معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: البينة (5).

*قوله {وَمَا أُمِرُوا}:* يعني هؤلاء الكفار.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ}:* إلاَّ أنْ يعبدوا الله.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره.

قال ابن الجوزي زاد المسير: أي:إلاأن يعبدواالله. قال الفراء: والعرب تجعل اللام في موضع " أن" فيالأمر والإرادة كثيرا، كقولهعز وجل: يريداللهليبين لكم، ويريدون ليطفؤا نورالله.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي والحال أنهم ما أمروا في كتبهم إلا لأجل أن يعبدوا اللهويوحدوه مقاصد القرآن.

*قوله {مُخْلِصِينَ}:* أي موحدين لا يعبدون سواه.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

*قوله {لَهُ الدِّينَ}:* الدِّينَ: الطاعة.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.

قال الطبري في تفسيره: يقول: مفردينله الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك.

قال سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: والمراد اعبدوه مخلصينلهالطاعة.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ): قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أيمخلصينلهالطاعة.

ومنه قوله (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا): الدِّينُ: الطاعة. وقوله (وَاصِبًا): يعني دائما.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: والدين: الطاعة.

قال الواحدي في الوسيط: الدينالطاعة، والوصوب الدوام.

قال الطبري في تفسيره: ولهالطاعةوالإخلاص دائما ثابتا واجبا.

انتهى.

*قوله {حُنَفَاءَ}:* مائلين عن كل دين باطل، والحنيف المائل.
- وقد سبق بحمد الله معنى الحنيف مفصلا -.

قال البغوي في تفسيره: مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام.

قال القرطبي في تفسيره: قال أهل اللغة : وأصله أنه تحنف إلى الإسلام؛ أي مال إليه.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: وأصل الحنف في اللغة الميل وخصه العرف بالميل إلى الخير، وسموا الميل إلى الشر إلحادا.

*قوله {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}:* تقديره: ذلك دين الملة القيمة؛ وهي المستقيمة العادلة؛ التي لا اعوجاج فيها؛ وهي ملة الإسلام.

قال الطبري في تفسيره: ويعني بالقيِّمة: المستقيمة العادلة.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن، والكفوي في الكليات: أي الملة القيمة.

إلا أن الأخفش قال: اي: ذلك دين الملة القيمة.

قال البغوي في تفسيره: {دين القيمة} أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته ، لاختلاف اللفظين ، وأنث " القيمة " ردا بها إلى الملة.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وقوله: {وذلك دين القيمة} أي الأمة القيمة.

وقال الواحدي في الوجيز: {وذلك دين القيمة} أي: دين الملَّة القيِّمة وهي المستقيمة.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وذلك دين القيمة): أي وذلك دين الأمة القيمة بالحق فيكون ذلك دين الملة المستقيمة.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {وذلك دين القيمة} قال الإمامان: هاهنا مضمر، كأنه قال: وذلك دين الملة القيمة، فكأنة نعت مضمر محذوف، كما قال: جل وعز: {ربنا ما خلقت هذا باطلا} أي: خلقا باطلا.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: فالقيمة هاهنا اسم للأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله: كنتم خير أمة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {دين القيمة} يجوز أن تكون إضافته على بابها فتكون {القيمة} مراداً به غير المراد بدين مما هو مؤنث اللفظ مما يضاف إليه دين أي دين الأمة القيّمة أو دين الكُتُب القَيمة. ويرجّح هذا التقدير أن دليل المقدَّر موجود في اللفظ قبله.

قال الخضيري السراج في بيان غريب القرآن: {القيمة}: الاستقامة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى ومنه (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ):قال الجلال المحلي: دين الإسلام.

وقال الايجي: (القَيمِ): البليغ الاستقامة.

قال النسفي في مدارك التنزيل: المستقيم.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (ذلكالدينالقيم) يقول تعالى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنيفا، غير مغير ولا مبدل، هوالدينالقيم، يعني:المستقيمالذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية، وغيرذلكمن الضلالات والبدع المحدثة.
.........…........

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا لَمًّا﴾ [الفجر: 19].

*قوله {وَتَأكُلونَ التُّراثَ}:* التُّراثَ: الميراث.
قاله مكي في تفسير المشكل من غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.

*قوله {أَكلًا لَمًّا}:* أكلا شديدًا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، وغيرهم.

زاد الطبري: لا تتركون منه شيئا.

وزاد ابن قتيبة: وهو من قولك: لممت الشيء؛ إذا جمعته.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والتقدير: أكلا ذا لم وهو أن يأخذ فيالميراثنصيبهونصيب غيره.

انتهى.
................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الماعون (7).

الماعون: كل ما ينتفع به؛ من قليل وكثير.

فيشمل الزكاة وهو أعلى ما قيل في تفسير الآية، ويشمل كذلك أدنى ما قيل فيه من الأواني والملح، حتى الإبرة.

وهذا أجود من تخصيص الماعون بشيء دون آخر؛ لأن من أهل العلم من خصه بالزكاة فحسب، ومنهم من خصه بالماء، وقيل غير ذلك؛ ففي تأويلها اثنا عشر قولا.

ويدخل فيه ما يستعار ولا تضرر في إعارته للغير؛ قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء؛ في قوله تعالى (ويمنعون الماعون) وقال ابن عباس : العارية. وحكاه جمع من أهل العلم عنه - رضي الله عنه -.

لذا أوصي بتعلم فقه العارية؛ وهي: هبة المنفعة بغير عوض، وهي قربة لله تعالى، وفيها أجر. ومن فقه مثل هذا، وما سنه الإسلام فيها؛ من آداب وشروط لأقبل الناس على صنع المعروف.

فالماعون عام؛ يدخل فيه كل معروف؛ يمكن بذله.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: يمنعون إعارة ما لا تضر إعارته من الآنية وغيرها؛ لبخلهم.

قال السعدي في تفسيره: {ويمنعون الماعون} أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به. فهؤلاء -لشدة حرصهم- يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم, وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته، يقال للماء الذي ينـزل من السحاب ماعون.

قالأبو حيان في البحر المحيط في التفسير: الماعون: فاعول من المعن، وهو الشيء القليل. تقول العرب: ما له معن، أي شيء قليل.

قال الزَّبيدي في تاج العروس: والماعون: المعروف كله لتيسره وسهولته.
وقال - أيضا -: والماعون: المنفعة والعطية.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: واشتقاق الماعون من المعن، أي الشيء اليسير.

قال الكفوي في الكليات: الماعون: كل ما يستعار من قدوم أو شفرة أو قدر أو قصعة فهو ماعون.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والماعون: اسم جامع لمنافع البيت، كالقِدْر والفأس ونحوها.

قال الفيروزآبادى في القاموس المحيط: والماعون: المعروف، والمطر، والماء، وكل ما انتفعت به، كالمعن، أو كل ما يستعار من فاس وقدوم وقدر ونحوها، والانقياد، والطاعة، والزكاة، وما يمنع عن الطالب، وما لا يمنع، ضد.

قال زين الدين الحنفي في مختار الصحاح: و (الماعون) اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس ونحوهما. والماعون أيضا الماء. والماعون أيضا الطاعة. وقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} قال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية كل منفعة وعطية. وفي الإسلام الطاعة والزكاة. وقيل: أصل الماعون معونة والألف عوض عن الهاء.

انتهى.

فقوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: كالإبرة والفأس والقدر والقصعة.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال الواحدي في الوجيز {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الزَّكاة وما فيه منفعةٌ من الفأس والقِدر والماء والملح.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والماعوناسملمالا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الملح والماء والنار.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وصفٌ لهم بقلة النفع لعباد الله.

قال القاسمي في محاسن التاويل: ويمنعون الماعون أي ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به.

قال الشوكاني في فتح القدير: ويمنعون الماعون. قال أكثر المفسرين: الماعون: اسم لما يتعاوره الناس بينهم: من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي يمنعون ما فيه منفعة.والماعون في الجاهلية ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقداحة
وكل ما انتفع به من قليل أو كثير.

قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء
واختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى: {الْمَاعُونَ}.
فكان ابن مسعود يقول: العواري، الدلو، والقدر، والميزان.
وقال ابن عباس: العارية.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وفيالماعونأربعة أقوال: الأول أنه الزكاة، والثاني أنه المال بلغة قريش. الثالث أنه الماء، الرابع أنه ما يتعاطاه الناس بينهم كالآنية والفأس والدلو والمقص، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال الماء والنار والملح وزاد في بعض الطرق الإبرة والخميرة.

ثم قال - رحمه الله - بعد ان ذكر أقولا عدة -: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عاما، من غير أن يخص من ذلك شيئا أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاونونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنع الماعون: أي امساكه وعدم إعطاءه للغير؛ على وجه البخل والحرص فحسب؛ مع يسره وحقارته، وضمان رجوعه عليه عند اعارته؛ كما أنهم يمنعون إعانة الغير؛ ليته لضرر يلحقهم؛ إنما منعوا لمجرد المنع.

قال ابن كثير في تفسيره: أي لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم .
...................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}: الجن (3).

*قوله {وَأَنَّهُ}:* أي الشأن.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

*قوله {تَعَالَى}:* ارتفع.
قاله ابن ابي زمنين في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وغيرهم.

*قوله {جَدُّ رَبِّنَا}:* جَدُّ اللهِ أي عظمةُ اللهِ، والجَدُّ من معانيه: العظمة.

وفي الحديث (1) «كان إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".
والشاهد قوله: ( وتعالى جدك ): أي تعالت عظمتك.

قال كُراع النمل أبو الحسن الأزدي في المُنَجَّد في اللغة: والجَدُّ: العظمة، ومنه قوله عز وجل: {تعالى جد ربنا}: أي عظمته.

وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: جَدُّ الله: جلاله وعظمته.

قال الطبري في تفسيره: أي عظمة ربنا وقُدرته وسلطانه.

قال أبو بشر البَندنيجي في التقفية في اللغة: والجد: القطع. والجد: أبو الأب. والجد: العظمة. قال جل ذكره: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي: عظمة ربنا. والجد: الحظ، ومنه قوله: " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي: من كان له حظ في الدنيا، ولم ينفعه ذلك عندك في الآخرة إلا أن يكون له عمل صالح.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والسمعاني في تفسيره: أي عظمة ربنا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {جد ربنا} عظمته وكبرياؤه.

وقال بيان الحق النيسابوري الغزنوي في باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن: سلطانه وعظمته.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: قال جمهور المفسرين معناه عظمته.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: {جد ربنا}: عظمة ربنا جل وتعالى: يقال: جد فلان في الناس، إذا عظم في عيونهم، وجل في صدورهم. ومنه قول أنس: (كان الرجل إذا قرا البقرة وآل عمران جد فينا) أي عظم في أعيننا.

قال أبو السعود في تفسيره: (تعالى جد ربنا): اي ارتفع عظمته من جد فلان في عيني أي عظم تمكنه او سلطانه او غناء على أنه مستعار من الجد الذي هو البخت والمعنى وصفه بالاستغناء عن الصاحبة والولد لعظمته او لسلطانه او لغناه.

وقال نافع بن الأزرق في مسائله لعبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: جَدُّ رَبِّنا.
قال: ارتفعت عظمة ربنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أمية بن أبي الصلت «2» وهو يقول:
لك الحمد والنّعماء والملك ربّنا ... فلا شيء أعلى منك جدّا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
عليه حجاب النور والنّور حوله ... وأنهار نور حوله تتوقّد.
............
(1): رواه ابن ماجة (806)، وأبو داو (776)، والترمذي (243 ) من حديث عائشة رضي الله عنها،
وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 4667، وفي صحيح أبي داو برقم: 749.
...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿يَقولُ أَهلَكتُ مالًا لُبَدًا﴾: [البلد: 6].

*قوله {يَقولُ أَهلَكت}:* أَهلَكت: أنفقت.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَىهَلَكَتِهِفِي الْحَقِّ...». (1).

فقوله: (علىهلكته): أي على إنفاقه؛ يعني يهلك ماله في مرضاة ربه؛ ولذلك من كثرة انفاقه.

قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: هَلَكَتِهِ: أي إهلاكه؛ أي إنفاقهفي الطاعات.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى ( أَهلَكتُ): يعني أنفقت.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره.

*قوله {مالًا لُبَدًا}:* لُبَدًا: أي كثيرا؛ رُكب، وألصق، وجمع بعضه على بعض.

ومنه سمي الشعر المتراكم في رقبة الأسد لِبْدَة؛ لتجمعه وتراكمه.

ومنه قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا): لِبَدًا: جماعات كثيرة؛ متراكب بعضهم على بعض؛ ملتصقة.
يعني من كثرة جماعات الجن وازدحامهم قربوا أن يركب بعضهم على بعض؛ من كثرتهم؛ وذلك من شدة اشتياقهم لسماع القرآن.

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر: معناه: كادوا يلتصقون به، ويقعون عليه، من رغبتهم في استماع القرآن.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: واللبد: كل ما لصق وتراكب بعضه على بعض.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {لُبَدًا}: كثيرا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والبغوي في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وهو قول الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

زاد البغوي في تفسيره: بعضه على بعض؛ من التلبيد.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: فعل من التلبّد وهو المال الكثير بعضه على بعض.

قال الطبري في تفسيره: قوله:{يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا} يقول هذا الجليد الشديد: أهلكت مالا كثيرا، في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، فأنفقت ذلك فيه، وهو كاذب في قوله ذلك، وهو فعل من التلبُّد، وهو الكثير، بعضه على بعض، يقال منه: لبد بالأرض يَلْبُد: إذا لصق بها.
....................
(1): شطر من حديث رواه مسلم (٨١٦)؛ من حديث ابنمسعود - رضي الله -.

......................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*- معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424 -*

قوله تعالى
{فَكَذَّبوهُ فَعَقَروها فَدَمدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم بِذَنبِهِم فَسَوّاها (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15)}: الشمس.

*قوله {فَكَذَّبوهُ}:* يعني قوم صالح؛ كذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به.

*قوله {فَعَقَروها}:* فجرحوها؛ أكثروا فيها الجراح، وقطعوا ما قطعوا من أرجلها؛ حتى قتلوها.

ولقد سجدت لله شكرا لما وقعت عيناي على ما قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور؛ فقد صلت وجلت في تتبع كلام العلماء في معنى قوله (فعقروها)، ولما لم يقل - مثلا - فقتلوها، أو ذبحوها؛ فلم أجد ما يشفي الصدر اللهم إلا جملة من كلام العلماء على نحو ما سترى؟!

وسأذكر لك كلام البقاعي - رحمه الله - بعد أن أذكر لك جملة من كلام علماء اللغة، وشراح الحديث، وأصحاب المعاجم.

قال القاضي عياض اليحصبي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار، والفيروزآبادي في القاموس المحيط: والعقر:الجرح.

قالجمال الدين الفَتَّني في مجمع بحار الأنوار: والعقرضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: قال ابن شميل: ناقة عقير، وجمل عقير. والعقرلا يكون إلا في القوائم. وقد عقره إذا قطع قائمة من قوائمه.

قال أبو عمرو الشيباني في الجيم: عقر الرجل: إذا لم تطاوعه رجلاه في الشد.

قال البقاعي في نظم الدرر: {فعقروها}: أي قتلوها بضرب ساقها بالسيف.

انتهى كلامه.

سؤال:

فإن قلت لما جاء قوله ( فَعَقَروها) بلفظ الجمع؛ مع أن القاتل فرد واحد؟، كما جاء في قوله (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا)، وقوله (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)؟.

الجواب: لما رضوا بفعله نسبه الله إليهم جميعا؛ وكما في قوله (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ): فالراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم؛ فمن أعان القاتل ولو بشطر كلمة فهو مثله.

قال القرطبي في تفسيره: {فعقروها} أي عقرها الأشقى. وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله. انتهى.

*قوله {فَدَمدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم}:* فَدَمدَمَ: الدمدمة: رجفة الأرض.
والمعنى: أرجف وحرك الأرض بهم؛ فهدم ما حولهم عليهم.

كما في قوله تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ): و "جاثمين ": واقعين بعضهم على بعض. وجاثمين: باركين على الركب أيضا.(1).

قال القرطبي في تفسيره: فقوله: فدمدم عليهم أي أهلكهم ، فجعلهم تحت التراب .

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله عز وجل (فدمدم): أرجف بهم.

قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {فدمدم} أرجف وحرك.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ: أرجف بهم الأرض، أي حرّكها.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: أي أهلكهم، وأزعجهم، وقيل: الدمدمة حكاية صوت الهرة.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: والدمدمة، المبالغة في العقوبة والنكال.

وقال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {فدمدم عليهم ربهم} أي: عذبهم عذابا تاما.

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: أكثر أهل اللغة والتفسير قالوا: معنى دمدم عليهم: أرجف الأرض بهم، أي حركها، والرجفة معناها في اللغة: الحركة. قال ورقة بن نوفل :
(فقالوا لأحمد قولا عجيبا...تكاد البلاد له ترجف).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} {فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عقباها}: أي صاح عليهم ربهم صيحة غضب. والمراد بهذه الدمدمة صوت الصاعقة والرجفة التي أهلكوا بها قال تعالى: {فأخذتهم الصيحة}.

*قوله {بِذَنبِهِم}:* أي بسبب ذنبهم؛ وهذا كقوله تعالى (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ). أخذهم بتكذيبهم أنبياءهم، وعصيانهم.

وكقوله (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا).

وفيه إشارة إلى قوله (فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {بذنبهم} أي بسببه.

*قوله {فَسَوّاها}:* أي سوى بلادهم بالأرض.
قاله الراغب.

قال السمرقندي في بحر العلوم: فسواها يعني: فسوى الأرض عليهم.

قال السمعاني في تفسيره: أي سواهم بالأرض، فلم يبق منهم أحدا صغيرا ولا كبيرا.

وقال مكي في الهداية: أي: فسوى الدمدمة عليهم جميعا فلم يفلت منهم أحد.

*قوله {وَلَا يَخَافُ}:* الله.

*قوله {عُقْبَاهَا}:* عاقبة ما يفعل. أي لا يخاف عاقبة إهلاكهم.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: أي لا يخاف عاقبة تبعة تلحقه بذلك.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي لا يخشى تبعة إهلاكهم لأنه العزيز الذي لا يغالب.

قال الجلال المحلي في الجلالين: {عُقْبَاهَا}: تبعتها.

قال القرطبي: أي فعل ذلك بهم غير خائف أن تلحقه تبعة الدمدمة من أحد.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي فعل الله ذلك بهم غير خائف من عاقبة ولا تبعة.

قلت (عبدالرحيم): وإنما نبه الله - تعالت عظمته - على أنه لا يخاف عاقبة ما يفعله لتمام عظمته وقدرته، وسلطانه؛ لأن الناس في الدنيا قد يجازون المخالف ولكنهم يخشونه، أو يخشون أقرباءه.

ولأن الملوك في الدنيا يخشون عاقبة ما يفعلون؛ لكن الله إذا أحل بأسه وانتقامه وعذابه الشديد في إهلاك من شاء من الأمم فمن يخاف، ومن يمنعه؟.
...........
(1): قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
...............................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ:00966509006424).*

قوله تعالى
﴿وَأَمَّا القاسِطونَ فَكانوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾: [الجن: 15].

*قوله {القاسِطونَ}:* الجائرون.

يقال: قسط فلان إذا جار وظلم. ويقال: أقسط إذا عدل.

فيقال للجائر: قاسط. ويقال للعادل: مقسط. كما في قوله (إن الله يحب المقسطين): العادلين في حكمهم.

وفي الحديث: «إن المقسطين عند الله علىمنابرمن نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا». (١).

فمعنى قوله تعالى (وأما القاسطون): يعني الجائرون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، وابن الهائم في التبيان تفسير غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم.

وزاد ابن أبي زمنين: عن الهدى.

قال الطبري في تفسيره: وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن - عند عرضه لقوله تعالى -: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} لأنه من "أقسط" "يقسط". و"الإقساط": العدل. وأما "قسط" فإنه "جار" قال {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} فـ"أقسط": عدل و"قسط": جار. قال {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}.

*قوله { حَطَبًا}:* وقودا.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين.

انتهى.
..................................
(١): رواه مسلم (١٨٢٧)من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -.

..............
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقوَمُ قيلًا﴾
[المزمل: 6].

*قوله {إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيلِ}:* ساعات الليل.
قاله الطبري في تفسيره، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم.

زاد الطبري:وكلّ ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل.

*قوله {هِيَ أَشَدُّ وَطئًا}:* أي أثقل على المصلي من ساعات النهار.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال السمعاني في تفسيره: والمعنى: أنه أثقل على البدن؛ لأنه وقت الراحة والسكون، فيكون القيام فيه أثقل، وإذا كان القيام أثقل فالثواب أعظم، فإن الجهد إذا كانأشد، والعمل أتعب، فالثواب أكبر.

*قوله {وَأَقوَمُ قيلًا}:*أبين قولا.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال البغوي في تفسيره: وأصوب قراءة وأصح قولا لهدأة الناس وسكون الأصوات .

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أسمع قولا، إن الليل أسمع.

قال الفراء في معاني القرآن: إن النهار يضطرب فيه الناس، ويتقلبون فيه للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: وقوله: {وأقوم قيلا} أي أصدق في التلاوة وأجدر ألا يلبس عليك الشيطان تلاوتك.
......................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿وَأَنَّهُ كانَ يَقولُ سَفيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾
[الجن: 4].

*قوله {وَأَنَّهُ كانَ يَقولُ سَفيهُنا}:* سَفيهُنا: يعني: جاهلنا. يعني: إبليس.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.

إلا أن الطبري قال: وهو إبليس.

قال النسفي في مدارك التنزيل: إذ ليس فوقه سفيه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: هذا من كلام الجن، وسفيههم أبوهم إبليس.

*قوله {عَلَى اللَّهِ شَطَطًا}:* شَطَطًا: يعني كذبا؛ فبعد به عن الحق بعدا شديدا؛ وجار جورا عظيما في وصفه بالصاحبة والولد.

وأصله من الشطط؛ وهو الإفراط في البعد. يقال: شَطَّتِ الدّارُ: يعني بعدت. وشَطُّ النّهر حيث يبعد عن الماء من حافته. (1).

وليس ثم شيء أبعد عن الحق من نسبة الشريك، والولد لله - جل ذكره -.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والشطط: مجاوزة القدر في بيع أو طلب أو احتكام أو غير ذلك، مشتق منه، وفي التنزيل: (وإنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) .
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {شَطَطًا}: أي غلوا في الكذب والجور.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: كذباً وجوراً من المقال.
وبنحوه قال ابن أبي زمنين في تفسيره، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن. .

