست تريده.

قال الزجاج: أي عن بعد تبصر ولا تُوهِم.

قال ابن قتيبة: أي عن بعد منها عنه وإعراض: لئلا يفطنوا لها. و"المجانبة" من هذا. والجنب والجنابة: البعد.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ): قال الطبري: أبعدْني وبنيّ من عبادة الأصنام.

قوله ( ٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ): أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قاله الماوري.

قوله ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ): أي منعناه أن يرضع منهن. والمراضع: جمع "مرضع".
قاله ابن قتيبة.

قال الطبري: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه.

قال الواحدي: منعنا موسى أن يقبل ثدي مرضعة.

قلت ( عبدالرحيم ): والحرام في اللغة: الممنوع؛ وهو قسمان: شرعي؛ كتحريم الربا، وقدري؛ كما في الآية التي نحن بصددها؛ أعني قوله تعالى ( وحرمنا عليه المراضع ): فالتحريم هنا قدري؛ وليس تحريما شرعيا. ومنه قوله تعالى ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ): قال السيوطي في اتقانه: والمنع: ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم لكفرهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة.

قال الطاهر بن عاشور: أي ممنوع على قرية قدرنا إهلاكها أن لا يرجعوا.

قوله ( مِن قَبْلُ ): أن نرده على أمه.
قاله الواحدي.

قال البغوي: أي من قبل مجيء أم موسى.

قوله تعالى ( فَقَالَتْ): أي فقالت أخت موسى عليه السلام لما تعذر عليهم رضاعه.
قاله الزجاج.

قوله (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ): يكفلونه: أي يضمونه إليهم.
قاله ابن قتيبة، والواحدي.

قال مقاتل: يعني يضمنون لكم رضاعه.

قوله ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون ): مخلصون شفقته.
قاله الواحدي.

قال البقاعي: ثابت نصحهم له، لا يغشونه نوعا من الغش.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وهم له ناصحون ): النصح: ضد الغش، وهذا الكلمة حوت معاني كثيرة؛ في مقامنا هذا، وغيره.
أي يعاملونه بإخلاص من غير غش ولا فساد له، ويشفقون عليه، لا يقصرون في إرضاعه وتربيته وما يصلحه؛ مع تمام حنوهم، وشفقتهم عليه، فلا يضيعونه؟.

قال النسفي: النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد.

قال الشوكاني، وصديق حسن خان: أي مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته.
وبنحوه قال أبو السعود.

قال السمعاني: أي عليه مشفقون، والنصح ضد الغش. انتهى كلامه.

قلت: وجاء ذكر النصح في الآية _ والله أعلم _ لأمرين:
الأول: أهمية النصح، ومكانته. سواء في هذا المقام وفي غيره.
ثانيا: أهمية الشفقة والرحمة بالرضيع؛ بخلاف من انقلبت فطرهم.
يُظْهِر ذلك بجلاء ما جاء من نصوص متواترة في شأن الصبي، وكيف ضمن له الإسلام كل ما يصلحه؛ حتى بعد طلاق الزوجين وقد سبق شيء من ذلك بحمد الله.
فكم من مرضع: ترضع للأجرة فحسب، نزع من قلبها الرحمة، ولا تقوم بما يلصح الصبي، بل ربما تضيعه، وتعرضه للتلف.

ونطير قوله ( وهم له ناصحون ): قوله تعالى ( قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ): قال السيوطي: لقائمون بمصالحه.

وهنا لطيفة، وعظة للناس عامة، ولأهل الإيمان خاصة؛ أشار إليها القشيري_ رحمه الله_ حيث قال:
بالغداة كانوا في اهتمام كيف يقتلونه أمسوا- وهم في جهدهم- كيف يغذونه! فلما أعياهم أمره، قالت لهم أخته: «هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم؟» فقبلوا نصيحتها شفقة منهم عليه، وقالوا: نعم، فردوه إلى أمه، فلما وضعت ثديها في فمه ارتضعها موسى فسروا بذلك. انتهى كلامه.

قلت: وهذا مصداقا لقوله ( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني )،
فعلينا عباد الله بحسن التوكل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ونواصي، وقلوب الخلق _ جل ذكره _ والتمسك بالكتاب والسنة.
_____
المصدر:
ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الأندلسي، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، معاني القرآن للأخفش، ايجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تفسير البغوي، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير الجلالين، فتح القدير للشوكاني، تفسير أبي السعود، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الألوسي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، تفسير السمرقندي، لطائف الإشارات للقشيري، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير القرطبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تفسير العز بن عبد السلام، اللباب لسراج الدين النعماني.
.......

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) القصص (45)

*قوله {ولكنا أنشأنا}:* أي خلقنا.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبغوي في تفسيره، وبه قال الطبري في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره.

ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي.

وقال السمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والثعلبي في الكشف والبيان: أحدثنا وخلقنا.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ): الْمُنْشَآتُ: يعني المخلوقات، المصنوعات؛ لمنافعها العظام. ( أن اصنع الفلك ).
فهي وإن كانت من خلقكم فَسَيْرُها، وجريها بيد الله؛ هو وحده من يَسّرَ جريها ( والجاريات يسرا ). لذا قال: "وله الجوار": أي له وحده. ولذا في آيات أخرى قال: ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)): سورة الشورى.

فقوله تعالى ( الْمُنْشَآتُ ): يعني المخلوقات.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

قال العز بن عبدالسلام في تفسيره: المخلوقات من الإنشاء، أو المحملات، او المرسلات...

ومنه ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ): أي خلقناهن خلقا؛ غير ما عهدتموه عن النساء في الدنيا.

قال الطبري: إنا خلقناهن فأوجدناهن.

قال الواحدي في الوجيز: خلقناهن أي: الحور العين.

قال السمرقندي قفي البحر: يقال نساء الدنيا: خلقناهن خلقا بعد خلق الدنيا.

وعن قتادة: أي خلقناهن خلقا.
رواه عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: خلقنا نساء أهل الجنة نشأة كاملة لا تقبل الفناء.

ومنه ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ): وَيُنْشِئُ السَّحَابَ: يخلق السحاب التي ثقلت بالماء.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: يخلق السحاب الثقال من الماء.

ومنه ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ): أَنْشَأَ: يعني خلق.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهما.

ومنه ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ): يعنى خلق لكم.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

ومنه ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ): أي خلقكم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) يعني خلقكم.
قاله مقاتل بن سليمان، والبغوي في تفسيره.

وزاد البغوي: وابتدأكم.

وزاد مقاتل: من نفس واحدة؛ يعني آدم وحده.

ومنه ( كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ): يعني خلقكم.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وبه قال الواحدي في البسيط.

زاد مقاتل: يعني ذرية أهل سفينة نوح.

قال الطبري في تفسيره: كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلَكم.

ومنه ( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ): أي خلقكم.

قال مقاتل بن سليمان: يعني هو خلقكم من الأرض واستعمركم فيها يعني وعمركم في الأرض فاستغفروه من الشرك ثم توبوا إليه منه.

ومنه ( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ): أي خلقكم.

قال السمعاني في تفسيره: معناه: هو ابتداءخلقكممنتراب ثممننطفة.

قال الألوسي في روح المعاني: أي خلقكم في ضمنإنشاء أبيكم آدم عليه السلام
منالأرضإنشاء اجمالياوإذأنتم أجنة ووقت كونكم اجنة في بطون أمهاتكم على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه حالمنأحوالكم وعملمنأعمالكم التيمنجملتها اللمم الذي لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة.

انتهى

*قوله {قرونا}:* أمما.
قاله أبو عبيدة، والطبري، والجلال المحلي في تفسير الجلالين.

وزاد الجلال: من بعد موسى.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي ما خبر الأمم الأولى وما حديثهم.

*قوله {فتطاول عليهم العمر}:* طالت أعمارهم فنسوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولا وأوحينا إليك خبر موسى وغيره .
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال في الوجيز: فنسوا عهد الله وتركوا أمره.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: فنسوا الوصية وتركوها لطول الزمان عليهم.

*قوله {وما كنت ثاويا}:* مقيما.
قاله السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، ومكي بن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وبه قال الفراء في معاني القرآن، ويحيى بن سلام في التصاريف، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم كثير.

قال السمين الحلبي: يقال ثوى يَثْوِي ثَواءً وَثَوِّياً، فهو ثاوٍ ومَثْوِيٌّ.

وزاد ابن قتيبة: يقال: ثويت بالمكان؛ إذا أقمت به. ومنه قيل للضيف: الثوي.

قال ابن الجوزي: أي مقيما بمدين فتعلم خبر موسى وشعيب.

قال يحيى بن سلام في التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه يقول: لم تكن يا محمد مقيما بمدين، فتعلم كيف كان أمرهم؛ فتخبر أهل مكة بشأنهم وأمرهم.

وقال مقاتل بن سليمان: يعنى شاهدا؛ في أهل مدين.

*قوله {في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا}:* خبر ثان؛ فتعرف قصتهم فتخبر بها.
قاله الجلال المحلي.

*قوله {ولكنا كنا مرسلين}:* أرسلناك رسولا وأنزلنا عليك هذه الأخبار ولولا ذلك ما عملتها.
قاله في الوجيز.

انتهى، والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات.
......

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
"ما ليلةٌ يُهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أو أبشّر فيها بغلام أحب إلي من أن أتعلم آية من كتاب الله؛ أفهمها وأبلغها". أحسب.

عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك في خدمة تفسير (معاني وغريب القرآن) أرسل _ واتساب _ اشتراك إلى 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
﴿سَيَحلِفونَ بِاللَّهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضوا عَنهُم فَأَعرِضوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ وَمَأواهُم جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ [التوبة: 95]

*قوله {سيحلفون بالله لكم}:* يعني المنافقين؛ سيحلفون بالله لكم؛ بالأيمان الكاذبة؛ جنة في أمورهم عامة، ومنه ما يتجنبون عتابكم.
فهم كما قال تعالى ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ): قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: سترة على أموالهم ودمائهم {فصدوا} بها {عن سبيل الله} أي عن الجهاد فيهم.

قال الطبري: سيحلف، أيها المؤمنون بالله، لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله.

قال القرطبي في تفسيره: والمحلوف عليه محذوف، أي يحلفون أنهم ما قدروا على الخروج.

*قوله {إذا انقلبتم}:* رجعتم.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، الواحدي في الوجيز، والسيوطي في تفسير الجلالين.

وزاد مقاتل: إليهم إلى المدينة.

قال السمرقندي: إذا رجعتم إليهم من الغزو.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله {إذا انقلبتم}: رجعتم. و"الانقلاب": الرجوع.

ومنه قوله تعالى؛ في الأشقياء البعداء؛ المنافقين ( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ): ( يَنْقَلِبَ): يرجع.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: أن لن يرجع الرسول والمؤمنون من الحديبية.

قال القرطبي في تفسيره: يعني ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: كان المنافقون يقولون: لن يرجع محمد إلى المدينة أبدا.

ومنه ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ): "يَنْقَلِبْ": يعنييرجع.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والطبري في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره: يرجعإليك.
وبه قال جمع غفير.

قال السمرقندي في البحر: يعني:يرجعالبصرذليلا. وهو حسير يعني: قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا.

ومنه ( وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ): أي: يرجعإلىأهلهمسروراالذي أعد الله له في الجنة سرورا به.
قاله السمرقندي في البحر.

قالابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أييرجعإلىأهلهفي الجنةمسرورابما أعطاه الله، والأهل: زوجاته في الجنة من نساء الدنيا أو من الحور العين، ويحتمل أن يريد قرابته من المؤمنين، وبذلك فسره الزمخشري.

ومنه قوله تعالى على لسان سحرة فرعون بعد اسلامهم ( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ): مُنْقَلِبُونَ: أي راجعون.

ومنه قوله في دعاء ركوب الدابة ( لِتَستَووا عَلى ظُهورِهِ ثُمَّ تَذكُروا نِعمَةَ رَبِّكُم إِذَا استَوَيتُم عَلَيهِ وَتَقولوا سُبحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقرِنينَ (13) وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنقَلِبونَ ): لَمُنقَلِبونَ: أي لراجعون.

ومنه ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ): انْقَلَبْتُمْ: رجعتم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني رجعتم إلى دينكم الأول الشرك. ثم قال: ومن ينقلب على عقبيه يقول ومن يرجع إلى الشرك بعد الإيمان فلن يضر الله شيئا بارتداده من الإيمان إلى الشرك إنما يضر بذلك نفسه.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: والانقلاب على الأعقاب أو على العقبين أو العقب من باب التمثيل مثل من يرجع إلى دينه الأول بمن ينقلب على عقبيه. وتضمنت هذه الجملة الوعيد الشديد.

ومنه ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ٌ): يَنْقَلِبُ: يرجع.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، مقاتل في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والنسفي في مدارك التنزيل، وأفاده الواحدي في البسيط، والسيوطي في تفسير الجلالين،
وحكاه ابن الجوزي في زاد المسير عن عبدالرحمن بن زيد.

قال صديق حسن خان: أي يرجع إلى الكفر، وقد ارتد لذلك جماعة، والمعنى ما جعلناها إلا لنبتليهم يعني من يسلم لأمره ممن يرجع إلى ما كان عليه من الكفر فيرتد.

قال الواحدي: أي: يرتد عن الدين فيرجع إلى اليهودية، أو إلى ما كان عليه.

قال السمرقندي: أي يرجع إلى دينه بعد تحويل الله القبلة.

ومنه ( لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ): فَيَنْقَلِبُوا: فيرجعوا.
قاله الطبري في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل.

قال الطبري: يقول: فيرجعوا عنكم خائبين لم يصيبوا منكم شيئا مما رجوا أن ينالوه منكم.

ومنه ( إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ): مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ: مرجع يرجعون.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والثعلبي في الكشف والبيان، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره. وغيرهم.

قال الطبري: يقول: أي مرجع يرجعون إليه، وأي معاد يعودون إليه بعد مماتهم، فإنهم يصيرون إلى نار لا يطفأ سعيرها، ولا يسكن لهبها.

*قوله {إليهم}:* من تبوك أنهم ما قدروا على الخروج، وأنهم معذورون في التخلف عن الغزو.


*قوله {لتعرضوا عنهم}:* لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم؛ بترك المعاتبة، لما فيها من توبيخ، وتقريع.

قال السمرقندي: يعني: اصفحوا عنهم وتجاوزوا عنهم في الدنيا.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: لتصفحوا عن جرمهم، ولا تردونهم ولا تؤنبونهم.
قال البغوي: لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم.

وقال القرطبي: أي لتصفحوا عن لومهم.

قلت (عبدالرحيم): ثمَّ مسألتان:
الأولى: أن حلفهم ما كان عن إخلاص؛ لأنه ينبغي على المسلم أن يصدق أخاه إذا حلف؛ لكن بين الله عز وجل أنهم حلفهم كان من أج أن يعرض عنهم الرسول وأصحابه؛ فقط من أجل الإعراض.

وقد أشار إلى نحو هذا المعنى؛ الطاهر بن عاشور – رحمه الله – حيث قال:
وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم ، أي عن عتابهم وتقريعهم ، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملّص من مسبة العتاب ولَذْعِه .
انتهى كلامه.

المسألة الثانية: الأمر بالصفح هنا؛ من قبيل قوله تعالى لنبيه أن يصفح عن المشركين ( فاصفح عنهم وقل سلام ). فالأمر بالصفح عنهم ليس من باب قوله تعالى (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ): إنما هو صفح إعراض، واحتقار؛ أي: أعرضوا عنهم احتقارا لهم. لأنهم هانوا على الله؛ يتولى هو بذاته شأنهم؛ بعقابه وبأسه.
فأمر الله ترك عتاب المنافقين في تخلفهم عن الجهاد بالصفح.

قال الطاهر بن عاشور: وهذا ضرب من التقريع فيه إطماع للمغضوب عليه الطالب بأنّه أجيبت طِلبته حتى إذا تأمّل وجد ما طمع فيه قد انقلب عكس المطلوب فصار يأساً لأنهم أرادوا الإعراض عن المعاتبة بالإمساك عنها واستدامة معاملتهم معاملةَ المسلمين ، فإذا بهم يواجهون بالإعراض عن مكالمتهم ومخالطتهم وذلك أشد مما حلفوا للتفادي عنه . فهم من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه أو من القول بالموجَب .

*قوله {فأعرضوا عنهم}:* عن المنافقين؛ اتركوا كلامهم وسلامهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: ألا تقتلوهم ما أظهروا الإيمان، واعتذروا.

قال الثعلبي: ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من الشأن والمعصية.

قال الطبري: فدعوا تأنيبهم، وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق.

قلت (عبدالرحيم): ما أجمل ما قاله الطبري، والثعلبي _ رحمهما الله _ فإذا فاتك الأجر، وسبقك الناس إليه وتخلفت أنت عنه؛ ثم جاء رجل من المسلمين ينصحك، ويعاتبك في أمر تخلفك؛ وقبلت منه ذلك؛ فأدى بك إلى خير فاعلم أن الله ساقه إليك: أرادك بك خيرا. فعلى المسلم ان يقبل عتاب الإخوان في الله عز وجل.

فلأهمية النصح والعتاب بعد فوات الأجر؛ فهو من باب التواصي،

وقد أشار الزمخشري إلى هذا في الكشاف؛ حيث قال –ر حمه الله -:
فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم فأعرضوا عنهم فأعطوهم طلبتهم إنهم رجس تعليل لترك معاتبتهم، يعنى أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، إنما يعاتب الأديب ذو البشرة. والمؤمن يوبخ على زلة تفرط منه، ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار.
وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم ومأواهم جهنم يعنى وكفتهم النار عتابا وتوبيخا، فلا تتكلفوا عتابهم.

(لطيفة):

فإن قيل: كيف قال في الآية: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} إذا كان المؤمنون مقبلين عليهم حتى يقول: {لتعرضوا عنهم} ؟
والجواب عنه: ذكر الأزهري في كتابه " التقريب " معنى الآية: سيحلفون بالله لكم لإعراضكم عنهم لتقبلوا عليهم؛ فأعرضوا عنهم.
قاله السمعاني في تفسيره.

*قوله {إنهم}:* المنافقون.

*قوله {رجس}:* اعرضوا عنهم إنهم نجس، وقذر، ونتن؛ فكما يجب التحفظ، والحذر من النجاسة الحسية، كذا يجب الحذر من النجاسة المعنوية، وأصحابها؛ وهذه أعظم؛ لأن التلبس بها يورث الخلود في الجحيم.
فالعجب ممن يخالط أهل النفاق؛ فكم من مسلم مرق من الملة بسبب مخالطة الأنجاس الأرجاس القذر؛ أعني المنافقين.

*فقوله ( رجس ):* يعني: قذر.
قاله السمعاني في تفسيره، والسمرقندي في ببحر العلوم، والسيوطي في تفسير الجلالين،

وزاد السمرقندي: نجس.

وزاد السيوطي في تفسير الجلالين: لخبث باطنهم.

قال السمعاني في تفسيره: الرجس: هو النتن والقذر.

قال ابن كثير: أي خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم.

قال الطاهر عاشور في التحرير والتنوير: والرجس : الخبث . والمراد تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس . فهو رجس معنوي . كقوله :{ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان }

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ): نَجَسٌ: قذر. فهم قذر، وخبث ؛ لا تذهب نجاستهم وإن غسلوا بماء الماء البحر. إذ لا مطهر لنجاستهم سوى التوحيد.

*قوله {ومأواهم جهنم}:* يعني مصيرهم في الآخرة إلى جهنم.

قال الطاهر بن عاشور: والمأوى: المصير والمرجع.

قال الطبري: يقول: ومصيرهم إلى جهنم، وهي مسكنهم الذي يأوُونه في الآخرة.

*قوله { جزاء بما كانوا يكسبون }:* من النفاق.
قاله السمرقندي.

قال ابن كثير:أي من الآثام والخطايا .

قال الطبري: يقول: ثوابًا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله.

...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ) يوسف: (32)

*قوله ( قَالَتْ ):* امرأة العزيز.

*قوله ( فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ):* في حبه والشغف فيه؛ تبين عذرها؛ ولا عذر لها؛ إذ من اعتصم بالله عصمه؛ كما اعتصم يوسف بربه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي في الافتتان به.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: توبيخ لهن على اللوم.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: الإشارة إلى يوسف والخطاب للنسوة أي عيرتنني فيه قالت لهن هذا لما رأت افتتانهن بيوسف إظهاراً لعذر نفسها.

قال ابن كثير: تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحب لجماله وكماله.

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن لما رأت افتتانهن بيوسف أظهرت عذر نفسها بقولها:" لمتنني فيه" أي بحبه، و" ذلك" بمعنى" هذا" وهو اختيار الطبري. وقيل: الهاء للحب، و" ذلك" عل بابه، والمعنى: ذلكن الحب الذي لمتنني فيه، أي حب هذا هو ذلك الحب.

*قوله ( وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ ):* طلبت منه فعل الفاحشة. والمعروف أن الرجل من يراود المرأة. لكن هذا دأب الفطر المنكوسة؛ وإن كانت المراودة في اللغة تشمل الجنسين؛ الرجل، والمرأة.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: وتقول: راود فلان جاريته عن نفسها، وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل منهما من صاحبه الوطء والجماع.

*قوله ( عَنْ نَفْسِهِ ):* تعني يوسف_ عليه السلام _.

*قوله ( فَاسْتَعْصَمَ ):* أي امتنع، وبالغ في العصمة؛ الامتناع؛ لعظم وخطر ما تدعوه إليه؛ وهو الزنا.

فمعنى قوله تعالى ( فَاسْتَعْصَمَ ): أي: امتنع.
قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والسيوطي في تفسير الجلالين، والثعلبي في الكشف والبيان، وابن أبي زمنين في تفسيره. وهو قول النحاس في معاني القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، ومن قال به أكثر من ان يحصون ( إلا ما شاء الله ).

زاد الحوفي: مما راودته عليه.

زاد الواحدي: وأبى.

وزاد السمرقندي: بنفسه مني.

وزاد نجم الدين النيسابوري: طالبا للعصمة.
قال البقاعي في نظم الدر في تناسب الآيات والسور: أي فأوجد العصمة والامتناع علي فاشتد اعتصامه، وما أنا براجعة عنه.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ): (يَعْصِمُنِي): أي يمنعني.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والواحدي في الوجيز.

وزاد الزجاج: من الماء، والمعنى من تغريق الماء.

وقوله (لَا عَاصِمَ): أي لا مانع؛ يعني لا ممنوع من الغرق، وعذاب الله إلا من رحمه الله.

فقوله (لَا عَاصِمَ): لا مانع.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وغيرهم كثير.
زاد السمرقندي: اليوم من عذاب الله، أي الغرق، لا جبل ولا غيره إلا من رحم يعني: إلا من آمن، فعصمه تعالى.

ومنه ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ): "يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ": أي يمتنع بالله.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمعاني في تفسيره.

وزاد ابن قتيبة: وأصل العصمة: المنع. ومنه يقال: عصمه الطعام؛ أي منعه من الجوع.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: يمتنع والعصام: حبل يمتنع المتمسك به عن الوقوع.

ومنه ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ): أي وامتنعوا بدين الله، وحبل الله : دينه المستقيم؛ إذ لا عصمة لكم من كل الشرور الدنيوية، والأخروية إلا بدينه.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أي وامتنعوا بالله.

ومنه ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ):قال السمعاني في تفسيره - لهذه الآية -: الاعتصام: هو الامتناع بالشيء مما يخاف، فالاعتصام بالله: هو الامتناع بطاعته من كل ما يخاف عاجلا، وآجلا.

ومنه ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ): "وَاعْتَصَمُوا بِهِ": أي امتنعوا بطاعته من زيغ الشيطان.

قاله الواحدي في الوجيز.

ومنه ( فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ): قال البغوي في تفسيره: امتنعوا به من زيغ الشيطان.

قال إسماعيل حقي الخلوتي روح البيان: أي امتنعوا به عن اتباع النفس الامارة وتسويلات الشيطان.

ومنه ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ): "مِنْ عَاصِمٍ": أي: مانع.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والسمعاني في تفسيره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: مانع يمنعهم من عذاب الله.