قال البغوي: كذبا وعدواناً، وهو وصفه بالشريك والولد.

قال الألوسي في روح المعاني: أي قولا ذا شطط أي بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو في نفسه شطط لفرط بعده عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد إليه عز وجل.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ولا تشطط} أي لا تجر علينا.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي لا تبعد عن الحق ولا تجر. يقال: شط، وأشط، واشتط.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ولا تجُر، ولا تسرف في حكمك، بالميل منك مع أحدنا على صاحبه.

قال أبو حيان الاندلسي في تحفة الأريب: {تُشطِط}: تجور وتسرف. وتَشطُط: تبعد.

انتهى.
...............
(1): أنظر المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
............
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}: الكهف (11).

*قوله {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِم}:* ألقينا عليهم النوم؛ بأن ضربنا على آذانهم حجابا فمنعناها من السمع من غير علة (صمم)؛ لكي لا يسمعوا ما يوقظهم فناموا نوما عميقا.
لأن النائم عيناه مقفلتان وغالب ما يزعجه ويوقظه يأتيه عن طريق السمع.

وأصل الضرب: المنع. ومنه قولهم " ضربت على يديه أي منعته من التصرف.

فمعنى قوله تعالى {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِم}: أي أنمناهم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والكفوي في الكليات، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

زاد الكفوي: إنامة لا تنبههم فيها الأصوات.

قال الطبري في تفسيره: فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف: أي ألقينا عليهم النوم.

قال الزركشي في البرهان: يريد لا إحساس بها من غير صمم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: منعناهم أن يسمعوا؛ لأن النائم إذا سمع انتبه. فالمعنى أنمناهم، ومنعناهم السمع.

قال النحاس في معاني القرآن: والمعنى أنمناهم لأنهم إذا سمعوا انتبهوا.

وقال الواحدي في الوجيز: {فضربنا على آذانهم} سددنا آذانهم بالنَّوم.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ): أي ضربنا عليها حجابًا من أن تسمع يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما يقال: بنى على امرأته أي: القبة.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: ألقينا عليهم النوم العميق.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: ضرب على أذنه: جعل عليها حجابا يمنعها من السمع.

*قوله {سِنِينَ عَدَدًا}:* يعني سنين معدودة.*
قاله الطبري.
.....................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*الوجيزفي تفسير معاني وغريب القرآن*

قوله تعالى
( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ 33 )) سورة ص.

*قوله ( نعم العبد )*: أي نعم العبد سليمان.

*قوله ( أبواب )*: رجاع، تواب إلى ربه.

*قوله ( إذ عرض عليه )*: على سليمان_ عليه السلام.

*قوله ( بالعشي )*: آخر النهار. بين اصفرار الشمس إلى غروبها.

*قوله ( الصافنات )* الخيول الواقفة على ثلاث قوائم، وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها.

*قوله ( الجياد )*: جمع جواد؛ وهي السراع، إذا جرت سبقت.

*قوله ( فقال )*: سليمان.

*قوله ( إني أحببت )*: آثرت، وأردت.

*قوله ( حب الخير )*: أي الخيل.
سميت بذلك: لكثرة خيرها، ومنافعها.

*قوله ( عن ذكر ربي )*: عن الصلاة. ومنه ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ).

*قوله ( حتى توارت )*: الشمس.

*قوله ( بالحجاب )*: أي غربت، واستترت بالمغيب.
ومنه حجاب المرأة؛ لأنه يحجب وجهها؛ أي يستره عن الرجال.

*قوله ( ردوها علي )*: الخيل المعروضة؛ فردوها إليه.

*قوله ( فطفق )*: أقبل، وجعل.

*قوله ( مسحا )*: أي يقطع قطعا.

يقال: مسحت الْعُضْو بِالسَّيْفِ: إِذا قطعته.

*قوله ( بالسوق )*: جمع ساق.

*قوله ( والأعناق)*: أي ذبحها وقطع أرجلها.

قال الواحدي: ولم يفعل ذلك إلاَّ لإِباحة الله عزَّ وجل له ذلك.
______________
المصدر:
التصاريف ليحيى بن سلام، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للفراء، تفسير البغوي، تفسير السمرقندي، جامع البيان للإيجي الشافعي، أحكام القرآن للجصاص، الوجيز للواحدي، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، جمهرة اللغة للأزدي، العين للخليل.
................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*
 
*معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}: الضحى.

*قوله {وَ}:* قسم. والمعنى: أقسم.
والله يقسم بما شاء من خلقه؛ أما العبد فبالله وحده يقسم.

*قوله {الضُّحَى}:* أصل الضحى: الصبح وهو نور الشمس؛ وَقت الشروق.

لكنه أقسم ب/ {الضُّحَى} وأراد النهار كله؛ كما في قوله تعالى {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}: يعني نهارها كله.
وبدليل السياق؛ وهو أن الله أقسم بعدها بالليل؛ في قوله (والليل إذا سجى).

فقوله تعالى {والضحى}: هو النهار كله.
قاله الفراء في معاني القرآن.

قال البغوي في تفسيره: أقسم بالضحى وأراد به النهار كله.

قال الطبري في تفسيره: أقسم ربنا جل ثناؤه بالضحى، وهو النهار كله.

قلت (عبدالرحيم): {والضحى}: يعني النهار كله. فأطلق الجزء وأراد به الكل.

و نظير ذلك قوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ): يعني خسرت. والمعنى خسر أبو لهب. فأطلق الجزء وأراد الكل.

قالالهرري في تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: أطلقالجزءوأرادالكل؛ أي: هلك أبو لهب.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: خسرت يدا أبي لهب، وقد خسر هو.

وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا): والشاهد قوله (إِنَّهَا كَلِمَةٌ): مع أنها كلمات!.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: قوله ( إِنَّهَا كَلِمَةٌ): من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.

وكما في قوله (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ): قال القاسمي في محاسن التأويل: من إطلاق الجزء على الكل.

وقوله (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ): يعني صاحبها أبا جهل. من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.

قال الواحدي في الوجيز: وتأويلها: صاحبها كاذب خاطئ.

قال الألوسي في روح المعاني: ويفيد أنه لشدة كذبه وخطئه كأن كل جزء من أجزائه يكذب (ويخطأ وهو كقوله تعالى تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) وقولهم وجهها يصف الجمال. فالإسناد مجازي من إسناد ما للكل إلىالجزء.

انتهى.

*قوله {وَاللَّيْلِ}:* أي وأقسم بالليل.

*قوله {إِذَا سَجَى}:* سكن.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، وغيرهم.

زاد أبو عبيدة: يقال: ليلة ساجية وليلة ساكنة.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: (سجى): غطى الكون بظلامه، وسكن.

*قوله {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}:* وَدَّعَكَ: تركك.

قال بطال الركبي في النظم المستعذب: والوداع: مفارقة ومتاركة، يقال: دعه: أي اتركه.

قال في جمهرة اللغة: والوداع بفتح الواو، من التوديع.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والوداع: الترك وقد ودعه ووادعه.

قال أبو حيان في تحفة الاريب: {ما ودعك}: ما تركك، ومنه الوداع.

*قوله {وَمَا قَلَى}:* قَلَى: أي قلاك. يعني: أبغضك. والقِلَى: البغض؛ نص عليه الأزدي في جمهرة اللغة، والصُحاري في الإبانة في اللغة، والرازي في مختار الصحاح، وابن منظور في لسان العرب.

ومنه قوله تعالى (قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ): قال أبو بكر السجستاني: قالين: مبغضين. تقول: قليته أقليه قلى، إذا أبغضته.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى): ما تركك، وأبغضك بعدما أحبك واصطفاك بالرسالة. وذلك لما انقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم فترة.

ففي الصحيحين من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مَنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).

وفي لفظ لمسلم (1797) من طريق الأسود بن قيس أنه سمع جندبا، يقول: " أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد ودع محمد، فأنزل الله عز وجل: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}: يونس (28).

*قوله {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ}:* يعني: المشركين وأوثانهم جميعا.
قاله ابن ابي زمنين.

قال السعدي في تفسيره: أي نجمع جميع الخلائق، لميعاد يوم معلوم، ونحضر المشركين، وما كانوا يعبدون من دون الله.

قلت ( عبدالرحيم): قوله تعالى {نَحْشُرُهُمْ}: أي نجمعهم بغلظة وكره وازعاج. وأصل الحشر: الجمع مع سوق بكره؛ وهذا خاص بالمجرمين؛

أما أهل الإيمان فيحشرون أي يجمعون برفق؛ لأنك تستطيع أن تجمع الناس برفق لخير ما؛ كوليمة عرس أو نحوها؛ فحينها لا يعد سوقا. فإذا تبين لك هذا فيظهر لك بجلاء قوله تعالى (يَومَ نَحشُرُ المُتَّقينَ إِلَى الرَّحمنِ وَفدًا . وَنَسوقُ المُجرِمينَ إِلى جَهَنَّمَ وِردًا).

قال العسكري في الوجوه والنظائر: أصلالحشرالجمع معالسوق.

قال أبو حيان في البحر المحيط: الحشرفيه جمع من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة على سبيل القهر.

قال ابن فورك في تفسيره: الحشر:السوقمن الجهات المختلفة إلى المكان الواحد.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: الحشر الجمع مع سوق، وكل جمع حشر.

وقال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، والكفوي في الكليات: الحشر الجمع بكره.

زاد الحربي: وسوق.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى وقوله (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ): احْشُرُوا: أي اجمعوا بعنف الذين ظلموا وأشكالهم وأشباههم من الظالمين.

قال البغوي في تفسيره: اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء.

وقوله (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ): حَاشِرِينَ: قال الجلال المحلي في الجلالين: جامعين.

قالالعسكري في الفروق اللغوية: أنالحشرهو الجمع معالسوقوالشاهد قوله تعالى (وابعث في المدائن حاشرين) أي ابعث من يجمع السحرة ويسوقهم اليك ومنه يوم الحشرلأن الخلق يجمعون فيه ويساقون غلى الموقف وقال صاحب المفصل لا يكونالحشرإلا في المكروه وليس كما قال لأن الله تعال يقول (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) وتقول القياس جمع بين مشتبهين يدل الأول على صحة الثاني ولا يقال في ذلك حشر وإنما يقالالحشرفي ما يصح فيهالسوقعلى ما ذكرنا.

ومما ورد قوله (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ): قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: مجموعة.

ومنه (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ): أي جمعت للقصاص حتى يقاد فيما بينها؛ وذلك يوم البعث والجزاء.

قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: حشرت: جمعت.


انتهى.

*قوله {مَكَانَكُمْ}:* بالنصب. أي : الزموا مكانكم.

ونظيرتها ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم (665) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه - لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «يَا بَنِي سَلِِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»: دِيَارَكُمْ: بالنصب؛ أي الزموا دياركم؛ كما أنتم في أمكنكم البعيدة عن المسجد؛ لتكثر خطاكم إليه؛ فتكتب لكم الحسنات، وتوضع عنكم السيئات.

فقوله {مَكَانَكُمْ}: أي الزموها؛ انتظروا ولا تبرحوها؛ فيلزموها رغما عنهم؛ مقهورين ذللين؛ لا خيار لهم أن يذهبوا يمنة أو يسرة؛ كما كانوا في الدنيا يمرحون.

قال البغوي في تفسيره: (مَكَانَكُم) الزموا مكانكم.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: لأنه في معنى "انتظروا أنتم وشركاؤكم".

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يجوز النصب في قوله عز وجل: {مكانكم} على الأمر، كأنهم يقال لهم: انتظروا مكانكم حتى يفصل بينكم؛ وهي كلمة جرت على الوعيد؛ تقول العرب: (مكانك) تتوعد بذلك.

قال الطبري في تفسيره: أي امكثوا مكانكم، وقفوا في موضعكم، أنتم، أيها المشركون، وشُركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الآلهة والأوثان.

*قوله {أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ}:* و {شركائهم}: يعني: آلهتكم.
قاله ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب.

*قوله {فَزَيَّلْنَا}:* فميزنا بلغة حمير.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم، وابن الهائم في التبيان في تفسير، وذكره عبدالله بن سحنون السامري في اللغات في القرآن.

والمعنى ميزنا وفرقنا وفصلنا؛ بين المشركين وآلهتهم المزعومة؛ بين العابد والمعبود.

وذلك لتزداد حسرتهم؛ فهم الآن في متفرقين؛ تقطعت بهم الأسباب؛ فذلك قوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يعني الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ميزنا وفرقنا بين المشركين وبين آلهتهم، وأصله في اللغة: من زال يزول، وأزلته وزيلته بمعنى واحد.

قال السمين في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي ميزنا بين أهل الأديان وشركائهم وفصلناهم. وزايلت فلانًا أي فارقته.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: ميزنا؛ يقال: أزلت الشيء من الشيء أزيله؛ أي: مزته منه أميزه.

قال الواحدي في الوجيز: فرَّقنا وميَّزنا.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي فرقنا بينهم. وهو من زال يزول وأزلت.

قال الطبري في تفسيره: (فزيّلنا بينهم) ، يقول: ففرقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به.

قال البغوي في تفسيره: (فزيلنا) : ميزنا وفرقنا ( بينهم ) أي : بين المشركين وشركائهم ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا): فقوله (لَوْ تَزَيَّلُوا): أي لو تفرق وتميز الكفار عن المسلمين؛ لأنزلنا العذاب بالكافرين؛ لكنهم اختلطوا؛ فلطفا منه تعالى أمسك عذابه عنهم. وهذا يبين لك كرامة المسلم على ربه.

قال ابن كثير في تفسيره: (لو تزيلوا ) أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم.

قال البغوي في تفسيره: لو تميزوا يعني المؤمنين من الكفار.

انتهى كلامه.

فقوله (تَزَيَّلُوا): يعني تفرقوا.
قاله الكفوي في الكليات، والسمرقندي في بحر العلوم، والنسفي في مدارك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

زاد النسفي: وتميز المسلمون من الكافرين.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: {تَزَيَّلُوا}: تميّزوا: حتى لا يختلط بمشركي مكة مسلم.

قال الفراء في معاني القرآن: لو تميز وخلص الكفار من المؤمنين، لأنزل الله بهم القتل والعذاب.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله: {فزيلنا}، أي: فرقنا وميزنا كقوله تعالى: {لو تزيلوا لعذبنا}.

انتهى.

*قوله {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ}:* أي تقول الآلهة للعابدين.
يعني تقول الأصنام والأوثان، وما عبد من دون الله من حجر أو شجر أو نحو ذلك؛ لمن عبدها في الدنيا؛ تقول وتنطق يوم القيامة قائلة:

*{مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}:* بل كنتم تعبدون الشياطين التي أمرت بعبادة غير الله.

ونظيرتها قوله تعالى (وَيَومَ يَحشُرُهُم جَميعًا ثُمَّ يَقولُ لِلمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيّاكُم كانوا يَعبُدونَ . قالوا سُبحانَكَ أَنتَ وَلِيُّنا مِن دونِهِم بَل كانوا يَعبُدونَ الجِنَّ أَكثَرُهُم بِهِم مُؤمِنونَ).

فقوله {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ}: يعني لا علم لنا بعبادتكم إيانا؛ وهذا توبيخ لعباد الأصنام أنها كانت لا تسمع ولا تبصر؛ فهي الآن لا تعلم عن عبادتهم شيئا.

لذا قال بعدها {فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}: كنا لا نعي من عبادتكم لنا شيئا؛ بل كنا نسبح بحمد الله؛ ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده)؛ بل كنتم تعبدون الشياطين التي أمرت بعبادتنا.

وهذا مصداقا لقوله تعالى - على لسان ابرهيم - (يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ): لأنه الآمر الأول بعبادة الأصنام.
مع أنه قال قبلها (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)؛ فعلم أن المقصود الأول بالعبادة من حرض عليها وسن عبادتها في هذا الكون؛ وهو الشيطان؛ كما لا يخفى في قصة الأصنام (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا).

فالكفار جميعا وإن كثرت أسماء أديانهم يعبدون الشيطان؛ لأنه المحرض الرئيس على الشرك.

ومعنى: {إن كنا} لقد كنا. قاله ابن أبي زمنين.

قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: وقالت الاصنام {ما كنتم إيانا تعبدون} لأنه ما كان فينا روح فنعلم بعبادتكم.

انتهى.

المعنى الاجمالي للاية؛ من كتاب (التفسير الميسر):

واذكر -أيها الرسول- يوم نحشر الخلق جميعا للحساب والجزاء، ثم نقول للذين أشركوا بالله: الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله حتى تنظروا ما يُفْعل بكم، فَفَرَّقْنا بين المشركين ومعبوديهم، وتبرَّأ مَن عُبِدُوا مِن دون الله ممن كانوا يعبدونهم، وقالوا للمشركين: ما كنتم إيانا تعبدون في الدنيا.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*آيات قد تفهم خطأ - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}: سبأ (54).

*قوله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}:* أي منع بينهم وبين ما يشتهونه من الإيمان والتصديق، والرجوع إلى دار الدنيا ليعملوا صالحا؛ وذلك حين معاينة الموت والعذاب.

وذلك قوله (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

وليس معنى قوله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُون} من شهوات الدنيا؛ كالمال والشرف (الجاه والسلطان)، أو شهوات الفرج والبطن؛ إذ لا سبيل للتفكر فيها وقتئذ.

قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون}: من الإيمان.

إلا أن ابن سلام قال: الإيمان فلا يقبل منهم عند ذلك.

قال البغوي في تفسيره: أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى من الرجوع إلى الدنيا، والإيمان.

قال الواحدي في الوجيز: مُنعوا ممَّا يشتهون من التَّوبة والإِيمان والرُّجوع إلى الدنيا.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب، فقالوا: آمنَّا به (وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) حينئذٍ من الإيمان بما كانوا به في الدنيا قبل ذلك يكفرون، ولا سبيل لهم إليه.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: قوله: {وحيل بينهموبينمايشتهون} يعني الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا.

قلت( عبدالرحيم ): وبدليل ما قبله؛ أعنى قوله - جل ذكره - {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}: والتناوش: التناول. يعني تناول الإيمان.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: و {التناوش} التناول لما يريدون المعنى كيف يتناولون الإيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا؟.

قال الطبري في تفسيره: أي وأين لهم التوبة والرجعة، أي: قد بعدت عنهم، فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها، وإنما وصفت ذلك الموضع بالبعيد، لأنهم قالوا: ذلك في القيامة فقال الله: أنى لهم بالتوبة المقبولة، والتوبة المقبولة إنما كانت في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت بعيدًا من الآخرة.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*غريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}: فصلت (12).

*قوله {فَقَضَاهُنَّ}:* أي صنعهن.

ومنه قوله تعالى - على لسان من آمن من سحرة فرعون -: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ): أي اصنع ما بدا لك فينا؛ مما أوعدتنا به من القطع والصلب.

قال الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره: أي فاصنع ما أنت صانع.

زاد الطبري: واعمل بنا ما بدا لك.

فمعنى قوله تعالى(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ): أي صنعهن.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والواحدي في الوسيط، وابن عطية في المحرر الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب،وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

زاد الواحدي: وأحكمهن، وفرغ من خلقهن.

وزاد ابن عطية، وابو حيان: وأوجدهن.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: فخلقهن وصنعهن.

وقال الطبري: يقول تعالى ذكره: ففرغ من خلقهنّ سبع سموات في يومين، وذلك يوم
الخميس ويوم الجمعة.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿ن وَالقَلَمِ وَما يَسطُرونَ﴾
[القلم: 1].

*قوله {وَ}:* قسم. يعني أقسم. والله يقسم بما شاء من خلقه، أما العبد المربوب المخلوق فلا يقسم إلا بالله.

*قوله {القَلَمِ}:* يريد جنس القلم؛ فيشمل القلم الذي أمره الله أن يكتب ما هو كائن، والذي يكتب به عن الله ورسوله، وما يكتب به معاملات الناس؛ وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر.

- وكم من كتابة قلم رفعت صاحبها الدرجات، وأخرى هوت بصاحبها إلى الدرك الأسفل من النار، وكم من كتابة أماتت أناسا، وأخرى أحيت آخرين -.

قال السعدي في تفسيره: (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ): وهو اسم جنس شامل للأقلام، التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم.

*قوله {وَما}:* يعني والذي.

ونظيرتها قوله (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى): أي والذي خلق الذكر والأنثى.

*قوله {يَسطُرونَ}:* يكتبون.

والسطر: معناه الكتابة؛ من قولهم: سطرت: أي كتبت.

ومنه قوله تعالى (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ): مُسْتَطَرٌ: أي مكتوب.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: السطر:الكتابة.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وسطر إذا كتب.

قال الزبيدي في تاج العروس: الأصل في السطر: الخط والكتابة.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى (يَسطُرون): أي يكتبون.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والكفوي في الكليات، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

إلا أن أبا عبيدة، والكفوي قالا: وما يكتبون.

قال الطبري في تفسيره: وقوله:(وَمَا يَسْطُرُونَ)يقول: والذي يخُطُّون ويكتبون.

قال البغوي في تفسيره: (وما يسطرون)يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} الواقعة.

*قوله {سَمُومٍ}:* أي: ريح حارة من حر نار جهنم، يأخذ بأنفاسهم، وتقلقهم أشد القلق.

قاله السعدي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والسموم: الريح الشديد الحرارة الذي لا بلل معه وكأنه مأخوذ من السم، وهو ما يهلك إذ لاقى البدن.

*قوله {وَحَمِيمٍ}:* ماء حار.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وهو الماء الحار. ومنه سمي الحمام.

*قوله {يَحْمُومٍ}:* أي دخان أسود؛ شديد السواد.

قال الأزهري في تهذيب اللغة: اليحموم: الشديد السواد.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: واليحموم الدخان وقوله تعالى (وظل من يحموم) عنى به الدخان الأسود.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {يَحْمُومٍ}: دخان أسود.

قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والكفوي في الكليات، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

قال الطبري: يقول تعالى ذكره: وظل من دُخان شديد السواد. والعرب تقول لكلّ شيء وصفته بشدّة السواد: أسود يَحْموم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}: الرعد (6).

*قوله {خَلَتْ}:* يعني مضت.

ومنه قوله تعالى {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}: قال النحاس في معاني القرآن: معنى خلت مضت.

ومنه {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ}: قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: معنى (خلت) مضت، كما تقول لثلاث خلون من الشهر أي مضين.

ومنه {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}: قال البغوي في تفسيره: {خلت النذر}: مضت الرسل.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: وقد خلت النذر مضت الرسل. من بين يديه أي قبل هود.

*قوله {الْمَثُلَاتُ}:* العقوبات. والمثلات جمع؛ مفردها مثُلَةٌ.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والمثلة بفتح الميم وضم الثاء: العقوبة. والجمع المثلات.

قال الأزهري في تهذيب اللغة: والعرب تقول للعقوبة: مَثُلة، ومُثْلَة.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله (المثلات): أي العقوبات.
قاله الطبري في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، ومكي في تفسير مشكل القرآن، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وغيرهم.

قال الطبري في تفسيره: و (المثلات)، العقوبات المنكِّلات، والواحدة منها: "مَثُلة" بفتح الميم وضم الثاء، ثم تجمع مَثُلات، كما واحدة الصَّدُقَات صَدُقَة، ثم تجمع صَدُقَات.

قال البغوي في تفسيره: أي مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها العقوبات.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}: إبراهيم (50).

*{سَرَابِيلُهُمْ}:* جمع؛ مفردها: سربال. والسربال: القميص. وهو غير السروال.

والفرق بين السربال والسروال: " السروال يغطي الجزء الأسفل من البدن، والسربال يغطي سائر البدن؛
فالسربال هوالقميص (1) في اللغة، وليس معناه القميص المتعارف عليه عند كثير من الناس اليوم.

فمعنى قوله {سَرَابِيلُهُمْ}: أي قمصهم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

قال ابن كثير في تفسيره: أي ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، أي : تطلى.

*قوله {مِنْ قَطِرَانٍ}:* القطران: مادة يطلى بها الإبل الجرباء؛ منتن الريح. (2).

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: مادة شديدة الاشتعال، تشبه الزفت، سوداء اللون منتنة الريح.

*قوله {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}:* تَغْشَى: أي تعلو، وتغطي؛ فتحرق وجوههم ولا تنفك عنهم. كما قال (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ): أي تحرق وجوههم النار، وهم فيها عابسون.

ومنه قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ): تَغَشَّاهَا: علاها؛ كناية عن الجماع. فالله حيي يكني.

ومنه (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ): قال البغوي في تفسيره: أي يأتي الليل على النهار فيغطيه.

لطيفة:

قوله تعالى (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَان): أي ثيابهم من قار أسود منتن الريح، وكانت العرب تطلي به الإبل الجرباء؛ ولعل فيه إشارة إلى أن الله يسلط على جلودهم الجرب - عياذا بالله -.

ونبه أن قمصهم على تلك الحال؛ لأنها كانت تتخذ في الدنيا ليتقى بها الحر كما قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}؛ أما الآن وهم في سقر فهي نار تلذع جلودهم لأن القطران إذا اجتمع بالنار كان أشد اشتعالا؛ فجعل ما يتقى به العذاب عذابا.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: قطران: الذي تطلى به الإبل. ومعنى {سرابيلهم من قطران} أي جعل القطران لهم لباسا ليزيد في حر النار عليهم، فيكون ما يتوقى به من العذاب عذابا. ويقرأ: ((من قطر آن)) أي من نحاس قد بلغ منتهى حره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجعلت سرابيلهم من قطران لأنه شديد الحرارة فيؤلم الجِلدَ الواقعَ هو عليه ، فهو لباسهم قبل دخول النار ابتداء بالعذاب حتى يقعوا في النار .

انتهى، وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل سورة إبراهيم (إن شاء الله).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

(1): وفي المعجم الوسيط: القميص لباس داخليّ يغطِّي الجلدَ وتغطِّيه ثيابٌ خارجيَّة.

(2): وفي المعجم الوسيط (القطران): عصارة شجر الأرز والأبهل تطبخ ثم تطلى بها الإبل وفي التنزيل العزيز {سرابيلهممنقطران} لأنه شديد الاشتعال ومادة سوداء سائلة لزجة تستخرجمنالخشب والفحم ونحوهما بالتقطير الجاف وتستعمل لحفظ الخشبمنالتسوس والحديدمنالصدأ (محدثة).
....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: البلد (11).

*قوله {فَلَا اقْتَحَمَ}:* أي فلم يقتحم.

ونظيرتها قوله تعالى {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}: قال ابن قتيبة في غريب القران: أي لم يصدق ولم يصل.

قال السعدي في تفسيره:{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } أي: لم يقتحمها ويعبر عليها، لأنه متبع لشهواته.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «لا» هاهنا في موضع «لم».

*قوله {الْعَقَبَةَ}:* فُسرت بما بعدها؛ من فك الرقبة، واطعام الطعام في يوم ذي مجاعة... إلخ.؟

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {العقبة}: مشقة الآخرة؛ بإنفاق المال، والعمل الصالح.

انتهى. وسيأتي مزيد بحث إن شاء الله.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

لمتابعة قناتنا على تليجرام:
https://t.me/maeaniquran
 
*آيات قد تفهم خطأ - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].

*قوله {وَوُضِعَ الكِتاب}:* أي ووضعت الكتب.

ف/ " الكتاب" اسم جنس؛ أفرد وأريد به كتب العباد التي تعرض على ربهم يوم القيامة؛ وذلك مصدقا لقوله تعالى (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ): يعني كتب الأعمال فتحت، وبسطت. من قولك: نشرت القماش: أي بسطته.

فمعنى قوله تعالى {وَوُضِعَ الكِتاب}: يعني كتب أعمالالعباد توضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم.
قالهالبغوي في تفسيره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: وقال تعالى:ووضعالكتاب، أي وضع كتاب كل امرئ منهم بيمينه أو بشماله.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الكتاباسم جنس، يراد به كتب الناس التي أحصاها الحفظة لواحد واحد.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: والمراد الجنس وهو صحف الأعمال.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكتابمرادبهالجنس، أي وضعت كتب أعمال البشر، لأن لكل أحد كتابا، كما دلت عليه آيات أخرى منها قوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ): الْكِتَابَ: قال القرطبي في تفسيره: أيالكتب.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي جنسالكتاب.

وقوله (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ): أي ووضعت كتب أعمال العباد؛ فيجيء الله لفصل القضاء ليجازيهم بما فيها؛ فحينها تشرق الأرض. (1).

قال الواحدي في الوجيز: أيالكتبالتي فيها أعمال بني آدم.

وقوله (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ): قال ابن كثير في تفسيره: يعني:الكتبالمنزلة من عنده على أنبيائه.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.....................................
(1): قال ابن جرير الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت, وأشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [النحل: 76].

*قوله {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}:* أَبكَمُ: أخرس؛ لا يتكلم.

والأبكم معتل بأكثر من علة؛ فهو لا يفهم؛ لعلة الصمم.
ولا يُفهِم غيره؛ لعلة الخرس.

فإن قلت إن الأبكم يفهم بالإشارة؟
فالجواب: هذا مثل للصنم؛ فأين له الحركة، والإشارة؟!.

والأبكم من ولد بهذه العلة، فهو لم يسمع كلاما للناس قط؛ فأنى له الكلمات؟!.

كما أن الذي ولد أعمى يقال أكمه؛ لأنه لم ير شيئا في الوجود أبدا. (1).

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأبكمالمطبق الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: البكم:الخرسرجل أبكم من قوم بكم والأنثى بكماء.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: " بكم ":البكم:الخرس، وهو الأبكم، ويقال: لا يكون أبكم إلا وهناك ضعف عقل.

انتهى.

فقوله تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}: أَبكَم: أي ولد أخرس.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

قال الطبري في تفسيره: وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو مثل للأصنام والذي يأمر بالعدل هوالله تعالى.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (وضرباللهمثلارجلينأحدهماأبكم) أي أخرس وهو الصنم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وضرباللهمثلارجلينأحدهماأبكم} أي: لا يتكلم؛ يعني: الوثن.

قال النسفي في مدارك التنزيل: ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من آثار رحمته ونعمته وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع.

*ُقوله {لا يَقدِرُ عَلى شَيء}:* من مال ولا منفعة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قالالواحدي في الوجيز: {لا يقدر على شيء} من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني الصنم، والوثن.

يهتم به عابده؛ يحمله، وينقله معه في سفره، ويقوم على خدمته، وهو كالعدم.

*قوله {كَلٌّ}:* كَلٌّ: يعني ثقيل وعالة ووبال؛ يريد الصنم المعبود من دون الله.

وأصل الكل: الثقل. ومنه قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ عندما نزل عليه الوحي: " فوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،فوالله إِنَّكَلَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتصدق الحديث، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ..."(2).

والشاهد:" وَتَحْمِلُ الْكَل ". (3).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكَلّ بفتح الكاف العالَة على الناس.

قال ابن منظور في لسان العرب: هو، بالفتح:الثقلمنكلما يتكلف.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: الكل: العيال والثقل. قال الله تعالى: (وهوكلعلىمولاه) والجمع الكلول.

قال الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: وقولهم: فلانكلعلىأهله كلعلىأهله أي عيال وثقلعليهم، ومنه قوله تعالى: {وهوكلعلىمولاه}.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: قال: الكل: الثقل، ومولاه- هاهنا: مالكه وصاحبه، يعني: الصنم هاهنا، لأنه يحتاج أن يحمله في النقل.

قال السمرقندي في البحر: أي ثقل على وليه وقرابته، يعني: الصنم عيال ووبال على عابده.

قال البغوي في تفسيره: (وهو كل على مولاه) عابده، يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي ثقل علىمولاه.

إلا أن أبا بكر قال: ثقلعلىوليه وقرابته.

قال البغوي في تفسيره: كَلٌ: ثقل ووبال.

قال النحاس في معاني القرآن: يعني الوثن لأنهكلعلىمن عنده وثقل والمولى الولي.

*قوله {عَلى مَولاه}:* أي وليه؛ وهو صاحبه، ومالكه، والقائم على خدمته.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: الذي يلي أمره.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وهو كل على مولاه): أي على وليه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمولى: الذي يلي أمر غيره. والمعنى : هو عالة على كافله لا يدبّر أمر نفسه.

*قوله {أَينَما يُوَجِّههُ}:* يرسله.
قاله البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات.

زاد البقاعي: ويصرفه ذلك المولى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أينما يوجهه} هذا العابد له؛ يعني: دعاءه إياه.

*قوله {لا يَأتِ بِخَيرٍ}:* لأنه لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه، هذا مثل الأصنام ، لا تسمع ، ولا تنطق ، ولا تعقل.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله { هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدل}:* يعني الصنم، أم الله الذي يأمر بالعدل والإحسان؟!.
كما قال تعالى عن نفسه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).

أما الصنم فهو أبكم، ولا يقدر على شيء قط، يحتاج إلى من يحمله، ويزيل عنه الغبار؛ أينما توجه، وتدعوه لا يستجيب، ولا ينفعك، ونفسه بنافعة، وهو مملوك؛ يملكه سيده وصانعه يملكه؛ يكسره أو يأكله (إن صنعه من عجوة) إن شاء.

فكيف يعبد هذا السيد المالك وهو الكافر مثل هذا؟، وهو الذي يملك العقل والسمع والبصر واللسان، وسائر أعضائه التي يتحرك، ويبطش بها؟!.

والصنم والأموات والقبور والأضرحة لا تملك شيئا من هذا (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ).

ففي الواقع أن الذي يستحق العبادة - على زعم المشركين - هو السيد لأنه المالك، لا الصنم؛ لأنه هو الذي صنع الصنم أو اشتراه،
وكذا المستحق بالعبادة على زعم عباد القبور هو الحي؛ لأن الميت ميت.

وهذا توبيخ لعباد الأوثان والقبور والأضرحة. فليتوبوا إلى الله من شركهم وكفرهم؛ قبل حلول الأجل فيحرموا الجنة، ويخلدوا في الجحيم أبدا، وإن كانت حسناتهم أمثال الجبال؛ وتلك هي الخسارة الحق.
قال الله (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

وقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

انتهى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لا يأت بخير هل يستوي} هذا الوثن {ومن يأمر بالعدل} وهوالله{وهو على صراط مستقيم} هو مثل قوله: {إن ربي على صراط مستقيم}.

قال البغوي (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل)يعني: الله تعالى قادر ، متكلم ، يأمر بالتوحيد.

قال السمعاني في تفسيره: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} عنى به نفسه، واللهتعالى يأمر بالعدل، ويفعل العدل.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدرعلىشيء، (وهوكلعلىمولاه) أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم (ومن يأمر بالعدل) فقال: لا تسووا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ولأنه ضرب لهذا المعنى مثلا آخر بعقب هذا الكلام فقال: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم أي: أخرس لا يقدرعلىشيء وهوكلعلىمولاهأي: عيال وثقلعلىقرابته ووليه أينما يوجهه لا يأت بخير.
فهذا مثل آلهتهم، لأنها صم بكم عمي، ثقلعلىمن عبدها، في خدمتها والتعبد لها، وهي لا تأتيه بخير.
ثم قال: (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهوعلىصراط مستقيم) فجعل هذا المثل لنفسه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فالأول مثَل الأصنام الجامدة التي لا تفقه وهي محتاجة إلى من يحرسها وينفض عنها الغبار والوسخ ، والثاني مثل لكماله تعالى في ذاته وإفاضته الخير على عباده.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية من كتاب (المختصر في التفسير): وضرب الله سبحانه مثلاً آخر للرد عليهم هو مثل رجلين: أحدهما أبكم لا يسمع ولا ينطق ولا يفهم؛ لصممه وبكمه، عاجز عن نفع نفسه وعن نفع غيره، وهو حمل ثقيل على من يعوله، ويتولى أمره، أينما يبعثه لجهة لا يأت بخير، ولا يظفر بمطلوب، هل يستوي من هذه حاله مع من هو سليم السمع والنطق، نفعه مُتَعَدٍّ، فهو يأمر الناس بالعدل، وهو مستقيم في نفسه، فهو على طريق واضح لا لبس فيه ولا عِوَج؟! فكيف تُسَوون - أيها المشركون - بين الله المتصف بصفات الجلال والكمال وبين أصنامكم التي لا تسمع ولا تنطق، ولا تجلب نفعًا، ولا تكشف ضرًّا؟!.
.................

(1): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والأبكم : الموصوف بالبَكم بفتح الباء والكاف وهو الخَرَس في أصل الخلقة من وقت الولادة بحيث لا يفهم ولا يُفهم . وزيد في وصفه أنه زَمِنٌ لا يقدر على شيء.

(2): شطر من حديث رواه البخاري (4953)، ومسلم (160)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3): قال النووي في شرحه لمسام: وأما الكل فهو بفتح الكاف وأصله الثقل ومنه قوله تعالى{وهو كل على مولاه} ويدخل في حمل الكلالإنفاق على الضعيف واليتيم والعيالوغير ذلك وهو من الكلال وهو الإعياء.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَولا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَليلًا (74) إِذًا لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا (75)﴾ [الإسراء].

*قوله {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}:* عصمناك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره. وهو قول مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال الواحدي في البسيط: {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}: أي على الحق بعصمتنا إياك.

*قوله {لَقَد كِدتَ}:* كِدتَ: أي قربت، وهممت، وأوشكت. و " كاد" من أفعال المقاربة.

وفي الآية دليل بيّن أن العبد لا غنى له عن ربه وتوفيقه طرفة عين؛ حتى لو كان أكرم الخلق على الله - صلوات الله وسلامه عليه -.

كما قال تعالى في معرض منته (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).

قال النسفي في مدارك التنزيل: لقاربت أن تميل إلى مكرهم. انتهى كلامه.

فقوله تعالى {كِدتَ}: يعني قربت.

ومثله كثير في القرآن؛ من ذلك قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ): أي قربت جهنم تميز (أصله: تتميز وحذفت التاء للتخفيف) أي تتمزق، وتتشق غيظا على الكفار.

ومنه (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: يَكَادُ الْبَرْقُ: يقرب.

ومنه (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ): أي قربوا ألا يفعلوا؛ لأنهم فعلوا عن اغماض.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: ووضع«كاد»لمقاربةالفعل، يقال: كاديفعل: إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبا من أن لا يكون. نحو قوله تعالى: لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا.

انتهى.

*قوله {تَركَنُ إِلَيهِم}:* تَركَنُ: أي تميل.
قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي تميل وتعدل وتطمئن.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي كدتتميلإليهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: لقد كدت
تركنإليهمأي: هممت وقاربت أنتميلإلى مرادهم شيئا قليلا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ): تَرْكَنُوا: تميلوا.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم.

قال الألوسي في روح المعاني: أي لاتميلواإليهم أدنى ميل، والمراد بهم المشركون.

*قوله {شَيئًا قَليلًا}:* ركونا قليلا؛ وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {إِذًا}:* لو ملت إليهم.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: أي إن تحقق ركونك إليهم.

*قوله {لَأَذَقناكَ}:* لاصبناك.
ومنه قوله تعالى (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ): أَذَقْنَا: أصبنا.

ومنه (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ): قال السمرقندي في بحر العلوم: وإذاأذقناالناس، يعني:أصبنا الناس رحمة، يعني: المطر.

*قوله { ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}:* لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: أي لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني: أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة .

قلت (عبدالرحيم): قوله {ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}: أي إن ركنت؛ أي ملت إلى هؤلاء المشركين لعذبناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات؛ فالعهدة عليك أضعاف ما على الناس، وقد أطلعه الله على ما لم يطلع عليه أحد، ولعظم وثقل نعمة الرسالة والنبوة.

ونظيرتها قوله تعالى (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ . لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ . ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ . فَما مِنكُم مِن أَحَدٍ عَنهُ حاجِزينَ).

قال الجرجاني في درج الدرر: وإنما يضاعف الوعيد لتضاعف النعمة. انتهى كلامه.

فقوله تعالى (ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات): من باب الحذف والاختصار (1)؛ ونظيرتها قوله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ): أي أشربوا في قلوبهم حب عبادة العجل.

وكما في قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ): فقوله: الحج: يعني وقت الحج.

قال الفراء في معاني القرآن: وقت الحج هذه الأشهر.

وكقوله (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ): وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ: يعني أهل القرية.
فحذف اختصارا؛ وهي طريقة في اللغة معروفة؛ كقول من يسكن في طرف بلدة: أنا ذاهب إلى البلد: يعني وسط البلد؛ وإلا فهو في البلد؛ وإن كان في طرفها.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا): المعنى: وأسال أهل القرية.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أراد أهل القرية. وكما قال (والعير التي أقبلنا فيها) أراد: أهل العير.

انتهى.

*قوله {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا}:* أي ناصرا يمنعك من عذابنا.
قاله البغوي في تفسيره.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية (75)؛

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والمعنى لو ركنت إليهم في ذلك الشيء القليل إذن لأذقناك ضعف
الحياة وضعف الممات، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات
لأنك أنت نبي ويضاعف لك العذاب على عذاب غيرك لو جنى هذه الجناية
كما قال: (يا نساءالنبيمن يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)لأندرجةالنبيودرجةآله الذين وصفهم الله فوقدرجةغيرهم.

انتهى كلامه.

ومن كتاب (المختصر في التفسير):
ولو ملت إليهم فيما يقترحون عليك لأصبناك بعذاب مضاعف في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم لا تجد نصيرًا يناصرك علينا، ويدفع عنك العذاب.
.................................
(1): أنظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة - رحمه الله -.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}: المجادلة (11).

*قوله {تَفَسَّحُوا}:* أي تَوَسَّعُوا. يقال مكان فسيح: يعني واسعا.

فمعنى قوله تعالى {تَفَسَّحُوا}: أي تَوَسَّعُوا.
قاله الطبري في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وغيرهم.

*قوله: {فَافْسَحُوا}:* أوسعوا المجلس.
قاله الواحدي في الوجيز.

*قوله {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}:* يقول: يوسع الله منازلكم في الجنة.
قاله الطبري.

*قوله {انْشُزُوا}:* ارتفعوا وقوموا. ومنه النشز من الأرض: أي المرتفع منها.

يقال: قعد على نشز من الأرض: أي قعد على مكان مرتفع.

ومنه قوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا): نُشُوزَهُنَّ: ترفعهن عن طاعتكم. فإذا عصت المرأة وترفعت عن طاعة زوجها تسمى: ناشز.

فمعنى قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا}: انْشُزُوا : أي ارتفعوا.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، ونجم الدين في ايجاز البيان، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

زاد أبو حيان: ارتفعوا، مأخوذ من النشز.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي إذا قيل انهضوا - قوموا - فانهضوا.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني فارتفعوا، قوموا من مجالسكم.

قال الطبري: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل ارتفعوا، وإنما يُرَاد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرّقوا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقوموا.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا}: أي ارتفعوا عن مجالسكم فارتفعوا حتى لا تضيقوا على غيركم. وفي التفسير قصة. ومنه: نشوز المرأة على زوجها وهو ترفعها عليه وعدم امتثالها أمره. ومنه قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن} والنشز من الأرض: المرتفع. وباعتبار نشوز المرأة قال الشاعر:
[من الطويل]
إذا جلست عند الإمام كأنها ... ترى رفقةً من ساعةٍ تستحيلها.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿قالَ لَقَد عَلِمتَ ما أَنزَلَ هؤُلاءِ إِلّا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ بَصائِرَ وَإِنّي لَأَظُنُّكَ يا فِرعَونُ مَثبورًا﴾: [الإسراء: 102].

*قوله {قالَ}:* موسى لفرعون.

*قوله {لَقَد عَلِمتَ}:* أيقنت. والعلم به يحصل اليقين.

ومنه قوله تعالى (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ): قال التستري في تفسيره. عَلِمَتْ: أيقنت.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى:{ علمتْ نفس ما أحضرت }حصول اليقين بما لم يكن لها به علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها.

*قوله {ما أَنزَلَ هؤُلاءِ}:* الآيات.
قاله الواحدي في الوجيز، والسيوطي في تفسير الجلالين،وإلايجي الشافعي في جامع البيان.

*قوله { إِلّا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرض بَصائِر}:* بَصائِر: جمع بصيرة. أي بينات، ودلالات، وحجج، وعلامات؛ تبصر بها أني رسول من عند الله.
وذلك لما قال موسى لفرعون إني رسول رب العالمين؛ امتثالا لأمر الله (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (بَصائِر): أي علامات لنبوتي.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال ابن كثير في تفسيره: أي حججا وأدلة على صدق ما جئتك به.

قال القرطبي في تفسيره: أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته.
قاله القرطبي في تفسيره.