ونظيرتها قوله ( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ): مِنْ عَاصِمٍ : من مانع.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير، ومقاتل في تفسيره.

وزاد مقاتل: يمنعكم من الله.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي ما لكم من عذاب الله سبحانه من مانع يمنعكم منه وينصركم.

قوله ( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ): أي ما آمره به.

قوله ( وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ): الذليلين، والصغار الذل.

وقال الزجاج: من المذَلِّيِنَ.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: الصاغر: الذليل الحقير.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى ( فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ): صاروا ذليلين.
قاله السيوطي في الجلالين.

ومنه ( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ): "صَاغِرُونَ": ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.
قاله البغوي.

ومنه ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ): "صَغَارٌ": ذل.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: ذِلة.

وقال الزجاج معانيه: مَذَلَّة.

( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ): من المهانين المُذَلين.
قاله السمرقندي في البحر.

قال السمعاني: الأذلة.

قال البغوي: من الأذلاء. والصغار: الذل والمهانة.

انتهى، والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات.


كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) سبأ: 23

هذه الآية على وجازتها، واختصارها حوت علما كثيرا طيبا مباركا فيه؛ فأسأله لي ولعامة المسلمين؛ العفو عن التقصير.

قوله ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ ): أي شفاعة شافع لمشفوع.
قاله الإيجي الشافعي.

قوله ( عِندَه ): تعالى.
قاله مجير الدين العليمي.

قوله ( إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه ): في الشفاعة لغيره.
قاله مجير الدين.

قال الإيجي الشافعي: أن يشفع، أو أن يشفع له.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ): نفي وإثبات، كقولك لا إله إلا الله؛ فأنت إذا قلت: "لا إله" فإنك تنفي كل إله باطل، وقولك: "إلا الله" أي لا معبود بحق إلا الله؛ فإنك تثبت، وتنفي فكذا نقول في الشفاعة؛ نثبتها لأاهلها، وننفيها عن حرمها؛ بالنص.
فالآية تنفي الشفاعة؛ عن الكافرين قطعا؛ فهي ملغاة لا تنفع، وفي الوقت عينه تثبتها؛ لأهل الإيمان؛ إذ لا يَشْفَعُ كافرٌ، ولا يُشْفَعُ له؛ ونظيرتها قوله تعالى ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ): قال السمرقندي: وقال صوابا: يعني لا إله إلا الله يعني: من كان معه من التوحيد، وهو من أهل الشفاعة.
انتهى كلامه.

وعليه يحمل قوله تعالى ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )، مع أن فيها دليل واضح أن الله مشفع بعض خلقه في بعض. كما نص عليه الطبري عند هذه الآية. وهي حجة على من ضل واستدل بها على نفي الشفاعة،
فالحاصل: لا أحدَ يملكُ شفاعةً، ولا يجرؤ عليها ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ؛ حتى يأذن الله له، ويرضى عنه، وعن المشفوع فيه؛ وقد زعم المشركون أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )، ولكن كما قال ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّامِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ): أتى بقوله ( يرضى ) ولم يعين؛ ليعم. أي حتى يرضى عن الشافع والمشفوع فيه، وأيضا لأن الملك قد يشاء ولا يرضى؛ أما ملك الملوك فلا؛ وأيضا يبكتهم ويقطع أطماعهم؛ وإذا كان هذا في شأن الملائكة؛ فما بال أصنامهم؟!
وانظر في ذلك التفسير الكبير للرازي رحمه الله، وعفى عنه.

والشفاعة ثابتة، كائنة يوم القيامة ولا ريب، ولا يطعن فيها إلا من ضل، وحرم. وهي من الأحاديث المتواترة؛ كما قال الناظم:
مما تواتر حديث
من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض.
وسيأتي بيانه في حينه مفصلا ( إن شاء الله ).

قوله ( فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ): أي كشف الله، وأذهب الفزع عن قلوبهم؛ أي الملائكة.
وليس معناه: أصابها الفزع.

يقال أفزعه: أي أخافه. ويقال: أفزعه: أزال خوفه.
وهو من الأضداد؛ على نحو ما سترى.

قال الطبريُ: حتى إذا جُلِّيَ عن قلوبهم وكُشِفَ عنها الفزعُ وذهب.

قال الإيجي الشافعي: أزيل الفزع، وكشف عنها.

قال مجير الدين العليمي الحنبلي: أزيل عنها الفزع.

قال الفراء: سكنت وذهب عنها الفزع.

وقال معمر بن المثنى: نفس عنها.

قال السمعاني، والبغوي: أي كشف الفزع عن قلوبهم.

قال ابن أبي زمنين: كشف الله الفزع عن قلوبهم.

قال ابن قتيبة، ومكي: خفف عنها الفزع.

قال الواحدي في الوسيط: والتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتقرير.

قال ابن فارس في تهذيب اللغة: وفزعت عنه: كشفت عنه الفزع.

ويقال أفزعته: أخفته. ويقال: فزّعته: نفّست عنه.
أفاده نجم الدين النيسابوري.

قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: اتفق أهل التفسير وأهل اللغة أن معنى قوله {حتى إذافزع} : كشف الفزع عن قلوبهم.
انتهى كلامه.

قلت ( عبدالرحيم ): ولفظ التفزيع من الأضداد؛ نص عليه الجوهري، والحميري، وعلي بن القطَّاع، واختاره الرازي في الصحاح، وحكاه الأزدي.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: التفزيع من الأضداد، يقال فزعه أي أخافه. وفزع عنه أي كشف عنه الخوف. ومنه قوله تعالى: ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) أي كشف عنها الفزع.
واختاره الرازي في مختار الصحاح.

قال ابن القطَّاع: في الأفعال: وأفزع لغة بمعنى خاف وفزعت إليك وفزعت منك وأفزعت القوم اخفتهم وأيضا أغثتهم من الأضداد.

قال الحميري: التفزيع: فزعه وأفزعه: أي أرعبه.

وفزع عن قلبه: إذا كشف عنه الفزع، وهو من الأضداد، قال اللاه تعالى:
( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) أي كشف عنها الفزع.

قال الأزهري في جمهرة اللغة: وهو من الأضداد عندهم، يقال: فزع الرجل إذا رعب، وأفزعته إذا أرعبته، وأفزعته إذا نصرته وأغثته. وفزع، إذا استنصر، فزعت إلى فلان فأفزعني، أي لجأت إليه فنصرني.

قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك والحسن ، وقتادة في قوله تعالى ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) يقول : جلي عن قلوبهم.
حكاه ابن كثير.

قال نجم الدين النيسابوري: والمعنى: أنّ الملائكة يلحقهم فزع عند نزول جبريل- عليه السلام- بالوحي ظنا منهم أنه ينزل بالعذاب، فكشف عن قلوبهم الفزع فقالوا: ( ماذا قالَ رَبُّكُمْ ) أي: لأيّ شيء نزل جبريل.

قال الزجاج: والذين فزع عن قلوبهم هاهنا الملائكة.
وبه قال مقاتل، والسمرقندي، وهو مروي عن ابن مسعود، وقتادة.
وقاله جمع من العلماء.

وجاء صريحا فيما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان قال - علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك - فإذا ": {فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}.

قال ابن جزي الغرناطي: تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن هذه الآية في الملائكة عليهم السلام، فإنهم إذا سمعوا الوحي إلى جبريل يفزعون لذلك فزعا عظيما، فإذا زال الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم فيقولون: قال الحق، ومعنى فزع عن قلوبهم زال عنها الفزع، والضمير في قلوبهم وفي قالوا للملائكة.
انتهى

قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية، وغيرها من النصوص المتواترة من الوحيين؛ دليل على إثبات صفة الكلام لله_ تقدس اسمه _ على ما يليق به، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع على الحقيقة؛ يسمعه من شاء من خلقه؛ ليس مجازا؛
ولأن الأصل في الكلام الحقيقة؛ قال الله ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ):
قال الحافظ ابن حجر ( في الفتح ) بصدد هذه الآية؛ أعني قوله ( وكلم الله موسى تكليما ):
قال رحمه الله: قال الأئمة: هذه الآية أقوى ما ورد في الرد على المعتزلة، قال النحاس: أجمع النحويون على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازا ؛ فإذا قال تكليما وجب أن يكون كلاما على الحقيقة التي تعقل.
انتهى كلامه.

قلت: وكذلك حكى الإجماع سراج الدين النعماني الحنفي؛ في: اللباب في علوم الكتاب.
ومن أوضح الأدلة ما رواه البخاري وغيره من طريق الأعمش، عن خيثمة، عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه».

وقد تعرضت لشيء من هذا؛ عند تفسيرنا لسورة التوبة، وسيأتي مفصلا؛ لاحقا
( إن شاء الله ).

قوله ( قَالُوا ): أي الملائكة بعضهم لبعض.

قوله ( مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ): يعني: ماذا قال جبريل- عليه السلام- عن ربكم.
قاله السمرقندي.

قوله ( قالوا الْحَق ): أي قالوا: قال الله الحق؛ لأنه جل ذكره كلامه حق.

قال السمرقندي: يعني: الوحي.

والتقدير: قالوا: قال الحق.
حكاه الماوردي في النكت والعيون.

قوله ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ): الرفيع الكبير العظيم فلا أعظم منه.
قاله مقاتل.

قال السمرقندي: يعني هو أعلى وأعظم وأجل من أن يوصف له شريك.
_____
المصدر:
أنظر:
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير ابن أبي زمنين، كتاب فيه لغات القرآن للفراء، تفسير ابن كثير، مجمل اللغة لابن فارس، جمهرة اللغة للأزدي، الصحاح للجوهري، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري، تهذيب اللغة للهروي، تفسير السمرقندي، تفسير مقاتل، التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي، جامع البيان للإيجي الشافعي، فتح الرحمن في تفسير القرآن لمجير الدين العليمي، النكت والعيون للماوردي، التفسير الكبير للرازي، تفسير البغوي، فتح الباري للحافظ ابن حجر.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) التوبة: (96)

ليس الشأن أن يسعى العبد لرضا الخلق؛ وإنما الشأن كل الشأن أن يسعى العبد حثيثا من كل وجه لرضا ربه؛ ويؤثر من هو أقرب إليه من حبل الوريد؛ من يعلم سره ونجواه، على غيره، ومن سعى في رضا الخلق دون ربه، كان صنيعه كسراب بقيعة؛ لا هو أرضى مولاه، ولا هم رضوا عنه، بل آذوه، وسُلطوا عليه؛ وليس هذا فحسب؛ بل حمل به الأوزار.

قال القشيري - رحمه الله -:
من كان مسخوط الحقّ لا ينفعه أن يكون مرضي الخلق، وليست العبرة بقول غير الله إنّما المدار على ما سبق من السعادة في حكم الله.
انتهى كلامه.

وكان حقا على من يسعى في ابتغاء رضا معبوده، ومولاه؛ أن يسخط فيه من خالف أمره؛ فعلى من امتلأ قلبه محبة لسيده أن يحب من يحب، وما أحب، ويبغض من أبغض؛ من العاصين له؛ من أهل الشرك، والنفاق، وأرباب البدع، والمعاصي.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وحكم هذه الآية يستمر في كل مغموص عليه ببدعة ونحوها، فإن المؤمن ينبغي أن يبغضه ولا يرضى عنه لسبب من أسباب الدنيا.

قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن: أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه.
انتهى

*قوله ( يَحْلِفُونَ ):* يعني المنافقين المتخلفين عن الغزو؛ يحلفون لكم بالله.

قال القاسمي في محاسن التأويل: وعدم ذكر المحلوف به لظهوره، أي يحلفون به تعالى.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذه الآية والتي قبلها مخاطبة للمؤمنين مع الرسول، والمعنى يحلفون لكم مبطلين ومقصدهم أن ترضوا لا أنهم يفعلون ذلك لوجه الله ولا للبر.

*قوله ( لَكُمْ ):* معاشر المؤمنين.

*قوله ( لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ):* وتقبلوا منهم ما يظهرون من العذر.
قاله أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة.

قال السمعاني في تفسيره: الرضا ضد الكراهة.

قال جار الله الزمخشري في الكشاف: لترضوا عنهم أي غرضهم في الحلف بالله طلب رضاهم لينفعهم ذلك في دنياهم.

قال القاسمي: أي باعتقاد طهارة ضمائرهم وإخلاصهم.

*قوله ( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ):* فيه مسألتان:

الأولى: أنه نهي من الله عن الرضى عن هؤلاء الأرجاس؛ وهذا إلى يوم القيامة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله فإن ترضوا إلى آخر الآية، شرط يتضمن النهي عن الرضى عنهم.

الثانية:
ليس معنى قوله ( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) أن الصحابة يرضون عن أعداء ربهم بحال؛ فقد نهاهم الله عن مطلق هذا وامتثلوا أعني قوله ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )؛ فهم الذين عادوا الآباء، والأبناء في الله؛
لكن معناه فإن رضيتم أنتم عنهم؛ لعدم علمكم بما في صدروهم؛ أي لأنكم لا تعلمون كذبهم من صدقهم؛ فأنا لا أرضى عنهم؛ لأني ( عليم بذات الله الصدور ).

والحاصل: كأن الله يقول: حتى وإن رضيتم أنتم عن هؤلاء لعذركم بعدم علمكم ما يضمرون؛ فلا أرضى انا عنهم بحال. وانظر كلام القاسمي - رحمه الله - أدناه.(1)

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا عن هؤلاء الفسقة العصاة فينبغي لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك، بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيداً لهم.

قال صاحب الكشاف: فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها. وقيل إنما قيل ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضى رضا الله عنهم.

قال مكي في الهداية إلى النهاية: وأنتم لا تعلمون صدقهم من كذبهم.

قال أبو منصور الماتريدي: لما يعلم أنه لا عذر لهم فيما يظهرون لكم من العذر.

قال الطبري في تفسيره: يقول: فإن أنتم، أيها المؤمنون، رضيتم عنهم وقبلتم معذرتهم، إذ كنتم لا تعلمون صِدْقهم من كذبهم، فإن رضاكم عنهم غيرُ نافعهم عند الله، لأن الله يعلم من سرائر أمرهم ما لا تعلمون، ومن خفيّ اعتقادهم ما تجهلون، وأنهم على الكفر بالله.

*قوله ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ):* لأنه يعلم سرائرهم وصدقهم وكذبهم.
قاله مكي في الهداية.

قال صديق حسن خان: والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم هو نهي المؤمنين عن ذلك لأن الرضا عمن لا يرضى الله عنه مما لا يفعله مؤمن.

قال الواحدي في البسيط: وهذه الآية وما قبلها دليل على أن المنافقين تحقن دماؤهم بسبب الشهادتين، ولا تجوز موالاتهم والرضا عنهم.

(1): قال القاسمي في محاسن التأويل: فيه تبعيد عن الرضا عنهم على أبلغ وجه وآكده، فإن الرضا عمن لا يرضى الله تعالى عنه، مما لا يكاد يصدر عن المؤمن.

قال مقاتل بن سليمان: يعنى العاصين.

قلت ( عبدالرحيم ): وفيه مسائل:
الأولى قوله تعالى ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ): فيه إثبات صفة الرضى لله عز وجل؛ على ما يليق به؛
كما في قوله تعالى ( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )، وقوله في غير ما آية ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )، وقوله (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ). – فنسأله بكرمه الواسع رضاه عنا؛ إنه سميع مجيب.

الثانية: قول مقاتل - رحمه الله - في قوله ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) " يعنى العاصين ".
قلت: يجب حمل " العصيان " هنا على الكفر؛ لأن كل كفر بالله معصية، ولا عكس.

كما قال تعالى عن إمام من أئمة الكفر ( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ): فعصى: أي فكفر؛ عصى في أعظم طاعة؛ وهي الإيمان بالله.
لذا قال بعدها ( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ): أي إن كفرتم كما كفر فرعون.

قال الطبري" الْفَاسِقِينَ ": يعني أنهم الخارجون من الإيمان إلى الكفر بالله، ومن الطاعة إلى المعصية.

انتهى، والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات.
...........

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940

للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:
https://m.facebook.com/تفسير-غريب-القرآن-صفحة-عامة-1733151126926511/?ref=bookmarks
 
بارك الله فيكم
أرسلت لهم وأجابوني ب: ستتم إضافتكم الآن، وأعتذر على التأخير.
ولكن لم يصلني ڜيء بعدها من الرسائل التي تخص معاني غريب القرآن
مع ااعلم أني انضممت إلى مجموعة متنوع معاني وغريب القرآن فهل الرقم الذي ذكرته هو نفس المجموعة التي انضممت إليها أم أن هناك فرقا بين المجموعتين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبا بكم أخي.

نعم الرقم ذاته؛ موحد.
يوجد فرق بين المجموعتين؛ المتنوع لم نلتزم الترتيب.
والأخرى تسير سيرا مرتبا بترتيب المصحف؛ ونحن الآن في نهاية سورة التوبة.

ولو شئت أرسلت رسالة (واتساب)؛ كي يتم التأكد من الاشتراك. إلى 00966509006424
 
قوله تعالى
( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ) غافر: (34)

*قوله {ولقد جاءكم يوسف من قبل}:* أي قبل موسى.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين.

*قوله {بالبينات}:* بالمعجزات الظاهرات.

*قوله {فما زلتم في شك مما جاءكم به}:* يعني مما أخبركم من تصديق الرؤيا.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

وقال الإيجي: من الدين.

*قوله { حتى إذا هلك}:* هلك: يعني مات.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وبه قال الطبري، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

قال الطبري: يقول:حتى إذامات يوسفقلتمأيها القوم: لن يبعث الله من بعد يوسف إليكم رسولا بالدعاء إلى الحق.

قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي الهلاك في التنزيل على عدة معان؛ وسأذكر جميعها عند تفسيرنا لسورة غافر (إن شاء الله).

فمن هذه المعاني: " الموت":
يأتي بمعنى" الزوال"؛ كما في قوله تعالى ( هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ): أي ذهب عني حجتي وزال عن ملكي وقوتي.
قاله الواحدي في الوجيز.

ويأتي بمعنى " الموت"؛ كما سبق في قوله ( حَتَّى إِذَا هَلَك ): أي مات.

ومنه قوله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ... ): هَلَكَ: أي مات. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والقشيري في لطائف الإشارات، وغيرهم.

قال الطبري: إن إنسان من الناس مات.

ومنه ( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ):
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَك: أي ليموت من يموت.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وصديق خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، وأبو السعود في تفسيره، والألوسي في روح المعاني، وبه قال الطبري.

قال الطبري: ليموت من مات من خلقه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: ليموت من مات عن حجة.

قال البغوي في تفسيره: أي ليموت من يموت على بينة رآها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه. ويحيى من حي عن بينة، ويعيش من يعيش على بينة لوعده: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.

ومنه ( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ): مَهْلِكَ أَهْلِه: أي موته قتيلا.

قال السمرقندي في البحر: لنقتلنه وعياله. ويقال: وأهله يعني: ومن آمن معه.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: قالوا تقاسموا بالله يعني تحالفوا بالله- عز وجل لنبيتنه وأهلهليلا بالقتل يعني صالحا وأهلهثم لنقولن لوليه يعنى ذا رحم صالح أن اسألوا عنه ما شهدنا مهلك أهله قالوا: ما ندري من قتل صالحا وأهله، ما نعرف الذين قتلوه.

ومنه ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ): "وَمَا يُهْلِكُنَا": ومايميتنا إلاطول العمر، وطول اختلاف الليل والنهار، ولا نبعث.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.
وبنحوه قال السمرقندي في البحر.

قال ابن عيينة: كان أهل الجاهلية يقولون:الدهرهو الذي يهلكنا هو الذي يميتنا ويحيينا.
حكاه الواحدي في البسيط.

*قوله {قلتم}:* من غير برهان.
قاله الجلال المحلي.

*قوله {لن يبعث الله من بعده رسولا}:* أي فلن تزالوا كافرين بيوسف وغيره.
قاله الجلال المحلي.

*قوله {كذلك}:* مثل ذلك الضلال.
قاله الواحدي في الوجيز.

*قوله {يضل الله من هو مسرف}:* مشرك.
قاله الواحدي، والجلال المحلي.

*قوله {مرتاب}:* شاك.

قال في الوجيز: شاك فيما أتى به الأنبياء.

قال الإيجي: شاك في دينه المبين بالحجج.

وسيأتي تفسير موسع؛ عند تفسيرنا لهذه السورة ( إن شاء الله ).

انتهى، والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات.
.....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940

للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:
https://m.facebook.com/تفسير-غريب-القرآن-صفحة-عامة-1733151126926511/?ref=bookmarks
 
قوله تعالى

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)) الحاقة.

*قوله {ولو تقول علينا}:* أي لو تقول محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ كما تزعمون أنه افتراه، وقال عنا ما لم نقل!.

قال الواحدي في الوجيز: لو قال ما لم يؤمر به وأتى بشيء من قبل نفسه.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني من تلقاء نفسه ما لم نقل.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: التقول هو أن ينسب إلى أحد ما لم يقل، ومعنى الآية: لو تقول علينا محمد لعاقبناه، ففي ذلك برهان على أن القرآن من عند الله.

وقيل: أن المعني بهذا؛ جبريل -عليه السلام -.
حكاه الجرجاني في درج الدرر.

*قوله {بعض الأقاويل}:* بعض ما تسمعون من الوحي؛ ليس كله؛ فكيف تركه يقول كل هذا ( القرآن ).

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: فزاد في الوحي أو نقص منه.

*قوله {لأخذنا}:* لنلنا.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

*قوله {منه باليمين}:* أي منعناه ودفعناه. فعبر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك: خذ بيمين فلان عن تعاطي الهجاء، وقيل: معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله.

قاله الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن.

قال الزمخشري في الكشاف: ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته.
وخص اليمين عن اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه. انتهى

قيل: لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه؛ قالوا: وإنما ذلك مثل، ومعناه: إنا كنا نذله ونهينه.
حكاه الطبري.

قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: مَنَعْنَاهُ التصرفَ.

قال مقاتل بن سليمان: يقول لانتقمنا منه بالحق.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لعاقبناه. فأعلم الله تعالى أنه لا محاباة لأحد، إذا عصاه بالقرآن، وإن كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم.

وتفسير الحسن: يقول: لقطعنا يده اليمنى.
حكاه ابن أبي زمنين.

*قوله { الوتين }:* نياط (1) القلب.
قاله أبو عبدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي ببن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.

زاد الواحدي، والقرطبي: أي لأهلكناه.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: والمعنى: لو تقول علينا لأذهبنا حياته معجلا.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: والوتين: عرق يسقي القلب.

وبه قال الزمخشري في الأساس.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: وهو الحبل المعلق به القلب.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: الوتين: عرق مستبطن في القفا إذا انقطع مات صاحبه لا محالة. ويقال: إنه عرق متصل بالكبد، لكنه يسقيها لا يعيش من انقطع منه وقيل: هو مناط القلب إذا انقطع لم يكن معه حيًا. وقد وتن الرجل فهو موتون، أي قطع وتينه.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد بن عبدالحميد بن عمر: شريان رئيس يغذي جسم الإنسان بالدم النقي الخارج من القلب.(2).

قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: عرق متعلق بالقلب إذا انقطع مات صاحبه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الوتين: عرق يسقي الكبد، وإذا انقطع مات صاحبه.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: الوتين عرق مستبطن الصلب، أبيض غليظ، كأنه قصبة، معلق بالقلب، يسقي كل عرق في الإنسان.

قال الواحدي في البسيط: وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع بطلت القوى، ومات صاحبه. وهذا قول جميع أهل اللغة.
ثم قال ( الواحدي ): وأكثر المفسرين قالوا: إنه نياط القلب، وحبل القلب.

*قوله {فما منكم من أحد عنه حاجزين}:* حاجزين: مانعين.
قاله الثعلبي في الكشف والبيان، والبغوي في تفسيره، والخارن في لباب التأويل، والسمين الحلبي في العمدة، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم جمع.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أيمانعين.
وسمى الحجاز حجاز لحجزه بين البحرين: بحر الروم وبحر اليمن، وقيل: لحجزه بين الشام والبادية. وقيل الحاجز من قوله: {بين البحرين حاجزا}. والحجاز لأنه حجز بت بينهما، والحجاز أيضا: حبل يشد بت حق البعير إلى رسغه.

وقال أيضا:
الحجز: الفصل بين الشيئين. والحاجز: وهو الفاصل لقوله تعالى: {وجعل بين البحرين حاجزا} أي: فاصلا من قدرته مع اختلاطهما في رأى العين، فلا يبغى أحدهما على الآخر.
انتهى كلامه

قلت (عبدالرحيم): سيق هذا الكلام على سبيل المجاراة مع الخصم، والتنازل لإلزام الحجة.

وكأن الله يقول: حاشاه أن يتقول علينا؛ كيف يكذب على ربه، ولم يكذب على بشر قط، وأنتم ما جربتم عليه شيئا منه، فكيف يتقول علينا؟! وهو لا يقرأ ولا يكتب ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )، وهذه اليد اليمنى التي إن كتب خط بها؛ لأخذناه منها، ولقطعنا نياط قلبه.

والمعنى: لو تقول علينا وعاقبناه بهذا النوع من العقاب الذي يهلك في العاجل؛ فلا يمنعه أحد.

قال السمرقندي في البحر: يعني: ليس أحد منكم يمنعنا من عذابه.

قال مقاتل بن سليمان: ليس أحد منكم يحجز الرب- عز وجل- عن ذلك.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي
فما منكم - أيها الناس - أحد عن محمد صلى الله عليه وسلم يحجزنا إذا أردنا هلاكه وعقوبته. وجمع " حاجزين " على معنى " أحد ".

قال السمعاني في تفسيره: يعني: إنكم تنسبونه إلى الكذب علي، ولو أخذته لم يقدر أحد منكم على دفعنا عنه.
.................

(1): النياط: عرق غليظ قد علق به القلب من الوتين، وجمعه: أنوطة.

قاله الخليل بن احمد الفراهيدي في العين.

وفي المعجم الوسيط: (النياط) مَا يعلق بِهِ الشَّيْء يُقَال نِيَاط الْقوس ونياط السَّيْف وعرق غليظ علق بِهِ الْقلب إِلَى الرئتين والفؤاد (ج) أنوطة ونوط وَيُقَال مفازة بعيدَة النياط بعيدَة الْحَد كَأَنَّهَا نيطت بمفازة أُخْرَى فَلَا تكَاد تَنْقَطِع.

فائدة:

قال البَندنيجي في التقفية في اللغة: الْأَبْهَرُ: عِرْقٌ في الظَّهْرِ وفي القلب: الوتين، وفي اليد: الأكحل.

(2): «الوَتِين» هو المقابل العربي الفصيح للكلمة وهو أولى بالاستعمال من كلمة «الأَوُرْطى» المعرّبة، وإن كانت الكلمة الثانية تتميز بشهرتها عند أهل التخصص.
كذا في معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي لأحمد مختار عمر.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
............................ ....

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

- للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

- للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

- لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940

- للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:
https://m.facebook.com/تفسير-غريب-القرآن-صفحة-عامة-1733151126926511/?ref=bookmarks
 
قوله تعالى
( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)) القمر

*قوله ( الزُّبُر ):* الكتب.

قال الواحدي في الوجيز: في كتب الحفظة.

قال ابن كثير في تفسيره: مكتوب عليهم في صحف الملائكة.

قال التستري في تفسيره: يعني في الكتب التي تكتبها الحفظة.

وقال يحيى بن سلام في التصاريف، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وغيرهما: يعني في اللوح المحفوظ.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: وكل شيء عملوه في الكتاب يحصي عليهم.

قال الطبري: يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أم الكتاب.انتهى

قلت ( عبدالرحيم ): لا تعارض بين القولين ( إن شاء الله)؛ فما تكتبه الملائكة قد سُطِّر في اللوح المحفوظ، ولا ينبغي الجزم بأحدها إلا ببرهان. لذا ستجد من العلماء من يذكر بصيغة العموم، وعدم التعيين.
قال ابن أبي زمنين: فِي الْكتب قد كُتِب عليهم.

وسيأتي مفصلا عند تفسيرنا لسورة القمر ( إن شاء الله ).

*قوله ( مُسْتَطَرٌ ):* مكتوب.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في تفسير غريب القرآن، والتستري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره،وغيرهم جمع.

زاد ابن قتيبة: "مفتعل" من "سطرت": إذا كتبت. وهو مثل "مسطور".

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: مفعول من السطر، المعنى كل صغير من الذنوب وكبير مستطر مكتوب على فاعليه قبل أن يفعلوه، ومكتوب لهم وعليهم إذا فعلوه ليجازوا على أفعالهم.

قال الأخفش في معاني القرآن: يريد: كل صغير من الذنوب أو كبير فهو مكتوب.

قال التستري: أي مكتوب في الكتاب، فيعرض عليهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى.
.............
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):
http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940

للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:
https://m.facebook.com/تفسير-غريب-القرآن-صفحة-عامة-1733151126926511/?ref=bookmarks
 
قوله تعالى
{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة: (97)

*قوله {الأعراب}:* أهل البدو.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن، وبيان الحق الغزنوي في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، والزمخشري في الكشاف، والبغوي في تفسيره، والبيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: هم أهل البوادي من العرب.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: هؤلاء أعراب كانوا حول المدينة.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: و (الأعراب) منهم سكان البادية خاصة والنسبة إليهم (أعرابي).

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ومنه (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ): يعني المقيم، والطارئ عليه من الأعراب، وغيرهم، فيه سواء، في حقه وحرمته.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: المقيم فيه والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي القادم والمقيم، والبدوي والحضري، والقاطن والوارد.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ:(الْعَاكِفُ) المقيم، (وَالْبَادِ): من كان في البادية.
حكاه الماتريدي في تأويلات أهل السنة.

قال محمد ثناء الله المظهري في التفسير المظهري: المقيم والبادي أي: المسافر المنسوب الى البدو وقال في القاموس البدو والبادية والبداوة والبداة خلاف الحضر يعنى ليس أحدا حق بالمنزل فيه من غيره فمن سبق الى مكان منه لا يجوز لغيره ان يزعجه كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوهما سواء في البيوت والمنازل.

ومنه ( يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ): "بَادُونَ": في البادية؛ لشدة جبنهم، وذعرهم.

قال ابن أبي زمنين: أي في البادية مع الأعراب.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: تمنوا أنهم خارجون في البادية مع الأعراب.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: يعني في البادية مع الأعراب، يودون من الخوف لو أنهم في البدو.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي إذا جاءت الجنود والأحزاب ودوا أنهم في البادية.

قال الطبري: تقول: قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو، وهو باد؛ وأما الأعراب: فإنهم جمع أعرابي، وواحد العرب عربي، وإنما قيل: أعرابي لأهل البدو، فرقا بين أهل البوادي والأمصار، فجعل الأعراب لأهل البادية، والعرب لأهل المصر.

ومنه ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو مصدر بدوت في البادية.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: جاء بكم معافين سالمين من البادية. يعني: أرض كنعان.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: وذلك أن يعقوب وبنوه كانوا أهل بادية ومواشي، والبدو مصدر قولك: بدا، يبدو، بدوا، إذا صار بالبادية.

قال البغوي في تفسيره: والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم، وكانوا أهل بادية ومواش، يقال: بدا يبدو إذا صار إلى البادية.

*قوله {أشد كفرا ونفاقا}:* أي أشد كفرا، ونفاقا من منافقي المدينة؛ إلا من استثنى الله من الأعراب؛ دل عليه سياق الآيات الآنفة الذكر، والتي تليها.

ولقد سجدت لله شكرا؛ أن ألهمني هذا قبل أن أطلع على ما قاله غير واحد من أهل العلم كابن أبي زمنين في تفسيره، والطاهر بن عاشور؛ وقد ذكر كلاما ماتعا في التحرير، وسيأتي كلامه - رحمه الله - في نهاية حديثنا عن هذه الآية .

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:
و ( أشد ) و ( أجد ) اسما تفضيل ولم يذكر معهما ما يدل على مفضل عليه ، فيجوز أن يكونا على ظاهرهما فيكون المفضل عليه أهل الحضر ، أي كفار ومنافقي المدينة . وهذا هو الذي تواطأ عليه جميع المفسرين. وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار ومنافقي المدينة ، ومنافقوهم أشد نفاقا من منافقي المدينة.

قال ابن أبي زمنين: يعني: أن منافقي الأعراب أشد من منافقي أهل المدينة في نفاقهم وكفرهم.

قال البغوي، والزمخشري، والنسفي: من أهل الحضر.

وزاد الزمخشري: لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة.

قال مكي في الهداية: والمعنى: الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله سبحانه ونفاقا على رسوله عليه السلام، من أهل الحضر والأمصار، وذلك لجفائهم، وقسوة قلوبهم.

قال الزجاج في معانيه: فكفرهم أشد لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدر، وهم أيضا أبعد من سماع التنريل وإنذار الرسول.

قال السيوطي في الجلالين ( أشد كفرا ونفاقا ): من أهل المدن؛ لجفائهم وغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن.

قال الواحدي في الوجيز: من أهل المدر لأنهم أجفى وأقسى.

*قوله {وأجدر}:* أحق من غيرهم.
وفي الحديث: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله. رواه مسلم(3).

قال النووي في شرحه لمسلم: معنى أجدر: أحق. وتزدروا: تحقروا. انتهى

قاله السمرقندي في بحر العلوم:{وأجدر}: أحرى وأولى وأحق.

قال الماوردي في النكت والعيون: ومعنى أجدر أي أقرب، مأخوذ من الجدار الذي يكون بين مسكني المتجاورين.

قال الفراء في معاني القرآن: و (أجدر) كقولك: أحرى، وأخلق.

قال مكي في الهداية: أي وأخلق أن يجهلوا العلم والسنن.

قال الطاهر بن عاشور: والأجدر : الأحق والجدارة : الأولوية . وإنما كانوا أجدر بعدم العلم بالشريعة لأنهم يبعدون عن مجالس التذكير ومنازل الوحي ، ولقلة مخالطتهم أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

*قوله {ألا يعلموا}:* معناه: بأن لا يعلموا.

قال الإيجي: (أَلَّا) بأن لا.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: " أن ": في موضع نصب، على تقدير: " وأجدر بأن لا ".

قال النسفي: وأحق بأن لا يعلموا.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: في الآية حذف، والتقدير: وأجدر بأن لا يعلموا.

*قوله {حدود}:* فيعني به الحلال والحرام والفرائض.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: حدود الله: فرائض الله.

قال القرطبي في تفسيره: أي فرائض الشرع. وقيل: حجج الله في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم.

قال النسفي: يعني حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام.

قال مقاتل بن سليمان في تفسره: يعني سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه يقول: هم أقل فهما بالسنن من غيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي: يعني أنهم أحق أن لا يعلموا الشرائع لبعدهم عن الحاضرة ومجالس
العلم.

قال في النكت والعيون: وفي المراد بحدود الله ما أنزل الله وجهان: أحدهما: فروض العبادات المشروعة. الثاني: الوعد والوعيد في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجهاد.

قلت ( عبدالرحيم ): والمراد بالحدود في هذا المقام ما هو أعم من الحدود الشرعية المعروفة كحد السرقة، والزنا؛ ألا ترى أن تعلم ما أحل الله مع كونه حلال يسمى حد. لذا قال الواحدي في الوجيز، وغيره؛ - كما سبق من كلام ابن الجوزي - في قوله تعالى {حدود ما أنزل الله}: من الحلال والحرام.
فكل ما كان مانعا من الوقوع في المخالفة كان حدا من حدود الله؛ ويعرف هذا بالسياق؛ فقول الرسول لأسامة منكرا: أتشفع في حد من حدود الله؟. يعني: حد السرقة، وهذا ظاهر في القصة (4).

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى الحدود ما منع الله عزَّ وجلَّ من مخالفتها. انتهى

وقال أيضا في موضع آخر من كتابه( معاني القرآن ):ما حدَّه الله جل وعز مما لا تجوز مجاوزته إِلى غيره، وأصل الحدِّ في اللغة المنع، يقال حَدَدْتُ الدار. وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها. وَحَدَدْتُ الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة.
انتهى كلامه.

*قوله {ما أنزل الله}:* فيه أن الله في السماء؛ فمن معاني فوقيته؛ النزول، والعروج إليه، أعني نزوله - سبحانه وتقدس - إلى السماء الدنيا، ونزول الملائكة من عنده، وعروجها إليه؛ يدلُ أربابَ الفطرِ السليمة أن الله في السماء؛ بخلاف من حاد؛ وقد سبق مفصلا بحمد الله.

*قوله {على رسوله}:* من الأحكام والشرائع.
قاله السيوطي.

قال الواحدي في الوجيز: من الحلال والحرام.

وقال الإيجي: من الشرائع.

قال السمعاني في تفسيره: وهذا لبعدهم من سماع القرآن ومعرفة السنن.

قال السمرقندي في البحر: لأنهم كانوا أجهل وأقل علماً من غيرهم.

*قوله {والله عليم}:* بهم.
قاله السمرقندي.

قال السيوطي في الجلالين: بخلقه.

قال الإيجي: بقلوب أهل الوبر والمدر.

قال الطبري: بمن يعلم حدود ما أنزل على رسوله، والمنافق من خلقه، والكافر منهم، لا يخفى عليه منهم أحد.

*قوله {حكيم}:* في أمرهم.
قاله السمرقندي.

قال السيوطي: في صنعه بهم.

قال الطبري: في تدبيره إياهم، وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم وخداعهم أولياءه.

(تنبيه):

يستثنى من هذه الآية من استثنى الله؛ الذي ( لا يظلم مثقال ذرة ) لتمام عدله، وفضله.
أعني مثل ما جاء في قوله تعالى ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

وهذا في القرآن كثير، في شرعنا خاصة؛ الانصاف، والتحري. حتى عند الحديث عن النفس التي جبلت على ما جبلت عليه قال الله ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي ).

ألا ترى أن الله أنصف إخوان القردة والخنازير؛ اليهود والنصارى المغضوب عليهم؛ قال الله (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ).
قليتق الله أقواما وينصفوا أهل الإسلام؛ سيما أهل الفضل والإحسان.
انتهى.

(فائدة):

قلت ( عبدالرحيم): الأعراب: هم أهل البدو: الذين لا يقيمون في المدن وإن دخلوها؛ دخلوها لحاجة.

فهم سكان البادية خاصة؛ نص عليه الجوهري في الصحاح تاج اللغة، والزبيدي في تاج العروس.

وأيضا: هم أهل الوبر أي الابل لأنهم يتخذون أخبيتهم ( الخيمة ) منها؛ بخلاف أهل المدر. (1).

وفي الحديث عما يكون في آخر الزمان من يأجوج ومأجوج؛ وفيه" ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة". (2).

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: يعني بأصحاب الوبر: أهل البادية. انتهى

فهم أهل الوبر: وهو ما يتخذ من أوبار الإبل للأخبية. كما في قوله (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ): قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: سكان الوبر لمن بيوتهم من الوبر.

قال الزبيدي في التاج، وابن منظور في اللسان: وعنى بالوبر: الأخبية؛ لأن أبنية البادية بالوبر.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد بن مختار بن عبدالحميد: أهل الوبر: أهل البادية أو البدو لأنهم يتخذون بيوتهم من الوبر.

وفي معجم لغة الفقهاء: أهل الوبر: سكان البادية.

قال الكفوي في الكليات: والأعراب: صيغة جمع وليس جمعا للعرب، قاله سيبويه وذلك لئلا يلزم أن يكون الجمع أخص من الواحد، إذ الأعراب سكان البادية فقط، ولهذا الفرق نسب إلى الأعراب على لفظه يقال (رجل أعرابي) إذا كان بدويا، وإن لم يكن من العرب ورجل عربي: أي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ورجل أعجم وأعجمي أيضا: إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي: أي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا.

قال الواحدي في البسيط: والأعرابي إذا قيل له: يا عربي فرح بذلك، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب له، فمن نزل البادية أو جاور البادين وظعن بظعنهم فهم أعراب، ومن استوطن القرى العربية فهم عرب).

(لطيفة):

قلت ( عبدالرحيم ): ( أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ): فهم أولى ألا يعلموا عن الله ورسوله لبعدهم، وقلة مخالطتهم لأهل العلم. وليس ثم شيء هو أدعى للين وحسن الخلق؛ من التعلم ومخالطة العلماء، فالعجب ممن عاش عمره بعيدا عن أهل العلم، وكذا العجب ممن نأى بجانبه عن أهل الفضل، والخير وسكن البراري مختارا، ليس إلا للعزلة وراحة البال ( زعم ). وأعني بالطبع من قصر، أو أعرض عما أمر الله به؛ وإلا فلا ضير.

وفي الحديث: «الإيمان يمان ها هنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة، ومضر» (5).

تتمة كلام الطاهر بن عاشور؛ في قوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ):
قال - رحمه الله -:
وهذا الازدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ، أي كفرهم أمكن في النفوس من كفر كفار المدينة ، ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ، أي أمكن في جانب الكفر منه والبعد عن الإقلاع عنه وظهور بوادر الشر منهم ، وذلك أن غلظ القلوب وجلافة الطبع تزيد النفوس السيئة وحشة ونفورا . ألا تعلم أن ذا الخويصرة التميمي ، وكان يدعي الإسلام ، لما رأى النبيء - صلى الله عليه وسلم - أعطى الأقرع بن حابس ومن معه من صناديد العرب من ذهب قسمه قال ذو الخويصرة مواجها النبيء - صلى الله عليه وسلم - اعدل فقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويحك ومن يعدل إن لم أعدل.
فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة ، وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام ، وهم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه وآدابه وعن تلقي الهدى صباح مساء أجهل بأمور الديانة وما به تهذيب النفوس ، وهم لتوارثهم أخلاق أسلافهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثر سموا في النفوس البشرية، وإتقانا في وضع الأشياء في مواضعها ، وحكمة تقليدية تتدرج بالأزمان، يكونون أقرب سيرة: بالتوحش وأكثر غلظة في المعاملة وأضيع للتراث العلمي والخلقي ; ولذلك قال عثمان لأبي ذر لما عزم على سكنى الربذة : تعهد المدينة كيلا ترتد أعرابيا .
فأما في الأخلاق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة والاستخفاف بالعظائم مثل الشجاعة؛ والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى في الأعراب بالجبلة ، ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه وآمنوا به .
انتهى كلامه
....................

( 1 ): أهل المدر: سكان البيوت المبنية، خلاف أهل الوبر وهم البدو سكان الخيام.
كذا ورد في معجم اللغة العربية المعاصرة. لأحمد بن مختار.
( 2 ): شطر من حديث رواه مسلم (2937) من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه.
( 3 ): رواه مسلم (2963) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
( 4 ): رواه البخاري (6788)، ومسلم ( 1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
( 5 ):رواه البخاري (3302) ، ومسلم (51) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
........

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):

http://vb.tafsir.net/forum2/thread50930-5.html#post267704

لمتابعة قناتنا على تليجرام:

https://t.me/abdelrehim19401940

للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:

https://m.facebook.com/تفسير-غريب-القرآن-صفحة-عامة-1733151126926511/?ref=bookmarks
 
قوله تعالى
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) ) غافر


قوله ( صَرْحًا ): أي قصرا.
قاله غلام ثعلب، والنحاس، وابن قتيبة.


وزاد ابن قتيبة: عاليا.


وزاد النحاس: وكل بناء عظيم صرح.


قال الزجاج: والصرح كل بناء متسع مرتفع.


قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير): قال الراغب الأصفهاني: الصرح: بيت عال مزوق سمي بذلك اعتبارا بكونه صرحا عن الشوب أي: خالصا.


و قال الزجاج: والصرح: في اللغة القصر، والصحن.


قوله ( الْأَسْبَابَ ): أي أبوابها.
قاله ابن قتيبة.


قلت ( عبدالرحيم ): وعندي أن قول النحاس، والبقاعي، وما قاله الراغب الأصفهاني؛ أجود مما قاله ابن قتيبة وغيره؛ حيث قال النحاس: والسبب في اللغة ما يؤدي إلى الشيء فالمعنى لعلي أبلغ ما يؤدي إلى السموات. وبنحوه قال الزجاج.


قال البقاعي: أي الأمور الموصلة إليها، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه.


وقال الراغب الأصفهاني: وسمي كل ما يتوصل به إلى شيء سببا، قال تعالى: (وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا)، ومعناه: أن الله تعالى آتاه من كل شيء معرفة، وذريعة يتوصل بها، فأتبع واحدا من تلك الأسباب، وعلى ذلك قوله تعالى: لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات، أي: لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء، فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى.


قال الطبري: فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى، طرقا كانت تلك الأسباب منها، أو أبوابا، أو منازل، أو غير ذلك.
انتهى كلامه

قلت: ونظيره في التنزيل قوله تعالى ( من كان يظن أن لن ينصره الله فليمدد بسبب إلى السماء ثم لينظر فليقطع ): ( هي طريقة معروفة في الانتحار بالحبل ).
قال أبو بكر السجستاني، وغيره(بسبب): أي بحبل.
انتهى


قوله ( في تَبَابٍ ): أي بطلان. وكذلك: الخسران. ومنه: ( تبت يدا أبي لهب وتب )، وقوله ( وما زادوهم غير تتبيب ).
قاله ابن قتيبة.


قال أبو بكر السجستاني، والزجاج: خسران.


وزاد الزجاج: يقال: تبت يداه أي خسرتا.


قال الراغب: التب والتباب: الاستمرار في الخسران.


قلت ( عبدالرحيم ): وفي الآية دليل أن الله في السماء؛ وقد سبق بيانه مفصلا. بحمد الله.
_____
المصدر:
غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، تفسير الطبري.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك ( واتساب ) - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

للمتابعة عبر موقع (ملتقى أهل التفسير):

معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

لمتابعة قناتنا على تليجرام:

https://t.me/abdelrehim19401940

للمتابعة عبر الصفحة الرسمية لتفسير غريب القرآن:

https://m.facebook.com/تفسير-غريب-ال...?ref=bookmarks













 
قوله تعالى
( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ): يوسف: (85)

*قوله ( تَفْتَأُ ):* أصله لا تَفْتَأُ. وإنما حذفت "لا" لظهور معناها؛ وإن كانت مضمرة.

ونظيرتها قوله تعالى ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ): والمضمر: وسرابيل تقيكم البرد.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: و " لا " مضمرة.
انتهى كلامه.

ومعنى *" تَفْتَأُ ":* تزال.
قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن ( غير البرهان للزركشي )، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

زاد الحوفي: يقال فتئ يفتأ فتأ وفتوءا. كما قال:
فما فتئت حتى كأن غبارها ... سرادق يوم ذي رياح ترفع.
أي: فما زالت. أي: فما زالت، والمعنى لا يزال.
انتهى كلامه

والحاصل أن معنى قوله تعالى ( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف ): أي لا تزال تذكر يوسف.
قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج، وابن قتيبة في غريب القرآن، وبه قال أبو بكر السجستاني في الغريب، والطبري، والحوفي في البرهان في علوم القرآن، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم.

وحكاه نافع ابن الأزرق في مسائله عن ابن عباس.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: تفتأ تذكر يوسف: أي لا تزال تذكر يوسف. وجواب القسم (لا) المضمرة التي تأويلها تالله لا تفتأ تذكر يوسف. انتهى

وعن ابن عباس: «لا تفتر من حبه».
رواه عنه الطبري.

قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره؛ حتى تسلو؛ من حزنه، كأنهم دَعَوْه إلى السلو من حزنه؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث، فقالوا له: لا تزال تذكر يوسف.

*قوله ( حَرَضًا ):* تشرف على الهلاك.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال قتادة: حتى تكون هرما.
رواه عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: الذي قد أذابه الحزن والعشق.