وقال الزمخشري في الكشاف: بصائر: بينات مكشوفات.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (بصائر):بيناتتبصرك صدقيوهو حال.

انتهى.

*قوله {وَإِنّي لَأَظُنُّك}:* أي إني لموقن. والظن هنا: يقين، وتحقيق.

ونظيرتها قوله (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ): أي أيقن أنه مفارق الدنيا. انتهى.

فقوله تعالى (وَإِنّي لَأَظُنُّك): الظن هنا بمعنى التحقيق.
قاله القرطبي في تفسيره.

*قوله {مَثبورًا}:* مهلكا؛ يعني هالكا. يقال: ثبر الله العدو ثبورا أهلكه.

والمثبور: الممنوع، والمصروف عن الخير، وهو الذي صد نفسه وغيره عن الحق؛ ومن كان هذا حاله فهو هالك خاسر ولا ريب؛ فالمثبور مؤداه إلى الهلاك.

وتقول: ثبر الغناءُ الناسَ عن القرآن: أي صدهم ومنعهم.

قال الزبيدي في تاج العروس: والثبر: المنعوالصرف عن الأمر.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: يا فرعونمثبوراممنوعا من الخير. والعرب تقول: ما ثبرك عن ذا أي ما منعك منه وصرفك عنه.

قال القرطبي في تفسيره: والثبور: الهلاك والخسران أيضا.

فمعنى قوله تعالى (مَثبورًا): أي مهلكا.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب،

زاد ابن قتيبة: والثبور: الهلكة.

قالالنحاس في إعراب القرآن: مثبورامن الثبور أي الهلاك.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {مثبورا} أي هالكا. ومثبورا: أي ممنوعا من الخير، قال: والعرب تقول: ما ثبرك عني: أي ما منعك مني، وما بترك عني: أي ما حبسك، وما ثبر فلانا، أي: ما أهلكه.

قال الإيجي الشافعي في جامعه: هالكا ملعونا أو مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى ( وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا): ثُبُورًا: هلاكا.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب.

وقال الطبري في تفسيره: أي هلكة.

ومنه (وَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهرِهِ . فَسَوفَ يَدعو ثُبورًا . وَيَصلى سَعيرًا): يَدعو ثُبورًا: سوف ينادي بالهلاك، وهو أن يقول: واثبوراه، واويلاه، وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: وقوله: (فسوف يدعو ثبورا) : أي يقول: ياويلاه،ياثبوراه، وهذا يقوله من وقع في هلكة أي من أوتي كتابه وراء ظهره، ودليل ذلك على أنه من المعذبين قوله: (ويصلى سعيرا).

*لطيفة:*

فبعدما رأى فوعون الآيات الكبرى كما قال (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى)،
وهي معجزات موسى عليه السلام؛ التي لا يكذب بها عاقل؛ فقد أيقن أهل الصنعة (السحرة) بصحتها وأنها من الله؛ لكنه الجحد والكفران؛ كما قال تعالى (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
وكما قال (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).

فلما كان هذا من فرعون قال له موسى (قالَ لَقَد عَلِمتَ ما أَنزَلَ هؤُلاءِ إِلّا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ بَصائِرَ وَإِنّي لَأَظُنُّكَ يا فِرعَونُ مَثبورًا).

وقد وهب الله العقل لفرعون ليستدل به على ما فيه نجاته في الدارين وذلك بالإيمان بالله والتسليم له؛ فما كان منه إلا ما كان؛ فدل أن أن الكافر لا يعقل، بل هو أضل من الأنعام التي حرمت العقل (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).

لذا ذهب جمع من أهل التأويل إلى أن معنى قوله تعالى (مثبورا): يعني مخبولا لا عقل لك. كما ذكر الطبري في تفسيره، وجماعة من المفسرين.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وقال ابت زيد: " مثبورا ": مخبولا لا عقل لك.

انتهى، والحمد لله وحده.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}: النحل (80).

*قوله {وَاللَّهُ جَعَلَ}:* جَعَلَ: معناه صير.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي صير، أو خلق.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ}: أي صيّر. و" الجعل " يطلق في التنزيل ويراد به عدة معان - وسأذكر طرفا يسيرا في حديثي عن هذه المسألة، ولو علت الهمة - يغفر الله لي التقصير - لذكرت فيها بحثا طويلا؛ لكن سأذكر ما يسر الله لي.

فأقول مستعينا بالله:

يأتي " الجعل " بمعنى: التصيير؛ كما في الآية التي نحن بصدده، وكما في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ):جعلناه أي صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. قاله البغوي في تفسيره.

وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً): قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين.

وقوله (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ . الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ): وقوله عِضِينَ مفعول ثان وجعل بمعنى صير، أي بألسنتهم ودعواهم.
قاله ابن عطية في المحرر.

وقوله (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ): أي صير الله الكعبة، وصير الأشهر الحرم، وصير الهدي، وصير القلائد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: جعل الله الكعبة جعل بمعنى: صير.

قال الأزدي في تهذيب اللغة: وَيُقَال جعلتُه أحذقَ النَّاس بِعَمَلِهِ، أَي صيّرته. انتهى كلامه.

وقوله (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ): وجعل بمعنى صير. والأكابر جمع الأكبر.
قاله القرطبي في تفسيره.

وقوله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً): قال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر أن الليل والنهار مفعول أول لجعل بمعنى صير، وآيتين ثاني المفعولين.

وكما في وقوله (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ): (كعصف)في موضع نصب، على أنه مفعول ثان ل/(فجعلهم) أيصيرهم.
قاله الزحيلي في التفسير المنير.

ومنها: الخلق، وهو في التنزيل كثير جدا؛ كما في قوله (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا): يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء.
قاله الطبري في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: "جعل " بمعنى خلق.

وقوله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ): أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خلق السموات من عجل.
قاله النسفي في تفسيره.

وقوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا): يعني: خلق لكم الليل لتقروا فيه من النصب والتعب، والنهار مبصرا يعني: خلق النهار مطلبا للمعيشة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنها: الوصف: ومنه قوله تعالى (وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن): قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي وصفوا لله.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: جعلوا: بمعنى وصفوا.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: لفظة " جعل " تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ; ثلاثة منها في القرآن:
الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) أي: اعتقدوهم إناثا، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني: جعل بمعنى صير، كقوله: (حتى جعلناهم حصيدا خامدين) وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا.
الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) أي: خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
والظاهر أن منه قوله هنا: الله الذي جعل لكم الأنعام أي: خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم)، وقوله: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية.
الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر.

انتهى.

*قوله {لَكُمْ}:* أيها الناس.
قاله الطبري في تفسيره؛ إلا أنه قال: (والله جعل لكم) أيها الناس.

*قوله {مِنْ بُيُوتِكُمْ}:* التي تقيمون بها دائما، أو في غالب أوقاتكم. وهي بيوت الحضر؛ كالتي تصنعونها من الحجر، والطين، والخشب، وما تحدثونه من بناء.

قال البغوي في تفسيره: التي هي من الحجر والمدر.

*قوله {سَكَنًا}:* موضعاً تسكنون فيه ويستر عوراتكم وحرمكم وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والسكن مصدر يوصف به الواحد، ومعناه يسكن فيها وإليها.

قال البغوي في تفسيره {سَكَنًا}: أي مسكنا تسكنونه.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي موضعا تسكنون فيه.

قال الطبري في تفسيره: تسكنون أيام مقامكم في دوركم وبلادكم.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وهو بمعنى مسكون أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكممنالحركة وهذامنجملة تعديد الله نعمه على الإنسان فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض.

*قوله {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ}:* أي من الشعر والصوف والوبر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم.

*قوله {بُيُوتًا}:* كالخيام.

فإن قلت: إن أكثر الناس اليوم لا يتخذون هذه المذكورات بيوتا؛ فأين محل المن بالنعمة؟.

فالجواب: قل لمن يتخذها " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا "،
وقل لمن اتخذ غيرها؛ كالمصانع؛ أي الأبنية (1): (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).

وقد نوه القرآن عن كل ما يحدثه الإنسان من مصنوعات؛ كما في سورة النعم (النحل) (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ): أي يخلق لكم ما لا تعلمونه، وما يريد. ومنة الله تدرك العباد أينما صنعوا، واتخذوا.

*قوله {تَسْتَخِفُّونَهَا}:* خفيفة عليكم حملها. وهذا مشاهد؛ فالخيام - مثلا - يسهل حملها في السفر والحضر.

قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: وقوله: {تستخفونها} يعني: يخف عليكم حملها.

قال الطبري في تفسيره: يقول: تستخفون حملها ونقله.

قال السمرقندي في البحر: أي تستخفون حملها.

قال الألوسي في روح المعاني: تستخفونها أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ فالسين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محمودا.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استخفَّ الشَّيءَ: عدَّه أو وجده خفيفًا " {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} ".

*قوله {يَوْمَ}:* حين، ووقت. ويأتي" اليوم " بمعنى" حين ".

ومنه قوله تعالى (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا): يَوْمَ حَصَادِه: أي حين حصاده، أو وقت حصاده.

ومنه (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا): يَوْمَ وُلِدْت: يعني حين ولدت. ومثله: وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يوم ولدت يعني: حين ولدت، ويوم أموت يعني: حين أموت.

*قوله {ظَعْنِكُمْ}:* سيركم، وخروجكم ، وارتحالكم من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم. والظعن: السفر، والترحال.

يقال: ظعن الرجل: أي رحل.

قال الحميري في شمس العلوم: " ظَعَن ": الظَّعْن والظَّعَن: السير، قال الله تعالى (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ).

قال زين الدين الرازي في مختار الصحاح: (ظعن) سار.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: والظَّعَن والظَّعْن وَاحِد: ضد المُقام.

قال ابن منظور في لسان العرب: ظعن: ظعن يظعن ظعنا وظعنا، بالتحريك، وظعونا: ذهب وسار.

قال الأزهري في تهذيب اللغة: والظَعْنُ: سير الْبَادِيَة لنُجْعة أَو حُضُور مَاء أَو طلب مَرْتَع أَو تحوّل من مَاء إِلَى مَاء أَو من بلد إِلَى بلد. وَقد ظَعَنوا يَظْعَنون. وَقد يُقَال لكل شاخص لسفر فِي حجّ أَو غَزْو أَو مسير من مَدِينَة إِلَى أُخْرَى: ظاعِن، وَهُوَ ضدّ الْخَافِض، يُقَال: أظاعن أَنْت أم مُقيم؟.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {يوم ظعنكم} : يوم وقت ترحلكم.
قاله الكفوي في الكليات.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره: {يوم ظعنكم} يعني: يوم سفركم.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {تستخفونها يوم ظعنكم} يعني حين ظعنكم.

قال الطبري في تفسيره: (يوم ظعنكم) من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم، (ويوم إقامتكم) في بلادكم وأمصاركم.

*قوله {وَيَوْمَ}:* أي وحين. على ما سبق بيانه.

*قوله {إِقَامَتِكُم}:* في منازلكم، وما تستوطنونه.

والمعنى: أي لا يثقل عليكم في الحالتين؛ حين إقامتكم؛ في غير السفر؛ وفي بلادكم، وما تستوطنونه.

قال الطبري في تفسيره: في بلادكم وأمصاركم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: قراركم في غير سفر.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: و {إقامتكم:} لبثكم في المنازل.

قال البغوي في تفسيره: (ويوم إقامتكم)، في بلدكم؛ لا تثقل عليكم في الحالين.

قال السمرقندي في البحر: (يوم ظعنكم ويوم إقامتكم): أي يوم انتقالكم وسفركم، ويوم نزولكم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: تستخفونها في الحمل يوم ظعنكم يعني حين رحلتكم وأسفاركم وتستخفونها ويوم إقامتكم حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها يعني الأبيات التي تتخذونها ولا يشق عليكم ضرب الأبنية.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين:
القسم الأول: البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت، وإليها الإشارة بقوله: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه.
والقسم الثاني: القباب والخيام والفساطيط، وإليها الإشارة بقوله: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يومظعنكم ويوم إقامتكم وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان. واعلم أن المراد الأنطاع، وقد تعمل العرب البيوت من الأدم وهي جلود الأنعام أي يخف عليكم حملها في أسفاركم.

*قوله {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}:* الصوف: للغنم.

*قوله {وَأَوْبَارِهَا}:* الوبر: للإبل. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «الفخر، والخيلاء الفدَّادِين أهل الوبر...»: أهل الوبر: يعني أهل الإبل.

قال الأزدي الميورقي في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: يعني أهل الإبل ذات الوبر فأقام المضاف إليه مقام المضاف.

*قوله {وَأَشْعَارِهَا}:* الشعر: للمعز.

قال النحاس في معاني القرآن: فالأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز.

*قوله {أَثَاثًا}:* قال القتيبي: الأثاث المال جميعه من الإبل والغنم والعبيد والمتاع.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن: الأثاث: متاع البيت.

زاد ابن قتيبة: من الفرش والأكسية.

وزاد الزجاج: ويقال لمتاع البيت أيضا، الأهرة، ويقال: قد أث يئيث أثا إذا صار ذا أثاث.

قال الواحدي في الوجيز: {أثاثا} طنافس وأكسية وبسطا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: متاع البيت أي من الأكسية والفرش.

قال السمعاني في تفسيره: وهو ما يتأثث به أي: ينتفع به.

قال الرازي في التفسير الكبير: وقوله: (أثاثا) الأثاث أنواع متاع البيت من الفرش والأكسية.

*قوله {وَمَتَاعًا}:* تتمتعون به.
قاله الواحدي في الوجيز.

قلت ( عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى: إذا كان الاثاث متاعا، فما فائدة التنبيه في المرة الثانية بقوله (ومتاعا)؟.

فالجواب: فقد يملك الإنسان الأثاث وغيرها من النعم لكن لا يتمتع بها لعلة ما، أو مرض قلبي؛ كم يقتني للفخر والخيلاء.

وفيه أنه ينبغي للعبد أن يتمتع ويمتع غيره بما أولاه الله - عز وجل- ولا يجعل ذلك مجرد اقتناء، لا ينتفع به؛ فيكون متاعه مؤى للشيطان؛ فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان». رواه مسلم (2084).

الثانية: فإن قيل: عطف المتاع على الأثاث والعطف يقتضي المغايرة، وما الفرق بين الأثاث والمتاع؟

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير:
قلنا: الأقرب أن الأثاث ما يكتسي به المرء ويستعمله في الغطاء والوطاء، والمتاع ما يفرش في المنازل ويزين به.

انتهى.

*قوله {إِلَى حِينٍ}:* وقت فناءه، وموتكم.

وفيه أنه ينبغي للعبد أن يعلم أن ما خوله الله من نعيم إنما هو لأجل مسمى فلا يركن إلى الدنيا وإن طابت؛ وقد نبه الله على هذا كي لا يفتن بالدنيا؛ فكانه قال هذه النعم مع أنني صيرتها لكم وسخرتها لكم لكن ليس للخلود في دار الفناء.

قال الطبري في تفسيره: وقوله ( وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ) فإنه يعني: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلَّغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت.

قال السمرقندي في البحر: (ومتاعا إلى حين): أي المنفعة تعيشون فيه إلى الموت. ويقال: تنتفعون بها إلى حين تبلى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره: {إلى حين} إلى الموت.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ومتاعا إلى حين} أي: متعة إلى حين آجالكم.

قال السيوطي في الجلالين: وقت انقضاء آجالكم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: الإسراء (11).

*قوله {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}:* أي ويدعو الإنسان ربه بالشر كما يدعوه بالخير.

ولو استجاب له في الشر لأهلكه؛ كما قال (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو استجاب لهم في الشر؛ لقضي إليهم أجلهم؛ أي ماتوا؛ كما قال (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ): أي أمتناه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو عجل الله للناس الشر إذا دَعَوْا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لماتوا.

قال الفراء في معاني القرآن: يقول: لو أجيب الناس في دعاء أحدهم على ابنه وشيهه بقولهم: أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاك الله لهلكوا.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ): أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى مَالِه، بما لو استُجيب له فيه، هلك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال مكي في تفسير المشكل: أي يدعو على نفسه بالشر عند غيظه.

قال القرطبي: (دعاءه بالخير): أي كدعائه ربه أن يهب له العافية.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى أن الإنسان ربما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كمايدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعر منه بشر.

قال الطبري في تفسيره: ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ، فيقول: اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده، يقول: فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى الله عز وجل فيما لا يحب الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشر وقد دعا به. فذلك أيضا من نعم الله عز وجل عليه.

*قوله {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}:* ومن جملة عجلته؛ أن يستعجل ربه الإجابة؛ ولو في الشر.

قال البغوي في تفسيره: (وكان الإنسان عجولا): بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه .

قال السعدي: وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }.

قلت ( عبدالرحيم): قوله تعالى {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: فيه عظة لأهل الإيمان؛ وهي أنهم لا يستعجلون ربهم في إجابة الدعاء؛ ولو كان بمباح.

فهم مع تضرعهم لربهم، وإقبالهم عليه فيما يسألونه؛ يسلّمون له، ويدَعون ربهم يختار لهم؛ فهو علام الغيوب، وولي الذين آمنوا؛ أرحم بالعبد منه بنفسه.

فكم من باب تظنه خيرا، وهو عند الله شر محض. وقد تحسب بابا شرا وهو سر سعادتك في الدارين.

فقد فرض الله القتال في سبيله لما فيه من الخيرات العظام في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل؛ ومع ذلك تكرهه النفوس؛ وهو خير محض كله؛ خير لهم لا يدانيه خير؛ قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ): والله يعلم ما لا تعلمونه في الأمر عامة، وما قضاه لكم خاصة.

وقد يكون عطب المرء وهلاكه فيما طلبه، ورغبه. فكم من عبد استعجل ربه حتى أساء به الظن؛ فقُضي إليه أجلُه؛ كمن يلحّ على ربه بضجر أن يرزقه السفر إلى بلد ما، وإذ به ينقلب إلى الدار الآخرة، أو يرجع مهشم الرأس مقطع الأطراف.

فالعبد بين أمرين: الأول: أن يعظم الرغبة في الله، ويجد في دعاءه؛ وبهذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: يمتثل ما شرعه ربه من آداب الدعاء، فلا يتضجر، ولا يستعجل؛ وفي الحديث: " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ". (3)
..............................

(1): للشيخ السعدي رحمه الله تفسير قيم؛ في تفسير هذه الآية - آية البقرة - فراجعه إن شئت -.

(2): رواه البخاري (6340)، ومسلم (2735)؛ من حديث أبي هريرة مرفوعا.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ [الدخان: 24].

*قوله {وَاترُكِ}:* يا موسى - عليه السلام -.

*قوله {البَحرَ}:* بعد نجاتك ومن معك من عدوكم؛ فرعون وملائه.

والمعنى اترك البحر الذي انفلق لك بضربك إياه بالعصى.

*قوله {رَهوًا}:* ساكنا. والرهو: السكون.

وذلك لما شق الله البحر لموسى - عليه السلام - ومن معه فجاوزوه؛ فأراد - لعل ذلك - موسى عليه السلام أن يضربه مرة أخرى كي يحول البحر بينه وبين فرعون؛ فأوحى الله إليه ألا تفعل؛ بل اتركه ساكنا؛ ليكون كصيد الفخ لفرعون؛ أي ليكون استدراجا منا له لنغرقه وقومه؛ فكان (إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون).

أي لا تضربه، ولا تأمره أن يعود؛ وقد ذلل الله ذلك لموسى؛ فقد ضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا؛ وهذا أمر من الله وتوجيه أنه لا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا إلا بأمر منه تعالى.

يريد: اتركه على حالته التي أصبح كل ناحية منه كالطود العظيم؛ أي الجبل العظيم؛ لا تضربه مرة أخرى ليعود؛ إنما نريده هادئا؛ استدراجا منا كي يدخله فرعون وقومه فيطبق عليهم مرة أخرى؛ فيغرقوا.

قال البغوي في تفسيره: (رهوا)ساكنا على حالته وهيئته، بعد أن ضربته ودخلته، معناه: لا تأمره أن يرجع، اتركه حتى يدخله آل فرعون، وأصل" الرهو ": السكون.

قال الطبري في تفسيره: وقوله( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا )يقول: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابُك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا): رَهوًا: أي ساكنا.
قاله الفراء في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والنفسي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وغيرهم.

زاد ابن الجوزي: على حاله بعد أن انفرق.

وزاد أبو عبيدة: أره على نفسك أي ارفق بها ولا تخرق. يقال: عيش راه، قال بشر بن أبى خازم:
فإن أهلك عمير فرب زحف...يشبه نقعهرهواضبابا.

وزاد أبو بكر: كهيئته بعد أن ضربه موسى عليه السلام، وذلك أن موسى لما سأل ربه أن يرسلالبحرخوفا من فرعون أن يعبر في أثره، قال الله جل وعز: {واتركالبحررهواإنهم جند مغرقون} . ويقالرهوا: منفرجا.

قال الألوسي في روح المعاني: يقال رهاالبحريرهو رهواسكن ويقال: جاءت الخيلرهواأي ساكنة، قال الشاعر:
والخيل تمزعرهوافي أعنتها...كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد.
ويقال افعل ذلكرهواأي ساكنا على هينة وأنشد غير واحد للقطامي في نعت الركاب:
يمشينرهوافلا الأعجاز خاذلة...ولا الصدور على الأعجاز تتكل.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (واترك البحر رهوا): ساكناأرادموسىعليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركهساكناعلى هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق ببسالا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم وقيل الرهو الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحا على حاله منفرجا.

*قوله {إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون}:* نغرقهم في ذلك البحر الذي تجاوزوه رهوا.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال البغوي في تفسيره: أخبر موسى أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه البحر كما جاوزه.

*المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):*
وأمره إذا اجتاز البحر هو وبنو إسرائيل أن يتركه ساكنًا كما كان، إن فرعون وجنده مهلكون بالغرق في البحر.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَآخَرونَ اعتَرَفوا بِذُنوبِهِم خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ}: [التوبة: 102].

*قوله {و}* قوم.
قاله السيوطي في الجلالين.

*قوله {آخرون}:* مؤمنون ظلموا أنفسهم بتخلفهم عن الغزو، وليسوا بمنافقين؛ كالمنافقين الخلص الذين الذين سبق ذكرهم في قوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ).

وهذا أولى ممن قال في قوله تعالى (وآخرون ): يعني من المنافقين.