قال الحوفي: وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل، من الحزن أو من العشق.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والحرض الفاسد في جسمه، أي حتى تكون مدنفا مريضا. والحرض الفاسد في أخلاقه، وقولهم: حرضت فلانا على فلان، تأويله أفسدته عليه.

قال السمعاني في تفسيره: قال ثعلب - أحمد بن يحيى - الحرض: كل شيء لا ينتفع به، قال مجاهد: الحرض ما دون الموت، وقال الفراء: الحرض هو الذي فسد جسمه وعقله، وقال أبو عبيدة: الحرض هو الذي أذابه الحزن. وقيل: هو المدنف البال، والأقوال متقاربة.

*قوله ( مِنَ الْهَالِكِينَ ):* يعني: الموتى.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال الحوفي في البرهان: أي: ممن هلك بالموت.

قال السمعاني، ومقاتل بن سليمان: أي من الميتين.

إلا أن مقاتلا قال: يعنى الميتين.

قلت ( عبدالرحيم ): ومن معاني الهلاك في التنزيل الموت، والذهاب؛ وسيأتي مفصلا بتمامه عند تفسيرنا لسورة يوسف ( إن شاء الله ).

فمن معانيه " الموت" كما في قوله ( إن امرؤ هلك ليس له ولد ): يعني مات. قاله السمرقندي في بحر العلوم، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم جمع.

ومن معانيه " الذهاب " كما في قوله تعالى (هلك عني سلطانيه): قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي زال عني ملكي وقدرتي.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: ذهبت عني حجتي عن أكثر المفسرين.

وسيأتي مزيد بحث ( إن شاء الله ).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..........
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424
 
قوله تعالى
{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: (98)

*قوله {ومن}:* تبعيضية.
أي: ومن بعض الأعراب؛ ليس كل الأعراب.

لأن منهم من قال الله فيهم ( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

*قوله {الأعراب}:* أهل البدو، ويسمون أهل الوبر؛ وهم من يسكن البداية خاصة؛ بخلاف أهل المدر. وقد سبق مفصلا ( بحمد الله ).

*قوله {من يتخذ}:* يعد ويعتقد.
قاله الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ومعنى
يتخذ في هذه الآيات أي يجعل مقصده ولا ينوي فيه غير ذلك.

*قوله {ما ينفق}:* في الجهاد.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

وقال الإيجي الشافعي في جامع البيان: في سبيل الله.
وبه قال السيوطي في الجلالين.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: إذا خرج في الغزو.

وقال النسفي في مدارك التنزيل: أي يتصدق.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: والمعنى: ومن الأعراب من يعد ما ينفق فيما ندبه الله، عز وجل، إليه.

*قوله {مغرما}:* ينفق لأنه ملزمٌ به فحسب؛ لا يرجو ثوابه؛ فلكونه أسلم ظاهرا فعل كما فعل المسلمون؛ فهي خسارة عليهم محضة؛ إذ لا ثواب لهم؛ لأنهم أنفقوا رياء وسمعة.

قال الجرجاني في درج الدرر: غُرمًا، وهو أن يلزم الإنسان من غير أن يعود إليه منه نفع.

قال الإيجي في الجامع: غرامة وخسارة لا يرجون ثوابًا.

قال الزمخشري في الكشاف: غرامة وخسرانا.

قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي غرما، وهو ما يلزمه الإنسان نفسه أو يلزمه غيره وليس بواجب عليه.
وبنحوه قال ابن الهائم في التبيان.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: ما ينفق في الجهاد، يحسبه غرما ولا يحتسبه فيه الأجر.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: لا يحتسبها: كأن نفقته غرم يغرمها.

قال ابن أبي زمنين: يعني المنافقين؛ لأنهم ليست لهم نية.

قال الماتريدي في تأويلات أهل السنة: أي كان لا ينفق حسبةً.

قال الواحدي في البسيط: يعني يتخذ ما ينفق في الجهاد والغزو مغرما.

قال السيوطي في الجلالين: غرامة وخسرانا لأنه لا يرجو ثوابه بل ينفقه خوفا وهم بنو أسد وغطفان.

قال الطبري: ومن الأعراب من يَعُدُّ نفقته التي ينفقها في جهاد مشرك، أو في معونة مسلم، أو في بعض ما ندب الله إليه عباده (مغرما) ، يعني: غُرمًا لزمه، لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع به عن نفسه عقابًا.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي غُرْمًا وخُسرانًا.

إلا أن ابن الجوزي قال: وخسرا.

قال الواحدي في البسيط: المغرم مصدر كالغرم، ومعنى الغرم لزوم نائبة في المال من غير جناية فيثقل ذلك على الإنسان.

وقال ابن فارس: الغرم: ما يلزم أداؤه، والغرام: اللازم، وسمي الغريم لإلحاحه.
حكاه ابن الجوزي في زاد المسير.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ): غَرَامًا: ملازما؛ غير مفارق.

قال الجصاص في أحكام القرآن: يعني ثابتا لازما والغريم الذي قد لزمه الدين ويسمى به أيضا الذي له الدين لأن له اللزوم والمطالبة

ومنه ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ): " مِنْ مَغْرَمٍ ": قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: من التزام غرامة تطلبها منهم.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي غرم والمعنى هل سألتهم أجرا فأثقلهم ذلك.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي تثقل عليهم الزكاة والنفقة في سبيل الله ثقل المغرم الذي ليس بحق عليه.

قال ابراهيم الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: أي غرم، وهو ما يلزم الإنسان نفسه، أو يلزمه غيره، وليس بواجب.

قال السمعاني في تفسيره: المغرم: التزام ما لا يلزم.

ومنه ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ ): وَالْغَارِمِينَ: قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: الذين لزمهم الدين فلا يجدون القضاء.

*قوله {ويتربص}:* ينتظر.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل، والإيجي الشافعي في الجامع، ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، وبه قال البغوي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم جمع. وقد سبق مفصلا معنى التربص؛ في عدة آيات من كتاب الله - بحمد الله - في السورة ذاتها. وراجع إن شئت تفسيرنا لقوله تعالى ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ...).

*قوله {بكم}:* وبنبيكم دون غيركم؛ إذ لا غرض لهم في إخوانهم الكافرين من أهل الكتاب والمشركين.

*قوله {الدوائر}:* أي الموت والقتل.
قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال ابن جزي الغرناطي: مصائب الدنيا.

قال السمرقندي في البحر: يعني: ينتظر بكم الموت، يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم خاصة.

قال ابن أبي زمنين: يعني: أن يهلك محمد والمؤمنون، فيرجع إلى دين مشركي العرب.

قال الواحدي في الوجيز: وينتظر أن ينقلب الأمر عليكم بموت الرسول عليه السلام.

قال مقاتل بن سليمان: يعني يتربص بمحمد الموت يقول يموت فنستريح منه ولا نعطيه أموالنا.

قال ابن الجوزي في التذكرة، وابن قتيبة في غريب القرآن: دوائر الزمان بالمكروه.

زاد ابن قتيبة: ودوائر الزمان: صُرُوفُه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر.

وبنحوه قال النحاس في معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان.

قال السيوطي في الجلالين: دوائر الزمان أن تنقلب عليكم فيتخلص.

قال الطبري: يقول: وينتظرون بكم الدوائر، أن تدور بها الأيام والليالي إلى مكروهٍ ومجيء محبوب، وغلبة عدوٍّ لكم.

قال النسفي: أي دوائر الزمان وتبدل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبدالرحمن بن زيد: قال: هؤلاء المنافقون من الأعراب، الذين إنما ينفقون رياء اتقاء على أن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويروا نفقاتهم مغرما ألا تراه يقول: ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء؟.

قيل: الدوائر: هو انقلاب الأمر، وهو من الدوران.
حكاه الثعلبي في الكشف والبيان.

قال الماوردي في النكت والعيون: جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين: أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان. والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ): دَائِرَةٌ: قال السيوطي في الجلالين: يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا.

قال ابن قتيبة في الغريب: أي: يدور علينا الدهر بمكروه -يعنون الجدب- فلا يبايعوننا. ونمتار فيهم فلا يميروننا.

*قوله {عليهم دائرة السوء}:* كما تقول: "هذا رَجُل السَّوْءِ".
قاله الأخفش في معاني القرآن.

قال ابن جزي: خبر أو دعاء.

قال الإيجي: الأَمر منعكس والسوء دائر عليهم فلا يرون فيكم إلا ما يسوءهم.

قال الماوردي في النكت: ردا لما أضمروا وجزاء لما مكروا.

قال البغوي في تفسيره: يدور البلاء والحزن. ولا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم.

قال السمرقندي في البحر، وابن أبي زمنين: يعني عاقبة السوء.

زاد السمرقندي: والهلاك.

قال مكي في الهداية: أي عليهم يرجع المكروه والسوء.

قال السيوطي في الجلالين: بالضم والفتح أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم.

قال الواحدي في الوجيز: عليهم يدور البلاء والخزي فلا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم.

قال الطبري: يقول: جعل الله دائرة السوء عليهم، ونزول المكروه بهم لا عليكم أيها المؤمنون، ولا بكم.

قال الماتريدي: أي عليهم انقلاب الأمر وعليهم ما تربصوا على المؤمنين.

قال ابن الهائم في التبيان: أي عليهم يدور من الدّهر ما يسوؤهم.

قال الزمخشري: دعاء معترض، دعى عليهم بنحو ما دعوا به، كقوله عز وجل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها، فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه.

قال السيوطي في الجلالين: بالضم والفتح أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم.

*قوله {والله سميع}:* وسع سمعه الأصوات؛ ويجيب الداعي؛ فكم ممن يسمع ولا يجيب.

وفيه إثبات صفة السمع لله؛ على ما يليق به.

قال السيوطي في الجلالين: لأقوال عباده.

قال مقاتل بن سليمان: لمقالتهم.
وبه قال الإيجي.

قال الطبري: لدعاء الداعين.

*قوله {عليم}:* فيه إثبات صفة العلم؛ على ما يليق به سبحانه؛ لا يخفى عليه شيء. الذي من جملته علمه بأعدائه، وأعداء أولياءه. ( وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ).

قال الإيجي: بضمائرهم.

وقال السيوطي: بأفعالهم.

قال السمرقندي في البحر: يعني سميعا لمقالتهم، عليما بهلاكهم.

قال محمد بن إسحاق: سميع عليم أي: سميع ما يقولون، عليم بما يخفون.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424
 
قوله تعالى
( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة: (99)

*قوله {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}:* هذا استثناء من قوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ).

*قوله {ويتخذ}:* يعد، ويعتقد، ويجعله مقصدا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ويتخذ في هذه الآية أيضا هي بمعنى يجعله مقصدا.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان في تفسير القرآن: يعد.

*قوله {ما ينفق}:* في الجهاد والصدقات.

قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال الإيجي الشافعي في الجامع، والسيوطي في تفسير الجلالين: في سبيل الله.

زاد الإيجي: ويتصدق به.

*قوله {قربات}:* يريد يتقرب بذلك من الله.
حكاه الواحدي في البسيط عن ابن عباس.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: يتقرب به إلى الله - عز وجل -.

قال النسفي: أسباباً للقربة.

وبنحوه قال الإيجي، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: وهي جمع قربى وهي ما يقترب به العبد من رضى الله.

قال السمعاني في تفسيره: ومعنى القربات: أنه يطلب القربة إلى الله تعالى.

قال الطبري: و"القربات" جمع "قربة"، وهو ما قربه من رضى الله ومحبته.

*قوله {عند الله}:* وهو مفعول ثان ليتخذ.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: المعنى: ومن الأعراب من يصدق بالله وبالبعث والثواب والعقاب، وينوي بما ينفق من صدقه، والتقرب إليه.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: وهي جمع قربة بالضم وهي ما يتقرب به إلى الله سبحانه، تقول منه قربت لله قرباناً والجمع قرب وقربات والمعنى أنه يجعل ما ينفقه في سبيل الله سبباً لحصول القربات عند الله.

قال الماوردي في النكت والعيون: يحتمل وجهين: أحدهما: أنها تقربة من طاعة الله ورضاه. الثاني: أن ثوابها مذخور (4) لهم عند الله تعالى فصارت قربات عند الله.

*قوله {وصلوات الرسول}:* وأيضا يتخذ ( صلوات الرسول ): أي دعوات الرسول؛ التي من جملتها استغفاره للمؤمنين. وهذا أجود من حصر معنى الصلاة في الاستغفار.

ومنه قوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ): أي ادع لهم. قاله ابن قتيبة في غريب القرآن. انتهى

والصلاة من الله: ثناء على العبد في الملأ الأعلى. وهذا أحسن ما قيل.

قال أبو العالية: " صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء.
رواه عنه البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم

ومن الملائكة كما قال الراغب الأصفهاني: ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار، كما هي من الناس ومن الناس: دعاء.
انتهى كلامه

ورى ابن أبي حاتم في تفسيره: عن قتادة في قوله ( ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ) دعاء الرسول- صلى الله عليه وسلم-.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: طلب دعاء الرسول عليه السلام واستغفاره
.
قال الطبري: يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها (إن صلاتك سكن لهم) ، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم.

قال ابن أبي زمنين: أي ويتخذ صلوات الرسول أيضا قربة إلى الله.

قال الواحدي في الوجيز: يعني دعاءه بالخير والبركة والمعنى: أنه يتقرب بصدقته ودعاء الرسول إلى الله.

قال صديق حسن خان: أي سبباً لدعوات الرسول لهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين.

انتهى كلامه

قلت: وفي صحيح البخاري: (باب صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة ):

عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: «اللهم صل على آل فلان»، فأتاه أبي بصدقته، فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» (1)

وفي الحديث مرفوعا: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم» (2) فقوله ( فليصل ): قال الراغب الأصفهاني: أي ليدع لأهله.

قال النووي في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: قال الجمهور معناه فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى ( وصل عليهم ).
انتهى

والحاصل أن معنى قوله {صلوات الرسول}: دعاؤه.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وصلوات الرسول). وكذلك: (وصل عليهم). معناه دعاء الرسول. انتهى

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي دعاءه لأنه عليه السلام كان يدعوا للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله اللهم صل على آل أبي أوفى.

وقال الطبري: يعني بذلك: ويبتغي بنفقة ما ينفق، مع طلب قربته من الله، دعاء الرسول واستغفاره له.

قال الثعلبي في الكشاف، ومكي في الهداية: يعني دعاءه واستغفاره.

زاد مكي: له.

قال السمعاني في تفسيره: ومعنى الصلوات: أنه يطلب الدعاء من رسول الله.


*قوله {ألا إنها}:* قيل: نفقتهم. وقيل: صلوات الرسول.

وعندي أن ما قاله النسفي أحسن قيلا من غيره؛ حيث قال: " أي النفقة أو صلوات الرسول ".

*قوله {قربة}:* بضم الراء وسكونها .
قال الواحدي في البسيط: القربة: ما يدني من رحمة الله من فعل خير وإسداء عرف.

*قوله {لهم}:* عنده.
قاله السيوطي في الجلالين.

قال الواحدي في الوجيز: أي: نور ومكرمة عند الله.

قال صديق حسن خان: أخبر سبحانه بقبولها خبراً مؤكداً باسمية الجملة وحرفي التنبيه والتحقيق؛ وفي هذا من التطييب لخواطرهم والطمأنينة لقلوبهم ما لا يقادر قدره مع ما يتضمنه من النعي على من يتخذ ما ينفق مغرماً والتوبيخ له بأبلغ وجه.

قال السمرقندي في البحر: يعني نفقاتهم قربة لهم إلى الله تعالى وفضيلة ونجاة لهم.

وقيل: أي ألا إن صلوات الرسول عليه السلام، أي: استغفاره ودعاءه، قربة لهم عند الله عز وجل.
قاله مكي في الهداية.

*قوله {سيدخلهم الله}:* السين للتأكيد.
قاله الإيجي الشافعي.

*قوله {في رحمته}:* قيل: جنته. وقيل: فيمن رحمه.

وعندي أن قول من قال: أي: يدخلهم فيمن رحمه. وإن كانت الجنة من رحمة ولا ريب؛ لكن القول الثاني أعم. يعني يُدِخله في رحمته عامة في الدنيا والآخرة؛ التي من جملتها الجنة.
وهو قول مكي في الهداية.

وقال السمعاني في تفسيره: أي: في جنته.
وبه قال السمرقندي في البحر، والواحدي في البسيط، والسيوطي في الجلاليين، وغيرهم.

قلت ( عبدالرحيم ): ووجه وصف الجنة بالرحمة؛ ما رواه الشيخان مرفوعا، وفيه:" قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ... " (3)

*قوله {إن الله غفور}:* لأهل طاعته.
قاله صديق حسن خان في الفتح، والسيوطي في الجلالين.

قال السمرقندي في البحر، والواحدي في البسيط: لذنوبهم.

*قوله {رحيم}:* بأوليائه وأهل طاعته .
قاله في البسيط.

قال النسفي في المدارك: {إِنَّ الله غَفُورٌ} يستر عيب المخل {رَّحِيمٌ} يقبل جهد المقل.

تنبيه:
روى ابن أبي حاتم في تفسيره: عن عكرمة والحسن في قول الله في براءة: ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ).
قد استثنى فقال ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلى قوله: غفور رحيم.
..................
(1) رواه البخاري (1497) من طريق حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.
(2): رواه مسلم (1431) من طريق هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة.
(3): رواه البخاري (4850)، ومسلم (2846) كلاهما من طريق همام بن منبه يصل به إلى أبي هريرة.
(4): جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: " ذخر يذخر ويذخر، ذخرا وذخرا، فهو ذاخر، والمفعول مذخور . ذخر الشيء: خبأه واحتفظ به لوقت الحاجة إليه".

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424
 
قوله تعالى
(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا(27)رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28)وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا(30)) النازعات

هذه الآيات على وجازتها فقد حوت علما (بل علوما دينية، ودنيوية) كثيرا طيبا مباركا فيه؛ فلا يسمع عاقل إلا أن يقول: إنه من عند الله. لكن ( فويل للذين كفروا من النار ).

*قوله ( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ):* سؤال يراد به التقرير؛ أي أن الحال، والواقع هي أشد منكم.
ونظيرتها قوله تعالى (أَهُمْأَشَدُّخَلْقًاأَمْ مَنْ خَلَقْنَا): يعني خلقنا أشد منهم.

قال ابن كثير في تفسيره: يعني بل السماء أشد خلقا منكم.

قال البغوي في تفسيره: يعني أخلقكم بعد الموت أشد عندكم وفي تقديركم أم السماء ؟ وهما في قدرة الله واحد ، كقوله" لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ".

*قوله ( بَنَاهَا ):* فسره - تبارك وتعالى - بما بعده.

*قوله ( رَفَعَ ):* أعلى.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله ( سَمْكَهَا ):* سقفها.
قاله أبو الليث السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والنسفي في المدارك، والواحدي في الوجيز.

زاد السمرقندي: بغير عمد.

وقال السيوطي في الإتقان في علوم: بناءها.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعنى طولها.

قال ابن كثير في تفسيره: أي جعلها عالية البناء.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: السمك: غلظ السماء وهو الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها.
وبه قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط.

قال الجلال المحلي في تفسير الجلالين: تفسير لكيفية البناء أي جعل سمتها في جهة العلو رفيعا وقيلسمكهاسقفها.

قالصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي أعلاه في الهواء، وهذا بيان للبناء، أو جعل مقدار ذهابها وارتفاعها في سمت العلو رفيعا مسيرة خمسمائة عام، يقال سمكت الشيء أيرفعته في الهواء وسمك الشيء سموكا ارتفع قال الفراء كل شيء حمل شيئا من البناء أو غيره فهو سمك، وبناء مسموك وسنام سامك أي عال والسموكات السموات.

*قوله ( فَسَوَّاها ):* فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور.
قاله النسفي في المدارك.

قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي أتقن خلقتها.

وقال مقاتل بن سليمان: ليس فيها خلل.

قال الجلال المحلي: جعلها مستوية بلا عيب.

قال السمرقندي في البحر: يعني: سوى خلقها
ويقال: خلقها مستوية، بلا صدع ولا شق.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي جعلها مستوية لا شيء منها أرفعمن شيء ولا شيء منها أخفض من شيء.

قال أبو حيان في البحر: فسواها: أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث إنها محكمة الصنعة.

قال صديق حسن خان: جعلها مستوية الخلق معتدلة الشكل لا تفاوت فيها ولا اعوجاج ولا فطور، ولا فروج ولا شقوق.

*قوله ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ):* وَأَغْطَشَ: أي وأظلم.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والغطاش: ظلمة الليل واختلاطه.
ليلاغطش. وقداغطش، واغطشه الله.
وفلاة غطشاء، وغطيش: لا يهتدي فيها لطريق.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى ( وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ): أظلم ليلها.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي بن حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، والسمعاني في تفسيره، وأبو حيان في البحر المحيط.

زاد مكي: أي ليل السماء. فأضاف الليل إلى السماء، لأنه [يأتي بغروب] الشمس ويذهب بطلوعها، والشمس في السماء. كما قيل: نجوم الليل. فأضاف النجوم إلى الليل إذ كان فيه طلوعها وغروبها.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها.
وقال الراغب في المفردات في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي جعله مظلماً.

زاد ابن جزي: يقال: غطش الليل إذا أظلم.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه.

*قوله ( وَأَخْرَجَ ):* وحده من يقدر على ذلك؛ إذ لوشاء ظل ليلا بهيما إلى قيام الساعة؛ مصداقا لقوله ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ).

فما كان من أكثر الخلق إلا الكفر، والإعراض، والتكذيب. ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ).
ومعنى" أخرج ":أبرز. قاله البغوي وغيره.

وأصل الإِخراج النقل من مكان حاوٍ واستعير للإِظهار استعارة شائعة.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

*قوله ( ضُحاها):* ضوءها بالنهار.
قاله معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

قالابن كثير في تفسيره: أي أنار نهارها .

وقال جار الله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في المدارك، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: أبرز ضوء شمسها.

زاد الزمخشري: يدل عليه قوله تعالى {والشمس وضحاها} يريد وضوئها.

قالالزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والواحدي في الوجيز: أظهر نورها بالشمس.

وقال ابن أبي زمنين: شمسها ونورها.

قال مقاتل بن سليمان: يعني وأبرز. يقول: وأخرج شمسها.

قال السمعاني: أي أبرز نهارها.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أضاف الليل والنهار إلى السماء، لأنهما يحدثان بحركتها.

قال أبو السعود في تفسيره: أي أبرز نهارها عبر عنه بالضحى لأنه أشرف أوقاته وأطيبها فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان وهو السر في تأخير ذكره عن ذكر الليل وفي التعبير عن إحداثه بالاخراج فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم في الإنعام.

قالابن كثير: أيجعل ليلها مظلما أسود حالكا ، ونهارها مضيئا مشرقا نيرا واضحا.


*قوله ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ):* أي المذكور كله.
قاله البقاعي في النظم.

قال في البحر المحيط، وصديق خان في فتح البيان: بعد خلق السماء.

زاد أبو حيان: وما فعل فيها.

*قوله ( دَحاها ):* الدحو: البسط. ويقال للفرس إذا رمى بيديه رميا، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيرا: مر يدحو دحوا.

والدحو نظير الطحو، أو شبهه؛ وهو البسط أيضا.
ومنه قوله تعالى مقسما بها، وبذاته - جل شأنه - ( وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ):أي بسطها.
قاله القصاب في النكت، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم جمع.

زاد ابن قتيبة: يقال: حي طاح؛ أي كثير متسع.

وزاد أبو بكر السجستاني: طحاها: فوسعها.

زاد ابن الهائم: ووسعها.

زاد الألوسي: من كل جانب ووطأها كدحاها.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: ومن بناها بسطها يمينا وشمالا ومن كل جانب.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الطحو:الدحو، وهو البسط.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الطاء والحاء والحرف المعتل أصل صحيح يدل على البسط والمد. من ذلكالطحووهو كالدحو، وهو البسط.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: طحو: الطحو: شبهالدحو، وهو البسط [وفيه لغتان: طحا يطحو وطحى يطحى].

قال ابن فارس في مجمل اللغة:ويقال للفرس إذا رمى بيديه رميا، لا يرفع شنبكه عن الأرض كثيرا: مر يدحو دحوا.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الطحو: كالدحو، وهو بسط الشيء والذهاب به.

فالحاصل: أن معنى قوله تعالى ( دَحاها ): بسطها.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل، وأبو حيان في البحر، والبقاعي في نظم الدرر.

زاد ابن أبي زمنين: بعد خلق السماء.

وزاد النسفي: وكانت مخلوقة غير مدحوة...

وزاد السمعاني: قال أمية بن أبي الصلت:
(وبث الخلق فيها إذ دحاها...فهم قطانها حتى التنادي).

زاد البقاعي: ومدها للسكنى وبقية المنافع بعد أن كان خلقها وأوجدها قبل إيجاد السماء غير مسواة بالفعل ولا مدحوة.

قال مكي في الهداية: والدحو في كلام العرب. البسط والمد.

قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) متوجه على أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك.

قال صديق حسن خان: بسطها يقال دحا يدحو دحوا ودحى يدحي دحيا أي بسط ومد فهو من ذوات الواو والياء فيكتب بالألف والياء ويقال لعش المنعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض.

انتهى؛ وسيأتي مزيد بحث عند تفسيرنا لهذه السورة (إن شاء الله).
.........
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424
لمتابعة قناتنا على تليجرام: @abdelrehim19401940
 
قوله تعالى
﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها (9) وَقَد خابَ مَن دَسّاها (10)﴾: الشمس.

*قوله ( قَد ):* للتحقيق.
أي: تحقق، وحصل، وقضي الأمر به. وهذا بعد أن أقسم الله أحد عشر قسما في الآيات التي سبقت. ونظير ذلك في التنزيل كثير جدا؛

من ذلك قوله تعالى ( قدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ): قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: و (قد) للتحقيق، والتسلل: الخروج من البين في خفية. يقال: تسلل فلان من بين أصحابه، إذا خرج من بينهم.

وقوله ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ): يعني نرى.
قال الخطيب الشربيني في السراج المنير، وابن كثير في تفسيره، وغيرهما: قَدْ: للتحقيق.

وقوله ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ ): يعني نعلم.
قال الجلال المحلي في الجلالين: وَلَقَدْ: للتحقيق.

وقوله ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ): يعني يعلم ما أنتم عليه.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: ولفظة قد في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: قد يعلم ما أنتم عليه للتحقيق.

وقوله ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ): يعني نعلم.
قال السيوطي في الجلالين، وغيره: للتحقيق.

وقوله ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ): ولقد للتحقيق. يضيق صدرك أي ينقبض حسرة وحزنا.
قاله الزحيلي في التفسير المنير.

*قوله ( أَفلَحَ ):* فاز، وظفر.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي ظفر من طهّر نفسه بالعمل الصالح.

قال القرطبي في تفسيره: فاز.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والخطيب الشربيني في السراج المنير: أي ظفر بجميع المرادات.

زاد الخطيب: والأصل: لقد وإنما حذفت لطول الكلام.

قال أبوالسعود في تفسيره: أي فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنماها وأعلاها بالتقوى.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي قد فاز من زكى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكل محبوب.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى على لسان فرعون ( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) أي: فاز من غلب.
قاله جار الله الزمخشري في الكشاف، والبغوي في تفسيره، والثعلبي في الكشف والبيان، والفخر الرازي في التفسير الكبير، والخازن في اللباب.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: قد فاز ونجا اليوم من استعلى أي: من علا بالغلبة.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير، وأبو السعود في تفسيره: أي فاز بالمطلوب من غلب.
إلا أن أبا السعود: قال أي قد ...

ومنه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ): قال ابن عباس: قد فاز المؤمنون وسعدوا يوم القيامة.
حكاه نافع ابن الأزرق في مسائله لابن عباس.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي فاز وظفر الآن بكل ما يريد، ونال البقاء الدائم في الخير.

قال النسفي في مدارك التنزيل: الفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: فازوا بما طلبوا ونجوا عما هربوا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أي سعد وفاز ونجا المصدقون بإيمانهم.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: ظفروا بالمراد وفازوا بأمانيهم.
قال البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل: قد فازوا بأمانيهم وقد تثبت المتوقع.

قال ابن كثير في تفسيره: أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف.

قال أبو السعود في تفسيره: فالمعنى قد فازوا بكل خير ونجوا من كل ضير حسبما كان ذلك متوقعا من حالهم.

ومنه ( أولئك هم المفلحون ): قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي الظافرون بما طلبوا، الباقون في الجنة.

*قوله ( مَن زَكّاها ):* أي من زكى نفسه بعمل [البر] ، واصطناع المعروف.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: يريد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف.
وأصل التزكية: الزيادة، ومنه يقال: زكا الزرع يزكوا: إذا كثر ريعه، وزكت النفقة: إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرجل عن ماله، لأنها تثمر ماله وتنميه. وتزكية القاضي للشاهد منه، لأنه يرفعه بالتعديل والذكر الجميل.

*قوله ( وَقَد خابَ ):* خسر.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: خسر من أغفلها وأغواها، وخذلها وأضلها.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: وقد خسر النجاء والفوز من دسى نفسه بالعمل الخبيث والكفر، فوضع منها وأوردها غضب الله.
قال الشوكاني في فتح القدير: أي خسر من أضلها وأغواها.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ): وَخَابَ: أي خسر.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في البحر، والجلال المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وغيرهم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يقول: خسر عند الدعاء كل متكبر عن الإيمان، معرض عن التوحيد.

ومنه ( قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ): خَابَ: يعني: خسر.

قاله السمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، و الإيجي الشافعي في جامع البيان، والسمرقندي في البحر، و الواحدي في الوجيز، مقاتل بن سليمان في تفسيره، وغيرهم.

زاد السمعاني، والقرطبي، والشوكاني: وهلك.

وزاد الواحدي: من ادعى مع الله إلها آخر.

زاد السمرقندي: يعني: اختلق على الله كذبا.

ومنه ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ): وَقَدْ خَابَ: وقد خسر.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والقرطبي في تفسيره، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في البحر، ومكي في الهداية، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين.

زاد البقاعي: خسارة ظاهرة.

زاد مقاتل: من حمل شركا يوم القيامة على ظهره.

زاد الواحدي: من أشرك بالله.

وزاد السمرقندي: من حمل ظلما، يعني: شركا.

زاد مكي: من حمل يوم القيامة شركا بالله.

*قوله ( دَسّاها ):* أخفاها.
قاله القصاب في النكت، وابن عطية في المحرر الوجيز، وأبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة.

زاد الماتريدي: وأخملها.

قال الزمخشري في الكشاف: والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور. وأصل دسى: دسس، كما قيل في تقضض: تقضى.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي دس نفسه- أي أخفاها- بالفجور والمعصية.

قال الواحدي في الوجيز: ومعنى دساها: أخفى محلها ووضع منها وأحملها وخذلها.

قال الجلال المحلي: أخفاها بالمعصية.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: والأصل دسسها بمعنى أحملها وأخفاها عن حظها الوافر.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( وَقَد خابَ مَن دَسّاها ): أي خسرت نفس من أخفاها؛ أي: أثقلها بالذنوب والمعاصي. لأن الدس: الإخفاء؛ فهذا دسها ولم يظهرها بشرف الإيمان والطاعة. لذا تجد العاصي ذليلا مهينا خفيا.

وقال أيضا - ابن قتيبة - في تأويل مشكل القرآن: أي نقصها وأخفاها؛ بترك عمل البر، وبركوب المعاصي. والفاجر أبدا خفي المكان، زمر المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس.
وقال الشوكاني في فتح القدير: فمعنى دساها في الآية: أخفاها وأهملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح، وكانت أجواد العرب تنزل الأمكنة المرتفعة ليشتهر مكانها فيقصدها الضيوف، وكانت لئام العرب تنزل الهضاب والأمكنة المنخفضة ليخفى مكانها عن الوافدين.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله ( دساها ): أي أخفاها.
ومنه قوله تعالى ( يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ): يَدُسُّهُ: يخفيه.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، والثعلبي في الكشف والبيان، والواحدي في كتابيه ( البسيط، والوجيز )، والبغوي في تفسيره، والبيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وأبو السعود في تفسيره.

وزاد الثعلبي: في التراب فيقتله.

وزاد الواحدي في البسيط: والدس: إخفاء الشيء.

وزاد البغوي، والبيضاوي: فيه فيئده.

وزاد صديق خان: فيه بالوأد كما كانت تفعله العرب، والدس إخفاء الشيء في الشيء فلا يزال الذي بشر بحدوث الأنثى متردداً بين هذين الأمرين.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...........

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
.....
 
( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) ) الإنسان
قوله «نحن خلقناهم»: في بطون أمهاتهم وهم نطفة.
قاله مقاتل.
قال الطبري. نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه.
قوله «وشددنا»:قوينا.
قاله السيوطي، وبه قال الفيومي في المصباح المنير، والسمرقندي.
وقيل: أحكمنا.
قاله الكفوي في الكليات، والخضيري في السراج،وبه قال الطاهر بن عاشور.
قال الكفوي: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب.
قال الطاهر بن عاشور: والشدّ: الإِحكام وإتقان ارتباط أجزاء الجسد بعضها ببعض بواسطة العظام والأعصاب والعروق إذ بذلك يستقلّ الجسم .
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أسر الله الإنسان: أحكم خلقه.
قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( شددنا خلقهم ): يصح أن يكون معناه: قوينا،
ومنه قوله تعالى عن داوود (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) قال الزجاج، والسمعاني: قوينا ملكه.
وبه قال الإيجي الشافعي، والألوسي، والسمرقندي، والثعلبي، و السمين الحلبي، و الواحدي( وسيط ) .
وكذلك يصح أن يكون معناه: أحكمنا،
ومنه قوله ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) قال أبو بكر الجزائري: أي احكموا ربط الأسرى؛ بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم؛ حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم.
وإذا تأملت كلام اللغويين، والمفسرين ستجد أن كلا المعنيين صحيحين؛ "القوة الإحكام"؛
مصداقا لقوله (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )،
وسيظر لك بجلاء عند قوله تعالى ( أسرهم ).
فقد قال البَندنيجي في تقفية اللغة: والأسر: إحكام القوة، قال الله جل وعز: ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ).
قوله «أسرهم»: خلقهم.
قاله أبو بكر الأنباري، الجوهري، وابن قتيبة، والزجاج، والواحدي، والطبري، وبيان الحق النيسابوري، ونجم الدين النيسابوري، وابن أبي زمنين، وسَلَمة بن مُسْلِم في الإبانة في اللغة.
ورواه عبدالرزاق عن قتادة.
وبه قال السمرقندي، وابن فارس، وابن منظور، وزين الدين الرازي، والزبيدي في التاج، ومكي ( في الهداية، وفي المشكل ).
وحكاه في الهداية عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
وقيل: مفاصلهم، وأعضاءهم؛ لكي لا ينقطع المفاصل وقت تحريكها.
وقيل: قبلهم ودبرهم، لكي لا يسيل البول والغائط، إلا عند الحاجة.
حكاه السمرقندي.
قال ابن قتيبة: يقال: امرأةٌ حسنةُ الأسْرِ؛ أي حسنة الخَلْق: كأنها أُسِرت، أي شُدَّتْ.
قال الفراء: والأسر الخلق. تقول: لقد أُسِر هذا الرجل أحسن الأسر، كقولك: خُلِقَ أحسن الخلق.
قال الطبري: من قولهم: قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره، بمعنى: قد خلِقَ فأُحسِن خَلْقه.
قال ابن فارس في مجمل اللغة: فأما الأسر في قوله جل ثناؤه: ( وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ): فهو الخلق.
قال الطاهر بن عاشور: والأسر: الربط، وأطلق هنا على الإِحكام والإِتقان على وجه الاستعارة .
والمعنى: أحْكمنا ربط أجزاء أجسامهم فكانت مشدودا بعضها إلى بعض.
وقال ابن الأعرابي: مَصَرَّتَيِ البول والغائط إِذا خرج الأذى تَقَبَّضَتا، أو معناه أنهما لا تَسْتَرْخِيَان قبل الإرادة.
حكاه ابن فارس في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان.
قال السمعاني: وعن مجاهد: أن الأسر هو الشرج، وذلك مَصَر الإنسان ( تسترخيان ) عند الغائط ليسهل خروج الأذى، فإذا خرج انقبضا.
و قال أبو هريرة، وغيره: هي المفاصل.
رواه عنه عبد الله بن وهب في الجامع.
وحكاه الماوردي في النكت، ومكي في الهداية، وبه قال الفيروزآبادي في القاموس.
قال السيوطي: أعضاءهم ومفاصلهم.
قال الواحدي:
وقال الحسن: في هذه الآية يعني: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.وهو معنى قول من قال: هي المفاصل.
قال السمرقندي: يعني: قوينا خلقهم ليطيعوني، فلم يطيعوني.
قال مقاتل: حين صاروا شبانا يعني أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: الأسر: الخلق، ويطلق على الأعضاء والمفاصل.
قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والأسر شدة الخلق ورجل مأسور شديد عقد المفاصل والأوصال وفي التنزيل ( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ).
قلت ( عبدالرحيم ): ولقائل أن يقول: لا منافاة بين هذه الأقوال، وأنها من اختلاف التنوع؛ فقوله تعالى ( وشددنا أسرهم ): أي قوينا، وأحكمنا خلقهم؛ فيشمل المفاصل، وغيرها؛ مما سبق ذكره.
قال خالد السبت ( في تهذيبه لتفسير ابن كثير ): ويدخل فيه كثير من المعاني التي ذكرها السلف، شدهم بالإسار، يقال للأسير ذلك؛ لأنه يربط بالإسار، جلد البعير الطري الرطب، يربط به فإذا يبس فإنه لا يمكن أن يفك إلا بالقطع، يكون قوياً جداً، فالمقصود أن الله شد أسرهم، أي أحكم خلقهم بربط أجزائهم وأبعاضهم ومفاصلهم، أحكم خلقها وأتقنه، فشد هذا الخلق، فصار في غاية الإحكام.
انتهى كلامه
وقال مقاتل ( وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ) حين صاروا شبانا يعني أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن.
قال الراغب الأصفهاني: إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ).
قلت ( عبدالرحيم ): وليس هذا فحسب؛ ففيها إشارة إلى توحيده، وافراده بالعبودية؛ فالذي أحكم، وسوّى في صورة ما شاء ركبها؛ تجب عبادته؛ فهذا دعوة إلى توحيده؛ وهذه غاية الخلق ( وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )، فالله عاب على المشركين؛ خلقهم فعبدوا غيره ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله )، فإذا تحدث القرآن عن أفعاله تعالى التي تقتضيها الربوبية، كان هذا إلزام بالألوهية؛ كما جاء صريحا في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُاعْبُدُوا رَبَّكُمُالَّذِي خَلَقَكُمْ)،
لذا قال الله في نهاية الآيات_ التي نحن بصددها_ ( والظالمين أعدا لهم عذابا اليما ): والظالمين: يعني المشركين. كما قال البغوي، وغيره،
ولكن كما قال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) يشهدون أنه الخالق؛ ومع ذلك يعبدون غيره، وكان حقا عليهم افراده بالعبودية.
انتهى
قوله «وإذا شئنا بدلنا»:جعلنا.
قاله السيوطي.
قال مكي في الهداية: أي: وإذا شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم في الخلق، مخالفين لهم في العمل. هذا معنى قول ابن زيد
قوله «أمثالهم»: في الخلقة بدلا منهم بأن نهلكهم.
قاله السيوطي.
قال ابن أبي زمنين: أي أهلكناهم بالعذاب، وبدلنا أمثالهم: خيرا منهم.
وقال مقاتل: ذلك السواد والنور بالبياض والضعف
قوله «تبديلا»: تأكيد.
ووقعت "إذا" موقع "إن" نحو ( إن يشأ يذهبكم ) لأنه تعالى لم يشأ ذلك وإذا لمّا يقع.
قاله السيوطي.
قال الواحدي: أي إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم، وهذا كقوله ( على أن نبدل أمثالكم ).
قال السمرقندي: إذا أردنا بدلنا أمثالهم تبديلا يعني: أي نخلق خلقا أمثل منهم، وأطوع لله.
قاله السمرقندي.
وقال مقاتل: من السواد حتى لا يبقى شيء منه إلا البياض.
قوله «إن هذه»: السورة.
قاله البغوي، والسيوطي، وبه قال الفراء، ومكي في الهداية.
قلت ( عبدالرحيم ) : ونظيرتها قوله تعالى من سورة هود ( وَجَاءَكَفِيهَذِهِ الْحَق ُّو َمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ): قال الفراء، وابن قتيبة: أي فيهذهالسورة.
واختاره الطبري، وصوبه.
وقال مقاتل: إن هذا السواد والحسن والقبح.
قوله «تذكرة»: عظة.
قاله الفراء، والسيوطي.
وزاد السيوطي: للخلق.
قال مقاتل: يعني عبرة.
قوله «فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا»: وسيلة بالطاعة.
قاله البغوي.
قال السيوطي: طريقا بالطاعة.
قال الرازي: واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه.
قال مقاتل: يعني فمن شاء اتخذ في هذه التذكرة فيعتبر فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقا إلى الجنة.
قال مكي في الهداية: هذا تهديد ووعيد. أي: من شاء عمل عملاً صالحاً يوصله إلى رحمة ربه. ومن شاء فليترك ذلك، فسيرى عقابه في الآخرة.
قلت ( عبدالرحيم ): نظيره قوله تعالى ( اعملوا ما شئتم ): قال غلام ثعلب: إنما هو تهديد، ووعيد.
قال الزجاج: ومعناه الوعد، والتهديد.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لم يأمرهم بعمل الكفر إنما هو توعد.
قوله «وما تشاءون»: بالتاء والياء؛ اتخاذ السبيل بالطاعة.
قاله السيوطي.
قال البغوي: قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو: "يشاءون" بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء.
قال مقاتل: ثم رد المشيئة إليه فقال: وَما تَشاؤُنَ أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا.
قوله «إلا أن يشاء الله»: ذلك.
قاله السيوطي.
قال مقاتل: فهَوَّنَ عليكم عمل الجنة.
قال البغوي: أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عز وجل، لأن الأمر إليه.
قال مكي: أي: وما تشاءون اتخاذ الطريق إلى رضا الله ورحمته إلا بأن يشاء الله ذلك لكم لأن الأمر إليه لا إليكم.
قلت ( عبدالرحيم ): هذه الآيات تتعلق بمسألة عقدية هامة، حارت فيها أفهام، وزلت فيها أقدام؛ مع يسرها ووضوحها في الكتاب والسنة؛ فيجب على العبد أن يدين ربه فيها باعتقاد سليم، ولا يكون ذلك إلا بالتمسك بالسنة، وأثر السلف.
ولن أستطرد فيما يذكره بما أرباب العقائد؛ إنما أشيرة إشارة يسيرة منبها؛ عسى الله ان ينفع بها،
فقوله تعالى ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ): نظيرتها قوله ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ): وفي الآيتين رد على القدرية، والجبرية؛ فقوله ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ ): تثبت مشيئة للعبد، ففيها رد على الجبرية. الذين يقولون "أن الله جبرهم على المعصية"! تعالى ربنا ومعبودنا عما يقولون علوا كبيرا، إنه يتضمن اتهام الله_ سبحانه _ لا يخفى قبحه.
وقوله ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ): رد على القدرية، مجوس هذه الأمة، أشباه اليهود؛ فقد زعم اليهود ( في التلمود على ما يحضرني ): أن الله لا يعلم بما سيقع لاحقا، والقدرية يضاهئون قولهم الذين كذبوا على الله بقولهم " إن الأمر أنف" يعني: مستأنف، بمعنى أن الله الأشياء! حتى تقع._ سبحانه_ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا‘
فجاء ختام الآيات بما يناسب المقام؛ بصفتين جليلتين؛ "العلم، والحكمة"
فالله عليم؛ وسع كل شيء علما: يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؛ وهنا رد على القدرية،
وهذا أصل عظيم في الإيمان بالقضاء والقدر،
قال مقاتل_ بصدد تفسير هذه السورة _: ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه فقال: ( يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ): يعني في جنته.
وهو الحكيم؛ له الكمال، والتمام في حكمته؛ بنيت أفعاله على العدل والفضل.
فلما خلق الله آدم؛ قالت الملائكة ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )، قال الله ( فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ): أخبرهم آدم بتسمياتهم فسمَّى كلَّ شيءٍ باسمه وألحق كلَّ شيءٍ بجنسه. كما ذكر أرباب التفسير،
فكأن الله قال لهم: هذا خلق أضعف منكم، وعنده من العلم ما ليس عندكم، وأنا الذي علمته؛ فكيف بي؟
قال الواحدي في الوجيز: وهذا استفهامٌ يتضمَّن التَّوبيخ لهم على قولهم: ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيه ).
فنعوذ بالله من موجبات سخطه، ونسأله موجبات رحمته.
انتهى
قوله «إن الله كان عليما»: بخلقه.
قاله السيوطي.
قال مقاتل: يعني بأهل الجنة.
قال مكي: أي عليماً بمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً.
قوله «حكيما»: في فعله.
قاله السيوطي.
قال مقاتل: إذ حكم على أهل الشقاء النار.
قال مكي: حكيماً في تدبيره، لا يقدر أحد أن يخرج عن مراده ومشيئته.
قوله «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ»: يعني في جنته.
قاله مقاتل.
قوله «وَالظَّالِمِينَ»: يعني المشركين.
قاله مقاتل، والبغوي.
قلت ( عبدالرحيم ): والشرك، والكفر أعظم الظلم؛ ومنه قوله ( إن الشرك لظلم عظيم ).
وقوله على لسان ذي القرنين: ( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ): قال ابن كثير: أي من استمر على كفره وشركه بربه.
قال البغوي: أي كفر.
قال القرطبي: أقام على الكفر.
وقال الطبري: أما من كفر فسوف نقتله.
قوله « أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً»: يعنى: وجيعا.
قاله مقاتل.
______
المصدر:
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للزجاج، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري، تفسير مقاتل، تفسير الطبري، تفسير الجلالين، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، تفسير السمعاني، الوسيط للواحدي، تفسير ابن كثير، أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، تفسير عبدالرزاق، تفسير السمرقندي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، الجامع لابن وهب، النكت والعيون للماوردي، تفسير القرطبي، تفسير ابن أبي زمنين، تفسير البغوي، التفسير الكبير للرازي، المصباح المنير للفيومي، الكليات للكفوي، الصحاح للجوهري، مختار الصحاح لزين الدين الرازي، مجمل اللغة لابن فارس، لسان العرب لابن منظور، تاج العروس للزبيدي، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، التقفية في اللغة لأبي بشر
البَندنيجي، الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر الأنباري، القاموس المحيط للفيروزآبادي.
...
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
قوله تعالى.
( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: (100)

*قوله {والسابقون الأولون}:*
قيل: الذين صلوا إلى القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي موسى، ورواه عبدالرزاق في تفسيره عن سعيد ابن المسيب، وحكاه مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية عن الحسن، وابن سيرين. وبه قال السمرقندي في بحر العلوم الا أنه زاد " وشهدوا بدرا".

قال أبو السعود في تفسيره: بيان لفضائل أشراف المسلمين إثر بيان فضيلة طائفةمنهم والمراد بهم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو الذين أسلموا قبل الهجرة.

وقال الشافعي: من أدرك بيعة الرضوان. (وهي الحديبية) .
حكاه مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

وقيل: يعني الذين شهدوا بدرا.
قاله الواحدي في الوجيز، وغيره.

قال الشوكاني في فتح القدير: ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها. انتهي

- وسيأتي مزيد بحث -.

قال الطبري: يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }: وَالسَّابِقُونَ": إلى الإيمان من كل أمة.
قاله ابن الجوزي في التذكرة.