وبدليل السياق، أعني قوله (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) فلو كانوا منافقين خلصا لكانوا كفارا؛ لا ينفعهم أي عمل صالح؛ خلط أم لم يخلط؛ قال الله ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك )،
وقال ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) فالسيئة التي تأكل الحسنات كلها وتحبط العمل سيئة الكفر؛ كالشرك، والنفاق الأكبر؛ وكل هذا معناه الخروج من الملة.

قال السعدي في تفسيره {‏خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا‏}: ولا يكون العمل صالحا إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان، المخرج عن الكفر والشرك، الذي هو شرط لكل عمل صالح، فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة، بالأعمال السيئة، من التجرؤ على بعض المحرمات، والتقصير في بعض الواجبات، مع الاعتراف بذلك والرجاء، بأن يغفر اللّه لهم.

انتهى كلامه

قال البغوي في تفسيره: أي ومن أهل المدينة، أو: من الأعراب آخرون ، ولا يرجع هذا إلى المنافقين.

قال ابن كثير في تفسيره: أي أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين ربهم ، ولهم أعمال أخر صالحة ، خلطوا هذه بتلك ، فهؤلاء تحت عفو الله وغفرانه.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: وهم قوم تخلفوا عن تبوك من المؤمنين منهم ابو لبابة.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: من أهل المدينة لا من المنافقين.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فقوله: إيجاز لأنه يدل على أنهم أذنبوا واعترفوا بذنوبهم ولم يكونوا منافقين لأن التعبير بالذنوب بصيغة الجمع يقتضي أنها أعمال سيئة في حالة الإيمان ، وكذلك التعبير عن ارتكاب الذنوب بخلط العمل الصالح بالسيّىء.

*قوله {اعترفوا}:* أقروا.
قاله البغوي في تفسيره، وأفاده الطبري في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيرهم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والاعتراف: افتعال من عَرف. وهو للمبالغة في المعرفة ، ولذلك صار بمعنى الإقرار بالشيء وترك إنكاره ، فالاعتراف بالذنب كناية عن التوبة منه ، لأن الإقرار بالذنب الفائت إنما يكون عند الندم والعزم على عدم العود إليه ، ولا يُتصور فيه الإقلاع الذي هو من أركان التوبة لأنه ذنب مضى ، ولكن يشترط فيه العزم على أن لا يعود .

*قوله {بذنوبهم}:* في التخلف عن الغزو.
قاله الواحدي في الوجيز، والإيجي الشافي في جامعه.

*قوله {خلطوا عملا صالحا}:* وهو جهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا.
قاله الواحدي في الوجيز، وهو قول النسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.

وقال البغوي في تفسيره: والعمل الصالح: هو ندامتهم وربطهم أنفسهم بالسواري وقيل : غزواتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الفراء في معاني القرآن: يقول: خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويقال: العمل الصالح توبتهم من تخلفهم عن غزوة تبوك.

*قوله {و}:* عملا.

*قوله {آخر}:* يعني بآخر. كما تقول: خلطت الماء واللبن: أي خلطت الماء باللبن.
وأنكره بعضهم.

قال الطبري في تفسيره: والصواب من القول في ذلك عندي: أنه بمعنى قولهم: "خلطت الماء واللبن"، بمعنى: خلطته باللبن.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: فيجوز في العربية أن تكون "بآخر" كما تقول: "استوى الماء والخشبة" أي: "بالخشبة" و"خلطت الماء واللبن" أي "باللبن".

قال النسفي في المدارك: وهو من قولهم بعت الشاء شاة ودرهما فالواو بمعنى الباء لأن الواو للجمع والباء للإلصاق فيتناسبان أو المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر فكل واحد منهما مخلوط ومخلوط به كقولك خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه بخلاف قولك خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به وإذا قلته بالواو فقد جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء.

قال الألوسي في روح المعاني: والواو بمعنى الباء كما نقل عن سيبويه في قولهم: بعت الشاء شاة ودرهما، وهو من باب الاستعارة لأن الباء للإلصاق والواو للجمع وهما من واد واحد.

*قوله {سيئا}:* بتخلفهم عن غزاة تبوك.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي بآخر سيء وهو تأخرهم عن الجهاد.

قال الفراء في معانيه: نزلت فيمن شهد بدرا، وتخلف عن تبوك.

قال البغوي في تفسيره: والعمل السيئ : هو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الطبري في تفسيره: (خلطوا عملا صالحًا)، يعني جل ثناؤه بالعمل الصالح الذي خلطوه بالعمل السيئ: اعترافهم بذنوبهم، وتوبتهم منها، والآخر السيئ: هو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين خرج غازيًا, وتركهم الجهادَ مع المسلمين.

قال الإيجي الشافعي في جامعه: كتقاعدهم عن تلك الغزوة كسلا.

*قوله {عسى الله}:* واجب من الله.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال الفراء في معاني القرآن: عسى من الله واجب إن شاء الله.

قال الطبري في تفسيره: يقول: لعل الله أن يتوب عليهم. "وعسى" من الله واجب، وإنما معناه: سيتوب الله عليهم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: عسى: طمع وإشفاق، وهو من الله واجب.

قال القسطلاني في إرشاد الساري: جملة مستأنفة وعسى من الله واجب وإنما عبر بها للإشعار بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه سبحانه حتى لا يتكل المرء بل يكون على خوف وحذر والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم.

قلت ( عبدالرحيم ): " عسى " من الله - جل ذكر - واجب، يعني للتحقيق ؛ عدا قوله تعالى في زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - (عسى ربه إن طلقكن) فإنهن - رضي الله عنهن - أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الدارين.

ف " عسى" من الله للتحقيق؛ كما في قوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ): فإذا لم يكن أهل الإيما ن من المفلحين فمن؟.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وعسى وإن كانت في الأصل للرجاء فهي من الله واجب على ما هو عادة الكرام.

قال النسفي في المدارك: أي فعسى أن يفلح عند الله وعسى من الكرام تحقيق وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب الكافرين على الإيمان.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: وعسى من الله واجبة، والمفلحون الشهداء وهم أهل الجنة.

قالمكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {فعسىأنيكونمنالمفلحين}، أيمنالمنجيين المدرركين طلبتهمم عند الله الخالدين في جنانه، و "عسى"مناللهواجب.

وقال {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: قال ابن كثيري في تفسيره، والقرطبي في تفسيره: عسى من الله واجبة.

وقال {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ}: وقد تحقق ذلك؛ فأهلك الله عدوهم (فرعون وقومه) ، واستخلفهم في الأرض.

قال القرطبي في تفسيره: "عسى" من اللهواجب، جَددَ لهم الوعدَ وحققه.

وقال {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}: وهو قريب حق كما قال جل ذكره ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون )، وقال ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ).

قال يحيى بن سلام في تفسيره: وعسى من الله واجبة، وكل ما هو آت قريب.

قال السمعاني في تفسيره: معناه: أنه قريب، " وعسى " من الله واجب على ما بينا.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي هو قريب وعسى للوجوب.

وقال {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}: " عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ": وقد حقق الله له ذلك؛ بدليل ما بعده ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ): فقد هداه الله إلى سواء السبيل؛ أي قصد الطريق؛ حتى وصل إلى مدين.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يرشدني قصد الطريق إلى مدين.

وقال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: الطريق إلى مدين، وكان خرج ولا يعرف الطريق إلى مدين.

وقال في طائفة من أهل الأعذار وقد تخلفوا عن الهجرة من دار الشرك (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ): قال النحاس في معاني القرآن: وعسىترج وإذا أمراللهجل وعزأنيترجى شئ فهوواجبكذلك الظن به.

قال البغوي في تفسيره: وعسىمناللهواجب، لأنه للإطماع، واللهتعالى إذا أطمع عبدا وصله إليه.

وقال تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}: وهو حق كائن يوم القيامة، ولا ريب.

ففي الحديث الذي خرجه البخاري (1474، 1475) من حديث عبدالله بن عمر وفيه «فيشفع ليقضى بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا، يحمده أهل الجمع كلهم».

قال الشوكاني في فتح القدير: قد ذكرنا في مواضعأنعسىمن الكريم إطماع واجبالوقوع.

قال الزركشي في علوم القرآن: وحكى ابن الأنباري عن بعض المفسرين أن عسى في جميع القرآن واجبة إلا في موضعين في سورة بني إسرائيل: {عسى ربكم أن يرحمكم} يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة وفي سورة التحريم: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} ،ولازمنه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم...

انتهى

*قوله {أن يتوب عليهم}:* يقبل توبتهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامعه.

*قوله {إن الله غفور رحيم}:* فقد تاب عليهم، وغفر لهم؛ لأنه رحيم بهم وبغيرهم.

قلت ( عبدالرحيم ): وفيه عظة لأهل الإيمان إن هم زلوا أن يعترفوا بذنوبهم، ويرجعوا عنها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت» (1).

قال الطبري: يقول: إن الله ذو صفح وعفو لمن تاب عن ذنوبه، وساترٌ له عليها. "رحيم"، به أن يعذبه بها.

قال ابن كثير في تفسيره:
وهذه الآية - وإن كانت نزلت في أناس معينين - إلا أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين المخلطين المتلوثين.

...................
(1) شطر من حديث رواه البخاري (6306) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه..

..............
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
... *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث إِنّا وَجَدناهُ صابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾ [ص: 44].

*قوله {وَ}:* قلنا.

*قوله {خُذ}:* يا أيوب. - عليه السلام -.

*قوله {بِيَدِكَ}:* تأكيد.

ونظيرتها قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ): بِأَيْدِيهِمْ: تأكيد. وإلا فمن المعلوم أن الكتابة تباشرها اليد لا غيرها؛ وهذا غالب البرية، اللهم إلا من يكتب بعضديه لعلة؛ لكن النادر لا اعتبار له؛ كما قال (وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).

ونظيرتها (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ): إذ لا يخر السقف إلا من أعلى.

وأحمد الله الذي لا إله غيره؛ أن ألهمني ما ذكرته؛ قبل أن أطلع على ما قاله أرباب العلم.

وإليك:

قالابن كثير في تفسيره: {ولاتخطهبيمينك}تأكيدأيضا، وخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه}.

قال الزمخشري في الكشاف: {يكتبونالكتاب}المحرف{بأيديهم}تأكيد، وهو من مجاز التأكيد، كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك هذه.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: وقوله تعالى: {بأيديهم}تأكيدكقولك: كتبته بيميني.

قال أبو السعود في تفسيره: {بأيديهم}تأكيدلدفع توهم المجاز كقولك كتبته بيميني.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وقوله (بأيديهم)تأكيدلأنالكتابة لا تكون إلا باليد، فهو مثل قوله (ولا طائر يطير بجناحيه) وقوله (يقولون بأفواههم) قال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و{من فوقهم}تأكيد لجملة{فخرّ عليهم السّقف}.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ): وقلنا خذ بيدك.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والطبري في تفسيره.

*قوله {ضِغثًا}:* حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال السمعاني في تفسيره: والضغث: كل ما يملأ الكف من خشب أو حشيش أو غيره.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني بالضغث القبضة الواحدة.

قال الطبري في تفسيره: وهو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرُّطْبة، وكملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ضِغثًا}: يعني باقة؛ أي حزمة عيدان مختلطة؛ مجموعة من عيدان كسنابل القمح؛ أي كانت تلك العيدان؛ تجمع في قبضة اليد ومنه قولهم " باقة ورد ".

ومنه قول سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - (كما في مسلم (1807) من حديث ابن عنه): " فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثا في يدي...". أي أخذ سلاح بعض المشركين فجعلها حزمة في يده.

ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ): أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ: أي مجموعة أحلام مختلطة؛ كاختلاط العيدان المختلفة الزرع، والنوع؛ وهي التي لا تأويل لها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: حزم أخلاط من الأحلام.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: قوله تعالي: {وخذ بيدك ضغثًا} الضغث: قبضةٌ من حشيشٍ أو ريحانٍ أو قضبانٍ. وفي التفسير: أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مئة سوطٍ، فأفتاه الله تعالي بأن يأخذ حزمة مئة فيضربها فيبر، علي ما أوضحناه في موضعه. وبذلك شبهت الأحلام المختلطة فقيل: {أضغاث أحلام} أي أخلاطٌ مجتمعةٌ لا يدري ما تأويلها.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «أَضْغاثُ أَحْلامٍ» واحدها ضغث مكسور وهى ما لا تأويل لها من الرؤيا، أراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش، فيقال ضغث، أي ملء كفّ منه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: أخْلاط أحلام. مثل أضْغَاث النبات يجمعها الرجل فيكون فيها ضُرُوب مختلفة. والأحلام واحدها حُلُم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أضغاث أَحْلَام: [أخلاط أَحْلَام] مثل أضغاث الْحَشِيش يجمعها الْإِنْسَان فَتكون فِيهَا ضروب مُخْتَلفَة.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الضغث: قبضة ريحان، أو حشيش أو قضبان، وجمعه: أضغاث. قال تعالى: وخذ بيدك ضغثا، وبه شبه الأحلام المختلطة التي لا يتبين حقائقها، قالوا أضغاث أحلام: حزم أخلاط من الأحلام.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث): ضِغثًا: أي: باقة من كل شيء، من قضبان، من ريحان، من عيدان.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

*قوله {فَاضرِب بِهِ}:* من حلفت أن تضربه.

قال الواحدي في الوجيز: {فاضرب به} امرأتك.

السمعاني: يعني: فاضرب به امرأتك.

*قوله {وَلا تَحنَث}:* في يمينك؛ بتركك الضرب. أي لا إثم ولا كفارة عليك بعدها.

قال السمعاني في تفسيره: {ولا تحنث} أي: ولا تدع الضرب فتحنث.

قال القرطبي في تفسيره: فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة.

قال البغوي في تفسيره: (فاضرب به ولا تحنث) في يمينك ، وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ، ويضربها به ضربة واحدة.

قال مقاتل بن سليمان: ولا تحنث يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا تحنث}: لا تنقض يمينك التي حلفتها بضرب زوجتك.

قلت ( عبدالرحيم): و يأتي " الحنث " في التنزيل يأتي على معنيين:

الأول: الشرك: وسمي حنثا؛ لأن الله أخذ العهد على بني آدم ألا يشركوا به؛ فمن أشرك فقد حنث؛ وهذا أعظم الحنث.
ومنه قوله تعالى (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ): قال ابن كثير في تفسيره: وهو الكفر بالله ، وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله .

قال الكفوي في الكليات، والبغوي في تفسيره، وغيرهما:{الحنث العظيم} : الشرك.
إلا أن البغوي قال: وهو الشرك .

قال القرطبي في تفسيره: أي يقيمون على الشرك.

قال النسفي في المدارك: أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق والحنيث نض العهد المؤكد باليمين أو الكفر بالبعث بدليل قوله وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لا يبعث الله من يموت.

والثاني: الحنث في اليمين: أي الإثم المترتب على عدم الوفاء باليمين؛ وهو المعني بالآية التي نحن بصددها؛ (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث).

*قوله {إِنّا وَجَدناهُ}:* علمناه.
قاله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في المدارك، وصديق خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

*قوله {صابِرًا}:* أي على البلاء.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول: إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله، والدخول في معصيته.

*قوله {نِعمَ العَبدُ}:* هو أيوب - عليه السلام -.

*قوله {إِنَّهُ أَوّابٌ}:* أَوّابٌ: رجاع إلى ربه. والأوب: الرجوع. يقال: آب من سفره: يعني رجع منه.

قال الطبري في تفسيره: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يقول: إنه على طاعة الله مقبل, وإلى رضاه رجَّاع.

ومنه قوله تعالى{وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: المرجع. من "آبَ يؤُوب": إذا رجع.

قال القرطبي في تفسيره: (نعم العبد إنه أواب ) أي تواب رجاع مطيع .

قال السمعاني في تفسيره: أي رجاع إلى طاعة الله.

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال أهل اللغة: الأواب: الرجاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من قولهم: قد آب يؤوب أوبا: إذا رجع. قال الله عز وجل: {لكل أواب حفيظ}.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: آبَ يؤوب أَوْباً وإياباً، إِذا رَجَعَ.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَاقصِد في مَشيِكَ وَاغضُض مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ﴾
[لقمان: 19].

*قوله {وَاقصِد في مَشيِك}:* أي توسط فيه . والقصد : ما بين الإسراع والبطء.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الجلال المحلي في الجلالين: توسطفيه بين الدبيب والإسراع وعليك السكينة والوقار.

وقال الطبري في تفسيره: يقول: وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد.

*قوله {وَاغضُض مِن صَوتِك}:* واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: (واغضض من صوتك)انقص منصوتك.

قال القرطبي في تفسيره: واغضض من صوتك أي انقص منه؛ أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع.

قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: واغضضمن صوتك: انقص منه [زه] يقال: غض منه، إذا نقص منه.

قال الألوسي في روح المعاني: أي انقص منه واقصر من قولك فلان يغض من فلان إذا قصر به وضع منه وحط من درجته. وفي البحر الغض رد طموح الشيء كالصوت والنظر.

انتهى كلامه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وَاغضُض): أي اخفض، وانقص؛ كف عن صوتك المرتفع.

وأصل الغض: الخفض، والكف.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: وأصلالغض:الكف؛ ومنه: غض الملامة: أي كف عن اللوم.

قال في تهذيب اللغة: أي إخفض الصوت، ويقال؛ غض الطرف، أي: كف النظر.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: " غضض " غض طرفه، أي خفضه. وغضمن صوته. وكل شئ كففته فقد غضضته، والأمرمنه في لغة أهل الحجاز اغضض. وفي التنزيل: {واغضضمنصوتك}.

قال الفَتَّنِي في مجمع بحار الأنوار: (واغضضمن صوتك): أي انقصمنجهارته.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ): يَغُضُّونَ: يخفضون.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد البقاعي: ويلينون.

وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير:
فَغُــضَّ الطَّـرْفَ إنَّـكَ مِـنْ نُمَـيْر
فَــلا كَعْبــا بَلَغــتَ وَلا كِلابــا.

ومنه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ): يعني:يكفواأبصارهمومنصلة في الكلام.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قالالطبري في تفسيره: يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه.

*قوله {إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ}:* إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ: أي أقبح الأصوات.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

قالالقرطبي في تفسيره: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي أقبحها وأوحشها.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل سورة لقمان. (إن شاء الله).
.......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 103].

*قوله {خُذ}:* أي: اقبل.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ): وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات: أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.

قال الألوسي في روح المعاني: أييقبلها قبول منيأخذشيئا ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول.

ومنه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): خذ: أي اقبل.

قال الواحدي في الوجيز: {خذالعفو}اقبلالميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم وقيل: هو أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال الجمهور في قولهخذالعفوإن معناهاقبلمن الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف.

قال القرطبي في تفسيره: أياقبلمن الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر، تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا.

فائدة:

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وفي قوله:{خذ}، دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذالصدقات وينظر فيها.

قلت (عبدالرحيم): قوله {خذ}:فعل أمر وفاعله أنت. (1)؛ فظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عام؛ يشمل الأئمة بعده؛ كما أخذ الخلفاء الراشدون الزكوات من المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو الأصل؛ أن الإمام من يتولى أخذ الصدقات.

وهذه إشارة عابرة؛ وإلا فيجوز لصاحب الزكاة أن يؤدها بنفسه؛ ولولا الإطالة لبسطت القول في هذه المسألة (إن شاء الله)؛ لكن الحديث عن الأصل.

وبدليل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا): والشاهد: " والعاملين عليها "؛ وهم السعاة، والجباة الذين نصبهم الإمام.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة
يتولىأخذهاوتفرقتهاالإمام ومن يلي من قبله، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة...".

انتهى.

*قوله {مِنْ أَموالِهِم}:* يعني: من الذين قبلت توبتهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى: قوله {خُذْ مِنْ أَموالِهِم}: مِنْ: بيانية، أو تبعيضية.

فوجه الأول: أنه بيان للصنف المأخوذ؛ الذي بينه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فور فرض الزكاة في المدينة. ووجه الثاني: من بعض أموالهم؛ وهذا هو الواقع؛ لأنه لم يأخذ كل أموالهم.

الثانية: قوله (خُذ مِن أَموالِهِم): ابتدائي وليس سببيا؛ والمعنى خذ من أموال المسلمين؛ ليس فقط الذين تابوا واعترفوا بذنوبهم.

وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: يعني الذين اعترفوا بذنوبهم.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقال جماعةمنالفقهاء: المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله: على هذامنأموالهمهو لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذمنهم كالعبيد، وصدقةمطلق، فتصدق بأدنى شيء.

*قوله {صَدَقَةً}:* يعني الزكاة المفروضة. لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. (2).

وقد سبق - بحمد الله - بيان أن الصدقة في الشرع أعم من الصدقة التي من قبيل النفل، والتطوع.

وقد سمى الله الزكوات المفروضات " صدقات "؛ فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ).

فمعنى قوله تعالى (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً): صَدَقَةً: يعني: الصدقة المفروضة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال النحاس في إعراب القرآن: وهي الزكاة المفروضة.

*قوله {تُطَهِّرُهُم}:* بها من آثام ذنوبهم، الذي من جملته الشح والبخل؛ الذي يحمل على ترك الواجب.

وفي الحديث: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ...» (3).

ومنه قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ}: وَأَطْهَرُ: يعني تطهيرا لذنوبكم.

قال البقاعي في نظم الدرر: {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {تُطَهِّرُهُم}: من دنس ذنوبهم.
قاله الطبري في تفسيره.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: (تطهرهم)، يعني: تطهر أموالهم.

*قوله {وَتُزَكّيهِم بها}:* تنمي أموالهم، ونفوسهم فترفعهم المنازل العالية.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص.

قال البغوي في تفسيره: وتزكيهم بها، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم.

وقال السمرقندي في البحر: وتزكيهم بها، يعني: تصلح بها أعمالهم.

*قوله {وَصَلِّ عَلَيهِم}:* وادع لهم. والصلاة هنا بمعنى: الدعاء. ومنه " صلاة الجنازة " لأن كلها دعاء.

وفي الحديث الذي رواه مسلم (1431).: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم». فقوله: " فليصل ": أي فليدعُ.

ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ): وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: أي ودعوات الرسول.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وصلوات الرسول} دعاؤه.

قال الطبري في تفسيره: (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والصلاة عليهم: الدعاء لهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وصل عليهم): فيه مشروعية الدعاء لمؤدي الزكاة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُولُاللهِصَلَّىاللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّعَلَيْهِمْ» فَأَتَاهُأَبِي، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّصَلِّعَلَىآلِأَبِيأَوْفَى».