*قوله {من المهاجرين}:* الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم.
قاله الطبري.

*قوله {والأنصار}:* أي الذين آووا ونصروا.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

قال الطبري: والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: هم الذين آمنوا قبل قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ): قد قال أرباب التفسير في ذلك أقوايل كثيرة، وقد تبين لي ( وأسأله أن يكون صوابا) ما يلي:
أولا: الآية في المرضي عنهم جميعا؛ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد شملت جميعهم من سبق ومن لا، وأن معنى قوله ( واتبعوهم ) ليس بمعناه الاصطلاحي: الذي لقي الصحابي. وقد نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم. وإن كان يجب على كل مسلم أن يتبعهم بإحسان؛ لكن نحن بصدد مَن المعني.

ثانيا: أن الذين عناهم بالسبق في هذا المقام: هم الذين اسلموا وهاجروا إلى أن انقطعت الهجرة، ولا يدخل فيهم من أسلم بعد الهجرة.

وكذا الأنصار وهم الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى، والثانية، والثالثة. فمن نصر الرسول بعد هذه البيعات لا يدخل فيهم؛ من ناحية السبق؛ وإنما يكون من التابعين لهم؛ يشمله قوله ( واتبعوهم )، وكذا القول في المهاجرين.
ولا ريب أن من جاء بعد الصحابة - رضي الله عنهم - واتبعهم بإحسان فإنه يدخل فيها من جهة قوله ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ).

وإن كان الصحابة جميعا مرضي عنهم، ووعدهم من اختارهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وهم في الحرمة سواء؛ لكن عقيدة أهل السنة والجماعة: تفضيل من أنفق، وقاتل قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - على من فعل بعده.
قال تعالى ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ): فقوله "وكلا وعد الله الحسنى" دليل بيّن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا في الجنة؛ وإن كانوا يتفاوتون في الفضل والسبق.

ولقد سجدت لله شكرا لما أبصرت كلام ابن أبي العز؛ أن وافقت شيئا من كلامه؛ حيث قال رحمه الله في تفسيره:
"والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار " الذين أنفقوامنقبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهممنهم، وكانوا أكثرمنألف وأربعمائة.
وقيل: إن السابقين الأولينمنصلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة؛ لأن النسخ ليسمنفعلهم، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة.
انتهى كلامه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ويفضلون - يعني أهل السنة والجماعة - من أنفق من قبل الفتح وهو صلحالحديبيةوقاتلعلى من أنفق من بعد وقاتل ، ويقدمونالمهاجرينعلىالأنصار.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ولو قال قائل: إن السابقين الأولين هم جميعمنهاجر إلى أن انقضت الهجرة، لكان قولا يقتضيه اللفظ، وتكونمنلبيان الجنس.

قال الفخر الرازي في الكبير: والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة، وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون فيما ذا فبقي اللفظ مجملا إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المرادمنه السابقونالأولون في الهجرة والنصرة إزالة للإجمال عن اللفظ، وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمةمنحيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمنأقدم عليه أولا صار قدوة لغيرهمنهذه الطاعة، وكان ذلك مقويا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة، فازوا بمنصب عظيم، فلهذه الوجوه يجب أن يكون المراد والسابقونالأولونفي الهجرة...

- وراجع تتمة كلامه إن شئت ففيه فوائد - .

*قوله {والذين اتبعوهم}:* أي من اتبعهم إلى يوم القيامة.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: على دينهم الإسلام.

قال أبو حيان في البحر المحيط: هم سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ التابعون، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان.

قال الطبري: يقول والذين سلكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلب رضي الله.

*قوله {بإحسان}:* قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي من اتبعهم إلى يوم القيامة.


قال السيوطي في الجلالين: في العمل.

قال في الوجيز: يعني: ومن اتبعهم على مناهجهم إلى يوم القيامة ممن يحسن القول فيهم.

قال الجصاص في أحكام القرآن: فيه الدلالة على تفضيل السابق إلى الخير على التالي؛ لأنه داع إليه يسبقه والتالي تابع له فهو إمام له وله مثل أجره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، وكذلك السابق إلى الشر أسوأ حالا من التابع له; لأنه في معنى من سنه، وقال الله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} يعني أثقال من اقتدى بهم في الشر.

قلت ( عبدالرحيم ): ينبغي تعميم القول في قوله " بإحسان " دون تقييده بأي نوع من الإحسان؛ فلفظ الإحسان وكا ما تعتريه الكلمة من معان فهم داخلون فيه، وأولى الناس به؛ فاتباع الصحابة بإحسان - رضي الله عنهم -؛ أوسع وأشمل بكثير مما وقفت عليه؛ فالتزام هديهم، في جهادهم، وهجرتهم، ومحبتهم، وعدم التعرض لهم إلا بالجميل الحسن، وبغض من أبغضهم، وحب من أحبهم، ونشر شمائلهم في الخليقة، إلى غير ذلك من هذه المعاني التي هم لها أهل - رضي الله عنهم أجمعين -؛ داخل في لفظ الإحسان. وما الأسف لم أطلع على ما يشفي الصدر في تأويل هذه اللفظة مع جلاء معناه الغزير؛ كأنه سيل جرار متدفق في حدائق الأزهار.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره: عن ابن عباس، قال: أتاه رجل فذكر بعض أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم كأنه يتنقص بعضهم، فقال ابن عباس والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أما أنت فلم تتبعهم بإحسان.

قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: ثم أخبر عن جملتهم أن اللَّه راضٍ عنهم دل - واللَّه أعلم - أن التقليد لهم لازم، والاقتداء بهم واجب، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به، ولا يسع تركه، واللَّه أعلم بذلك.

*قوله {رضي الله عنهم}:* بطاعته.
قاله السيوطي، وهو قول سليمان بن مقاتل.

إلا أن مقاتلا قال: بالطاعة.

قال النسفي في المدارك: بأعمالهم الحسنة.

*قوله {ورضوا عنه}:* بثوابه.
قاله السيوطي في الجلالين.

قال الزجاج في معانيه: تأويله: - والله أعلم - أن الله رضي أفعالهم، وأنهم رضوا ما جازاهم الله به.
وبه قال النحاس في معاني القرآن.

قال الفخر الرازي في الكبير: ومعناه: رضي الله عنهم لأعمالهم وكثرة طاعاتهم، ورضوا عنه لما أفاض عليهممننعمه الجليلة في الدين والدنيا.

قال الطبري: معنى الكلام: رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه وأجابوا نبيه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه، ورضي عنه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.

والذين اتبعوهم بإحسان لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه وإيمانهم به وبنبيه عليه الصلاة والسلام.

قال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: دل أنهم كانوا على حق وصواب من الأمر، وأن من وصفهم بالظلم والتعدي هو الظالم. والمتعدي: واضع الشيء غير موضعه.
وفيه دلالة جواز تقليد الصحابة والاتباع لهم، والاقتداء بهم؛ لأنه مدح - عز وجل - بقوله: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، ثم أخبر عن جملتهم أن اللَّه راضٍ عنهم دل - واللَّه أعلم - أن التقليد لهم لازم، والاقتداء بهم واجب، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به، ولا يسع تركه، واللَّه أعلم بذلك.
انتهى

*قوله {وأعد لهم}:* في الآخرة.
قاله أبو السعود في تفسيره.

*قوله {جنات تجري تحتها الأنهار}:* أي تحت أشجارها.
قاله الإيجي.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: عني بساتين تجري تحتها الأنهار.

قال الطبري: وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار يدخلونها خالدين فيها لابثين فيها أبدا لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.

قلت ( عبدالرحيم ): والجنة في اللغة بمعنى: " البستان " ومنه قوله تعالى ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ): جَنَّتَكَ: أي بستانك.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن:والجنة: كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.

ثم قال: وسميت الجنة إما تشبيها بالجنة في الأرض- وإن كان بينهما بون-، وإما لستره نعمها عنا المشار إليها بقوله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين.

*قوله {خالدين فيها أبدا}:* لا يموتون.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

*قوله {ذلك}:* رضا ربهم عنهم، وجزاؤه لهم.
قاله السيوطي في الجلالين.

*قوله {الفوز العظيم}:*يعني: ذلك الثواب، الفوز العظيم.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير.
........... .

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940
 
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} : النحل: (48)

*قوله ( يَتَفَيَّأُ):* يرجع.
قاله ابن عرفة الورغمي في تفسيره، والعز بن عبدالسلام في تفسيره، والطبري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وأبو السعود في تفسيره، والفراء في المعاني، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبيضاء في أنوار التنزيل، والقاسمي في محاسن التأويل، وغيرهم كثير.

إلا أن الفراء قال: الظل يرجع على كل شيء من جوانبه، فذلك تفيؤه.
انتهى كلامه

وزاد ابن عرفة: عن جهة اليمين إلى جهة الشمال.

وزاد العز بن عبد السلام: والفيء: الرجوع وبه سمى الظل بعد الزوال لرجوعه، أو يتميل أو يدور، أو يتحول.

زاد أبو السعود: شيئا فشيئا حسبما يقتضيه إرادة الخالق تعالى.

زاد مكي: من موضع إلى موضع [و] يكون في أول النهار على حال، ثم يعود إلى حال آخر في آخر النهار.

زاد الطبري: من موضع إلى موضع، فهو في أول النهار على حال، ثم يتقلص، ثم يعود إلى حال أخرى في آخر النهار.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وفاء الظلرجعبعكسماكان إلى الزوال.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: يتفيأ من الفيء وهو الظل الذي يرجع، بعكس ما كان.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: ترجع من جانب إلى جانب.

قال الواحدي في البسيط: يقال: فاء الظل يفيء فيئا، إذا رجع وعاد بعد ما كان ضياء الشمس نسخه.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: رجوعها من جانب إلى جانب، فهي مرة تجاه الشّخص، ومرة وراءه، ومرة عن يمينه، ومرة عن شماله.
وأصل الفيء: الرّجوع، ومنه قيل للظل في العشيّ: فيء، لأنه فاء، أي رجع من جانب إلى جانب. ومنه الفيء في الإيلاء إنما هو: الرّجوع إلى المرأة.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ): تَفِيءَ: ترجع.
قاله الكيا الهراسي في أحكام القرآن، والجصاص في أحكام القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، .

و "فَاءَتْ" : رجعت.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

ومنه ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ): فَاءُوا : يعني: "فان رجعوا" لأنك تقول: "فئت إلى الحق".
قاله الأخفش في معاني القرآن.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي رجعوا إلى نسائهم.

قال الفراء في معاني القرآن: والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: هو الرجوع إلى الجماع، أو ما يقوم مقامه.

ومنه ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ): أَفَاءَ اللَّه: أي ما أرجعه الله.
وإنما قال " أفاء" لأن الله استخلفهم على المال للإيمان به ورسوله؛ فإذا حاربوا الله ورسوله، وأعانوا عليهما فإن مالهم يرجع إلى أهل الإيمان؛ الذين هم أحق به منهم؛ إذ أن المال مال الله يضعه في يد من شاء.

قال السعدي في تفسيره: وسمي فيئا،لأنهرجعمن الكفار الذين هم غير مستحقين له، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه.

قال الألوسي في روح المعاني: ولذا قيل للغنيمة التي لا تلحق فيها مشقة: فيء مع أنه من فاء الظل إذارجع.

قال الواحدي في الوجيز: والفيء: كلمالرجعإلى المسلمين من أيدي الكفار عفوا من غير قتال مثل:مال الصلح والجزية والخراج أو هربوا فتركوا ديارهم وأموالهم كفعل بني النضير.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: الفيء وهومارجعالى النبي صلىاللهعليه وسلم من أموال الكافرين عفوا صفوا من غير قتال ولا إيجاف خيل وركاب مثلمال الصلح والجزية والخراج والعشور التي تؤخذ من تجار الكفار إذا دخلوا دار الإسلام، ومثل أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم أو يموت منهم في دار الإسلام أحد، ولا يكون له وارث.

وسيأتي لاحقا مزيد بحث (إن شاء الله).

ونظيرتها قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ): أَفَاءَ اللَّهُ: أي رجعه ورده إليك من الكفار بأن سبيته وملكته.
قاله الواحدي في البسيط.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.......... ...

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ (واتساب) :00966509006424
 
قوله تعالى
{ وَكَأْسًا دِهَاقًا} النبأ: 34

*قوله ( وَكَأْسًا ):* الكأس كل إناء فيه شراب فهو كأس، فإذا لم يكن فيه شراب. فليس بكأس.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

*قوله ( دِهَاقًا ):* ممتلئا، مكتظا؛ متتابعا غير منقطع لا ينفد، ولا تشوبه شائبة؛ بخلاف ما عهده الشُّرابُ في الدنيا.
فقد لا يملئ لهم الكأس بتمامه، أو لا يتتابع لهم الشراب، أو ينقطع شرابهم لكونه نفد، أو لا يقدر على شرب المزيد؛ إما لمطلق الزيادة، أو قبح الشراب.

قال عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: يعني ملأى بلغة هذيل.

وهو قول ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وأبي عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي ملأى.

وبه قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

وهو قول الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز.
سوى أنهم قالوا: ممتلئة.

وقال التستري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: أي مملوءة.

وزاد التستري: متتابعة.

قال الألوسي في روح المعاني: يقال: دهق فلان الحوض وأدهقه أي: ملأه.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «الدهاق» : المترعة(1) فيما قال الجمهور.

قال مكي: ملأى من الخمر مترعة.

وقال ابن عباس: دِهَاقًا: قال: الكأس: الخمر. والدهاق: الملآن.
حكاه نافع بن الأزرق في مسائله.

و روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عباس: "وكأسا دهاقا" قال: ممتلئا.

قال الزجاج في معانيه: ومعنى دهاقا مليء، وجاء في التفسير أيضا أنها صافية.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والمراد بالكأس الخمر، قال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، التقدير. وخمرا ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق.

المعنى الإجمالي للآية:
يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء، وأصله من الدهق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء.
قاله أبو جعفر الطبري.
..............

(1): قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [ترع] حوضٌ تَرَعٌ بالتحريك، وكوزٌ ترع، أي ممتلئ.
وقد ترع الإناء بالكسر، يَتْرَعٌ تَرَعاً، أي امتلأ. وأَتْرَعْتُهُ أنا، وجَفْنَةٌ مُتْرَعَةٌ.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: وأترعتُ الإناء: ملأته، وجفنة مترعة.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وأدهَق الكأس: ملأها.

وفي المعجم الوسيط: (الدهاق) يُقَال كأس دهاق مترعة ممتلئة ومتتابعة على شاربيها وصافية وَمَاء دهاق كثير.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

- للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
- وكذا يمكنكم الوصول إلى جمع الحسابات بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
السلام عليكم ورحمة الله
هل هناك مجموعة أخرى اسمها : الوجوه والنظائر والتصاريف تحت إشرافك أم أنها نفس مجموعة غريب ومعاني القرآن ( م ا ت) ؟
فهل ما ينشر في مجموعة الوجوه والنظائر ينشر في مجموعة الأعضاء ؟
فإذا كانت هذه مجموعة جديدة فنرجو أن تتم إضافتنا بارك الله فيكم لأني منضم إلى مجموعة الأعضاء وقد طلبت إعفائي من مجموعة لها نفس المنشورات
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبا بكم أخي عبدالمجيد.
" الوجوه والنظائر والتصاريف في القرآن "؛ هو موضوع متجدد في الملتقى (أهل التفسير)،

فغالب ما أنشره في المجموعات أنشره في الملتقى، وقد يكون غير ذلك.

فالحاصل أن " الوجوه والنظائر والتصاريف في القرآن " عنوان لموضوع متجدد فحسب. وهو موجود كذلك بموقع ملتقى أهل الحديث.
 
قوله تعالى
﴿فَكُبكِبوا فيها هُم وَالغاوونَ﴾ [الشعراء: 94]

*قوله ( فَكُبكِبوا ):* جمعوا، وألقوا على رؤوسهم؛ حتى يستقروا في قعرها.

فحاصل معنى " الكبكبة": جمع الشيء بعضه على بعض، ورميه بسرعة وعنف من أعلى إلى أسفل؛ في عمق من الأرض حتى يستقر فيه.

فأهل النار الذين وصف الله: يُجمعون، ثم يقذفون في النار على رؤوسهم؛ التي من جملتها الوجه، فهي تتقلب إلى أن تتحطم في قعر الحطمة، وما أدراك ما الحطمة.

كما في قوله تعالى ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ): قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الكب: إسقاط الشيء على وجهه.

وكما في قوله (كَلّا لَيُنبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ. وَما أَدراكَ مَا الحُطَمَةُ. نارُ اللَّهِ الموقَدَةُ): وسميت النار بالحطمة: لأنها تحطم وتكسر ما يلقى فيها؛ ولا يكون هذا إلا من علو وارتفاع إلى قعرها، والله أعلم بكنهه. أعاذنا الله منها.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: في قوله تعالى (فَكُبكِبوا): فكبوا على الوجوه، وتكرار الحرف للمبالغة كالذبذبة والحثحثة.

قالالبندنيجي في التقفية في اللغة: والتكبكب: التجمع.

قال النحاس في معاني القرآن: أي قلبوا على رؤوسهم.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أصله كببوا، أي ألقوا على رؤوسهم في جهنم، من قولك: كببت الإناء إذا قلبته.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي ألقوا على رءوسهم.
وأصل الحرف: "كببوا" من قولك: كببت الإناء. فأبدل من الباء الوسطى كافا: استثقالا لاجتماع ثلاث باءات. كما قالوا: "كمكموا" من "الكمة" - وهي: القلنسوة- والأصل: "كمموا".

قال الألوسي في روح المعاني: فكبكبوافيها أي ألقوا في الجحيم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: ومعنى كبكبوا طرح بعضهم على بعض.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وقوله تعالى: {فكبكبوافيها} ولم يقل: [وكبوا] قال الزمخشري: والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم [ينكب] كبة مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها اللهم أجرنا منها خير مستجار.

أي طرح بعضهم على بعض جماعة جماعة.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

قال غلامثعلب في ياقوتة الصراط: أي: جمعوا فيها.
وبه قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والكبكبة: تدهور الشيء في هوة.
انتهى كلامه

*قوله ( فيها ):* أي في جهنم.

*قوله ( وَالغاوونَ ):* أيالضالونعن الحق، والشعراء جمع شاعروالغاوونجمع غاو، وهم ضلال الجن والإنس، قاله ابن عباس. وقيل الزائلون عن الحق، وقيل: المشركون، وقيل: الشياطين، وقيل: الذين يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لا يجوز.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

انتهى، والحمدالله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لمعاني وغريب سورة الشعراء (إن شاء الله).
.............

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} الرحمن (66)

*قوله ( فِيهِمَا ):* أي في هاتين الجنتين.

*قوله ( عَيْنَانِ ):* من ماء.

*قوله ( نَضَّاخَتَانِ ):* فوّارتان.
قاله بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، والطبري في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وغيرهم جمع،
وبه قال السمرقندي في البحر؛ إلا أنه قال: ممتلئتان فوارتان.

زاد بيان الحق: والنضخ دون الجري؛ فلذلك كانتا دون الأوليين.
وبنحوه زاد القرطبي.

وزاد أبو بكر السجستاني، وأبو حيان: بالماء.

وزاد مكي: أي يفور الماء منهما.

وزاد الجرجاني:كبئر من الماء.

وقال السيوطي في اتقانه: فائضتان.

قال ابن بطال الركبي في النظم المستعذب في غريب ألفاظ المهذب:والنضخبالخاء المعجمة: أكبرمن النضح.
وبه قال جار الله الزمخشري في الكشاف، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وغيرهم.

قلت (عبدالرحيم): قولهم: " والنَّضْخ أكثر من النَّضْح ". يعني: نضح وزيادة.

كما أن الختر؛ أسوء الغدر، و أقبحه ؛ أي: غدر وزيادة.

كما في قوله تعالى ( وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ): ختّار: غدار. وهو قول الجمهور.
حكاه الماوردي في النكت والعيون.

وبه قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز،
وبه قال الطبري، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وأبو بكر السجستاني في الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والالوسي في روح المعاني: الختر أقبح الغدر.

إلا أن الألوسي قال: والختار:من الختر؛ وهو أشد الغدر.

قال الفخر الرازي في الكبير: الختارهو الغدار الكثير الغدر أو الشديد الغدر.

وقيل " الختار": الجاحد.
................................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت بكتابة " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
أحسن الله إليك الأخ أبو منذر هل يستطيع شخص ليس من ملتقى أهل التفسير الإنضمام إلى مجموعتك؟ أم أن كل من أراد ذلك حق له ذلك.
وهذا هو رقمه لكي تضيفه: 00966597398959
_إذا كان بالإستطاعة فعل ذلك.
 
قوله تعالى
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)} المطففين.

*قوله {ويل}:* الويل: كلمة جامعة للشر كله. قال الأصمعي: ويل تقبيح.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والويل كلمة تقال لكل من هو في عذاب وهلكة.

*قوله {للمطففين}:* والمطفِّف: المقلِّل حقّ صاحب الحقّ عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الواحدي في الوجيز: يعني الذين يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: والمطففون: الذين ينقصون المكيال والميزان.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الطفيف: الشيء النزر، ومنه: الطفافة: لما لا يعتد به، وطفف الكيل: قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه.

قال الزجاج في معانيه: وإنما قيل للفاعل من هذا مطفف، لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان، إلا الشيء الحقير الطفيف. وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه.

تنبيه:

التطفيف أعم وأشمل من تطفيف الميزان فحسب، كما يتوهمه البعض؛ فإذا كان هذا الوعيد الشديد للنذر اليسير في الوزن فما ظنك بغيره؛ فكم ممن يريد أن يستوفي ما له، ويطفف فيما عليه، فالتطفيف يشمل كل ما يجب الوفاء فيه، والبخس؛ لعموم قوله تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لا تظلموا الناسحقوقهمولاتنقصوها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والبخس والباخس: الشيء الطفيف الناقص.

*قوله {الذين إذا اكتالوا على الناس}:* أي إذا اشتروا منهم، يعني: اشتروا لأنفسهم.

*وقوله {على الناس}:* بمعنى من الناس.

قال الفراء في معاني القرآن: يريد: اكتالوا من الناس.
وهو قول القصاب في النكت، والطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وابن أبي زمنين.

قال القصاب: والعرب تبدل حروف الجر بعضها من بعض، إذا أرادت ذلك.

وقال ابن قتيبة في تأويل المشكل: أي مع الناس.

قال البغوي في تفسيره: وأراد الذين
إذااشتروالأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فمعنى:اكتالوا على الناس اشتروا من الناس ما يباع بالكيل.

*قوله { يستوفون}:* يتمون الكيل والوزن؛ يأخذون حقوقهم تامة وافية.

قال الطبري: الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حقّ، يستوفون لأنفسهم فيكتالونه منهم وافيا، و " على " و " مِن " في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا قيل: اكتلت منك، يراد: استوفيت منك.

*قوله {وإذا كالوهم}:* أي كالوا لهم؛ يعني باعوا لهم.

قال الواحدي في البسيط: يعني إذاباعوامن غيرهم ينقصون الكيل أو وزنوهم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القران، وابن أبي زمنين: أي كالوا لهم.

قال السمرقندي: باعوا من غيرهم.

*قوله {أو وزنوهم}:* أي وزنوا لهم من مالهم، أو مال غيرهم؛ كمن يعمل أجيرا يبيع للناس عند غيره فيوصيه صاحب الدكان أن ينقص في الميزان، وكذا من باع للناس بالزيادة التي مبناها على الظلم فهو داخل في هذه الآية؛ لأن التطفيف يشمل الزيادة والنقص، فمن أنقص فقد طفف، ومن زاد من مال غيره، وهو غائب زيادة غير التي ورد بها الحديث (زن وارجح) (1) فهو مطفف أيضا؛ لأن النقص، والزيادة يشمله معنى التطفيف؛ وصور التطفيف كثيرة.

قال الواحدي في البسيط: أي: كالوالهم، أو وزنوالهم، يقال: كلتك الطعام.

قال ابن أبي زمنين، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم:أي وزنوا لهم.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن الهائم في التبيان: معناه: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم.

*قوله {يخسرون}:* ينقصون.
قاله ابن الهائم في التبيان، وابن قتيبة في الغريب، وأبو بكر السجستاني في الغريب، والسمرقندي في البحر، والواحدي في البسيط، وغيرهم.

قال الطبري: ينقصونهم.

قال الجلال المحلي: أي ينقصون الكيل أو الوزن.

قلت ( عبدالرحيم ): الخسر النقصان. ومنه قوله تعالى ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ): قال ابن قتيبة في الغريب: أي في نقص.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: لفي نقصان.

قال البغوي في تفسيره: أي خسران ونقصان.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: أصل الخسر والخسران كالكفر والكفران، النقص من رأس المال، ولم يبين هنا نوع الخسران في أي شيء، بل أطلق ليعم، وجاء بحرف الظرفية، ليشعر أن الإنسان مستغرق في الخسران، وهو محيط به من كل جهة.

ومنه قوله تعالى ( أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ): قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي الناقصين من الكيل.

وقال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: الناقصين لحقوق الناس.

انتهى

*قوله {ألا يظن أولئك}:* ألا يستيقن أولئك الذين يفعلون ذلك.
قاله الواحدي في الوجيز.

قلت ( عبدالرحيم ): والظن هنا بمعنى العلم، واليقين؛ وليس هو الظن الذي بمعنى الشك. ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ): قال القصاب في النكت: أي وعلم.

قال الزجاج في معانيه: أي وأيقن الذي تبلغ روحه إلى تراقيه أنه مفارق للدنيا.

ومنه قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده.

قال الزركشي في البرهان: وقد تستعمل بمعنى اليقين لأن الظن فيه طرف من اليقين لولاه كان جهلا.

ومنه { إني ظننت أني ملاق حسابيه }: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {ظننت} أي: تيقنت.

ومنه ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ): يَظُنُّونَ: يتيقنون. قاله مكي في تفسير المشكل.

*قوله {أنهم مبعوثون}:* بعد موتهم.

*قوله {ليوم عظيم}:* يعنى يوم القيامة، أي إنهم لو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.
..................
(1): صححه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 3574).
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} سبأ (52)

*قوله {وقالوا}:* يعني الكفار.
والمعنى: وقال هؤلاء الكفار المكذبين حين رأوا العذاب والأهوال.

قال البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز: حين عاينوا العذاب.

قال السمعاني في تفسيره: وهو في معنى قوله ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ).

*قوله {آمنا به}:* بالله، أو بالقرآن، أو بمحمد - صلى الله عليه وسلم، أو بالإسلام، أو بالعذاب الذي أنكروه؛ والكل حق.

وجنح الزمخشري إلى أنه يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - حيث قال في الكشاف: {آمنابه}بمحمد صلى الله عليه وسلم لمرور ذكره في قوله ما بصاحبكم من جنة.

وقال يحيى بن سلام في تفسيره: بالقرآن.

وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون حين عاينوا عذاب الله:آمنابه، يعني:آمنابالله وبكتابهورسوله.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: يعني العذاب حين رأوه.

*قوله {وأنى لهم}:* كيف لهم.
قاله الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، وابن كثير في تفسيره، ويحيى بن سلام في تفسيره، وغيرهم كثير.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: من أينلهم التوبة.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: كيف لهم، وأين.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله " أنى ": كيف ونظير ذلك في التنزيل كثير؛ فمن ذلك قوله تعالى {َقالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ}: أي كيف يكون، ومن أين؟!.

قال البغوي في تفسيره، والسمرقندي في البحر، ومقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني من أين يكون له الملك.

قال الواحدي في الوجيز: وقالوا: كيف يكون ملكنا؟!

قال السمعاني في تفسيره: أي كيف يكون له الملك علينا.

ومنه {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}:
ومنه {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}: كيف شئتم في موضع الولد؛ في الفرج وهن طاهرات.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي كيف شئتم.

ومنه {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}: أي كيف يكون لي غلام.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

قال القرطبي في تفسيره: " أنى" بمعنى كيف.

ونظيرتها قوله {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}: أي كيف يكون لي ولد.

ومثله {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ}: أي كيف يكون له ولد؛ وهو أحد لم يلد ، ولم يولد، ليس كمثله شيء؟!

*قوله {التناوش}:* التناول. والنَّوْش: التّناول. وتناوش القوم كذا: تناولوه.

والمعني هنا تناول التوبة. أي كيف يتناولون التوبة وقد عاينوا ما أنكروه من العذاب عند الموت؛ فمن عاين ملائكة الموت لا تقبل توبته.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: من أين لهم التوبة.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: أي كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد، ولم يكونوا يتناولونه عن قريب في حين الاختيار والانتفاع بالإيمان.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: المعنى كيف يتناولون الإيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا.
انتهى كلامه.

قلت: فمعنى قوله ( التناوش ): التناول.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، وابن الجوزي في تذكرة الأريب، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وغيرهم.

زاد نجم الدين: ناوشته: أخذته من بعيد.

*قوله {من مكان بعيد}:* يريد الآخرة. يعني: بموتهم بعدت الآخرة عن دنياهم؛ فكيف يرجعون إليها ليتناولوا التوبة وقد كانت قريبة منهم في الدنيا فلم يتناولوها؟.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: فكأنه قالوأنىلهمتناول مرادهم وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: أي: كيفلهم
التوبة وليس بالحين الذي تقبل منهم فيه التوبة قد فاتهم ذلك، وقال في آية أخرى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا}: عذابنا.

قال الواحدي في الوجيز: أي: كيف يتناولون التوبة وقيل: الرجعة وقد بعدت عنهم. يريد إن التوبة كانت تقبل عنهم في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت عن الآخرة.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والمكان البعيد: عبارة عن تعذر مقصودهم فإنهم يطلبون ما لا يكون، أو يريدون أن يتناولوا ما لا ينالون وهو رجوعهم إلى الدنيا أو انتفاعهم بالإيمان حينئذ.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}: الشعراء (14)

*قوله {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}:* أي ولهم عندي ذنبٌ. كما تقول: فلان له علي دين. أي: له عندي دين.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والزركشي في علوم القرآن، وابن قتيبة في كتابيه (غريب القرآن، وتأويل المشكل)، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، وسَلَمة بن مُسْلِم العَوْتبي الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: لهم عندي ذنبٌ.

إلا أن الزركشي، والصُحاري قالا: أي عندي. دون زيادة: ذنب.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: يعني بالذنب الرجل الذي وكزه فقضى عليه، إني أخاف أن يقتلوني بقتلي إياه.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ولقوم فرعون عليّ دعوى ذنب أذنبت إليهم، وذلك قتله النفس التي قتلها منهم.

*(نكتة):*

لم يكن هذا القول من موسى - عليه السلام - قول الهلوع الجزوع المذعور، ولم يكن تقاعسا منه؛ ولكن كأنه قال: ربي قد أمرتني بأداء الرسالة والنبوة بإقامة الحجة عليهم؛ فكيف يتم ذلك وهم إن رأوني قتلوني ولن أتمكن من تبليغ ما أمرتني به. لذا جاء الجواب من الله بعدها ( قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ): كَلَّا: أي لن يكون؛ فأنا أحوطك وأعصمك منهم.

كما طلب من ربه أن يجعل هارون أخاه معينا له على أداء الرسالة؛ فلم يكن هذا منه توقفا في امتثال الأمر ولكنه كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ليس هَلَعاً وفرقاً من الموت فإنه لما أصبح في مقام الرسالة ما كان بالذي يبالي أن يموت في سبيل الله؛ ولكنه خشي العائق من إتمام ما عُهد إليه مما فيه له ثواب جزيل ودرجة عليا .

قال الزمخشري في الكشاف: هذه استدفاع للبلية المتوقعة. وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة، فكيف يكون تعللا. والدليل عليه: ما جاء بعده من كلمة الردع، والموعد بالكلاءة والدفع.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} المائدة: (3)

*قوله {وما أكل السبع}:* أي وما أكل السبع منه.

يعني: وما أكل بعضَه السبعُ؛ إذ لا وجود للحكم لو أكله كله.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: وفي الآية محذوف تقديره:وماأكلمنهالسبعلأن ماأكلهالسبعفقد نفد ولا حكم له، وإنما الحكم للباقي.

قال الواحدي في الوسيط: والتقدير: وما أكل منه السبع.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: {و ماأكلالسبع} «ما» بمعنى الذي، وعائده محذوف أي:وماأكلهالسبع.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، والنحاس في معاني القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي افترسه فأكل بعضه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: بعضه ومات بجرحه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي أكل بعضه، والسبع كل حيوان مفترس: كالذئب والأسد والنمر والثعلب والعقاب والنسر.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والمعنى: إلا ما أدركتم فيه حياة مما أكل السبع فذكيتموه، فإنه حلال.

*قوله {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}:* إلا ما ذكيتم إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب أوداجه.
قاله الزمخشري في الكشاف.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي ما لحقتم من هذا كله وفيه حياة مستقرة فذبحتموه.

انتهى،والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وقد سبق بيان هذه الآية؛ عند تفسيرنا لسورة المائدة؛ فقد فرغنا من تفسيرها كاملة - بحمد الله -.
.......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]

*قوله {وممن حولكم}:* أي حول المدينة.

*قوله { من الأعراب}:* الذين سبق ذكرهم في قوله ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ).

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي الذين قدمنا أنهم أشد كفرا لما لهم من الجفاء.

*قوله { منافقون}:* خُلَّص؛ أشر من غيرهم.

قال البقاعي في النظم: أي راسخون في النفاق، وكأنه قدمهم لجلافتهم وعتوهم، وأتبعهم من هو أصنع منهم.

*قوله {ومن أهل المدينة}:* منافقون مثلهم؛ شديدو الكفر، والنفاق، والعداوة، والتربص بكم؛ كإمام النفاق عبدالله بن أبي بن سلول، وأصحابه.

قال السيوطي في الجلالين: منافقون أيضا.

قال السمرقندي في البحر: وهو عبد الله بن أبي وأصحابه.

قال أبو جعفر الطبري: يقول تعالى ذكره: ومن القوم الذين حول مدينتكم
من الأعراب منافقون، ومن أهل مدينتكم أيضا أمثالهم أقوام منافقون.

*قوله {مردوا على النفاق}:* تقديره : ومن أهل المدينة جماعة مردوا.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

قال السمعاني في تفسيره: وفي الآية تقديم وتأخير، كأنه قال: وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة، هكذا قاله أهل المعاني.

قلت (عبدالرحيم): قوله ( مردوا ): من بليغ القول، وجوامع الكلم؛ سيتبين لك غزارة معناها بعد اطلاعك على تفسيرها؛ ولما لا وهو من عند الله الذي علم البيان.

فمعنى قوله ( مردوا ): كما ظهر لي بعد اطلاعي على ما اطلعت عليه من أقوال العلماء - والعلم عند ربي - وأسأله السداد:

أي: استمروا، وأصروا على نفاقهم، وأمعنوا فيه وأتقنوه؛ حتى بلغوا الغاية فيه فتجاوزوا به الحد، وتجردوا به عن يسير الخير، وعظيمه؛ فهم لم يخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا - مثلا - بل هم شر محض قد تعروا من كل خير؛ ومنه سمي العاتي من الشيطانين ماردا؛ لأن مردة الشياطين قد جمعوا بين أوصاف عدة؛ منها التعري عن الخير حتى اليسير منه، والطغيان الذي بلغوا به الغاية في الشر حتى تجاوزا به الحد.

وإليك برهانه:

قال الزمخشري في الكشاف: مردوا على النفاق تمهروا فيه، من مرن فلان عمله، ومرد عليه: إذا درب به وضرى، حتى لان عليه ومهر فيه.

قال البقاعي في نظم الدرر: ثم بين أنهم لا يتوبون بوصفهم بقوله: {مردوا} أي صلبوا وداموا وعتوا وعسوا وعصوا وصار لهم به دربة عظيمة وضراوة حتى ذلت لهم فيه جميع أعضائهم الظاهرة والباطنة وصار لهم خلقا.

قال الألوسي في روح المعاني: قوله سبحانه: ( مردوا على النفاق ) جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب مسوقة لبيان غلوهم في النفاق إثر بيان اتصافهم به أو صفة لمنافقون.

قال مقاتل بن سليمان: حذقوا.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي أصروا.

قال الكفوي في الكليات، وأبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن: استمروا عليه.

وقال أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة: أي عتوا عليه وبالغوا فيه.

وزاد ابن العربي: وتحققوا به.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: مرد على الشيء: تعوده واستمر عليه.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أي: تمردوا أو تمهروا.

قال السمرقندي في البحر: يعني: مرنوا وثبتوا على النفاق، فلا يرجعون عنه ولا يتوبون.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي عتوا ومرنوا عليه وهو من قولهم: تمرد فلان، ومنه «شيطان مريد».

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي عتوا، ومرنوا (1) عليه وجرؤوا.

قال الطبري: مرنوا عليه ودربوا به.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والزبيدي في تاج العروس: أي تطاولوا.

وزاد غلام ثعلب: على النفاق.

قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: وقال ابن الأعرابي: المرد التطاول بالكبر والمعاصي ومنه قوله: مردوا على النفاق أي تطاولوا.

قال بيان الحق النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: مرنوا عليه وتجردوا عن غيره.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: مرنوا عليه وجرؤوا عليه كقولك: تمردوا.

قال الواحدي في الوجيز: لجوا فيه وأبوا غيره.

قال السيوطي في الجلالين: لجوا فيه واستمروا.

وقيل: المرد في الشيء: هو النهاية في الشر.
وقال بعضهم: (مردوا على النفاق)، أي: ثبتوا عليه وداموا.
حكاه أبو منصور الماتريدي في تأويلات أهل السنة.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: أي: ارتكسوا عن الخير وهم على النفاق.

قال صديق حسن خان في الفتح: وأصل مرد وتمرد اللين والملاسة والتجرد فكأنهم تجردوا للنفاق، ومنه غصن أمرد لا ورق عليه، وفرس أمرد لا شعر فيه، وغلام أمرد لا شعر بوجهه، وأرض مرداء لا نبات فيها وصرح ممرد مجرد مملس، كما قال:
في منزل شيد بنيانه ... يزل عنه ظفر الطائر
فالمعنى أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه ولم يتوبوا منه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: دربوا عليه وخبثوا. وقيل: معناه: عتوا، على النفاق. من قولهم: " شيطان مارد " أي: عات.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي تمهروا فيه.

قال ابن زيد {مردوا}: أقاموا عليه، ولم يتوبوا.
حكاه مكي في الهداية.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: ومرد على الشيء أي عتا وطغى، وكذلك قوله تعالى: مردوا على النفاق.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ . وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ): قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس: المتعري من الخيرات. فهذا المعنى المجازي، وأصله كما قال: من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرى من الورق.

ومنه ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ): " مَرِيدٍ": متمرد.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: أي: «مارد» وهو المتجرد للفساد.

قال الزجاج في المعاني: ومريد ومارد معناه أنه قد مرد في الشر.

قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {مردوا}: عتوا، ومنه: مَريد.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى مرد على الأمر مَرِن عليه ودَرِب به ، ومنه الشيطان المارد ، أي في الشيطنة.

*قوله { على النفاق}:* أي استعلوا على هذا الوصف بحيث صاروا في غاية المكنة منه.
قاله البقاعي في النظم.

*قوله {لا تعلمهم}:* أي لا تعلمهم أنت بأعيانهم، ولا عليك أن تعلمهم.

قال مكي في الهداية: أي لا تعلمهم يا محمد، بصفتهم.

قال الزمخشري: ودل على مرانتهم عليه (النفاق) ومهارتهم فيه بقوله لا تعلمهم أي يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك، لفرط تنؤقهم في تحامى ما يشكك في أمرهم.

قال السمرقندي في البحر: يقول: لا تعرفهم أنت بسبب إيمانهم بالعلانية.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي يخفون عليك مع فطنتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامي ما يشككك في أمرهم.

قال البقاعي: ثم بين مهارتهم فيه بقوله: {لا تعلمهم} أي بأعيانهم مع ما لك من عظيم الفطنة وصدق الفراسة لفرط توقيهم وتحامي ما يشكل من أمره.

*قوله {نحن نعلمهم}:* ونكفيك أمرهم؛ لأني أحيط بهم، وأعلم سرهم ونجواهم.

وهذا لفرط نفاقهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: لأني عالم السر والعلانية، ونعلم نفاقهم، ونعرفك حالهم.

قال الزمخشري: أي لا يعلمهم إلا الله، ولا يطلع على سرهم غيره، لأنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطانا، ويبرزون لك ظاهرا كظاهر المخلصين من المؤمنين، لا تشك معه في إيمانهم، وذلك أنهم مردوا على النفاق وضروا به، فلهم فيه اليد الطولى.

قال الطبري: لا تعلم، يا محمد، أنت هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم ممن
حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة، ولكنا نحن نعلمهم.

قلت (عبدالرحيم) : فيه فوائد:

منها:

هذا نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وشاهده في القرآن كثير أكثر من أن يحصى؛ من ذلك قوله تعالى ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)،

وقوله ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )،

وقوله ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ).

وكيف يعلم الغيب وهو الذي أمره ربه إذا هم بالأمر أن يذعن إليه ويعترف بأنه لا يعلم الغيب؛ أعني دعاء الاستخارة والذي كان النبي يقول فيه: "... وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب " (2)

وكيف يعلم الغيب وقد ألمه ما ألمه في حادثة الإفك، وما نزل به.
وما حصل لأصحابه في حادثة بئر معونة عنا ببعيد، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة.

فإذا كان ذلك كذلك؛ كان غير النبي صلى الله عليه وسلم أولى، وأجدر ألا يعلم الغيب؛ فمن اعتقد أن ثم أحد يعلم الغيب غير الله فقد كفر بما أنزل على محمد.

والحديث عن هذا يطول؛ واكتفي بهذه الإشارة ولعل يأتي بسط الحديث فيه لاحقا إن شاء الله.

قال السمعاني في تفسيره: هذا دليل على أن الرسول لم يعلم جميع المنافقين.

قال الألوسي في روح المعاني: وقوله تعالى: {لا تعلمهم} بيان لتمردهم أي لا تعرفهم أنت بعنوان نفاقهم يعني أنهم بلغوا من المهارة في
النفاق والتنوق في مراعاة التقية والتحامي عن مواقع التهم إلى حيث يخفى عليك مع كمال فطنتك وصدق فراستك حالهم.

ومنها: أن العبد غير مكلف أن يفتش عما في صدور الناس، وأحوالهم؛ إنما يكل ذلك إلى الله؛ فإن غالب من يخالف هذا الهدي يترك إصلاح نفسه، وما فيه صلاح أمره في دينه و دنياه.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن قتادة في قوله: وممن حولكم من الأعراب إلى قوله: لا تعلمهم نحن نعلمهم قال قتادة: فما بال أقوام يتكلفون على الناس؟ يقول: فلان في الجنة، وفلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري، لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي، قال نبي الله نوح- صلى الله عليه وسلم- وما علمي بما كانوا يعملون وقال نبي الله شعيب- صلى الله عليه وسلم- بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ وقال الله لنبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- لا تعلمهم نحن نعلمهم.

انتهى

*قوله {سنعذبهم}:* أي بوعد لا خلف فيه.
قاله البقاعي.

*قوله {مرتين}:* في الدنيا بالنفاق وفي القبر بالعذاب.
قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب.

قال الواحدي في الوجيز: بالأمراض والمصائب في الدنيا وعذاب القبر.

قال مكي بن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن: عذاب الآخرة، وعذاب الدنيا، وقيل: القتل والأسر.

قال الإيجي الشافعي في الجامع: فضيحتهم في الدنيا وعذاب القبر ومصائب في أموالهم وأولادهم فهذه لهم عذاب وللمؤمنين أجر وعذاب القبر أو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم ثم عذاب القبر.

قال النسفي في المدارك: هما القتل وعذاب القبر أو الفضيحة وعذاب القبر أو أخذ الصدقات من أموالهم ونهك أبدانهم.

وروى عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره عن الحسن: «عذاب الدنيا وعذاب القبر».

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن قتادة في قوله: سنعذبهم مرتين قال: عذاب القبر وعذاب النار.

وكذلك روى ابن أبي حاتم عن مجاهد، سنعذبهم مرتين قال: الجوع والقتل.

قال الواحدي في الوجيز: بالأمراض والمصائب في الدنيا وعذاب القبر.

قال السيوطي في الجلالين: بالفضيحة أو القتل في الدنيا وعذاب القبر.

قال مكي في الهداية: قيل: هما فضيحتهم في الدنيا وإظهار سرائرهم، ثم عذاب القبر، ثم يردن إلى عذاب الآخرة. قاله ابن عباس: وذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج قوما من المسجد يوم الجمعة، فقال: اخرج يا فلان، فإنك منافق، لناس منهم، فهذا عذابهم الأول، والثاني: عذاب القبر.
وقال مجاهد هما: عذاب السيف بالقتل وعذاب الجوع.
والآخر: عذاب القبر، ثم عذاب الآخرة.
وقال ابن زيد: العذاب الأول، عذابهم بالمصائب في أموالهم وأولادهم، والآخر: عذاب النار.
وقيل الأول: أخذ الزكاة من أموالهم، وإجراء الحدود عليهم، وهو غير راضين، والآخرة: عذاب القبر.

قال بيان الحق في توضيح المشكلات: في الدنيا بالجوع والخوف وفي القبر بالعذاب.
قال الطبري: وقوله ( سنعذبهم مرتين ): يقول: سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين، إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: عند الموت تضرب الملائكة الوجوه والأدبار وفي القبر منكر ونكير.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي سنعذبهم بالإنفاق وبالفعل، وقيل بالقتل وعذاب القبر.
قال في الكشاف: قيل: هما القتل وعذاب القبر. وقيل الفضيحة وعذاب القبر.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى {سنعذبهم مرتين}: فيه مسائل:

الأولى:

قول من قال " أي سنعذبهم بالإنفاق وبالفعل، وقيل بالقتل وعذاب القبر ".

قلت: هذا مصداقا لقوله تعالى (لَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )
وقد بينت فيما مضى تأويل هذه الآية؛ بما يغني عن إعادته ( إن شاء الله ).

الثانية:

أن قوله {سنعذبهم مرتين}: يعني في الأولى والآخرة؛ فيشمل أنواع العذاب في الدنيا؛ كالأسر والقتل، والمصائب، والإنفاق رغما عنهم مع عدم قبوله منهم لأنهم أنفقوا رياء وسمعة، إلى غير ذلك من أصناف العذاب الدنيوي الذي يسلطه الله على من شاء في هذه الحياة - أعاذنا الله إياكم -؛ فلدُّنيا عاقبة قبل الآخرة ، فيشمل عذاب القبر، وما أعد لهم في الجحيم.

الثالثة:

فإن قلت: لما نبه على أنه يعذبهم مرتين؛ مع أن الله توعد جميع الكفار بالعذاب؟

قلت: لما خفي أمرهم، كما سبق في قوله ( لا تعلمهم نحن نعلمهم ): نبه أنه لهم بالمرصاد، وأنه لا يخفى عليه شيء من حالهم مهما ستروا؛ فتوعدهم بهذا؛ بأنهم لا محيص لهم عن عذابه.
ونحوه سلف في قوله تعالى (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ).

فهذا لشدة ضررهم وخطرهم، كما جاء في قوله تعالى ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ): فهم في درك أسفل من الكفار الذين أظهروا كفرهم، وعداوتهم.

الرابعة:

أن كل ما ذكر آنفا من أقوال العلماء تحتمله الآية؛ ويبدو لي أنه من خلاف التنوع؛ لا التضاد.