قلت: وفي وجوبه واستحبابه نزاع.

قال السمعاني في تفسيره: وقد قال بعض أهل العلم: إنه يجب على الإمام أن يدعو للذي جاء بالصدقة. وقال بعضهم: يستحب، ولا يجب. وقال بعضهم: يجب في الفرض ويستحب في النفل. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمعطي، ويستحب للفقير أن يدعو. ومنهم من قال: إن التمس المعطي أن يدعو له يجب؛ وإلا فلا يجب.

قال النووي في شرحه لمسلم: هذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقول الله عز وجل :{وصل عليهم}ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أنالدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب.

*قوله {إِنَّ صَلاتَكَ}:* يعني دعاءك واستغفارك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قلت (عبدالرحيم): والصلاة في التنزيل لها عدة معان (4):

الأول: الدعاء؛ كما في الآية التي نحن بصددها.

الثاني: القراءة: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا): معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

الثالث: بمعنى الدين: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ): أَصَلَاتُكَ: أي دينك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

الرابع: الصلوات الخمس: ومنه قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ): قال السيوطي في الجلالين: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات ": الصلاة الخمس بأدائها في أوقاتها.

الخامس: الثناء: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ): صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ: ثناء من ربهم؛ لأن الله غاير بين الرحمة والصلاة.

قال ابن كثير في تفسيره: أي ثناءمناللهعليهمورحمة.

الخامس: مواضع الصلاة؛ أي أماكن العبادة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والبيَعُ بيَعُ النصارى، والصَّلَوَاتُ كنَائِسُ اليَهود، وهي بالعبرانية صَلُوتَا.

قال السعدي في تفسيره: أي لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين.

وقوله تعالى (على قول) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ): لا تقربوا الصلاة: أي مواضع الصلاة؛ بدليل قوله " إلا عابري سبيل"، فذات الصلاة ليس بها عبور سبيل.

قال الواحدي في الوجيز: {يا أيها الذين آمنوالاتقربواالصلاة} أَي مواضعالصَّلاة أي: المساجد.

*قوله {سَكَنٌ لَهُم}:* سَكَنٌ: رحمة، وطمأنينة؛ تطمئن بها نفوسهم.

قال الواحدي في البسيط: السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم.

قال السمرقندي: يعني: طمأنينة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.

قال الطبري في تفسيره: (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم

قال النحاس في إعراب القرآن: إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

قال السمعاني في تفسيره: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك سكن لهم، أي: سكون لهم، أي: دعاؤك سكن لهم وطمأنينة وتثبيت.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة:{ إن صلواتك سكن لهم }تعليل للأمر بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير . فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.

*قوله {وَاللَّهُ سَميعٌ}:* يسمع فيجيب الدعاء، وفيه صفة السمع لله - جل ذكره -.

والحديث عن صفة " السمع " لله - جل ذكره - من ناحيتين:

الأولى: أنه وسع سمعه الأصوات؛ يسمع كل شيء؛ ما أسر وأعلن. وهذا من مستلزمات الربوبية؛ إذ لا يكون ربا إلا إذا كان يسمع؛ لذا عاب إبراهيم على أبيه أن اتخذ ربا لا يسمع (يا أبت لما تعبد ما لا يسمع). وهذا بيّن.

الثانية: أنه يسمع الدعاء بمعنى يجيب الدعاء. والعامة إذا دعوت قالوا: الله يسمع منك. أي يجيب. وإلا فالله يسمع؛ سواء استجاب لعبده، أم منع الإجابة لمانع ما.

وليس الشأن أن يسمع الله دعواتك مجرد سماع؛ لأنه يسمع رغم أنفك؛ لكن الشأن أن يستجيب لك.

ومنه قوله تعالى - على لسان إبراهيم عليه السلام - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ): لَسَمِيعُ الدُّعَاء: أي لمجيب الدعاء.

*قوله {عَليمٌ}:* فيه صفة العلم لله - جل ذكره -.

..........................

(1): أنظر: إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.

(2): أنظر: النكت والعيون للماوردي.

(3): قال الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم: ١٤٢٧.): قلت: إسناده حسن، وحسنه ابن قد امة والنووي.

(4): أنظر الكليات للكفوي.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿أَلَم يَعلَموا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ [التوبة: 104].

*قوله {أَلَم يَعلَموا}:* تقرير. يريد: حقيق أن يعلموا.

قال الواحدي في البسيط: ومعنى صيغة الاستفهام هاهنا: التنبيه على ما يجبأنيعلموا.

قالالسمعاني في تفسيره: هو بمعنى الأمر؛ كأنه قال: اعلمواأناللههويقبلالتوبةعنعباده.

قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى{ألميعلموا}تقرير، والمعنى حق لهمأنيعلموا.

*قوله {أَنَّ اللَّهَ}:* بأن الله.

*قوله {هُوَ}:* وحده.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله{هو}تأكيد لانفراد اللهبهذه الأمور وتحقيق لذلك، لأنه لو قال إن
اللهيقبلالتوبةلاحتمل، ذلكأنيكون قبول رسوله قبولا منه فبينت الآيةأنذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: في هذا التخصيصهوأن قبولالتوبةليس إلى رسولاللهصلىالله عليه وسلمإنما إلىاللهالذيهويقبلالتوبةتارة ويردها أخرى. فاقصدوااللهبها ووجهوها إليه، وقيل لهؤلاء التائبين اعملوا فإنعملكم لا يخفى علىاللهخيرا كانأو شرا.

قال القرطبي في تفسيره: وقوله تعالى:"هو" تأكيد لانفراداللهسبحانه وتعالى بهذه الأمور.وتحقيق ذلكأنه لو قال: إناللهيقبل التوبةلاحتملأنيكون قبول رسوله قبولا منه، فبينت الآيةأنذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

*قوله {يَقبَلُ}:* أي من شأنهأنيقبل.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

*قوله {التَّوبَةَ}:* إذا صحت.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {عَن عِبادِهِ}:* عَن: بمعنى: من. والمعنى: يقبل التوبة من عباده.

وإنما ناسب المقام " عن " لأن العاصي قبل التوبة فيه بعد عن ربه. كما تقول: جلس عن جانب أبيه: أي جلس مع شيء من البعد (1).

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى{عنعباده}هي بمعنى «من» ، وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه، تقول لا صدقة إلاعنغنى ومن غنى، وفعل فلانذلك من أشره وبطره وعنأشره وبطره.

*قوله {وَيَأخُذُ الصَّدَقات}:* أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، وبه قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في معاني القرآن، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد نجم الدين: ويضاعف عليها.

قال ابن كثير في تفسيره: هذا تهييج إلىالتوبةوالصدقة اللتين كل منها. يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها.

زاد السمرقندي: ومعناه: وما منعهمعن التوبةوالصدقة، فكيف لم يتوبوا ولم يتصدقوا؟ألميعلمواأناللههويقبلالتوبةعنعبادهوالصدقة؟.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وتصديق ذلك في كتابالله: {هويقبلالتوبةعنعبادهويأخذ الصدقات} و {يمحقالله الرباوا ويربي الصدقات} ".

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى:" ويأخذ الصدقات" هذا نص صريح فيأناللهتعالىهوالآخذ لها والمثيب عليها وأنالحق له عز وجل، والنبي صلىاللهعليه وسلم واسطة فإن توفي فعاملههوالواسطة بعده، واللهعز وجل حي لا يموت.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ويأخذ الصدقات} ويقبلها إذا صارتعنخلوص النية وهوللتخصيص أيإنذلك ليس إلى رسولاللهصلىاللهعليه وسلم إنمااللههوالذييقبلالتوبةويردها فاقصدوه بها ووجهوها إليه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (ويقبل الصدقات): جائز أن مراده الزكواة، أو الصدقات التي من قبيل النفل.

*قوله {وَ}:* يعلموا.

*قوله {أَنَّ اللَّهَ}:* الذي فتح باب التوبة.

*قوله {هُوَ}:* هُوَ: أي وحده.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب ألآيات.

*قوله {التَّوّابُ}:* علىعبادهبقبول توبتهم.
قاله السيوطي في الجلالين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: كثير قبولالتوبة.

*قوله {الرَّحيمُ}:* بهم.
قاله الجلال السيوطي في الجلالين.

قال الشوكاني في فتح القدير: وفي صيغةالمبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل. والتأكيد من التبشير لعباده، والترغيب لهم، ما لا يخفى.

قال القاسمي في محاسن التأويل: لطيفة:
نقل ابن كثيرعنالحافظ ابن عساكرعنحوشب قال: غزا الناس في زمن معاوية، وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغل رجل منالمسلمين مائة دينار رومية، فلما قفل الجيش ندم، وأتى الأمير، فأبىأنيقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس، ولن أقبلها منك حتى تأتياللهبها يوم القيامة، فجعل الرجل يأتي الصحابة، فيقولون له مثل ذلك. فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه، فأبى عليه، فخرج منعنده وهويبكي ويسترجع، فمر بعبداللهابن الشاعر السكسكي، فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أو مطيعيأنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك، فادفع إليه عشرين دينارا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بهاعنذلك الجيش، فإناللهيقبلالتوبةعنعباده، وهوأعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرجل. فقال معاوية: لأنأكون أفتيت بها، أحب إلي من كل شيء أملكه. أحسن الرجل.انتهى.
في هذه الرواية إثبات ولد لخالد، وفي ظنيأنصاحب (أسد الغابة) ذكرأنه لم يعقب، فليحقق.

..............................

(1): أنظر: التفسير الكبير للرازي.

.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾ [التوبة: 105].

*قوله {وَقُلِ}:* للناس.
أفاده الخطيب الشربيني في السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير.

*قوله {اعمَلوا}:* ما شئتم.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وَقُلِ اعمَلوا): عام للجميع؛ يشمل الذين تابوا من تخلفهم عن الجهاد في غزاة تبوك، ويشمل من جاء بعدهم إلى يوم القيامة.

وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: (وقل)، يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى {وقل اعملوا} خطاب للجميع.

قال القاسمي في محاسن التأويل: وقل أي لأهل التوبة والتزكية، والصلاة، لا تكتفوا بها بل اعملوا جميع ما تؤمرون به.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {وقل اعملوا} أي: وقل لهم أو للناس يا محمد اعملوا ما شئتم.

*قوله {فَسَيَرَى اللَّهُ}:* رؤيةً تامةً كاملةً؛ لا يعتريها عيب، ولا يلحقها نقص؛ فلا تخفى عليه خافية.

وفيه إثبات صفة الرؤية لله - جل ذكره -؛ ومنه قوله تعالى (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، وقوله (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ)، وقوله (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى).

قال أبو السعود في تفسيره: والسين للتأكيد.

قال النسفي في مدارك التنزيل: وقوله تعالى (فسيرى الله) وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار والذهول عن التوبة.

*قوله {عَمَلَكُم}:* من خير أو شر.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم للمذنبين، فكأنه تعالى قال: اجتهدوا في المستقبل، فإن لعملكم في الدنيا حكما وفي الآخرة حكما.

*قوله {وَ}:* يراه أيضا.

*قوله {رَسولُهُ}:* ليشهد عليكم بما يظهر له منكم.

*قوله {وَ}:* يراه.

*قوله {المُؤمِنونَ}:* لأنهم شهداء الله في الأرض.

وفيه بيان حرمة أهل الايمان، وكرامتهم على الله - عز وجل -؛ فقد قرن شهادتهم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذا ينبغي على العبد أن يكترث برؤيتهم، ويتجنب فعل القبيح، ولا يتبجح بعمل الشين أمامهم؛ ليشهدوا له بظاهر أمره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) يعني: ويراه رسوله، ويراه المؤمنون.

قال الواحدي في البسيط: {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} يريد: إن الله يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من الخير والشر، إن كان خيرا أوقع في قلوبهم لهم المحبة، وإن كان شرا أوقع في قلوبهم لهم البغضة.

قال القرطبي في تفسيره: (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) أي باطلاعه إياهم على أعمالكم.

*قوله {وَسَتُرَدّونَ}:* يوم البعث؛ مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدمتم.

قال أبو السعود في تفسيره: {وستردون} أي بعد الموت.

*قوله {إِلى}:* الله.

*قوله {عالِمِ الغَيبِ}:* الغَيبِ: ما غاب أن يشاهد؛ وهو نسبي، ومطلق.

فالنسبي: ما يدركه غيرك ولا تدركه أنت؛ فهو غيب بالنسبة لك.

والمطلق: هو الذي اختص به الله؛ كعلم الساعة.

*قوله {وَالشَّهادَةِ}:* ما يشاهد، ويدرك بالحواس، والجوارح.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والغيب والشهادة معناه ما غاب وما شوهد، وهي حالتان تعم كل شيء.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة} أي: وسترجعون يوم القيامة إلى من يعلم سرّكم وعلانيتكم ولا يخفى عيه شيء من أعمال بواطنكم وظواهركم.

لطيفة:

قال أبو السعود في تفسيره: {ورسوله} عطف على الاسم الجليل وتأخيره عن المفعول للإشعار بما بين الرؤيتين من التفاوت.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ): لما أخبر برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل الإيمان قال منبها: (وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ): فكأنه يقول: مع أن النبي يراكم، وكذا المؤمنون؛ إلا أن المعول عليه رؤية الله لكم؛ لأن الرسول له الظاهر من أعمالكم، ولا علم له بالغيب، والمؤمنون أجدر، وهم ليسوا حفظة عليكم؛ أما هو - جل ذكره - فلا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء؛ وهو حي لا يموت وغيره يموت.

لذا قال بعدها:

*{فَيُنَبِّئُكُم}:* فيخبركم؛ بأعمالكم، ما أسر منها وما أعلن؛ قال تعالى (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

وليس ذلك لأحد غيره؛ حتى الرسل؛ كما قال تعالى - مخبرا عن ما يكون من كلام عيسى عليه السلام يوم القيامة - (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {فَيُنَبِّئُكُم}: أي فيخبركم.

وأصل النبأ: الخبر. ومنه قولهم " نشرة الأنباء ": يعنون الأخبار.

ومثله كثير في التنزيل؛ كما في قوله تعالى (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ): أي أخبر عبادي.

ومنه (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ): أي جاءهم من الأخبار التي فيها إهلاك الأمم المكذبة؛ ما فيه مزدجر: أي ما يزجرهم، ويردعهم.

قال البغوي في تفسيره: (من الأنباء) أخبار الأمم المكذبة في القرآن.

قال ابن عطية في المحرر: وقوله (فينبئكم) عبارة عن حضور الأعمال وإظهارها للجزاء عليها وهذا وعيد.

*قوله {بِما}:* أي بالذي.

ونظيرتها قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ): قال أبو زهرة في زهرة التفاسير: وقوله تعالى: (بماكنتم تعملون ) (ما) فيه موصولةبمعنىالذي، أي بالذيكنتمتعملونه، وهو استحضار لهذا العمل كأنه حاضر مهيأ يرى.

*قوله {كُنتُم تَعمَلونَ}:* من خير وشر؛ ليجازيكم عليه؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

قال أبو السعود في تفسيره: {بما كنتم تعملون} قبل ذلك في الدنيا والمراد بالتنبئة بذلك الجزاء بحسبه إن خيرا فخير وإن شرا فشر فهو وعد ووعيد.
قال الخطيب الشربيني في السراج: {بما كنتم تعملون} من خير وشر فيجازيكم على أعمالكم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) يريد البعث من القبور.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَآخَرونَ مُرجَونَ لِأَمرِ اللَّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُم وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾
[التوبة: 106].

*قوله {وَ}:* عطف؛ على قوله تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا).
أفاده الطبري في تفسيره،والثعالبي في الجواهر الحسان، وغيرهم.


*قوله {آخَرونَ}:* من المتخلفين؛ يعني الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ عصيانا لا نفاقا. وهم الذين تيب عليهم بعد.

وهم: هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك - رضي الله عنهم -؛ وهم الذين أنزل الله فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}:

قال ابن أبي زمنين في تفسيره:{وعلى الثلاثة} أي: وتاب على الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ وهم الذين أرجوا في الآية الأولى في قوله عز وجل: {وآخرون مرجون لأمر الله} وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة.

قال الماوردي في النكت والعيون: {وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} وهم الثلاثة الباقون من العشرة المتأخرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك ولم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

قال الطبري في تفسيره: ورفع قوله:"آخرون "، عطفًا على قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (وآخرون) من المتخلفين موقوفون إلى أن يظهر أمر الله فيهم.

قال السعدي في تفسيره: أي‏: ‏{‏وَآخَرُونَ‏}‏ من المخلفين مؤخرون.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمراد بهؤلاء من بقي من المخلَّفين لم يتب الله عليه ، وكان أمرهم موقوفاً إلى أن يقضي الله بما يشاء . وهؤلاء نفر ثلاثة ، هم : كعب بن مالك ، وهِلال بن أمية ، ومُرارة بن الربيع ، وثلاثتهم قد تخلفوا عن غزوة تبوك . ولم يكن تخلفهم نفاقاً ولا كراهية للجهاد ولكنهم شُغلوا عند خروج الجيش وهم يحسبون أنهم يلحقونه وانقضت الأيام وأيسوا من اللحاق .

مسألة:

فإن قلت ما الفرق بين المذكورين في الآية التي نحن بصدده (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ)، وبين قوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)؟

اعلم أنه تعالى قسم المتخلفين عن الجهاد ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المنافقون الذين مردوا على النفاق.

القسم الثاني: التائبون وهم المرادون بقوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم وبين تعالى أنه قبل توبتهم.

والقسم الثالث: الذين بقوا موقوفين وهم المذكورون في هذه الآية، والفرق بين القسم الثاني وبين هذا الثالث، أو أولئك سارعوا إلى التوبة وهؤلاء لم يسارعوا إليها.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

*قوله {مُرجَونَ}:* أي مؤخرون. أخرهم الله ليقضي فيهم أمره.

وأصله (مرجئون)؛ بالهمز؛ يقال: " أرجأت" أي أخرت، من التأخير. يعني مرجئون لأمر الله وقضائه، وحكمه؛ أي مؤخرون.

والإرجاء : التأخير. ومنه سميت المرجئة؛ لتأخيرهم العمل عن الإيمان. ولأنهم لا يجزمون القول بمغفرة التائب ولكن يؤخرونها إلى مشيئة الله تعالى. (1).

" والمرجئون "أي المؤخرون: هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزاة تبوك؛ لا نفاقا وجحودا؛ فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم، فتاب عليهم، وعفا عنهم.

وفيه دليل بيّن أن الله يهمل العبد بعد الذنب لعله يحدث توبة؛ لذا يجب على العبد إن زل ووقع في الذنب أن يبادر بالتوبة على الفور؛ وهذا بحث طويل وفقه بالغ الأهمية يجب تفقهه؛ فما عذب أكثر أهل القبور إلا بسبب جهلهم هذا الباب؛ فقد لبس عليهم إبليس؛ ولقي أكثرهم ربهم من غير توبة؛ ظنا منهم أن الله لا يقبل توبتهم لتكرار الذنب - سلمني الله وإياكم -.

أين هم من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي (لا ينطق عن الهوى)؛ في حديث من أعظم الأحاديث، وأرجاها للعبد؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عبدا أصاب ذنبا - وربما قالأذنبذنبا - فقال: ربأذنبت - وربما قال: أصبت - فاغفر لي، فقال ربه: أعلمعبديأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أوأذنبذنبا، فقال: ربأذنبت - أو أصبت - آخر، فاغفره؟ فقال: أعلمعبديأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثمأذنبذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال: رب أصبت - أو قالأذنبت - آخر، فاغفره لي، فقال: أعلمعبديأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبديثلاثا، فليعمل ما شاء ".

انتهى.

قال الفراء في معاني القرآن: (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقرئ مرجئون بالهمز وتركه وهما لغتان ومعناه التأخير.

فمعنى قوله تعالى (مُرجَونَ): أي مؤخرون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القران، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والماوردي في النكت والعيون، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في زاد المسير.

زاد الماوردي: موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم.

وزاد نجم الدين: محبوسون لما ينزل من أمره، وهم الثلاثة الذين خلّفوا هلال بن أميّة، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يقال أرجأت الأمر، إذا أخرته.

قال القرطبي في تفسيره: والتقدير : ومنهم آخرون مرجون؛ من أرجأته أي أخرته. ومنه قيل: مرجئة؛ لأنهم أخروا العمل .

قال الطبري في تفسيره: (وآخرون مرجون)، يعني: مُرْجئون لأمر الله وقضائه. يقال منه: " أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجَأ "، بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت".

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ): أَرْجِهْ: أخر. يعني: أخر أمرهما حتى تبعث الشرط لتجمع السحرة. وحاشرين: جامعين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي اخروا حبس أي أخر أمره ولا تعجل أو كأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق.

ومنه (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ): تُرْجِي: أي تؤخر من تشاء من أزواجك، وتضم من تشاء منهن.

فقوله (تُرْجِي): أي تؤخر.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وغيرهم.

*قوله {لِأَمرِ اللَّهِ}:* لحكم الله، وقضائه فيهم بما يشاء.

قال السمعاني في تفسيره: وأمر الله تعالى هنا: حكم الله.

قال البغوي في تفسيره: (لِأَمرِ اللَّه) لحكم الله عز وجل فيهم ، وهم الثلاثة الذين تأتي قصتهم من بعد: كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع.

قال الواحدي في الوجيز: {وآخرون مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} مُؤخَّرون ليقضي الله فيهم ما هو قاضٍ.

*قوله {إِمّا يُعَذِّبُهُم}:* الله؛ جزاء ًعلى تخلفهم.

قال الدعاس في إعراب القران: {يُعَذِّبُهُمْ} مضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة خبر.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} إن أصروا ولم يتوبوا.

قال الطبري في تفسيره: فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (إِمّا يُعَذِّبُهُم): فيه مسألتان:

الأولى: قوله (إِمّا): حرف من معانيه الشك؛ تقول: آتيك إما بكرة أو عشيا. والشك محال على الله؛ فالله يعلم أزلا أنه سيتوب عليهم أم لا؛ لذا ختم الآية بقوله (والله عليم حكيم): أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم (2).

لكنه تعالى يخاطب الناس بما يفهمونه؛ كما في قوله (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ): وليس ثم خلق أصغر، أو أكبر على الله من خلق؛ فالكل عنده سواء لتمام قدرته.