لذا قال الإيجي الشافعي: فضيحتهم في الدنيا وعذاب القبر ومصائب في أموالهم وأولادهم فهذه لهم عذاب وللمؤمنين أجر وعذاب القبر أو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم ثم عذاب القبر. انتهى

الخامسة:

في الآية دليل على إثبات عذاب القبر. فنبه الله أنه يعذبهم فيه؛ مع أن جميع الكفار يعذبون في قبورهم.
بدليل السياق، أعني قوله {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم}: ووجه الدلالة قوله " ثم يردون إلى عذاب عظيم ": أي ثم يردون من بعد عذاب القبر إلى جهنم.

ولقد سجدت لله شكرا لما وجدت البخاري - رحمه الله - قد استدل بهذه الآية على إثبات عذاب القبر؛ حيث قال رحمه الله في صحيحه ( باب ما جاء في عذاب القبر ): ... وقوله جل ذكره: {سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم}.
فله الحمد الحسن والثناء الجميل.

قلت: ونحوه قوله تعالى عن فرعون وقومه؛ لما زاد طغيانهم ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ): أراد أنهم يعرضون عليها بعد مماتهم في القبور.

وهذا شاهد من كتاب الله لعذاب القبر، يدلّك على ذلك قوله: ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ): قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: فهم في البرزخ يعرضون على النار غدوّا.

علما بأن البخاري قد استدل بها أيضا على إثبات عذاب القبر، فالفضل كله لله.
انتهى

*قوله {ثم يردون}:* أي بعد الموت.
قاله البقاعي.

*قوله {إلى عذاب عظيم}:* وهو الخلود في النار.
قاله الواحدي في الوجيز، والإيجي في الجامع.

قال الزجاج في معانيه: أي يعذبون في الآخرة.

قال السمرقندي في البحر: يعني: عذاب جهنم أعظم مما كان في الدنيا.

قال الطبري: يقول: ثم يرد هؤلاء المنافقون، بعد تعذيب الله إياهم مرتين، إلى عذاب عظيم، وذلك عذاب جهنم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..................
(1): قال الحميري في شمس العلوم: [المَرِن]: الحال، يقال: القوم على مَرِن واحد، وما زال ذلك مرني: أي حالي. وهو من المرون على الشيء: أي الاستقامة عليه.

(2): شطر من حديث رواه البخاري (7390) من حديث جابر بن عبدالله.
.....................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى الحسابات الاجتماعية الرسمية بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: 49]

*قوله [ما ينظرون]:* ينظرون": معناه: ينتظرون.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وابن عطية في المحرر الوجيز، وابن كثير في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وبه قال البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين، وهو قول الطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والنسفي في مدارك التنزيل.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى ( مَا يَنْظُرُونَ ): أي ما ينتظرون.
ونظيره في التنزيل كثير؛ فمن ذلك قوله تعالى ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ): (هَلْ يَنْظُرُونَ): أي هلينتظرون إلا أن يأتيهم الله؛ وهو إتيان على الحقيقة فيما يشاء وكيف يشاء؛ على ما يليق به سبحانه وتعالى، كما أنه يجيء قال تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا): كل هذا على ما يليق بذاته - جل ذكره - وليس المقام مقام تفصيل، وسيأتي لاحقا إن شاء.

ومنه ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ): قال الطبري في تفسيره: هلينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه "إلاتأويله"، يقول:إلاما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصليهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به.

ومنه ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ): فَهَلْ يَنْظُرُون: أي فهل ينتظرون إلا سنتنا في الأولين، وهي اهلاكهم.

فقوله تعالى (فهلينظرون):ينتظرون.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والبغوي في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وهو قول الواحدي في الوسيط، وإلايجي الشافعي في جامع البيان.

ومنه قوله تعالى ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ): قال الألوسيفي روح المعاني:
أي انتظرونانقتبسمن نوركم نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به.

انتهى كلامه

ونحوه قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ): نَاظِرِينَ إِنَاه: منتظرين إلى وقت نضجه، ومنه (آناء الليل):قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: ساعاتهوأوقاته.

فمعنى قوله تعالى ( نَاظِرِينَ ): منتظرين.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، وابن قتيبة في غريب القرآن.

زاد غلام ثعلب: إناه، أي بلوغه وإنضاجه.

زاد ابن قتيبة: وقت إدراكه.

انتهى

*قوله [إلا صيحة واحدة]:* نفخة الفزع.

قال ابن عطية في المحرر: وهذه الصيحةهيصيحةالقيامة والنفخةالأولى في الصور.

وقال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: النفخةالأولى من إسرافيل.

زاد ابن أبي زمني: بها يكون هلاكهم.

قال الجلال المحلي: وهي نفخة إسرافيل الأولى.

قال الطبري في تفسيره: ماينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم،إلاصيحةواحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفزع عند قيام الساعة.

*قوله [تأخذهم]:* تهلكهم.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

زاد ابن عاشور: فجأة.

قلت (عبدالرحيم) : ومعنى الأخذ في قوله تعالى ( تأخذهم ): أي تهلكهم. ونظيره في التنزيل كثير؛
ومنه قوله تعالى كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمِْ ) [آل عمران]: أي فأهلكهم الله بذنوبهم.

قالالسمرقندي في بحر العلوم: أيأهلكهموعاقبهم بشركهم.

ونظيرتها في الأنفال ( كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ): قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله(فَأَخَذَهُمُ)معناهأهلكهم.

ونظيرتها ( فَأَخَذَهُمُاللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ): "فَأَخَذَهُمُاللَّهُ" قال ابن كثير في تفسيره: أيأهلكهمودمر عليهم وللكافرين أمثالها.

ومنه ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ):قال الطبري في تفسيره: أويهلكهم في تصرّفهم في البلاد، وتردّدهم في أسفارهم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: علىتنقص. أي ينقص من أموالهم وزروعهم حتىيهلكهم.

ومنه ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ): قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أيأهلكهمالماء الكثير في حال كفرهم وظلمهم لأنفسهم.

انتهى.

*قوله [وهم]:* وحالهم.

*قوله [يخصمون]:* يختصمون.
يعني: يخاصم بعضهم بعضا في أمور دنياهم كالبيع والشراء، وما يكون من البائع والمشتري من جدال في الثمن - مثلا، أو تأتيهم وهم يخاصمون في أمر الساعة فتبهتهم فلا يستطيعون صرفها.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي يتكلمون في أمورهم وأصل يخصمون يختصمون، ثم أدغم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: فالأصل فيه يختصمون فأدغمت التاء في الصاد، وشددت.

قال الجلال المحلي في الجلالين: بالتشديد أصله يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وادغمت في الصاد أي وهم في غفلة عنها بتخاصم وتبايع وأكل وشرب وغير ذلك وفي قراءة يخصمون كيضربون أي يخصم بعضهم بعضا.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي يختصمون أي يتخاصمون في معاملاتهم على غاية من الغفلة...

ولكلام البقاعي - رحمه الله - تتمة قيمة، مؤثرة نافعة (أحسب) فاطلع عليه إن شئت.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي يختصمون في أسواقهم وحوائجهم.

قال القرطبي في تفسيره: أي يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم، وهذه نفخة الصعق.

قال السمعاني في تفسيره: أي: يختصمون، وهكذا في قراءة أبي بن كعب.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وقرئت يختصمون، وهي جيدة أيضا ومعناها يأخذهم وبعضهم يخصم بعضا، ويجوز أن يكون تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون
في الحجة في أنهم لا يبعثون، فتقوم الساعة وهم متشاغلون في متصرفاتهم.

قال في الوجيز: يختصمون يُخاصم بعضهم بعضاً يعني: يوم تقوم الساعة وهم في غفلةٍ عنها.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: في أسواقهم، يتبايعون، يذرعون الثياب ويخفض أحدهم ميزانه ويرفعه، ويحلبون اللقاح وغير ذلك من حوائجهم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: والمعنى تأخذهم وبعضهم يخصم بعضا في معاملاتهم.

قلت (عبدالرحيم): وهذه الآية مصداقا للحديث المرفوع؛ وفيه:
«تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَحْلُبُ اللِّقْحَةَ(1)، فَمَا يَصِلُ الْإِنَاءُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ، وَالرَّجُلَانِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ، فَمَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُومَ، وَالرَّجُلُيَلِطُ(2)فِي حَوْضِهِ، فَمَا يَصْدُرُ حَتَّى تَقُومَ». رواه مسلم (٢٩٥٤)من حديث أبي هريرة.

- اللهم رحماك -.

ولقد سجدت لله شكرا لما اطلعتُ على كلام أبي الليث السمرقندي في بحر العلوم، والماوردي في النكت والعيون، وغيرهما؛ حيث ذكرا - رحمهما الله - هذا الحديث في هذه الآية.
فلربنا ومعبودنا الحمد الحسن والثناء الجميل.

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره:
وهذه -والله أعلم-نفخة الفزع، ينفخ في الصور نفخة الفزع، والناس في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم، فبينماهم كذلك إذ أمر الله تعالى إسرافيل فنفخ في الصور نفخة يطولها ويمدها، فلا يبقى أحد على وجهالأرضإلاأصغى ليتا، ورفع ليتا -وهي صفحة العنق- يتسمع الصوت من قبل السماء. ثم يساق الموجودون من الناس إلى محشر القيامة بالنار، تحيط بهم من جوانبهم؛ ولهذا قال: {فلا يستطيعون توصية} أي: علىمايملكونه،الأمر أهم من ذلك، {ولا إلى أهلهم يرجعون} .
.......................
(1): اللِّقْحَةَ: الناقة الحلوب.
قاله الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين.

وفي جمهرة اللغة لأبي بكر الأزدي: واللقحة بكسر اللام: الناقة التي لها لبن، والجمع لقاح، ولقح.

(2): يَلِطُ حوضه: أي يطينه.
قاله ابن منظور في لسان العرب.

وقال الفتني الكراتجي في مجمع بحار الأنوار: وفيه " يليط" حوضه، أي يصلحه ويميله ويطينه.
.....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن 00966509006424 ".
 
قوله تعالى
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} الانشقاق.

*قوله ( يُوعُونَ):* أي يجمعون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، وبه قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.

زاد ابن الجوزي: في قلوبهم.

زاد أبو حيان: يجمعون في صدورهم من التكذيب.

زاد أبو بكر السجستاني: في صدورهم من التكذيب بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يوعى المتاع في الوعاء.

زاد الجرجاني: في صدورهم ويضمرونه من العداوة والمكر.

وقال الكفوي في الكليات: يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة.

قال الفراء في معاني القرآن: الإيعاء:، ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم.

قال السمعاني في تفسيره: أي: يكتمون ويجمعون في صدورهم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يجمعون في صدورهم وقلوبهم يقال: أوعيت المتاع؛ إذا جعلته في الوعاء.

وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي بما يجمعون في صدورهم من الكفر والتكذيب أو بما يجمعون في صحائفهم، يقال أوعيت المال وغيره إذا جمعته.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( كَلَّا إِنَّهَا لَظَى . نَزَّاعَةً لِلشَّوَى . تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى . وَجَمَعَ فَأَوْعَى ): " وَجَمَعَ فَأَوْعَى ": قال الطبري في تفسيره: يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه.

قال السمعاني في تفسيره: أي: جمع المال فأوعاه، أي: جعله في وعاء وأوكأ.

قال البغوي في تفسيره: {وجمع} أي: جمع المال {فأوعى} أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: جعله في وعاء فلم يفعل زكاة ولم يصل رحما.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: جمع المال فأوعاه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: جمع المال ومنع حق الله تعالى.

قال القرطبي في تفسيره: أي جمع المال فجعله في وعائه ومنع منه حق الله تعالى، فكان جموعا منوعا.

قال السمين الحلبي في العمدة: أي جمع الأمتعة والأموال في أوعيتها، أي أنه لم يكن مفرطًا في دنياه بل شديد الحرص عليها. انتهى

والحمد لله أن ما ذكرته وافق ما قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير؛ حيث قال - رحمه الله وعفى عنه -:
( والله أعلم بما يوعون ) فأصل الكلمة من الوعاء، فيقال: أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء كما قال: ( وجمع فأوعى ) والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من الشرك والتكذيب فهو مجازيهم عليه في الدنيا والآخرة.
فله الحمد الحسن والثناء الجميل.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}: الشعراء (148)

*قوله {طَلْعُهَا}:* طلع النخلة كفراها، وهو أول ما يبدو من ثمرها.
قاله الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور.

قال البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي ثمرها.

زاد البغوي: يريد ما يطلع منها من الثمر.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}: "طَلْعُهَا": ما يطلع منها؛ وهو ثمرها.

قال النحاس في معاني القرآن: أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي ما طَلَعَ منها.

*قوله {هَضِيمٌ}:* منهضم، أو مهضوم. وهو فعيل بمعنى مفعول؛ وقد سبق - بحمد الله - ذكر الآيات التي التي في معناها؛ نحو قوله تعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}: الرقيم: أي المرقوم؛ وهو الكتاب. كما في قوله {كتاب مرقوم}: أي مكتوب.

وقوله {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}: قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري، والسمعاني في تفسيره: أي منضود.
زاد الطبري: بعضه على بعض متراكب.

فقوله تعالى {هَضِيمٌ}: أي منهضم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي بن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي مريء، وهضيم - أيضا - ناعم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: لين نضيج ؛كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والهضيم: اللين الرطب، فالمعنى طلعها يتم ويرطب.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: ثمرها يانع لين نضيج.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي منضم قبل أن ينشق عنه القشر.

وقال ابن عباس: متصل بعضه إلى بعض.
حكاه نافع ابن الأزرق في مسائله لابن عباس.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضيم: الداخل بعضه في بعض، وهو فيما قيل أن رطبه بغير نوى، وقيل الهضيم الذي يتهشم تهشما.
والهضيم في اللغة الضامر الداخل بعضه في بعض ولا شيء في الطلع أبلغ من هذا.

وقال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {هضيم} أي جواد كريم من قولهم: يد هضوم - إذا كانت تجود بما لديها، وتفسيره بذلك يجمع أقوال العلماء، وإليه يرجع ما قال أبو عبد الله القزاز معناه أنه قد هضم - أي ضغط - بعضه بعضا لتراكمه، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كثير متقارب النضد، لا فرج بينه، ولطيف لين هش طيب الرائحة، من الهضم بالتحريك، وهو خمس البطن ولطف الكشح؛ والهاضم وهو ما فيه رخاوة، والهضم: البخور، والمهضومة: طيب يخلط بالمسك واللبان؛ قال الرازي في اللوامع: أو يانع نضيج لين رخو ومتهشم متفتت إذا مس، أو يهضم الطعام، وكل هذا يرجع إلى لطافته.

قال الواحدي في البسيط: الهضيم معناه في اللغة: كسر ما فيه رخاوة ولين. تقول: هضمته فانهضم كالقصبة المهضومة التي يزمر بها، والهضيم بمعنى المهضوم فيدخل في هذا اللين، واللطيف، والرخص، واليانع، والنضيج، والمنضم، والمتراكب؛ لأنه إذا تراكب صار كأن كل واحد قد نقص منه شيء، وكذلك: المنهشم. ويكون الهضيم بمعنى النقصان وهو نوع من الكسر، يقال: هضم له من حقه إذا كسر له منه. واللطيف في وصف الثمر هو: الرقيق الجسم؛ سمي هضيما لنقصانه، كما يقال: هضيم الحشا.

قال الطبري في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: الهضيم: هو المتكسر من لينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتحيفه، فكذلك الهضم في الطلع, إنما هو التنقص منه من رطوبته ولينه إما بمسّ الأيدي, وإما بركوب بعضه بعضا، وأصله مفعول صرف إلى فعيل.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}: " فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ": أي لا يخاف أن يمنع الثواب كله. وقوله {وَلَا هَضْمًا}: ولا نقصا؛ أي لا ينقص من ثوابه ولو مثقال ذرة، سيوفى ثوابه كاملا؛ فذلك قوله { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي لا يخاف ظلما فلا يظلم بأن يحمّل ذنب غيره عليه. ولا هضما: أي ولا يهضم فينقص من حسناته أو يعطى منها شيء لغيره، يقال: هضمه واهتضمه، إذا نقصه حقّه.

قال الفراء في معاني القرآن: تقول العرب: هضمت لك من حقي أي حططته.

انتهى كلامه.

فقوله {ولا هضما}: نقصا.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الاريب، وابو حيان الأندلسي في تحفة الأريب.

وقال - أيضا - أبو بكر السجستاني: أي ولا يهضم فينقص من حسناته. يقال: هضمه واهتضمه إذا نقصه حقه.

قال غلام ثعلب في الياقوتة: الهضم: النقص.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ولا هضما}: أي نقصة. يقال: تهضمني حقي وهضمني. ومنه هضيم الكشحين: أي ضامر الجنبين، كأنهما هضما. وقوله: {ونخل طلعها هضيم} أي منهضم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضم: النقص، يقال فلان يهضمني حقي أي ينقصني، كذلك هذا شيء يهضم الطعام، أي ينقص ثقلته.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: ورجل هضيم ومُهْتَضَم أي: مظلومٌ. وهَضَمْتُه واهْتَضَمْتُه وتَهَضَّمْتُه، كلٌ بمعنىً. اقل المتوكل الليثي:
إنَّ الأذِلَّةَ واللِّئامَ لَمَعْشَرٌ ... مَوْلاهُمُ المُتَهَضِّمُ المظلومُ
قيل: والظلمُ والهَضْمُ متقاربان. وفَرَّق القاضي الماوردي بينهما فقال: «الظلمُ مَنْعُ جميعِ الحقِّ، والهضمُ مَنْعُ بعضِه».

................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
*الوجيزفي تفسير معاني وغريب القرآن*

قوله تعالى
( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ 33 )) سورة ص.

*قوله ( نعم العبد )*: أي نعم العبد سليمان.

*قوله ( أبواب )*: رجاع، تواب إلى ربه.

*قوله ( إذ عرض عليه )*: على سليمان_ عليه السلام.

*قوله ( بالعشي )*: آخر النهار. بين اصفرار الشمس إلى غروبها.

*قوله ( الصافنات )* الخيول الواقفة على ثلاث قوائم، وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها.

*قوله ( الجياد )*: جمع جواد؛ وهي السراع، إذا جرت سبقت.

*قوله ( فقال )*: سليمان.

*قوله ( إني أحببت )*: آثرت، وأردت.

*قوله ( حب الخير )*: أي الخيل.
سميت بذلك: لكثرة خيرها، ومنافعها.

*قوله ( عن ذكر ربي )*: عن الصلاة. ومنه ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ).

*قوله ( حتى توارت )*: الشمس.

*قوله ( بالحجاب )*: أي غربت، واستترت بالمغيب.
ومنه حجاب المرأة؛ لأنه يحجب وجهها؛ أي يستره عن الرجال.

*قوله ( ردوها علي )*: الخيل المعروضة؛ فردوها إليه.

*قوله ( فطفق )*: أقبل، وجعل.

*قوله ( مسحا )*: أي يقطع قطعا.

يقال: مسحت الْعُضْو بِالسَّيْفِ: إِذا قطعته.

*قوله ( بالسوق )*: جمع ساق.

*قوله ( والأعناق)*: أي ذبحها وقطع أرجلها.

قال الواحدي: ولم يفعل ذلك إلاَّ لإِباحة الله عزَّ وجل له ذلك.
..............
المصدر:
التصاريف ليحيى بن سلام، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، جامع البيان للإيجي الشافعي، أحكام القرآن للجصاص، الوجيز للواحدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، جمهرة اللغة للأزدي، العين للخليل.
................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
 
قوله تعالى
{ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}: سورة: عبس (22).

*قوله {ثُمَّ}:* و.
عطف على سبق ذكره في قوله {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}.

*قوله {شَاءَ}:* الله.

*قوله {أَنْشَرَهُ}:* أحياه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، والسمعاني في تفسيره.

زاد السمعاني: وبعثه.

وزاد الواحدي: بعد موته.

وزاد بيان الحق: أنشره الله فنشر.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: والإنشار بمعنى الإحياء من قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره}.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي بعثه.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: وقوله عز وجل: (ثم إذا شاء أنشره)
معناه بعثه، يقال: أنشر الله الموتى، فنشروا، فالواحد ناشر. قال الشاعر:
حتى يقول الناس مما رأوا. . . يا عجبا للميت الناشر.

انتهى.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ}: قال النسفي في مدارك التنزيل ، وابن قتيبة في الغريب، وابن الهائم في التبيان، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: {هم ينشرون} أي يحيون الموتى.

قال ابن كثير في تفسيره: أي أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض، أي لا يقدرون على شيء من ذلك، فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه؟.

قال السمرقندي في بحر العلوم: " هم ينشرون "، يعني: هل يحيون تلك الآلهة شيئا.

انتهى.

ومنه {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}: قال الطبري في تفسيره: يقول جل ثناؤه: فأحيينا به بلدة من بلادكم ميتا، يعني مجدبة لا نبات بها ولا زرع، قد درست من الجدوب، وتعفنت من القحوط.

قال البغوي في تفسيره: أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك، {تخرجون} من قبوركم أحياء.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجازه، والواحدي في الوجيز: «فأنشرنا به بلدة ميتا» أي أحيينا.

زاد ابن المثنى: ونشرت الأرض أي حييت.
قال أبو السعود في تفسيره: أي أحيينا بذلك الماء.

قال السمرقندي في بحر العلوم: فأنشرنا به يعني: أحيينا بالمطر بلدة ميتا يعني: أرضا ميتة، لا نبات فيها كذلك تخرجون أنتم من قبوركم.

انتهى.

ومنه {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ}:قال ابن قتيبة في الغريب، وابن الهائم في التبيان: {وما نحن بمنشرين} أي بمحيين.

إلا أن ابن الهائم قال: محيين. ( بدون باء ).

انتهى.

ومنه {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}: أي الرياح تنشر المطر؛ الذي فيه إحياء الأرض. كما في قوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}.

قال ابن قتيبة في الغريب: الرياح التي تأتي بالمطر؛ من قوله: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}.

قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره؛ في قوله تعالى "{والناشرات نشرا} يحتمل أنها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها السحاب التي ينشر بها الله الأرض، فيحييها بعد موتها ".

قال الشنقيطي في أضواء البيان: واستظهر ابن كثير أنها الرياح، لقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح} وقوله: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}.

انتهى

ومنه {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}: قال ابن الهائم في التبيان: " نُشُورًا ": الحياة بعد الموت.

انتهى.

ومنه {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}: أي لا يخافون بعثا بعد الموت.

قال معمر بن المثنى في المجاز: مصدر نشر الميت نشورا وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: أي: لا يخافون بعثا ولا جزاء، أو لا يرجون بعثا وثوابا.

انتهى.

ومنه {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}: أي جعل النهار حياة بعدما أماتهم بالليل. والنوم وفاة كما قال تعالى ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ).

قال الواحدي في الوجيز: {وجعل النهار نشورا} حياة تنتشرون فيه من النوم.

انتهى.

ومنه ما يقال عند الاستيقاظ من النوم: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور». (1)

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: والنشور: الحياة بعد الموت.

قال الزبيدي في تاج العروس: النَّشْرُ إحياءُ المَيِّت، كالنُّشورِ والإنشارِ، وَقد نشَرَ اللهُ المَيِّتَ ينشُره نَشْراً ونُشوراً وأَنْشَرَه: أَحياهُ.
...................
(1): شطر من حديث رواه مسلم (2711) من حديث البراء بن عازب.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".
 
قوله تعالى
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}: النبأ: 9.

*وَجَعَلْنَا:* خلقنا، وصيرنا.

*نَوْمَكُمْ:* بالليل.

*سُبَاتًا:* أي راحةً لأبدانكم؛ من غير موت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: ليس بموت، رجل مسبوت فيه روح.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والسبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه، أي جعلنا نومكم راحة لكم.

قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن: قطعا لأعمالكم وراحة لأبدانكم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي راحةً لأبدانكم.

زاد ابن قتيبة: وأصل "السَّبْت": التمدُّد.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي قطعا، والسبت: القطع، فكأنه إذا نام فقد انقطع عن الناس.
........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك (واتساب)، للإبلاغ عن خطأ:00966509006424
 
عودة
أعلى