لكنه تعالى ربنا يخاطب الناس بما يفهمون؛ وكأنه يقول: على فهمكم أيها الناس " خلق السماوات والأرض في النشأة الأولى، أكبر من خلقكم أول مرة؛ فإعادتكم يوم القيامة أيسر؛ وهذا في مفهومكم أنتم؛ يعني لا أعجز أن أعيدكم من عدم مرة أخرى"؟!.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: و «إما» هنا للشك بالنسبة إلى المخاطب، وإما للإبهام بالنسبة إلى أنه أبهم على المخاطبين.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إما) لوقوع أحد الشيئين، والله عز وجل عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم علي هذا في الخوف والرجاء.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: لقائل أن يقول: إن كلمة «إما» و «إما» للشك، والله تعالى منزه عنه. وجوابه المراد منه ليكن أمرهم على الخوف والرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا، وآخرون يقولون عسى الله أن يغفر لهم.

المسألة الثانية:

قول الطبري في تفسيره: وأما قوله: (إما يعذبهم)، فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

قلت: فيه أن الله تعالى هو الذي يوفق العبد للتوبة، والرجوع عن المعصية؛ فإذا كان ذلك كذلك فعلى العبد أن يلّحَ على ربه أن يتوب عليه، ويعصمه من الذنب؛ لأن العبد إذا هان على الله تركه، وإذا أراد به خيرا عصمه؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه التوبة. والأحاديث في الباب كثيرة.

ولذا قال الله:

*{وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم}:* بفضله.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله : ( إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) أي : هم تحت عفو الله ، إن شاء فعل بهم هذا ، وإن شاء فعل بهم ذاك ، ولكن رحمته تغلب غضبه

*قوله {وَ}:* هو.

*قوله {اللَّهُ}:* الذي يوفق للتوبة، أو يحجز عنها.

*قوله {عَليمٌ}:* والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {حَكيمٌ}:* في الأمر عامة، وتوفيق من شاء إلى التوبة وحجزه من شاء عنها خاصة؛ فله الحكمة البالغة؛ التي لا يسمع العبد فيها إلا التسليم لسيده - عز وجل -.

قال الطبري في تفسيره: في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خَلَلٌ.

قال ابن كثير في تفسيره: وهو ( عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، حكيم في أفعاله وأقواله ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والله عليم حكيم أي: عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم بما يفعله بهم.

قال السعدي: ‏{حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، فإن اقتضت حكمته أن يغفر لهم ويتوب عليهم غفر لهم وتاب عليهم، وإن اقتضت حكمته أن يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة، فعل ذلك‏.‏

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {والله عليم حكيم} تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس ، أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين ، محكم تقديره حين تتعلق به إرادته.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):

ومن المُتخَلِّفين عن غزوة تبوك قوم آخرون لم يكن لهم عذر، فهؤلاء مُؤخَّرون لقضاء الله وحكمه فيهم، يحكم فيهم بما يشاء: إما أن يعذبهم إن لم يتوبوا إليه، وإما أن يتوب عليهم إن تابوا، والله عليم بمن يستحق عقابه، وبمن يستحق عفوه، حكيم في شرعه وتدبيره، وهؤلاء هم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..................
(1): انظر البسيط للواحدي.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون» من أرجأ يرجىء بالهمز، واختلف عن عاصم، وهما لغتان، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال

(2)قال الماوردي في النكت والعيون: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم.
...................................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}: التوبة (108).

*قوله {لَا تَقُمْ}:* أي لا تصل.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، وابن الجوزي في زاد المسير، ومجير الدين العليمي في تفسير الرحمن، والسيوطي في الجلالين، والقاسمي في محاسن التأويل.

قال الشوكاني في فتح القدير: وقد يعبر عن الصلاة بالقيام، يقال: فلان يقوم الليل، أي: يصلي، ومنه الحديث الصحيح: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». (1).

*قوله {فِيهِ}:* في مسجد الضرار؛ الذي سبق ذكره في قوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {لا تقم فيه}: أي مسجد الضرار.

*قوله {أَبَدًا}:* أنت ولا أحدا من أمتك.

لأنه معقل لمحاربة الإسلام وأهله؛ يعني يجب تخريبه، ومحو أثره.
والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمته لذا فني وأبيد.

قال ابن كثير في تفسيره: نهي من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، والأمة تبع له في ذلك، عن أن يقوم فيه، أي: يصلي فيه أبدا.

قال البقاعي في نظم الدرر: {أبدا} أي سواء تابوا أولا، وأراد بعض المخلصين أن يأخذه أولا، ايلابد من إخرابه ومحو أثره عن وجه الأرض.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً نهي عن إتيانه والصلاة فيه.

قال أبو حيان في البحر المحيط: «لا تقم فيه أبدا» ، وعبر بالقيام عن الصلاة فيه.

*قوله {لَمَسْجِدٌ}:* اللام تأكيد للقسم، كأنه قيل: والله لمسجد أسس.
قاله الواحدي في البسيط.

قال الطبري في تفسيره: ثم أقسم جل ثناؤه فقال: (لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم).

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يعني به مسجد قباء.

*قوله {أُسِّسَ}:* ابتدئ أساسه وأصله.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان، ومجير الدين العليمي في تفسيره: بني أصله.

قال السيوطي في الجلالين بنيت قواعده.

*قوله {عَلَى التَّقْوَى}:* على طاعة الله؛ لا نفاقا وكفرا وارصادا لمن حارب الله ورسوله؛ كما اتخذ المنافقون مسجدهم الضرار.

قال السمعاني في تفسيره: {عَلَى التَّقْوَى} أي ليتقى فيه من الشرك.

قال الواحدي في الوجيز: بُنيت جُدُره ورُفعت قواعده على طاعة الله تعالى.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: لمسجد أسس على التقوى أي: بني على الطاعة، وبناه المتقون.

قال الشوكاني في فتح القدير: وتأسيس البناء: تثبيته ورفعه. ومعنى تأسيسه على التقوى: تأسيسه على الخصال التي تتقي بها العقوبة.

*قوله {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}:* بني فيه.
قاله السمعاني في تفسيره: معناه من ابتداء أيام الإسلام.

قال الطبري في تفسيره: ابتدئ في بنائه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني المسجد الذي بني على التوحيد من أول يوم.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: يريد: "منذ أول يوم" لأن من العرب من يقول " لم أره من يوم كذا " يريد "منذ أول يوم".

*قوله {أَحَقُّ}:* أولى، وأجدر؛ من صلاتك في مسجد الضرار.

قال الطبري في تفسيره، وغيره: أولى.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {أَحَقُّ}: أولى، وأجدر.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: وقوله: {أحق} ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق، إذ لا مفاضلة بين المسجدين.

*قوله {أَنْ}:* أي بأن.
قاله النحاس في إعراب القرآن، والخطيب الشربيني في السراج المنير، والسيوطي في الجلالين، وغيرهم.

إلا أن النحاس قال: (أن تقوم فيه) في موضع نصب أي بأن تقوم فيه.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " وأن " في موضع نصب، المعنى: لمسجد أسس على التقوى أحق بأن تقوم فيه.

*قوله {تَقُومَ}:* تصلي.
قاله السمعاني في تفسيره، والخطيب الشربيني في السراج المنير، والسيوطي في الجلالين.

إلا أن السمعاني قال: {أحق أن تقوم فيه} أي: أولى أن تقوم فيه، أي: تصلي فيه.

قال الطبري: يقول أولى أن تقوم فيه مصلِّيًا.

*قوله {فِيهِ}:* أي في مسجد قباء.

قال ابن كثير في تفسيره: ثم حثه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى، وهي طاعة الله، وطاعة رسوله، وجمعا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلا للإسلام وأهله؛ ولهذا قال تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء.

*قوله {فِيهِ}:* في المسجد الذي أسس تقوى الله، وطاعته.

*قوله {رِجَالٌ}:* من المؤمنين حقا؛ وهم الأنصار.

ونحوه قوله تعالى (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).

وقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {فيهرجال} أي لهم كمال الرجولية.

قال الواحدي في الوجيز: {فيهرجال} يعني: الأنصار.

*قوله {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}:* من الأحداث والجنابات والنجاسات.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وهؤلاء قوم من الأنصار.

*قوله {وَاللَّهُ}:* الذي أمر بالطهارة.

*قوله {يُحِبُّ}:* فيه إثبات صفة المحبة لله - جل ذكره -.

*قوله {الْمُطَّهِّرِينَ}:* عام. وهم الذين تطهروا من دنس النجاسات؛ الحسية كالبول والغائط، وكل ما أسمته الشريعة نجسا، والمعنوية كالشرك والنفاق.

وهذا النوع من الطهارة هو المقصود الأول من الطهارة؛ فالكفر والنفاق قذر ونجاسة لا تطهرها ماء البحار. يطهرها فقط: الرجوع عن الكفر إلى الإيمان.

وقد نعت الله المنافقين؛ كالذين اتخذوا مسجد الضرار بقوله تعالى (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ): قال الطبري في تفسيره: يقول:إنهم نجس.

قال السمرقندي في بحر العلوم:{إنهمرجس}، يعني:قذرنجس.

قال البقاعي في نظم الدرر: {الْمُطَّهِّرِينَ} أي قاطبة منهم ومن غيرهم.

*فائدة:*

قال السيوطي في الجلالين: {الْمُطَّهِّرِينَ} فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء.

قال البغوي: والله يحب المطهرين: أي المتطهرين.

قلت(عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ): الْمُطَّوِّعِينَ: أصله: المتطوعين.

قال الطبري في تفسيره: فإن معناه: المتطوعين،أدغمتالتاءفيالطاء، فصارت طاء مشددة.

وقوله (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ): فقوله (أَنْ يَطَّوَّف): أصله: أن يتطوف. وقوله (وَمَنْ تَطَوَّعَ): أي تتطوع.

قال البغوي في تفسيره: وأصله يتطوفأدغمتالتاءفيالطاء.

وقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا): فَاطَّهَّرُوا: فتطهروا.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وقوله: (فاطهروا). معناه فتطهروا، إلا أنالتاءتدغمفيالطاءلأنهما من مكان واحد.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):

مسجد هذه صفته لا تستجب - أيها النبي - لدعوة المنافقين لك للصلاة فيه، فإن مسجد قباء الذي أُسِّس أول ما أُسِّس على التقوى أولى بأن تصلي فيه من هذا المسجد الذي أُسِّس على الكفر، في مسجد قباء رجال يحبون أن يتطهروا من الأحداث والأخباث بالماء، ومن المعاصي بالتوبة والاستغفار، والله يحب المتطهرين من الأحداث والأخباث والذنوب.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
...................

(1): رواه البخاري (37)، ومسلم ((759)؛ من حديث أبي هريرة مرفوعا.

....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا وَفَجَّرنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف: 33].

*قوله {كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت}:* آتَت: أعطت وأنتجت، وأثمرت.

ونظيرتها قوله تعالى (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ): فَآَتَتْ: أي فأعطت.

قالابن فارس في تهذيب اللغة: أي أعطت، والمعنىأثمرتمثلي ما يثمر غيرها من الجنان.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {آتَتْأُكُلَهَا}:أثمرتثمرها.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى:أثمرتالجنتان إثمارا كثيرا حتى أشبهت المعطي من عنده.

*قوله {أُكُلَها}:* ثمرها. ومن معاني "الأُكل": الثمر.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والأُكْل: الرزق: وَمِنْه قيل للْمَيت: انْقَطع أُكْله.
والأُكْل: الحَظّ من الدُّنْيَا كَأَنَّهُيُؤْكَل.
والأُكْل:الثَّمر.
وآكلت الشَّجَرَة: أطْعمتْ.
وَرجل ذُو أُكْل: أَي ذُو رَأْي وعَقْل وحَصَافة.

قال ابن منظور في لسان العرب: وفي الصِّحاحِ:والأُكْلثَمَرُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ. وكُلُّمَايُؤْكل، فَهُوَ أُكْل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: (أُكُلُها دائِمٌ).

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ): فَآَتَتْ أُكُلَهَا: أي ثمرها.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال الطبري في تفسيره: أضعفثمرهاضعفين حين أصابها الوابل من المطر.

*قوله {وَلَم تَظلِم}:* أي ولم تنقص.

والمعنى: آتت أكلها كاملا تاما؛ من غير نقصان من ثمرها.

وأصل الظلم: النقصان. تقول: لا تظلمني في الوزن: يعني لا تنقص منه.

ونظيرتها قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا): وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا: أي لا ينقص من حسناتهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة؛ لا أدنى منها وأكثر؛ لأن الحساب عنده بمثاقيل الذر (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

ومنه ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا): قال يحيى بن سلام في التصاريف: يقول: فلا تنقص من ثواب عملهاشيئا.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا): أي ولمتنقص.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، وغيرهم جمع.

زاد أبو عبيدة: ويقال: ظلمنى فلان حقى أي نقصنى.

قال الطبري في تفسيره: قوله: {ولمتظلممنهشيئا} يقول:ولمتنقصمن الأكل شيئا، بل أتت ذلك تاما كاملا، ومنهقولهم: ظلم فلان فلانا حقه: إذا بخسه ونقصه، كما قال الشاعر: [البحر الطويل]:
تظلمني ما لي كذا ولوى يدي...لوى يده الله الذي هو غالبه.

قال الألوسي في روح المعاني: ولمتظلممنهأي لمتنقصمن أكلهاشيئامن النقص على خلاف ما يعهد في سائر البساتين فإن الثمار غالبا تكثر في عام وتقل في عام وكذا بعض الأشجار تأتي بالثمار في بعض الأعوام دون بعض.

*قوله {وَفَجَّرنا}:* أي شققنا.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وقاله الجلال المحلي في الجلالين.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ): يقول:شققناالأرض فالتقى الماء.
قاله السيوطي في الدر المنثور في التفسير.

ومنه (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ): وَفَجَّرْنَا فِيهَا: أيشققنافي الأرض.
قالهالألوسي في روح المعاني.

*قوله {خِلالَهُما}:* أيوسطهما، وبينهما.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ): خِلَالِهِ: وسطه.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا): خِلَالَهَا: وسطها.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

ومنه (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ): خِلَالَكُمْ: وسطكم، وبينكم.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: قوله:{خلالكم}أي فيمابينكم.

وقال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم: {خِلَالَكُمْ}: وسطكم.

قال الواحدي في الوسيط: وخلال الشيء وسطه.

ومنه (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ): خِلَالَ الدِّيَار: وسط، وبين الديار.

قال السمعاني في تفسيره: وسط الديار.

قال أبو حيان في البحر المحيط: وسطالدياروما بينها.

*قوله {نَهَرًا}:* يجري بينهما؛ ليزيد بهاؤهما.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿لا أُقسِمُ بِهذَا البَلَدِ۝وَأَنتَ حِلٌّ بِهذَا البَلَدِ﴾ [البلد: 1-2].


*قوله {لا أُقسِمُ}:* معناه: أقسم. و "لا" زائدة. (يمكن الاستغناء عنها من ناحية المعنى؛ وإلا كتاب الله ليس به زيادة - وتفصيله في موضعه).

قال الدعاس في إعراب القرآن: «لا أقسم» لا زائدة ومضارع فاعله مستتر.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ومعناه أقسم برب هذا البلد.

*قوله {بِهذَا البَلَدِ}:* يعني مكة. بالإجماع.

قال الألوسي في روح المعاني: أقسم سبحانه بالبلد الحرام أعني مكة فإنه المراد بالمشار إليه بالإجماع.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ولا خلاف بين المفسرين أن «البلد» المذكور هو مكة.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ} أراد مكة باتفاق.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يعنى بالبلد ههنا مكة، والمعنى أقسم بهذا البلد.

قال الطبري في تفسيره: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام، وهو مكة.

*قوله {وَأَنتَ}:* يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم -.

*قوله {حِلٌّ}:* أي حلال؛ لا إثم عليك. كقولك حرم: أي حرام.


يعني: حلال لك أن تقاتل أهل الكفر في مكة ولا إثم عليك في ذلك مع عظم قدرها وحرمتها؛ وذلك يوم فتح مكة، ولم يحل هذا الصنيع لأحد قبلك؛ ولن يحل لأحد بعدك؛ فهي المدينة التي لم تغزَ قط.

ففي البخاري (1349) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ،...».

فمعنى قوله تعالى (حل): حلال.
قاله الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، والفراء في معاني القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والبغوي في تفسيره، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط في التفسير، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم جمع.

إلا أن الفراء قال: يقول: هو حلال لك أحله يوم فتح مكة لم يحل قبله، ولن يحل بعده.

وزاد السمين الحلبي: لأنها أحلت له ساعة من نهار كما ثبت في الصحيح.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قال ابن قتيبة: والحل: الحلال، والحرم والحرام، واللبس واللباس.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يقال: رجلحلوحلال ومحل، وكذلك رجل حرام وحرم ومحرم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ): معنى حل: حلال.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والجلال السيوطي في الجلالين، وغيرهم.

ومنه (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ): لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ: لا هن حلال لهم؛ يعني المؤمنات محرمات على الكفار.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والحل: الحلال، وهو مصدر حل نحو عز عزا ومنه وأنت حل بهذا البلد أي حلال به.

قال الزجاج في معاني القرآن: أي إن المؤمنات لا يحللن للكفار ولا الكفار يحلون للمؤمنات.

*قوله {بِهذَا البَلَدِ}:* يعني بمكة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: وهذا حين أحلت له مكة ساعة من النهار يوم الفتح.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يحلها يوم فتح مكة، معناه فسيحل لك هذا البلد، يعني: القتال فيه ساعة من النهار، ولم يحل لك أكثر من ذلك.

قال التستري في تفسيره: يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالا تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار». (1) فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازا له وإذلالا لأعدائه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وأنت حل بهذا البلد}: يعني: بمكة؛ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنت يا محمد حل بهذا البلد، يعني بمكة، يقول: أنت به حلال تصنع فيه من قتل من أردت قتله، وأسر من أردت أسره، مطلق ذلك لك؛ يقال منه: هو حل، وهو حلال، وهو حرم، وهو حرام، وهو محل، وهو محرم، وأحللنا.

قال الواحدي في الوجيز: {حل بهذا البلد} تصنع فيه ما تريد ما القتل والأسر وأحلت له مكة ساعة من النهار يوم الفتح حتى قاتل وقتل من شاء.

(قال البغوي في تفسيره: (وأنت حل) أي حلال، (بهذا البلد ) تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم . أحل الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح ، حتى قاتل وقتل وأمر بقتل ابن خطل ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة وغيرهما ، فأحل دماء قوم وحرم دماء قوم فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ثم قال : إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. والمعنى: أن الله تعالى لما أقسم بمكة دل ذلك على عظيم قدرها مع حرمتها ، فوعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يحلها له حتى يقاتل فيها ، وأن يفتحها على يده ، فهذا وعد من الله - عز وجل - بأن يحلها له.
..............................

(1): رواه البخاري (1349)؛ من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعا.

..................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿أَفَمَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٍ خَيرٌ أَم مَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ﴾ [التوبة: 109].

*قوله {أَفَمَن}:* استفهام للإنكار والتوبيخ.

ونظير ذلك في القرآن كثير؛ من ذلك قوله تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ): قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: الهمزة فيه للإنكار.

وقوله (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ): قال الشهاب في حاشيته: والهمزةللإنكار.

فقوله تعالى {أفمن} ألف إنكار.
قاله الماوردي في النكت والعيون، وأبو السعود في تفسيره.

إلا أن أبا السعود قال: والهمزة للإنكار.

*قوله {أَسَّسَ}:* أصّل، وقعّد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير. التأسيس: إحكام أس البناء، وهو أصله.

*قوله {بُنيانَهُ}:* بِنايته التي بناها.

قال القرطبي في تفسيره: والمراد أصول البناء.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والبنيان مصدر يراد به المبني.

قال الواحدي في البسيط: والبنيان يراد به المبني لأنه إنما يؤسس المبني.

*قوله {عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ}:* أي على خوف من الله. وتحقيق التقوي: بفعل الأمر، وترك النهي. اتقاء لسخطه، وطلبا لثوابه.

قال الواحدي في البسيط: والجار من قوله: {على تقوى} في موضع نصب على الحال تقديره: أفمن أسس بنيانه متقيا.

*قوله {وَرِضوانٍ}:* أي رضي الله لهم هذه البناية. والرضوان: ثواب وزيادة.

قال الواحدي في البسيط: وقال أهل المعاني: إنما صارالرضوان أكبر منالثواب؛ لأنه لا يوجد شيء منه إلا بالرضوان، إذ هو الداعي إليه، والموجب له.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والذي أسس على التقوى والرضوان: مسجد المدينة أو مسجد قباء.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: أما قوله: على تقوى من الله ورضوان أي للخوف من عقاب الله والرغبة في ثوابه لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا عند هذه الرهبة والرغبة.

قال الزمخشري في الكشاف: والمعنى: أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء، وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات والاستمساك، وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى.

*قوله {خَيرٌ}:* هو.

*قوله {أَم مَن أَسَّسَ بُنيانَهُ}:* عام؛ فيشمل بناء مسجد الضرار، ويشمل كذلك كل بنيان بني على غير غير تقوى.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: المؤسس بنيانه متقيا يخاف الله ويرجو رضوانه خير، أم المؤسس بنيانه غير متق؟.

*قوله {عَلى شَفا}:* شفا: طرف، وحرف، وحافة الشيء؛ ومعناه: القرب الشديد حافة، وطرف الشيء.
ومنه يقال: أشفى على الهلكة: إذا دنا منها.

قال السمعاني في تفسيره: الشفا: هو الحرف والحد.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وشفا الشيء حرفه وحده، والشفا مقصور يكتب الألف ويثنى شفوين.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: وشفا الوادي والبئر والقبر، وما أشبهها، وشفيره أيضا أي حرفه.

قال الراغب الاصفهاني في المفردات: شفا البئر وغيرها: حرفه، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي حرف حفرة.

*قوله {جُرُفٍ}:* ما تجرفه السيول من الأدوية.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القران.

قال الراغب الاصفهاني في المفردات: يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه - أي: يذهب به.

قال القرطبي: وهو جوانبه التي تنحفر بالماء، وأصله من الجرف والاجتراف، وهو اقتلاع الشيء من أصله."

قال الزمخشري في الكشاف: وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهيا.

قال السمعاني في تفسيره: والجرف: هو ما تجرف من السيل، أي: تقطع من السيل، فصار لرخاوته لا يثبت عليه بناء.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يقال: جرف هار وهائر؛ إذا كان متصدعا؛ فإذا سقط قيل: انهار وتهور.

قال الماوردي في النكت والعيون: {أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار} يعني شفير جرف وهو حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته وأكل الماء له.

*قوله {هارٍ}:* أي ساقط. يعني: سقط بالباني.
وأصله: هائر؛ مثل: عاق وعائق. والهائر: الساقط.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن، والنحاس في إعراب القرآن: وأصله هائر.

قال الراغب الاصفهاني في المفردات، وابن الجوزي في زاد المسير : يقال: هار البناء، وتهور: إذا سقط.

قال الماوردي في النكت والعيون، والسمعاني في تفسيره: {هار} يعني هائر، والهائر: الساقط.

زاد الماوردي: وهذا مثل ضربه الله تعالى لمسجد الضرار.

قال البغوي في تفسيره: (هار) أي: هائر وهو الساقط يقال هار يهور فهو هائر، ثم يقلب فيقال: هار مثل شاك وشائك وعاق وعائق.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه :ومعنى (هار) هائر وهذا من المقلوب، كما قالوا في لاث الشيء إذا دار فهو لاث والأصل لائث وكما قالوا شاك السلاح وشائك.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {على شفا جرف هار} أي: على حرف جرف هائر.

قال الكفوي في الكليات: {على شفا جرف هار} : على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: والذي أسس على شفا جرف هار: هو مسجد الضرار.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: مسجد الضرار الذي أسس بنيانه يعني: أصل بنيانه على شفا جرف هار، يعني: على طرف هوة ليس له أصل.

*قوله {فَانهارَ}:* فسقط.

*قوله {بِهِ}:* ببناءه.

*قوله {في نارِ جَهَنَّمَ}:* يريد صيرهم النفاق إلى نار جهنم.

قال البغوي في تفسيره: سقط بالباني في نار جهنم، يريد بناء هذا المسجد الضرار كالبناء على شفير جهنم فيهور بأهلها فيها.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فطاح به الباطل في نار جهنم ولما جعل الجرف الهائر مجازاً عن الباطل رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها.

قال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: فما معنى قوله فانهار به في نار جهنم؟ قلت: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل قيل: فانهار به في نار جهنم، على معنى: فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها.

*قوله {وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمين}:* لا يوفقهم للخير عقوبة لهم على نفاقهم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*المعنى الإجمالي للآية ( من كتاب المختصر في التفسير):*
أيستوي مَن أَسَّس بنيانه على تقوى من الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ورضوان الله بالتوسع في أعمال البر مع من بنى مسجدًا للإضرار بالمسلمين وتقوية الكفر، والتفريق بين المؤمنين؟! لا يستويان أبدًا، فالأول بنيانه قوي متماسك لا يخشى عليه السقوط، وهذا مثله كمثل من بنى بنيانًا على شفير حفرة فتهدم وسقط، فانهار به بنيانه في قعر جهنم، والله لا يوفق القوم الظالمين بالكفر والنفاق وغير ذلك.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
................................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} الشعراء (129).

*قوله {أَتَبْنُونَ بِكُل رِيعٍ}:* الريع المرتفع من الأرض.

والمعنى: تبنون في هذه الأماكن أبنية عظيمة محكمة باهرة هائلة. (1).

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو الارتفاع من الأرض والطريق والجميع أرياع وريعة.

*قوله {آيَةً}:* علامة.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {آيَةً}: أي علامة على شدتكم.

*قوله {تَعْبَثُونَ}:* أي تلعبون.

والمعنى: اتخذوا الأماكن المرتفعة، للشهرة أنهم أولو قوة، والعبث؛ لم يفعلوا ذلك لمصلحة؛ فأفنوا الأوقات والأعمار في غير فائدة؛ وقد خلقوا لعمروها بعبادة الله؛ لذا ينبغي البعد عن ما لا فائدة منه في دين أو دنيا.

فمعنى قوله تعالى {تَعْبَثُونَ}: أي تلعبون.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.

قال السعدي في تفسيره: أي: تفعلون ذلك عبثا لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم.

*قوله {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}:* مَصَانِعَ: أي أبنية. مفردها: مصنعة.

والمصانع: مثل: مآخذ للماء (النافورة)، والقصور، والحصون، وبروج الحمام، وغيره مما في معناه.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: {ريع}بروجالحمام.

قال الطبري: إن المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورًا وحصونا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان، ولا هو مما يدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه، ما قال الله: إنهم كانوا يتخذون مصانع.
..............................
(1): قال ابن كثير في تفسيره: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون)،اختلف المفسرون في الريع بما حاصله : أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة. تبنون هناك بناء محكما باهرا هائلاظ ولهذا قال:(أتبنون بكل ريع آية)أي: معلما بناء مشهورا، تعبثون.
........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
قوله تعالى
﴿وَزُروعٍ وَنَخلٍ طَلعُها هَضيمٌ﴾
[الشعراء: 148].

*قوله {طَلعُها}:* ثمرها. ومنه قوله تعالى (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ): طَلْعُهَا يعني: ثمرها؛ يريد شجرة الزقوم.

قال الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره: {طَلعُها}: ثمرها.

*قوله {هَضيمٌ}:* فعيل بمعنى مفعول؛ أي لين، لطيف، منهضم، رقيق؛ سهل الهضم يتهشم؛ وهذا بيّن في الرطب.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَزُروعٍ وَنَخلٍ طَلعُها هَضيم} أي منهضم.

قال الأزهري في تهذيب اللغة: والهضيم: اللطيف.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والهضيم: بمعنى المهضوم.

قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: (هضيم): صفة مشتقة من الثلاثي هضم باب فرح أي رق ولان، وزنهفعيلبمعنى مفعول.

..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا﴾ [الإسراء: 78].

*قوله {لِدُلوكِ الشَّمس}:* أي ميلها. والدلوك: الميل. يقال: دلك فلان إلى الشيء: يعني مال إليه. فيدخل فيه صلاة الظهر، والعصر.

فقوله تعالى {لِدُلوكِ الشَّمس} أي ميلها للغروب عن كبد (وسط) السماء. وهو: وقت صلاة الظهر.

قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: وأصل الدلوك: الميل.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: دلوك الشمس: ميلها للغروب.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: {لِدُلوكِ الشَّمس} زوالها وميلها في وقت الظهيرة، وكذلك ميلها إلى الغروب هودلوكها أيضا.

*قوله {غَسَقِ اللَّيلِ}:* ظلامه. والغسق: ظلمة الليل. يقال: غسق الليل: إذا أظلم. فيدخل فيه صلاة المغرب، والعشاء.

ومنه قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ): أي من شر ظلام الليل؛ لأن الشرور تكثر فيه. ومعنى وقب: دخل.

قال ابن القوطية في كتاب الأفعال: وأغسقنا: صرنا فيالغسقوهوالظلامالشديد.

قال البَندنيجي في التقفية في اللغة: غسقالليليغسقإذا أظلم.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وقدغسق الليليغسق، أي أظلم. والغاسق:الليلإذا غاب الشفق.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {غَسَقِ اللَّيلِ}: ظلامه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: غسق الليل: شدة ظلمته.

قوله {وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا}: وَقُرآنَ الفَجر: أي صلاة الفجر.

فائدة:

قوله { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ }أي: ميلانها إلى الأفق الغربي بعد الزوال، فيدخل في ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر.

وقوله { إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ }أي: ظلمته، فدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء.

وقوله { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ }أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة والنهار.

ففي هذه الآية، ذكر الأوقات الخمسة، للصلوات المكتوبات، وأن الصلوات الموقعة فيه فرائض لتخصيصها بالأمر.
ذكره السعدي في تفسيره.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿لا يَزالُ بُنيانُهُمُ الَّذي بَنَوا ريبَةً في قُلوبِهِم إِلّا أَن تَقَطَّعَ قُلوبُهُم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾ [التوبة: 110].

*قوله {لا يَزالُ بُنيانُهُمُ}:* بُنيانُهُمُ: أي بناؤهم الذي بنوه. يعني مسجد الضرار؛ مسجد النفاق.

قال الماوردي في النكت والعيون: يعني مسجد الضرار.
وهو قول القرطبي في تفسيره.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (لا يزال بنيانهم) يعنى مسجد النفاق.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الضمير في بنيانهم عائد على المنافقين البانين للمسجد ومن شاركهم في غرضهم.

*قوله {الَّذي بَنَوا}:* هم، ولم يبنه غيرهم.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: تأكيد دفعا لوهم من يتوهم أنهم لم يبنوا حقيقة وإنما دبروا أمورا، من قولهم: «كم أبني وتهدم» ، وعليه قوله:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.

قال الألوسي في روح المعاني: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا) أي بناؤهم الذي بنوه.

*قوله {ريبَةً في قُلوبِهِم} :* ريبَةً: أي شكا. والمنافق مرتاب؛ أي شاك، وبناءهم زيادة في نفاقهم ومحاربتهم للإسلام وأهله.

والمعنى: ما زال بنيانهم للمسجد نفاقا؛ فلا يرجى منه إلا محاربة الله ورسوله وأهل الإيمان وتفريقهم.

قال الطبري في تفسيره: (ريبة)، يقول: لا يزال مسجدهم الذي بنوه (ريبة في قلوبهم)، يعني: شكًّا ونفاقًا في قلوبهم, يحسبون أنهم كانوا في بنائه مُحْسنين.

قال ابن خالويه في الحجة في القراءات السبع: البنيان: مصدر واقع على المبني، وإذا كان كذلك كان المضاف محذوفا تقديره:لا يزال بناء المبني الذي بنوا ريبة.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {ريبَةً} : شكا.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن خالويه في الحجة في القراءات السبع، وغيرهم.

زاد السمعاني في تفسيره: واضطرابا في قلوبهم.

زاد البغوي: ونفاقا، في قلوبهم.

قال العسكري في الفروق اللغوية: وأصل الشك في العربية من قولك شككت الشيء إذا جمعته بشيء تدخله فيه والشك هو
اجتماع شيئين في الضمير.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والريبة من الريب، والريب الشك.

قال الفراهي في مفردات القرآن: الريب: هو الشك.

قال الألوسي في روح المعاني: والريبة اسم من الريب بمعنى الشك.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: والريب: الشك. والريبة: ما أتى به المريب. وارتبت به ارتيابا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}: مُرِيبٍ: شاك في الله تعالى ودينه، وقيل: في البعث.
قاله الالوسي في روح المعاني.

ومنه {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}: لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ : أي لشك المبطلون.

قال البغوي في تفسيره: يعني لو كنت تكتب أو تقرأ الكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة.

ومنه {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}: قال الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: أي لا شك فيه، وبه سمي أهل الريبة، لأن أمرهم مشكك يفارق التعارف.

ومنه {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}: (في ريب) معناه في شك.
قاله الزجاج في معاني واعراب القرآن.

ومنه {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}: (وَارْتَابَتْ): يعني شكت. (رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ): أي في شكهم يتحيرون.

قال البغوي في تفسيره: {وارتابت قلوبهم} أي شكت ونافقت.

ومنه {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}: (لَا رَيْبَ فِيهِ): لا شك فيه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القران.

ومنه {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوابَلْ}: {أم ارتابوا} أي شكوا في نبوته.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال البغوي: {أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا} أي: شكوا، هذا استفهام ذم وتوبيخ، أي: هم كذلك.

ومنه {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}: أي في شك من البعث.
قاله السمعاني في تفسيره.

وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الكذب ريبة وإن الصدق طمأنينة» (1).

فالريبة هنا بمعنى: الشك. أي دع ما يجعلك تشك في حله وحرمته، وصحته، وفساده إلى اليقين الذي لا تشك فيه؛ يعني دع الشك إلى اليقين.

وهذه قاعدة شرعية جليلة؛ فيها صلاح الدين والدنيا؛ وقد انتهكت كثير من المحرمات بسبب التفريط فيها.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم}: ولا يزال مسجدهم الذي بنوه، شكا في قلوبهم ونفاقا.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال الطبري في تفسيره: يقول: يعني شكا ونفاقا في قلوبهم، يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: ثم قال تعالى: (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) والمعنى: أن بناء ذلك البنيان صار سببا لحصول الريبة في قلوبهم، فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه سببا للريبة.

*قوله { إِلّا أَن}:* بمنزلة: حتى.
قاله الفراء في معاني القرآن، والواحدي في البسيط.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: "إلا" هاهنا غاية.

*قوله {تَقَطَّعَ قلوبهم}:* تنفصل.
قال السيوطي في الجلالين.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: المستثنى منه محذوف والتقدير: لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطيع قلوبهم، أو في كل حال إلاحال تقطيعها.

قال السمرقندي في بحر العلوم :لأنهم إذا ماتوا انقطعت قلوبهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ . لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ . ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ): لَقَطَعنا مِنهُ الوَتين: أي لفصلنا منه نياط قلبه، وهو عرق إذا انقطع مات صاحبه.

فائدة:

*قوله { تَقَطَّعَ}:* أي تتقطع؛ وإنما حذفت التاء وادغمت للتخفيف. وقد سبق ذكر نظائرها - بحمد الله -. كما في قوله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي يتطوف. فأدغمت التاء في الطاء.

*قوله {قُلوبُهُم} :* أي ما زال النفاق في قلوبهم إلى الموت؛ وذلك قطعها.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والمقصود أن هذه الريبة باقية في قلوبهم أبدا ويموتون على هذا النفاق.

قال ابن خالويه في الحجة في القراءات السبع: إلا أن تقطع قلوبهم بالموت والبلاء، لا يخلص لهم إيمان ولا ينزعون عن النفاق.

قال الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره: يعني إلا أن تتصدع قلوبهم فيموتوا.

قال الواحدي في الوجيز: {إلا أن تقطع قلوبهم} بالموت والمعنى: لا يزالون في شك منه إلى الموت يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ويجوز: " إلا أن يقطع قلوبهم " معناه إلا أن يموتوا.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني حتى الممات.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: وقوله: {إلا أن تقطع قلوبهم} أي: إلا أن يموتوا، وقيل: إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم.

قال السيوطي في الإتقان: {إلا أن تقطع قلوبهم}: يعني الموت.

*قوله { وَاللَّهُ عَليمٌ}:* والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار من شكهم في دينهم وما قصدوا في بنائهم وأرادوه وما إليه صائر أمرهم في الآخر وفي الحياة ما عاشوا، وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله { حَكيمٌ}:* في تدبيره إياهم وتدبير جميع خلقه.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: (والله عليم حكيم) والمعنى: عليم بأحوالهم، حكيم في الأحكام التي يحكم بها عليهم.

وقال النسفي في مدارك التنزيل: {والله عليم} بعزائمهم {حكيم} في جزاء جرائمهم.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: (والله عليم) بأحوالهم، (حكيم) فيما يجري عليهم من الأحكام، أو (عليم) بنياتهم، (حكيم) في عقوباتهم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.........................
(1): شطر من حديث رواه الترمذي (2518)، وغيره من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنه -. وصححه الالباني في صحيح الترغيب والترهيب (2930).

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
قوله تعالى
﴿إِذَا السَّماءُ انشَقَّت۝وَأَذِنَت لِرَبِّها وَحُقَّت﴾ [الانشقاق: 1-2].

*قوله {إِذَا السَّماءُ انشَقَّت}:* انشَقَّت: تصدعت؛ وذلك يوم القيامة.

*قوله {وَأَذِنَت}:* وسمعت. أي وسمعت الأرض استماع الميطع.

تقول: إن القوم قد أذنوا لي أثناء حديثي أي سمعوا. وتقول: ذُكرت عند امرأتي بسوء فأذنت: أي فسمعت. وتقول: صوته حسن يأذن الناس له: أي يستمعوا له.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: وَالْأَذَنُ:الِاسْتِمَاعُ.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يقال: أذنت للشيء آذن إذاسمعت.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أذن للقارئ: استمع له "حدثته فأذن لحديثي.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {وَأَذِنَت}: سمعت.
قاله الفراء في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم جمع.

*قوله {لِرَبِّها}:* فأطاعته وامتثلت وانقادت لأمره.

قال البغوي في تفسيره: "وأذنت لربها"، أي سمعت أمر ربها بالانشقاق وأطاعته، من الأذن وهو الاستماع.

*قوله {وَحُقَّت}:* أي وحق لها أن تسمع، وتطيع؛ لأنه خلقها.

قال البغوي في تفسيره: "وحقت"، أي وحق لها أن تطيع ربها.

قال التستري في تفسيره: قوله تعالى (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)أي سمعتلربهاوأجابت بالامتثال بأمره وحق لها أن تفعل.

قال الطبري في تفسيره: وقوله:(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ)يقول: وَسَمِعَت السموات في تصدّعها وتشققها لربها وأطاعت له في أمره إياها، والعرب تقول: أذن لك في هذا الأمر أذنًا بمعنى: استمع لك.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا يَوَدُّ أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ أَلفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ﴾ [البقرة: 96].

*قوله {وَلَتَجِدَنَّهُم}:* لتعلمنهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

*قوله {أَحرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ}:* يعني اليهود.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

*قوله {وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا}:* أي وأحرص من حرص الذين أشركوا.

والمعنى: ولتجدن اليهود من شدة حبهم للحياة، وخوفهم من الموت؛ أحرص الخلق على الحياة، وكذلك أحرص من حرص الذين أشركوا على الحياة، وأشد كراهية للموت كذلك من الذين أشركوا.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى (وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا): أي ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا.

قال الطبري في تفسيره:(ومن الذين أشركوا)، وأحرص من الذين أشركوا على الحياة، كما يقال:" هو أشجع الناس ومن عنترة "بمعنى: هو أشجع من الناس ومن عنترة. فكذلك قوله:(ومن الذين أشركوا).

*قوله {يَوَدُّ}:* يريد ويتمنى.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ}:* في الدنيا.

*{أَلفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلون}:* بِمُزَحزِحِهِ: بمباعده.
قاله البغوي في تفسيره.

انتهى.

والسبب في كراهية اليهود الموت: هو علمهم اليقيني بأنهم سيعذبون بسبب معاصيهم. قال تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ): والباء في قوله "بما" سببية. أي بسبب ما قدمت أيديهم.

ونظيرتها قوله تعالى (سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) :بما كانوا: أي بسبب ما كانوا.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: وقوله «بماكانوا» الباءسببية.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ولا يتمنى اليهود الموت أبدًا(بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)يعني: بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الآثام، واجترحوا من السيئات.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿تَرهَقُها قَتَرَةٌ﴾ [عبس: 41].

*قوله {تَرهَقُها}:* أي تعلوها.
قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

*قوله {قَتَرَةٌ}:* غبار. وأصل القتر: الغبار.

والمعنى: وجوههم يومئذ مغبرة، مسودة مظلمة.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: القتر: جمعالقترة، وهيالغبار.

قال القرطبي في تفسيره: والقتر في كلام العرب: الغبار ، جمع القترة.

قال البغوي في تفسيره: ترهقها قترة"، تعلوها وتغشاها ظلمة وكسوف.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: يعلوها سواد كالدخان.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ وَلَقّاهُم نَضرَةً وَسُرورًا﴾ [الإنسان: 11].

*قوله {فَوَقاهُمُ اللَّهُ}:* أي فجنبهم، وحماهم، وصانهم.

ومنه قوله تعالى (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ): وَقِهِمْ: قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: جنبهم.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: ووقاه: صانه. ووقاه ما يكره ووقاه: حماه منه.

*قوله {شَرَّ ذلِكَ اليَومِ}:* الذي يخافونه.

وهو يوم القيامة؛ لأنه عظيم الشر؛ كما وصف في قوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا): أي كان شره فاشيا منشرا.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ اليَوم) صانهم من شدائده.

*قوله {وَلَقّاهُم}:* أعطاهم.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

*قوله {نَضرَةً}:* ضياء في وجوههم.
قاله الطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز.

*قوله {وَسُرورًا}:* في قلوبهم.
قاله الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿إِنّا خَلَقنَا الإِنسانَ مِن نُطفَةٍ أَمشاجٍ نَبتَليهِ فَجَعَلناهُ سَميعًا بَصيرًا﴾ [الإنسان: 2].

*قوله {إِنّا}:* يعني نفسه - جل ذكره -، والجمع للتعظيم.

*قوله {خَلَقنَا الإِنسان}:* يعني ذرية آدم؛ لأن آدم خلق من تراب.

قال القرطبي في تفسيره: أي ابن آدم من غير خلاف.

*قوله {مِن نُطفَةٍ}:* من ماء قليل.

يعني ماء الرجل وماء المرأة. فهو ما قلته يخرج منه أعجب ما خلق الله؛ وهو الإنسان. وأصل النطفة: الماء القليل.

قال النحاس في إعراب القرآن: والنطفةعند العرب الماءالقليلفي وعاء.

قال الطبري في تفسيره: والنطفة: كلّ ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير لك.

قال القرطبي: كقول عبد الله بن رواحة يعاتب نفسه:
"مالي أراك تكرهين الجنه هل أنت إلا نطفة في شنة". وجمعها: نطف ونطاف.

*قوله {أَمشاجٍ}:*يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج. تقول: مشجت اللبن بالدقيق: إذا خلطته به.

والمعنى: خلقنا الإنسان من ماء قليل مختلط بعضه ببعض؛ يعني ماء الرجل وماء المرأة.

قال القرطبي في تفسيره: وقال الفراء: أمشاج: أخلاط ماء الرجل وماء المرأة، والدم والعلقة. ويقال للشيء من هذا إذا خلط: مشيج كقولك خليط، وممشوج كقولك مخلوط.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (أمشاج)أخلاط.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والبغوي في تفسيره، والطبري في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.

زاد البغوي: واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين.

وزاد ابن قتيبة: يقال: مشجته فهو مشيج. يريد: اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.

*قوله {نَبتَليهِ}:* نختبره. أي: نريد اختباره.

قالالبغوي في تفسيره: نختبره بالأمر والنهي.

قال القرطبي في تفسيره: الابتلاء وهو الاختبار.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ): "وابتلوا اليتامى"، واختبروا عقول يتاماكم في أفهامهم، وصلاحهم في أديانهم، وإصلاحهم أموالهم.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {فَجَعَلناهُ سَميعًا بَصيرًا}:* أصل الكلام "فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه"؛ لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة؛ فهو من قبيل التقديم والتأخير.(1).

..............................
(1): أنظر: تفسير البغوي.
...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424
 
عودة
أعلى